Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

أضواء على فرق الشيعة - تركمان أوغلو

الكاتب : تركمان أوغلو ..

أضواء على فرق الشيعة
إبن التركماني ( تركمان أوغلو ) 
1420هـ / 2000م 
 

 بسم الله الرحمن الرحيم

بين يدي البحث



لا أعلم خلافاً بين أهل العلم والحق والإيمان في أن الإنسان لا يعصي الله تعالى إلاّ بشهوة أو بشبهة، وكلا الأمرين منتفيان في حق الصحابة، لاسيما المهاجرون الأولون من الذين كانوا يُؤذَون بمكة ويلقون من أقاربهم ومن غيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلاّ الله تعالى، وهم صابرون على الأذى متجرعون لمرارة البلوى، وفارقوا الأوطان وهجروا الخلان لمحبة الله ورسوله والجهاد في سبيله، ولما مكنهم الله تعالى في الأرض وفاءً بوعده لعباده المؤمنين: ﴿ وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾[النور/ 55] طلّقوا الدنيا وملذاتها واشتغلوا بجهاد الكفار والمشركين حتى طهّروا الجزيرة العربية والعراق والشام ومصر وغيرها من الأمصار من رجس الأوثان والرذيلة، ثم فارقوا الدنيا على ما كانوا عليه في عهد سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وبخاصة الخليفة الأول أبو بكر الصديق t، فإذا بالشيعة يطعنون فيهم، وينسبونهم بعد هذا العناء والتعب إلى الردة والضلال([1]).
فلولا هذا الطعن فيهم ليلاً ونهاراً وسراً وجهراً لم أسمح لنفسي أن أكتب سوداء على بيضاء، ولا أشغل نفسي ولا المسلمين في أمرٍ لا يجني منه الإسلام ولا أهله إلاّ مزيداً من التناحر والتفرق؛ ولكن قاتل الله الغلو فإنه أصل كل بلية في الدين، ولقد صدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t حينما قال: ( سَيَهْلِكُ فِيَّ صِنْفَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْحُبُّ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ وَمُبْغِضٌ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْبُغْضُ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ وَخَيْرُ النَّاسِ فِيَّ حَالًا النَّمَطُ الْأَوْسَطُ فَالْزَمُوهُ وَالْزَمُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ. . )([2]).
كما أرجو أن يتسع صدر القارئ الكريم لما في ثنايا الكتاب ولا يتسرع بتوجيه التهم إليّ بأني من المعادين لأهل البيت رضي الله عنهم، لأنني ومن خلال بحثي الطويل لم أجد أن هنالك خلافاً بين أهل البيت والصحابة رضوان الله عليهم جميعاً سوى ما إختلقه الغالون المنحرفون عن سنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذين اتخذوا أهل البيت ستاراً لحركتهم ومحورا لنشاطهم، هذا وقد نقل الإمام الدارمي عن أحد الزنادقة عن أسباب إلتفافهم حول أهل بيت الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (حدثنا الزهراني أبو الربيع، قال: كان من هؤلاء الجهمية رجل، وكان الذي يظهر من رأيه الترفض وانتحال حب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال رجل ممن يخالطه ويعرف مذهبه: قد علمت أنكم لا ترجعون إلى دين الإسلام ولا تعتقدونه، فما الذي حملكم على الترفض وانتحال حب علي؟ قال: إذاً أصدقك أنا، إن أظهرنا رأينا الذي نعتقده رمينا بالكفر والزندقة، وقد وجدنا أقواما ينتحلون حب علي ويظهرونه ثم يقعون بمن شاءوا، ويعتقدون ما شاءوا، ويقولون ما شاءوا، فنسبوا إلى الترفض والتشيع، فلم نر لمذهبنا أمراً ألطف من انتحال حب هذا الرجل، ثم نقول ما شئنا، ونعتقد ما شئنا، ونقع بمن شئنا، فلأن يقال لنا: رافضة أو شيعة، أحب إلينا من أن يقال: زنادقة كفار، وما عليٌّ عندنا أحسن حالاً من غيره ممن نقع بهم)([3]).
ويقول الأستاذ علي هاشم في ترجمته لكتاب ( موسوعة الفرق الإسلامية ) للدكتور محمد جواد مشكور الأستاذ في جامعة طهران وتحت عنوان: ( ملاحظات لابد منها) ما نصه:
( لو أمعنا النظر بدقة واستقصينا الحقائق، وأطلنا البحث والتنقيب في خلفيات الفرق الإسلامية، أو الفرق المحسوبة على الإسلام، فإنا نجد الأصابع اليهودية، أو المسيحية، أو المجوسية وراء بعض الفرق من خلال مؤسسيها الذين كانوا ينتمون إلى تلك الديانات قبل إسلامهم. ولقد أنصف الدكتور مشكور عندما قال في موضوع الغلاة بأن أغلب غلاة الشيعة من عبدان الفرس والشعوب الأخرى الذين كانوا على الدين المجوسي أو غيره من الأديان. ولا يخفى فإن كثيراً من هؤلاء كانوا يبطنون عقائدهم السالفة، أو أنهم كانوا يظهرونها بقالب إسلامي، أو يمزجونها مع العقائد الإسلامية النقية فيشوهونها. ولذلك نلحظ جيدا الأفكار الترقيعية الهجينة التي كان يبديها هؤلاء. هذه ملاحظة مهمة أذكرها لله وللتاريخ والأجيال دون أن أصرح بإسم معين تجنباً للإثارة وتهييج الأحاسيس مع أن عبدالقاهر البغدادي أشار إليها ونبّه عليها لكنّا لا نتفق معه في كثير مما قال. على أي حال، لا يقف على هذه الملاحظة إلاّ مَنْ أوتي بصيرة ثاقبة.)([4]) أهـ بحروفه.
إذن فحب أهل البيت لا يعني بحال من الأحوال الغلو المذموم فيهم، بإعطائهم صفات الألوهية والربوبية، أو الصفات الخاصة بالأنبياء والمرسلين المتعلقة بتبليغ الرسالة، وأخصها العصمة والوحي وبعض المعارف الغيبية، كما أن حبهم لا يقتضي إختلاق عداوة مزعومة بينهم وبين صحابة الرسول الكرام والطعن فيهم.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
                                                                                الخميس
                                                                        29 ذي الحجة 1420هـ
                                                                             22 آذار 2000م
 
 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
قال إبن حزم: ( اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم) (الفصل في الملل والأهواء والنحل - (ج 1 / ص 451)
ولكننا إذا ( بحثنا عن السبيل لأداء هذا الواجب، وجدنا فرق الإسلام قد إنقسمت إلى معسكرين:
يقول أحدهما: بأن السبيل لأداء هذا الواجب، هو أن تختار جماعة المسلمين إمامها وتعقد له وتبايعه بالإمامة؛ لأن هذا الواجب هو واجب على المكلفين ـ أي الناس ـ وهذا المعسكر يضم أهل السنة وكل المعتزلة وجميع الخوارج . . .
ويقول المعسكر الآخر: إن السبيل إلى أداء هذا الواجب، هو النص والتعيين الذي حدث وتم من الله ورسوله على شخص الإمام، أو على صفاته . . لأن هذا الواجب ليس واجباً على الجماعة المسلمة، وإنما هو واجب على الله . . وهم   الشيعة)([5]).
والسبب الذي من أجله قام هذا الخلاف ـ وما يزال ـ هو أن الشيعة القائلين بالنص قد جردوا مجموع الأمة من الثقة التي تؤهلها لحمل أمانة إختيار الإمام. فهم يقولون: ( إن شريعة نبينا . . لابد لها من حافظ . . ولا يخلو الحافظ لها من أن يكون جميع الأمة أو بعضها، وليس يجوز أن يكون الحافظ لها الأمة؛ لأن الأمة يجوز عليها السهو والنسيان وارتكاب الفساد، والعدول عمّا علمته، فإذن لابد لها من حافظ معصوم يؤمن من جهته التغيير والتبديل والسهو، ليتمكن المكلفون من المصير إلى قوله، وهذا الإمام الذي نذهب إليه)([6]).
أما أهل السنة والجماعة فإنهم يقولون: إن تنصيب الإمام هو لمصالح الدنيا، لأنه منفذ للأحكام، ومقيم للحدود، وناظر في مصالح الأمة الدنيوية؛ وليس مصدراً للدين، بلاغاً أو حفظاً، وذلك أن الأزمنة تخلو من الإمام وتتخلف في مجتمعاتها إقامة الحدود من قبل الإمام؛ ومع ذلك لا يؤدي هذا الغياب وذلك التخلف إلى فسادٍ في الدين.
لذلك لم ينص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الخليفة من بعده وترك للمسلمين الحرية يختارون خليفتهم بأنفسهم ويكون أمر تثبيته وعزله موكول إلى الأمة، ولذلك فأول كلام قاله أبو بكر t عند توليه الخلافة: ( أيها الناس أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم).
يقول شيخ الإسلام إبن تيمية في الرد على إعتراض الشيعة: ( وقول القائل كيف تجوز إمامة من يستعين على تقويمه بالرعية كلام جاهل بحقيقة الإمامة فإن الإمام ليس هو ربا لرعيته حتى يستغني عنهم ولا هو رسول الله إليهم
 حتى يكون هو الواسطة بينهم وبين الله وإنما هو والرعية شركاء يتعاونون هم وهو على مصلحة الدين والدنيا فلا بد له من إعانتهم ولا بد لهم من إعانته كأمير القافلة الذي يسير بهم في الطريق إن سلك بهم الطريق اتبعوه وإن أخطأ عن الطريق نبهوه وأرشدوه وإن خرج عليهم صائل يصول عليهم تعاون هو وهم على دفعه لكن إذا كان أكملهم علما وقدرة ورحمة كان ذلك أصلح لأحوالهم)([7]).
وإذا كان الإمام يستغني عن الرعية ولا يحتاجها في أمر من أمور الخلافة، فلماذا لم ينتظم أمر خلافة علي t؟
ولماذا لا يخرج المهدي المنتظر وتزعمون أنه ينتظر أصحابه الذين تقولون إنهم بعدة أهل بدر لكي يستعين بهم في قتاله المخالفين له؟
ومع هذا نرى أن سيدنا علي  أقر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك أمته هملاً بغير طريق واضح كما تزعم الشيعة، فيقول: ( وَمَضَتِ الدُّهُورُ وَسَلَفَتِ الْآبَاءُ وَخَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ وَإِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ كَرِيماً مِيلَادُهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ بَيْنَ مُشَبِّهٍ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ أَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَأَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم لِقَاءَهُ وَرَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ وَأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا وَرَغِبَ بِهِ عَنْ مَقَامِ الْبَلْوَى فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً صلى الله عليه وآله وسلم وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلًا بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ وَلَا عَلَمٍ قَائِمٍ كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ مُبَيِّناً حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ وَفَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ وَخَاصَّهُ وَعَامَّهُ وَعِبَرَهُ وَأَمْثَالَهُ وَمُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ وَمُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ مُفَسِّراً مُجْمَلَهُ وَمُبَيِّناً غَوَامِضَهُ بَيْنَ مَأْخُوذٍ مِيثَاقُ عِلْمِهِ وَمُوَسَّعٍ عَلَى الْعِبَادِ فِي جَهْلِهِ وَبَيْنَ مُثْبَتٍ فِي الْكِتَابِ فَرْضُهُ وَمَعْلُومٍ فِي السُّنَّةِ نَسْخُهُ وَوَاجِبٍ فِي السُّنَّةِ أَخْذُهُ وَمُرَخَّصٍ فِي الْكِتَابِ تَرْكُهُ وَبَيْنَ وَاجِبٍ بِوَقْتِهِ وَزَائِلٍ فِي مُسْتَقْبَلِهِ وَمُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ مِنْ كَبِيرٍ أَوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ أَوْ صَغِيرٍ أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ وَبَيْنَ مَقْبُولٍ فِي أَدْنَاهُ مُوَسَّعٍ فِي أَقْصَاهُ)([8]).
ثم إن أهل السنة ( يفرقون بين حالة الفرد الذي تجوز عليه هذه الأمور وبين الجماعة المكونة من جملة أفراد. ففي الجماعة يخرج الأمر عن مجرد ( كم ) لا يساوي سوى ما تساويه هذا الجماعة إذا توزعت إلى أفراد ويصل أمرها إلى ( حالة كيفية ) جديدة، بحيث نجد أن ما كان يجوز على كل فرد منفرد من أفرادها لا يجوز على الجماعة مجتمعة . . وهذه طريقة أهل الحرمة والرأي من ذوي العقول، لأنهم إنما يجتمعون في النوازل والحوادث على المشاورة لكي يحترزوا عن الخطأ الذي لولا إجتماعهم لكان إلى أن يقع أجوز …)   ( المغني للقاضي عبدالجبار)([9]).
ثم ضرب أهل السنة أمثلة على إختلاف حالة الجماعة المكونة من الأفراد عن حالة الفرد لوحده: ( بقوة الحبل المؤلف من الشعرات([10]) ) و( الشبع الحاصل من اللقم)([11]).
ويزيد هذا الأمر وضوحاً شيخ الإسلام إبن تيمية، فيقول:
( نحن نعلم أن علم الإثنين أكثر من علم أحدهما إذا انفرد, فقد يخطئ الواحد والإثنان في مسائل الحساب, فإذا كثر العدد امتنع ذلك فيما لم يكن يمتنع في حال الإنفراد، قال تعالى: ﴿ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ سورة البقرة.
فالمسلمون إذا اجتمعوا وكثروا يكون داعيهم إلى الفواحش والظلم أقل من داعيهم إذا كانوا قليلا, فإنهم في حال الإجتماع لا يجتمعون على مخالفة شرائع الإسلام كما يفعله الواحد والإثنان.
وأيضا فإن كان الإجماع قد يكون خطأ, لم يثبت أن علياً معصوم فإنه إنما علمت عصمته بالإجماع على أنه لا معصوم سواه. .)([12]).
وأيضاً فإن أهل السنة والجماعة يرون في القرآن وفي السنة العملية المتواترة الحجة الدينية والشرعية ـ كما هو رأي علي t في النص الذي أوردناه من نهج البلاغة ـ  ومن ثم فليس الإمام هو الحجة، ولا الحافظ للشريعة؛ لأن الله تعالى قد تعهد بحفظ كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد إشتمل على أصول الدين والعقيدة، ومهمات الشريعة، ثم إن الإمام الذي هو في نظر الشيعة حافظ للشريعة قد غاب منذ أكثر من أحد عشر قرناً ولا تزال الشيعة لم تفقد دينها ومذهبها؛ فكيف تسلم لهم هذه النظرية!
وقالت الشيعة أيضاً:
إن حق إختيار الإمام إذا تقرر للناس، فإن ذلك يؤدي إلى تفرق الأمة. أما النص والتعيين ففيه ضمان جمع الأمة وعدم تفرق كلمتها.
ولكن واقع الأمة الإسلامية أثبت خطأ هذا الإفتراض الشيعي النظري؛ فالأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم إجتمعت على أبي بكر وعمر وعثمان ـ عدا من تدعي الشيعة فيهم أنهم إمتنعوا عن بيعة أبي بكر ـ وهم وإن لم تصح النسبة إليهم، لا يتجاوز عددهم عدد الأصابع، ومثل هؤلاء على فرض وجودهم ـ لا يمكن تسميتهم فرقة مقابل الألوف المؤلفة من المسلمين الذين اجتمعوا على بيعته دون رهبة أو تنكيل.
أما واقع الشيعة فهو الآخر يثبت لنا خطأ هذه الفرضية؛ فلم تمنع عقيدة الشيعة في النص على الإمام من تعدد فرقهم، وفي عقيدة الإمامة بحد ذاتها، بل لقد زادت فرقهم على فرق القائلين بالإختيار.
وهذا هو بيت القصيد من هذا البحث الذي يكشف عن واقع الشيعة وعن فرقها العديدة ـ الذي كان الأولى أن لا يتفرقوا لاسيما مع إدعائهم بوجود قائمة مسبقة بأسماء إثني عشر إماماً نص عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصاً جلياً، ( أنظر الشافي في شرح الكافي/ كتاب الحجة/ باب ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم ).
وقد إخترنا كتابين من كتبهم المعتبرة في هذا الشأن وهما:
فرق الشيعة: من تأليف أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي ـ من أعلام القرن الثالث الهجري.
وكتاب المقالات والفرق: من تصنيف سعد بن عبدالله أبي خلف الأشعري القمي المتوفى سنة( 301 ) للهجرة.
ومن خلالهما نسلط الأضواء على هذه الفرق لنرى من منها على المنهاج الذي عليه فرقة الشيعة ـ الإثني عشرية ـ المنتشرة في عصرنا هنا وهناك، ومن هذا البحث نتعرف ـ أيضاً ـ على عقيدة كل فرقة من هذه الفرق، والصلة العقدية بين الشيعة القدامى والمعاصرين، كل ذلك من خلال ما كتبه علماء الشيعة قديماً وحديثاً، وما تناقلوه عن أئمتهم من روايات وأقوال.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمنا الصواب، ويرشدنا إلى الحق لنيل رضاء الباري عز وجل، لا نبتغي غير مرضاته بدلاً. كما نسأله أن يجمع شمل هذه الأمة من جديد إنه سميع مجيب. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
فرق الشيعة
أولاً: الشيعة في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
قال النوبختي والقمي: ( فأول الفرق ـ الشيعة ـ ( هكذا ) وهم فرقة علي بن أبي طالب u في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعده معروفون بإنقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبو ذر ( جندب بن جنادة الغفاري ) وعمار بن ياسر، ومن وافق مودته مودة علي u وهم أول من سمي بإسم التشيع من هذه الأمة . . )( فرق الشيعة ص39ـ 40/ المقالات والفرق ص15).هذا ما قاله علماء الشيعة قديماً.
أما المعاصرون فقد قال محمد الحسين آل كاشف الغطاء المتوفى سنة : 1373 هجرية :
الطبقة الأولى ـ من الشيعة ـ  وهم أعيان صحابة النَّبي صلّى الله عليه وآله وأبرارهم: كسلمان المحمَّدي ـ أو الفارسي ـ وأبي ذر، والمقداد، وعمّار، وخُزيمة ذي الشَّهادتين، وأبي التيهان، وحذيفة [ بن ] اليمان، والزُّبير، والفضل بن العبَّاس، وأخيه الحبر عبدالله، وهاشم بن عتبة المرقال، وأبي أيوب الأنصاري، وأبان، وأخيه خالد ابني سعيد العاص الأمويين، وأُبي بن كعب سيِّد ألقرّاء، وأنس بن الحرث بن نبيه . . إلى أن قال: ولو أردتُ أنْ أعدَ عليك الشِّيعة من الصحابة، وإثبات تشيّعهم من نفس كتب السنَّة لأحوجني ذلك إلى إفراد كتاب ضخم ، وقد كفاني مؤونة ذلك علماء الشيعة )([13]).
ولنا مع هذا الكلام والذي قبله وقفات:
الوقفة الأولى:
إن هذا الكلام الذي قالوه من وجود فرقة بإسم الشيعة في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوحي بوجود تكتلات أو فرق في عهده صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا باطل قطعاً من أساسه. فإن المسلمين لم يتفرقوا إلى فرق عقدية حتى ظهور الخوارج، فإنها أول فرقة فارقت المسلمين على أساس عقائدي وكفّرت الأمة وتركت الصلاة وراء الجماعة. أما الإختلافات التي نشأت بين أفراد هذه الأمة إبتداءً من إنتقال الرسول الكريم إلى الملأ الأعلى وحتى ظهور عبدالله بن سبأ ـ وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي، وأن علياً وصي محمد ـ كما سيأتي في كتب الشيعة ـ فكانت إختلافات سياسية محضة ـ وإن كان هذا المصطلح لم يكن شائعاً يومئذ ـ فكانت الأمة تصلي بعضها وراء بعض رغم الإختلافات التي كانت بينهم. وكان التعبير المستعمل فيما بينهم [ قتال أهل الصلاة ]. ولم ينقل عن سيدنا علي t أنه كفر معاوية وأهل الشام، بل إنه لم يكفر الخوارج الذين خرجوا عليه وكفروه، فإنه قال لهم: ( لكم علينا ثلاثاً: أن لا نمنعكم مساجد الله، وأن لا نمنعكم حقكم من الفئ، وأن لا نبدأكم بقتال ). وقال فيهم أيضاً: ( إخواننا بغوا علينا )([14]). فلو كانوا كفاراً لما تركهم على الكفر والإرتداد.
ونحن نتساءل ونقول: أليس من المتفق عليه بين أهل السنة والشيعة أن الخوارج كانوا في جيش علي t يقاتلون معه في معركتي الجمل وصفين؟
فلو أننا فرضنا أن جيش علي كانوا يعتقدون العصمة في علي ـ كما هو إعتقاد الشيعة الآن ـ فلماذا خرجوا عليه؟ بل لماذا كفّروه؟!
أيجوز أن يقع المعصوم في الكفر؟
أليس في هذا دليل على أن عقيدة العصمة في علي طرأت بعد حادثة خروج الخوارج؟
وإلاّ فلماذا يخرج ما لا يقل عن ثمانية آلاف رجل من الجيش الذي قاتل في معركتي الجمل وصفين إلى جانب علي، ثم في لحظة واحدة يخرجون عليه ويعتقدون أنه قد كفر؟
ألم يقل علي t في نهج البلاغة: ( إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي وَإِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي وَإِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ وَهُوَ لَكُمْ حَسَنَةٌ فَاعْفُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ).
يقول الدكتور عبدالهادي الحسني:
( ولو كان يعتقد أن قاتله كافر لأمر بقتله لأنه مرتد، والمرتد يجب قتله لاسيما وهو مقيم على ما هو عليه من المخالفة والقول بتكفير علي؛ فهذا حكمه t في قاتله، فكيف بغيره)([15]).
ويقول أيضاً في نهج البلاغة: ( لَا تَقْتُلُوا الْخَوَارِجَ بَعْدِي فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ).
ويقول t في نهج البلاغة أيضاً في معاوية وأهل الشام:
وَكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا بِالْقَوْمِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ وَنَبِيَّنَا وَاحِدٌ وَدَعْوَتَنَا فِي الْإِسْلَامِ وَاحِدَةٌ وَلَا نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ وَلَا يَسْتَزِيدُونَنَا وَالْأَمْرُ وَاحِدٌ إِلَّا مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ . .).
ونقل عنه أيضاً في نهج البلاغة أنه قال:
فَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَإِنَّ الْقَتْلَ لَيَدُورُ عَلَى الْآباءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَانِ وَالْقَرَابَاتِ فَمَا نَزْدَادُ عَلَى كُلِّ مُصِيبَةٍ وَشِدَّةٍ إِلَّا إِيمَاناً وَمُضِيّاً عَلَى الْحَقِّ وَتَسْلِيماً لِلْأَمْرِ وَصَبْراً عَلَى مَضَضِ الْجِرَاحِ وَلَكِنَّا إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوَانَنَا فِي الْإِسْلَامِ عَلَى مَا دَخَلَ فِيهِ مِنَ الزَّيْغِ وَالِاعْوِجَاجِ وَالشُّبْهَةِ وَالتَّأْوِيلِ فَإِذَا طَمِعْنَا فِي خَصْلَةٍ يَلُمُّ اللَّهُ بِهَا شَعَثَنَا وَنَتَدَانَى بِهَا إِلَى الْبَقِيَّةِ فِيمَا بَيْنَنَا رَغِبْنَا فِيهَا وَأَمْسَكْنَا عَمَّا سِوَاهَا ).
فهل يرضى علماء الشيعة بهذه الأقوال؟
الجواب: كلا، فإنهم أبوا إلاّ أن يخالفوا أمير المؤمنين، فكفروا جميع الذين قاتلوا علي بن أبي طالب، فهذا شيخهم المفيد يقول:
واتفقت الإمامية والزيدية والخوارج على أن الناكثين والقاسطين من أهل البصرة والشام أجمعين كفار ضلال ملعونون بحربهم أمير المؤمنين u وأنهم في النار مخلدون).( أوائل المقالات: ص48) وكذا قال عن الخوارج.
ولكن الذي يكفر معاوية t من دون دليل شرعي، عليه أن ينتبه إلى موقف سيدنا الحسن بن علي t من معاوية وتسليمه إليه مقاليد الأمة الإسلامية برمتها من دون قتال!
فأي عقل وأي منطق وأي دين يقبل أن يقوم إمام من أئمة المسلمين بالتفريط في حق أمة جاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أكثر من نصف قرن من الزمان في سبيل تخليصها من حكم الكفار والمشركين؛ ثم يأتي رجل من أمة محمد فيسلم مقاليد الحكم على أمة الإسلام إلى رجل كافر لا فرق بينه وبين أبي جهل وأبي لهب بدون حرب؟
ومقابل ماذا؟
مقابل الحفاظ على حياته هو؟ وكأنه ما سمع بالجهاد والتضحية بالنفس مقابل الجنة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾[التوبة/ 111].
أم مقابل الحفاظ على حياة أمة كفرت وارتدت على أدبارها بعدم إعتقادها بعصمة علي وفرض إمامته من الله ورسوله؟
روى الكافي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ u قَالَ كَانَ النَّاسُ أَهْلَ رِدَّةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم إِلَّا ثَلَاثَةً فَقُلْتُ وَمَنِ الثَّلَاثَةُ فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ).
ومهما يكن فإن ما يهمنا هو رأي أمير المؤمنين علي ومن ثم رأي الحسن والحسين الذين بايعا معاوية ولم يخرجا عليه حتى مات([16]), فلم ينقل عنهم نقلاً صحيحاً خبراً واحداً في تكفير أحد من الصحابة، ولا معاوية، ولا الخوارج.
الوقفة الثانية:
يقول الدكتور ناصر بن عبدالله القفاري: ( من الحقائق التاريخية المتواترة والتي تكشف خطأ الرأي ومجانبته للحقيقة، أنه لم يكن للشيعة وجود في زمن أبي بكر وعمر وعثمان. وقد إضطر بعض شيوخ الشيعة للإذعان لهذه الحقيقة.
يقول آيتهم ومجتهدهم الأكبر في زمنه محمد حسين آل كاشف الغطا في ( أصل الشيعة وأصولها: ص15):( ولم يكن للشيعة والتشيع يومئذٍ ـ أي على عهد أبي بكر وعمر ـ مجال للظهور لأن الإسلام كان يجري على مناهجه القويمة).
وبمثل هذا إعترف شيخهم الآخر وهو محمد حسين العاملي في كتابه ( الشيعة في التاريخ ص39-40) فقال: ( إن لفظ الشيعة قد أهمل بعد أن تمت الخلافة لأبي بكر وصار المسلمون فرقة واحدة إلى أواخر أيام الخليفة الثالث).
ونحن نقول: إنه أهمل لأنه لم يوجد أصلاً، إذ كيف يهمل، ولا يظهر، والحكومة كافرة في نظركم، كما هو متواتر في كتبكم - كما سيأتي نقله وبيانه - وهل كان المسلمون شيعاً في عهد الرسول... وفرقة واحدة في عهد الخلفاء الثلاثة؟! ) (أصول مذهب الشيعة (ج 1 / ص 60).
الوقفة الثالثة:
نحن نرضى أن ينسب هؤلاء الأفاضل من الصحابة الذي عدهم آل كاشف الغطا إلى التشيع، بشرط أن ينقل عنهم بنقل ثابت صحيح وصريح إعتقادهم بعقيدة الشيعة من دعوى النص على الأئمة وتكفير الشيخين أبي بكر وعمر، وأكثر الصحابة الذين بايعوهما، أو إظهار البراءة منهما أو الإنتقاص منهما أو رميهما بمخالفة أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في النص على الأئمة.
بل نرضى منهم أن يأتوا بأدنى إشارة أو قول أو عمل أو تصرف من هؤلاء الصحابة الأجلاء فيه دلالة على إعتقادهم كما يتعتقد الشيعة اليوم بالنص والعصمة. وإلاّ فهو من الكلام الذي لا يعجز أحد عن الإتيان بمثله.
ثم إن مذهب أهل السنة قد تولى نقله من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هؤلاء الصحابة الذين نسبهم آل كاشف الغطا إلى التشيع، فكان يقتضي أن يكون مذهب أهل البيت هو هذا المذهب الذي عليه أهل السنة الآن.
ومن ثم إنه أدخل الزبير بن العوام من ضمن الصحابة المتشيعين لعلي بن أبي طالب. ولا أدري أنسي أن الزبير حارب علياً في معركة الجمل؟! أم أن التشيع عنده مجرد إعتقاد أولوية علي بالخلافة، كما كان يظن سعد بن عبادة أنه أولى بالخلافة من غيره؟
أم أنه في نظره يجوز أن يحارب الإنسان إمامه المعصوم الذي يعتقد فيه أنه معين من قبل الله تعالى ولا يخرجه ذلك عن التشيع؟
ثم هل كان الشيعة الأوائل من أمثال سلمان الفارسي والمقداد وعمار كانوا يعتقدون بأن إمامة علي من الله وأنه معصوم، وأن مخالفيه كفار أو عصاة؟!
نقل الدكتور ناصر بن عبدالله القفاري عن إبن المرتضى ـ وهو شيعي زيدي ـ أنه قال في ( المنية والأمل: ص124-125) وهو يرد على الشيعة الإمامية: ( فإن زعموا أن عماراً، وأبا ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي كانوا سلفهم؛ لقولهم بإمامة علي - عليه السلام - أكذبهم كون هؤلاء لم يظهروا البراءة من الشيخين ولا السب لهم، ألا ترى أن عماراً كان عاملاً لعمر بن الخطاب في الكوفة، وسلمان الفارسي في المدائن )( أصول مذهب الشيعة - (ج 1 / ص 61).
وإنا لو إفترضنا صحة ما قاله آل كاشف الغطا حينما قال: ( ولو أردتُ أنْ أعدَ عليك الشِّيعة من الصحابة، وإثبات تشيّعهم من نفس كتب السنَّة لأحوجني ذلك إلى إفراد كتاب ضخم ، وقد كفاني مؤونة ذلك علماء الشيعة).
فيقال له:
لماذا إذن قعد علي بن أبي طالب، ولم يطلب بحقه في الخلافة مع كثرة أنصاره وشيعته؟! خاصة عندما يكون هؤلاء المتشيعين لعلي من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين لا يخافون في الحق لومة لائم.
ولكن شيخ الشيعة الطوسي الملقب بـ( شيخ الطائفة ) يخالف ما قاله آل كاشف الغطا حينما يقول:
فإن قيل: لو كان أمير المؤمنين منصوصاً عليه لوجب أن يحتج به وينكر على من دفعه بيده ولسانه، ولما جاز أن يصلي معهم، ولا أن ينكح سبيهم، ولا يأخذ فيئهم، ولا يجاهد معهم، وفي ثبوت جميع ذلك دليل على بطلان ما قلتموه.
قلنا: المانع لأمير المؤمنين u من الإحتجاج بالنص عليه الخوف بما ظهر له من الإمارات التي بانت له من إقدام القوم على طلب الأمر والإستبداد به، وإطراح عهد الرسول مع قرب عهدهم وعزمهم على إخراج الأمر عن مستحقه، فآيسه ذلك من الإنتفاع بالحجة وخاف أن يدّعوا النسخ لوقوع النص، فيكون البلية أعظم والمحنة أشد ولا يتبين لكل أحد أن نسخ الشئ قبل فعله لا يجوز، وربما إدّعوا أيضاً أنما يذكره من النص لا أصل له فتعظم البلية، لأن النص الجلي لم يكن بمحضر الجمهور بل كان بمحضر جماعة لو نقلوا لأنقطع بنقلهم الحجة، ولو جحدوا لوقعت الشبهة، ودخلت على الباقين.
وأما ترك النكير عليهم باليد فلأنه لم يجد ناصراً ولا معيناً ولو تولاه بنفسه وخواصه لربما أدى إلى قتله وقتل أهله وخاصته فلذلك عدل عنه . . . )أهـ.
فكما ترى عزيزي القارئ الكريم، التناقض الواضح بين القولين:
فالشيخ آل كاشف الغطا جعل جلّ الصحابة من أنصار علي بن أبي طالب؛ بينما الشيخ الطوسي يعلل ترك النكير من قبل عليّ بأنه لم يجد ناصراً ولا معيناً!! وهو في الوقت نفسه يرمي علياً t بأنه كان يخاف من القتل!
ونحن إذا أضفنا إلى هؤلاء الشيعة من الآل والأصحاب الذين كانوا من أنصاره جماعة مالك بن نويرة والمرتدين ومانعي الزكاة الذين تدافع عنهم الشيعة بحجة أنهم لم يكونوا مرتدين وإنما كانوا من أنصار علي بن أبي طالب والمؤمنين بإمامته، والجاحدين لخلافة أبي بكر.
فإذا كان الأمر كذلك، وكانت الإمامة من أصول الدين الذي لا يُقبل إسلام أحد بدونها؛ لكان حريٌّ بعلي بن أبي طالب t أن يهاجر إليهم، كما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة، ومن هناك يبدأ بمحاربة مغتصبي الخلافة، لأنهم أنكروا أصلاً من أصول الدين. ومعلوم أن إنكار أصل من أصول الدين يُخرج المرء من الإسلام.
يفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما لم يجد له من الأنصار في مكة ما يجاهد بهم أعداءه. فلما وجد أنصاراً له في المدينة هاجر إليهم ومن هناك بدأ بمحاربة الكفار والمشركين.
وإذ لم يفعل لا هذا ولا ذاك، وهو على الشجاعة المعهودة عنه؛ وهو القائل: ( أَمَّا قَوْلُكُمْ أَكُلَّ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي دَخَلْتُ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ الْمَوْتُ إِلَيَّ . . )(نهج البلاغة - (ج 1 / ص 54). وتزوج هو وإبنه الحسين من سبيهم، كان هذا دليلاً قاطعاً أنه لم يكن يعتقد ما تعتقده الشيعة الآن من أن الخلافة كانت له بنص من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأن الصحابة إغتصبوا الخلافة منه، مما أدى إلى إرتدادهم عن دينهم أو عصيانهم لأوامر الله تعالى ووصية رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما إذا كان قصد آل كاشف الغطا من تشيع الصحابة، أنهم نصروا علياً في حربه ضد معاوية، أو في معركتي الجمل والنهروان، فهذا تدليس بالباطل وقلب للحقائق، لأن التشيع عند الشيعة بإعتقاد الإمامة والعصمة لسيدنا علي وأولاده أقدم من هذه الحروب، فبماذا عرف تشيع هؤلاء الصحابة في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم.
أما إن كان مجرد إظهار الحب والمودة لأهل البيت كافياً في حمل سمة التشيع لأهل البيت؛ فالمسلمون ـ ولله الحمد ـ بهذا الوصف كلهم شيعة علي، ولا يوجد مسلم واحد ينتسب إلى أهل السنة والجماعة، وهو يبغض أهل البيت رضوان الله عليهم جميعاً.
يقول العلامة إبن القيم رحمه الله:
( ورضي الله عن الشافعي حيث فتح للناس هذا الباب في قوله:
يا راكبا قف بالمحصب من منى      هتف بقاعد خيفها والناهض
إن كان رفضا حب آل محمد          فليشهد الثقلان أني رافض
ورضي الله عن شيخنا ـ يقصد إبن تيمية ـ  إذ يقول:        
فإن كان نصبا ولاء الصحاب        فإني كما زعموا ناصبي
وإن كان رفضا ولاء آله            فلا برح الرفض من جانبي )([17])
بل نستطيع أن نجزم أن حب أهل السنة لأهل بيت النبي أعظم وأشمل وأكمل من حب الشيعة لهم.
فأهل السنة يحبون أهل البيت جميعاً دون تفرقة بين أولاد الحسن وأولاد الحسين. ودون أن يقولوا: هذا جعفر الصادق، وذاك جعفر الكاذب ـ ويعنون به أخا الحسن العسكري. وعلي بن الحسين معصوم، ( والحسن بن الحسن بن علي لو مات على شرب الزنا وشرب الخمر كان خيراً له مما توفي عليه)([18])، ومحمد الباقر معصوم وزيد بن علي موصوم.
ولا يوجد عند الشيعة تفسير صحيح يخرج هؤلاء وأزواج النبي وأعمامه وأولادهم من مفهوم أهل البيت، وأهل السنة يتولون جميع أولاد علي t وأحفاده من بعد دون تفريق بين هذا وذاك إلاّ بقدر ما مع كل واحد منهم من الإيمان.
أما إن كان التشيع لأهل البيت القول بوجوب بعصمتهم، أو الإعتقاد بإمامتهم من الله تعالى، أو الإعتقاد بأنهم يعلمون الغيب، أو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خصهم بعلوم من الدين أخفاها عن غيرهم، وغيرها من مثل هذه الإعتقادات فهذا ما لا يؤمن به أهل السنة ولا يمكن أن يقولوا به، لعدم وجود دليل محكم عليها.
مع أن أهل السنة والجماعة وإن كانوا لا يكفّرون من قاتل علياًّ إلاّ أنهم متفقون أن علياًّ t كان أقرب إلى الحق من معاوية ومن قاتل معه، وهم جميعاً مجتهدون للمخطئ منهم أجر واحد وللمصيب أجران، والله تعالى هو الذي يحكم بينهم بالحق، وعلينا أن نحسن الظن بالجميع، وأن نكل عملهم إلى الله تعالى وأن نقول كما قال الله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[البقرة/ 134].
ثانياً: الشيعة في زمان علي بن أبي طالب t:
( فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إفترقت فرقة الشيعة فصاروا في الإمامة ثلاث فرق)( فرق الشيعة:ص40، المقالات والفرق: ص15).
وقبل أن نشْرع في ذكر الفرق الثلاث، فإن في الفكر ثمة ملاحظات:
أولها: الجزم بأن قصد المؤلف في ذلك الوقت هو مجرد الميل إلى علي بن أبي طالب، لا الإعتقاد بعصمته أو إمامته من الله تعالى. وإلاّ فما الذي جعل هؤلاء الشيعة يفترقون إلى ثلاث فرق بمجرد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الثانية: إن الشيعة تدّعي أن الشورى والإختيار إذا وكلت إلى الأمة فإنها تفرق الأمة، وإن عقيدة النص تجمعهم.
فنحن نتساءل:
لماذا صار هؤلاء ـ بعددهم القليل ـ ثلاث فرق؟
أليسوا كانوا يقولون بفرض إمامة علي من الله ورسوله؟!
أليسوا كلهم كانوا يعتقدون بعدم جواز دفع علي عن هذا المنصب ـ أي الخلافة؟!
الثالثة: إن هذه الفرقة ذات العدد القليل، عندما تتفرق إلى ثلاث فرق يكون عدد أفراد كل فرقة منها إثنين أو ثلاثة ـ فبأي منطق أو لغة يقال لها فرقة، ويكون لها رأي مستقل يخالف رأي ما لا يقل عن إثني عشر ألفاً([19]) من الصحابة في جميع الأحوال؟
تصور أن فرقة مكونة من شخصين أو ثلاثة، وفرقة مكونة من إثني عشر ألفاً؛ ثم يقال للطرفين فرقة! لعمر الله إنه ضرب للحق بالباطل.
وآن الأوان أن نشرع في ذكر الفرق الثلاث التي تشعبت من الفرقة الأولى للشيعة.
الفرقة الأولى:
( فرقة منهم قالت: إن علي بن أبي طالب إمام مفترض الطاعة من الله ورسوله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واجب على الناس القبول منه والأخذ منه، لا يجوز لهم غيره، من أطاعه أطاع الله، ومن عصاه عصى الله . . وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصّ عليه وأشار إليه بإسمه ونسبه وعينه وقلد الأمة إمامته وأقامه ونصبه لهم علماً وعقد له عليهم إمرة المؤمنين، وجعله وصيه وخليفته ووزيره في مواطن كثيرة . . والإمامة من أجلّ الأمور بعد الرسالة، إذ هي فرض من أجلّ فرائض الله، فإذاً لا يقوم الفرائض ولا يقبل إلاّ بإمام عادل.
وقالوا: إنه لابد مع ذلك من أن تكون الإمامة جارية في عقبه إلى يوم القيامة، منصوص عليه من الإمام الذي قبله مشار إليه بعينه وإسمه. الموالي له مؤمن ناجٍ، والمعادي له كافر هالك، والمتخذ دونه وليجة ضال مشرك، وأن الإمامة دائمة جارية في عقبه على هذا السبيل ما اتصل أمر الله ونهيه ولزم العباد التكليف. فلم تزل هذه الفرقة ثابتة قائمة لازمة لإمامته وولايته على ما ذكرنا ووصفنا إلى أن قتل صلوات الله عليه وهو إبن ثلاث وستين سنة، وكانت إمامته ثلاثين سنة وخلافته أربع سنين وتسعة أشهر)( فرق الشيعة: ص40-41، المقالات والفرق:ص15-17).
ومما يلاحظ على مقالة هذه الفرقة:
إنها تمثل أصل مقالة وعقيدة الشيعة الإمامية في العصر الراهن، إلاّ إنها تفترق عنهم في أمور:
الأول: إنها قالت: أن النص على الإمام اللاحق يكون من الإمام الذي قبله، في حين أن الشيعة المعاصرين يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصّ على إثني عشر إماماً من بعده بأسمائهم وصفاتهم.
الأمر الثاني: هذه الفرقة قالت: إن الإمامة دائمة جارية في عقب أمير المؤمنين علي ما اتصل أمر الله ونهيه ولزم العباد التكليف، في حين أن الشيعة المعاصرين قالوا: إن الإمامة إنقطعت بعد الإمام الثاني عشر الذي هو المهدي المنتظر. علماً أن مقالة هذه الفرقة لم تتطرق إلى مسألة المهدوية، ولا إلى وقوع الغيبة بنوعيها الصغرى والكبرى لا من قريب ولا من بعيد.
الأمر الثالث: إنها لم تقل أن الإمامة في عقب الحسين دون الحسن.
 إنها تكفر جميع المسلمين الذين لا يؤمنون بالإمامة الإلهية لسيدنا علي وأولاده من بعده، وذلك واضح في قولهم( الموالي له مؤمن ناجٍ، والمعادي له كافر هالك، والمتخذ دونه وليجة ضال مشرك ). وقد سبق أن بيّنا أن علي بن أبي طالب لم يكفر أحداً لا من الذين حاربوه ولا الذين سالموه، ولا الذين اعتزلوه ممن لم يعترفوا بالإمامة الإلهية له.
الفرقة الثانية:
وفرقة قالت: أن علياً رحمة الله عليه كان أولى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس. . . وأجازوا مع ذلك خلافة أبي بكر وعمر، ورآهما أهلاً لذلك المقام. إحتجوا في ذلك بأن علياً سلّم لهما الأمر ورضي بذلك وبايعهما طائعاً غير مكره وترك حقه لهما، فنحن راضون كما رضي المسلمون له ولمن بايع ولا يحل لنا غير ذلك ولا يسع منّا أحداً إلاّ ذلك، وأن ولاية أبي بكر صارت رشداً وهدىً لتسليم علي ورضاه، ولولا رضاه وتسليمه لكان أبو بكر ضالاًّ هالكاً، وهم أوائل ( البترية) ( وهم الذين دعوا إلى علي ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر )( فرق الشيعة:ص42، المقالات والفرق:ص17-18).
وخرجت من هذه الفرقة فرقة قالت: أن علياًّ u أفضل الناس لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولسابقته وعلمه، ولكن كان جائزاً للناس أن يولوا عليهم غيره . . . فمن خالفه من قريش وبني هاشم، علياًّ كان أو غيره من الناس فهو كافر ضال).
ومن خلال تدقيق مقالة هذه الفرقة يتبين ما يلي:
إن هذه الفرقة هي جزء من الشيعة في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي كانت تقول بفرض إمامة علي ـ وهم ( أبو ذر وسلمان والمقداد وعمار ) ممن عددهم آل كاشف الغطا في ( أصل الشيعة وأصولها )، فما الذي دعاهم على الرجوع عن رأيهم والتراجع عن عقيدة الإمامة الإلهية.
ثم نتساءل: من هم الذين تراجعوا عن عقيدتهم وأجازوا خلافة الشيخين بعد أن كانوا يعتقدون بكفر من يدفع علياًّ عن مكانه؟!
ومن البديهي عدم جواز إطلاق لفظ الشيعة على هؤلاء لقولهم بجواز خلافة أبي بكر وعمر، لأن هذا المبدأ مرفوض عند الشيعة قديماً وحديثاً.
يقول شيخ الشيعة المفيد في تعريفه للفظ الشيعة: ( . . فهو على التخصيص لا محالة لإتباع أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله بلا فصلا ونفي الإمامة عمّن تقدمه في مقام الخلافة)( أوائل المقالات:ً39).
وقال أيضا: ( واتفقت الإمامية على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إستخلف أمير المؤمنين u في حياته ونص عليه بعد وفاته وأن من دفع ذلك فقد دفع فرضاً من الدين) (  أوائل المقالات:ص47).
وهكذا فإن عدداً لا نعرفهم بإسمائهم من الشيعة في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرجوا من نطاق لفظ الشيعة بإقرارهم خلافة الشيخين أبي بكر وعمر.
ونتمنى أن ينتبه علماء وفقهاء الشيعة إلى هذه المسألة ويبينوا لنا أسماء هذه الفرقة فإنه ربما يكون أبو ذر وسلمان والمقداد وعمار، وغيرهم من هذه الفرقة ( اللاشيعية ). وكيف يكون هؤلاء شيعة ولم يتبرأوا من أبي بكر وعمر؟
عن الورد بن زيد قال: قلت لأبي جعفر u جعلني الله فداك، قدم الكميت، فقال: أدخله، فسأله عن الشيخين؟ فقال له أبو جعفر u: ما أهريق دم ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحكم علي إلاّ وهو في إعناقهما.
فقال الكميت: الله أكبر، الله أكبر، حسبي، حسبي).
وفي رواية أخرى: ( عن أبي عبدالله u قال: يا كميت بن زيد، ما أهريق في الإسلام محجة من دمٍ ولا أكتسب من غير حله ولا نكح فرج حرام إلاّ وذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا، ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما)( رجال الكشي: ترجمة الكميت بن زيد الأسدي).
ونحن معاشر أهل السنة والجماعة نبرئ الإمامين الجليلين ( الباقر والصادق) من هاتين الروايتين وغيرهما كثير كتبتها أيدي الشعوبية ونقلتها مصادر الشيعة من روايات الكذابين الذين إندسوا في صفوف الشيعة وتظاهروا بالولاء لأهل البيت، وغايتهم هدم الشريعة المحمدية عن طريق تفريق الصف الإسلامي وإيجاد طوائف متناحرة بين أبناء المسلمين، بعد أن عجزوا عن مقارعة صناديد الإسلام وجهاً لوجه.
الفرقة الثالثة:
وفرقة منهم يسمون الجارودية أصحاب الجارود زياد بن المنذر بن الأعجمي، فقالوا: بتفضيل علي ولم يروا مقامه لأحد سواه، وزعموا أن من رفع علياً عن هذا المقام فهو كافر، وأن الأمة كفرت وضلت في تركها بيعته ثم جعلوا الإمامة بعده في الحسن بن علي ثم في الحسين بن علي ثم هي شورى بين أولادهما فمن خرج منهم وشهر سيفه ودعا إلى نفسه فهو مستحق للإمامة, وهاتان الفرقتان هما المنتحلتان أمر زيد بن علي بن الحسين وأمر زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ومنهما تشعبت فرق الزيدية . . . وميع فرق الزيدية مذاهبهم في الأحكام والفرائض والمواريث مذاهب العامة)( فرق الشيعة:ص43، المقالات والفرق:ص18-19).
قلت:
وهذه الفرقة هي الأخرى لا يمكن إعتبارها من الشيعة الخلص ـ كما يقولون ـ لعدم قولهم بإثني عشر إماماً منصوص عليهم من الله ورسوله بأسمائهم وذواتهم، وإن كان المفيد يقول: ( وإذا ثبت ما بيناه بالسمة بالتشيع كما وصفناه وجب للإمامية والزيدية والجارودية من بين سائر فرق الأمة لإنتظامهم بمعناها وحصولهم على موجبها ولم يخرجوا منها وإن ضموا إليها وفاقاً بينهم أو خلافاً في أنحاء من المعتقدات)( أوائل المقالات:ص40).
ولكن إمام المفيد المعصوم ( جعفر الصادق ) لم يكن رأيه في الجارودية مع رأي المفيد ولا ندري أيهما يجب عليه متابعة الآخر.
عن أبي بصير قال: ذكر أبو عبدالله u كثير النوا وسالم بن أبي حفصة وأبا الجارود، فقال: كذابون مكذبون كفار عليهم لعنة الله)( رجال الكشي: ترجمة أبي الجارود زياد بن المنذر).
ويقول الممقاني:
وغاية ما يستفاد من الأخبار جريان حكم الكافر والمشرك في الآخرة على كل من لم يكن إثنى عشرياً)( تنقيح المقال:1/ 208).
ويقول الكاشاني:
من جحد إمامة أحدهم ـ أي الأئمة الإثنى عشر ـ فهو بمنزلة من جحد نبوة جميع الأنبياء عليهم السلام)( منهاج النجاة:ص48).
ومن المعلوم أن قول الممقاني وقول الكاشاني أعلاه ينطبق على هذه الفرقة لقولهم بالشورى بعد الحسن والحسين وقولهم: ( فمن خرج منهم وشهر سيفه ودعا إلى نفسه فهو مستحق للإمامة).
هذه هي إذن نتائج الإنقسام الأول للشيعة:
فرقتان كافرتان، وفرقة واحدة هي على المنهج الحق ـ كما يقولون.
ثالثاً: الشيعة في زمان الحسن بن علي رضي الله عنهما:
فلما قتل علي صلوات الله عليه إفترقت الأمة التي أثبتت له الإمامة من الله ورسوله فرضاً واجباً فصاروا فرقاً ثلاثاً)( فرق الشيعة:ص43، المقالات والفرق:ص19).
قلت:
ومرة أخرى نؤكد أن هذا التفرق والإختلاف دليل على عدم النص، إذ لو كان من عند الله لما كان هذا الإختلاف والتباين، خاصة وأن الإمامة أصل من أصول الشيعة، فلا يقبل فيه الخلاف كما يُقبل في الفروع.
 
الفرقة الأولى:
فرقة منها قالت: إن علياً لم يقتل ولم يمت، ولا يموت حتى يملك الأرض ويسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كم ملئت ظلماً وجوراً، وهي أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي من هذه الأمة، وأول من قال منها بالغلو، وهذه الفرقة تسمى ( السبأية ) أصحاب عبدالله بن سبأ. وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال: أن علياً u أمره بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فصيّره إلى المدائن، وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي u أن عبدالله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً u وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى u بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في علي u بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي u وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه، فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية، ولما بلغ عبدالله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولن يموت حتى يملك الأرض )(فرق الشيعة:ص43-44، المقالات والفرق:ص20-21 مع بعض الإختلافات).
قلت:
إن مقالة هذه الفرقة تحتاج إلى وقفة طويلة وتأمل دقيق، لأنها حوت أموراً كثيرة بالغة الأهمية والخطورة.
منها: قولهم: ( وأول من قال منها( الأمة ) بالغلو).
نحن نتساءل: ما المقصود بالغلو؟
إذا كان القصد هو الوقف في علي وأنه لم يمت، فإن الشيعة لم يمت لهم إماماً إلاّ وتفرقوا إلى فرق عديدة، فيهم من قال بالوقف وأن الإمام لم يموت وأنه هو المهدي المنتظر.
وأما إذا كان المقصود بالغلو هو الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، فإنه هو المتواتر عن الشيعة منذ قديم الزمان وإلى يومنا هذا، وهذه كتب عبدالحسين الموسوي ومحمد التيجاني والخميني ملأى بالسب والشتم واللعن على الخلفاء والصحابة، ولم يسلم منهم إلاّ نفراً يسيراً.
ومنها: إن عبدالله بن سبأ إدّعى أن علياً t أمره بالطعن والتبرؤ من أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه فصيره إلى المدائن.
ماذا كان يحدث لو أن الناس لم يصيحوا ؟
الجواب: أنه كان يُقتل. وهذا يعني أن حكم طعن الصحابة عند علي t هو القتل.
منها: قولهم: ( وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي u وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه).
ما المقصود بـ ( أول من شهر )؟
إذا كان المقصود به: أول من قال به، فهذا يعني إن هذا القول ظهر في خلافة علي t ولم يكن له وجود قبل ذلك التاريخ، وهذا القول بالضرورة يبطل قولهم بوجود فرقة تسمى بشيعة علي في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأيام الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ويكون بداية القول بفرض الإمامة الإلهية لعلي وأولاده هو ـ عبدالله بن سبأ ـ وهو الصحيح الذي لا مرية فيه.
أما إذا كان مقصودهم أن هذا القول كان موجوداً ولكنه لم يكن معروفاً وشائعاً بين المسلمين حتى جاء إبن سبأ فشهر القول به ـ فهذا يعني أن أهم أصل من أصول الشيعة ـ وهو الإمامة الإلهية ـ لم يكن مشهوراً بين المسلمين.
وأي أصل من أصول الدين لم يكن مشهوراً في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاضرب به عرض الحائط، فإن ما لم يكن عقيدة في زمان النبي والصدر الأول من الإسلام لا يمكن أن يكون عقيدة فيما بعد.
وأسأل:
لماذا لم يقم بإشهار هذا الفرض علي وأولاده حتى يعلنه رجل من أهل اليمن؟
أيكون إبن سبأ أجرأ من علي ـ حاشاه ـ في الجهر بالحق الذي يعتقده الشيعة؟
وقبل أن نبدأ تحقيقنا مقالة الفرقة الثانية، نذكر القارئ بأن النوبختي والأشعري القمي قد نسبا وجود عبدالله بن سبأ إلى أصحاب علي t، وليس أهل السنة هم الذين قالوا بوجوده.
كما نذكر القارئ أن هذه الفرقة قد خرجت من مفهوم التشيع المعاصر لقولهم بحياة علي t , وأنه هو المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
الفرقة الثانية:
وفرقة قالت: بإمامة محمد بن أبي طالب ـ إبن الحنفية ـ لأنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة دون أخويه، فسموا( الكيسانية ) وهم المختارية، وإنما سموا بذلك لأن رئيسهم الذي دعاهم إلى ذلك المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وكان لقبه ـ كيسان ـ وهو الذي طالب بدم الحسين بن علي وثأره حتى قتل قتلته . . وأدعى أن محمد بن الحنفية أمره بذلك، وأنه الإمام بعد أبيه . . . وكان المختار لا يكفّر من تقدم علياً ويكفّر أهل صفين وأهل الجمل)( فرق الشيعة:ص44-45، المقالات والفرق:ص21-23).
في مقالة هذه الفرقة أمور منها:
1- إنها إدّعت إمامة محمد بن الحنفية، في حين أن الشيعة أجمعت قديماً وحديثاً على عدم إمامته وعدم عصمته؛ وبهذا القول خرجت هذه الفرقة من سمة التشيع.
في الكافي عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ u قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ مَنِ ادَّعَى إِمَامَةً مِنَ اللَّهِ لَيْسَتْ لَهُ وَمَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللَّهِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً ).
2- ورد في الكافي أن محمد بن الحنفية نفسه إدّعى الإمامة لنفسه حتى تخاصم هو وإبن أخيه علي بن الحسين ( زين العابدين ) إلى الحجر الأسود، ويقول النص: ( فَتَحَرَّكَ الْحَجَرُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَزُولَ عَنْ مَوْضِعِهِ ثُمَّ أَنْطَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ الْوَصِيَّةَ وَالْإِمَامَةَ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ u إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ فَانْصَرَفَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ يَتَوَلَّى عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ u ).
هذه القصة الوهمية تدل على عدم النص من جهة، إذ ليس من المعقول أن يشتهر القول بالنص والإمامة الإلهية، ومحمد بن الحنفية وهو من أهل البيت لا يعرف بذلك!
تصور أن الحجر الأسود يعرف ذلك، ومحمد بن الحنفية ـ حامل لواء أبيه علي t يوم البصرة ـ لا يعرف أن هناك أصلاً من أصول الدين إسمه ( الإمامة ) فينازع الأمر أهله وهو أخوه من أبيه!
ومن جهة أخرى فإنها تنفي وجود قائمة مسبقة بأسماء أئمة الشيعة، ولهذا لم يشر إلى وجود هذه القائمة لا النوبختي ولا الأشعري القمي.
3- إن المختار وفرقته لا يمكن إعتبارهم من الشيعة لسبب آخر غير الذي ذكرناه، وهو أنه لم يكفر من تقدم علياً من الخلفاء.
وقد ورد في كتب الشيعة في حق المختار مدحاً وذماً، ولا ندري أيهما الصحيح من التقية.
قال الإمام الصادق: ( كان المختار يكذب على علي بن الحسين u )( رجال الكشي: ترجمة المختار بن أبي عبيدة).
ولكن تصدمك رواية أخرى في حقه عن الإمام الباقر وهو يترحم عليه. ففي حوار بين إبن المختار ( أبو محمد الحكم ) مع أبي جعفر الباقر قال له:
رحم الله أباك، ما ترك لنا حقاً عند أحد إلاّ طلبه، قتل قتلتنا وطلب بدمائنا )( رجال الكشي: ترجمة المختار بن أبي عبيدة).
ولا ندري أي الروايتين قيلت تقية، وإن كنّا نرجح قول الصادق، لأن المختار إدعى النبوة في آخر عهده، كما ينقل كتب التاريخ عنه.
ولكن نتساءل: لماذا ترحم عليه الباقر وهو كذّاب؟ أخوفاً من إبنه، أم أنه ـ حاشاه ـ كان ذا وجهين مع الناس؟!
إنما قلت هذا الكلام على ضوء عقيدة الشيعة في الأئمة، وإن كنّا نحن أهل السنة والجماعة نجلّ أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا نعتقد فيهم إلاّ الشجاعة والإقدام وقول الحق. ولكن الزنادقة نسبوا كل قول لا يوافق هواهم إلى التقية دون أن يحسبوا لموقف الإمام أدنى حساب.
الفرقة الثالثة:
وفرقة لزمت القول بإمامة الحسن بن علي بعد أبيه إلاّ شرذمة منهم، فإنه لما وادع الحسن بن علي معاوية وأخذ منه المال الذي بعث به إليه على الصلح أزرى على الحسن وطعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته وشكّوا فيها، ودخلوا في مقالة جمهور الناس، وبقي سائرهم على القول بإمامته إلى أن قتل صلوات الله عليه عند شخوصه عن محاربة معاوية، فإنه لمّا إنتهى إلى مظلم ساباط وثب عليه رجل من بني أسد يُقال له ( الجراح بن سنان ) فأخذ بلجام دابته، ثم قال: الله أكبر، أشركت كما أشرك أبوك من قبل، فطعنه بمغول في أصل فخذه )( فرق الشيعة:ص45-46، المقالات والفرق:ص25).
قلت:
هذه الفرقة هي التي تمثل العمق التاريخي للشيعة المعاصرين مع ملاحظة أن هذه الفرقة وإن قالت بإمامة الحسن بعد أبيه إلاّ أن ( شرذمة منهم، فإنه لما وادع الحسن بن علي معاوية وأخذ منه المال الذي بعث به إليه على الصلح أزرى على الحسن وطعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته وشكّوا فيها، ودخلوا في مقالة جمهور الناس )، فحتى هذه الفرقة الوحيدة التي نزلت إلى القول بإمامة الحسن بعد أبيه من سائر فرق الشيعة، لم تكن أفرادها تعتقد بعصمة الإمام، وإلاّ فماذا يعني قولهم لأول وهلة بإمامته ثم رجوعهم عنه لما وادع معاوية وأخذ منه المال!!
أهكذا تتغير العقيدة وتتبدل بتغير أحداث التاريخ!

أم أن عقيدة عصمة الإمام قول مختلق؟!
هذا الذي حدث مع الحسن t كان قد حدث مع أبيه t عندما خرج عليه شطر من جنده في واقعة التحكيم بينه وبين معاوية بعد معركة صفين؛ فقالوا له: كفرت بالله عندما حكمت الرجال في كتاب الله، والله تعالى يقول: ﴿ إنِ الحُكْمُ إلاّ لله ﴾ فقال لهم قولته المشهورة: ( كلمة حق أُريد بها باطل ).
وبهاتين الواقعتين نستدل على أن الشيعة في زمن علي وإبنه الحسن رضي الله عنهما لم يكونوا يعتقدون بعصمتهما، وإلاّ فكيف يسوغ لهم الإعتراض على إمام معصوم مفترض من الله طاعته، وليث الأمر كان قد وقف عند الإعتراض فقط، فإنه قد يُقال أن المسلمين كانوا قد إعترضوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الأمور؛ بل تعدى إلى رميهما بالشرك فقال قائلهم: ( أشركت بالله كما أشرك أبوك من قبل ).
وفاتني أن أذكر أن هذه الفرق لم يكن لها أصل وكيان مستقل وعقيدة خاصة بها، وإنما هو تقسيم محدث نشأ بعد وفاة الأئمة بفترة، ولا أدل على هذا الكلام من قول الفرقة الثانية بإمامة محمد بن الحنفية ـ لأنه كان حامل راية أبيه يوم البصرة دون أخويه ـ وهذا دليل على أن الأحداث كانت تساهم في نشوء وإحداث الإنقسامات بين أبناء الفرقة الواحدة، لا الإعتقاد السابق بالإمامة الإلهية التي تعتبر اليوم أصلاً من أصول الشيعة لا يمكن التخلي عنها.
رابعاً: الشيعة في زمان الحسين بن علي u:
فنزلت هذه الفرقة القائلة بإمامته ( يعني إمامة الحسن بن علي ) بعد وفاته إلى القول بإمامة أخيه الحسين بن علي، فلم تزل على ذلك حتى قتل . . . وقتل معه جميع أصحابه)( فرق الشيعة:ص46-47، المقالات والفرق:ص24-25).
إذن فالفرقة الوحيدة من فرق الشيعة التي قالت بإمامة الحسين t هي الفرقة التي قالت بإمامة الحسن بعد أبيه. ولكن أين كانت هذه الفرقة عندما قتل الحسين t في كربلاء؟
أهم أهل الكوفة الذين بعثوا إلى الحسين وأغروه بالخروج؟ ثم إنه لما خرج هو وأهل بيته من الأطفال والنساء نكثوا البيعة وأسلموه إلى أعدائه؟!
إن كانت النار مصير الذين قتلوا الحسين وأهل بيته؛ فإن أهل الكوفة جمعوا العار مع النار. وحُقّ لهم أن يبكوا الحسين وأهل بيته, فهم الذين قتلوه عندما كتبوا إليه بالقدوم، ثم انفرطوا عنه وخذلوه وانضموا إلى مقاتليه، كما انفرطوا عن أبيه من قبل. وإلاّ فالحسين عندما إمتنع عن بيعة يزيد بن معاوية لم يكن لديه نية وعزم على الخروج على يزيد، إنما خرج من المدينة إلى مكة للخلاص من أنصار يزيد لئلا يحملوه على البيعة مكرهاً حتى أنه لما إلتقى به عبدالله بن المطيع فقال له: ( جعلت فداك أين تريد؟ قال: أما الآن فمكة، وأما بعد فإني استخير الله، قال: خار الله لك وجعلنا فداك فإذا أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة فإنها بلدة مشئومة بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ألزم الحرم فأنت سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز أحدا ويتداعى إليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي، فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك)([20]).
وهذا علي بن الحسين t يقول مخاطباً أهل الكوفة:
أيها الناس نشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه، فتباً لما قدمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول لكم: قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي. . .)(الإحتجاج للطبرسي:2/ 32).
وقال أيضاً: ( إن هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم )( الإحتجاج:2/ 29).
هذا ويقول المرجع الشيعي المعروف محسن الأمين: ( ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفاً غدروا به، وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم، فقتلوه)( أعيان الشيعة :1/ 26).
قلت:
ومن هنا نعلم أن سنة البكاء واللطم على الحسين t في كل سنة من عاشوراء هي سنة من سنن أهل الكوفة الذين خذلوا الحسين وقتلوه، ذلك أنهم لم يجدوا ما يكفِّرون به عن خطيئتهم وجريمتهم وغسل عارهم غير هذه الطريقة من اللطم والتطبير.
ولقد إعترف أرباب التاريخ أن الجيش الذي قتل الحسين كانوا من أهل الكوفة لم يكن فيهم شامي قط([21]).
خامساً: الشيعة في زمان علي بن الحسين u:
فلما قتل الحسين حارت فرقة وقالوا: قد إختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين، لأنه إن كان الذي فعله الحسن حقاً واجباً صواباً من موادعته معاوية وتسليمه الخلافة عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوته، فما فعله الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم وكثرة أصحاب يزيد حتى قتل أصحابه جميعاً خطا باطل غير واجب لأن الحسين كان أعذر في القعود . . . وإن كان ما فعله الحسين بن علي حقاً واجباً صواباً فقعود الحسن وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه العدد والعدة، خطأ باطل فشكّوا لذلك في إمامتهما فدخلوا في مقالة العوام ومذاهبهم، وبقس سائر الناس أصحاب الحسين على القول بإمامته حتى مضى، فلما مضى إفترقوا بعده ثلاث فرق )( فرق الشيعة:ص47، المقالات والفرق:ص25).
قلت:
كان الأولى بأصحاب المقالات أن يقولوا:
فلما قتل الحسين t إفترق الذين قالوا بإمامته إلى أربع فرق. ثم يذكروا هذه الفرقة التي رجعت إلى مقالة العوام ( أهل السنة ) ثم يذكروا بعدها الفرق الثلاث.
وقبل أن نشرع في ذكر المقالات للفرق الثلاث نقف وقفة قصيرة أمام هذه الفرقة التي رجعت إلى مقالة أهل السنة، فنقول:
أليس في تراجع هؤلاء دليلاً على عدم إعتقاد هؤلاء بعصمة الأئمة، وإلاّ فكيف نفسر رفضهم لإمامة الحسن والحسين معاً نتيجة تصرفهما في أمور السياسة؟!
كان الأولى أن يقبلوا بكل تصرف أو عمل يصدر منهما لأن المعصوم لا يُسأل عمّا يفعل!!
فلو أضفنا هذا الدليل إلى الدليل الذي مضى من خروج شطر من جند سيدنا علي t عليه وقولهم له: كفرت بالله؛ لأمكننا القول: بأن عقيدة عصمة الأئمة محدثة ولا ترجع إلى زمن أمير المؤمنين علي ولا الحسن ولا الحسين، بل الذي يُستنتج من تفرق الشيعة عند وفاة كل إمام ليدل دلالة قاطعة وواضحة على عدم وجود عقيدة النص الإلهي في الإمامة من أصلها، لأن العصمة هي المقدمة الكبرى للإمامة.
والآن نعود فنذكر الفرق الثلاث التي تشعبت من الفرقة التي كانت تقول بإمامة الحسين t بعد إخراج الطائفة التي دخلت في مقالة العوام ( أي أهل السنة والجماعة ).
الفرقة الأولى:
فرقة قالت بإمامة محمد بن علي بن أبي طالب ـ إبن الحنفية ـ وزعمت أنه لم يبقَ بعد الحسن والحسين أحد أقرب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من محمد بن الحنفية، فهو أولى الناس بالإمامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن من ولد الحسن، فمحمد هو الإمام بعد الحسين)( فرق الشيعة: ص47-48، المقالات والفرق: ص25-26).
قلت:
وهذه الفرقة هي الأخرى نقضت عقيدتها في وجود قائمة مسبقة بأسماء الأوصياء وعصمتهم، لقولهم بإمامة محمد بن الحنفية، فإنه لم يقل أحد بعصمته ولا بوجود إسمه في قائمة أسماء الأئمة، ولا في مصحف فاطمة ولا الجفر ولا الجامعة التي تدّعي الشيعة أن فيها أسماء الأوصياء من أولاد علي وما سيصيبهم، وأسماء الشيعة الذين يدخلوا الجنة وفيها علم كل شئ حتى إرش الخدش( أنظر كتاب الشافي في شرح الكافي: كتاب الحجة ص198-204).
على أية حال فليس هذا موضوع بحثنا الآن، فلنرجع إلى تعداد الفرق وبيان مقالاتها.
بعد ذكر مقالة هذه الفرقة بدأ القمي والنوبختي بتعداد الفرق التي خرجت من الفرقة التي قالت بإمامة محمد بن الحنفية وأطالا القول فيهم وما يعتقدون من عقائد غالية.
ثم ذكر المؤلفان أن فرقة منهم قالت بمهدوية محمد بن الحنفية ومنهم الطفيل بن عامر بن واثلة الكناني، ثم أن منهم من قال بالتناسخ وتحليل المحرمات وغير ذلك من العقائد، وهؤلاء كلهم كفار في نظر الشيعة الإمامية المعاصرين.
الفرقة الثانية:
وفرقة قالت: إنقطعت الإمامة بعد الحسين، إنما كانوا ثلاثة أئمة مسمين بأسمائهم إستخلفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوصى بهم وجعلهم حججاً على الناس وقوّاماً بعده واحداً بعد واحد، فقاموا بواجب الدين وبينوه للناس حتى استغنوا عن الإمام بما أوصلوا إليهم من علوم رسول الله، فلا يثبتون إمامةً لأحد بعدهم وثبتوا رجعتهم لا لتعليم الناس أمور دينهم، ولكن لطلب الثأر وقتل أعدائهم والمتوثبين عليهم الآخذين حقوقهم وهذا معنى خروج المهدي عندهم وقيام القائم)( فرق الشيعة: ص74، المقالات والفرق: ص70-71).
قلت:
لا ريب أن من يقول مقالة هذه الفرقة اليوم يعتبر كافراً في نظر الشيعة الإثني عشرية المعاصرين لعدم إعترافهم بأئمتهم بعد الحسين t ، ولإثباتهم إمامة محمد بن الحنفية مع الحسن والحسين.
الفرقة الثالثة:
فنزلت فرقة منهم إلى القول بإمامة إبنه علي بن الحسين يسمى بسيد العابدين، وكان يكنى بأبي محمد ويكنى بأبي بكر، وهي كنيته الغالبة عليه؛ فلم تزل مقيمة على إمامته حتى توفي رحمة الله عليه بالمدينة في المحرم في أول سنة أربع وتسعين)( فرق الشيعة: ص73-74، المقالات والفرق: ص70).
قلت:
أول ما يلفت النظر في مقالة هذه الفرقة كنية علي بن الحسين t فقد ذكر النوبختي والقمي أن كنيته الغالبة هي( أبو بكر ).
ونتساءل: لماذا لا يذكر فقهاء الشيعة قديماً وحديثاً هذه الكنية؟!
ولماذا لا نرى فيهم اليوم مَنْ يتسمى بهذا الإسم؟
علماً أن الأئمة كانوا يسمون أولادهم بأسماء الخلفاء الثلاثة، ولقد إستشهد مع الحسين في كربلاء كل من:
أبو بكر بن علي بن أبي طالب - وأمه ليلى ابنة مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم.
وعثمان بن علي بن أبي طالب - وأمه أم البنين أيضاً - رماه خولي بن يزيد بسهم فقتله.
وأبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب - وأمه أم ولد - قتله عبد الله بن عقبة الغنوي.
وعمر بن علي بن أبي طالب.
بل إن في أصحاب الأئمة ورواة أحاديثهم مَنْ إسمه يزيد ومعاوية.
وإن كنّا نحن أهل السنة والجماعة نرى ذلك طبيعياً لإعتقادنا بالعلاقة الطيبة الحسنة بين الصحابة وبين أهل بيت نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وخاصة بين أبي بكر الصديق t وبين علي وأولاده. وعناك أدلة كثيرة تثبت ذلك، ليس هنا محل إستقصائها.
 
 
سادساً: الشيعة في زمان محمد الباقر رحمه الله تعالى:
وأما الذين أثبتوا الإمامة لعلي بن أبي طالب ثم للحسن إبنه ثم للحسين ثم لعلي بن الحسين، فإنهم نزلوا بعد وفاة علي بن الحسين إلى القول بإمامة إبنه أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، باقر العلم، أقاموا على إمامته إلى أن توفي رضوان الله عليه، إلاّ نفراً يسيراً، فإنهم سمعوا رجلاً يُقال له ( عمر بن الرياح ) زعم أنه سأل أبا جعفر عن مسألة فأجابه بجواب، ثم عاد إليه في عام آخر فزعم أنه سأله تلك المسألة بعينها فأجابه فيها بخلاف الجواب الأول، فقال لأبي جعفر: هذا خلاف ما أجبتني فيه في هذه المسألة عامك الماضي، فذكر أنه قال له: إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية، فشك في أمره وإمامته . . . فقال: ما حضر مجلسه في واحدة من الحالتين غيري . . . وقال: لن يكون إماماً من يفتي بالباطل على شئ من الوجوه، ولا في حال من الأحوال، ولا يكون إماماً من يفتي تقيةً بغير ما يجب عند الله، ولا يرخي ستره ويغلق بابه، ولا يسع الإمام إلاّ الخروج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فمال بسببه إلى قول ( البترية ) ومال معه نفر يسير، وبقي سائر أصحاب أبي جعفر محمد بن علي على إمامته حتى توفي ) ( فرق الشيعة: ص80-81، المقالات والفرق: ص75-76).
قلت:
لعل من أكبر العوائق التي تقف حائلاً بين تقارب السنة والشيعة هي إعتقاد الشيعة بالتقية.
ومع قول فقهاء الشيعة: ( إن التقية التي تقول بها الشيعة لا تختص بهم ولم ينفردوا بها، بل هو أمر ضرورة العقول وعليه جبلة الطباع )( أصل الشيعة وأصولها:ص233).
إلاّ أن الدارس للتقية التي عند الشيعة يرى أنها تختلف إختلافاً جذرياً عن التقية التي قال الله تعالى عنها في كتابه الكريم: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾[آل عمران/ 28].
فالتقية عند الشيعة ليست مجرد حكم فقهي، بل هي فكر وفلسفة متغلغة في مجالات حياتهم المختلفة، وبخاصة علاقاتهم الخارجية مع الآخرين بحيث تتيح له الخروج من كافة ما يعتقد دون حرج والعودة إليها مرة أخرى. ولذلك تبقى علاقة الآخرين معهم مشوبة بشئ من الحذر وفقدان المصداقية والثقة بما يقول أو يفعل، لأن الذي ينقل عن أئمة الشيعة في موضوع التقية ليس له ضابط ولا رابط، فتراهم يلجئون إلى التقية مع غيرهم في حالات السلم والحرب، وفي حالات الحب والبغض، وفي باب الدين والدنيا، وحتى في الفتوى الشرعية مع إنعدام أبسط أنواع الإكراه، فضلاً عن الإكراه الملجئ الذي يفقد الإنسان إرادته، بل إنهم يلجئون إلى التقية حتى مع بعضهم البعض([22])، وحالة عمر بن الرياح هذه تكشف هذه الحقيقة.
ومن العجيب أنك لا تكاد ترى قضية أو حكماً شرعياً إلاّ وفيه لأئمة الشيعة أقوالاً متضاربة ومتضادة، حتى قال شيخهم شيخ الطائفة الطوسي في مقدمة كتاب التهذيب الذي هو واحد من الأصول الروائية الأربعة عند الشيعة: ( ذاكرني بعض الأصدقاء أيده الله ممن أوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم. وما وقع فيها من الاختلاف، والتباين، والمنافات، والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر وإلا بإزائه ما يضاده. ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه. حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا.
وتطرقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا وذكروا أنه لم يزل شيوخكم السلف والخلف يطعنون على مخالفيهم بالاختلاف الذي يدينون الله تعالى به ويشنعون عليهم بافتراق كلمتهم في الفروع ويذكرون أن هذا مما لا يجوز أن يتعبد به الحكيم ولا أن يبيح العمل به الحليم.
وقد وجدناكم أشد إختلافاً من مخالفيكم - أي أهل ألسنة - وأكثر تبايناً من مبانيكم، ووجود هذا الاختلاف منكم مع اعتقادكم بطلان ذلك دليل على بطلان الأصل.
حتى دخل على جماعة ممن ليس لهم قوة في العلم ولا بصيرة بوجوه النظر ومعاني الألفاظ شبه وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحق - أي خرج من مذهب التشيع - لما اشتبه عليه الوجه في ذلك وعجز عن حل الشبه فيه).
قلت:
وهذا القول من شيخهم الطوسي كافٍ في إبطال دين الشيعة القائم على وجوب وجود إمام في كل زمان ليقضي على الخلافات والإختلافات بين الشيعة.
فقد ورد في ( الكافي:1/ 179) عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ وَسَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ u قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ( إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو إِلَّا وَفِيهَا إِمَامٌ كَيْمَا إِنْ زَادَ الْمُؤْمِنُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ وَإِنْ نَقَصُوا شَيْئاً أَتَمَّهُ لَهُمْ ).
سابعاً: الشيعة في زمان جعفر بن محمد بن علي رحمه الله تعالى:
فلما توفي أبو جعفر إفترقت فرقته فرقتين )( فرق الشيعة:ص83، المقالات والفرق:ص76).
قلت:
متى ينتهي هذا الإفتراق؟
فكلما مات إمام تفرق أصحابه إلى فرق شتى، وإختلافهم وتفرقهم هذا ليس في الفقه ولا في الفروع، وإنما في أهم أصل من أصول الشيعة ـ والذي من أجله فارقوا جميع أهل القبلة ـ ألا وهو الإمامة الإلهية التي كانوا يرون أنها توحد الأمة وأنها البديلة للشورى التي تفرق الأمة بزعمهم. فثبت العكس ولله الحمد.
الفرقة الأولى:
وفرقة منها قالت بإمامة محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ الملقب بالنفس الزكية ـ الخارج بالمدينة المقتول بها، وزعموا أنه القائم المهدي، وأنه الإمام وأنكروا قتله وموته . . . وكان المغيرة بن سعيد قال بهذا القول لما توفي أبو جعفر محمد بن علي وأظهر المقالة بذلك فبرئت منه الشيعة ـ شيعة جعفر بن محمد ورفضوه ولعنوه فزعم أنهم رافضة . . .)( فرق الشيعة:ص82-84، المقالات والفرق:ص76-77).
قلت:
وكما يقول النص ( فبرئت منه شيعة جعفر بن محمد ورفضوه ولعنوه ) كذلك اليوم، فالشيعة المعاصرون أيضاً يتبرءون من هذه الفرقة، وبالتالي لا يمكن إدخالهم في زمرة التشيع حسب مفهوم الشيعة المعاصرين.
وأيضاً عرفت لماذا يوجد طعن ولعن كثير في المغيرة بن سعيد، وضعفوا رواياته، ليس لأنه كذاب، ولكن لأنه لم يقل بإمامة جعفر بن محمد بن علي.
الفرقة الثانية:
وأما الفرقة الأخرى من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي فنزلت إلى القول بإمامة أبي عبدالله جعفر بن محمد، فلم يزل يأتيه على إمامته أيام حياته غير نفر يسير فإنهم لمّا أشار جعفر بن محمد إلى إمامة إبنه إسماعيل بن جعفر ثم مات إسماعيل في حياة أبيه رجع عن إمامته وقالوا:
كذبنا جعفر ولم يكن إماماً، لأن الإمام لا يكذب ولا يقول ما لا يكون، وحكوا عن جعفر أنه قال: إن الله بدا له في إمامة إسماعيل، فأنكروا البداء والمشيئة من الله، وقالوا: هذا باطل لا يجوز، ومالوا إلى مقالة البترية ومقالة سليمان بن جرير. وسليمان بن جرير هو الذي قال لأصحابه: لهذا السبب أن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين، ولم يظهروا معها من أئمتهم على كذب أبداً وهما: القول بالبداء، وإجازة التقية.
فأما البداء: فإن أئمتهم لمّا أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون والإخبار بما يكون في غد، وقالوا لشيعتهم: إنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا؛ فإن جاء ذلك الشئ على ما قالوا، قالوا لهم: ألم نعلمكم أن هذا يكون، فنحن نعلم من قبل الله عز وجل ما علمته الأنبياء، وبيننا وبين الله عز وجل مثل تلك الأسباب التي علمت بها، وإن لم يكن ذلك الشئ الذي قالوا أنه يكون على ما قالوا، قالوا لشيعتهم: بدا لله في ذلك بكونه.
وأما التقية: فإنه لمّا كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلال والحرام وغير ذلك من صنوف أبواب الدين، فأجابوا فيها وحفظ عنهم شيعتهم تلك الأجوبة لتقادم العهد وتفاوت الأوقات لأن مسائلهم لم ترد في يوم واحد ولا في شهر واحد، بل في سنين متباعدة وأشهر متباينة وأوقات متفرقة، فوقع في أيديهم في المسألة الواحدة عدة أجوبة مختلفة متضادة وفي مسائل مختلفة أجوبة متفقة، فلما وقفوا على ذلك منهم ردّوا إليهم هذا الإختلاف والتخليط في جواباتهم وسألوهم عنه وأنكروا عليهم فقالوا: من أين هذا الإختلاف، وكيف جاز ذلك؟
قالت لهم أئمتهم: إنما أجبنا بهذا للتقية([23])ولنا أن نجيب بما أجبنا وكيف شئنا لأن ذلك إلينا ونحن نعلم بما يصلحكم وما فيه بقاؤكم وكف عدوكم عنّا وعنكم فمتى يظهر من هؤلاء على كذب ومتى يُعرف لهم حق من باطل!
فمال إلى سليمان بن جرير هذا لهذا القول جماعة من أصحاب أبي جعفر وتركوا القول بإمامة جعفر u)( فرق الشيعة:ص84-88، المقالات والفرق:ص77-79).
قلت:
أما بالنسبة للمعلق ( بحر العلوم ) فينطبق علي المثل العامي: ( أراد أن يكحلها فعماها )، ويظهر أنه لا يملك علماً أصلاً فضلاً أن يكون بحراً للعلوم، فهو بدلاً من أن يدافع عن لجوء الإمام للتقية ويجد لها مبرراً معقولاً ومنطقياً ـ إن صح ذلك ـ نراه قد أجاز للإمام اللجوء إلى التقية كيفما اتفق ومن دون مبرر أو قيود أو ضوابط.
والأمر كان هيناً لو لم يكن قول الإمام وتصرفاته عند الشيعة تشريعاً دينياً.
تقول كتب الشيعة على لسان علمائهم بأن أئمتهم: ( ليسوا من قبيل الرواة عن النبي والمحدثين عنه، ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقات في الرواية؛ بل لأنهم هم المنصوبون من الله تعالى على لسان النبي لتبليغ الأحكام الواقعية، فلا يحكمون إلا عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي)[المظفر/ أصول الفقه المقارن: 3/ 51، وانظر: السالوس/ أثر الإمامة ص274.].
ولا فرق في كلام هؤلاء الأئمة الإثني عشر بين سن الطفولة، وسن النضج العقلي؛ إذ إنهم - في نظرهم - لا يخطئون عمداً ولا سهواً ولا نسياناً طوال حياتهم - كما سيأتي في مسألة العصمة - ولهذا قال أحد شيوخهم المعاصرين: ( إن الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما هو الحال عند أهل السنة)[عبد الله فياض/ تاريخ الإمامية ص:140]، ذلك إن الإمامة عندهم "استمرار للنبوة" [محمد رضا المظفر/ عقائد الإمامية ص:166]، وأن الأئمة كالرسل ( قولهم قول الله وأمرهم أمر الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله وإنهم لم ينطقوا إلا عن الله تعالى وعن وحيه)[ابن بابويه/ الاعتقادات ص: 106]([24]).
فأن يكون الإمام هو المشرع، أو هو الذي من جهته تعرف الأحكام الشرعية، وما يصدر عنه من أقوال وأفعال يُقتدى بها لا على أساس أنه مجتهد يصيب ويُخطئ، بل إن حكم الإمام عندهم وقوله قول الله، وحكمه هو حكم الله وحكم رسوله الذي لا ينطق إلاّ عن وحي يوحى إليه، ثم يلجأ إلى التقية في حالات الضرورة واللاضرورة، أو كما قال ( بحر العلوم ) :( لمحض إلقاء الخلاف بين أتباعهم لئلا يعرفوا برأي واحد) فهذا تحريف لدين الله تعالى ولشريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن الشيعة ليست لديهم معايير دقيقة أو ضوابط حقيقية لتحديد ومعرفة وتمييز التقية في أقوال أئمتهم. فمن أين نعرف نحن الآن أو يعرف السائل أن الإمام قد أفتى في هذه المسألة بالتقية، وهو لم يبيّن له ذلك؟
فإما أن يكون الإمام هو الذي يبيّن ويحدد أي قولٍ من أقواله قد قاله تقيةً. وعندئذٍ يكون بيانه هو القاضي والفيصل في الموضوع.
أو يكون السائل قد علم أن الإمام أفتاه بالتقية، وهذا يعني بالضرورة أن السائل كان يعرف حكم المسألة قبل السؤال، بل يعني بالضرورة أن يكون عارفاً لمذاهب المخالفين أيضاً حتى يميز تقية الإمام من عدمها.
فإذا لم يصح لا هذا ولا هذا، أي أن الإمام لم يبين للسائل أنه أفتاه تقية، والسائل لم يسأل إلاّ إذا جهل حكم المسألة التي يستفتي فيها الإمام؛ ضاع عندئذٍ مذهب جعفر الصادق لأنه وكما نقلنا عن شيوخ الشيعة: ( لا يكاد يتفق خبر إلاّ وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلاّ وفي مقابله ما ينافيه ).
فالآن ما يراه زيد قد قيل تقية، يراه غيره أنه قيل حقيقة.
وأما الذين أفتاهم الإمام بالتقية وعملوا بها، بل ربما نقلها الواحد منهم إلى غيره وحلف له أنّ هذا فتوى الإمام، وهو بطبيعة الحال لا يدري أن الإمام أفتاه تقية؛ وربما مات قبل معرفة الحقيقة، أقول: من يتحمل ضلالة هؤلاء وإثمهم في أنهم لم يعملوا بالحق الذي يخالف فتوى الإمام؟!
ثم ما مصير تحريم الحلال وتحليل المحرمات في فتوى الإمام؟!
يروي الكليني في فروع الكافي: ( باب صيد البزاة والصقور ):
عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله يقول: كان أبي u يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال، وكان يتقيهم، وأنا لا أتقيهم وهو حرام ما قتل).
والله إني لأستحي أن تُنسب مثل هذه الرواية التي تحرف دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى إمام من أئمة أهل البيت رضي الله عنهم.
 وعذرنا إلى الله تعالى أننا لا نعتقد بصحة مثل هذه الروايات المنسوبة إلى أئمة أهل البيت ظلماً وزوراً، لأنها تدل على أن الإمام كان يحرِّف الدين والشريعة إما إرضاءً لبني أمية أو خوفاً منهم!
فأين إعتقاد الشيعة بأن الإمام يجب أن يكون أشجع أهل زمانه؟!
وهنا لا نملك إلاّ أن نضم صوتنا إلى صوت شيخ الشيعة محمد جواد مغنية الذي يقول في تفسير الكاشف( 9/ 422):
قد يسوغ للإنسان ترك العمل بالحق دفعاً للضرر عن نفسه، أما تحريف الدين بالكذب فلا مبرر له على الإطلاق مهما تكن النتائج).
أما الشيعة في عصرنا هذا فإنهم قد وضعوا لأنفسهم قاعدة يسيرون عليها في معرفة التقية من غيرها، وهي: ( ما خالف العامة ففيه الرشاد )حتى لو كان الحق مع العامة ( أهل السنة والجماعة ).
ومن أراد الوقوف على النتائج السلبية لهذه القاعدة فليراجع كتبهم المعتمدة كالتهذيب والإستبصار ليرى كيف أن علماء الشيعة ضربوا قول الإمام عرض الحائط، وإن كانت الرواية صحيحة السند ومتصلة بالإمام بحجة ( أن العصابة أجمعت على العمل بهذه الرواية وإعتبار الروايات الأخرى أنها قد قيلت تقية لأنها موافقة للعامة ).
ولسنا ندري لماذا يكون ما خالف العامة ففيه الرشاد؟
وهل أن هذا الحكم عام في كل شيء، أم إنها متروكة للأهواء والرغبات؟
فأهل السنة يصومون ويصلون ويحجون، ويشهدون الشهادتين أيضاً، فلماذا لا يخالفون أهل السنة فيها؟
وأود أن ألفت نظر القارئ الكريم أن من أوضح ما يخالف أهل السنة عن الشيعة هو المسح على الخفين في الوضوء، وجواز متعة الحج، وبهما يُعرف الشيعة من أهل السنة، ومع ذلك فهم لا يتقون فيهما، فقد روى الكليني في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ إِخْوَتِي عَلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ u فَقُلْنَا إِنَّا نُرِيدُ الْحَجَّ وَبَعْضُنَا صَرُورَةٌ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالتَّمَتُّعِ فَإِنَّا لَا نَتَّقِي فِي التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ سُلْطَاناً وَاجْتِنَابِ الْمُسْكِرِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ).
وفي وسائل الشيعة عن عَسْكَرٌ مَوْلَى أَبِي جَعْفَرٍ u وَالرَّيَّانُ مَوْلَى الرِّضَا u عَنِ الْعَسْكَرِيِّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنَّا يَا سَيِّدَنَا فَهَلْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُكَبِّرَ أَرْبَعاً تَقِيَّةً قَالَ u هِيَ خَمْسَةٌ لَا تَقِيَّةَ فِيهَا: التَّكْبِيرُ خَمْساً عَلَى الْمَيِّتِ وَالتَّعْفِيرُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ وَتَرْبِيعُ الْقُبُورِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَشُرْبُ الْمُسْكِرِ.
وفي رواية أخرى في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد u قال: (  التقية ديني ودين آبائي ولا تقية في ثلاث شرب المسكر والمسح على الخفين وترك الجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
ومع هذا يأتي من فقهاء الشيعة مَنْ يقول أن الإمام كان يفتي الشيعة بالتقية لئلا يعرفهم الناس أنهم شيعة.
نحن معاشر أهل السنة والجماعة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمخالفة اليهود والنصارى، فلعل الشيعة يرون أهل السنة بمنزلة اليهود والنصارى فيخالفونهم في كل شيء.
بل ورد في كتبهم أن الناصب ـ الذي يُعرف بتقديم الشيخين أبي بكر وعمر على علي بالخلافة ـ شر من اليهود والنصارى، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وهنا أود أن أبين لإخواننا الشيعة المعتدلين الذين لا يعرفون حقيقة التشيع وأصل نشأته، وما دسه الغلاة والمفوضة في كتبهم من أقوال منسوبة إلى أئمتهم، وهم منها برآء؛ إن مذهب أهل البيت لا يختلف عن مذهب الصحابة لأنهم جميعاً أخذوا أصول دينهم وأحكام شريعتهم من منبعها، ذلكم هو الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة.
وأن القرآن يأمر المسلمين عند التنازع برد نزاعهم على الكتاب والسنة﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾[النساء/ 59].
ولأهل البيت في هذا الخصوص روايات كثيرة تأمر المسلمين وتنصحهم بالرجوع إلى الكتاب والسنة، نذكر منها:
عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله u أنه قال: ( … فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم)( الكشي: ترجمة المغيرة بن سعيد).
ولقد أوصى علي t ولديه فقال قبيل موته لما ضربه إبن ملجم: ( أَمَّا وَصِيَّتِي فَاللَّهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَمُحَمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم فَلَا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وَأَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ وَخَلَاكُمْ ذَمٌّ)( نهج البلاغة).
أما الشرك بالله فأهل السنة من أبعد الناس عنه، لأنهم إتبعوا في ذلك : { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك }. لأن الله تعالى﴿ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾[النساء/ 48].
أما الشيعة فهم في خطر عظيم من هذا الأمر العظيم الذي نهاهم عنه سيدنا علي t، فغلوهم بالأئمة، ودعاؤهم لهم من دون الله في الشدائد، وما يفعلونه عند أضرحتهم من الطواف والطلب منهم ما هو من خصائص الله تعالى، كل ذلك يجعلهم غير متمسكين بوصية علي t.
أما الوصية بالسنة فأهل السنة لا يتمسكون إلاّ بما صح عندهم واتصل بنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم .
ويلاحظ هنا أن علياً t لم يأمرهم بالتمسك بأقواله هو ولا أمرهم بالرجوع إلى العترة.
لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بيّن هذا الدين لكل الناس، ولم يكن حجراً لأهل البيت، ولم يُخفِ عن الناس شيئاً، بل أمره الله تعالى أن يبين جميع الدين بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾[المائدة/ 67].
وهذا الإمام جعفر الصادق رحمه الله ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطب في حجة الوداع فقال:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ وَاللَّهِ مَا مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَمَا مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ أَلَا وَإِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلَا يَحْمِلْ أَحَدَكُمْ اسْتِبْطَاءُ شَيْءٍ مِنَ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِغَيْرِ حِلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ)( الكافي: كتاب الإمام والكفر: باب الطاعة والتقوى).
وينقل الكليني في الكافي أن أبا جعفر u قال وهو يخاطب جابر الجعفي قائلاً: ( … يَا جَابِرُ لَا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيّاً وَأَتَوَلَّاهُ ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالًا فَلَوْ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ فَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ u ثُمَّ لَا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَلَا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ يَا جَابِرُ وَاللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَةِ وَمَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَلَا عَلَى اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ وَمَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ )( الكافي ج : 2 ص : 75).
لذا وجب عليك أخي الشيعي وأنت تحاول الإجابة عن السؤال أن تستبعد من رأسك الفكرة المخطئة التي تقول: من أخذ دينه من غير أهل البيت فقد ضل. لأن الصحابة أخذوا دينهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أخذها علي وأهل بيته. وقد أثنى ربنا عز وجل عليهم وعلى من تمسك بنهجهم واتبعهم بإحسان في كتابه الذي يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فقال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[التوبة/ 100]. وبعد هذا قل ما شئت فإنك لن تعدو الصواب.
أما بالنسبة لمقالة سليمان بن جرير، فإنها تكشف كشفاً دقيقاً عن حقيقة دين الشيعة ومذهبهم في البداء والتقية. ولا يصدر هذا الكلام إلاّ من رجل قد إطّلع على التشيع وعايش الشيعة عن كثب، لا عن كتب.
إلاّ أننا نخالفه الرأي في أئمة الشيعة إن كان يقصد بهم أئمة أهل البيت من أمثال محمد الباقر وإبنه جعفر الصادق، فإن هؤلاء في نظر أهل السنة والجماعة أئمة ثقاة لا يرقى إليهم شك أو شبهة، ولكن العلة في الذين يروون عنهم الروايات، وهم الذين شوهوا سمعة أهل البيت بحجة حبهم والإنتصار لهم؛ وقد قال فيهم أبو عبدالله u: ( لقد أمسينا وما أحد أعدى لنا ممن ينتحل مودتنا)( الكشي: ترجمة أبي الخطاب).
وقال فيهم إبنه الكاظم u : ( لو ميّزت شيعتي لم أجدهم إلاّ واضعة، ولو إمتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد)( الكافي:8/ 28).
وننقل للقارئ الكريم رواية واحدة تكشف خطأ رأي سليمان بن جرير في أئمة أهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وتلقي اللوم والتبعة على نقلة رواياتهم وأقوالهم من الذين تظاهروا بحب أهل البيت، وغرضهم إفساد دينهم وأقوالهم.
عن يحيى بن عبدالحميد الحماني في كتابه المؤلف في إثبات إمامة أمير المؤمنين t قلت لشريك: إن أقواماً يزعمون أن جعفر بن محمد ضعيف الحديث، فقال: أخبرك القصة، كان جعفر بن محمد رجلاً صالحاً مسلماً ورعاً فاكتنفه قوم جهال يدخلون عليه ويخرجون من عنده، ويقولون حدثنا جعفر بن محمد، ويحدثون بأحاديث كلها منكرات كذبة موضوعة على جعفر ليستأكلوا الناس بذلك، ويأخذوا منهم الدراهم، كانوا يأتون من ذلك كل منكر؛ فسمعت به العوام فمنهم من هلك ومنهم من أنكر …)( رجال الكشي: ترجمة المفضل بن عمر ).
أما بالنسبة للبداء الذي رجع بسببه سليمان بن جرير عن القول بإمامة جعفر بن محمد رحمه الله تعالى، فنقول:
إن أول ما يلفت النظر هو أن الشيعة الإثنى عشرية قد جعلوا القول بالبداء على الله تعالى من أصول دينهم، وبالغوا في أمره فقالوا: ( ما عبد الله بشئ مثل البداء )( أصول الكافي: كتاب التوحيد: باب البداء).
ثم إن علماء الشيعة قد إضطربوا في موضوع البداء إضطراباً شديداً جعلهم يختلفون إختلافاً كبيراً بين نافٍ للبداء، ومثبت له، ومؤول.
( فالنصير الطوسي الذي يلقبه المجلسي بالمحقق ـ ت672هـ ـ أنكر وجود البداء كعقيدة للإثنى عشرية وقال عن طائفته في ( تلخيص المحصل:ص250): ( إنهم لا يقولون بالبداء، وإنما القول بالبداء ما كان إلاّ في رواية رووها عن جعفر الصادق أنه جعل إسماعيل مقامه… وهذه رواية، وعندهم أن خبر الواحد لا يوجب علماً ولا عملاً)([25]).
إلاّ أن المجلسي تعجب من جواب الطوسي وعزا ذلك إلى ( عدم إحاطته بالأخبار)([26]).
وهناك من علماء الشيعة من يقر بالبداء كعقيدة للشيعة ولكنه يحاول أن يجد له تأويلاً مقبولاً، مثل محمد حسين آل كاشف الغطا الذي يقول:
القول بالبداء سر من أسرار آل محمد وغامض علومهم)، ثم يقول: ( فهو عبارة عن إظهار الله جل شأنه أمراً يرسم في ألواح المحو والإثبات وربما يطلع عليه بعض الملائكة المقربين أو أحد الأنبياء والمرسلين فيخبر الملك به النبي والنبي يخبر أمته ثم يقع بعد ذلك خلافه لأنه محاه وأوجد في الخارج غيره، وكل ذلك جلت عظمته يعلمه حق العلم …)([27]).
فعلى رأي كاشف الغطا يقع في الخارج خلاف ما يخبر به النبي أمته.
وينقل لنا الصدوق رواية جرت بين الرضا وسليمان المروزي في مجلس الخليفة العباسي المأمون، ومما جاء فيها:
قال الرضا u لقد أخبرني أبي عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبر فلان الملك أني متوفيه إلى كذا وكذا فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير فقال يا رب أجلني حتى يشب طفلي وأقضي أمري فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي أن ائت فلان الملك فأعلمه أني قد أنسيت في أجله وزدت في عمره خمس عشرة سنة فقال ذلك النبي يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط فأوحى الله عز وجل إليه إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك والله لا يسأل عما يفعل…)([28]).
ففي هذه الرواية قد وقع الإخبار من الله تعالى إلى الملَك الذي أوحى إلى النبي، وذلك النبي أخبر الملِك، ثم غيّر الله رأيه في ذلك الخبر.
قلت: ولكن الرواية لم تخبرنا كم كانت الفترة بين الإخبار الأول والإخبار الثاني؟!
ثم تمضي الرواية فتتناقض مع ما جاء في أولها من أن الإخبار إذا وقع من الله تعالى فإنه لا يتغير، فيقول الإمام الرضا:
يا سليمان إن عليا u كان يقول العلم علمان فعلم علمه الله ملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء قال سليمان للمأمون يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي البداء ولا أكذب به إن شاء الله …)
قلت:
إذا كان البداء بمثل هذا المعنى الأخير الذي قاله الإمام الرضا؛ فمن الذي يعلم ماذا قدّم الله تعالى وماذا أخّر؟
لأن البداء على هذا القول الأخير يكون في علم الله الذي لم يطّلع عليه أحد. لذا يكون القول بالبداء تكهناً ورجماً بالغيب.
أما شيخهم المفيد فإنه وقف موقفاً سلبياً من البداء فقال:
( … فأما إطلاق لفظ البداء فإنما صرت إليه بالسمع الوارد عن الوسائط بين العباد وبين الله عز وجل، ولو لم يرد به سمع أعلم صحته ما استجزت إطلاقه …)( أوائل المقالات: القول في البداء والمشيئة:ص97).
ويقصد بالسمع الأئمة، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرد عنه شيء في البداء.
وحاول بعض فقهاء الشيعة أن يحيل البداء على النسخ فقال:
وقريب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة بشريعة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، بل نسخ بعض الأحكام التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم)( محمد رضا المظفر: عقائد الإمامية:ص46).
بعد أن إستعرضنا آراء عدد من فقهاء الشيعة في البداء، وجدنا أن آراءهم مضطربة لا تجتمع على قول أو رأي. وهذا من أوضح علامات أو إمارت بطلان هذا المعتقد.
وسنحاول فيما يلي أن نقف قليلاً عند قول كل واحد منهم لنكشف ما به من خطأ ومعارضة صريحة لكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولعلم الله الذي أحاط بكل ما هو كائن وما يكون إلى أبد الدهر.
فنقول مستعينين بالله تعالى:
فالنصير الطوسي الذي أنكر وجود البداء كعقيدة للشيعة الإثنى عشرية، رد عليه المجلسي وعزا إنكاره إلى ( عدم إحاطته بالأخبار ). ثم ذكر المجلسي في بحار الأنوار ما يقرب من ( 70 ) رواية عن الأئمة. ( أنظر بحار الأنوار: 4/ 92-129).
ومن قبله وضع شيخهم الكليني في كتاب الكافي باباً بعنوان ( باب البداء ) ذكر فيه ( 16 ) رواية من الروايات المنسوبة إلى الأئمة. وكذلك فعل شيخهم إبن بابويه القمي في كتابيه ( الإعتقادات، والتوحيد).
أما الرواية التي نقلها الصدوق عن الإمام الرضا وهو في معرض تفوقه على خصمه سليمان المروزي أمام الخليفة المأمون، فهذا الكلام يجب أن لا يصدر من إنسان جاهل فضلاً من أن يُنسب إلى الإمام الرضا. لأن فيه تكذيب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يخبره عن ربه عز وجل.
فالكلام إما خبر أو إنشاء. والإنشاء: هو الأمر والنهي والحظر والإباحة، أي أنه يتعلق بالأحكام الشرعية. والأحكام من الممكن ورود النسخ عليها؛ وقد وقع فعلاً في بعض الأحكام الشرعية، كما في قوله تعالى:﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾[البقرة/ 144].
كما أن الله تعالى قد ذكر النسخ في القرآن الكريم صريحاً فقال: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[البقرة/ 106].
أما الخبر فلا يمكن أن يقع فيه البداء أو النسخ بحال من الأحوال، إذ بوقوعه ترتفع الثقة عن أخبار الله عز وجل وأخبار رسله فيما يخبرونه عن الله I.
قال الله I:﴿ الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾[الروم/ 1-5].
تصور أن هذا الوعد الإلهي لو تخلف ـ تعالى الله عن ذلك ـ فماذا كان يكون موقف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من المشركين، بل وحتى من المسلمين؟
إن من أكبر معجزات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو إخباره أمته بوقوع بعض الأخبار الغيبية في المستقبل، فلو أن هذه الأخبار لم تقع كما أخبر فهل يبقى لدى الناس ثقة وإطمئنان لما يقوله الرسول أو يخبره عن ربه عز وجل؟
أما قول بعض شيوخ الشيعة من أن البداء هو بمعنى النسخ، فكما قلنا: أن النسخ يكون في الأحكام، وأما البداء الذي يقول به الشيعة فإنا رأيناه يقع في الأخبار.
ومع كل هذا فإن النسخ لا يقع إلاّ في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك إما من خلال القرآن، أو من خلال أقوال الرسول ( أي سنته ) الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى.
ونحن إذا رجعنا إلى البداء الذي يقول به الشيعة، وجدنا: أولاً: أن البداء الذي جاء في روايات الشيعة وعلى لسان أئمتهم كلها في الأخبار. وليس في الأحكام الشرعية.
ثانياً: إن هذا البداء الذي أخبر به الأئمة أصحابه وشيعته، قد وقع بعد إنتقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى.
فيا ترى من أين علم الإمام أن الله تعالى بدا له في الشيء؟
تقول إحدى رواياتهم ( عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ u يَقُولُ يَا ثَابِتُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ كَانَ وَقَّتَ هَذَا الْأَمْرَ فِي السَّبْعِينَ فَلَمَّا أَنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَخَّرَهُ إِلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ فَحَدَّثْنَاكُمْ فَأَذَعْتُمُ الْحَدِيثَ فَكَشَفْتُمْ قِنَاعَ السَّتْرِ وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتاً عِنْدَنَا وَيَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ قَالَ أَبُو حَمْزَةَ فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ u فَقَالَ قَدْ كَانَ كَذَلِكَ)( الكافي:1/ 368).
 وفي رواية أخرى يحاول واضع مبدأ البداء أن يسوغ التناقض في أخبار الأئمة بإحالته إلى الله تعالى، فتقول الرواية التي يرويها العياشي في تفسيره وينقلها المجلسي في بحاره ( عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام: يا أبا حمزة إن حدثناك بأمر أنه يجيء من هاهنا فجاء من هاهنا فإن الله يصنع ما يشاء وإن حدثناك اليوم بحديث وحدثناك غدا بخلافه فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت).
وهكذا وبموجب هذه الروايات المنسوبة إلى أئمة أهل البيت زوراً وبهتاناً لا يبقى أي ثقة في أقوال أئمة أهل البيت لإحتمال أن الله تعالى قد يمحو من القول ما يثبته غداً أو يثبت ما محاه بالأمس ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا.
ولقد صدق جعفر الصادق حينما قال:( إنّا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا قيسقط صدقنا بكذبه عند الناس )( رجال الكشي، وبحار الأنوار:2/ 218).
ثامناً: الشيعة في زمان موسى بن جعفر رحمه الله تعالى:
فلما توفي أبو عبدالله جعفر بن محمد إفترقت بعده شيعته ست فرق، وتوفي بالمدينة … وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة، وأمها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر )( فرق الشيعة:ص78، المقالات والفرق:ص79).
قلت:
أليس هذا وحده يكفي في بطلان قول متكلمي الشيعة ومنظري فلسفتها بأن الإمامة تجمع الأمة، والشورى تفرق!
ثم أنظر إلى العلاقة الحميمة بين أهل البيت وأولاد أبي بكر الصديق.
أليست هذه المصاهرات بين البيتين كافية في إبطال مزاعم الشعوبية من وجود عداء بين الصحابة وأهل البيت؟!
ومن هنا جاء قول الصادق: ( ولدني أبو بكر مرتين )( عمدة الطالب:195).
الفرقة الأولى:
ففرقة منها قالت: إن جعفر بن محمد حيٌّ لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس، وهو القائم المهدي، وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال: ( إن رأيتم رأسي قد هوى عليكم من جبل فلا تصدقوه فإني صاحبكم) وأنه قال: ( إن جاءكم من يخبركم عني أنه مرضني وغمسني وغسلني وكفنني ودفنني فلا تصدقوه فإني صاحبكم صاحب السيف) وهذه الفرقة تسمى الناووسية)( فرق الشيعة:ص87، المقالات والفرق:ص79-80).
قلت:
لعل القارئ الكريم تَنَبّهَ معي إلى ظاهرة المهدوية، فمع وفاة كل إمام تدّعي طائفة من أصحابه أنه لم يمت ولا يموت حتى يملك الأرض، وأنه هو المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. وهذا يدل على عدم وضوح عقيدة الشيعة في الإمامة والغيبة، وعلى عدم وجود قائمة بأسماء الأئمة المعينين ـ حسب زعمهم ـ من الله.
إذ لو أحاطت الشيعة علماً بأسماء أئمتهم الإثنى عشر لما وسعهم الوقوف على غير الثاني عشر، ولما وسعهم القول بمهدوية غيره.
فهل المعضلة في عدم وضوح عقيدة الإثنى عشرية؟ أم أن الأمر مختلق بعدهم؟
ومهما يكن فإن هذه الفرقة هي الأخرى غير محسوبة على الشيعة، بل غير محسوبة على الإسلام، لأنهم كفار لوقوفهم على جعفر الصادق وعدم إعترافهم بالأئمة الباقين التالين له في الإمامة. وقد علمت مما سبق أن من أنكر واحداً منهم فهو كمن أنكر أو جحد نبوة جميع الأنبياء.
الفرقة الثانية:
وفرقة زعمت أن الإمام بعد جعفر بن محمد إبنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه … وأنه هو القائم لأن أباه أشار إليه بالإمامة بعده وقولهم ذلك له وأخبرهم أنه صاحبهم … وهذه الفرقة هم الإسماعيلية الخالصة )( فرق الشيعة:ص88-89، المقالات والفرق:ص80).
قلت:
ومن الإسماعيلية إنبثقت القرامطة والحشاشون والفاطميون والدروز، وهم جميعاً كفار وفق موازين الشيعة الإثنى عشرية.
الفرقة الثالثة:
وفرقة ثالثة زعمت أن الإمام بعد جعفر محمد بن إسماعيل بن جعفر: وأمه أم ولد، وقالوا: إن الإمر كان لإسماعيل في حياة أبيه، فلما توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الأمر لمحمد بن إسماعيل وكان الحق له. ولا يجوز غير ذلك لأنها لا تنتقل من أخ إلى أخ بعد الحسن والحسين ـ عليهما السلام ـ ولا يكون إلاّ في الأعقاب ولم يكن لأخوة إسماعيل عبدالله وموسى في الإمامة حق كما لم يكن لمحمد بن الحنفية فيها حق مع علي بن الحسين، وأصحاب هذا القول يسمون المباركية )( فرق الشيعة:ص89-90، المقالات والفرق:ص80-81).
قلت:
لعل الصواب مع هذه الفرقة أكثر من غيرها ـ طبقاً لنظرية الوراثة العمودية التي قال بها الفلسفة الشيعية بعد الحسن والحسين. فقد روى الكليني في الكافي والصدوق والمفيد روايات عن الإمام الصادق تشير إلى قانون الوراثة العمودية وإمتداد الإمامة إلى يوم القيامة.
تقول رواياتهم ( لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين، إنما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب، هكذا إلى يوم القيامة )( الكافي: باب إثبات الإمامة في الأعقاب، الإرشاد:ص289، إكمال الدين:ص414).
فلما كانت الإمامة في الأكبر من ولد الإمام، وقد مات في حياة أبيه، وجب إنتقال الإمامة إلى إبن المتوفي.
ومهما يكن، فإن هذه الفرقة ـ أيضاً ـ كفار في قياسات الشيعة الإثنى عشرية لإثباتهم الإمامة فيمن ليست إمامته من الله، ونفيهم إمامة موسى بن حعفر ومن بعده.
الفرقة الرابعة:
وقالت الفرقة الرابعة من أصحاب جعفر بن محمد أن الإمام بعد جعفر إبنه محمد… وتأولوا في إمامته خبراً )( فرق الشيعة:ص97-98، المقالات والفرق:ص86-87).
ولا يهمنا في هذه الفرقة سوى القول بأنها ليست على منهج الإمامية كسابقتها وحكمها كحكم سابقتها.
الفرقة الخامسة:
والفرقة الخامسة منهم قالت: الإمامة بعد جعفر في إبنه عبدالله بن جعفر الأفطح وذلك إنه كان عند مضي جعفر أكبر ولده سناً جلس مجلس أبيه وأدّعى الإمامة ووصية أبيه، واعتلوا بحديث بحديث يروونه عن أبي عبدالله جعفر بن محمد أنه قال: ( الإمامة في الأكبر من ولد الإمام )، فمال إلى عبدالله والقول بإمامته جل من قال بإمامة أبيه جعفر بن محمد غير نفر يسير عرفوا الحق فامتحنوا عبدالله بمسائل في الحلال والحرام من الصلاة والزكاة وغير ذلك فلم يجدوا عنده علماً. وهذه الفرقة القائلة بإمامة عبدالله بن جعفر هي ( الفطحية ) ومال إلى هذه الفرقة جل مشايخ الشيعة وفقهائها ولم يشكّوا في أن الإمامة في عبدالله بن جعفر وفي ولده بعده، فمات عبدالله ولم يخلف ذكراً فرجع عامة الفطحية عن القول بإمامته سوى قليل منهم إلى القول بإمامة موسى بن جعفر، وقد كان رجع منهم في حياة عبدالله إلى موسى بن جعفر عليهما السلام، ثم رجع عامتهم بعد وفاته عن القول به وبقي بعضهم على القول بإمامته ثم إمامة موسى بن جعفر من بعده؛ وعاش عبدالله بن جعفربعد أبيه سبعين يوماً أو نحوها)( فرق الشيعة:ص88-89، المقالات والفرق:ص78-89).
وفي المقالات والفرق زيادة عن فرق الشيعة: ( وقالت فرقة من أصحابه بعد وفاته أن الإمامة إنقطعت بعد موته، فلا إمام بعده، وشذت منهم فرقة بعد وفاة موسى بن جعفر فادعت أن لعبدالله بن جعفر إبناً … يقال له محمد…وأنه حي إلى اليوم وأنه الإمام بعد أبيه وهو القائم المنتظر، واعتلوا في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن القائم إسمه إسمي وإسم أبيه إسم أبي ). ومنهم شرذمة تدّعي إن الإمامة في ولد عبدالله إلى يوم القيامة. وأن أباه توفي وله ولد فهي في ولده )( المقالات والفرق:ص88 ).
قال الدكتور محمد جواد مشكور ـ الأستاذ في دار المعلمين العليا بطهران ـ في تعليقه على كتاب المقالات والفرق، ما نصه:
عبدالله بن جعفر الأفطح ـ المتوفى 148هـ ـ : وهو عبدالله بن جعفر بن محمد المعروف بالأفطح، قال الشيخ المفيد: إنه كان أكبر إخوته بعد إسماعيل ولم يكن منزلته عند أبيه منزلة غيره من ولده في الإكرام وكان متهماً بالخلاف على أبيه، ويقال: إنه كان يخالط الحشوية ويميل إلى مذهب المرجئة، وادعى بعد أبيه الإمامة واحتج بأنه أكبر إخوته الباقين.
قال أبو القاسم البلخي: الفطحية أعظم فرق الجعفرية وأكثرهم جمعاً. والفطحية يزعمون أن زرارة بن أعين على مقالتهم، وأنه لم يرجع عنها … وروت الفطحية رواية عن الصادق u أنه قال: ( الإمامة في أكبر أولاد الإمام من يجلس مجلسي، والإمام لا يغسله ولا يصلي عليه ولا يأخذ خاتمه ولا يوارثه إلاّ الإمام)، وهو الذي جلس مجلس أبيه وتولى ذلك كله ودفع الصادق وديعةً إلى بعض أصحابه وأمره أن يدفعها إلى من يطلبها منه، وأن يتخذه إماماً وما طلبه منه أحد إلاّ عبدالله.
وقال الشيخ المفيد في المجالس: ( ذلك أنهم لم يدّعوا نصاً من أبي عبدالله على عبدالله الأفطح، وإنما عملوا على ما رووه من أن الإمامة تكون في الأكبر ما لم تكن به عاهة، وأهل الإمامة القائلون بإمامة موسى بن جعفر قالوا بأن عبدالله كان به عاهة بالدين لأنه كان يذهب إلى مذاهب المرجئة الذين يقفون في علي وعثمان، وأن أبا عبدالله قال وقد خرج من عنده: ( عبدالله هذا مرجئ كبير ) وأنه دخل عليه عبدالله يوماً وهو يحدث أصحابه، فلما رآه سكت حتى خرج؛ فسئل عن ذلك فقال: ( أو ما علمتم أنه من المرجئة )؟
هذا مع أنه لم يكن له من العلم بما يتخصص به من العامة, ولا روى شيئاً من الحلال والحرام، وقد إدّعى الإمامة بعد أبيه، فامتحن بمسائل صغار فلم يجب عنها ولا يأتي للجواب)( أنظر تعليقات المصحح على المقالات والفرق:ص 224-225، وكذلك تعليقات العلامة محمد الصادق آل بحر العلوم على فرق الشيعة: هامش ص98).
قلت:
لو لم تتفرق الشيعة إلاّ عند وفاة جعفر بن محمد ـ الذي تدّعي فيه الشيعة أنه نشر علوم أهل البيت ـ إلى هذه الفرق ـ لاسيما التي نحن الآن بصددها لكان دليلاً على عدم وجود نص من الله ورسوله على أحد. وعلى عدم وجود قائمة مسبقة بأسماء الأوصياء، وعلى عدم عصمة الأئمة، وبالتالي على عدم وجود الأصل الرابع من أصول الدين الذي قالت به الشيعة مخالفين بذلك بني البشر جميعاً الذين أجمعوا على أن أصول الدين ثلاثة، هي: التوحيد، والنبوة، والمعاد منذ عهد آدم u وإلى يومنا هذا؛ خلا الشيعة الذين أضافوا إلى هذه الأصول أصلاً رابعاً، وهو الإمامة الإلهية, وقالوا: إن الإمام يجب أن يكون معصوماً، وإنه أعلم أهل زمانه، وإنه أشجع أهل زمانه، و…و…إلخ.
وبإمعان النظر في مقالة هذه الفرقة تتبين لنا أمور، منها:
إن القول بوجود قائمة مسبقة بأسماء الأئمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو قول باطل، والدليل عليه قولهم: (  ومال إلى هذه الفرقة ( أي الفطحية ) جل مشايخ الشيعة وفقهائها ولم يشكّوا في أن الإمامة في عبدالله بن جعفر وفي ولده بعده، فمات عبدالله ولم يخلف ذكراً فرجع عامة الفطحية عن القول بإمامته ).
فلو كانت الشيعة تعرف أسماء أئمتها لما مالوا إلى القول بإمامة عبدالله الأفطح مع وجود موسى بن جعفر. خاصة أن الذين قالوا بإمامته ليسوا أناساً عاديين، بل هم جل مشايخ الشيعة وفقهاؤها!
ومنها: إن من أهم أركان نظرية الإمامة عند الشيعة أن يكون الإمام معصوماً ومنصوصاً عليه من الإمام السابق، لأن العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى.
يقول الشريف المرتضى في ( الشافي:4/ 6):
( … واعلم أن الذي نعتمده في فساد إختيار الإمام هو بيان صفته التي لا دليل للمختارين عليها ولا يمكن إصابتها بالنظر والإجتهاد، ويخص علاّم الغيوب تعالى بها كالعصمة والفضل في الثواب والعلم على جميع الأمة، لأنه لا شبهة في أن هذه الصفات لا تستدرك بالإختيار ولا يوقف عليها إلاّ بالنص)([29]).
قلت:
مما لا ينبغي الشك فيه أن الشيعة كانوا لا يعرفون الإمام الذي يلي الإمام بعد وفاته، ولهذا تراهم هنا قد إقترقوا إلى ست فرق، ولما لم يكن إستدراك الإمام بالإختيار ممكناً ـ حسب ما يقوله المرتضى ـ بطل القول بالإمامة والعصمة.
هذا هو الجانب النظري من هذه النظرية.
أما الواقع فيثبت أن الشيعة كانوا هم الذين يقررون من يكون الإمام بعد وفاة الإمام، وذلك عن طريق الإختبار والإمتحان ( فامتحنوا عبدالله بمسائل في الحلال والحرام من الصلاة والزكاة وغير ذلك فلم يجدوا عنده علماً ).
أي أنهم لو وجدوا عنده علماً لكان هو الإمام.
ثم أنظر إلى قولهم: ( ومال إلى هذه الفرقة جل مشايخ الشيعة وفقهائها ولم يشكّوا في أن الإمامة في عبدالله بن جعفر وفي ولده بعده، فمات عبدالله ولم يخلف ذكراً فرجع عامة الفطحية عن القول بإمامته ).
فإذا كان هذا حال أصحاب جعفر من مشايخ الشيعة وفقهائها الذين كانوا ملازمين له وينقلون عنه الدين والمذهب، فكيف يكون حال غيرهم؟!
فأين النص؟ وأين العصمة التي لا يوقف عليها إلاّ بالنص؟
والعجب من الشيعة أنهم ومع كل هذه الفوضى في إختيار الإمام وتفرقهم فيه، يدّعون أن الإمامة أصل من أصول الدين، من لا يؤمن بها خرج عن الدين!
 
 
الفرقة السادسة:
وقالت الفرقة السادسة أن الإمام موسى بن جعفر بعد أبيه وأنكروا إمامة عبدالله وخطّأوه في فعله وجلوسه مجلس أبيه وإدعائه الإمامة. وكان فيهم من وجوه أصحاب جعفر بن محمد، مثل: هشام بن سالم الجواليقي، وعبدالله بن أبي يعفور، وعمر بن يزيد بياع السابري، ومحمد بن نعمان أبي الأحول مؤمن الطاق، وعبيد بن زرارة بن أعين، وجميل بن دراج، وإبان بن تغلب، وهشام بن الحكم وغيره من وجوه الشيعة وأهل العلم منهم والفقه والنظر. وهم الذين قالوا بإمامة موسى بن جعفر عند وفاة أبيه إلى أن رجع إليهم عامة أصحاب جعفر عند وفاة عبدالله. فاجتمعوا على إمامة موسى إلاّ نفراً منهم فإنهم ثبتوا على إمامة عبدالله ثم إمامة موسى بعده وأجازوها في أخوين بعد أن لم يجز ذلك عندهم إلى أن مضى جعفر فيهم، مثل عبدالله بن بكير بن أعين وعمّار بن موسى الساباطي وجماعة معهم)( فرق الشيعة:ص99-100، المقالات والفرق:ص88-89).
قلت:
أما بالنسبة لـ( أبان بن تغلب المتوفى141هـ) فقد قال عنه الدكتور محمد جواد مشكورـ الأستاذ في دار المعلمين العليا بطهران): ( مات في حياة أبي عبدالله الصادق u سنة إحدى وأربعين ومائة ولهذا لم يدرك زمان موسى بن جعفر الكاظم u وأظن أن خلف الأشعري صاحب كتابنا هذا والنوبختي كلاهما أخطآ في قولهما أنه كان ممن أدرك موسى وثبت على إمامته)( تعليقات المصحح على كتاب المقالات والفرق:ص230).
وأما بالنسبة لهشام بن سالم ومحمد بن النعمان أبي جعفر الأحول، فإنهما أيضاً كانا لا يعرفان الإمام بعد جعفر الصادق.
ذكر الكشي في رجاله والكليني في الكافي:
عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ كُنَّا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ u أَنَا وَصَاحِبُ الطَّاقِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ صَاحِبُ الْأَمْرِ بَعْدَ أَبِيهِ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ أَنَا وَصَاحِبُ الطَّاقِ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ رَوَوْا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ u أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الْأَمْرَ فِي الْكَبِيرِ مَا لَمْ تَكُنْ بِهِ عَاهَةٌ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَسْأَلُهُ عَمَّا كُنَّا نَسْأَلُ عَنْهُ أَبَاهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنِ الزَّكَاةِ فِي كَمْ تَجِبُ فَقَالَ فِي مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ فَقُلْنَا فَفِي مِائَةٍ فَقَالَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ فَقُلْنَا وَاللَّهِ مَا تَقُولُ الْمُرْجِئَةُ هَذَا قَالَ فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ الْمُرْجِئَةُ قَالَ فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ ضُلَّالًا لَا نَدْرِي إِلَى أَيْنَ نَتَوَجَّهُ أَنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ الْأَحْوَلُ فَقَعَدْنَا فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ بَاكِينَ حَيَارَى لَا نَدْرِي إِلَى أَيْنَ نَتَوَجَّهُ وَلَا مَنْ نَقْصِدُ وَنَقُولُ إِلَى الْمُرْجِئَةِ إِلَى الْقَدَرِيَّةِ إِلَى الزَّيْدِيَّةِ إِلَى الْمُعْتَزِلَةِ إِلَى الْخَوَارِجِ فَنَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ رَأَيْتُ رَجُلًا شَيْخاً لَا أَعْرِفُهُ يُومِئُ إِلَيَّ بِيَدِهِ فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ عَيْناً مِنْ عُيُونِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ جَوَاسِيسُ يَنْظُرُونَ إِلَى مَنِ اتَّفَقَتْ شِيعَةُ جَعْفَرٍ u عَلَيْهِ فَيَضْرِبُونَ عُنُقَهُ فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ فَقُلْتُ لِلْأَحْوَلِ تَنَحَّ فَإِنِّي خَائِفٌ عَلَى نَفْسِي وَعَلَيْكَ وَإِنَّمَا يُرِيدُنِي لَا يُرِيدُكَ فَتَنَحَّ عَنِّي لَا تَهْلِكْ وَتُعِينَ عَلَى نَفْسِكَ فَتَنَحَّى غَيْرَ بَعِيدٍ وَتَبِعْتُ الشَّيْخَ وَذَلِكَ أَنِّي ظَنَنْتُ الكافي أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ فَمَا زِلْتُ أَتْبَعُهُ وَقَدْ عَزَمْتُ عَلَى الْمَوْتِ حَتَّى وَرَدَ بِي عَلَى بَابِ أَبِي الْحَسَنِ u ثُمَّ خَلَّانِي وَمَضَى فَإِذَا خَادِمٌ بِالْبَابِ فَقَالَ لِيَ ادْخُلْ رَحِمَكَ اللَّهُ فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى u فَقَالَ لِيَ ابْتِدَاءً مِنْهُ لَا إِلَى الْمُرْجِئَةِ وَلَا إِلَى الْقَدَرِيَّةِ وَلَا إِلَى الزَّيْدِيَّةِ وَلَا إِلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَلَا إِلَى الْخَوَارِجِ إِلَيَّ إِلَيَّ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَضَى أَبُوكَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ مَضَى مَوْتاً قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَمَنْ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكَ هَدَاكَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ قَالَ يُرِيدُ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَا يُعْبَدَ اللَّهُ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَنْ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكَ هَدَاكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَنْتَ هُوَ قَالَ لَا مَا أَقُولُ ذَلِكَ قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَمْ أُصِبْ طَرِيقَ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ عَلَيْكَ إِمَامٌ قَالَ لَا فَدَاخَلَنِي شَيْءٌ لَا يَعْلَمُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِعْظَاماً لَهُ وَهَيْبَةً أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحُلُّ بِي مِنْ أَبِيهِ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَسْأَلُكَ عَمَّا كُنْتُ أَسْأَلُ أَبَاكَ فَقَالَ سَلْ تُخْبَرْ وَلَا تُذِعْ فَإِنْ أَذَعْتَ فَهُوَ الذَّبْحُ فَسَأَلْتُهُ فَإِذَا هُوَ بَحْرٌ لَا يُنْزَفُ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ شِيعَتُكَ وَشِيعَةُ أَبِيكَ ضُلَّالٌ فَأُلْقِي إِلَيْهِمْ وَأَدْعُوهُمْ إِلَيْكَ وَقَدْ أَخَذْتَ عَلَيَّ الْكِتْمَانَ قَالَ مَنْ آنَسْتَ مِنْهُ رُشْداً فَأَلْقِ إِلَيْهِ وَخُذْ عَلَيْهِ الْكِتْمَانَ فَإِنْ أَذَاعُوا فَهُوَ الذَّبْحُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ قَالَ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْأَحْوَلَ فَقَالَ لِي مَا وَرَاءَكَ قُلْتُ الْهُدَى فَحَدَّثْتُهُ بِالْقِصَّةِ قَالَ ثُمَّ لَقِينَا الْفُضَيْلَ وَأَبَا بَصِيرٍ فَدَخَلَا عَلَيْهِ وَسَمِعَا كَلَامَهُ وَسَاءَلَاهُ وَقَطَعَا عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ ثُمَّ لَقِينَا النَّاسَ أَفْوَاجاً فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ قَطَعَ إِلَّا طَائِفَةَ عَمَّارٍ وَأَصْحَابَهُ وَبَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَدْخُلُ إِلَيْهِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ مَا حَالَ النَّاسَ فَأُخْبِرَ أَنَّ هِشَاماً صَدَّ عَنْكَ النَّاسَ قَالَ هِشَامٌ فَأَقْعَدَ لِي بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ وَاحِدٍ لِيَضْرِبُونِي).
الشاهد من الرواية أن أخص أصحاب الصادق وأقربهم منه كانوا لا يعرفون من هو الإمام بعده، فما حال عامة الشيعة إذن؟ ثم ما حال عامة المسلمين ومن أين لهم أن يعرفوا أن هناك إماماً مفترضاً طاعته عليهم، وبجهلهم إياه يكونون كفاراً مخلدين في النار!!
ومن قبل هذا قد علمت أن ابان بن تغلب لم يدرك زمان موسى ومات ولم يعرف الإمام الذي بعد أبي عبدالله.
وفي هذه الفترة توفي زرارة بن أعين ـ وهو من أكابر أصحاب الإمامين الباقر والصادق ـ دون أن يعرف من هو الإمام الذي يلي جعفر؛ وقد أرسل إبنه عبيدالله من الكوفة إلى المدينة لكي يعرف الإمام الذي يخلف الصادق، ولكن المنية عاجلته قبل رجوع إبنه، فوضع القرآن على صدره وقال:
اللهم اشهد إني ءأتم بمن أثبت إمامته هذا المصحف)( رجال الكشي/ ترجمة زرارة).
وأما بالنسبة لعمار الساباطي فقد قال فيه الشيخ الطوسي في الإستبصار في آخر باب السهو في صلاة المغرب:
إن عمار الساباطي ضعيف المذهب لا يعمل على ما يختص بروايته).
وقال في باب بيع الواحد بالإثنين من التهذيب:
حكاية عمار الساباطي وقد ضعفه جماعة من أهل النقل وذكروا أن ما ينفرد بنقله لا يعمل به لأنه كان فطحياً، غير أنا لا نطعن فيه). وهذا يعني أنه كان يقول بإمامة عبدالله الأفطح، ولم يعترف بإمامة موسى إبن جعفر.
وأما بالنسبة لـ( عبدالله بن بكير بن أعين) فقد قال عنه العلامة الحلي في الخلاصة:
وأنا أعتمد على روايته، وإن كان مذهبه فاسداً)( تعليقات المصحح على المقالات والفرق:ص233).
قلت:
إن كان فساد المذهب لا تسقط عدالة الراوي، فالخوارج أولى الناس بقبول رواياتهم لأنهم كانوا يرون أن الكذب مخرج عن ملة الإسلام، أما الشيعة فبحكم عملهم بالتقية وتوسعهم فيها إلى الحد الذي جعلهم يعتبرونها تسعة أعشار الدين، فمن باب أولى أن لا تُؤخذ رواياتهم لأنه لا سبيل إلى معرفة التقية في أقوالهم ورواياتهم من غيرها لأنهم كانوا يلجأون إلى التقية من غير حالات الضرورة. بل وكما تقول رواياتهم عن الصادق u: ( عَلَيْكُمْ بِالتَّقِيَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهَا شِعَارَهُ وَدِثَارَهُ مَعَ مَنْ يَأْمَنُهُ لِتَكُونَ سَجِيَّتَهُ مَعَ مَنْ يَحْذَرُهُ )([30]).
ونحن نتساءل:
إذا كانت الإمامة من أهم أصول الدين ـ كما تقول بذلك الشيعة وتعتقد ـ فكيف يكون خافياً على الناس؟
ولماذا لم يبيّن الصادق ـ ناشر علوم آل محمد ـ كما يقولون بياناً واضحاً من هو الإمام بعده ولو لأقرب الناس إليه وهم أصحابه الذين نقلوا إلى الشيعة دينهم، واعتمدوا عليهم في رواياتهم؟
فإذا كان حال هؤلاء الأصحاب المقربون من الإمام هكذا على حد قولهم: ( فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ ضُلَّالًا لَا نَدْرِي إِلَى أَيْنَ نَتَوَجَّهُ ) ولا يعرفون الإمام الذي بعد الصادق، فكيف يقال بعد ذلك : ( أن الإمامة أصل من أصول الدين لا يعذر أحد بجهله 
وكيف يجوز أن يكتم الإمام إمامته من الله وهو يعلم أن من من يجهله على حد الشرك بالله، وقد أخذ الله ﴿ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾[آل عمران/ 187].
ويا ليث فقهاء الشيعة بينوا لنا كم كان عدد القائلين بإمامة جعفر الصادق الذين تفرقوا بعد وفاته إلى ست فرق، خمسة منهم لم يؤمنوا بإمامة الكاظم بعده!
علماً أنه ورد عن الصادق روايات يشكو فيها قلة شيعته وأنصاره، منها:
عَنِ ابْنِ رِئَابٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ u يَقُولُ لِأَبِي بَصِيرٍ: ( أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي أَجِدُ مِنْكُمْ ثَلَاثَةَ مُؤْمِنِينَ يَكْتُمُونَ حَدِيثِي مَا اسْتَحْلَلْتُ أَنْ أَكْتُمَهُمْ حَدِيثاً)([31]).
عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ u فَقُلْتُ لَهُ وَاللَّهِ مَا يَسَعُكَ الْقُعُودُ فَقَالَ وَلِمَ يَا سَدِيرُ قُلْتُ لِكَثْرَةِ مَوَالِيكَ وَشِيعَتِكَ وَأَنْصَارِكَ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ u مَا لَكَ مِنَ الشِّيعَةِ وَالْأَنْصَارِ وَالْمَوَالِي مَا طَمِعَ فِيهِ تَيْمٌ وَلَا عَدِيٌّ فَقَالَ يَا سَدِيرُ وَكَمْ عَسَى أَنْ يَكُونُوا قُلْتُ مِائَةَ أَلْفٍ قَالَ مِائَةَ أَلْفٍ قُلْتُ نَعَمْ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ قَالَ مِائَتَيْ أَلْفٍ قُلْتُ نَعَمْ وَنِصْفَ الدُّنْيَا قَالَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قَالَ يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ تَبْلُغَ مَعَنَا إِلَى يَنْبُعَ قُلْتُ نَعَمْ فَأَمَرَ بِحِمَارٍ وَبَغْلٍ أَنْ يُسْرَجَا فَبَادَرْتُ فَرَكِبْتُ الْحِمَارَ فَقَالَ يَا سَدِيرُ أَتَرَى أَنْ تُؤْثِرَنِي بِالْحِمَارِ قُلْتُ الْبَغْلُ أَزْيَنُ وَأَنْبَلُ قَالَ الْحِمَارُ أَرْفَقُ بِي فَنَزَلْتُ فَرَكِبَ الْحِمَارَ وَرَكِبْتُ الْبَغْلَ فَمَضَيْنَا فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَقَالَ يَا سَدِيرُ انْزِلْ بِنَا نُصَلِّ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ أَرْضٌ سَبِخَةٌ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا فَسِرْنَا حَتَّى صِرْنَا إِلَى أَرْضٍ حَمْرَاءَ وَنَظَرَ إِلَى غُلَامٍ يَرْعَى جِدَاءً فَقَالَ وَاللَّهِ يَا سَدِيرُ لَوْ كَانَ لِي شِيعَةٌ بِعَدَدِ هَذِهِ الْجِدَاءِ مَا وَسِعَنِي الْقُعُودُ وَنَزَلْنَا وَصَلَّيْنَا فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الصَّلَاةِ عَطَفْتُ عَلَى الْجِدَاءِ فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ)([32]).
عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ u جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا أَقَلَّنَا لَوِ اجْتَمَعْنَا عَلَى شَاةٍ مَا أَفْنَيْنَاهَا فَقَالَ أَلَا أُحَدِّثُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ذَهَبُوا إِلَّا وَأَشَارَ بِيَدِهِ ثَلَاثَةً قَالَ حُمْرَانُ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا حَالُ عَمَّارٍ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ عَمَّاراً أَبَا الْيَقْظَانِ بَايَعَ وَقُتِلَ شَهِيداً فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مَا شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنَ الشَّهَادَةِ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّهُ مِثْلُ الثَّلَاثَةِ أَيْهَاتَ أَيْهَاتَ)([33]).
فعلى ضوء هذه الروايات لا تزيد شيعة جعفر على ( سبعة عشر ) ولو تصورنا أن هذه الفرقة بعد وفاة جعفر ـ رحمه الله ـ إفترقوا إلى ست فرق، فكم يكون عدد كل فرقة منهم؟!
ولا تنسى عزيزي القارئ أن فرقةً واحدةً من هذه الفرق هي التي نزلت إلى القول بإمامة موسى الكاظم، فكم سيكون عدد الذين قالوا بإمامته؟!
وأزيدك بياناً أن علماء الشيعة قالوا: إن عدد أصحاب جعفر الصادق كانوا أكثر من أربعة آلاف شخص.
وهذا ديدنهم في تناقضاتهم، وكما أسلفنا تناقضهم في عدد القائلين بإمامة علي بن أبي طالب t من قبل.
بل وتناقضهم في شجاعته من أعجب العجاب، فمرة يقولون لولا سيف علي لما إنتشر الإسلام، ومرة أخرى يقولون أنه خاف من أبي بكر وعمر ولم يستطع إظهار مخالفته لهم، بل وحتى بعد وفاتهم كان خائفاً منهم ومن أنصارهم؛ ولهذا لم يستطع أن يغير أحكامهم ولا قضاتهم!!
تاسعاً: الشيعة في زمان علي الرضا بن موسى ـ رحمه الله تعالى:
ثم إن جماعة من المؤتمين بموسى بن جعفر إختلفوا في أمره وشكوا في إمامته عند حبسه في المرة الثانية التي مات فيها في حبس هارون الرشيد فصاروا خمس فرق)( فرق الشيعة:ص100، المقالات والفرق:ص89).
قلت:
لماذا لا يسأل الشيعة أنفسهم ـ وخاصة علماؤهم ـ لماذا كانت الشيعة تتفرق عند وفاة كل إمام إلى خمس أو ست فرق؟!
الفرقة الأولى:
فرقة زعمت أنه مات في حبس هارون وكان محبوساً عند السندي بن شاهك، وأن يحيى بن خالد البرمكي سمّه في رطب وعنب بعثه إليه فقتله، وأن الإمام بعد أبيه علي بن موسى الرضا؛ فسميت هذه الفرقة ( القطعية ) لأنها قطعت على وفاة موسى وعلى إمامة علي بن موسى ولم يشك في أمرها ولم يرتب. وأقرت بموت موسى وأنه أوصى إلى إبنه علي، أشار إلى إمامته قبل حبسه ومرت على المنهاج الأول )( فرق الشيعة:ص101، المقالات والفرق:ص 89).
قلت:

هذه الفرقة التي ( مرت على المنهاج الأول ) هي العمق التاريخي للشيعة الإثنى عشرية المعاصرة، ولكن كم كان عددهم بعد أن كانت فرقة واحدة من أصل خمس فرق قالت بإمامة أبيه موسى؟
الفرقة الثانية:
وقالت الفرقة الثانية إن موسى بن جعفر لم يمت وأنه حي ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها كلها عدلاً كما ملئت ظلماً وزورا، ورووا في ذلك روايات عن أبيه جعفر أنه قال:
( هو القائم المهدي، فإن يدهده رأسه من جبل فلا تصدقوا فإنه صاحبكم )( فرق الشيعة:ص101، المقالات والفرق:ص89 ـ 90).
قلت:
هذه أول فرقة من هذه الفرق الخمس ما ( مرت على المنهاج الأول ) ولم تؤمن بولاية وإمامة الأئمة من بعد موسى بن جعفر، أي أنها أنكرت إمامة خمسة من أئمة الشيعة الذين تنطبق عليهم قول الصدوق: ( وإعتقادنا فيمن أقر بإمامة أمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من آمن لجميع الأنبياء ثم أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم )( الإعتقادات للصدوق:ص111).
والذي ينكر نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبإتفاق المسلمين كافر ضال لا يدخل في عداد المسلمين.
ولكن هذه الفرقة أنكرت خمسة منهم، وبالتالي لا ندري أيمكن إلحاقهم بأهل السنة الذين ينكرون الإمامة الإلهية من أصلها، أم أن جرمهم أقل؟
ولكن الكاشاني كان أشد لهجة وحكماً من شيخهم الصدوق حينما قال: ( من جحد إمامة أحدهم ( يعني الإثنى عشر ) فهو بمنزلة من جحد الأنبياء عليهم السلام )( منهاج النجاة:ص48). فسد الطريق أمام هذه الفرقة والفرق التي قبلها والتي ستأتي لاحقاً من الذين خرجوا عن خط الشيعة ( الإثنى عشرية ) وصيّرهم كفار مخلدون في النار. بل جعلهم شر من اليهود والنصارى لأن هؤلاء آمنوا ببعض الأنبياء وكفروا البعض الآخر. أما أولئك فجعلهم بمنزلة من جحد الأنبياء كلهم. ولله في خلقه شؤون!!!
الفرقة الثالثة:
وقالت فرقة إنه القائم، وقد مات فلا تكون الإمامة لأحد من ولده ولا لغيرهم حتى يرجع فيقول ويظهر، وزعموا أنه قد رجع بعد موته إلاّ أنه مختفٍ في موضع من المواضع يعرفونه، يأمر وينهى، وأن من يوثق به من أصحابه يلقونه ويرونه، وقال بعضهم: إنه يختلف ويجئ بعد إختفائه وله مواضع شتى إلى أوان ظهوره)( فرق الشيعة:ص101، المقالات والفرق:ص 90).
قلت:
حال هذه الفرقة كحال سابقتها من أنها كافرة بنظر الشيعة الإمامية ( الإثنا عشرية ) لأنها أنكرت الأئمة التالين لموسى بن جعفر. مع ملاحظة أنها قالت في موسى بنفس مقالة الشيعة الإمامية في الإمام الثاني عشر المهدي المزعوم، وخالفوهم في رجوعه.
الفرقة الرابعة:
وقالت فرقة قد مات وأنه القائم وأن فيه سنة من عيسى إبن مريم وكذبوا من قال أنه قد رجع، ولكنه يرجع في وقت القيامة فيملأ الأرض عدلاً ورووا في ذلك خبراً عن أبيه أنه قال: إن إبني هذا فيه سنة من عيسى بن مريم…وأكد بعضهم قتله… وقالت فرقة منهم لا يدري أحيٌّ هو أم ميت؟)( فرق الشيعة:ص102ـ 104، المقالات والفرق:ص 90 ـ 91).
قلت:
ممن الممكن أن تلحق هذه الفرقة بأخواتها من الفرق الشيعية الكافرة في نظر الشيعة الإمامية ( الإثنى عشرية ) المعاصرين لجحدها أئمة الشيعة التالين لموسى بن جعفر ولإعتقادهم أن فيه سنة من عيسى u، لأنه سيرجع إلى الدنيا.
ومع تكرر ظاهرة المهدوية عند وفاة كل إمام إلاّ أن إعتقاد رجعة الأئمة التي أبتليت به كل فرق الشيعة لا سند له ولا دليل عليه لا من كتاب الله تعالى ولا من سنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما عيسى u فلولا أن الله تعالى أخبرنا برجوعه قبل يوم القيامة في كتابه العزيز لما كلفنا الإيمان به.
قال الله تعالى:﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء/ 159].
الفرقة الخامسة:
وفرقة منهم يقال لها ( البشرية ) أصحاب محمد بن بشير مولى بن أسد من أهل الكوفة قالت: إن موسى بن جعفر لم يمت ولم يحبس، وأنه غاب واستتر وهو القائم المهدي، وإنه في وقت غيبته إستخلف على الأمة محمد بن بشير وجعله وصيه وأعطاه خاتمه وعلمه جميع ما يحتاج إليه رعيته من أمر دينهم ودنياهم…وزعموا أن علي بن موسى وكل من إدّعى الإمامة من ولده وولد موسى بن جعفر بعده مبطلون كاذبون غير طيبي الولادة ونفروهم عن أنسابهم وكفروهم لدعواهم الإمامة وكفّروا القائلين بإمامتهم واستحلوا دماءهم وأموالهم . . وهذه الفرقة من الرافضة تلقب بـ( الممطورة ) وقد غلب عليها هذا اللقب وشاع في الناس وكان سبب ذلك أن علي بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبدالرحمن ناظرا بعضهم فقال له علي بن إسماعيل وقد إشتد الكلام بينهم: ما أنتم من الشيعة وإنما أنتم ـ كلاب ممطورة ـ أراد أن أنكم جيف أنتان ـ لأن الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف فلزمهم هذا اللقب فهم يعرفون به اليوم؛ لأنه إذا قيل لرجل أنه ممطور عرف أنه من ( الواقفة ) على موسى بن جعفر خاصة لأن كل من مضى منهم إلاّ القليل فإنه واقفة قد وقفت عليه فهذا اللقب لأصحاب موسى خاصة )( فرق الشيعة:ص 102ـ105، المقالات والفرق:ص 91ـ93).
قلت:
لقد وردت في حق الواقفة روايات كثيرة عن الإمام الرضا فيها ذم وتكفير، منها:
عن علي بن عبد الله الزهري قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الواقفة. فكتب: الواقف عاند من الحق، ومقيم على سيئه، إن مات بها، كانت جهنم مأواه وبئس المصير (رجال الكشي 387، مسند الإمام الرضا 2/ 471).
عن ابن أبي عمير عن رجل من أصحابنا قال، قلت للرضا u جعلت فداك قوم قد وقفوا على أبيك يزعمون أنه لم يمت، قال: ( كذبوا وهم كفار بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولو كان الله يمد في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه لمد الله في أجل رسول الله (صلى الله عليه وآله)( رجال الكشي:ص458).
ونحن نرد على الشيعة الإمامية الإثنى عشرية بنفس مقولتهم في إمامهم الثاني عشر فنقول:
ولو كان الله يمد في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه لمد الله في أجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا حاجة للخلق لا في القائم ولا لإمام واحد فضلاً عن إثني عشر إماماً، لأن الله تعالى ما قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ بعد أن بلغ الرسالة كاملة لا نقص فيها وتركنا على المحجة البضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك.
عن محمد بن علي الرضا قال: ( إن الزيدية والواقفة والنصاب عنده بمنزلة واحدة)(رجال الكشي:ص291).
وأما بالنسبة ليونس بن عبدالرحمن، والذي بسببه قيل لهذه الفرقة ( الممطورة ) فقد ورد فيه مدح وقدح من قبل الإمام الرضا:
1.عن عبد الله بن محمد الحجال، قال كنت عند أبي الحسن الرضا u إذ ورد عليه كتاب يقرؤه، فقرأه ثم ضرب به الأرض، فقال هذا كتاب ابن زان لزانية هذا كتاب زنديق لغير رشده فنظرت إليه فإذا كتاب يونس( رجال الكشي:ص496).
2.عن محمد بن بادية، قال، كتبت إلى أبي الحسن u في يونس فكتب لعنه الله ولعن أصحابه، أو بري‏ء الله منه ومن أصحابه( رجال الكشي:ص492).
وهنا أود ألفت نظر القارئ العزيز أن هذا الشخص ( الممطور ) الملعون من قبل الإمام قد بلغت مروياته في كتب الشيعة الأربعة المعتمدة لديهم ( 263 ) رواية( معجم رجال الخوئي:20/ 218).
علماً أن مروياته عند المعاصرين موثقة وصحيحة. وهذا أيضاً من تناقضات الشيعة.
عاشراً: الشيعة في زمان محمد بن علي ( الجواد ):
ثم أن أصحاب علي بن موسى الرضا إختلفوا بعد وفاته فصاروا خمس فرق )( فرق الشيعة:ص106، المقالات والفرق:ص 93).
 وقبل أن نأتي على وفاة الرضا وإفتراق القائلين بإمامته لابد أن نقف وقفة قصيرة نتأمل حياته وعلاقته بخليفة زمانه الخليفة العباسي ( المأمون ) فإن الأخبار والروايات قد تواترت من قبل الموالين والمخالفين أن الإمام الرضا قد بايع المأمون دون خوف أو إكراه أو تقية، وقبل بولاية العهد بعده، وتزوج من إبنة الخليفة، وتنازل له المأمون عن الخلافة وأراده أن يكون خليفة للمسلمين إلاّ أنه أبى ولكنه قبل أن يلي الأمر بعده، ولكنه توفي قبل المأمون.
ونحن نسأل:
كيف جاز للمعصوم الذي إمامته فرض من الله ورسوله أن يدخل في بيعة باطلة دون إكراه وأصحابها مغتصبون لحق الإمام كما تدعي الشيعة اليوم؟ بل كيف قبل أن يدخل معه في هذا الباطل؟
يقول سيدنا علي t في نهج البلاغة:
الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كل داخل في باطل إثمان: إثم العمل به، وإثم الرضا به).
والأعجب من كل هذا أن الخلافة المغتصبة منهم أتته راغمة ولكنه أبى أن يتقلدها!
أما عن سبب تفرق الشيعة بعد وفاة الرضا إلى خمس فرق فهو بسبب صغر سن إبنه ( محمد الجواد ) فقد كان عمره عند وفاة أبيه الرضا سبع سنين.
الفرقة الأولى:
فرقة قالت الإمام بعد علي بن موسى إبنه محمد بن علي، ولم يكن له غيره، وكان ختن المأمون على إبنته. وتبعوا الوصية حيث ما دارت على المنهاج الأول من لدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم )( فرق الشيعة:ص106 ـ 107، المقالات والفرق:ص93).
قلت:
ذكر الدكتور محمد جواد مشكور أن محمد بن علي الملقب بـ( الجواد)…ولد في المدينة وانتقل مع أبيه إلى بغداد، وتوفي والده فكفله المأمون العباسي ورباه وزوجه إبنته ( أم الفضل ) وقدم المدينة ثم عاد إلى بغداد وافداً على المعتصم ومعه إمرأته ( أم الفضل ) بنت المأمون فتوفي بها وحملت إمرأته إلى قصر عمها المعتصم فجعلت مع الخدم…)( تعليقات على المقالات والفرق).
وقال الدكتور جواد مشكور أيضاً في أبيه علي الرضا:
ولد في المدينة وكان أسود اللون، أمه حبشية، وأحبه المأمون العباسي فعهد إليه بالخلافة من بعده ولقبه الرضا من آل محمد، وزوجه إبنته ( أم حبيب ) وضرب إسمه على الدينار والدرهم، وغيّر من أجله الزي العباسي الذي هو السواد فجعله أخضر، وكان هذا شعار أهل البيت عليهم السلام)( تعليقات على المقالات والفرق:ص235).
قلت:
كلام الدكتور جواد مشكور يكشف حقيقة كذب أسطورة مظلومية أهل البيت التي تنادي بها الشيعة ليلاً ونهاراً، وتبغي من ورائها الإستيلاء على مقدرات الأمة الإسلامية بحجة إعادة الحق إلى أهله.
فأين هي المظلومية في رجل تزوج هو وإبنه من بنات الخليفة وصكت العملة بإسمه، وغيّر الخليفة لباسه ولباس العباسيين من السواد إلى الأخضر إكراماً له؟!
ولكن الملفت للنظر أن الشيعة اليوم جعلت السواد شعاراً لهم في العمامة والعباءة، ولعل ذلك من باب رد الفضل إلى أهله وإكراماً منهم للخليفة العباسي المأمون.
 
 
الفرقة الثانية:
وفرقة قالت بإمامة أحمد بن موسى بن جعفر وقطعوا عليه وادّعوا أن الرضا وصى إليه وإلى الرضا وأجازوها في أخوين وقالوا في مذاهبهم إلى شبيه بمذاهب الفطحية أصحاب عبدالله بن جعفر)( فرق الشيعة:ص107، المقالات والفرق:ص92).
قلت:
مادام أمر الإمامة مبهماً لا قاعدة فيه فلمن شاء أن يدّعي ما شاء، فهذا يدعي أن الإمام محمد، والآخر يدّعي أن الإمام أحمد، وهذا يدّعي أن الإمام مات، وآخر يدعي أن الإمام لا يموت وهو القائم المهدي، وذاك يدّعي أن الإمامة لا تجوز في أخوين بعد الحسن والحسين، وآخر يجوزها وهكذا؛ ولا ندري من المحق فيهم، والكل يروي عن الإمام ما يسند دعواه ـ وفي التقية المخرج.
الفرقة الثالثة:
وفرقة تسمى المؤلفة من الشيعة قد كانوا نصروا الحق وقطعوا على إمامة علي بن موسى بعد وقوفهم على موسى وإنكار موته فصدقوا بموته وقالوا بإمامة الرضا، فلما توفي رجعوا إلى القول بالوقف على موسى بن جعفر )( فرق الشيعة:ص107، المقالات والفرق:ص94).
وهؤلاء قد دخلوا في الكفر وهم قد خرجوا منه ـ طبعاً حسب المعتقد الشيعي الإمامي الإثنا عشري.
الفرقة الرابعة:
وفرقة تسمى المحدثة كانوا من أهل الإرجاء وأصحاب الحديث من النابتة ( العامة ) فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر، وبعده لعلي بن موسى، وصاروا شيعة رغبةً في الدنيا وتصنعاً؛ فلما توفي علي بن موسى، رجعوا إلى ما كانوا عليه من الإرجاء)( فرق الشيعة:ص107، المقالات والفرق:ص94)
قلت:
وهل كان علي بن موسى بن جعفر يعطي الدنيا لمن يقول بإمامته؟!
ولماذا رجعوا بعد وفاته؟
ألم يكن محمد بن علي الرضا ربيب المأمون وختنه على إبنته؟
ألا يعني هذا أنه كان مقرباً من الخليفة، ويستطيع أن يعطي الدنيا لمن يقول بإمامته؟
ولكننا نرى أن الأمر قد إنعكس اليوم، وأصبح الذي يقول بالإمامة عليه أن يعطي ضريبة الإعتقاد أو ما يسمى بـ( خمس الإمام ) إلى المعممين ـ دام ظلهم الشريف ـ والإمام قد غاب منذ أكثر من أحد عشر قرناً، وليس هناك من وسيلة للإتصال بينه وبين شيعته بعد أن وقعت الغيبة الكبرى ـ كما يقولون ـ وحل محله الفقيه النائب عن الإمام يصول ويجول بالأموال والأعراض، وحسبنا أن نقول كما قال سيدنا علي t: نعوذ بالله من سبات العقول.
 
 
الفرقة الخامسة:
وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء منهم والبصراء لزيد فرجعوا عن مقالتهم ودخلوا في القول بإمامة علي بن موسى عندما أظهر المأمون فضله وعقد إلى الناس بيعته تصنعاً للدنيا واستأكلوا الناس بذلك عصراً فلما مضى علي بن موسى رجعوا إلى فرقهم من الزيدية)( فرق الشيعة:ص107، المقالات والفرق:ص94).
قلت:
لعل هؤلاء الزيدية قالوا بإمامة علي الرضا تماشياً مع إعتقادهم بأن الإمام هو من تسلم الخلافة وحكم فعلاً. لا الذي يجلس في بيته ويرخي ستره. وتماشياً مع إعتقادهم بأن الإمامة تكون بالإختيار لا بالنص وقد إختار المأمون الرضا خليفة بعده.
ومن الجدير بالذكر هنا أن ننوه إلى الملاحظة القيمة التي ذكرها إبن تيمية وهي أن الخلافة لو كانت في بيت النبوة لكانت ( من أعظم التهم التي توجب القدح في نبوته ويقال إنه كان طالب ملك أقامه لأقاربه وعهد إليهم ما يحفظون به الملك وأن لا يعرف ذلك غيرهم فإن هذا بأمر الملك أشبه منه بأمر الأنبياء … فانه لو قدم أحدا من أهل بيته لكانت شبهة لمن يظن انه كان ملكا كما انه لو ورث مالا لورثته لكانت شبهة لمن يظن انه جمع المال لورثته فلما لم يستخلف أحدا من أهل بيته ولا خلف لهم مالا كان هذا مما يبين انه كان من أبعد الناس عن طلب الرياسة والمال وإن كان ذلك مباحاً وانه لم يكن من الملوك الأنبياء بل كان عبداً لله ورسوله)([34]).
وهذا مما يقوي كلام المصنف من أن بعض الناس قالوا بإمامة علي بن موسى لما قربه المأمون وصيره ولياً للعهد من بعده طمعاً للمال والملك، ومثل هؤلاء لا يكون إسلامهم عن قناعة ويقين، ولهذا تراهم يتلونون ويتحولون من عقيدة إلى عقيدة تبعاً لمصالحهم الشخصية.
وقبل أن نختم مقالات هذه الفرق الخمس ننقل ما قاله النوبختي: ( ثم إن الذين قالوا بإمامة أبي جعفر بن محمد بن علي بن موسى إختلفوا في كيفية علمه لحداثة سنه ضروباً من الإختلاف: فقال بعضهم لبعض: الإمام لا يكون إلاّ عالماً وأبو جعفر غير بالغ وأبوه قد توفي، فكيف علم ومن أين علم؟)( فرق الشيعة:ص110).
هذا وقد عدد المصنفان النوبختي والقمي حوالي خمسة آراء مختلفة لهؤلاء كلهم قد خاضوا في كيفية تلقيه للعلم مع صغر سنه.
ونحن لا ندري ما رأي الشيعة المعاصرين بهؤلاء الذين خاضوا في أمر علم الإمام مع أن عقيدتهم تفرض عليهم التسليم بإمامته بعد الإستيتاق من وقوع الوصية عليه من قبَل أبيه المعصوم الإمام الرضا الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ نكت في القلوب ونقر في الآذان وتحديث من قبل الملَك الذي لا يتصرف هو الآخر إلاّ بأمر الله تعالى:﴿ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾[الأنبياء/ 26، 27].
 
حادي عشر: الشيعة في زمان علي الهادي بن محمد:
فنزل أصحاب محمد بن علي الذين ثبتوا على إمامته إلى القول بإمامة أبيه ووصيه علي بن محمد، فلم يزالوا على ذلك إلاّ نفر منهم يسير عدلوا عنه إلى القول بإمامة أخيه موسى بن محمد، ثم لم يلبثوا على ذلك قليلاً حتى رجعوا إلى إمامة علي بن محمد ورفضوا إمامة موسى … فلم يزالوا كذلك حتى توفي علي بن محمد …)( فرق الشيعة:ص113، المقالات والفرق:ص99).
ثم ذكر المصنفان أنه ( شذت فرقة من القائلين بإمامة علي بن محمد في حياته فقالت بنبوة رجل يقال له ( محمد بن نصير النميري ) كان يدّعي أنه نبي رسول).
قلت:
لقد حفظ لنا التاريخ أن جميع الأفكار المنحرفة والأقوال الشاذة قد خرجت من عباءة التشيع، كل ذلك بسبب عدم وضوح عقيدة الإمامة التي تفتقر إلى نص واحد صحيح وصريح في الإمامة وفي عددهم.
ثاني عشر: الشيعة في زمان الحسن العسكري بن علي:
فلما توفي علي بن محمد بن علي بن موسى قالت فرقة من أصحابه بإمامة إبنه محمد ـ وقد كان توفي في حياة أبيه بسر من رأى ـ زعموا أنه حي لم يمت واعتلوا في ذلك بأن أباه أشار إليه وأعلمهم أنه الإمام بعده، والإمام لا يجوز عليه الكذب، ولا يجوز البداء فيه؛ وإن كانت ظهرت وفاته في حياة أبيه فإنه لم يمت في الحقيقة ولكن أباه خاف عليه فغيبه وهو المهدي القائم.
وقالوا فيه بمثل مقالة إسماعيل بن جعفر، وقال سائر أصحاب علي بن محمد بإمامة إبنه الحسن بن علي، وثبتوا له الإمامة بوصية أبيه إليه، وكان يكنى بأبي محمد، إلاّ نفراً قليلاً فإنهم مالوا إلى أخيه جعفر بن علي …)( فرق الشيعة:ص118ـ119، المقالات والفرق:ص101).
قلت:
الملفت للنظر تكرر ظاهرة المهدوية عند وفاة كل إمام مما يؤكد عدم وجود الإمامة الإلهية من أساسها.
وسنحاول في نهاية البحث أن نضع بياناً رقمياً لعدد الأشخاص الذين قيل لهم بالمهدوية حتى يتبين للقارئ الكريم أن القول بمهدوية محمد بن الحسن العسكري ما هو إلاّ واحد من بين هذه الإدعاءات التي تبين بطلان جميعها من قبل.
ثالث عشر: الشيعة في زمان المهدي المنتظر:
توفي الحسن العسكري ولم يُعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه وهي أم ولد وكان يقال لها عسفان، ثم سماها الحسن ( حديثا ) فافترق أصحابه بعده ( أربع عشرة فرقة )( فرق الشيعة:ص119)
وفي المقالات والفرق: ( فافترق أصحابه بعده خمس عشرة فرقة)( ص:102).
قلت:
هذا التفرق الكبير والإنقسام العظيم والإختلاف الكثير بين أبناء الفرقة الواحدة من القائلين بإمامة الحسن العسكري، والذي لم يحدث من قبل هذا بهذا الحجم في صفوف الشيعة، لدليل أكيد وبرهان قاطع على بطلان القول بوجود ولد للحسن العسكري في السر.
فما هذا القول إلاّ واحداً من بين خمسة عشر قولاً ذهبت إليه شيعة الحسن العسكري بعد وفاته، فلماذا يكون هذا القول هو الراجح مع وجود أدلة كثيرة على بطلانه؟!
أما عن مقالات هذه الفرق وأرائها فلا يهمنا منها سوى قول الفرقة التي قالت بوجود ولد للحسن العسكري في السر، وأنه هو القائم المنتظر؛ فسنتطرق إلى مقالتها بشئ من التفصيل، لأنها تمثل خط الشيعة الإثنا عشرية المتواجدين هنا وهناك. أما ما عداها من الفرق فإن المهدي قد تكفل بإخراجهم من الإسلام وإرسالهم إلى الجحيم بموجب ما رواه المجلسي في بحار الأنوار(53/ 180) والطوسي في الغيبة( 290 ):( محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان u : أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة من أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح ).
وسبيل إبن نوح بمقتضى قول الله عز وجل جهنم وبئس المصير.
أما عن مقالة الفرقة التي هي إمتداد لفرقة الشيعة الإثنا عشرية المعاصرين، فقد قال عنها أصحاب المقالات:
( ففرقة منها وهي المعروفة بالإمامية، قالت: لله في أرضه بعد مضي الحسن بن علي حجة على عباده وخليفة في بلاده، قائم بأمره من ولد الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا، آمر مبلغ عن آبائه مودع عن أسلافه ما استودعوه من علمهم بالله وكتبه وأحكامه وفرائضه وسننه، عالم بما يحتاج إليه الخلق من أمر دينهم ومصالح دنياهم … ولو كان في الأرض رجلان لكان أحدهما الحجة، ولو مات أحدهما لكان الباقي منهما الحجة، ما اتصل أمر الله ودام نهيه في عباده … ولا يجوز أن تخلو الأرض من حجة من عقب الإمام … وأنه في هذه الحالة مستتر خائف مغمور مأمور بذلك حتى يأذن الله عز وجل له فيظهر ويعلن أمره، كظهور من مضى قبله من آبائه … وليس على العباد أن يبحثوا عن أمور الله … فليس يجوز لمؤمن ولا مؤمنة طلب ما ستره الله ولا البحث عن إسمه وموضعه، ولا السؤال عن أمره ومكانه، حتى يؤمروا بذلك، إذ هو u غائب مغمود(مغمور)مستور بستر الله؛ بل البحث عن أمره وطلب مكانه والسؤال عن حاله وأمره محرم…)( فرق الشيعة مختصراً:ص131ـ134، المقالات والفرق:ص102ـ 106).
قلت:
كيف يكون الغائب حجة على العباد، مع أن الله تعالى لم يحتج على عباده بوجوده الغيبي مع كفاية الدلالة على وجوده بدلالة الأنفس والآفاق؟
فمع أن العقل البشري يؤكد وجود الله تعالى، إلاّ أن الله تعالى إنما إحتج على عباده بأن أرسل إليهم رسلاً منهم يبلغونهم عن الله تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء/ 165].
أما أن يكون غائباً لا يعرف أخباره ولا أوامره ولا نواهيه، ويكون حجة في الوقت نفسه، فإن هذا إفتراض وهمي يحتاج إثباته إلى دليل دونه خرط القتاد.
ولقد صدق من قال: ما أنصفك من أحالك على غائب.
ألا ترى أن الله تعالى كان يحتج على عباده بالرسل، فكان كل أمة لها رسول: ﴿ إنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾[فاطر/ 24].
ولما شاء الله تعالى أن يختم الرسالات بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم جعل منهجه هو الحجة على عباده بأن جمع له بين المنهج والمعجزة، فتحدى الناس كافة على أن يأتوا بسورة مثله، وما يزال التحدي قائماً وسيظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وهنا تدخل الله تعالى بحفظ هذا المنهج من التغيير والتبديل لئلا تبطل حجيته في زمن من الأزمان؛ قال الله تعالى:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[الحجر/ 9]﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾[فصلت/ 41، 42].
والقول بأن القرآن يحتاج إلى قيم يعني أن الحجة في قول الإمام لا في قول الرحمن، وأن قول الإمام أفصح من كلام الرحمن، وأن الإمام أقدر على البيان من القرآن ـ والعياذ بالله. وهذا لا يقول به مسلم عاقل.
أما قوله: ( خليفة في بلاده ).
فيظهر أن المصنف لم يفرق بين الخليفة ( السلطان ) وبين الإمام الذي يكون قدوة لغيره ولا يلزم منه أن يكون سلطاناً.
فإن أراد بالخليفة السلطان الأعظم الذي يحكم البلاد ويسوس العباد، فهذا كلام لا يتصوره العقل، إذ كيف يكون الغائب الذي لا يرى جسمه ولا عينه أن يكون خليفة للمسلمين؟
وأما إن كان المراد أنه يخلف غيره عند غيابه، فكيف يكون الغائب خلفاً لغيره الغائب؟
وأما إن أراد أنه كان إماماً للمسلمين، فهذا أيضاً مما لا يعقل. فإن الإمام من يتقدم الناس ويقتدى به في العبادات والطاعات، فكيف يكون إماماً ولا يشاهده الناس ولا يعلمون خبره؟
وقوله: ( ولو كان في الأرض رجلان لكان أحدهما الحجة، ولو مات أحدهما لكان الباقي منهما الحجة، ما اتصل أمر الله ودام نهيه في عباده ).
قلت:
إذا كان هذا الكلام يعرفه شيعة المهدي، فهل يعرفه المهدي نفسه أم لا؟
فإنه إن كان يعرفه فلماذا يخاف القتل على نفسه؟ ألا يعلم أنه لا يموت ولو كان في الدنيا رجلان ( لو مات أحدهما لكان الباقي منهما الحجة 
أليست الأخبار مستفيضة عندهم أن الإمام المهدي لا يموت حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ؟
فلماذا إختفى وهو طفل صغير لم يبلغ الحلم وخاف على نفسه القتل ؟
ولماذا لم يكن السلطان يطلب أباه وعمه، وطلب هذا الطفل الصغير الذي في الحقيقة لم يكن له وجود ظاهر بإعتراف الشيعة أنفسهم؟
قوله: ( آمر ناهٍ مبلغ عن آبائه ).
وهذا الكلام يعرف الشيعة بطلانه قبل غيرهم، فإنه لم ينقل عنه لا أمرٌ ولا نهيٌ على الأقل منذ غيبته الكبرى التي مضى عليها أحد عشر قرناً، وقد يطول كما يقول الخميني: ( ومن الممكن أن تمر مائة ألف عام أخرى دون أن تقتضي المصلحة ظهور صاحب الأمر)([35])دون أن ينقل عنه شئ ودون أن يراه أحد أو ينقل عنه شيئاً، وقد حرّم أن يلتقي به أحد عند دخوله الغيبة الكبرى بقوله: ( فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره.. وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .)[ابن بابويه/ إكمال الدين: 2/ 193، الطوسي/ الغيبة: ص257.].
ومع أني قرأت أن العقل لدى الشيعة مصدر من مصادر التشريع، إلاّ أن الناظر إلى الفكر الشيعي يرى أنهم من أبعد الناس عقلاً في قولهم بغيبة المهدي وحجته على الخلق.
ولقد مر بنا أنه ما مات إمام من أئمتهم إلاّ وفي الشيعة من قال بمهدويته، وأنه هو القائم المنتظر. ولست أدري لماذا أبطلوا مهدي غيرهم وأثبتوا مهديهم مع أن الأمر في كلهم سيان.
فمثلاً لماذا بطل أن يكون المهدي هو جعفر الصادق وصح أن يكون محمد بن الحسن العسكري؟
وعلى كل حال وقبل أن نقيم الأدلة على بطلان ولادة المهدي وحجيته، نمر مروراً سريعاً على أهم الأقوال التي قيلت بمهدوية الأئمة قبل الإمام الثاني عشر.
المهدوية لدى الشيعة:
1.علي بن أبي طالب هو المهدي الأول:
فرقة منها قالت: إن علياً لم يقتل ولم يمت، ولا يموت حتى يملك الأرض ويسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كم ملئت ظلماً وجوراً، وهي أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي من هذه الأمة، وأول من قال منها بالغلو، وهذه الفرقة تسمى ( السبأية ) أصحاب عبدالله بن سبأ. وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال: أن علياً u أمره بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فصيّره إلى المدائن، وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي u أن عبدالله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً u وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى u بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في علي u بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي u وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه، فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية، ولما بلغ عبدالله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولن يموت حتى يملك الأرض )(فرق الشيعة:ص43-44، المقالات والفرق:ص20-21 مع بعض الإختلافات).
2. جعفر ( الصادق ) بن محمد المهدي الثاني:
ففرقة منها قالت: إن جعفر بن محمد حيٌّ لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس، وهو القائم المهدي، وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال: ( إن رأيتم رأسي قد هوى عليكم من جبل فلا تصدقوه فإني صاحبكم) وأنه قال: ( إن جاءكم من يخبركم عني أنه مرضني وغمسني وغسلني وكفنني ودفنني فلا تصدقوه فإني صاحبكم صاحب السيف) وهذه الفرقة تسمى الناووسية)( فرق الشيعة:ص87، المقالات والفرق:ص79-80).
3. محمد عبدالله بن جعفر المهدي الثالث:
وقالت فرقة من أصحابه بعد وفاته أن الإمامة إنقطعت بعد موته، فلا إمام بعده، وشذت منهم فرقة بعد وفاة موسى بن جعفر فادعت أن لعبدالله بن جعفر إبناً … يقال له محمد…وأنه حي إلى اليوم وأنه الإمام بعد أبيه وهو القائم المنتظر، واعتلوا في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن القائم إسمه إسمي وإسم أبيه إسم أبي ). ومنهم شرذمة تدّعي إن الإمامة في ولد عبدالله إلى يوم القيامة. وأن أباه توفي وله ولد فهي في ولده )( المقالات والفرق:ص88 ).
4. موسى بن جعفر المهدي الرابع:
وقالت الفرقة الثانية إن موسى بن جعفر لم يمت وأنه حي ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها كلها عدلاً كما ملئت ظلماً وزورا، ورووا في ذلك روايات عن أبيه جعفر أنه قال:
( هو القائم المهدي، فإن يدهده رأسه من جبل فلا تصدقوا فإنه صاحبكم )( فرق الشيعة:ص101، المقالات والفرق:ص 89 ـ 90).
ونذكر القارئ أن أربع فرق من الخمس الفرق التي تفرق لها الشيعة بعد وفاة موسى بن جعفر قالت بمهدوية موسى بشكل أو بآخر.
5. محمد بن علي بن موسى المهدي الخامس:
 ( فلما توفي علي بن محمد بن علي بن موسى قالت فرقة من أصحابه بإمامة إبنه محمد ـ وقد كان توفي في حياة أبيه بسر من رأى ـ زعموا أنه حي لم يمت واعتلوا في ذلك بأن أباه أشار إليه وأعلمهم أنه الإمام بعده، والإمام لا يجوز عليه الكذب، ولا يجوز البداء فيه؛ وإن كانت ظهرت وفاته في حياة أبيه فإنه لم يمت في الحقيقة ولكن أباه خاف عليه فغيبه وهو المهدي القائم.
وقالوا فيه بمثل مقالة إسماعيل بن جعفر، وقال سائر أصحاب علي بن محمد بإمامة إبنه الحسن بن علي، وثبتوا له الإمامة بوصية أبيه إليه، وكان يكنى بأبي محمد، إلاّ نفراً قليلاً فإنهم مالوا إلى أخيه جعفر بن علي …)( فرق الشيعة:ص118ـ119، المقالات والفرق:ص101).
 
6. الحسن العسكري هو المهدي السادس:
فرقة قالت: أن الحسن بن محمد حي لم يمت وإنما غاب وهو القائم ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهر لأن الأرض لا تخلو من إمام. وقد ثبتت إمامته والرواية قائمة أن للقائم غيبتين، فهذه إحداهما وسيظهر ويعرف ثم يغيب غيبة أخرى. وقالوا فيه ببعض مقالة الواقفة على موسى بن جعفر. وإذا قيل لهذه الفرقة: ما الفرق بينكم وبين الواقفة؟ قالوا: أن الواقفة أخطأت في الوقوف على موسى لما ظهرت وفاته لأنه توفي عن خلف قائم أوصى إليه وهو الرضا u.…)( فرق الشيعة:ص120).
7. محمد بن الحسن العسكري المهدي السابع:
والآن الشيعة الإمامية تقول بمهدوية محمد بن الحسن العسكري الذي لم يره أحد سوى أربعة من الكذابين الذين تعاقبوا على نيابته وادعوا أنهم يرونه ويلتقون به من دون سائر الناس، وأنه أوصى إليهم بجمع خمس المكاسب، وإيصال أسئلتهم إليه ورد الأجوبة منه إليهم عن طريق ما يسمونه بالرقاع الصادرة من الجهة الشريفة بتوقيع صاحب الزمان عجل الله فرجه ـ كما يقولون ـ  وما أظن له وجود حتى يعجل الله فرجه! ولا لهذه الرقع الشريفة التي كتبها المهدي بيديه الشريفتين!!!
وإن أبسط ما يقال لهم، هو قول الفرقة الثامنة من فرق الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري الذين قالوا:
أنه لا ولد للحسن أصلاً لأنا قد إمتحنا ذلك وطلبناه بكل وجه فلم نجده، ولو جاز لنا أن نقول في مثل الحسن وقد توفي ولا ولد له أن له ولداً خفياً لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت عن غير خلف ولجاز مثل ذلك في النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُقال خلّف إبناً نبياً رسولاً، وكذلك في عبدالله بن جعفر بن محمد أنه خلّف إبناً وأن أبا الحسن الرضا u خلّف ثلاثة بنين غير أبي جعفر أحدهم الإمام لأن مجيء الخبر بوفاة الحسن بلا عقب كمجيء الخبر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخلف ذكراً من صلبه ولا خلف عبدالله بن جعفر إبناً ولا كان للرضا أربعة بنين. فالولد قد بطل لا محالة …)( فرق الشيعة:ص127).
فأين القول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى إلى إثني عشر إماماً بأسمائهم وأوصافهم، وأن آخرهم هو المهدي المنتظر؟
فهل كانت الشيعة تعرف بأنه لا مهدي قبل الإمام الثاني عشر، ومع هذا يقولون بمهدوية ستة من أئمتهم قبل المنتظر؟
الأدلة التي تنفي وجود المهدي المنتظر بالمفهوم الشيعي الإمامي:
تعتمد نظرية الإمامة عند الشيعة على ما تسمى بـ( أدلة عقلية ) وأخرى نقلية من الكتاب والسنة.
ولقد أثبت الدكتور أحمد الكاتب ـ وهو شيعي متخرج من الحوزة العلمية الشيعية ـ بما لا يقبل الشك بعدم وجود المهدي المنتظر في كتاب أسماه ( تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه ) وهو كتاب جدير بأن يقرأه الباحثون في الفكر الشيعي الإمامي الإثنا عشري، لأن بطلان وجود المهدي المنتظر سينسحب سلباً على نظرية الإمامة من أساسها. لأن الذي يمكنه الإستغناء عن إمام واحد من أئمتهم يمكنه الإستغناء عن جميعهم والرجوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأخذ من سنته مباشرة دون الحاجة إلى أئمة معصومين.
 
الأدلة العقلية التي ساقها الفكر الشيعي في إثبات وجود المهدي:
تنحصر الأدلة العقلية في إثبات وجود المهدي بالإستدلال النظري وفق الصيغة التالية:
الإمامة لطف من الله، وواجب على الله تعالى أن لا يخلي المكلفين عن لطفه، لذا لا يجوز عقلاً أن تخلو الأرض من حجة لله بين عباده، ظاهر أو مغمور، والحجة لا تقوم على الناس إلاّ بإمام معصوم، وحيث أنه لا أحد يدّعي العصمة في أحد من غير الشيعة الذين يقولون بعصمة أئمتهم؛ لذا وجب أن لا يخلو الأرض من الحجة وهو المهدي المنتظر، لأن الأرض لو بقيت من غير حجة لساخت، ولو بقي شخصان في الدنيا لكان أحدهما الحجة.
هذا ملخص للأدلة العقلية التي يسوقها الفكر الشيعي في إثبات وجود المهدي وإمامته. علماً أن الفكر الشيعي فرض على المكلفين إثبات أصول الدين عن طريق العقل لكل فرد فلا يجوز التقليد في الأصول عندهم؛ ولما كانت الإمامة أصل من أصول الدين عندهم لذا لا يجب المصير إلى الإستدلال بالنقل إلاّ على سبيل دعم الأدلة العقلية، لا على سبيل الإنفراد بالإستدلال.
نقد الأدلة العقلية ( النظرية ):
إن تسمية الإستدلال النظري على وجود إبن للإمام ( للحسن العسكري ) بالدليل العقلي هو من باب التسامح والإستعارة؛ وإلاّ فإنها تستند في وجودها على مجموعة فرضيات ومقدمات طويلة غير مسلّم بها:
كضرورة العصمة، والنص على الأئمة من الله ورسوله، وكون الإمامة لطف من الله، وضرورة الإنتقال العمودي للإمامة، وعدم جوازها في أخوين بعد الحسن والحسين … إلخ.
فكل واحدة من هذه المقدمات غير مسلمة للشيعة الإمامية حتى من قبل فرق الشيعة غير الإثنى عشرية، ولهذا فإن ظاهرة المهدوية كانت تتكرر عند وفاة كل إمام من أئمة الشيعة، وذلك لغموض هوية الإمام المهدي عند الشيعة وعدم التصريح بإسمه، أو زمان خروجه، أو حتى سبب غيبته.
فكانت بداية فرضية المهدي مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهو أول إمام للشيعة، وإنتهاءً بإفتراض وجود إبن ( للحسن العسكري ) الذي به ختموا الإمامة، فهو الإمام الثاني عشر.  والسبب الذي دفع المؤتمين بإمامة الحسن العسكري إلى القول بوجود ( ولد له في السر ) هو الخروج من الحيرة التي عصفت بالشيعة في منتصف القرن الثالث الهجري؛ فهم كانوا بين أمرين: إما التنازل عن شرط توارث الإمامة بصورة عمودية، وعدم جواز إنتقالها إلى أخ أو إبن عم، مع عدم وجود ولد ظاهر له. أو التسليم بإنقطاع الإمامة بعد وفاة الحسن العسكري دون خلف فللخروج من هذه الحيرة تم الإعلان عن وجود ولد له في السر وأنه هو الإمام، وتفسير غيبته بالخوف من السلطان بالرغم من صغر سنه وعدم وجود مؤشرات تستدعي ذلك.  والغريب أن السيد المرتضى ـ علم الهدى ـ يتهم الذين قالوا بوجود ولد لعبدالله الأفطح باللجوء إلى إختراع شخصية وهمية إضطراراً من أجل الخروج من الحيرة والطريق المسدود، ولكنه يمارس الشيء نفسه في عملية إفتراض وجود إبن للحسن العسكري للسبب نفسه( أحمد الكاتب/ تطور الفكر الشيعي:ص190).
كما أن الإمام الرضا ينفي المهدوية من أساسها في سبيل إثبات إمامته ـ حسب مدعى الشيعة ـ أمام القائلين بمهدوية الإمام الكاظم ـ وقد عرف هؤلاء الشيعة بالواقفة ـ فقال:
كذبوا وهم كفار بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولو كان الله يمد في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه لمد الله في أجل رسول الله (صلى الله عليه وآله)( رجال الكشي:ص458).
أجل لو كان الناس بحاجة إلى أحد لمد الله تعالى في أجل رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى يكمل الرسالة ويعلِّم الناس ما يحتاجون إليه ـ على الأقل لفترة تعادل تلك الفترة التي تجعل الشيعة فيها الحجة إلى غير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أو لبعث الله رسولاً آخر ولما جعل محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين.
فأي لطف وأي فائدة حصل للناس من الإمام المعصوم؟
فالذين خالفوه صاروا مرتدين، والذين وافقوه مقهورين أذلاء لا يفتون إلاّ بالتقية، ولا يستطيعون رد المظالم ولا أمروا بالمعروف ولا نهوا عن المنكر.
فما المقصود من الإمامة والإمام؟ وما الذي حصل للشيعة من مقصود الإمامة التي قالوا بوجوبها على الله تعالى؟
فإذا كان المقصود من الإمام طاعة أمره، فما السبيل إلى طاعة أمر الغائب المنتظر؟
وإن كان المقصود من الإمام مصلحة الدين، فما حصلت بالمنتظر مصلحة. كما أن الذين أنكروه لم تفتهم مصلحة لا في الدين ولا في الدنيا.
ومعلوم أن اللطف الذي يحصل بالإمام الظالم خير من اللطف الذي يحصل من غائب معدوم لم يسمع له صوت ولا يعرف أمره ولا نهيه؟
يقول سيدنا علي t في نهج البلاغة: ( لابدّ للنّاس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السّبل، ويؤخذ به للضّعيف من القوي حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر).
أما القول بضرورة وجود الإمام في كل عصر وزمان، وعدم جواز خلو الأرض من حجة، والإحتجاج به على وجود إبن للحسن العسكري، فهو دليل يناقض نفسه بنفسه.
إذ العبرة بوجود الحجة هو وجوده حياً ظاهراً يعرفه الناس ويرجعون إليه، ولهذا قال الإمام الرضا لأحد الواقفة الذين وقفوا على موسى الكاظم ولم يقل بإمامته:( من مات وليس له إمام حي ظاهر مات ميتة جاهلية) ( الكافي:1/ 177).
قال هذا الكلام لأن الواقفة قالوا إن موسى هو المهدي وأنه لم يمت وسيرجع إلى الدنيا فأثبتوا إماماً غائباً وقالوا بأنه حجة.
فقال الإمام الرضا أن الإمام يجب أن يكون حياً ظاهراً حتى يكون حجة.
فالإمام عند الشيعة إنما أثبته الفكر الشيعي ليكون الحافظ لشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن الأمة بزعمهم ليست أهلاً لحفظ الشريعة لإمكان وقوع أفرادها في الخطأ والنسيان.
والإمام هو الحافظ للشريعة وإليه يرجع الناس في أمور الشريعة، فهو المرجع عند الإختلاف والتنازع، كما أن القرآن والسنة لا يكفيان الناس في حل كل مشاكلهم.
وكيف يكون الغائب الذي لا يراه الناس ولا يسمعون له خبراً حافظاً للشريعة الإسلامية؟
روى الكليني في الكافي عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبدالله u يقول: ( إن الأرض لا تخلو إلاّ وفيها إمام كي ما إن زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، وإن نقصوا أتمه لهم).
وإذا تساءلت عزيزي القارئ، وقلت في نفسك: يا تُرى كيف يقوم المهدي الغائب برد ما زاده المؤمنون، وإتمام ما نقصوه في الدين بعد الغيبة الكبرى، وبعد قول الإمام: ( من إدّعى رؤيتي قبل الصيحة فهو كذاب
هذا التساؤل يجيب عليه إثنان من الشيعة:
الأول: الشيخ محمد تقي المدرسي قال: ( لا نستبعد بل هو كائن فعلاً وجود علاقات سرية بين الإمام ( الغائب ) وبين مراجع الشيعة، وهذا هو السر العظيم)( الفكر الإسلامي مواجهة حضارية:ص305).
الثاني: صديق شيعي قال: إنه يأتي العلماء في المنام ويخبرهم بحل المسائل العويصة؛ ثم ذكر لي أن الشيخ المفيد إلتقى مع الإمام المفيد.
أمام هذه الإجابات لا يملك العاقل إلا أن يقول: حب الشئ يعمي ويصم.
أما ضرورة الإنتقال العمودي للإمامة، وعدم جواز إنتقالها بين أخوين بعد الحسن والحسين، وكون الإمامة في ذرية الحسين دون الحسن؛ فهذه أمور فرضية لا وجود لها إلاّ في فكر مخترعي الإمامة.
نقد الدليل الروائي:
أما بالنسبة لآيات القرآن الكريم، فلا توجد في الحقيقة آية واحدة يمكن الإستدلال بها وإعتبارها دليلاً أصولياً في تحديد هوية ذلك الشخص الذي يخرج بإسم المهدي المنتظر.
فجميع إستدلالتهم من القرآن ليست بنص القرآن، إنما هي تأويلات أو إستنباطات أو تقوّل بغير علم.
أما الأحاديث الواردة عن طريق أهل السنة، فإنها لا تصلح كدليل للشيعة في مقام إثبات أئمتهم، فضلاً عن إثبات الغائب المنتظر.
فأحاديث أهل السنة لا تذكر أسماء الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء بالتفصيل، ولا تذكر أسماؤهم؛ ولا تحصرهم في إثني عشر خليفة، وإنما تشير إلى وقوع الهرج بعد الثاني عشر من الخلفاء.
أو تتحدث عن النصر للدين أو لأهل الدين حتى مضي إثنا عشر خليفة.
ومعلوم أن أئمة الشيعة لم يكونوا خلفاء، ولا ملوكاً، ولا أمراء، وفرق كبير
بين الخليفة أو الأمير وبين الإمام الذي يقتدى به في أمور الدين.
فالخليفة هو الذي يتولى الحكم بين الناس، وهو الذي يقيم الحدود، وهو الذي يجيش الجيوش والعسكر، وهو الذي يحارب أعداء المسلمين، ليبقى هذا الدين عزيزاً منيعاً.
فكل هذه الأمور لم تحصل لأئمة الشيعة، غير علي بن أبي طالب t ، غير أنه أبتلي بأناس تجرع الويل والمرارة منهم حتى قال فيهم:( يا أشباهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ لِلَّهِ أَبُوهُمْ وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ وَلَكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ )( نهج البلاغة).
والتشيع  إنما يقوم على أساس مظلومية أهل البيت، ومظلومية أئمتهم من قبل خلفاء عصرهم، فأي إعزاز للدين حصل بهم؟
كما أنهم يدّعون أن أئمتهم عاشوا في تقية وكتمان لم يستطيعوا أن يبينوا الدين الصحيح لأقرب الناس إليهم مخافة أن ينكشف أمرهم.
فلا حصل لهم مصلحة لا في الدين ولا في الدنيا.
أما فيما يخص سبب الغيبة وظروفها، فإن نظرية الخوف من الخليفة التي قالوا بها في تبرير سبب الغيبة لا تستند لا إلى عقل ولا إلى منطق.
فلماذا يطلب الخليفة طفلاً عمره خمس سنوات، ويترك أباه وعمه وأهل بيته يعيشون أحرارا؟
إن العلاقة بين الخليفة العباسي ( المعتمد أحمد بن جعفر المتوكل ) الذي حكم من سنة( 256هـ إلى سنة 278هـ) وبين البيت العلوي كانت حسنة لا تشوبها أية شائبة، فهي لا تساعد على صحة هذه الفرضية.
كما أن ضعف الخلافة العباسية من جهة، وسوء العلاقة مع الأمويين من جهة أخرى أيضاً لا تساعد على صحة هذه الفرضية.
حتى أن المجلسي يروي عن الطبري قوله: ( إن المعتضد الذي ولي الخلافة بعد المعتمد، عزم على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر)( بحار الأنوار:8/ 523، نقلاً عن أحمد الكاتب ص:248).
كما أن أئمة الشيعة لم يحفظ عنهم التاريخ أنهم كانوا ينوون الخروج على حكام زمانهم بعد الحسين t.
 
مسك الختام
في ختام هذا البحث نوجز أهم ما جاء فيه من أمور:
أولاً: إن مفهوم التشيع عند الصحابة يختلف عن مفهومه الحالي عند الشيعة الإمامية( الإثنى عشرية )، ذلك أن مفهوم التشيع عند الجيل الأول من المسلمين هو حب علي t ومؤازرته في حربه ضد معاوية وأهل الشام، علماً أن خلاف علي مع معاوية لم يكن إلاّ ما قاله علي t في نهج البلاغة: ( وَكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ وَنَبِيَّنَا وَاحِدٌ وَدَعْوَتَنَا فِي الْإِسْلَامِ وَاحِدَةٌ وَلَا نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ وَلَا يَسْتَزِيدُونَنَا الْأَمْرُ وَاحِدٌ إِلَّا مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ فَقُلْنَا تَعَالَوْا نُدَاوِ مَا لَا يُدْرَكُ الْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ وَتَسْكِينِ الْعَامَّةِ حَتَّى يَشْتَدَّ الْأَمْرُ وَيَسْتَجْمِعَ فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْحَقِّ مَوَاضِعَهُ…).
وهذا إختلاف حول أمر لا يمت إلى العقيدة بصلة، فهو إختلاف في قضية لها طرفان:
طرف يتهم ويريد أخذ الثأر، وطرف يرى أن الصبر لبعض الوقت حتى تقوى أركان الدولة أولى وأصح.
ويقول سيدنا علي في نهج البلاغة من كلام له u بعد ما بويع له بالخلافة، وقد قال له قوم من الصحابة لو عاقبت قوما ممن أجلب على عثمان فقال عليه السلام: ( يَا إِخْوَتَاهْ إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ وَلَكِنْ كَيْفَ لِي بِقُوَّةٍ وَالْقَوْمُ الْمُجْلِبُونَ عَلَى حَدِّ شَوْكَتِهِمْ يَمْلِكُونَنَا وَلَا نَمْلِكُهُمْ وَهَا هُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ ثَارَتْ مَعَهُمْ عِبْدَانُكُمْ وَالْتَفَّتْ إِلَيْهِمْ أَعْرَابُكُمْ وَهُمْ خِلَالَكُمْ يَسُومُونَكُمْ مَا شَاءُوا وَهَلْ تَرَوْنَ مَوْضِعاً لِقُدْرَةٍ عَلَى شَيْءٍ تُرِيدُونَهُ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَمْرُ جَاهِلِيَّةٍ وَإِنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَادَّةً إِنَّ النَّاسَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ إِذَا حُرِّكَ عَلَى أُمُورٍ فِرْقَةٌ تَرَى مَا تَرَوْنَ وَفِرْقَةٌ تَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَفِرْقَةٌ لَا تَرَى هَذَا وَلَا ذَاكَ فَاصْبِرُوا حَتَّى يَهْدَأَ النَّاسُ وَتَقَعَ الْقُلُوبُ مَوَاقِعَهَا وَتُؤْخَذَ الْحُقُوقُ مُسْمَحَةً فَاهْدَءُوا عَنِّي وَانْظُرُوا مَا ذَا يَأْتِيكُمْ بِهِ أَمْرِي وَلَا تَفْعَلُوا فَعْلَةً تُضَعْضِعُ قُوَّةً وَتُسْقِطُ مُنَّةً وَتُورِثُ وَهْناً وَذِلَّةً وَسَأُمْسِكُ الْأَمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ وَإِذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَآخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ ).
هذا الخلاف لا علاقة له بخلافة المسلمين في عصره، فضلاً أن يكون له علاقة بالخلفاء الثلاثة الذين سبقوا علياً في هذا المنصب.
ثانياً: أما فيما يخص تفرق الشيعة وإختلافهم عند وفاة كل إمام من أئمتهم فإنه يدل على أمور:
منها: عدم إعتبار الإمامة أصلاً من أصول الدين والعقيدة، لأن أصول الدين تكون واضحة وظاهرة كظهور الشمس، ومادام الإختلاف بين الشيعة أنفسهم قد قام على قدم وساق، فلا يمكن إعتبارها من أصول الدين.
والعجيب أن الشيعة الذين إنفردوا بجعل الإمامة من أصول الدين من بين سائر الفرق الإسلامية، قد إختلفوا فيها إختلافاً وصل إلى حد تكفير بعضهم للبعض الآخر.
ومنها: إن منظري فلسفة الإمامة الإلهية قد قالوا إن حق إختيار الإمام إذا تقرر للناس فإنه يؤدي إلى تفرق المسلمين، في حين أن النص والتعيين يضمن جمع كلمة المسلمين وعدم تفرقهم.
إلاّ أن الذي حدث هو عكس هذه الفرضية، لأننا رأينا الناس من غير القائلين بوجوب النص الإلهي في الإمام قد إجتمعوا على أمر الإمامة وأجمعوا على خلافة الخلفاء الثلاثة الذين سبقوا علياً t أكثر من إجتماعهم هم على خلافة علي نفسه وعلى أولاده من بعده.
ولهذا قال العلامة إبن خلدون بعدما ساق إختلاف الشيعة في تعيين الأئمة : ( وهذا الإختلاف العظيم يدل على عدم النص)( لباب المحصل:130ـ نقلاً عن أصول مذهب الشيعة).
ومنها: إن هذا التفرق والإنقسام عند كل وفاة كل إمام لدليل أكيد على عدم معرفة الشيعة الأوائل بأسماء الأئمة الإثنا عشر، ولهذا السبب طعن الفرق الشيعية الأخرى على الشيعة الإمامية لحصرهم الإمامة في إثني عشر إماماً، وخاصة الزيدية الذين قالوا: ( إن الرواية التي دلت على أن الأئمة إثنا عشر قول أحدثه الإمامية قريباً، وولدوا فيه أحاديث كاذبة، واستشهدوا على ذلك بتفرق الشيعة بعد وفاة كل إمام إلى عدة فرق، وعدم معرفتهم للإمام بعد الإمام، وحدوث البداء في إسماعيل ومحمد بن علي، وجلوس الأفطح للإمامة وإقبال الشيعة إليه وحيرتهم بعد إمتحانه، وعدم معرفتهم الكاظم حتى دعاهم إلى نفسه، وموت الفقيه زرارة بن أعين دون أن يعرف الإمام بعد الصادق).  ثم رد الصدوق على الزيدية فقال: ( إن الإمامية لم يقولوا إن جميع الشيعة كانوا يعرفون الأئمة الإثنى عشر، ولم ينكر أن زرارة لم يعرف الحديث، ولكنه تنبه بعد ذلك إلى منزلة زرارة وعدم إمكانية جهله بأي حديث من هذا القبيل، وهو من أعظم تلامذة الإمام الصادق فتراجع وقال: ( إن زرارة ربما كان يخفي ذلك تقية، ثم عاد فتراجع مرة أخرى فقال: إن الكاظم إستوهبه من ربه لجهله بالإمام لأن الشاك فيه على غير دين الله).
ويضيف الصدوق قائلاً: ( إن زرارة أرسل إبنه عبيدالله إلى المدينة لكي يستطلع الإمام الجديد، ولكن الموت أدركه فوضع القرآن على صدره وقال: اللهم اشهد أني أأتم بمن أثبت إمامته هذا المصحف)( إكمال الدين، نقلاً عن أحمد الكاتب).
ولا ندري أي مصحف هذا الذي كان عنده، لأن مصحف المسلمين اليوم خالٍ من أسماء أئمة الشيعة.

ثم إذا كان شخص مثل زرارة لا يعرف من هو الإمام الذي يلي إمامه فغيره أعذر، ولكن ألا يدل مثل هذه الأمور على عدم وجود أسماء الأئمة وعلى عدم تحديدهم بإثني عشر إماماً؟
نعم كانت نظرية الإمامة لدى الشيعة قبل إحداث نظرية تحديدهم بإثني عشر إماماً هي أن تمتد الإمامة إلى يوم القيامة، وهناك في التراث الشيعي روايات كثيرة بهذا المعنى منها ما رواه الصدوق عن الرضا قوله: ( إن الإئمة من ولد فاطمة إلى أن تقوم الساعة)( عيون أخبار الرضا:1/ 261).
وكانت هذه النظرية عند بدء نشوئها تقول:
إن النص قد حدثت على الإمام علي فقط، وإن النص على الأئمة الآخرين يتم من قبل الأول للثاني وهكذا إلى يوم القيامة)( الحر العاملي: إثباة الهداة: 2/ 717).
وقد ذكر المؤرخ الشيعي المسعودي(ت 345هـ):
إن أصل القول في حصر عدد الأئمة بإثني عشر ما ذكره سليم  بن قيس الهلالي في كتابه)( التنبيه والإشراف:198).
وسليم هذا قال عنه إبن الغضائري: ( لا يعرف ولا ذكر له … والكتاب موضوع لا مرية فيه )( الحلي: الخلاصة: 83).
وضعفه الشيخ المفيد قائلاً:
هذا الكتاب غير موثوق به ولا يجوز العمل على أكثره وقد حصل فيه تخليط وتدليس فينبغي للمتدين أن يتجنب العمل بكل ما فيه ولا يعول على جملته …)( أوائل المقالات: 268).
وإذا أضفنا إلى أهم رواية تستند إليها الشيعة في دعواها، وهي قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ )( الكافي:2/ 414).
وكيف لم يفترقا بعد أن غاب الحجة من أهل البيت منذ أكثر من ألف سنة؟
وكذلك قولهم عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( أَهْلُ بَيْتِي كَسَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ )( وسائل الشيعة).
فياليت السفينة موجودة الآن فنركبها وننجو من النار، علماً أننا لسنا السبب في إخافة المهدي المنتظر وغيبته، فلماذا نتحمل وزر عمل غيرنا! هل هذا يتفق مع عدل الله تعالى؟
كما أن الكتابين الذين سلطنا الضوء عليهما لم يذكرا لا من قريب ولا من بعيد مسألة تحديد الأئمة بإثني عشر إماماً. سوى قول طائفة واحدة من بين أربع عشرة فرقة من الشيعة القائلين بإمامة الحسن العسكري بعد وفاته. مما يدل على أن هذا القول محدث ولم يكن معروفاً حتى وفاة الحسن العسكري من غير ولد ظاهر.
أما إحتجاج الشيعة بالسفراء الأربعة وأنهم هم الذين يرون الإمام ويشاهدونه دون غيرهم، فهذا لا يقول به عاقل.
كما أن فلسفة الإمامة وضرورة وجود الإمام وقيامه بواجب حفظ الشريعة وإيصالها إلى المسلمين على مر العصور، تتقاطع تماماً مع فكرة حصر عدد الأئمة، فضلاً عن غياب آخرهم منذ أمد طويل.
هذا آخر ما أردت أن أقوله في هذا البحث، وإن كان يتحمل أضعاف هذا القول لأن خلاف الشيعة مع عامة المسلمين في أمر كأمر الإمامة كان ينبغي أن يكون أوضح من هذا بكثير، وكان ينبغي أن يكون الإمام موجوداً بحفظ الله تعالى له بين المسلمين يحفظ لهم دينهم من كل زيادة ونقصان، وأن لا يتركهم هملاً مع علمه بأنه لن يموت ولا يموت حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ولو بقي شخصان على وجه الأرض لكان أحدهما هو الحجة ـ كما يقولون.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه الميامين.
 
 
 
 
 
 
 
الفهرس

ت

الموضوع

رقم الصفحة

1

بين يدي البحث

1- 2 

2

المقدمة

3- 6

3

أولا: الشيعة في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلمصلى الله عليه وآله وسلم

7-12

4

ثانيا: الشيعة في زمان علي بن أبي طالب

12-16

5

ثالثا: الشيعة في زمان الحسن بن علي

16-20

6

رابعا: الشيعة في زمان الحسين بن علي

20-21

7

خامسا: الشيعة في زمان علي بن الحسين

21-23

8

سادسا: الشيعة في زمان محمد (الباقر) بن علي بن الحسين

24-25

9

سابعا: الشيعة في زمان جعفر بن محمد بن علي

25-56

10

البداء والتقية

26-34

11

ثامنا: الشيعة في زمان موسى بن جعفر بن محمد

34-42

12

تاسعا: الشيعة في زمان علي (الرضا) بن موسى بن جعفر

42-45

13

عاشرا: الشيعة في زمان محمد (الجواد) بن علي الرضا

45-48

14

حادي عشر: الشيعة في زمان علي (الهادي) بن محمد ( الجواد)

49

15

ثاني عشر: الشيعة في زمان الحسن ( العسكري ) بن علي ( الهادي )

49

16

ثالث عشر: الشيعة في زمان المهدي المنتظر( محمد بن الحسن العسكري)

49-52

17

المهدوية لدى الشيعة

52-54

18

الأدلة التي تنفي وجود المهدي بالمفهوم الشيعي

54

19

الأدلة العقلية ونقدها

55-57

20

نقد الدليل الروائي

57-58

21

مسك الختام

59-61

22

 الفهرس

62

 


[1] - قال شيخ الإسلام إبن تيمية: ( والرافضة بزعمهم الكاذب يقولون: إن الصحابة بايعوا أبا بكر طلباً للدنيا! وأي دنيا حصل لهم بتولية أبي بكر، لاسيما وهو يسوّي بين كبار السابقين، وبين آحاد المسلمين في العطاء؛ ويقول: إنما أسلموا لله وأجورهم على الله، وإنما هذا المتاع بلاغ. وهذه أيضاً سيرة علي t فيهم، فلمَ عدلوا عن علي إلى أبي بكر. وعجباً كيف يسوغ للرافضة القول أن أبا بكر ومبايعيه طلبوا الدنيا والرياسة، مع كونه بويع بإختيارهم بلا سيف ولا عصا، فلما إنتظم له الأمر، لم يولِّ أحداً من أقاربه، ولا خلف لورثته مالاً؛ وأوصى إلى بيت مالهم ما كان عنده ـ وهو جرد قطيفة وأمَة وبَكر ـ حتى قيل: يرحمك الله أبا بكر لقد أتعبت الأمراء بعدك. وما قُتل مسلم على إمارته)( المنتقى من منهاج الإعتدال للإمام الذهبي).

[2] - نهج البلاغة

[3] - كتاب الرد على الجهمية

[4] - موسوعة الفرق الإسلامية/ تعريب : علي هاشم عضو قسم الترجمة العربية في مجمع البحوث الإسلامية/ مقدمة المعرب ـ ط/ 1 ـ 1415هـ ـ 1995م/ بيروت ـ لبنان.

[5] - د ـ محمد عمارة/ المعتزلة وأصول الحكم:ص27

[6] - تلخيص الشافي: 1/ 133ـ 134

[7] - منهاج السنة

[8] - نهج البلاغة ص : 45. وهذا نص واضح أن الإمامة هي من الأمور المتعلقة بمصالح الدنيا.

[9] - المعتزلة وأصول الحكم:ص 33

[10] - شرح العقائد النسفية: 128

[11] - نهاية الإقدام في علم الكلام

[12] - منهاج السنة بتصرف

[13] -  أصل الشيعة وأصولها

[14] - في وسائل الشيعة: عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً u لَمْ يَكُنْ يَنْسُبُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ حَرْبِهِ إِلَى الشِّرْكِ وَلَا إِلَى النِّفَاقِ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ هُمْ إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا. 

[15] - كتاب العصمة: ص86

[16] - قال المفيد في الإرشاد والمجلسي في بحار الأنوار: ( لما مات الحسن u تحركت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين u في خلع معاوية والبيعة له فامتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فإذا مات معاوية نظر في ذلك).

[17] - الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة

[18] - أنظر الإحتجاج للطبرسي: 2/ 38

[19] - من المعلوم أن عدد الصحابة يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلغ أكثر من مائة ألف مسلم، وإنما قلت هذا الرقم لأنه ورد عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله u قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر ألفا ثمانية آلاف من المدينة وألفان من أهل مكة وألفان من الطلقاء لم ير فيهم قدري ولا مرجئ ولا حروري ولا معتزلي ولا صاحب رأي كانوا يبكون الليل والنهار ويقولون اقبض أرواحنا من قبل أن نأكل خبز الخمير). ( بحار الأنوار للمجلسي نقله عن الخصال للطوسي).

[20] - المفيد في الإرشاد

[21] - قال المسعودي ـ وهو مؤرخ شيعي ـ : (وتولى قتله من أهل الكوفة خاصة لم يحضرهم شامي).

[22] - عَنِ الْإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ u عَنْ آبَائِهِ قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ u: (عَلَيْكُمْ بِالتَّقِيَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهَا شِعَارَهُ وَ دِثَارَهُ مَعَ مَنْ يَأْمَنُهُ لِتَكُونَ سَجِيَّتَهُ مَعَ مَنْ يَحْذَرُهُ )( الأمالي للطوسي:ص294). 

[23] -  قال المعلق على كتاب فرق الشيعة العلامة محمد صادق بحر العلوم في الهامش، ما نصه: ( لم يكن إختلاف الأقوال منهم للتقية منحصراً بين سنين متطاولة كما حسبه القائل، بل كثيراً ما كانوا يفتون في يوم واحد أو في مجلس واحد بأنحاء مختلفة رعاية لحال الحضور أو السائل أو لمحض إلقاء الخلاف بين أتباعهم لئلا يعرفوا برأي واحد، وللإمام كلاءة شيعته كيفما رأى المصلحة فيه ). 

[24] - نقلاً عن أصول الشيعة للدكتور ناصر القفاري.

[25] - نقلاً عن أصول الشيعة  للدكتور ناصر القفاري:2/ 944

[26] - بحار الأنوار: 4/ 123

[27] - أصل الشيعة وأصولها:ص232

[28] - التوحيد/ كتاب البداء: ص : 444

[29] - أحمد الكاتب: تطور الفكر السياسي الشيعي:ص53

[30] - وسائل الشيعة ج : 16 ص : 212

[31] - الكافي: ج : 2 ص : 243

[32] - المصدر السابق

[33] - أصول الكافي: ج : 2 ص : 245

[34] - منهاج السنة

[35] - الحكومة الإسلامية