في رحاب أوائل سورة الإسراء
في رحاب أوائل سورة الإسراء
شاءت إرادة الله سبحانه أن يجعل بيت المقدس.. أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، محطة للإسراء والمعراج... ليثبت في يقين الأمة الإسلامية ومشاعرها معنى الوحدة بين أرجاء الوطن الاسلامي ، ويرمز إلى الرباط الوثيق بين المسلمين أينما كانوا ، وبين مسرى نبيهم الكريم ومعراجه ، وليشعرهم بأن عليهم أن يحافظوا عليه محافظتهم على المسجد الحرام ، وليؤكد لهم أنه مكان إسلامي مقدس ، عليهم رعايته والدفاع عنه ضد تحديات الأعداء ، وتخليصه من أيديهم إن سقط فيها.
وكلمة (سُبْحَان) التي افتتحت بها السورة : اسم مصدر منصوب - على أنه مفعول مطلق - بفعل محذوف، والتقدير: سبحت الله - تعالى – سبحانا، أي تسبيحا، بمعنى نزهته تنزيها عن كل سوء. وافتتاح السورة بكلمة التسبيح من دون سبق كلام مُتضمّنٍ ما يَجب تنزيه الله عنه ، يؤذن بأن خبراً عجيباً يستقبله السامعون دالاً على عظيم القدرة من المتكلم ، ورفيع منزلة المتحدث عنه.إذن: جاءت كلمة (سُبْحَان) هنا لتشير إلى أنَّ ما بعدها أمرٌ خارج عن نطاق قدرات البشر، فإذا ما سمعتَه إياك أنْ تعترضَ أو تقول: كيف يحدث هذا؟ بل نزِّه الله أن يُشابه فِعْلُه فِعْلَ البشر، فإن قال لك: إنه أسرى بنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى بيتَ المقدس في ليلة، مع أنهم يضربون إليها أكباد الإبل شهراً في الذهاب وشهرا في الإياب ، فإياك أن تنكر...فربك لم يقُلْ: سَرَى محمد، بل أُسْرِي به. فالفعل ليس لمحمد ، ولكنه لله، وما دام الفعل لله فلا تُخضعْه لمقاييس الزمن لديك.. وحُفّت السورة كلها بالتسبيح والتحميد في بدايتها ونهايتها ، ولعلّ في هذا إشارة إلى أنه- صلى الله عليه وسلم - سينقل إلى مكان وعالَم وجو مليء بالتسبيح ( عالم الملائكة ) الذين (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)( الأنبياء : 20 ) فالسورة إذن مشحونة بالتسبيح ..
والتعبير عن الذات العلية بطريق الموصول دون الاسم العَلَمْ ، للتنبيه على ما تفيده صلة الموصول من الإيماء إلى وجه هذا التعجيب والتنويه وسببه، وهو ذلك الحادث العظيم .
وأسرى من السُّرى ، تفيد السير ليلاً ، وقد يكون من معانيها التسرية عن الرسول – صلى الله عليه وسلم - بعد ما لاقاه في عام الحزن ، وما حصل له في الطائف ، فأراد الله تعالى أن يُسرّي عن رسوله ويريه كيف تكون حفاوته في السماء بعد أن هان على الكفّار في قريش والطائف ، فآذوه ولم ينصروه...وإن لم يقل بذلك أحد من السابقين وقوله :(بعبده ) : والمراد ( بعبده ) خاتم أنبيائه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والإِضافة للتشريف والتكريم. ولم يقل برسوله ، ولا بمحمد ، وإنما قال بعبده. فاختيار كلمة عبد حتى لا يُدَّعى له مقام غير مقام العبودية. فمقام العبودية لله هو أعلى مقام للخلق وأعلى وسام يُنعم الله تعالى به على عباده الصالحين ([1] )
وهناك مَنْ يقول: إن الإسراء كان منَاماً، أو كان بالروح دون الجسد.
ونقول لهؤلاء: لو قال محمد لقومه: أنا رأيتُ في الرؤيا أو في المنام ، بيت المقدس، هل كانوا يُكذِّبونه؟ إذن: في إنكار الكفار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبهم له ، دليل على أن الإسراء كان حقيقة تمت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - برُوحه وجسده. والعبد كلمة تُطلق على الروح والجسد معاً، هذا مدلولها، لا يمكن أن تُطلَق على الروح فقط .وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد استعمل في رحلته البراق التي لا يعلم حقيقتها إلا الله ، وبهذه الأداة التي اشتق اسمها من البرق كانت الرحلة ، واستعماله البراق يدل على أن هذا الحادث كان بالروح والجسد ، وفي اليقظة لا في المنام. وقال ( أسرى بعبده ) دون سرّى بعبْدَه، وهي التلويح إلى أن الله تعالى كان مع رسوله في إسرائه بعنايتهِ وتوفيقه، لأنه صادق العبودية لله، وما دام هو عبده فقد أخلص في عبوديته لربه، فاستحق أنْ يكون له مَيْزة وخصوصية عن غيره، فالإسراء والمعراج عطاء من الله استحقَّه رسوله بما حقّق من عبودية لله...وفَرْق بين العبودية لله والعبودية للبشر، فالعبودية لله عِزٌّ وشرف ، يأخذ بها العبدُ خَيْرَ سيده، قال القاضي عياض :
وَمِمّا زَادَني شَرَفاً وَتِيها... |
| وكِدْتُ بأخْمُصِي أَطَأَ الثُّريَّا. | |
دُخُولِي تَحْتَ قولِكَ يَا عبَادِي.... |
| وَأنْ صَيَّرت أحمدَ لِي نبيّاً. |
|
أما عبودية البشر للبشر فنقْصٌ ومذلَّة وهوان، حيث يأخذ السيد خَيْر عبده، ويحرمه ثمره كَدِّه.
وتنكير ( ليلاً)للتعظيم، أي هو ليل عظيم باعتبار جعله زمناً لذلك السرى العظيم قال صاحب الكشاف: " فإن قلت: الإِسراء لا يكون إلا بالليل فما معنى ذكر الليل؟. قلت: أراد بقوله ليلا بلفظ التنكير، تقليل مدة الإِسراء، وأنه أسرى به بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، فالتنكير فيه قد دل على معنى البعضية ،( [2] ) أي : التَّنكير يفيد التقليل ، لأن الإسراء تَمَّ في جزء من الليل فقط ، وليس الليل كله.
فالحق سبحانه أسرى بعبده ، فالفعل لله تعالى، وليس لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، فلا تَقِسْ الفعل بمقياس البشر، وقد استقبل أهل مكة هذا الحدث استقبال المكذِّب. فقالوا: كيف هذا ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً، وهم كاذبون في قولهم؛ لأن رسول الله لم يَدَّع أنه سَرَى ، بل قال: أُسْرِي بي..ومعلوم أن قَطْع المسافات يأخذ من الزمن على قدر عكس القوة المتمثلة في السرعة.
أي: أن الزمن يتناسب عكسياً مع القوة، فلو أردنا مثلاً الذهاب إلى بيت الله الحرام ، سيختلف الزمن لو سِرْنا على الأقدام عنه إذا ركبنا سيارة أو طائرة ، فكلما زادت القوة قَلَّ الزمن، فما بالك لو نسب الفعل والسرعة إلى الله تعالى، إذا كان الفعل من الله فلا زمن.
فإنْ قال قائل: ما دام الفعل مع الله لا يحتاج إلى زمن، لماذا لم يَأْتِ الإسراء لمحةً فحسْب، ولماذا استغرق بعض ليلة؟ نقول: لأن هناك فرْقاً بين قطْع المسافات بقانون الله سبحانه ، وبين مَرَاءٍ عُرِضَتْ على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطريق، فرأى مواقف، وتكلَّم مع أشخاص، ورأى آيات وعجائب، هذه هي التي استغرقت الزمن..إنك حين تنسب الفعل إلى فاعله يجب أن تعطيه من الزمن على قَدْر قوة الفاعل. هَبْ أن قائلاً قال لك: أنا صعدتُ بابني الرضيع قمة جبل " إفرست" ،هل تقول له: كيف صعد ابنك الرضيع قمة " إفرست "؟ هذا سؤال إذن في غير محلِّه، وكذلك في مسألة الإسراء والمعراج يقول تعالى: أنا أسريتُ بعبدي، فمن أراد أنْ يُحيل المسألة ويُنكرها، فليعترض على الله صاحب الفعل لا على محمد - صلى الله عليه وسلم-
قد يقول قائل: لماذا لم يحدث الإسراء نهاراً؟
نقول: حدث الإسراء ليلاً، لتظلَّ المعجزة غَيْباً يؤمن به مَنْ يصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلو ذهب في النهار لرآه الناس في الطريق ذهاباً وإيابا ، فتكون المسألة - إذن - حِسيّة مشاهدة ، لا مجالَ فيها للإيمان بالغيب.
لذلك لما سمع أبو جهل خبر الإسراء طار به إلى المسجد وقال: إن صاحبكم يزعم أنه أُسْرِي به الليلة من مكة إلى بيت المقدس، فمنهم مَنْ قلّب كفَّيْه تعجُّباً، ومنهم مَنْ أنكر، ومنهم مَن ارتد.
أما الصِّدِّيق أبو بكر- رضي الله عنه - فقد استقبل الخبر استقبالَ المؤمن المصدِّق، ومن هذا الموقف سُمِّي الصديق، وقال قولته المشهورة: " إن كان قال فقد صدق ".
عُمدَتُه أن يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وطالما قال فهو صادق، هذه قضية مُسلَّم بها عند الصِّدِّيق- رضي الله عنه -.... ثم قال: " إنَّا لَنُصدقه في أبعد من هذا، نُصدِّقه في خبر السماء (الوحي)، فكيف لا نُصدّقه في هذا "؟
إذن :الحق سبحانه جعل هذا الحادث محكّاً للإيمان، ومُمحِّصاً ليقين الناس، حتى يغربل مَنْ حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يبقى معه إلا أصحاب الإيمان واليقين الثابت الذي لا يهتز ولا يتزعزع.لذلك قال تعالى في آية أخرى: ( وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ.. ) [الإسراء: 60 ]وهذا دليل آخر على أن الإسراء لم يكُنْ مناماً، فالإسراء لا يكون فتنة واختباراً إلا إذا كان حقيقة لا مناماً، فرؤى المنام لا يُكذِّبها أحد ، ولا يختلف فيها الناس.
لكن لماذا قال عن الإسراء (رُؤْيَا) يعني المنامية، ولم يقُلْ ( رؤية ) يعني البصرية؟
قالوا: لأنها لما كانت عجيبة من العجائب صارت كأنها رؤيا منامية، فالرؤيا محل الأحداث العجيبة.
يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي : ( ويقولون ( الرؤيا ) لا تستخدم إلا لما يرى في المنام ، أما ما يرى في اليقظة ، فإننا نقول عنه ( رؤية ).. نقول : إذا كان المقصود هنا رؤيا منامية فكيف تكون فتنة للناس ؟ يصدقها بعضهم ويكذبها البعض الآخر ؟! لو كانت رؤيا منامية...فلا يمكن أن يناقشها أحد تصديقا أو تكذيبا... عندما يتحدث الناس عن الأشياء الغريبة التي تشبه الحلم فإنهم يستخدمون ( رؤيا).. وهذا يكون إذا رأوا أمامهم أمرا عجيبا ، وإلا لو كانت الرؤيا منامية ما كانت فتنة للناس ، فلا أحد يناقش الأحلام كذبا أو صدقا..)( [3] )
من المسجد الحرام :أكثر العلماء يقولون أن الإسراء لم يتم من المسجد الحرام ، وقيل : أُسرِي به من بيت أم هانئ بنت أبي طالب، فيكون المراد بالمسجد الحرام: الحرم لإِحاطته بالمسجد والتباسه به. ويمكن الجمع بين هذه الروايات، بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقي في بيت أم هانئ لفترة من الليل، ثم ترك فراشه عندها ، وذهب إلى المسجد، فلما كان في الحِجْر أو في الحطيم بين النائم واليقظان، أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العلا. ثم عاد إلى فراشه قبل أن يبرد - كما جاء في بعض الروايات -، وبذلك يترجح لدينا أن وجود الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تلك الليلة في بيت أم هانئ، لا ينفي أن الإِسراء بدأ من المسجد الحرام، كما تقرر الآية الكريمة. والمسجد الحرام هو بيت الله: الكعبة المشرفة، وسُمّي حراماً؛ لأنه حُرّم فيه ما لم يحرُمْ في غيره من المساجد. وكل مكان يخصص لعبادة الله نسميه مسجداً، قال تعالى: ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر..)[ التوبة: 18 ]
ويختلف المسجد الحرام عن غيره من المساجد، أنه بيت لله باختيار الله تعالى، وغيره من المساجد بيوت لله باختيار خَلْق الله؛ لذلك كان بيت الله الذي اختاره الله ، قِبْلة لبيوت الله التي كانت باختيار خَلْق الله.
وقد يُراد بالمسجد المكان الذي نسجد فيه، أو المكان الذي يصلح للصلاة، كما جاء في الحديث الشريف: (.. وجُعِلَتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً) ( [4] ). أي: صالحة للصلاة فيها. ولا بُدَّ أن نُفرِّق بين المسجد الذي حُيِّز وخُصِّص كمسجد مستقل، وبين أرض تصلح للصلاة فيها ، ومباشرة حركة الحياة أما المسجد فللصلاة، أو ما يتعلق بها من أمور الدين كتفسير آية، أو بيان حكم، أو تلاوة قرآن.. إلخ ولا يجوز في المسجد مباشرة عمل من أعمال الدنيا. " لذلك حينما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً ينشد ضالته في المسجد، قال له: ( لا رَدَّها الله عليك)([5] ). ذلك لأن المسجد خُصِّص للعبادة والطاعة، وفيه يكون لقاء العبد بربه عز وجل، فإياك أن تشغل نفسك فيه بأمور الدنيا، ويكفي ما أخذتْه منك، وما أنفقته في سبيلها من وقت. والمسجد لا يُسمَّى مسجداً إلا إذا كان بناءً مستقلاً من الأرض إلى السماء، فأرضه مسجد، وسماؤه مسجد، لا يعلوه شيء من منافع الدنيا، كمَنْ يبني مسجداً تحت عمارة سكنية، ودَعْكَ من نيته عندما خَصَّص هذا المكان للصلاة: أكانت نيته لله خالصة؟ أم لمأرب دنيوي؟ وقد قال تعالى: (وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً ) [ الجن: 18].
فمثل هذا المكان لا يُسمّى مسجداً؛ لأنه لا تنطبق عليه شروط المسجد، ويعلوه أماكن سكنية يحدث فيها ما يتنافى وقدسية المسجد، وما لا يليق بحُرْمة الصلاة، فالصلاة في مثل هذا المكان كالصلاة في أي مكان آخر من البيت. لذلك يحرم على الطيار غير المسلم أن يُحلِّق فوق مكة؛ لأن جوَّ الحرَم حَرَمٌ.
والمسجد الأقصى: أي: الأبعد، وهو مسجد بيت المقدس لم يكن آنذاك مسجداً لكن هذا إشارة إلى أنه سيكون مسجداً . (إِلَىٰ المسجد ٱلأَقْصَا.. } وفي بُعْد المسافة نقول: هذا قصيّ. أي: بعيد. وهذا أقصى أي: أبعد، فالحق تبارك وتعالى كأنه يلفت أنظارنا إلى أنه سيوجد بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى مسجدٌ آخر قصيّ، وقد كان فيما بعد مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.(أو: الأقصى أي الأبعد بالنسبة للمساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال ).
الذي باركنا حوله :صفة مدح للمسجد الأقصى. والنون للعظمة ، أسند تعالى المباركة لنفسه للدلالة على التعظيم ، ولم يقل بورك حوله ، أو باركناه ، بل قال باركنا حوله ، لأنه لو قال باركناه لانحصرت المباركة بالمسجد فقط ، أما باركنا حوله فهو يشمل كل ما حوله ، وهو تعظيم للمسجد نفسه ، وإشارة أن المباركة حول المسجد أيضاً. ولم يقل: باركنا ما حوله لأنها عندئذ تعني الأشياء ، فإذا زادت الأشياء زادت المباركة ، وإذا ذهبت ذهبت المباركة. وكونُ البركة حولَه كنايةٌ عن حصول البركة فيه بالأوْلى، فإنْ كان سبحانه قد بارك ما حول الأقصى، فالبركة فيه من باب أَوْلى، كأن تقول: مَنْ يعيشون حول فلان في نعمة، فمعنى ذلك أنه في نعمة أعظم.
وكلمة "حوله" في هذه الآية، تدلّ على "أنّه هو أصلُ البركة ومنبعُها، والتي طفَت وعمّت وتوسّعت لتصلَ إلى ما حوله". فهو "وصفٌ يرسمُ البركةَ حافّةٌ بالمسجد، فائضةٌ عليه، وهو لم يكن ليلقيه تعبير مباشر مثل: باركناه، أو باركنا فيه، وذلك من دقائق التعبير القرآنيّ العجيب" ، "أي أنّ الأقصى هو فعلاً أصل هذه البركة وسببها ومصدرها، بمعنى آخر: وجود الأقصى هو سبب بركة الأرض التي بارك الله فيها". وكما يقول الدكتور أسامة الأشقر :"وكون البركة حوله، كنايةٌ عن حصول البركة فيه بالأولى، لأنّها إذا حصلت حوله، فقد تجاوزت ما فيه؛ ففيه لطيفة التلازم، ولطيفة فحوى الخطاب، ولطيفة المبالغة في التكثير باستخدام صيغة المُفاعلة التي تُفيد التكثير (باركنا(.. لكن بأيّ شيء بارك الله حوله؟
لقد بارك الله حول المسجد الأقصى ببركة دنيوية، وبركة دينية:
بركة دنيوية بما جعل حوله من أرض خِصْبة عليها الحدائق والبساتين التي تحوي مختلف الثمار، وهذا من عطاء الربوبية الذي يناله المؤمن والكافر.
وبركة دينية خاصة بالمؤمنين، هذه البركة الدينية تتمثل في أن الأقصى مَهْد الرسالات ومَهْبط الأنبياء، تعطَّرَتْ أرضه بأقدام إبراهيم وإسحاق ويعقوب وعيسى وموسى وزكريا ويحيى، وخاتمتهم محمد – صلى الله عليه وسلم - ، وفيه هبط الوحي وتنزلتْ الملائكة.
والمباركة كانت مطلقة تشمل أشياء معنوية وماديّة وروحانية بما أودع الله تعالى من رزق ، وخير ، وإرسال الرسل ، ولا تختص المباركة بشيء معين واحد ، وإنما تشمل كل هذه الأشياء.وتسمية ذلك المكان بالمسجد الأقصى تسمية قرآنية باعتبار ما سيكون مسجداً ، واستقبله المسلمون في الصلاة من وقت وجوبها المقارن ليلة الإسراء إلى ما بعد الهجرة بستة عشر شهراً. ثم نسخ استقباله ، وصارت الكعبة هي القبلة الإسلامية.وقد قيل في خصائص المسجد الأقصى: أنه متعبد الأنبياء السابقين، ومسرى خاتم النبيين، ومعراجه إلى السماوات العلا.. وأولى القبلتين ، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه.
لنريه : ولم يقل ليرى ، أو ليُرى إنما جاءت(لنُريه)وهذا إكرام وتشريف آخر من الله تعالى لرسوله – صلى الله عليه وسلم - في هذا الرحلة. وإضافة الآيات إلى نفسه تعالى تأتي من باب الاحتفاء بالرسول – صلى الله عليه وسلم -.
والآية في اللغة : هي الأمر الخارق للعادة.. فهي تشبه المعجزة في أنها خارقة للعادة..إلا أنها غير مُتَحَدَّى بها.. وكلمة الآيات : تطلق على الموجود العجيب ، كأن تقول : هذا آية في الحسن ، آية في الشجاعة.. فالآية هي الشيء العجيب.. و( من ) للتبعيض لأن ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان عظيما ، إلا أنه مع عظمته بعض آيات الله بالنسبة لما اشتمل عليه هذا الكون من عجائب. أي: أسرينا بعبدنا محمد ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، ثم عرجنا به إلى السماوات العلا، لنطلعه على آياتنا، وعلى عجائب قدرتنا، والتي من بينها: مشاهدته لأنبيائنا الكرام، ورؤيته لما نريد أن يراه من عجائب وغرائب هذا الكون.
إنه هو السميع البصير: سياق الآيات تقتضي ذكر قدرة الله تعالى ، والحقيقة أنه لو قال إنه هو القدير، أو إنه على كل شيء قدير ، لا يزيد شيئاً على معنى الآية ، لأن ما في الآيات اثبات لقدرة الله تعالى ، والرسول– صلى الله عليه وسلم - أُسري به ليسمع ويرى أشياء لم يسمعها ولم يرها من قبل ، لذلك ناسب سياق الآيات أنه ما يراه الرسول– صلى الله عليه وسلم - يراه ربّه ، وما يسمعه يسمعه ربّه ، لذلك إنه هو السميع البصير.أو : سميع لأقوال الرسول – صلى الله عليه وسلم – بصير بأفعاله ، أو سميع لأقوال المشركين ، حينما آذوا سَمْع رسول الله وكذَّبوه، وتجهَّموا له، وبصير بأفعالهم حينما آذوه ورَمَوْه بالحجارة. أو: أنه - سبحانه - هو السميع لأقوال عباده: مؤمنهم وكافرهم، مصدقهم ومكذبهم. بصير بما يسرونه ويعلنونه، وسيجازي كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب، بدون ظلم أو محاباة.
لماذا قدم السمع على البصر؟
1 - السمع أهمّ من البصر في مجال الدعوة ، فاقد البصر يمكن أن يبلّغ في مجال الدعوة ، أما فاقد السمع فيصعب تبليغه.
2- الإسراء في الليل ، والليل آيته السمع. وفي القرآن عندما يأتي ذكر الليل تأتي الآيات بـ(أفلا يسمعون). وعند ذكر النهار تأتي( أفلا تبصرون). فكلّ آية تناسب وقتها ، فالليل للسمع ، والنهار للإبصار.
3 - قُدّم السمع على البصر في القرآن إلا في مواطن قليلة منها في سورة الكهف(قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا. ) ( الكهف : 26 ) لأن السياق يقتضي ذلك، فقد خرج أهل الكهف فارّين واختبأوا حتى لا يراهم أحد ، لكن الله تعالى يراهم في ظلمة الكهف ، وفي تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. وفي سورة السجدة( وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فأرجعنا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)( السجدة :12 ) قدّم البصر هنا لأنهم كانوا يسمعون في الدنيا ويكذبون في الآخرة ، وأبصروا العذاب والحقيقة ، وقولهم يعني انهم موقنون ، واليقين لا يتأتى إلا بالإبصار وليس بالسمع (عين اليقين) لأنهم رأوا العذاب عين اليقين.
4 - وربما يجد المشكِّكون في الإسراء والمعراج ما يُقرّب هذه المعجزة لأفهامهم ، بما نشاهده الآن من تقدُّم علمي يُقرِّب لنا المسافات، فقد تمكَّن الإنسان بسلطان العلم أنْ يغزوَ الفضاء، ويصعد إلى كواكب أخرى في أزمنة قياسية، فإذا كان في مقدور البشر فعل ذلك ، أتستبعدون الإسراء والمعراج، وهو فِعْل لله سبحانه؟!وأما في بقية الآيات الكريمة التي ذكرت المسجد الأقصى، فقد ورد ذكره كناية لا صراحة، وغالبا ما كان يشير الله تعالى للمسجد الأقصى والديار التي حوله بقوله تعالى "الأرض التي باركنا فيها" أو "الأرض المقدسة" ومن ذلك قوله تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا.. ) (الأعراف : 137) والحديث في هذه الآية عن بني إسرائيل حين خرجوا من مصر إلى بلاد الشام. وأيضا قوله تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء : 71) والضمير في (نجيناه) يعود على إبراهيم- عليه وعلى نبينا السلام- حيث نزل بفلسطين ونزل لوط - عليه السلام – بالمؤتفكة(المؤتفكة المنقلبة ، قرئ : " والمؤتفكات " والمشهور فيه أنها قرى قوم لوط). قال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: "يقول تعالى مخبرا عن إبراهيم أنه سلّمه الله من نار قومه ، وأخرجه من بين أظهرهم مهاجرا إلى بلاد الشام، إلى الأرض المقدسة منها" وقول ابن كثير "إلى الأرض المقدسة منها" يدل بوضوح على أن هجرة إبراهيم ولوط - عليهما السلام - كانت إلى جزء من بلاد الشام، وهو ما يسمى الأرض المقدسة، وإن الأرض المقدسة هي بيت المقدس." وقوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) ( الأنبياء : 71) يقول المفسرون : إن المقصود بالأرض التي باركنا فيها هي فلسطين ، وقوله: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) (سبأ : 18). والحديث في هذه الآية الكريمة عن أهل سبأ في اليمن، فقد جعل الله تعالى بين اليمن والأرض المباركة وهي بلاد الشام قرى متواصلة.
وقد استدلّ علماء التفسير بإجماع، على أن المقصود بالأرض المباركة في هذه الآيات كلها هي أرض فلسطين وما حولها من بلاد الشام، وذلك استنادا إلى الآية التي سبق ذكرها من سورة الإسراء والتي تنصّ صراحة على أن المسجد الأقصى هو الأرض التي بارك الله حولها. إضافة إلى عدة أدلة نقلية وعقلية أخرى.. يقول الأستاذ عبد الحميد طهماز، وهو من مدينة حماة السورية: "والأرض التي بارك الله فيها للعالمين هي أرض بلاد الشام، بين ذلك سبحانه في عدد من الآيات الكريمة، "وفلسطين هي أفضل أرض في بلاد الشام، لأن فيها أولى القبلتين المسجد الأقصى، ومسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهي الأرض المقدسة التي ذكرها سبحانه في قوله الكريم على لسان نبيّه موسى - عليه السلام -: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم، ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين)( المائدة : 21 ).وعندما جاء ملك الموت إلى موسى - عليه السلام - سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر.. وهي أرض فلسطين". ( [6] ).
وقد تحدثت السورة عن علاقة المسلمين بالمسجد ، وأن المسجد للمسلمين حيث أسرى بنبيهم إليه ، ثم أخذت السورة في الحديث عن الفساد والعلو لليهود ، والتدمير الذي سيلحق بهم ، وأنهم سينازعون المسلمين أرض الاسراء والمعراج.. وهنا لا بد أن نقرر أن علماء التفسير اختلفوا اختلافا كبيرا في ( العلو والافسادين ) الذين أشار إليهما قوله تعالى : - ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا.فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا..) ( سورة الإسراء / 4 ، 5 )
فقال قوم : - أرسل عليهم أهل العراق بقيادة ( نبوخذ رصر _ بختنصر ) فسباهم إلى بابل.. وقال آخرون : - أرسل عليهم ( جالوت ) فقتلهم ، فهو وقومه أولي بأس شديد وقيل : - أرسل عليهم الرومان بقيادة ( تيطس ) فشتت شملهم ودمر هيكلهم. وقيل :-أرسل عليهم جُندا من أهل فارس.. إلى غير ذلك من الأقوال المتضاربة
وحين ننظر إلى الآيات نظرة موضوعية نرى الأمور التالية : -
الآيات السابقة مكية.. وتتحدث عن علو وإفسادين لليهود ، فهل معنى ذلك أن العلو والإفسادين وقعا قبل نزول الآيات.. أم أنهما آتيان..؟
مما لا شك فيه أن اليهود تعرضوا للإذلال أكثر من مرة قبل الإسلام نتيجة لإفسادهم المستمر ، وهذه الآيات تتحدث عن إفساد آت.. لقوله تعالى : - ( فإذا جاء وعد أولاهما..) ، وإذا : ظرف لما يُذستقبل من الزمان ، ولا علاقة لما بعدها بما قبلها ، فوجود كلمة ( إذا ) في الآية يدل على أن الإفساد الأول ثم التدمير لهذا الإفساد آت لا محالة ، وسيقع بعد نزول الآيات … كما أن مجيئ ( إذا ) للمرة الثانية في قوله تعالى : ( فإذا جاء وعد الآخرة..) يدل على أن الإفساد الثاني والأخير وتدميره آت كذلك لا محالة.. ويدل قوله تعالى : ( بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار …) على أن الذين سيتولون تدمير الكيان اليهودي أول مرة بعد نزول الآيات السابقة الذكر : هم من المؤمنين.. إذ أن الله سبحانه حين يضيف كلمة ( العباد ) لذاته تكون في موضع التشريف.. ويخص بها المؤمنين.. قال تعالى : ( وعباد الرحمن ) ، وقال : ( سبحان الذي أسرى بعبده ) وهذا التشريف والتكريم الإيماني لا ينطبق على البابليين ، ولا على الرومان ، ولا على الفرس ، لأنهم جميعا من الوثنيين..ولا ينطبق هذا الوصف إلا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصحبه الكرام الذين هاجروا للمدينة ، ولليهود فيها نفوذ سياسي واقتصادي ، ونتيجة لغدرهم ، ونقضهم للعهود سلط الله عليهم المسلمين.. فجاسوا خلال الديار والحصون اليهودية في المدينة وخيبر.. وقضوا على إفسادهم الأول ، فزال سلطانهم ، ثم أخرج سيدنا عمر – رضي الله عنه – من تبقى منهم في الجزيرة ، حيث أوصى الرسول – عليه الصلاة والسلام – أن لا يبقى في جزيرة العرب دينان ( [7] ) .وقد وضحت سورة الحشر ذلك – والقرآن يفسر بعضه بعضا - فقالت : - ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبرا يا أولي الأبصار..) ( سورة الحشر: 2 ).
ثم تحدثت سورة الإسراء عن الإفساد الثاني وعلو اليهود الكبير الذي نعيشه هذه الأيام ، والماثل أمام أعين الناس.. قال تعالى : - ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) ( سورة الإسراء : 6 ) .. بحيث أصبحت العلاقة بين الوجود الإسرائيلي وقوى الصراع الدولية علاقة جدلية ، غير قابلة للانفصام ، وهذا هو النفير الذي جعله الله كبيراً في هذه المرحلة لليهود.. فأوروبا الغربية تتحرك داعمة للصهيونية.. بكل قواها المادية والمعنوية ، وأمريكا بكل ما لديها من عتو وقوة مادية وسياسية ، وكذلك الدول الاشتراكية والشيوعية ، كلها تقف معها لتحقق أكبر قدر من تعجيز الانسان العربي المسلم ، وبالتالي إتاحة أكبر قدر من حرية الحركة لإسرائيل ، فإسرائيل كما قضى الله سبحانه في حركة التاريخ ليست مسألة استيطانية فحسب ، بل إنها إفراز وتجسيد لمنهجية عالمية كاملة الأبعاد ، مضادة لمنهجية الحق الإلهي ، إن العالم الصراعي – وفي مقدمته دولة الاحتلال – يزحف نحو العرب والمسلمين بقوة هائلة ، ليدمر كل مقومات الوجود العربي الإسلامي في كل مكان ، الشرق والغرب يتخذان موقفا واحداً رغما عن فوارق الاتجاه في المصلحة وما تعجز عنه إسرائيل تنفذه قوى العالم الصراعي الأخرى.. والأمر يجري على وتيرة واحدة ، وكأنهم تجمعهم ليليا طاولة تنسيق واحدة.... ويكفينا تحققا من النوايا الأوروبية - على الرغم مما يشاع عن موقفها الإيجابي أحيانا - ذلك الفشل الذريع الذي انتهت إليه آخر محاولات العرب للتفاهم مع أوروبا ، وأعني بذلك النتائج السلبية للحوار العربي الأوروبي في كوبنهاجن.. وتونس.. وغيرهما ، بل فشلنا في الحصول على تفاهم أدنى لنقل التكنولوجيا.. أما المشاريع التي يبدو أننا نحققها بالتعاون مع أوروبا فهي مجرد صناعات تجميعية.. إن أوروبا الغربية هي البيئة الحاضنة لدولة الاحتلال ومؤخرتها.. وستظل كذلك كما هو حاصل ومشاهد هذه الأيام ؟!.. رغما عن كل واضعي السياسات الخارجية العربية ومستشاريهم من ذوي الأدمغة الفارغة إلا من قصاصات : النيوز ويك ، ودير اشبيغل ، والتايمز ، هذا إذا كانوا يقرأون … أما الموقف الأمريكي فهو امتداد للموقف الأوروبي الغربي ، ولا ترجع المسألة – كما يفترض الكثيرون – إلى قوة اللوبي اليهودي في دوائر الحياة المالية والسياسية الأمريكية فقط.. وإنما يرجع إلى أن أمريكا نفسها هي زعيمة مطلقة للقيم التي تجسدها دولة الاحتلال.. فواشنطن هي القطب الأساس الدولي لمنهجية الصراع العالمي.. و دولة الاحتلال هي في الإطار – الشرق أوسطي – امتداد حقيقي لمنهجية الصراع العالمي الأمريكية.. وليست اسرائيل مجرد حاملة طائرات غير قابلة للغرق
ففي حرب 1948م التي انتهت باغتصاب معظم فلسطين ، كشف الأرشيف الصهيوني عن أمور في غاية الأهمية والإيحاء ، منها : أن الولايات المتحدة ومختلف دول الغرب كانت وراء توريد متطوعين أجانب للقتال في جيش الكيان لاغتصاب فلسطين، أطلقوا عليهم اسم [ الماخال ] ، وكانت الأنظمة العربية تدفع باليهود العرب وتسهل هجرتهم إلى فلسطين..( سنة 48 ).كقوة احتياط للعدو اليهودي ؟! فالماخال هم المتطوعون من غير اليهود...الذين قاتلوا إلى جانب اليهود في حرب 1948م ضد العرب المسلمين : ” كان هناك حوالي 1,000 من الولايات المتحدة، مع 250 آخرين من كندا، و 800 متطوع من جنوب إفريقيا، و 600 من بريطانيا، و 250 من شمال إفريقيا، و250 من أميركا اللاتينية، وهناك آخرين من بلجيكا وفرنسا. وكان هناك أيضاً عدداً متفرقاً من استراليا، والكنجو البلجيكية، وروديسيا، وفنلندا، وروسيا... أتوا من 37 دولة مختلفة لدعم الدولة اليهودية الجديدة في أقصى ساعات حاجتها لهم. إلى جانب 3500 متطوعين من 29 دولة مما وراء البحار.
كما أنه بين 1947 و 1948 كان هناك 3600 متطوع من المحترفين تدفقوا إلى فلسطين المحتلة وقاتلوا إلى جانب عصابات اليهود : البال ماخ ، والهجناة، وبعد إعلان قيام الدولة عام 1948م انخرطوا في جيش الدفاع الإسرائيلي”...والدرس المستفاد من هذا ان اصطفافاً رسميا عالمياً كان وراء هذا الكيان وهو موجده !.
” والحقيقة أن أول آمري سلاح البحرية، واول فنيي الرادار، وأول طبجيي( قادة ) المدفعية الثقيلة، وأول قادة الدبابات، وأول قادة القوات البرية ، وأول طيارين مقاتلين وقاذفين، وأول جراحي العيون المصابة والإصابات الأخرى ، كانوا من متطوعي الماخال. إن المتطوعين هم الذين قادوا سفن “القادمين رقم ب” التي جلبت 31,000 من الناجين من المحرقة- حسب زعمهم - إلى فلسطين الواقعة تحت الانتداب ، على مرأى من المحتل البريطاني . كما أن قرابة نصف الأميركيين والكندينن خدموا في سلاح الجو” ....وبعد أن خدموا الدولة اللقيطة في وقت حاجتها لهم، فإن بعض المتطوعين عادوا إلى بلادهم الأم، إلا أن غالبيتهم بقوا أو عادوا بعد وقت قصير من مغادرتهم ليجعلوا من الكيان الغاصب موطنهم، وهذا بحد ذاته من العلو الكبير الذي أشارت له أوائل سورة الإسراء...وأولادهم وأحفادهم يخدمون الآن في جيش الاحتلال … كما ذكر الاستاذ الكبير د. عادل سمارة في مقال له ( [8] ) . وكما ذكر الصحفي الهندي ) كارانجيا –صديق عبد الناصر) في كتابه ( خنجر إسرائل )..
إن العلاقة بين الوجود الاسرائيلي وقوى الصراع الدولية علاقة جدلية ، غير قابلة للانفصام، وهذا هو النفير الذي جعله الله كبيرا في هذه المرحلة لليهود.. ولن يطرأ أي تحول على هذا الموقف العالمي الذي سيظل يمد اسرائيل بالمعونات الفلكية الأرقام.. وبمجانية التكنولوجيا.. والعقول المهاجرة.. إلى أن يفيق المسلمون ؟! وكلنا سمع كلمة الرئيس الأميركي (جو بايدن ) عندما جاء مهرولا إلى فلسطين المحتلة بعد وقوع طوفان الأقصى. في أثناء زيارته "التضامنية" إلى تل أبيب. : ( قال : إن إسرائيل يجب أن تعود مكانا آمنا لليهود، وإنه لو لم تكن هناك إسرائيل "لعملنا على إقامتها".) وأضاف ( بايدن ) أن عملية حركة المقاومة الفلسطينية(حماس) تركت جرحا غائرا لدى الإسرائيليين، مشبها عملية "طوفان الأقصى" بأنها تعد 15 ضعفا لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001... وتوجه بايدن إلى الإسرائيليين قائلا : إن هناك من أراد كسر إرادتهم، لكنه "لم ينجح"، معربا عن تضامنه مع "ألمهم" جراء احتجاز حركة حماس نحو 250 أسيرا.
إنهم يقاتلوننا كافة..وبوعي... لتحطيم كل مقومات الوجود العربي المسلم.. وكل يؤدي دوره ضمن حجمه وإمكاناته..مع تبادل الأدوار وتنسيقها بشكل تظهر معه كل إبداعات الحضارة الأوروبية الأمريكية.. وكل مقومات الخبث اليهودي..لكي لا تتكرر ظاهرة انبعاث الاسلام من جديد ، فهم لا يريدون أن تتكرر حملة ( طريف) على الأندلس عام ( 710 للهجرة ) وفتحها عام ( 711) على يد ( طارق بن زياد ) بعد أن استقر الاسلام في القيروان عام ( 670 ) و.. و…وسيثبت لليهود الذين عادوا من أعماق التاريخ ، ويزعمون أن الله قد وعدهم بالعودة إلى فلسطين ؟؟!! سيثبت لهم : أنه قد جاء بهم إلى قبر كبير.. حسب منطوق ومفهوم الآيات التي تخبرنا بأن الله سيجعل لليهود الكرة عليهم.. أي : على أبناء الذين جاسوا الديار أول مرة...
والكَرَّة : الدولة والسلطان.. وحين أراد الله لليهود أن يكروا على المسلمين استعمل حرف العطف ( ثم ).. وهو يقتضي ثلاثة أمور : التشريك في الحكم ، أو الترتيب ، أو التراخي والمهلة .. ونقول: هل كر اليهود على البابليين أو الرومان..؟ وهل كان لليهود سلطان عليهم..؟ لم يحدث ذلك في التاريخ.. إذن لا بد أن تكون الكرة على أبناء الذين جاسوا خلال الديار أول مرة وهم العرب المسلمون.. فقد كر اليهود على فلسطين.. قبلة المسلمين الأولى.. وانظروا إلى بقية الآيات حيث تمضي في وصف الواقع الذي يعيشه المسلمون.. ويعيشه اليهود.. إذ بعد أن جعل الله الكرة لليهود على المسلمين يقول سبحانه : - ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا..) ( سورة الإسراء / 6 )
وهنا نتساءل : هل أمد الله اليهود بأموال وبنين بمثل المرحلة التي نعيشها الآن..؟ لم نعرف أن ذلك قد حدث.. فالغرب يمدهم بالمال.. والشرق – وغيره - يمدهم بالمهاجرين.. ! والكل رأى وسمع كيف تحرك العالم واستنكر عندما أسر أبناء حماس أحد جنود العدو المسخ ( جلعاد شاليط )... بينما لم يرف لهم جفن لآلاف الأسرى من الشباب والأطفال والبنات والنساء من الفلسطينيين في سجون الاحتلال ولا لمقتل شعب لا يملك ما يدافع به عن نفسه سوى الحجر..وتشريده في المنافي والمخيمات بعيدا عن موطنه ، فهذا هو العلو الذي جعله الله كبيراً في هذه المرحلة.. وما يحصل في غزة العزة خير دليل على ما نقول.. هل استطاهع العالم كله آل البيتت.. وكفار قريش من إذخال زجاججة ماء لأهل غزة المحاصرة ؟!
أما الإفساد الثاني : فها هم اليهود في كيانهم يرتكبون أفظع الجرائم.. ولم يرحموا طفلاً صغيراً ، ولا شيخاً كبيراً ، ولا امرأة ، فقتلوا الأبرياء ، وانتهكوا الحرمات ، في قبية ، والسموع ، وصبرا وشاتيلا ، وبحر البقر ، وكل مكان طالته أيديهم ، ودنسوا المقدسات ، هذا في غابر الأيام.. لأما حاليا فغزة العزة خير شاهد على إفسادهم..؟؟ ىة وهنا تأتي البشارة من الله سبحانه بأن الله سيعاقبهم على ما اقترفوا من الإثم والجرائم.. فتقول الآيات بأن كيانهم لن يستمر ، ولن يستمر إفسادهم ولا علوهم..
يقول سبحانه :- (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا..) ( سورة الإسراء / 7 ) …. والمسلمون دخلوا المسجد الأقصى مرتين : مرة في زمن الخليفة الراشد عمر – رضي الله عنه – ( 15 للهجرة- 638 م) حيث استسلمت فيها المدينة له بعد أن طهر المسلمون ما حول المسجد والمدينة من جيوب المقاومة ، والمرة الثانية في زمن القائد المظفر : صلاح الدين..( الذي دخل القدس في يوم الجمعة 12/10/ 1187م الموافق للسابع والعشرين من رجب 583 للهجرة ) ، وستسلم القدس نفسها هذه المرة من جديد كما سلمت مفاتيحها لابن الخطاب – رضي الله عنه – بعد تتبير وتفتيت ما حولها.. ولذلك نلاحظ أن الله سبحانه حين أخبر عن زوال وتتبير وتدمير الكيان اليهودي ، استعمل حرف العطف ( الفاء ) الذي من معانيه التعقيب ، ولم يستعمل حرف العطف ( ثم ) الذي يفيد المهلة والتراخي.. وتعقيب كل شيء بحسبه ، وبما يناسبه ، وهو يدل على السرعة المناسبة في حصول المقصود..وليس المقصود من قوله تعالى ( وعد الآخرة ) يوم القيامة ، إنما المقصود – والله أعلم – هو : ذهاب عُلُوِّهم وإفسادهم الأخير من ديار المسلمين.. ومقدمة ذلك : (ليسوءوا وجوهكم) وانظر إلى وجوه اليهود ، والمطبعين ، والمعاونن ، كيف ترى وجوههم.. عليهم من ثياب الذل ألوان.. ؟!
وإذا ربطنا الآيات – التي ذكرناها - من سورة الإسراء بالأحاديث الكثيرة التي تخبرنا عن مقاتلة المسلمين لليهود ، كقول الرسول -صلى الله عليه وسلم -: ( "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" وأخرجه أيضا الطبراني. قال الهيثمي في المجمع : ورجاله ثقات...) ([9]) أيقنا لماذا لم ولن تنجح كل المحاولات لتثبيت أقدام الكيان اليهودي في قلب العالم الإسلامي.. وقبلتهم الأولى.. وسينقلب السحر على الساحر.. بفضل من الله ، وبمعاونة من اليهود أنفسهم.. حيث سيرفضون كل ما يُعرض عليهم.. حتى يأتي يومهم الموعود ، وقدرهم المرصود.. فالعد التنازلي قد بدأ.. وسيزول كيانهم بآثامه وشروره إلى مزابل التاريخ..كما زالت من قبلهم كيانات التتار والصليبيين.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ( يوسف : 21 )..ونقول لليهود ولمسانديهم : - إن نظرة عجلى لتماوجات الشعوب والحضارات وتداخلها في هذا الممر الآسيوي الإفريقي ، توضح لنا أنه ما من قوة كانت قادرة على الاستمرار والبقاء في هذه المنطقة الحيوية من العالم.. فنفقة الحياة في هذه المنطقة صعبة ، وهي أكبر مما تطيقه القوى والحضارات والأمم.. اللهم إلا الحضارة العربية الإسلامية، فلم تبق فقط على سطح الحضارات التقليدية.. بل عرَّبته.. وظل القرآن محفوظا وباسطا سيطرته على أهم رقعة للاتصال العالمي الحضاري والجغرافي السياسي..
وإنني لعلى يقين بأن زوال هذا الكيان بات قريبا ، رغم كل المؤشرات التي تنبئ بعكس ذلك.. فهذا الكيان الظالم لن يعيش طويلا برغم عمليات الإنعاش التي تفتقت عنها أذهان حماته.. والتي مدت في عمر هذا الكيان اللئيم.. وسيفيق العرب والمسلمون على التحديات المتربصة بهم وبمصالحهم ، والتي تخطط لمصادرة مصيرهم.. وإخراجهم من حركة التاريخ.. وسيجتازون مرحلة التواصي بالحق إلى مرحلة العمل الصالح.. بتنسيق الجهود المتباعدة.. والخروج على العالم باستراتيجية عربية إسلامية.. تكون الجذع المشترك الذي ستتحطم عليه المخططات اليهودية كما تحطم أسلافهم من قبل.. من تتار وصليبيين.. ( ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا..)
وبعد : فقد مرت أمتنا بحالات مشابهة للحالة التي تمر بها أمتنا الآن.. فعرفت كيف تجتث الداء وتبقى سليمة معافاة.. فعندما اجتاح التتار العالم الإسلامي..ووضعوا في رقاب المسلمين السيف.. إلى أن تمكن الوهن في قلوبهم.. حتى أصبحوا لا يصدقون بهزيمة التتار قال ابن الأثير في تاريخه الكامل : -[[ ( إنه سمع من بعض الأكابر – وما أكثرهم في زماننا – أنه قال : من حدثك أن التتار ينهزمون فلا تصدقه …!! إلى أن يقول ابن الأثير : ووقع رُعبهم في قلوب الناس ، حتى كاد أحدهم ( أي التتار ) إذا لقي جماعة قتلهم واحدا واحدا وهم دَهِشُون..! ودخل رجل منهم دَرْباً فيه مئة رجل..فما زال يقتلهم واحدا تلو الآخر حتى أفناهم.. ولم يمدد أحد يده إليه بسوء..؟! ثم قال ابن الأثير : - لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحوادث استعظاما لها.. كارها لذكرها.. فأنا أقدم إليه رجلا وأؤخر أخرى..فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك..؟ فيا ليت أمي لم تلدني.. ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا..! ) ومع ذلك لم يتبه المسلمون.. ولم يفيقوا من غفلتهم.. ولم يغيروا ما بأنفسهم حتى يغير الله ما بهم.. فحق عليهم قول ربهم :- ( ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون..)( المؤمنون : 76) واستمروا على ما هم فيه من غفلة ولهو وظلم.. قال ابن الأثير : ( فما نرى في أمراء المسلمين من له رغبة في الجهاد – وكأنه يقصد ولاة أمور المسلمين هذه الأيام – بل كل منهم مقبل على لهوه.. ولعبه.. وظلم رعيته.. وهذا أخوف عندي من العدو.. قال تعالى : ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة …) ( الأنفال : 25) ]] …. ولكن المسلمين عندما أفاقوا من غفلتهم.. وأصلحوا شأنهم.. وأعدوا للنصر عدته.. هزموا التتار الذين لم يكونوا في ظنهم يعرفون الهزيمة ، هزمهم المسلمون في عدة مواقع ، كانت خاتمتها في موقعة ( عين جالوت ) على مقربة من ( حطين ) التي هزم المسلمون فيها الصليبيين وكلا الموقعين ليسا بعيدين عن ( اليرموك ) ؟!….ووصف الحافظ السيوطي موقعة ( عين جالوت ) في كتابه ( تاريخ الخلفاء ) بقوله : - ( فهزم التتار.. وانتصر المسلمون ولله الحمد.. وقتل من التتار مقتلة عظيمة.. وولوا الأدبار.. وطمع الناس فيهم.. يخطفونهم وينهبونهم …) وبكل يقين وتأكيد لن يكون مصير الغزو اليهودي التتري الصليبي بأفضل من مصير أسلافهم.. وصدق الله العظيم حيث يقول : - ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين. هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين. ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين. وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين. أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )( آل عمران / 137-142).
[1]- نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الغلو في مدحه بما قد يفضي إلى عبادته ، فقال : ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري رقم : (3445). من حديث عمر - رضي الله عنه -.
[2] - الزمخشري ، الكشاف : 2/ 350.
[3]- محمد متولي الشعراوي ، المعجزة الكبرى : الاسراء والمعراج ، ص 49 بتصرف.
[4] - عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس كافة ، وأعطيت الشفاعة ) انظر : صحيح البخاري - الصلاة رقم (427)- وصحيح مسلم - المساجد ومواضع الصلاة رقم: (521) .
[5]- شرح النووي على صحيح مسلم- كتاب المساجد ومواضع الصلاة- باب النهي عن نشدان الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد حديث رقم : 568
[6] - أي: أدنني( قَرِّبني ) من الأرض المقدسة حتى يكون بيني وبينها مقدار رمية بحجر، اخرجه البخاري برقم (1339) ومسلم برقم ( 2372).. وانظر بحث ( المسجد الأقصى في الزمان والمكان والسنة والقرآن ص : 10 : يحيى جبر ، وعبير حمد ، بتصرف.)
[7] - هذا الحديث رواه البخاري (3168) ومسلم (1637) وليس منسوخاً ، بل هو من الأحاديث المحكمة التي يجب العمل بها. وقد جاءت عدة أحاديث ، تدل على المعنى نفسه :
1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ( لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً ) أخرجه مسلم (1767)
2- عن أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه قال : آخرُ ما تكلَّم به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ( أخرجوا يهودَ أهل الحجاز ، وأهل نجران من جزيرة العرب ، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) رواه أحمد (3/221) وصححه ابن عبد البر في "التمهيد"(1/169) ، ومحققو المسند ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (1132).
والمراد بجزيرة العرب في هذه الأحاديث : الجزيرة العربية كلها ، التي يحيط بها البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي ، وتنتهي شمالا إلى أطراف الشام والعراق.
[8] - مقاتلون مع الصهيونية...مقاتلون ضد سورية...كيف! د. عادل سمارة، مجلة كنعان، العدد 152 كانون ثاني 2013.
[9] - انظر : مسند الإمام أحمد: : ج5 : ص269 ، حديث رقم : 21286. والطبري في تهذيب الآثار ج2 : ص823. والطبراني في المعجم الكبير ج8 : ص145 . قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 : ص288... وأصل الحديث في الصحيحين دون قوله: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ". من حديث الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ". البخاري (3640)، ومسلم (1921).وهناك أحاديث كثيرة وردت بهذا المعنى ، وقد خذلهم الجميع.. ولكن عطاءهم لم يتوقف.