المسجد الأقصى المبارك مكاناً ... ومكانةً
المسجد الأقصى المبارك
مكاناً ... ومكانةً
إعداد
د. سامي عطا حسن
مقدمة كتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء:1]
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
ريح السموم التي عصفت بالصليبيين في فلسطين هل ستعصف باليهود اليوم؟ في قراءة لكتاب "الإسلام والصليبيات" لمؤلفه اليهودي عمانويل سيفان، وهو أشبه بتقرير علمي خلص فيه مؤلفه إلى العديد من النتائج حول مستقبل إسرائيل، من خلال الاستقراء واستنطاق التاريخ: بين ماضٍ مضى وانقضى، ومستقبل يحمل في طياته مخاوف ذلك الماضي الذي جسده شبح حطين ([1]) الذي نزل بالفرنجة على يد صلاح الدين - رضي الله عنه وأرضاه -. وتحرير القدس سنة (583هـ - 1187م)، بعد احتلال لها طالت سنواته تسعة عقود. والعصابات اليهودية التي تغزو وتحتل فلسطين اليوم، تدرك تشابه غزوها واحتلالها للبلاد مع الغزو والاحتلال الصليبي. إنها تدرس الموقف، في جذوره، وتحلل عناصره، لتتفادى نهاية كنهاية حطين وما بعد حطين. فبعد 15 سنة من ولادة دولة إسرائيل، دفع واقع الاحتلال الصليبي لفلسطين وخروجه منها، العلماء والمؤرخين اليهود إلى بناء ورشة عمل كاملة في الجامعة العبرية، لدراسة عوامل السقوط لدولة الفرنجة في القدس، وقد ترأس لجنة العمل هذه "جوزيف براور" صاحب كتاب "المملكة اللاتينية في القدس" ([2])، وقد مدت اللجنة العلمية جسور التواصل العلمي خارج إسرائيل، فتواصلت مع العديد من المراكز العلمية العالمية، وكان ممن اتصلوا بهم اليهودي "كلود كاهن"، في جامعة باريس، وبعدد من اليهود في الجامعات الأمريكية: "آشتور شتراوس"، و"بروفشفيك"، و "كيستر"، و"آيالون"، المتخصص بالعصر المملوكي، و"غويتاين" صاحب العديد من الدراسات والأبحاث المعنية بقدسية القدس والأقصى عند المسلمين؛ وقد قاموا في العديد من الدراسات العلمية بأن تكون قاعدة عمل فيما يضمن لإسرائيل مستقبلاً آمناً وديمومة وجود لها في فلسطين.
مضت هذه اللجنة العلمية التي تم تكليفها بدراسة تراثنا الإسلامي في موروثه التاريخي والتشريعي الإسلامي، ودراسته دراسةً محكمة؛ ؛ واستنطقوا ذلك التراث العظيم لسلفنا الكريم، ليصلوا فيه إلى العديد من الفرضيات والنتائج، وقد احتضن هذه النتائج التي توصلت إليها اللجنة اليهودية، كتاب "الإسلام والصليبيات"، والتي تمثلت فيما يلي:
1 - ففي العصر الذي زامن الاحتلال الصليبي، كانت البلاد مجزأة وضعيفة على شكل إمارات، ويغلب على الكثير منها التشيع، كالحمدانيين في حلب، ومن بعدهم بنو مرداس، إلى أن ظهرت الدولة الزنكية السنية ومن بعدها الأيوبية، وكلتا الدولتين تم لهما القضاء على الوجود الباطني في الشام ومصر، والذي كان سبباً في كل ما نزل ببلاد الشام من نوازل الاحتلال الصليبي لها، بحيث كان الباطنيون هم من سهل لهم احتلال ساحل بلاد الشام وفلسطين..
2 - سمو مكانة القدس والأقصى وفلسطين عند المسلمين على أنها أرض مباركة ومقدسة،([3])مما ترتب على هذه المكانة في نفوسهم وقلوبهم إحياء مصطلح عقيدة الجهاد لتحرير القدس والأقصى، في الوقت الذي غابت فيه هذه العقيدة الجهادية عند المسلمين في بلاد الشام طيلة العقد الرابع والنصف الأول من الخامس الهجري.
3 - التشابه والتماثل بين الغَزْوَيْن، وقد تم فيهما توظيف الدين، لكن واقع الغزوين يكذب ذلك، فالأول الصليبي الذي باركه الباب أوربان الثاني في كلير مونت سنة "487هـ-1904م"، وفيه احتلوا القدس والساحل السوري، وكان شعارهم "تحرير القبر المقدس"، واليهود قبل أن يحتلوا فلسطين لووا عنق التاريخ عندما وظفوا الدين المُحَرَّف لاحتلال فلسطين، على أن أرض فلسطين هي أرض الميعاد بوعد توراتي مزيف، فقد كيفوا التاريخ على قاعدة اللاهوت الكاذب في دينهم، فالصليبيون سموا أنفسهم فرسان المسيح يومها، واليوم اليهود يسمون أنفسهم شعب الله المختار على أرض فلسطين التي خرج منها سلفهم صاغرين، وها هم اليوم يعيشون فيها على رمال متحركة.
4 - وراثة صلاح الدين حكم مصر وبلاد الشام الزنكية، والذي جاء على يديه تحرير وطرد الصليبيين من القدس بعد موقعة حطين سنة "583هـ-1187م" تلك هي الأصول والنتائج التي استنطق فيها الباحثون اليهود تراثنا الإسلامي، وتوصلوا في دراساتهم إلى العلة السببية التي استطاع بها المسلمون تحرير القدس وفلسطين، وذلك من خلال دور علماء المسلين المباشر في إيقاظ شعلة الجهاد في قلوب المسلمين حكاماً ومحكومين، ما كان سبباً في هذا التحرير وجلاء الفرنجة، لاسيما أن فلسطين هي الأرض التي وطأتها أقدام الغزاة الفرنجة سلفاً واليهود خلفاً، على الرغم مما خطط له بناة دولة إسرائيل في جعل دول الطوق لإسرائيل دولاً علمانية لا دينية، وقد تحقق لهم ذلك، لكن اليهود الذين استطاعوا تفريق الأمة بشكل وقتي وزمني، أسقط سياستهم هذه استيقاظ النائم، كما أشار لذلك أرنولد توينبي، من كبار فلاسفة التاريخ العالميين، الذي نبه إلى عدم شرعية الوجود اليهودي في فلسطين وناهض بناء دولة إسرائيل، بقوله: [[ إذا ظننتم أن المسلمين سيغُطّون في سباتهم، فهذا خطأ جسيم، فالمسلون نيام، ولا بد للنائم من أن يستيقظ !! ]]. فهل ما تعيشه بلاد الشام اليوم شكل من أشكال اليقظة كما أشار توينبي؟ وعلى هذا الواقع فهل سيعيد التاريخ نفسه بتحرير فلسطين من اليهود كما تم تحريرها من الصليبيين؟. وليست تهمهم الصليبيات بالطبع بوصفها صليبيات، وإنما زاوية اهتمامهم محصورة فيها في نقطة وحيدة كيف تم طرد الصليبيين من هذه البقاع نفسها التي يحتلونها؟.
إنهم يدرسون معنى الجهاد، وكيف استيقظ في المشرق العربي، ومدى حيويته في الشام بالذات، وتأثير فكرة الجهاد قبل الصليبيات وأثنائها وبعدها، يحللون مدى قدسية القدس وعناصرها في نقوس المسلمين، وردود فعلهم ضد الاحتلال الغريب، يرون كيف تمت الهدنات، وتم التعايش الصليبي - الإسلامي أولاً، وكيف انقلب ذلك حروباً وجهاداً من بعد، رغم تطاول الزمن، كيف تحول مفهوم الجهاد القديم فحلَّ في مفاهيم جديدة ألهبت الناس، يبحثون عن مرتكزات الدعاية التي حولته دينياً إلى عنصر كره للصليبيين، وعن جذور الترابط في المنطقة من مصر إلى العراق، وعن أسباب توحدها في حطين وما بعدها، بل يحللون "نصر" عين جالوت ضد المغول، ويحللون أسباب خروج آخر الصليبيين على آخر المراكب من المشرق، يبحثون عن أسباب ذلك وجذوره. ولاحقت أعمال الجماعة اليهودية في الأسئلة التي تطرحها، فإذا بين هذه الأسئلة:
1 - لماذا لم تستيقظ فكرة الجهاد في العصر الحمداني إلا على الثغور والحدود، رغم دعاية سيف الدولة ورغم خطب ابن نباتة، وأشعار المتنبي؟
2 - لماذا أخذ الجهاد الشكل الدفاعي السلبي والمحدود قبل الصليبيات؟ ثم أخذ الشكل الهجومي الواسع بعدها؟
3 - ماذا زادت الصليبيات من العناصر على قدسية القدس لدى المسلمين؟
4 - لماذا كانت معركة (ملاذ كرد)([4]) سنة 1071م نصراً إسلامياً نسيه الناس بسرعة، مع أنها كانت معركة حاسمة أسر فيها امبراطور بيزنطة لأول مرة ولآخر مرة في التاريخ، بيد سلطان السلاجقة ملك شاه، ولماذا لم تثر المعركة فكرة الجهاد لدى أهل الشام والعراق خاصة؟
5 - لماذا لم يذكر علماء الإسلام في القرن الثاني عشر فكرة "طلب الشهادة"، بين دوافع الجهاد؟ ولم يذكروا القدس؟ إن أعمال 12 عالماً في ذلك العصر لم تذكر ذلك، لم يذكرها إلا عالم داعية هو عز الدين السلمي([5]) في العهد الأيوبي، وكذلك الإمام النووي ([6]) أيام بيبرس، وكذلك كتاب "الجهاد" الذي وضعه القاضي بهاء الدين بن شداد([7])
لصلاح الدين الأيوبي ([8])، فكان هذا الكتاب عند صلاح الدين بمثابة وسادة لا تفارقه أينما ذهب.6 - لم يقف اليهود في دراساتهم عند كتب الجهاد فقط، فقد درسوا أكثر من ثلاثين كتاباً تحدثت عن فضائل الشام عند المسلمين، ومكانة القدس والأقصى، فهي عندهم لا تقل شأناً عن مكة وحرمها المكي وعن المدينة المنورة وحرمها النبوي، ومن هذه الكتب كتاب ابن الجوزي "فضائل القدس الشريف"، وما كتبه ابن تيمية قاعدة في زيارة القدس، وكتاب الكنجي الصوفي "فضائل بيت المقدس وفضل الصلاة فيها"، وكتاب عز الدين السلمي "ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام" طبع الخالدي - القدس 1940"،وأبي إسحاق إبراهيم المكناسي "فضائل بيت المقدس"، وابن المرجّى "فضائل بيت المقدس والخليل"، وابن الفركاح إبراهيم الفزازي " باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس"، ومجير الدين العليمي " الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل"، وغيرها.
وهناك العديد من المخطوطات التي تعود لذلك العصر قامت اللجنة العلمية اليهودية بدراستها وأشار الكتاب إليها. ولعل الاحتلال الصليبي لفلسطين كان عصر يقظة عند علماء المسلمين، فثمة العديد من الدراسات الإسلامية على غرار الكتب والمخطوطات التي أوردها كتاب "الإسلام والصليبيات"، منها المخطوط الذي لم يتم نشره، ومنها ما تم نشره، وكلها تتناول مكانة فلسطين وأقصاها عند المسلمين.
7-ومن بين ما درسه اليهود الصهيونيون دواوين الشعراء، حتى الصغار منهم، لا يهملون المتنبي والمعري، لكنهم يدرسون الغزي، وديوان ابن النبيه، وابن الساعاتي، وغيرهم ممن عاشوا الفترة الصليبية لعلهم يكتشفون آثارها في قوافيهم.. ودرسوا مؤلفات العماد الأصفهاني، والقاضي الفاضل، و كتب الفقه والفتاوى، ككتب الإمام النووي، وكتاب المغني لموفق الدين بن قدامة.. ودرسوا حتى السير الشعبية!!.. لماذا كل هذا العناء والجهد؟ ليس العلم وحده هو ما يقصدون، وإلا كانت لديهم آلاف المواضيع الأخرى الجديرة بالدراسة، إنهم يتحسسون في الصليبيات ونهايتها وجعهم، قلقهم، مصير الغد. إن عقدة الصليبيات تلاحقهم، تؤرق استقرار المشروع اليهودي الصهيوني كله..
والسؤال الأساس المطروح: كيف يتخلصون من مصير مملكة القدس الصليبية وتوابعها؟ كيف يأمنون من حطين أخرى لا بد مقبلة؟؟ كانوا يريدون أن يعرفوا كيف نبتت خيول حطين وامتطتها العواصف؟ وكيف عبرت مملكة القدس إلى التاريخ المنسي من الباب الخلفي فلم يبق لها من أثر؟ كان الناس عند وصول الصليبيين إلى الشام أكواماً من الرمال ذرَّتها السيوف الصليبية مع الريح، فكيف تحول مواطنو الريح هؤلاء إلى كتلة صخرية صلدة تحطم عليها الفولاذ الفرنجي فجأة ومرة واحدة؟؟
قال دايان سنة 1967م: إن جيوشه انساحت خلال القوى العربية كالسكين في الزبدة!!؟ فهل تتحول الزبدة قنبلة تذهب بالسكين وصاحب السكين؟ هذا القلق المصيري سببه أن اليهود الغارقين في التاريخ والمعتمدين في استراتيجيتهم الدعائية على التاريخ، يريدون أن يخرجوا من نفق التاريخ.!! إسرائيل تبحث عن المستقبل وهي مندفعة بكليتها نحو الماضي: دينها، لغتها، عاداتها، تشريعها، صلواتها، شمعدانها، رموزها، وطواقي رجالها، كلها موصولة مع الماضي بخيط عنكبوتي ممدود، لهذا تشكل الصليبيات جرحها الذي تريد أن تتجاوزه، إنها تريد التسلل من أحد الثقوب في التاريخ (وما أكثر الثقوب)إلى هذا العصر. ويعرف الصهيونيون ويدرسون ويحللون كل التوازيات بين الصليبيات الغربية وبين الحملة اليهودية، ويتوقفون عند النهاية المأسوية يريدون تفاديها، إنهم وهم المهرة في استخدام التاريخ ولي عنقه، يحاولون أن يهربوا من لحظته الأخيرة! فأين هذا التوازي وأين ينتهي؟ والتباينات قليلة، وهي ناجمة عن اختلاف العصرين، إن كل الاستراتيجية والتكتيك الصهيونيين موجودان في الصليبيات. إنا لا نكاد نجد في التاريخ حركة كالحروب الصليبية كان نصيبها من الخيال وتأثير الأسطورة بقدر نصيبها من الآلام المآسي، إلا الحروب اليهودية، والغريب أن مكان الكارثتين واحد، هو فلسطين، ولسنا نحتاج إلى أي جهد في التقاط التوازي الذي يصدم العين بين المغامرة الصليبية الفاشلة والمغامرة اليهودية التي تقلدها والتي ستفشل بحول الله، المغامرتان من نسيج واحد، يكفي أن نقرأ قصة إحداهما لتقفز الأخرى أمامك على الأسطر، على كل سطر، وفي النقاط والفواصل، وإن شئت تحركت في الحديث قافزاً من هذه إلى تلك، ومن تلك إلى هذه، دون أن تحس بأنك تقفز 800 أو 900 سنة بعواصفها وأثقالها، دعونا نمشي في المغامرتين خطوة خطوة، إن التشابه يبدأ هنا منذ الخطوة الأولى..
أولاً: القضية اليهودية في منظورها الشامل إنما هي مشكلة أوروبية داخلية خالصة، وجدت حلها في عمل خارجي وعلى أرض خارج أوروبا، والقضية الصليبية بدورها إنما هي مشكلات أوروبية داخلية بدورها حلت على الطريقة ذاتها، التكاثر السكاني قبل الصليبيات مع تدهور الزراعة، وانتشار المجاعات، وكوارث الطبيعة والأوبئة سنوات طويلة بعد أخرى، وتعاظم المشاعر الدينية، إضافة إلى الظلم الإقطاعي، وتراكم الديون الربوية، كل ذلك كوّن مشكلة التكاثر السكاني وحقد الأوروبيين على اليهود المرابين، ومشكلات العمال الفقراء في شرق أوروبا، والزحام القومي الهتلري، وكلها غارقة في الجذور الاقتصادية بإلقاء هذه الفضلات البشرية- في نظرها - من النافذة على الجيران! ثانياً: الحركة الصليبية شملت كل أوروبا، في الصليبيات تحركت جموع شتى من مختلف الأمم الأوروبية من السويد والنرويج، من إنكلترا وفرنسا، ومن ألمانيا والدانمرك والمجر، كلهم تحركوا نحو إغراء المشرق! لم تكن الحركة ثماني حملات كما يزعمون، كانت مدداً لا ينقطع، وسيلاً من البشر يتحرك على السفن وفي البر مدار السنوات المائتين التي امتدتها الحروب، قد تكون الحملات بدورها أكثر من مائتين أو ثلاثمائة حملة صغيرة وكبيرة لبضعة ملايين، بعضهم حجاج، وبعض محاربون، وكثير منهم تجار أو مغامرون، وأكثرهم فقراء، الكل نزحوا وراء حلم يمتزج فيه المسيح برفيف الذهب، هل يذكركم هذا بمجموعة الأمم التي تحشد منذ مائة سنة في فلسطين، بابل القرن العشرين، لغات، وأجناساً، وعادات،ومن كل زوج غير بهيج؟ وتحتشد وراء حلم أرض الميعاد، يمتزج فيه الإله يهوا بطائرات الفانتوم؟ ثالثاً: وكما انتصب للصليبيات قائد فكري في شخص البابا أوربان الثاني، الذي أعلن الحركة في مجمع كليرمون سنة 1095م، وحدد لها الطريق والهدف النهائي: فلسطين أرض المسيح، أطلقها وترك لمن بعده المسير بها وتحمل عقابيلها، كذلك كان لليهود رائدهم الفكري في شخص ثيودور هرتزل، الذي كتب لها كتاب الدولة اليهودية سنة 1896م، ثم أعلن مع المؤتمر الصهيوني الأول سنة 1897م في (بال في سويسرا)، أن مكان هذه الدولة هو: فلسطين أرض إسرائيل!!
رابعاً: ونصل إلى العامل الديني في الحركتين الصليبية والصهيونية، لنرى أشكالاً لا تنتهي من التوازي والتشابه تحتاج إلى التوقف الطويل والتعداد الطويل:
أ- ما الذي رفعه الصليبيون هدفاً، وما الذي رفعه اليهود الصهيونيون؟ شعار واحد رفعه الطرفان الصليبيون تحركوا لتخليص القبر المقدس، واليهودتحركوا لتخليص الهيكل المقدس، ولو أنه لم يبق منه - إلا في الذاكرة التوراتية المحرفة - شيء على الأرض! الإيديولوجية التي رفعت في المشروعين واحدة، وراء كل من الشعارين حشد لا ينتهي من المشاعر الدينية المتقدة، ولكنها تتمركز في النهاية في كلمة محددة، وفي نقطة من الأرض محددة بدورها، وكما سمي الصليبيون فلسطين أرض المسيح يعنون بذلك أنها أرضهم، كذلك يقول اليهود إنها "أرتز إسرائيل" أرض الميعاد، بوعد توراتي مزور لا يزول. ب- إذا كانت الحرب الصليبية أول حرب إيديولوجية، بعد الفتوح الإسلامية، وكانت هذه الإيديولوجية دينية بالضرورة، ولم يكن بالإمكان تحريك الجموع في العصور الوسطى الغارقة في الدين دون إيديولوجية دينية، فإن هذه الإيديولوجية نفسها قد استخدمت من قبل اليهود في تحريك آخر جماعة متحجرة مغلقة من الجماعات الأوروبية، وهم اليهود، للغرض نفسه في الحرب اليهودية الصهيونية القائمة، محور الإثارة عند الطرفين هي فلسطين، والقداسة فيها للقبر أو للهيكل المزعوم. والخليط الصليبي، كالخليط الصهيوني، متباين الطبقات والمشارب، فيه المغامرون والحجاج واللصوص والتجار، والنبلاء، والمحاربون، وشذاذ الآفاق، والرهبان، والهاربون من العدالة، (والماخال)([9]) والباحثون عن الثروة، وفي كل واحد من هؤلاء جانب ديني، قد يلتهب في بعض الظروف، لكن من الذي يكبح الجوانب الأخرى المادية اللاأخلاقية، أو الوحشية في ظروف أخرى؟.. وهكذا كانت إيديولوجية الصليبيات الدينية غطاء مناسباً، وإن يكن أحياناً غير مخالف لأطماع النبلاء في الأرض، والرهبان الكاثوليك في الانتشار والسيطرة على كنيسة المشرق، والتجار بالربح والامتيازات، والفلاحين العاديين بالخلاص من الديون، ومن المجاعات، ومن الظلم الإقطاعي، والفوز في النهاية بالسماء! أليس هذا هو الوضع الصهيوني اليهودي نفسه؟؟ ج- الصليبيات بدأت حجاً إلى القبر المقدس، تحول إلى حج مسلح، وشجعته الأساطيل البحرية الإيطالية النامية على مياه البحر المتوسط (من جنوا، والبندقية وغيرها)، تذهب ملأى بالحجاج، وتعود من الشرق ملأى ببضائع الشرق، من فلفل، وبخور، وأفاوية(توابل)، ونسيج، وزجاج.. صارت سيدة البحر العربي بعد أن انهزمت القوى العربية الإسلامية في الأندلس، وتضاءلت أساطيلها، أو انقطعت أحياناً ما بين شمالي إفريقيا والمرافئ الإسبانية، وخرجت(إمارة فرخشنيط - جبل القلال)([10]) في جنوب فرنسا، وجزر الباليار من السيطرة الإسلامية، فأين إذن الحج المقدس؟ وأين القبر المقدس نفسه، حين طرحت هذه الأساطيل نفسها بالصليبيات، وبغزو الصليبين إلى القسطنطينية مرة، وإلى مصر مرتين وإلى تونس أيضاً، فهل كانوا يحسبون أن القبر المقدس انتقل هناك؟ وفي الحركة الصهيونية، ألم يكن الحج والحج المسلح إلى حائط المبكى وبقايا الهيكل هما بدء الطريق إلى وعد بلفور، ثم إلى أحداث 1948 م؟ألم تكن العملية الاقتصادية الاجتماعية من تجارة، وحلول للمشاكل العمالية، والأطماع المادية وراء الهجرة الصهيونية، ووراء أخذها الأرض، واحتلالها النقب، وتوسعها في المصانع والزراعات بعد أن تخاذلت القوى العربية سنة 1948م وما بعدها؟؟ أم أنهم يبحثون عن الهيكل في تونس، أو عنتيبي، أو حول المفاعل الذري ببغداد؟
دـ - ضمن هذا الإطار الديني نفسه: يسمي الصليبيون أنفسهم في النصوص بفرسان المسيح "والشعب المقدس" و"شعب الرب"، أليس يسمى اليهود أنفسهم بشعب الله المختار، مقابل الغوييم الهائم الذين هم كل البشر الآخرين؟ وإذا قال البابا أوربان الثاني، وهو يعلن الصليبيات: حرروا هذه الأرض من الجنس الشرير فهذه الأرض التي يقول الكتاب المقدس إنها تفيض باللبن والعسل قد منحها الرب ملكاً للمؤمنين؟؟ أفلا يقول الصهيونيون بدورهم إنها ملكهم وعدهم الله بها من الفرات إلى النيل؟
هـ - وضمن الإطار الديني أيضاً، ألم تحاول البابوية، وهي الكاثوليكية الغربية، إبراز نفسها حامية لمسيحي الشرق المضطهدين؟ فماذا يقول اليهود الإشكنازيم (الغربيون) الواردين من روسيا، ووسط أوروبا، وألمانيا، وفرنسا؟ أليسوا يجعلون أنفسهم حماة لليهود السفارديم، يهود الشرق؟ و- الطابع الديني استطاع أن يكون واضحاً في الأيام الأولى للصليبيات، لأنه كان الدافع المعلن، ولقد استطاع أن يغطي إلى فترة ما حقيقتها الاقتصادية- الاجتماعية، اختفى التجار وراء سواد المحاربين، وتوارى الإقطاعي بجشعه وراء الرهبان ورجال الكنيسة، لكن الأطماع في الأرض، والقلاع، والمدن، والامتيازات التجارية، كانت واضحة مسيطرة، وفيما نهب الجناح العسكري من نبلاء وفرسان: الأرض عماد الثروة والسلطة في المجتمع الإقطاعي الغربي، تقاسم التجار الغربيون الأسواق والامتيازات والأحياء والفنادق في المدن، وحين دارت العجلة بالأحداث والناس، تكشف التناقض العجيب، وتجلى الإفلاس الإيديولوجي في الحملات التالية، وبلغ الذروة في الحملة الرابعة التي توجهت إلى القسطنطينية المسيحية تفتحها، ظهر أن البابوية، والتجار الإيطاليين، وإقطاعي أوروبا، يستخدمون الدين سلاحاً سياسياً عسكرياً ضد المسلمين، وضد بعضهم بعضا على السواء، ولو كان هذا "البعض" من أخلص المدافعين عن الكاثوليكية . ز- إن كل الغطاء الديني للصليبيات يطير إذا استعرضنا الصليبيات الرسمية الثمانية فوجدنا أن ثلاثاً منها فقط توجهت إلى القدس، في حين توجهت الخمس الأخرى إلى أهداف أخرى ! فالثانية إلى دمشق، والرابعة إلى القسطنطينية، والخامسة والسابعة إلى مصر، والثامنة إلى تونس، لعلها كانت تفتش عن آثار المسيح هناك، وأما حملات القدس فقد احتلتها الحملة الأولى فقط، وفشلت الثالثة في الوصول إليها، ووصلتها الحملة السادسة سلماً ومجاناً، في حين كان البابا يستنزل على هذه الحملة اللعنات من الرب، ويرمي صاحبها بالحرمان. ونعود إلى اليهودية لنرى الصورة نفسها، وإن تكن متطورة على مقياس القرن العشرين: افتراس للأرض لا ينتهي، محاولات لربط العلائق التجارية بكل الموانئ، استخدام للإيديولوجية الدينية في التوسع العسكري، وإفلاس إيديولوجي يتجلى في حروب 1956م، و1967م، و1973م، ويبلغ الإفلاس أَوْجَهُ حين تكشف إسرائيل عن دورها الحقيقي في تونس، وفوق المفاعل الذري بالعراق، وفي حروبها في المنطقة، فإذا هي أجير أمريكي صغير، مجرد حاملة طائرات أمريكية، تحمل قوى مرتزقة، تموّن بالمعونات، وعملها الأساسي استنزاف قوى المنطقة،هل انتهت المقارنة الدينية؟
لم تنته بعد، فثمة أيضاً الحديث عن الإرهابيين المدنيين أيضاً، عن مئير كاهانا وحزبه أغودات إسرائيل، وعن الحاخام شلوموغورين، والنائبة عئولة كوهين، وأركان مجلس الحاخامين، وأعضاء غوش أمونيم، وحركة هاتحيا، وغيرهم ممن ينفخون في الرماد التوراتي ويعميهم دخانه ومثاره، إن دور هؤلاء جميعاً هو الحفاظ على الحقد الديني اليهودي في حالة الغليان؟! مقابل هذه المؤسسات كان للصليبين أيضاً مؤسسات دينية- عسكرية مماثلة، وهكذا نقرأ عن الداويّة، وعن الاستبيارية، والمؤسسات الصليبية المشابهة في إسبانيا..والدور هو الدور نفسه: تأييد اعتداءات الدولة على الأرض والناس، ومسحها بالممحاة الدينية، وإيجاد أيد أخرى بجانبها تحول التوراة إلى سيوف أو قنابل، وشيء من عمى غير قليل! ترى هل يتضح، بعد هذا كله، أن السبب الحقيقي وراء الصليبيات، أو وراء اليهوديات ليس هو الدين، ولكن الأطماع الدنيوية للمتاجرين بالدين؟ خامساً: ونعود إلى الصليبيات واليهوديات لنرى أن المشروعين إنما قاما على الدعاية المكثفة وعلى استغلالها الأقصى، ولقد طافت تدعو إلى الصليبيات مجموعات شتى من القسس والرهبان والتجار والمتشردين، كان جيش الدعاة الذي لا ينقطع يطوف أوروبا قرى وجبالاً وعبر الأنهار وفي عتمة الكنائس والغابات منهم: بطرس الراهب وسان برنارد، وجوسياس (رئيس أساقفة صور(وهرقل (بطريك بيت المقدس)، بل قام الدعاة من الأطفال، وقامت حملات من الأطفال بعشرات الألوف زحفت تريد تخليص القبر المقدس ببراءتها وحدها (ولو أنهم انتهوا بمساعي الصليبيين أنفسهم إلى أسواق النخاسة)، كانت الدعوة للصليبيات بضاعة رائجة، أليس هذا ما يفعله كهنة اليهود والربانيون في كل كنيس،والأصوليون الإنجبلبون، وما تقوم به الصحف اليهودية منذ مائة سنة؟ وكما استغل اليهود جهل العالم بالتاريخ وبالواقع الجغرافي ليحوروهما كما شاؤوا، ليلغوا آلاف السنين العربية من التاريخ في فلسطين، وليلغوا وجود الشعب الفلسطيني من الجغرافيا، ويرددوا مقولتهم: (أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض) وليجعلوا من البلد الصحراء فارغة، كذلك استغلت الدعاية الصليبية سُدوف الجهل الأسود في تلك العصور، فجندت في ما سموه بجهل الخيال المنتصر، كل القوى في اتجاهين: 1 - اتجاه يضع كل تراث الجهل والخرافة لدى الناس في خدمة الإيديولوجية المعلنة من الأساطير في السحر القديم، وجيوش الأشباح والموتى، والشياطين الشريرة، وقصص النجوم التي تتساقط من السماء، والشهب الملتهبة، ومعجزات الأطفال الذين يولدون بأطراف مضاعفة، والرعاة الذين يرون مدناً متألفة في السماء، والقسس الذين يشهدون سيفاً ضخماً تحمله الريح في الأفلاك، أو معركة بين فارسين يضرب أحدهما الآخر بصليب يرديه، وقصص النار والحساب والفردوس المقبل ونعيم الخلاص والغفران، وقصص الغنائم المنتظرة في الشرق الأسطوري، كل ذلك لإثارة حماسة الناس في الغرب حتى الحد الأقصى.. 2 - اتجاه يوجه هذه الدعاية كلها ضد عدو "شيطاني" الملامح: فالرسول الأعظم– صلى الله عليه وسلم - في منظورهم "ساحر هدم الكنيسة في إفريقيا والشرق بالسحر والخديعة"، وجعلوا من المسلمين وثنين، وعباداً لمجموعة من الآلهة والأصنام، ومحمد هو الصنم الرئيس؟!، وهو كبير آلهة الشرقيين "السراسنة" ([11])، تمثاله المصنوع من المواد النفيسة بالأحجام الهائلة، منصوب في أصبهان أو مكة، يرافقه 700 من مريديه! غربيو القرون الوسطى صدقوا هذا كله، وصدقوا معه ما يترشح لهم عن المسلمين من أنشودة رولاند ([12])، وأغاني الـGueste ، وروايات الحجاج الذين كانوا يعودون بالمبالغات والغرائب، لإضفاء الأهمية على مغامراتهم، ولإثارة الدهشة والإعجاب. وقد ثبت أن أصحاب الإيديولوجية الصليبية استخدموا في الاتجاهين: الكذب، وتزوير الوثائق، والمبالغات، إضافة إلى قصص الأحلام المقدسة والرؤى العجائبية، وكان لهم من سذاجة الناس وجهلهم ما يطمئنهم إلى النتائج. أليس هذا يا ترى ما فعلته اليهودية الصهيونية في الاتجاهين: فمن جهة استغلت كل موروث الغربيين من الحقد على اليهود في صيغة "اللاسامية"، لتضخيم الشعور بالاضطهاد لدى اليهود، ولدفعهم إلى التكتل حولها والهجرة إليها، فما زالت إلى اليوم تحاكم النازيين القدامى، وتتهم غيرهم، وتتقاضى من ألمانيا ثمن الجثث المحروقة في أوشويتز، وترفع العصا في وجه كل داعية إلى التعقل في الغرب باسم اللاسامية، وهكذا ضخمت الأساطير، وصاغت الروايات، وصنعت الأفلام وكتبت واستكتبت كل الأقلام المكنة، (وقد ذكرت صحيفة الشمس اليهودية في مصر أنها كانت تصرف لبعض كبار الكتاب والشعراء مبلغ مئة جنيه مصري ليتجنبوا الحديث عن اليهود واحتلالهم لفلسطين،(كالعقاد وطه حسين) بل إن أهل فلسطين طلبوا من أحد كبار الشعراء(_ شوقي !) قصيدة واحدة يرفع بها من معنوياتهم كقصائده التي قالها في الثورة السورية ودمشق، فما استجاب لهم؟؟!! وقرأت ذلك في سلسلة مقالات نشرتها صحيفة الأنباء الكويتية قبل غزو الكويت) وكررت مسكنة اليهود وعذاباتهم كل يوم، في كل إذاعة مسموعة أو مرئية، إنهم المضطهدون الوحيدون في العالم!! ومن الجهة الأخرى فمادام الناس يجهلون كل شيء عن فلسطين وتاريخها وناسها، فلماذا لا تصوغ اليهودية دعايتها في كل ذلك على ما تشتهي؟ سكانها العرب: تجاهلتهم أولاً بالإلغاء الكامل، ثم لحقتهم بالتهم حين ظهروا على سطح الأحداث فهم في أدبها "برابرة" أنذال، مخادعون، وأخيراً "إرهابيون" وعلى العالم كله أن يلاحقهم بالرصاص والإبادة، ألم تستخدم الكذب الدائم والمبالغات والتشويه وتزوير الوثائق؟ أي فرق في النتيجة بين ذلك التضليل الصليبي وبين التضليل اليهودي والأوروبي والأمريكي عن "قادة الإرهاب، ومصاصي الدماء، والقتلة العرب الفاسدين المفسدين في الأرض". الذين لا يهمهم في الحياة إلا القمار، والقتل، وجسد امرأة؟؟ أي فرق بين المهووس الصليبي القديم الذي جاء من أقصى الأرض يحارب "الشيطان" المسلم؟؟ وبين مئير كاهانا الذي يقول:"كيف نضع أيدينا بأيدي الأبالسة؟" أو أي فرق بين صورة "المسلم الوحش" في عيني الصليبي، وصورة العربي التي ينشرها اليهود في العالم عن العرب:"صورة النخلة والجمل في صحراء ينبع فيها بئر النفط، وأسنان العربي المكشر فوقها؟
سادساً: وتدفق الصليبيون على الشرق (سنة 490هـ - 1096م وما بعدها)وحين احتلوا القدس (سنة 493هـ/ 1099م)ذهب الصريخ إلى خليفة بغداد: يهز منبر المسجد الجامع ويكسره، ولكن يشكو هجوم "الروم" البيزنطيين! كانوا يجهلون أن العدو هم الصليبيون، مضت سنوات قبل أن يتبينوا أنهم صليبيون، وليسوا من الروم الذين اعتادت دول الإسلام سماع قعقعة السيوف معهم على الحدود كراً وفراً أربعمائة سنة، ودون طائل، لا أكثر من غزوات تنسحب بعد حين، أبداً ما انتهت يوماً إلى الاحتلال النهائي ولو هددت به. الشاعر أبو المظفر الأبيوردي، على طريقة الشعراء الذين تنفجر قوافيهم اليوم في الفراغ، صاح في قصيدة طويلة:
مزَجنا دماءً بالدموعِ السواجِمِ - فلم يَبقَ مِنَّا عرضةٌ للمَراحِمِ.
وَشَرُّ صلاحِ المرءِ دمعٌ يُفيضُهُ - إذا الحربُ شَبَّت نارُها بالصوارمِ.
فإيهاً بني الإسلامِ إن وراءكم - وقائعَ يُلحِقنَ الذُّرى بالمناسمِ.
أَتهويمةٌ في ظلِّ أَمنٍ وغِبطةٍ - وعيشٌ كَنُوَّارِ الخميلةِ ناعمِ.
وكيف تَنام العينُ ملء جفونها - على هَفَواتٍ أيقظتْ كُلَّ نائمِ.
وإخوانُكم بالشامِ أضحى مَقِيلهُم -ظهورَ المذَاكي أو بطونَ القَشاعِمِ.
تَسومُهُمُ الرومُ الهوانَ وأَنتمُ - تجُرُّونَ ذيلَ الخفضِ فِعْلَ المُسالِمِ.
وكم من دماءٍ قد أُبيحتْ ومِن دُمَىً - تُوارِي حَياءً حُسنَها بالمَعاصِمِ.
وتلك حروبٌ من يَغِبْ عن غِمارها - لِيَسلَمَ يَقْرَع بعدَها سِنَّ نادِمِ.
أَترضى صناديدُ الأعاريب بالأذى - ويُغضِي على ذُلٍّ كُماةُ الأَعاجِمِ.
فَلَيتَهُمُ إذ لم يَذُودوا حَمِيَّةً - عن الدينِ، ضَنُّوا غِيرةً بالمحَارِمِ.
وإن زَهِدُوا في الأَجر إذ حَمِيَ الوغى - فَهَلَّا أَتَوْهُ رغبةً في الغنائمِ.
دَعوناكُمُ والحربُ تَرنُو مُلِحَّةً - إلينا بألحاظِ النُسورِ القشاعِمِ.
تُراقِبُ فينا غارةً عربيةً = تُطِيلُ عليها الرومُ عَضَّ الأَباهِمِ.
وغابت القصيدة والعشرات من أمثالها في المستنقع الكبير. كانت قوى المنطقة تجهل من هو العدو الذي تحارب؟؟!! صحيح أن القدس السلجوقية بعيدة المرمى، ولكن السيف الصليبي كان ثقيلاً جداً وقاطعاً جداً، ولم يعرفه المحاربون في المشرق من قبل، وحين تبينوا الواقع كان الصليبيون قد استقروا. أليس هذا هو جو المستنقع الأخرس الذي تعيشه القضية الفلسطينية اليوم، جو البكائيات دون دموع، والصياح في غرف كتيمة من البلور، في حين يقوم في القدس عجل ذهبي له خوار، يأكل عيون الأطفال حتى في بيروت!! ألسنا نقول تلك القصيدة الأولى اليوم ألف مرة وبألف لحن؟ على الجانب الإفرنجي كان الأمر بالعكس، اعتبر الكثيرون في الغرب نصر الصليبين نصراً للكتاب المقدس ونبوءاته، تماماً كما يعتبر ذلك اليهود والإنجيليون الصليبيون، وتشجع الكثيرون على أن يسلكوا سبيل الشرق حُجاجاً، محاربين، تجاراً، باحثين عن الثروة، فهم على كل شراع، كلهم كان يعتبر الاحتلال الصليبي نهائياً، والتوسع فيه أمراً مقضياً، الجيل الثاني من الصليبيين الذي نشأ في البلاد أخذ يكتب ما كتبه المؤرخ اللاتيني فولشير أوف شارتر:" فيم يتعجب المرء من أن الله يظهر المعجزات في السموات، في حين أنه أتى بمعجزة على الأرض نفسها بتحويله الغربيين إلى شرقيين.. ومن كان من روما من قبل، قد أصبح جليلياً من أهل فلسطين أو من صور، نسينا أوطاننا الأصلية، وأولئك الذين كانوا من قبل أجانب قد أصبحوا أهالي البلد، ومن كانوا فقراء أصبحوا يمتلكون هنا ما لا يحصى، فلم يرجع المرء إلى الغرب بعد أن وجد الشرق صالحاً إلى هذا الحد؟ إن الله لا يريد لأولئك الذين حملوا الصليب (ونستطيع أن نضع بدل هذه الكلمة اليهود) أن يقاسوا حتى النهاية: إن الله يرغب أن يغنينا لأننا من أعز أصفيائه". أليس هذا هو ما يكتبه اليوم بألف شكل ولسان كتاب اليهود؟!
سابعاً: يُطنب المؤرخون ويعيدون ويُبدون في سبب النصر الصليبي الأول الذي بدأ عند إنطاكية سنة 1097م، وانتهى باحتلال القدس سنة 1099م، ويذكرون أن تمزق القوى في المنطقة هو الذي سمح للصليبين بالنصر،(وهذا ما يفعله الصليبيون واليهود حاليا في المنطقة العربية لتبقى مجزأة أمام التكتل الصليبي اليهودي وبيَّنه الصحفي الهندي كارانجيا صديق عبد الناصر في كتابه: خنجر اسرائيل؟؟!!) ما في ذلك أي شك، وحين يكون رضوان صاحب حلب، أخا لدقاق صاحب دمشق، ويكون في الوقت نفسه أعدى أعدائه؟! وحين يتصيد الفاطميون في مصر انشغال دقاق مع الصليبين في الشمال لينقضوا على القدس فيأخذوها؟! ويكون صاحب إنطاكية رقيباً للسلطان علي صاحب حلب، وينفرد أمير شيرز بشيرز، وابن ملاعب بحمص، والقاضي ابن عمار بطرابلس، وبعضهم لبعض عدو، فماذا تنتظرون إلا انهيار الجميع، قوى متفرقة أمام الموجة الغازية؟ ومن عجب أن تكون القوى التي تصدت للصليبين في غزوتهم الأولى سبع قوى، وتكون الدول التي وقفت لموجة الاحتلال اليهودي بدوره سبع دول!!؟؟ على أن المؤرخين ينسون أن يضيفوا أن حائط الدم قام منذ اليوم الأول بين هذه القوى- على تفرقها- وبين الفرنجة، امتد كاللعنة الأبدية من إنطاكية إلى المعرّة، حتى وصل ساحة المسجد الأقصى، حيث خاض الصليبيون في آلاف الجثث وسواقي الدماء! وقد ظل هذا الحائط يتكاثف على الدوام، ويرعف على الدوام مع المعارك الدائمة، أضحى سوراً خانقاً حول الإمارات الإفرنجية، أبداً ما صفا قلب أحد لها ولا نسي الدماء أحد، أليس حائط الدم نفسه يقوم اليوم حول المنطقة المحتلة؟ يحولها إلى "غيتو" كبير رغم الخروق التي فتحتها فيه السياسة الخرقاء!؟ الفيتو الصليبي انهزم في النهاية، أما الفيتو اليهودي فهل تنجده يا ترى هذه الخروق؟؟ قوى المنطقة أقامت قاعدة المقاومة الصلبة للصليبين فيها على النهب والعزل والتطويق، تماماً كما تطوق الكائنات الحية الأجسام الغريبة حتى تنفقئ كالدمامل، صحيح أن التجارات كانت تسير دون عائق، عابرة آمنة، ولكن صحيح أيضاً أن ذلك لم يؤد إلى أي تقارب فكري أو ثقافي من الطرفين، حتى اليهود سجلوا أن الحوار بين الصليبيين وأهل البلاد كان "حوار الطرشان"، والعلاقة الوحيدة كانت علاقة المصلحة المادية المباشرة، ظلت الخلية الصليبية المتموضعة على الساحل الشامي، غريبة في لسانها، في عقيدتها، في نظام حكمها الإقطاعي، في رجالها ونسائها، بل في عادات الطعام والشراب فيها، ربما كانت سياسة العزل متبادلة من الجانبين، لكن النفي الإسلامي للصليبيين كان هو الأول والأقوى والأصلب، لأنه الأقوى حضارياً والأعمق ألماً، إلى أن جاء الوقت في حطين وما بعدها، فإذا بالمحتلين الصليبين قشرة تسقط وتزول كأن لم تكن!! المحتلون الصهيونيون تنبهوا مبكرين إلى هذه الخطيئة الصليبية المميتة، أما ترون أن كل همهم كان، حتى قبل سنة 1948م، أن يصبحوا جزءاً من المنطقة؟ أن ينتصروا على "لاءات" الخرطوم الثلاث؟؟؟؟، أن يمرروا التطبيع؟ أن تعترف المنطقة بهم؟!!ولكن هيهات !!
ثامناً: اعتمد الفرنجة في توطنهم على المعونات مما وراء البحر: الأسلحة، الرجال، الأموال، الطاقات البشرية كانت دوماً تأتيهم على الأشرعة، حتى الكهنة والنبلاء والتجار، المدد البشري لم ينقطع، ومعظمه من الشباب المحاربين، أوروبا الغربية كلها كانت تصب في هذا المشروع ليعود عليها بالخيرات، ولينعم أصحاب النذور والهبات والتطوع بالفردوس الآخر! ريتشارد قلب الأسد بحث عمن يشتري منه لندن لينفق أموالها في الحرب ضد صلاح الدين– رحمه الله -، الأمراء والملوك كانوا يأتون بثرواتهم وثروات أتباعهم لينفقوا منها على الحرب، ولم تكن موارد أجزاء من الشام أو من مصر تكفي كما هي اليوم، حرب حاسمة أو ناجحة على الأقل ضد الجماعة المحتلة، إلى أن استطاعت إمبراطورية صلاح الدين أن تقيم التوازن في الموارد، وبالتالي في القوى بينها وبين الفرنجة، ولم تكن هذه الموارد ضخمة على أي حال، بدليل أنها شحت بعد الفتوحات الأولى، وقصرّت عن إمداده في المراحل اللاحقة، وجفّ الذهب عنده، فلم يعد يضرب الدنانير ولكن الدراهم، وهو ما أبقى الصليبيين في صور، ثم في عكا وفي الساحل مائة سنة أخرى. ألستم ترون أننا ونحن نتحدث عن الحروب الصليبية، إنما نتحدث أيضاً عن الحروب اليهودية، وعن مليارات الدولارات التي تصب سنوياً في المشروع اليهودي؟ ويبقى في هذا المجال أمر أخير لا بد من ذكره، هو التمويل اليهودي للصليبيات، يهود أوروبا ومن باب الربا، ساهموا في تمويل الصليبين، الأمراء والملوك، وبخاصة حين فترت الحماسة الصليبية الأولى، وفرضت ضريبة صلاح الدين في أوروبا لإيجاد الموارد التي شحت، كانوا يلجأون إلى الاقتراض من المرابين اليهود، وكما غطى أغنياء اليهود في حروب سنة 1948م ثم سنة 1967م ثم 1973 م ما تكبدته عصابات اليهود من نفقات، كان المرابون يغطون بعض تكاليف الصليبيات المتأخرة من الثالثة حتى الثامنة.. وحين فشلت الصليبيات الفشل النهائي، انصبت النقمة في أوروبا على اليهود! لا انتقاماً للفشل فقط، ولكن لأكل الديون أيضاً، وانضاف هذا السبب إلى السبب التاريخي القديم الذي يتهم اليهود بصلب المسيح، ليشكلا معاً النواة الأولية للعزل اليهودي في أوروبا كلها. لم يدرك المرابون اليهود منذ مطلع القرن التاسع عشر للميلاد أنهم غدوا مكروهين في المجتمعات الأوروبية، وخاصة بعد اغتيال قيصر روسيا ألكسندر الثاني سنة 1881م على يد اليهود الروس، وترتبت على هذا الاغتيال المذابح الكبيرة التي نزلت عليهم، ما دفعهم للهجرة إلى أوروبا، فأثقلوا كاهلها، وهنا ذهب الأوروبيون للبحث عن حلول للخلاص من الوجود اليهودي على الساحة الأوروبية؛ إدراكاً منهم لخطرهم على المجتمعات التي ينزلون فيها، وكانوا لهم كارهين، فهم - أي الأوروبيين - لا ينسون ما أثقل الربويون من اليهود دولهم من مديونيات ربوية، تم لهم فيها تمويل الحروب الأوروبية، حيث زادت النقمة عليهم، إضافة لعقيدة الثأر التاريخي النصراني القديم الذي يتهم فيه النصارى اليهود بقتل السيد المسيح- عليه السلام-، فقصدوا حل مشكلتهم الأوروبية مع اليهود على حساب غيرهم، فضربوا اليهود بالعرب والمسلمين.([13]) وشبح حطين كما يلاحق اليهود اليوم يلاحق الأوروبيين، وخوفهم من عودة اليهود ثانية لأوروبا، وما ذلك على الله بعزيز.
تاسعاً: وقد قام المجتمع الصليبي الخليط على طول الساحل الشامي، أسقف فرنسي معاصر للصليبيات يقول عن المجتمع الغربي إن "بيت الرب ذو جوانب ثلاثة، فبعض يصلي فيه، وبعض يحارب، وبعض يعمل". هذا المجتمع الغربي الإقطاعي نفسه هو الذي تشكل في الشام في ثالوث، ضلعاه: الذين يحاربون، والذين يصلون، وقاعدته الذين يعملون، بل كان المحاربون (النبلاء) والمصلون (الكهنة)جناحين عسكرياً ودينياً لطبقة واحدة تقود المشروع الصليبي!!. أليس هذا يا ترى وضع الجماعات اليهودية الصهيونية المحتلة، جماعة تحارب، وأخرى تهز أجسادها جيئة وذهاباً وراء التوراة، وتضرب رؤوسها بحائط البراق الذي يسمونه حائط المبكى !!؟ وجماعة ثالثة تعمل في الأرض والمصانع؟!! قد يكون الفرق في وجود طبقة رأسمالية إضافية في المجتمع الصهيوني اليهودي الحديث، ولكن أليست هذه الطبقة امتداداً للطبقة الغربية نفسها، والجزء المكمل لها، والإفزاز الطبيعي للتطور الغربي الحديث نفسه؟ وكما بقيت في فلسطين تحت الاحتلال قوى عربية واسعة، تتمسك بالأرض، والزيتون والزعتر، ومزراب العين، كذلك بقيت تحت الحكم الفرنجي طبقة عربية مسلمة تملأ الريف الفلسطيني، يستثمر جهدها الرجل الإفرنجي (كما يستثمرها اليوم المغتصب اليهودي) تحت رقابة الفرنجة، ولا تستطيع حتى الهرب من القرى، وكما للعرب اليوم مقاومتهم وتحركاتهم الجماعية والفردية ضد المحتلين، كذلك كانت لأجدادهم الأولين في تلك الأرض مقاومتهم، في نابلس وقراها، والناصرة وتوابعها، ومن أعجزه الأمر خرج مهاجراً لمتابعة مقاومته من الخارج، ونواة حي الصالحية في دمشق إحدى نتائج الهجرة من "جماعيل"(وتنطق حاليا جماعين) إحدى قرى نابلس أواسط القرن الثاني عشر، في أوج القوة الصليبية. وإننا لنستطيع أن نرى التشابك الصليبي اليهودي على مستوى آخر: فطبقة العاملين في قطاع العمل في الأيام الفرنجية، كانت تتشكل من المسلمين ومن أفراد الطوائف المسيحية غير الغربية، ومن فقراء الغرب، في حين يحتكر النبلاء والكهنة السيف والكتاب المقدس..
أليس هذا هو الوضع اليهودي الذي يعمل فيه في قطاع العمل، العرب واليهود الشرقيون وفقراء المهاجرين؟ في حين ينعم أمراء الإشكنازيم بالحكم، وقيادة الجيوش، وتفسير التلمود؟
عاشراً: اعتمد الصليبيون السابقون واليهود اللاحقون على السواء أسلوباً واحداً في التشبث بالأرض، وفي التوسع عند الإمكان، القلاع التي نثرها الفرنجة على جميع المعابر إلى المنطقة المحتلة، قابلها الصهيونيون بقلاع عسكرية من مثلها ترونها في أنواع المستعمرات التي زرعوها على طول الحدود، وفي داخل البلاد وكل منها مسلحة كاملة، وكما كان المحاربون القدماء يعيشون على أراضي الزراعة حولهم، يعيش المحتلون الجدد محاربين مزارعين في المستعمرات الجديدة، وكما كانت القلاع الفرنجية في القديم تتوزع بين منظمات الداوية والاسبتارية والملك والإقطاعيين، نجد المستعمرات الصهيونية موزعة بين الأحزاب والمنظمات الإرهابية
حادي عشر: منذ الأيام الأولى للتموضع الصليبي في القدس، لم تكن الموانئ الشامية وحدها هي الهدف، بل كانوا يحتلونها واحداً بعد الآخر، الأساطيل التجارية الإيطالية وضعت كل ثقلها لاحتلالها، لكن عينها وعين مملكة القدس الصليبية معها كانتا على مصر وعلى "العقبة"، مَصَبَّي طرق التجارة العالمية إلى المتوسط، حاولوا احتلال مصر مرات حتى سبقهم إليها نور الدين وصلاح الدين، بنوا قلعتين في الطريق إلى أيلة بشرقي الأردن، وبنوا قلعة في جزيرة فرعون بخليج العقبة بالقرب منها، أقاموا إمارة في الكرك تسلمها قبيل حطين فارس من أعتى فرسانهم: أرناط المعروف الذي حاول بمشاريعه البحرية السيطرة على البحر الأحمر حتى عدن، كما حاول الوصول إلى المدينة، وكان من الأسباب المباشرة لموقعة حطين؟
ثاني عشر: حرص الفرنجة الصليبيون منذ أيامهم الأولى حتى أيامهم الأخيرة على إبقاء التمزق السياسي قائماً في المنطقة؟؟!! كان كنزهم الثمين، وحرصوا أكثر من هذا على عقد هدنة مع كل طرف على حدة: مع إمارة دمشق، مع إمارة حلب، مع أمراء الجزيرة، مع مصر التي ظلت تحتفظ بعسقلان في أقصى الجنوب الفلسطيني خمسين سنة تماماً، كما احتفظت مصر في العصر الحاضر بقطاع غزة؟؟!! البند الأساس في هذه الهدنات: فتح طرق التجارة والسبل الآمنة، هل يذكرنا هذا بشعار "التطبيع" اليوم؟ وبما تحاوله السلطات اليهودية من العلاقات مع مصر؟ ومع غير مصر؟ الفرنجة في القديم كانوا كذلك يفعلون، ينفردون بالإمارات في المنطقة، يضربونها الواحدة بعد الأخرى ضربات خاطفة صاعقة، أو يهادنونها واحدة واحدة ! كانوا يعرفون أن في لقائها بعضها مع بعض!! نهاية المشروع المهووس، يخشون هذا اللقاء خشيتهم للموت لأنه الموت! ألم يكن ذلك في حطين؟ ألسنا نرى استماتة إسرائيل منذ بن غوريون وشاريت إلى بيريز، وشامير، والنتن ياهو، في المطالبة بالمفاوضات الفردية والمباشرة؟ ورعبها من أي لقاء بين دولتين، لقد جرت بعض هذه اللقاءات في القديم، أمير الموصل مودود اتفق مع أمير دمشق طفتكين وواقعا الفرنجة، فكانت لحظة من أخطر لحظات المملكة الصليبية، وأمير دمشق اتفق مع أمير حلب، على ما بينهما من تباين، فتمكنت الإمارتان من الوقوف يومذاك، وحارب معها أمام غزة، كما دافع عن ثغرها (صور) بجنده وماله، لكنها كانت اتفاقات عابرة غير واعية، ألا تذكرنا هذه المحاولات بمحاولات الوحدة بين سورية ومصر، أو بين سورية والدول العربية الأخرى؟ وكان أقصى ما تتمناه مملكة القدس أن تعقد الصلة مع إمارات الشام ودمشق بالذات، لقد أفشلت الحملة الصليبية الثانية كلها، لتبقى لها دمشق التي كانت تهادنها، وعقدت معها حلفاً منفرداً استمر قرابة اثنتي عشر سنة هو "كامب ديفيد" الزمن القديم، الذي أنهاه نور الدين محمود بتحرير دمشق من الأمير المتحالف، لقد ظلت مملكة القدس تلعب على حبال التفرقة، حتى سقطت بين الحبال!
ثالث عشر: أضاع العرب المسلمون، أيام الفرنجة، فرصاً ذهبية لإنهاء الوجود الاحتلالي الإفرنجي، ارتسمت حطين عشرات المرات في الأفق قبل حطين الأخيرة بزمن طويل، قصر النظر السياسي وحده هو المسؤول عن عدم اغتنامها، السنوات التسعون التي انقضت بين سنتي 492هـ (سنة الاحتلال) وسنة 583هـ (سنة التحرير) شهدت مئات المعارك كما شهدتها مثلها مائة سنة أخرى من بعد، وبعضها في عنف حطين ونصرها الحاسم، أولى هذه الفرص كانت أمام إنطاكية عشية وصول الفرنجة إلى الشام، دخلوا أنطاكية الفارغة من المؤن وهم حوالي مائة ألف، وبعد ثلاثة أيام فاجأهم الحصار الإسلامي بستة جيوش فدب فيهم الجوع حتى أكلوا النعال والجلود وعشب الأرض، وبادر الكثير منهم بالهرب، حتى الداعية بطرس الراهب! ثم خرجوا بهجمة واحدة يائسة، فلم يحاربهم أحد من الجيوش المتربصة حولهم واكتفوا بالفرار، كانت هذه المعركة هي التي أدت إلى التوطد الصليبي وإلى احتلال القدس! هل يذكركم هذا بحرب سنة 1948م؟ وبعد أشهر من الاحتلال والمذابح، تحمل الفرنجة عائدين إلى بلادهم، لقد أدوا مهمتهم، لم يبق في فلسطين كلها سوى ثلاثمائة فارس وألفي محارب، ولم تستفد من هذه الفرصة مصر، وكانت تستطيع أن تسوق فيما يذكرون ثلاثين أو خمسين ألف فارس، ولم تستعملها دمشق وكان لديها عشرة آلاف فارس، كل ما صنعه طفتكين أتابك دمشق أنه ذهب في كواكب من فرسانه إلى طبرية فأخذ منها مصحف عثمان فدخل به دمشق في موكب حافل وأغلق الأبواب ! !؟ ومرت فرص بعد فرص من هذه اللحظات الحرجة أضاعها المصريون، كان أخطرها حملة مايو/أيار سنة 1102م التي سحق فيها الفرنجة عند الرملة، فاختفى ملك الفرنجة الهارب في أَجَمة قصب أحرقها المسلمون فلحقته النيران، والقدس فارغة دون حامية، ولكن النجدات الغربية التي وصلت على المراكب قلبت الميزان، هل تذكرون قصة حرب 1973 م والجسر الجوي الأمريكي وثغرة الدفرسوار؟. أخطر تلك الفرص كانت معركة الأقحوانة جنوب طبرية ([14]) سنة 507هـ/1113م، أربع عشرة سنة بعد الاحتلال، التقى جيشا دمشق والموصل مع الجيوش الفرنجية قرب حطين، وتراءت حطين نفسها في المعركة، بحيرة طبرية اختلط فيها الماء بالدم حتى امتنع الشرب منها أياماً، وحشر الجيش الفرنجي محاصراً مهزوماً في الجبال شهرين بجرحاه وأثقاله لا يجرؤ على الحركة، لم يكن في كل مملكة فلسطين من حامية، ووصلت طلائع الجيش الإسلامي حتى مشارف القدس، ودانت لهم البلاد بالطاعة، ثم خشي أمير دمشق أن يختطف منه أمير الموصل إمارة دمشق؟!! فأقنعه بالعودة واستئناف القتال في الربيع القادم، ولم يأت هذا الربيع أبداً لأن الأمير الموصلي قتل. أخطرها في هذه الفرص القديمة الضائعة أن الثمن الذي كان سيدفع فيما بعد كان دوماً أغلى فأغلى، أليس هذا هو قدرنا اليوم مع الاحتلال الصهيوني: الفرص دوماً تضيع والثمن دوماً يرتفع؟؟؟ رابع عشر: المقاومة الإسلامية للفرنجة لم تتبلور التبلور السريع لأسباب عديدة، كانت تتصاعد حالاً على حال، مع ازدياد اندماج المنطقة ووعيها للكارثة، المعارك التي استمرت تسعين سنة أفرزت الكثير من البطولات، كما سفحت على التراب الكثير من الشرايين، في حين كان الحزن يعشش أكثر فأكثر في الصخور والعيون، من هذا الصمود صاغت المنطقة عشرات الرجال، وكان لكل منهم "حِطِّينه" على مقداره، كل منهم ضرب سيفاً في حطين المقبلة ولو لم يحضرها.. هي أسماء كثيرة لا يذكرها أحد، ولكنهم كانوا الشرط الأساس لظهور صلاح الدين، لقد كانوا ربيع السيوف الذي برز منه عماد الدين زنكي ([15]) الرائد الأول لقيادة المسلمين إلى قتال الصليبيين في العراق وغيرها من الحدود المتاخمة لهم، ثم تبعه - ولكن بصورة أشد وأشرس - القائد الرباني " نور الدين بن زنكي" ([16])،، وهو الذي صنع منبراً للمسجد الأقصى الأسير، متفائلاً وموقناً بنصر الله للمسلمين، ثم توجت هذه الانتصارات بالقائد المظفر البطل صلاح الدين الأيوبي الذي وحَّد الجبهتين (المصرية والشامية) ضد الغزو الصليبي المتمركز في تلك البلاد حتى انتصر عليهم في المعركة الفاصلة (حطين) سنة 583ه- 1187م. وإذا كان صلاح الدين وحده يخرج من الأسطر، ويفرض نفسه على الذاكرة والتاريخ، فإنه بكل تأكيد، لم يخرج وحده من عتمة الإنهزامية والسكون، ما كان ممكناً أن يخرج لولا)أكثر من صلاح الدين) الذين سبقوه، كان لا بد أن يوجد السابقون الذين انطفأوا في مستنقع السلبية والتمزق، ليوجد صلاح الدين من بعدهم محرراً أخيراً، أليس في سجل الصمود اليوم عشرات الأسماء التي تسجل في انتظار حطين المقبلة؟
خامس عشر: كانت عملية تحرير فلسطين من الفرنجة من عمل مصر والشام بالذات، وكان شمال العراق هو العمق الاستراتيجي للعملية، ويبدو أن المنطق الجيو- بوليتكي لا يزال قائماً، ولا تزال عملية التحرير من مهمات هذه المنطقة بالذات قبل غيرها، وإن كان منطق العصر لا يكتفي بها، ويدخل في التحرير ما لا ينتهي من العناصر الأخرى، على أنك تستطيع أن تفهم لماذا ارتجفت أركان إسرائيل والدول التي تستخدمها للوحدة التي قامت سنة 1958م بين مصر وسورية، لقد رأت فيها- كما ظلت ترى في كل مشروع وحدوي- بداية النهاية، إنها إنما تقوم على تمزق المنطقة وفتاتها؟؟ الضباع لا تعيش إلى على الجيف!! وهي تفهم هذا الدرس جيداً، بقي أن نعي نحن بدورنا هذا الدرس سادس عشر: وأخيراً كانت حطين، لكنها لم تكن إلا بعد أن وجدت عاصمة ومركزاً ديناميكياً لها في دمشق، وقيادة واعية ملهمة، وقوة موحدة ساحقة، وعمقاً استراتيجياً وراءها، وموارد تدفع ثمن الدماء وإعداداً سياسياً طويلاً مضنيا، ولن تكون حطين الأخرى إلا إن وجدت مثيل كل ذلك، وعلى مقياس العصر..... ونعرف أن الدنيا الدولية كبرت جداً، وتعقدت مصالحها المشتبكة، وأن الأسلحة اختلفت حتى جهنم الذرة، وأن الأفكار والإيديولوجيات تطورت، وأن حطين المقبلة سوف تكبر بهذا المقدار نفسه لتكون نصراً! ! قد تكون قطعة من جهنم أو أشد عذاباً، وقد لا تكون حطين واحدة حاسمة، ولكن سلسلة حطينّات، وقد تدخل تيه التعقيد الدولي، فلا تكون بيننا وبين االيهود فحسب، ولكن مع القوى التي توظفها أيضاً، وقد لا تكون في ذلك المثلث المقدس من تراب اليرموك- حطين- عين جالوت، وقد تلعب بها التكنولوجيا الحديثة لعباً ما عرفه العالم قط من قبل، وقد تختلط فيها الرؤى فما "يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر". وإذا احتاجت حطين الأولى إلى صلاح الدين وصحبه، يعدون لها ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل، ومن الإعداد الدولي، والدبلوماسي، ومن الموارد الاقتصادية ومن الخطط التكتيكية، ويخوضون المعركة بسنابك تقدح الشرر، وأشلاء ممزقة على الوديان، ونيراناً تحصد الوجوه، وسيوفاً تبصق الدماء، إلا أن كل ذلك ليس أكثر من لعبة أطفال أمام ما يجب لحطين المقبلة!!؟ أعرف كل هذا الرعب المنتظر، وأعرف أبعاده المأساوية، ولكني إنما أفسر اهتمام اليهود بالصليبيات، ودوافع هذا الاهتمام خارج إطار العلم والعلماء، لأَصِلَ إلى معرفة السر وراء احتفال إسرائيل أيضاً بحطين.([17])ونعود إلى التشابه بين المشروعين الصليبي والصهيوني، التشابه الذي ليس ينقصه إلا كلمة الختام: حطين.. ([18]) ولتكن حطين حلماً، إن المشاريع الإنسانية الكبرى إنما بدأت أحلاماً، وليكن الطريق إلى حطين مفروشاً بنيران جهنم، فلا خيار لنا في عدم سلوك هذا الطريق.)كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(البقرة/ 216) وقال سبحانه: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 142) ([19])
[1]- إن حطين الثانية على الأبواب..إنها حقيقة تصرخ في قلوب المؤمنين أن نصر الله آت. وأن وعد الله حق. وأن وعد الآخرة سيشرق فجره. وسندخل المسجد الأقصى كما دخلناه أول مرة. تحت رايات التحرير والنصر. رغم أنف أناشيد الاستسلام. التي باتت زبدا طافيا سيذهب جفاء. أما الجهاد والاستشهاد. أما تحرير القدس..ودحر الغزاة. فهو آت لا ريب فيه. يحسبونه بعيدا ونراه قريبا [[.. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) ]] (الاسراء)
[2]- وقد جاء في مجلدين، وتم نشره سنة 1962م.
[3]-.لماذا يشكك اليهود وذيولهم في مكانة ومكان المسجد الأقصى عند المسلمين؟
لا شك أن هذا التشكيك هو في دائرة المؤامرة لهدم المسجد الأقصى المبارك، وليبني الصهاينة مكانه معبدهم المزعوم: «هيكل سليمان»! ولقطع الرابط بين فلسطين وبيت المقدس ومسجدها الأقصى المبارك.
فقد أصر اليهود على التشكيك في كل ما جاء في الكتاب والسنة حول فضائل المسجد الأقصى المبارك ليقولوا - كاذبين - بأن القدس لا مكانة لها، ولا رابط ديني بينها وبين الإسلام والمسلمين؟! وأن المسجد الأقصى هو مسجد آخر غير مسجد القدس، هو مسجد في السماء! (كما يقول بعض الشيعة وبعض المستشرقين اليهود) أو في الجِعِرَّانة، فقد ساءهم تعلق المسلمين بمحبته والنظر إليه؛ فعملوا على تقويض إجماع المسلمين على قداسة مدينة القدس، وتعظيم حرمتها في الإسلام، وهز مكانتها في نفوس المسلمين، تمهيدا لوعد ترامب (الرئيس الأمريكي) كي يصدر وعده لأحقية اليهود بالقدس، وتمهيدا لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم؟؟!!..وقد بدأ المستشرق اليهودي المجري جولد زيهر( 1850 - 1921 م) هذا المسلسل منذ وقت مبكر بتشكيك المسلمين بمكان ومكانة المسجد الأقصى.. وللداهية الذي يصف نفسه بالداعية وهو: عمرو خالد.. كلام مريب عن داود – عليه السلام – وبنائه للمسجد الأقصى...؟! فقال في محاضرة منشورة على (اليوتيوب /mp4): (أن الله تعالى أمر داود – عليه السلام – ببناء مسجد قائلا: يا داود لي في هذا المكان مسجد عظيم، وأنت نبيي الآن في الأرض، يا داود أعد بناء مسجدي العظيم، كان مكانه بيت راجل يهودي؟!! مكانش أرض فضاء؟؟!! كان في راجل يهودي يملك هذا البيت فاشترى داود هذا البيت من اليهودي وبنى البيت؟؟!!) يعني: أن من بنى المسجد الأقصى هو نبي الله داود في مكان بيت رجل يهودي، وأن من أكمل بناء المسجد هو نبي الله سليمان؟! وهذا القول يدعم قول اليهود أن هيكل سليمان يقع تحت المسجد الأقصى ولهم الحق في هدمه لبناء الهيكل المزعوم؟؟!!
وهو كاذب في زعمه هذا..فقد ورد في التوراة: "فكلم ملاك الرب جاد أن يقول لداود أن يصعد داود ليقيم مذبحاً للرب في بيدر أرنان اليبوسي. (أرنان اليبوسي العربي وليس رجلا يهوديا يا...) (- وتعنى كلمة بيدر: المكان الذي تدرس فيه الغِلال (من قمح وشعير)، وعند المصريين يسمى: جُرُن ) فصعد داود حسب كلام جاد الذى تكلم به باسم الرب. فالتفت أرنان فرأى الملاك. وبنوه الأربعة معه اختبأوا وكان أرنان يدرس حنطة. وجاء داود إلى أرنان فرأى داود وخرج من البيدر وسجد لداود على وجهه إلى الأرض. فقال داود لأرنان أعطني مكان البيدر فأبنى فيه مذبحاً للرب. بفضة كاملة أعطني إياه فتكف الضربة عن الشعب. فقال أرنان لداود خذه لنفسك وليفعل سيدى الملك ما يحسن في عينه.... ودفع داود لأرنان عن المكان ذهباً وزنه ستمائة شاقل( أخبار الأيام الأول، 21: 18- 26. ). وورد في موقع آخر بالتوراة "وشرع سليمان في بناء بيت الرب في أورشليم في جبل المريا حيث تراءى لداود أبيه حيث هيأ داود مكاناً في بيدر أرنان اليبوسي(أخبار الأيام الثاني، 3: 1 – 3.). وفى موضع آخر "فجاء في ذلك اليوم إلى داود و قال له أصعد وأقم للرب مذبحاً فى بيدر أرونه اليبوسي. فصعد داود حسب كلام جاد كما أمر الرب. فتطلع أرونه ورأى الملك وعبيده يقبلون إليه فخرج أرونه وسجد للملك على وجهه إلى الأرض. وقال أرونه لماذا جاء سيدى الملك إلى عبده. فقال داود لأشترى منك البيدر لكى أبنى مذبحاً للرب فتكف الضربة عن الشعب. فقال أرونه لداود فليأخذه سيدى الملك ويٌصّعد ما يحسن فى عينيه. أنظر. البقر للمحرقة والنوارج وأدوات البقر حطباً. الكل دفعه أرونه المالك إلى الملك. وقال أرونه للملك الرب إلهك (تعنى هذه الكلمة أن أرونه لم يكن على دين من يحدثه وهو داود – عليه السلام - يرضى عنك. فقال الملك لأرونه لا. بل اشترى منك بثمن ولا أصعد للرب محرقات مجانية. فاشترى داود البيدر والبقر بخمسين شاقلاً من الفضة. وبنى داود هناك مذبحاً للرب وأصعد محرقات وذبائح سلامة واستجاب الرب من أجل الأرض فكفت الضربة عن اسرائيل(صموئيل الثاني. 24: 18- 25. وقد ورد هنا أن ثمن البيدر والمكان كان خمسين شاقلاً من الفضة، بينما ورد فى السطور السابقة أن ثمن المكان كان ذهباً وزنه ستمائة شاقلاً) مما يدل على تناقض التوراة؟!!.
فما دام مكان البيت ليهودي إذن هم أولى بالبيت ومكانه الذي اشتروه من اليهودي؟؟ ثم افترى اليهودي المعاصر مردخاي كيدار مدرس التاريخ في جامعة بار إيلان في حيفا المغتصبة،أن المسجد الأقصى ليس في القدس إنما هو عند الجعرانة قريبا من المسجد الحرام؟؟! وهو نفس الرأي الذي تبناه المستشرق الصهيوني نيسيم دانا، رئيس وحدة العلوم الاجتماعية في جامعة أرئيل الاستيطانيّة الذي قال بأن الأقصى ليس في القدس، بل على طريق الطائف في الجِعِرَّانة، وتابعه في ذلك ذيوله كيوسف زيدان، ومصطفى راشد، وغيرهما من بعض الشيعة، ممن فتحت لهم وسائل الإعلام المرئية والفضائيات ليرددوا هذا الكلام المشبوه، لضرب الوازع الديني وهزِّ مكانة الأقصى في نفوس المسلمين.. (وضَعْ عبارة الشيخ الزعبي يفضح يوسف زيدان على جوجل، ويظهر لك فيديو لمردخاي كيدار يقابله فيديو ليوسف زبدان وهو يردد ما يقوله كيدار؟؟!!)
ثم تكلم اللواء جبريل الرجوب- أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح؟؟!!، ورئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم؟!! في مقابلة له مع القناة الثانية الاسرائيلية؟؟ (حائط البراق له مكانة وقدسية لدى الشعب اليهودي، وعليه يجب أن يبقى تحت السيادة اليهودية، فلا خلاف على ذلك.) (وباع دماء شهداء البراق عطا الزير – فؤاد حجازي – محمد جمجوم- بثمن بخس كما باع الأسرى الذين كان يعتقلهم في مقره في بيتونيا؟؟) ثم قال: وفي المقابل، فإن المسجد الأقصى وساحاته حق خالص للمسلمين وللشعب الفلسطيني، وقد جوبه بعاصفة من الردود من كافة الفصائل، ومفتي القدس)..
ثم قامت وزارة الأوقاف في دولة الامارات العربية بطبع مصحف كريم وغيرت فيه اسم سورة الاسراء إلى (سورة بني إسرائيل)؟؟، ومع أن هذا الاسم هو فعلا من أسماء سورة الاسراء، وكل سور القرآن لها أسماء متعددة (والراجح أن السورة لها اسم واحد وما عداه صفات) فلماذا غيرتم اسم هذه السورة دون غيرها من السور، ألآن الإسراء يرتبط بالمسجد الأقصى؟؟؟...
بل إن بعض مشايخ الفضائيات كالجندي أخذ يردد: يحرم شتم اسرائيل.. لأن اسرائيل اسم نبي؟؟ وهل من يشتم دولة اللصوص.. دولة بلاك ووتر.. دولة (الماخال)، دولة الاحتلال الغاصب يقصد شتم النبي داود – عليه السلام -؟ وخامسة الأثافي – وقد كانت قبله ثلاثة - طعنُ العميل مصطفى بوهندي المغربي في حديث "لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد"؟؟ وغيره من الأحاديث !! ويزعم هذا الجاهل الزنديق أن ما يسميه المسلمون بالمسجد الأقصى هو من معابد اليهود، وهو بذلك يتوهم بأنه ينسف جهاد المسلمين في فلسطين ويوافق على المشروع الصهيوني الذي ينفذه أولياء نعمته؟!! مع أن هذا الحديث لا شك في صحته، بل هو حديث متواتر له طرق متعددة عن أبي سعيد الخدري، وأبي بصرة الغفاري، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعلي بن أبي طالب، وأبي الجعد الضمري، وواثلة بن الأسقع، والمقدام بن معد يكرب، وأبي أمامه، وعمر بن الخطاب، -رضي الله عنهم أجمعين -. أخرج ذلك عنهم أصحاب الصحاح، وكتب السنة، والمسانيد، والمعاجم، والأجزاء، والطبقات. والأحاديث المتواترة: هي التي رواها جمع من الناس عن من قبلهم بحيث يستحيل أن يتفقوا فيها على الكذب، وهي تفيد القطع،، ومنكرها منكر لسنة النبي – صلى الله عليه وسلم -، يل كافر والعياذ بالله تعالى.
أم أن هذا مسلسل يمهد لصفعة ترامب؟..مخطط يهودي بأيدي عربية، وسيناريو مترابط الحلقات، بأن القدس ملك لليهود؟؟ ونقول لكل من يشكك في مكانة ومكان المسجد الأقصى من يهود وذيولهم: شئتم أم أبيتم فالمسجد الأقصى هو أول قبلة للمسلمين، وثاني مسجد وضع في الأرض، وبارك الله فيه وبارك حوله، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، ومسرى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومعراجه إلى السموات العلا، وصلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فيه بالأنبياء إمامًا، أي أن بيت المقدس أصبح من أملاك المسلمين !! ويضاعف فيه أجر الصلاة، وبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بفتحه....والمسجد الأقصى محل دعوة الأنبياء إلى توحيد الله تعالى، ورباط المجاهدين، ومنارة للعلم والعلماء، دخله من الصحابة جمع غفير، ويرجى لمن صلى فيه أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، وهو مقام الطائفة المنصورة، وأرض المحشر والمنشر، وفيه يتحصن المؤمنون من الدجال، ولا يدخله. والمسجد الأقصى أثنى النبي -صلى الله عليه وسلم -على فضله وعظيم شأنه، وأخبر بتعلق قلوب المسلمين به، لدرجة تمني المسلم أن يكون له موضع صغير يطل منه على المسجد الأقصى أو يراه منه، ويكون ذلك عنده أحب إليه من الدنيا وما فيها....وهذا ما أخبرنا به الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم -بقوله: «وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خيرا له من الدنيا جميعًا»، أو قال: «خيرا من الدنيا وما فيها». وستبقى القدس وأقصاها المبارك وديعة رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - عندنا، وأمانة عمر - رضي الله عنه - في ذمتنا، طال الزمان أو قصر، وسنرضع هذه الحقائق لأبنائنا وأحفادنا، وستعود إلينا بإذن الله، وهذا ما وعده سبحانه، وهو الذي سيتحقق، لا وعد الدجال ترامب؟! والله لا يخلف الميعاد.
[4]- معركة ملاذكرد: هي معركة دارت بين الإمبراطورية البيزنطية والسلاجقة الأتراك في 26 أغسطس 1071 بالقرب من ملاذ كرد(ملازغرد حاليا في محافظة موش، تركيا). لعبت الخسارة الحاسمة للجيش البيزنطي وأسر الإمبراطور رومانوس الرابع دورا مهما في ضعضعة الحكم البيزنطي في الأناضول وأرمينيا، وسمحت بالتتريك التدريجي للأناضول....انظر: ويكيبيديا العربية.
[5]- أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن السُّلَمي الشافعي (577هـ/1181م - 660هـ/1262م)الملقب بسلطان العلماء وبائع الملوك وشيخ الإسلام، هو عالم وقاضٍ مسلم، برع في الفقه، والأصول، والتفسير، واللغة، وبلغ رتبة الاجتهاد، انظر: العز بن عبد السلام، محمد الزحيلي، الطبعة الأولى، 1412هـ-1992م، دار القلم، دمشق، ص39.
[6]- أبو زكريا يحيى بن شرف الحزامي النووي الشافعي (631هـ-1233م - 676هـ1277م)المشهور باسم "النووي" هو مُحدّث وفقيه ولغوي مسلم، اشتهر بكتبه وتصانيفه العديدة في الفقه والحديث واللغة والتراجم، كرياض الصالحين والأربعين النووية ومنهاج الطالبين والروضة، ويوصف بأنه محرِّر المذهب الشافعي ومهذّبه، ومنقّحه ومرتبه، حيث استقر العمل بين فقهاء الشافعية على ما يرجحه النووي. ويُلقب النووي بشيخ الشافعية، فإذا أُطلق لفظ "الشيخين" عند الشافعية أُريد بهما النووي وأبو القاسم الرافعي القزويني انظر: الأعلام، خير الدين بن محمود الزركلي الدمشقي، الطبعة الخامسة عشر، 2002م، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ج8 ص149، وانظر: موقع طريق الإسلام.
[7]- أبو المحاسن بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم بن شداد الأسدي الموصلي الشهير بـ ابن شداد (539هـ/1145م - 632هـ/1234م) قاضٍ وعالم ومؤرخ مسلم عاصر صلاح الدين الأيوبي، وأرّخ لفترته.، ولد ابن شداد في الموصل في 10 رمضان 539 هـ )7 آذار/مارس 1145)، ودرس فيها القرآن والحديث قبل أن ينتقل إلى بغداد لطلب العلم، ثم عاد إلى الموصل في عام 1173. ، وفي عام 1188 ، بعد عودته من الحج، استدعاه صلاح الدين الأيوبي الذي كان قد قرأ وأعجب بكتاباته، ولازم ابن شداد صلاح الدين الذي عينه قاضيًا للعسكر، وهكذا، أصبح ابن شداد شاهد عيان على حصار عكا ومعركة أرسوف، وألف كتابه "وقائع حية من الحملة الصليبية الثالثة" أصبح ابن شداد صديقًا مقربًا وواحد من مستشاريه الرئيسيين، لبقية حياة السلطان وبعد وفاة صلاح الدين، عُيّن ابن شداد قاضيًا لحلب حتى توفي فيها في 14 صفر 632 هـ(8 تشرين الثاني/نوفمبر 1234)، عن عمر بلغ 89 عامًا. تعد أشهر أعمال بهاء الدين بن شداد تاريخه لعصر صلاح الدين الأيوبي، والتي نشرها باسم "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية"، وهو العمل الذي نجا ولم يضيع عبر الزمن. كما كتب ابن شداد العديد من الأعمال حول تطبيق الشريعة الإسلامية مثل "ملجأ القضاة من غموض الأحكام" و"البراهين على الأحكام" و"فضائل الجهاد". انظر:سير أعلام النبلاء- محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ج22 صفحة /384
[8]- الملك الناصر أبو المظفر صلاح الدين والدنيا يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي (532 - 589 هـ / 1138 - 1193 م)، المشهور بلقب صلاح الدين الأيوبي قائد عسكري أسس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن في ظل الراية العباسية، بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية التي استمرت 262 سنة. قاد صلاح الدين عدّة حملات ومعارك ضد الفرنجة وغيرهم من الصليبيين الأوروبيين في سبيل استعادة الأراضي المقدسة التي كان الصليبيون قد استولوا عليها في أواخر القرن الحادي عشر، وقد تمكن في نهاية المطاف من استعادة معظم أراضي فلسطين ولبنان بما فيها مدينة القدس، بعد أن هزم جيش بيت المقدس هزيمة منكرة في معركة حطين. يشتهر صلاح الدين بتسامحه ومعاملته الإنسانية لأعدائه، لذا فهو من أكثر الأشخاص تقديرًا واحترامًا في العالمين الشرقي الإسلامي والأوروبي المسيحي، حيث كتب المؤرخون الصليبيون عن بسالته في عدد من المواقف، أبرزها عند حصاره لقلعة الكرك في مؤاب، وكنتيجة لهذا حظي صلاح الدين باحترام خصومه لا سيما ملك إنگلترا ريتشارد الأول "قلب الأسد"، وبدلاً من أن يتحول لشخص مكروه في أوروبا الغربية، استحال رمزًا من رموز الفروسية والشجاعة، وورد ذكره في عدد من القصص والأشعار الإنگليزية والفرنسية العائدة لتلك الحقبة....انظر: وفيات الأعيان، ابن خلكان، الجزء السابع صفحة 152، دار صادر.
[9]-- الماخال هم الذين قاتلوا إلى جانب اليهود في حرب 1948م، من المتطوعين غير اليهود... ضد العرب: انظر: مقاتلون مع الصهيونية...مقاتلون ضد سورية...كيف! د. عادل سمارة، مجلة كنعان، العدد152 كانون ثاني 2013 …
[10]-.إمارة فرخشنيط:ذكرت المصادر التاريخية، أن عشرين عربيًّا كانوا راكبين في سفينة من سواحل أسبانيا، فضَلَّت بهم الطريق، وما زالت تتقاذفهم الأمواج، حتى رَمَت بهم على شاطئ خليج سان تروبس في جهات جنوة، فخرجوا إلى البر، أم أنهم يبحثون عن الهيكل في تونس، أو عنتيبي، أو حول المفاعل الذري ببغداد؟ وتوغلوا بين القرى، يقتلون، ويأسرون، واتخذوا لهم حِصْنًا في أدغال جبل موروس، وصاروا يَشُنُّون الغارات، ويؤون إليه بالغنائم، وكان هذا الحادث نحو سنة 891 م. وذكر المؤرخون الأوروبيون أن العشرين رجلًا المذكورين، لما رأوا ما أصابوا من الغنائم في غزوهم في تلك البقاع، أرسلوا إلى الأندلس، فوافاهم مائة رجل آخرون من نفس نمطهم في الشجاعة والإقدام، وبوصول المدد توسع العرب شمالاً في جبال الألپ الإيطالية وعبروها إلى ما يعرف الآن باسم سويسرا ووصلوا الألب السويسرية. والثابت من السجلات أنهم قد اجتاحوا ما يقرب من نصف سويسرا منذ أول غارة في 891 - 975 م واستقروا في معبر سان برنارد(جبل جوفيس، آنئذ)، اشتدت وطأتهم على تلك البلاد، وصالوا في جميع جهاتها، يُثْخِنون في أهلها، ويضربون عليهم الجِزْيَة، وساعدهم على ذلك ما كان فيه أهل تلك الأنحاء من اختلاف الكلمة، وتَفَرُّق الأهواء.وكان بعض حكام تلك البلاد يستعين بهم على بعض، وأصبح الفرد الواحد منهم لا يُبالي أن يُلاقي ألفًا، فما مضت بضع سنوات، حتى صار لهم عدد من الأبراج، والقلاع، أهمها في الجبال المُسَمَّاة فراكسين توم، أو فراكسينه...فكونوا إمارة أخذت اسمها من عرب فرخشنيط الذين كانوا يسمونها "جبل القلال". عشرين من العرب تسللوا إلى خليج سان تروپيه وبنوا إمارة لهم في ميناء "فراكسنتوم، وأسسوا دولة شمال مارسيليا، وامتدت من الساحل الفرنسي على البحر المتوسط جنوبا، حتى منتصف سويسرا شمالاً، عبر جبال الألب، وقد ضمَّت شمال إيطاليا وجنوب شرق فرنسا، وأجزاءً من سويسرا، وبحيرة كونستانز على الحدود مع ألمانيا. ودامت أيامُها (من عام 277 للهجرة وحتى 365 للهجرة- 890 - 975 للميلاد)..ظنّ ملوك أوروبا أن لهذه الدولة علاقة بالإمارة الإسلامية في الأندلس، والحقيقة أنها لم تكن على علاقة بها. قاموا بأعمال استثارت الاوروبيين بشدة ودفعت الملك وليام الأول من بروڤانس لتسيير جيوشه لهزيمة العرب في "معركة تورتور"وهدم حصنهم وطردهم من فرخشنيط... انظر: التاريخ الإسلامي، محمود شاكر، المجلد السادس،، صفحة 163
[11]- سمى الأوروبيون المسلمين بعدة أسماء منها: السراسنةَ، والمُور، والأتراك، والتتار.. والسَّراسِنة (Saracens)اسمٌ أتى من اليونانية، واللاتينية القديمة، وهو أكثرُ أسماء المسلمين شيوعاً. أُطلق قبل مجيء الإسلام بقرون على قبائل عربية، أقامت في بادية الشام، وفي طور سيناء، وفي الصحراء المتصلة بأدوم. وقد توسَّع مدلولُها بعد الميلاد، ولا سيما في القرن الرابع، والخامس، والسادس، فأطلقت على العرب عامةً، حتى إن كَتَبة الكنيسة ومؤرخي هذا العصر قلما استعملوا كلمة "عرب" في كتبهم، مستعيضين عنها بكلمة "Saraceni". وأقدمُ مَن ذكرها هو "ديوسقوريدس"Dioscurides of Anazarbos" الذي عاش في القرن الأول للميلاد.وبعد انتشار الإسلام كان الاسمُ يحمل في طيّاته مشاعرَ الكره والاستخفاف بالمسلمين خاصّة أيام الحروب الصليبية. و بدأ اللفظ بالأفول في أوروبا الغربية في أواخر العصور الوسطى(1500م)[6] لكن بقي مستعملاً في أماكن أخرى حتى القرن العشرين.انظر: د. مصطفى جواد: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 1/ 27.
[13]- من الأمور البَدَهِيَّة والمعروفة... أن اليهود في كل زمان ومكان يعملون ضد الدولة التي ينعمون بخيراتها...ويسعدون بالأمن في ظلها.. فنجدهم يساعدون الفاتح الغازي ضد أهل البلد الذي يقيمون فيه... ويقومون بأعمال التخريب والتجسس ضد أهل الوطن الذي يُبتلى بهم... وتكرر ذلك منهم على مدار التاريخ... وشواهد ذلك أكثر من أن تحصى... فهم لا يقدرون على الظهور بأشخاصهم، والجهر بعداوة من حولهم... فيظل الحقد يتفاعل في نفوسهم وقلوبهم حتى تسنح الفرصة بقدوم طارئ خارجيّ، أو أزمة مستحكمة، أو فتنة عارمة...فَيُطِلّون من جحورهم... كالجراثيم الكامنة في الجسم... تطل مختفية طالما هو قويٌ ومعافى... فإذا آنست فيه ضعفاً ظاهراً، هجمت عليه، وتجمعت مرة واحدة.. وأعانت الضعف والمرض على تمزيقه..
حتى أن بعض المؤرخين... والمؤرخ (جيبون) على وجه الخصوص في كتابه التاريخي (انهيار وسقوط الامبراطورية الرومانية) أَرجَعَ سقوط الإمبراطورية الرومانية إلى نفوذ اليهود الفاسد... وتغلغلهم في أمور الحياة العامة...
دخل اليهود أوروبا.. وخاصة في المنطقة اليونانية قبل عهد السيد المسيح _عليه السلام _ وتحدث قدماء الإغريق عن هؤلاء الغزاة الذين انتشروا بسرعة هائلة في الإمبراطورية الرومانية وأوربا الوسطى... وقد ظهر التاجر اليهودي، والفنان اليهودي، وتاجر الرقيق اليهودي في الدولة الرومانية.. وتكاثروا بعد القرن الثاني للميلاد.. وكان مركزهم في العالم الروماني يزداد أهمية حتى وقت انهيار الإمبراطورية.كتبت الموسوعة اليهودية عن حالة اليهود في عهد(جستنيان) تقول ما نصه:(كان اليهود يتمتعون بكامل حرياتهم الدينية وغيرها مقابل أن يقدموا للدولة كل واجبات المواطن.. كما فتحت لهم أبواب الوظائف العامة) وكان هذا سبباً من أسباب تغلغل اليهود كالجراد المنتشر... مما جعل كثيراً من الكتاب يهاجمون الرومان المعاصرين لهم بمرارة... لتساهلهم مع اليهود...بل أرجع المؤرخ العالمي جيبون سقوط الإمبراطورية الرومانية إلى نفوذ اليهود الفاسد...ولما بدأت الإمبراطورية الرومانية في الاضمحلال.. وأخذ نجمها في الأفول، وأصبحت على وشك الانهيار النهائي... وخيمت عصور الظلام، ظل اليهود يتحكمون فيما بقي من تجارة أوروبا.
تقول الموسوعة البريطانية: (كانت عند اليهودي الرغبة الأكيدة في التخصص في التجارة... وساعدهم على ذلك مؤهلاتهم الخاصة بهم من غش وربا.. فتجارة غربي اوروبا وبخاصة تجارة العبيد في العصور الأوربية المظلمة كانت في يد اليهود... وسجلات (أديرة كارولينا) كانت تشير إلى أن كلمتي: تاجر... ويهودي... تعبيران يدل أحدهما على الآخر... لدرجة أنه أصبح من النادر لغير اليهودي أن يشتغل بالتجارة.. فقد كادت تكون احتكاراً يهودياً... حتى أن عملة (نقود) بولندا ورومانيا حملت في وقت من الأوقات كتابات يهودية... وهذه السيطرة على التجارة تشمل التحكم في طرق التجارة الشرقية.
ولم يكن هناك خلاص من هذه الحالة إلا بعد طرد اليهود من أوروبا في القرن السابق مباشرة لعصر النهضة..وقد حصل.. وفي رأي الخاص... لن تكون هناك نهضة في العالم العربي والإسلامي...بل لن تقوم له قائمة، إلا بعد طرد اليهود من بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس وكل فلسطين...
وهاكم الدليل: صدر كتاب للعميد المصري المتقاعد " كامل الشرقاوي " تحت عنوان "الحقيقة المرة: كيف قامت دولة إسرائيل؟ " ويتحدث عن اليهود فى أوروبا، والحقائق المرةالمتعلقة بقيام الدولة الغاصبة إسرائيل، معتبراً أن سقوط الإمبراطورية الرومانيةهو أول نجاح سياسي هام لخطة اليهود فى أوروبا.ويذكر الكاتب أن سقوط الرومان كان له أثراً طيباً فى نفوس اليهود فى كل أرجاء أوروبا، وساروا بنجاح في تحقيق مخططاتهم ووصلوا لأعلى المراكز...
ولمعت أسماء يهودية من كبار التجار فى أوروبا كاحتكاريين لتجارة الرقيق، وبدأت صورة اليهودى الجشع والبشع تتضح في أذهان الأوربيين، مما أغضب رجال الكنيسة الكاثوليكية في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي..ويشير المؤلف أن الكنيسة أخذت حِذرها لانتشار الفوضى والانحلال في ربوع البلاد.. وفى عام 1210م قصمت الكنيسة الكاثوليكية ظهر اليهود في أوروبا، في اجتماع (كاترين الرابع) وحطمتها بمجموعة من القيود لتكبح جماع احتكار اليهود التجاري... ووضعت قيوداً لإقامة اليهود مع المسيحيين ومنعتهم منعا من استئجار العمال المسيحيين، كما منعتهم من الارتباط بأنواع كثيرة من أنواع النشاط التجاري... واتخذ رجال الكنيسة الكاثوليكية قرارات هامة لوقف النشاط اليهودي المريب والحد من نشاطهم الخطير في مجالات التجارة والصناعة وخاصة فى فرنسا، وإنجلترا، واسبانيا، وإيطاليا ويوغوسلافيا، وغيرها.
وفى عام 1215م أصدر البابا أنوسنت الثالث - بابا روما - أمراً يحتم على اليهود أن يضعوا شارات تميزهم عن بقية المواطنين، وبذلك يمكن الحذر واتخاذ الحيطة منهم، وتشكلت لجنة بابوية للتحقيق في أسباب الحروب الكثيرة بين دول أوروبا المسيحية، بعدما تبين أن لليهود ضلع كبير في إشعالها، .ثم بدأت الحروب الصليبية، وكانت جميعها بسبب دسائس اليهود
ويذكر المؤلف على لسان أحد أحبار اليهود قوله: (لقد كانت الحروب الصليبية قمة نجاحنا، فقد استمرت متقطعة أكثر من أربعمائة عام، ثم أشعلنا الحروب الدينية بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية، وينبغي أن يستمر لهيب الحروب المقدسة مشتعلاً هنا وهناك، وفى أي مكان، وبين الشعوب، حتى نحقق رسالة الله فينا)....ومع أن اجتماع (كاترين الرابع) وضع قيوداً على التجارة اليهودية إلا أن ذلك لم يُنهِ المشكلة اليهودية..
أوروبا وطرد اليهود: مع نهاية القرن الثالث عشر بدأت الدول الأوروبية في طرد اليهود من بلادها دولة بعد أخرى كحل أخير لهذه المشكلة.عاش اليهود في أوروبا في أحياء وحارات وأزقة يهودية(الغيتو..) وركزوا أهدافهم في الحصول على المال والذهب بكل الطرق الشريفة أو غير الشريفة، فبالمال والذهب يمكن تسخير كل الشعوب وإخضاعها لإرادة الشعب اليهودي، وبدأت عمليات السيطرة على مصادر المال كاحتكار التجارة والصناعة والمراقص وبيوت الدعارة والسيطرة على وسائل الإعلام لنشر الأفكار المسمومة.ولم تكن لقرارات الكنيسة المسيحية أى أثر ملموس في تغيير سياسة اليهود، وفى إنجلترا اكتشفت محاكم التفتيش أن المرابين اليهود يقرضون طلبة جامعة أكسفورد بالربا الفاحش.ومن الغريب أن اليهود لجأوا إلى برادة أطراف العملات الذهبية للحصول على كميات كبيرة من تراب الذهب، تمكنهم من إعادة سبكها مرة أخرى، كما شوهوا الجنيه الإنجليزي الذهب، وساد ارتباك فى الاقتصاد الإنجليزي، وكادت الأحوال المالية أن تنهار أمام مؤامرات اليهود.وانتشر الفساد في البلاد، وظهرت لأول مرة بيوت الدعارة، والملاهي، والخمارات، كما هي عادة اليهود...في كل بلد يبتلى بهم.
وفي ذلك الوقت اضطر الملك إدوارد الأول- الذى ضاق ذرعا بوجود اليهود في مملكته - أن يصدر قراراً في عام 1290م يقضى بطرد اليهود من إنجلترا، وأعطى لهم مهلة ثلاثة شهور لمغادرة البلاد. وهكذا كانت بريطانيا أول دولة أوربية تطرد اليهود من أراضيها....ولم يسمح لهم بالعودة حتى عام 1655م..
وتبعتها فرنسا..وكادت تنهار فرنسا كما انهارت الدولة الرومانية من قبل، وكثرت حوادث لمصادمات بين أفراد الشعب الفرنسي واليهود، وهاجم الفرنسيون الأحياء اليهودية، وهدموا المعابد والمدارس اليهودية، لولا تدخل الحكومة الفرنسية...
فطردهم - فيليب العادل- من بلاده عام 1306 بعد مصادرة أموالهم وثرواتهم، وبعد فترة من الطرد، تمكن بعض اليهود من الهروب إلى داخل فرنسا، وحدثت مرة أخرى مصادمات عديدة، وخاصة بعد أن اكتشفت بعض جرائم اليهود من ذبح الأطفال الفرنسيين، فعادت الحكومة الفرنسية إلى طرد اليهود.وفى عام 1394م كانت فرنسا خالية تماماً من اليهود، وبذلك أصبحت فرنسا ثاني دولة أوربية تتخلص من اليهود...وسمح للقليل بالعودة ثانية إلى فرنسا...ولكنهم طردوا ثانية عام 1394 , ثم سمح لهم بالعودة وعلى نطاق ضيق.. واستقروا في مقاطعات بوردو، وأفيجنون، ومرسيليا...
وطردوا للمرة الثالثة عام 1682م. وبتتابع منتظم اقتدت معظم الدول الأوروبية بهذا العمل... فطردتهم المجر عام 1360م ولكنهم عادوا ثانية فطردوا منها عام 1582م ولم يعودوا إليها بأعداد كبيرة حتى عام 1700م...
وعن تواصل مشاكل اليهود في أوروبا، يشير المؤلف إلى إلقاء اليهود ميكروبات في آبار المياه ومصادرها فى ألمانيا، مما أدى لانتشار وباء الطاعون عام 1350م، فقام الألمانبعمليات انتقامية ضدهم، وفتكوا بمجموعات من الرجال والنساء والأطفال، وفر الباقون منهم إلى خارج ألمانيا، تاركين البلاد غارقة في مشاكل اقتصادية، ومالية، واجتماعية..
وطردوا من - تشيكوسلوفاكيا- عام 1380م، ثم عادوا ثانية بعد عام 1562م..
ثم طردتهم- ماري تريزا- عام 1744م...
وانهارت الشئون المالية والتجارية والاقتصادية والاجتماعية بأوروبا وأحست الشعوب الأوربية بأنها نكبت بإيواء اليهود...
وفى عام 1420م صدّق الملك البريخت الخامس ملك النمسا على أمر بطرد اليهود من البلاد.
وقام ملك هولندا بطرد اليهود.. عام 1444م.
وفي اسبانيا أصدر فرناندو أمراً بطرد اليهود عام 1492م ونتيجة ذلك هاجرت 70 ألف أسرة يهودية إلى البرتغال والمغرب واستشرت الفوضى والفساد والانحلال في البرتغال فتم طردهم منها عام 1498م...كما طرد اليهود من إيطاليا عام 1540م.. وفتحت بولندا أبوابها لاستقبال اليهود المطرودين من دول أوروبا..كما استقبلتهم أيضاً دول الإمبراطورية العثمانية ودول شمال أفريقيا وخاصة المغرب ولكنهم توغلوا في بولندا وبلغت درجة تحكم اليهود في الحكومة البولندية أنهم فكروا في إنشاء دولة إسرائيل على أرض بولندا، ورغم طردهم فقد عادوا لأوروبا مرة أخرى على فترات مختلفة ليستكملوا مخططاتهم الاستعمارية في السعي لقيام دولة إسرائيل باحتلال أي دولة في العالم وإضفاء شرعية دينية لاغتصاب أرضها مع استمرار سلوكهم السابق مع الشعوب الأوربية.. وطروا من بروسيا عام 1510 م.. ومن مملكتي نابلي وسردينيا في إيطاليا عام 1540م.. وطردوا نهائيا من بافاريا عام 1551م... ولم يسمح لليهود بدخول السويد حتى عام 1782م..كما لم يسمح لهم بدخول الدنمارك قبل القرن السابع عشر... كما لم يسمح بدخول لهم النرويج قبل عام 1814م... أي أنه في الفترة الواقعة بين سنين 1300م _ 1650م... والتي رحل اليهود فيها عن أوروبا... وبالأصح طُردوا منها...بدأ عصر النهضة الذي عَمَّ جميع أوروبا... فقرر اليهود نتيجة لذلك الانتقام من هذه الدول المسيحية...ولا يتم لهم ذلك إلا بفصل الدين عن الدولة... فأثارت بواسطة الماسونية _مطية اليهود _ الصراع الدموي بين الكنيسة والسلطة، مما نتج عنه عودة البابا إلى قُمقمه، والحًدِّ من سلطانه.. ثم فتحت لهم الثورة الفرنسية الماسونية الباب على مصراعيه... للدخول إلى أوروبا، وكتم أنفاسها من جديد...انظر: كامل الشرقاوي: الحقيقة المرة: كيف قامت دولة إسرائيل، صفحات متعددة، وانظر المفسدون في الأرض: ص 137.
[14]- معركة الأقحوانة :كان بين الطامعين في إخراج الفاطميين من بلاد الشام وإقامة دولة فيها بنو مرداس. وكان مؤسس هذه الدولة صالح بن مرداس الكلابي، وقد استولى على حلب (414هـ/ 1023م) منتزعاً إياها من منصور بن لؤلؤ، وقد كان هذا يحكم حلب نيابة عن الخليفة الظاهر (411 – 426هـ/ 1031 – 1036م). وكان بنو الجراح يطمعون في إقامة حكم لهم في فلسطين، كما أن سنان بن عليان كان يريد أن يقيم لنفسه ملكاً في بلاد الشام. لذلك قام حلف بين الصالح ابن مرداس، وحسان بن الجراح وسنان بن عليان، على أن يتعاونوا على إخراج الفاطمين ويقتسموا البلاد: المرداسيون في شمال بلاد الشام، وبنو الجراح لهم من الرملة إلى حدود مصر، وتكون دمشق وما يحيط بها لسنان وجماعته.إلا أن الخليفة الظاهر لم يكن غافلاً عما يخططون فأرسل جيشاً حسن التجهيز (420هـ/1030م) أوكل أمره لأمير الجيوش أنوشتكين الذي كان بدمشق نائباً عن الظاهر.والتقى الجيش الفاطمي بقوات الحلف الشامي عند الأقحوانة فانتصر أنوشتكين وقتل الصالح بن مرداس، وهرب حسان بن الجراح إلى البيزنطين. واسترد الفاطميون بذلك النصر جنوب سورية وأواسطها. والأقحوانة كانت تقوم جنوبي مدينة طبرية على نهر الأردن، والمكان هناك، مثل أماكن أخرى كثيرة في المنطقة، يقع على الطريق الأردني – السوري – الفلسطيني. الموسوعة الفلسطينية
[15]- هو عماد الدين زنكي بن آق سنقر بن عبد الله، رائد الجهاد الإسلامي ضدَّ الوجود الصليبي بالشام؛ وذلك بعد أن ظنَّ الجميع أنهم لن يخرجوا أبدًا من بلاد الإسلام، هذا البطل الذي كسر أسطورة الصليبيين الذين لا يُقهرون, تركي الأصل، حكم أجزاءً من بلاد الشام وحارب الصليبيين، كان شديد الهيبة، عظيم السياسة، يحمي الضعفاء، ويخافه الأقوياء، عمر البلاد وكانت قبله خرابًا، وأشاع الأمن وقطع دابر اللصوص، وكان الناس في زمانه بأنعم عيش.كان عماد الدين من أشجع الناس وأقواهم وأجرؤهم في القتال، لا يُجاريه أحدٌ من جنده في ذلك، وقبل القتال وضع عماد الدين مائدته للطعام، وقال: (لا يأكل معي على المائدة إلا من يطعن معي غدًا باب الرها). وهي كناية عن شدَّة القتال والشجاعة؛ لأن طاعن الباب يكون أول فارس في الجيش يصل إلى باب المدينة، ولا يفعل ذلك إلَّا أشجع الناس، فلم يجلس معه على المائدة إلَّا أميرٌ واحدٌ وصبيٌّ صغيرٌ؛ فقال الأمير للصبي:: (ما أنت في هذا المقام؟). فقال له عماد الدين زنكي القائد المربِّي القدوة، الذي يعرف كيف يُحَمِّس الشباب والنشء، ويُحَفِّز طاقاتهم: (دعوه فوالله! إني أرى وجهًا لا يتخلَّفُ عنِّي) .فكَّر الصليبيون في كيفية التخلُّص من عماد الدين زنكي، وبعد تفكير فيمَنْ سيقوم بهذه المهمَّة؛ قرَّرُوا إسناد مهمَّة الاغتيال إلى جماعة معروفة بذلك، وبالفعل وفي 6 ربيع الآخر (541هـ= 1146م) وأثناء قيام عماد الدين زنكي بحصار قلعة جعبر المطلَّة على نهر الفرات، قامت مجموعة من الشيعة الباطنية الاسماعيلية بالاتفاق مع الصليبيين بالتسلُّل إلى معسكر عماد الدين زنكي، واندسوا بين حُرَّاسه، وفي الليل دخلوا عليه خيمته وهو نائم وقتلوه، تُوُفِّيَ عن 64 عامًا، وخَلَفَهُ ابنه سيف الدين غازي في الموصل، وخَلَفَهُ ابنه نور الدين محمود في حلب ثم في دمشق. وقد لقَّب الناس عماد الدين زنكي بالشهيد لحرصه على طلب الشهادة في كل لقاء مع الأعداء؛ حتى قَدَّرها المولى جل وعلا له في آخر السعي.
انظر: ابن الأثير: الكامل في التاريخ: 9/ 91، 131، 75. وابن كثير: البداية والنهاية: 12/ 275.
[16]- الملكُ العادلُ أبو القاسمِ نور الدين محمود بن عمادِ الدِّين زَنْكِي (511- 569 ه / 1118- 15 مايو 1174م) وهو ثاني أولاد عماد الدين زنكيبن آق سنقر. يُلقَّب بالملك العادل، ومن ألقابه الأخرى ناصر أمير المؤمنين، تقيّ الملوك، ليث الإسلام، كما لُقَّب بنور الدين الشهيد رغم وفاته بسبب المرض. حكم حلب بعد وفاة والده، وقام بتوسيع إمارته بشكل تدريجي، كما ورث عن أبيه مشروع محاربة الصليبيين. شملت إمارته معظم الشام، وتصدى للحملة الصليبية الثانية، ثم قام بضم مصر لإمارته وإسقاط الفاطميين والخطبة للخليفة العباسي في مصر بعد أن أوقفها الفاطميون طويلا، وأوقف مذهبهم. وبذلك مهَّد الطريق أمام صلاح الدين الأيوبي لمحاربة الصليبيين وفتح القدس بعد أن توحّدت مصر والشام في دولة واحدة. تميَّز عهده بالعدل وتثبيت المذهب السنّي في بلاد الشام ومصر، كما قام بنشر التعليم والصحة في إماراته، ويعده البعض سادس الخلفاء الراشدين.
وفانه: وقع نور الدين في أوائل شوال من سنة 569 هـ / مايو 1174م بالذبحة الصدرية وبقي على فراش المرض أحد عشر يوما ليتوفى في 11 شوال 569 هـ / 15 مايو 1174م وهو في التاسعة والخمسين من عمره، ودفن في البيت الذي كان ملازما فيه في قلعة دمشق، ثم نقل جثمانه إلى المدرسة النورية الواقعة في سوق الخواصين بدمشق وقد رثاه العماد الأصفهاني بقصيدة مطلعها:
الدين في ظُلَم لغيبةِ نوره....... والدهر في غُمَم لفقد أميره.
فليندب الاسلام حامي أهله......والشام حافظ ملكه وثغوره.
من للمساجد والمدارس بانيا.....لله طوعا عن خلوص ضميره.
من ينصر الاسلام في غزواته....فلقد أصيب بركنه وظهيره...
منْ للفرنج وَمن لأسر مُلُوكهَا … من للْهُدى يَبْغِي فكاك أسيره
من كاشفُ للمعضلات بِرَأْيهِ … من مشرقٌ فِي الداجيات بنوره
مَا كنت أَحسب نور دين مُحَمَّد … يخبو وليل الشّرك فِي ديجوره
أَنْت الذَّي أَحييت شرع مُحَمَّد … وقضيت بعد وَفَاته بنشُوره
كم قيصرٍ للرُّوم رُمت بقسره … إرْواء بيض الْهِنْد من تاموره
أُوتيت فتح حصونه وملكت عقر … بِلَاده وسبيت أهل قصوره
أزَهِدت فِي دَار الفناء وَأَهْلهَا … ورَغبت فِي الْخلد الْمُقِيم وحوره
أوما وعدت الْقُدس أَنَّك منْجزٌ … ميعاده فِي فَتحه وظهوره
فَمَتَى تجير الْقُدس من دنس العدى … وتقدس الرَّحْمَن فِي تَطْهِيره
حيّاك معتّل الصِّبا بنسيمه … وسَقاك مُنْهلُّ الحَيْا بدُروره
ولبست رضوَان المهْيمن ساحباً … أذيال سُنْدس خزّه وحريره
وسكنت عِّلِّيين فِي فردوسه … حلْف المسّرة ظافرا بأجوره
انظر:ابن الأثير: الكامل في التاريخ- دار صادر- بيروت 1399-1979 م. وابن خلكان: وفيات الأعيان- تحقيق إحسان عباس دار صادر- بيروت 1978 م.ود. علي محمد الصلابي: نور الدين محمود زنكي شخصيته وعصره- دار الأندلس الجديدة-القاهرة 2008.
[17]- تريد الدعاية اليهودية أن تفتح لنفسها ثقباً من ثقوب الشرعية، إنها تموت رعباً من التاريخ الذي ينذرها، ولو أنها تبني كيانها كله عليه، تخشى أي مناقضة تاريخية لئلا ينهار البناء كله، ومساحات الغبار التي تفصل بينهم وبين التاريخ تدفعهم إلى تصديق كل أسطورة، وإسرائيل تريد أن تخرق جدار العهد الإسلامي في فلسطين في أروع لحظاته بأسطورة تاريخية جديدة تصادر على المطلوب، وإذا كان العالم كله يرى في فلسطين نصراً لصلاح الدين، فإن إسرائيل تريد أن تزور هذه الحقيقة كعادتهم،(كما زوروا أن الأقصى ليس في القدس) وكم يكون من المضحك حتى القرف أن تسوق إسرائيل أسطورة تقول: إن صلاح الدين كان عميلاً يهودياً، وما صنع حطين وفتح فلسطين إلا ليقدم القدس على طبق من فضة لليهود، مع ذلك سوف تسمعون هذا، وسوف يطبلون له بوسائل الإعلام معتمدين على تزييف بن غوريون. لقد كذب يهودا الحريزي الشاعر الأديب اليهودي الذي زار القدس حوالي سنة 1216م، أي بعد ثلاثين سنة تقريباً من حطين، إذ كتب في مذكراته: لو تساءلنا عن السبب في منع الصليبيين المسيحيين لليهود من البقاء في فلسطين لسمعناهم يقولون: بأننا المتسببون في قتل إلههم، ولذلك أنذرونا بأنهم سيأكلوننا أحياء.. لكن الله أرسل الملك العادل صلاح الدين وزوده بالحكمة والشجاعة وحاصر القدس: فأسقط الله بعونه المدينة في يده، وعندها أرسل السلطان منادياً ينادي في أرجاء البلاد بأن يعود كل أبناء إبراهيم إلى القدس من العراق ومصر ومن كل البلاد التي لجأوا إليها.. وذكر يهودي آخر فقال: إن ثلاثمائة من يهود الغرب وصلوا سنة 1211م إلى فلسطين، ومعهم الربانيون: بن شمشون الإشكنازي، واللونلي، فلم يجدوا سوى عشرة من اليهود، يُصَلون على جبل الزيتون.. !!؟؟ والتقط هذه الجمل عدد من كتاب اليهود. غير أن أكثر الجميع كذباً كان ابن غوريون، لقد حور هذه الكلمات فكتب:" أصدر صلاح الدين نداء غداة فتحه القدس، يحث في اليهود الفارين من حكم الصليبيين صغاراً وكباراً على أن يعودوا إلى القدس؟! وفي خلال سنوات قليلة من حكم هذا السلطان العادل أعيد تجمع اليهود في القدس، ووفد اليهود عليها من كل صوب، ولقد عاد مع هؤلاء العائدين عدد من كبار علماء اليهود وربانييهم، منهم ثلاثمائة من فرنسا وإنجلترا وإسبانيا وسكنوا المدينة. وذكر مؤرخ يهودي أن الملك العادل أخا صلاح الدين استقبل سنة 1211 م هؤلاء العلماء الثلاثمائة استقبالاً طيباً، وسمح لهم ببناء مدارس ودور عبادة يهودية، وكان على رأسهم الرابي شمشون بن إبراهيم الأشكنازي، والرابي يوناتان الونلي، ولقد استمرت هجرة العلماء اليهود الغربيين إلى القدس وفلسطين طول عهد صلاح الدين، وعهد أسرته من بعده (ابن غوريون: اليهود في أرضهم، ص217-218). الهوس البِنْ غُوريوني زيّف النص - كعادة بني قومه - ونفخ فيه حتى صار بالوناً ضخماً، إن معلمه غوبلز هو الذي قال: أكذب أكذب دائماً فلا بد أن يبقى من كذبك في النهاية شيء، وهكذا زيّف بن غوريون النص والتاريخ في عدد من النقاط ومد لسانه للجميع؟؟ زيفه في قوله:"يحث اليهود صغاراً وكباراَ على أن يعودوا إلى القدس، وفي سنوات قليلة أعيد تجمع اليهود في القدس، ووفدوا عليها من كل صوب، ولم يكن شيء من ذلك، ولا كان لليهود تجمع في القدس ليعودوا، ولم يذكر أحد من المؤرخين أن صلاح الدين بعث المنادين، إضافة إلى أن "أبناء إبراهيم" إنما يستعملها اليهود للدلالة على جميع أبنائه من سارة وهاجر، من عرب ويهود.... وأضاف بن غوريون زيفاَ آخر في قوله: إن 300 من علماء اليهود بدلاً من 300 من اليهود، وإنهم من فرنسا وإنكلترا وإسبانيا، وهم في الواقع - إن كان الرقم صحيحا - من إسبانيا فقط، ممن طردهم الإسبان عند نشأة محاكم التفتيش كما طردوا غيرهم، فاسما الربانيين اللذين كانا بينهم هما: شمشون بن إبراهيم الإشكنازي وهو اسم عربي إسباني، ويونان اللونلي من بلده لونة في الأندلس، وكانت البلاد الإسلامية كلها مفتوحة لليهود السفارديم قبل حطين وبعدها، لا في القدس وحدها، فمنهم آلاف يتوزعون ويتنتقلون في كل من بغداد والبصرة، ونيسابور، وتبريز، والموصل، وحلب، ودمشق، والقاهرة، والإسكندرية والقيروان، وفاس، وقرطبة، وغرناطة، وطليطلة...ويضحكنا قوله: استمرت هجرة العلماء اليهود طوال عهد صلاح الدين وأسرته إلى القدس بالذات، ولو كان هذا حقاً فلماذا لم يوجد سوى عشرة يهود في القدس بعد حطين بثلاثين سنة، يستقبلون وفد اليهود الثلاثمائة. ولو كان هذا حقاً لما دفن كبير فلاسفتهم ورئيس جالوتهم موسى ابن ميمون في طبرية– الذي يعتبرونه بمنزلة موسى –عليه السلام -، ولكان في القدس عند بقايا الهيكل – حسب زعمهم -، ولو كان حقاً لذكر ذلك الذاكرون، ومصادر العهدين الأيوبي والمملوكي - بما فيها أقوال الرحالة اليهود-، مجمعة على أنهم لم يجاوزوا في القدس في أحسن أحوالهم بضع عشرات، أو بضع مئات حسب العصور والأحوال، وكان وجودهم ينعدم تماماً في القدس في بعض الفترات، ويكمل تزييف ابن غوريون في قوله: "بناء مدارس ودور عبادة يهودية" وإنما سمح لهم بكنيس فيه مدرسة هو معبد ناحوم، وسمح للمسيحيين الصليبيين - وهم الأعداء يومذاك- بأمثال ذلك. إن عباقرة الإعلام الصهيوني سوف يحاولون أن يلبسوا صلاح الدين الطاقية اليهودية، ويدوروا به على بوابات العالم باعتباره خادماً من خدمهم، وكما كان بإمكانهم أن يسرقوا مختلف الأساطير من قبل: أسطورة أرضهم من الفرات إلى النيل، وأسطورة أرض الميعاد، أسطورة الديمقراطية الفريدة،(واحة الديموقراطية في الشرق.. كما كانت تقول منشورات ربائبهم في الأحزاب الشيوعية العربية) وأسطورة الملايين الستة التي أحرقها هتلر، وأسطورة الدولة المسكينة المهددة بالذبح، وأسطورة الإرهاب العربي.. فإنهم يريدون أن يركبوا اكتاف صلاح الدين ليسرقوا باسمه اعترافاً ينادي به المنادون أمثال ترامب: أن القدس لليهود؟!
[18]- لم تكن حطين إلا كلمة النهاية..في ملحمة كاملة استمرت قرنين من الزمان.. ملحمة متعددة الفصول بدأت بغزوة استعمارية عنصرية..قوضت أوضاعا عربية ممزقة منهارة.. وشهدت تحمل الجماهير لمسئوليتها في الدفاع عن أرضها.. ثم ظهور القيادة الجديدة التي قادت الأمة في حرب المصير.. وحققت لها النصر.. واقتلاع الوجود الغريب من أرضنا.. ومع فصول هذه الملحمة سنعيش.. نستقرىء التجارب... ونتعلم من تراثنا..! بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي سنة 1967م بما بدا أنه النصر النهائي لإسرائيل واستقرارها إلى الأبد في أرض العرب !! ذهب المنتصر _ اسحق رابين – في جولة في أوروبا، حيث احتفت به كل الدوائر الامبريالية والعنصرية، ويقايا النازيين، وعصابات المستعمرين الفرنسيين في الجزائر، ومسرحيي الفرقة الأجنبية، والمرتوقة البيض الذين قاتلوا في الكونغو وموزمبيق، وكل الذين جندوا أنفسهم للقتال ضد حرية الانسان حينما كان في العالم الثالث ! وفوجىء جمهور المحتفلين بالإسرائيلي المنتصر، ينذرهم بأن إسرائيل مهددة بالزوال؟! وأن الطريقة الوحيدة لاستمرارها هي استمرار تدفق الامداد عليها من منبعها، استمرار تدفق الأموال والرجال (وأمددناكم بأموال وبنين...؟!) وأعلن في الاحتفال الذي عقد في بازل احتفالا بالذكرى السبعين للمؤتمر الصهيوني الأول، أن مصير إسرائيل سيكون نفس مصير مملكة أورشليم، التي أقامها الصليبيون في القدس منذ ثمانية قرون، أنذرهم بأن مصير إسرائيل هو الزوال إذا ما وقع الغرب في نفس الغلطة التي ارتكبها مع مملكة الصليبيين عندما ظن بأنها استقرت وانتصرت، فقطع معونته عنها، فكان ان ابتلعها المحيط العربي ! هذا الشبه بين الغزوة الصهيونية في القرن العشرين، والغزوة الصليبية في القرن الحادي عشر، شبه يلاحظه كل دارس للتاريخ، والمتتبعين لأهداف الغزوتين وطابعهما وأساليبهما..!! وهو تشبيه يثير غضب الصهاينة فيصرون دائما على نفيه، إلا عندما يحتاجون لإثارة تعصب اليمين الغربي وعنصريته فيعترفون له بالحقيقة. إن الغزوة الصليبية مع ما كلفته للجنس البشري من آلام، وما أورثته من مرارة وأحقاد، وما أحدثته من انحراف في العلاقات الاتسانية بين الشرق والغرب، ما تزال آثاره حية إلى اليوم.. إن هذا الإعصار المجنون الذي اجتاح الحضارة، وأثار أحط الغرائز البشرية، ودفع مليون مقاتل إلى مغادرة أوروبا إلى فلسطين، هذا الإعصار قد انحسر، ولم يترك وراءه إلا الخراب والدمار.. ولم تبق من آثاره إلا بقايا قلاع مهدمة.. أو ذكريات مذابح وحشية عبروا فيها عن تخلفهم الحضاري، وهذا هو المصير المحتوم الذي ينتظر الإعصار اليهودي المعاصر.؟! إعصار الصهيونية الذي يجتاح فلسطين والأرض العربية للمرة الثانية !! وهناك أوجه شبه عديدة بين الإعصارين أو الغزوتين، شبه بين الغزاة.. وشبه بين ظروف المنطقة عندما وقع الغزو.. وشبه بين ظروف وخصائص ظهور القيادة الجديدة التي تحطم ليل الهزيمة والإنكسار..وتبعث روح المقاومة في الأمة.. فهيرتزل هو البابا أربان؟!
لم يشهد صلاح الدين جلاء آخر جندي من الغزاة، بل عاش بعد حطين وتحرير القدس أياما عصيبة، شهد فيها سقوط عكا، وإبادة شعبها، وشهد تدفق الغزاة من جديد..!! ولكنه كان يدرك بإيمان المجاهد ووعي الخبير، أن هذه ليست أكثر من صحوة الموت، والطعنة الأخيرة من وحش جريح يدرك أنه يموت.. لم يشهد صلاح الدين نهاية الغزاة.. ولكنه هو الذي أصدر الحكم بالنهاية، وبقي على التاريخ أن ينفذ خكم البطل؟! حطين ذكرى انتصار أمة على الفناء.. ما من معركة أخرى تعادلها في تاريخ الأمم.. وعندما مات البطل أحصوا ثروته فوجدوها أقل من دينارين؟! وقبل أن يغلقوا القبر عليه جاء القاضي..يحمل سيف البطل، ووضعه إلى جانب جثمانه وهو يقول: خذ هذا سيفك تتوكأ عليه في الجنة؟!
وبكت الجماهير..فما أعظم قيادة تخرج من الدنيا لا تملك إلا سيفها.. وما أروعه طريقا إلى الجنة.. رواده لا يتكئون إلا على السيوف؟! وللأسف..لم تترك قياداتنا ثغرة واحدة يمكن أن ينفذ منها النصر العربي إلا وسدتها.. ولا غلطة يمكن أن يستفيد منها العدو لم ترتكبها !! انظر: محمد جلال كشك، لمحات من حطين. ط1/ 1985م. ص 9 وما بعدها.
[19]- انظر: مقال الدكتور المُبدع: شاكر مصطفى – حفظه الله ورعاه على هذا المقال السهل الممتنع -، أستاذ التاريخ بجامعة الكويت مجلة شؤون عربية/ فصلية فكرية - العدد 52 - تصدر عن جامعة الدول العربية. وانظر: الإسلام والصليبيات.. رؤية يهودية- عبدالكريم السمك- شبكة الألوكة.. بتصرف واختصار