Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

اتهام ابو هريرة رضي الله عنه بالفرار من غزوة مؤته

اتهام ابو هريرة رضي الله عنه بالفرار من غزوة مؤته

 الجواب:
 
وأما اتهامه( ابو رية ) لأبي هريرة ، رضي الله عنه ، بالجبن ، يوم مؤتة ، فقد ذكر الحافظ ابن كثير ، رحمه الله ، في "البداية والنهاية" ، (4/278) ، رواية الواقدي : حدثني ربيعة بن عثمان ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال: شهدت مؤتة فلما دنا منا المشركون رأينا ما لا قبل لأحد به من العدة والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب ، فبرق بصري ، فقال لي ثابت بن أرقم : يا أبا هريرة كأنك ترى جموعا كثيرة ؟ قلت نعم ! قال إنك لم تشهد بدرا معنا ، إنا لم ننصر بالكثرة ، رواه البيهقي .


والرواية ليس فيها ذكر لفرار أبي هريرة ، رضي الله عنه ، وإنما هال أبا هريرة ، كثرة جموع الروم ، وهو أمر قد يعرض لأي مقاتل ، لا سيما ، إذا كان جيش العدو يزيد بنحو : 197 ألف مقاتل ، فقد كان الجيش الرومي يبلغ نحو : 100 ألف مقاتل ، وانضم إليهم : 100 ألف من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلي ، فضلا عن فارق العتاد !!!! .

وقد فر يوم مؤتة ، جمع من الصحابة ، رضي الله عنهم ، كان فيهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، ومع ذلك لم يشملهم وعيد التولي يوم الزحف ، كما في رواية أحمد : حدثنا حسن ، ثنا زهير ، ثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عبد الله بن عمر قال : كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس حيصة وكنت فيمن حاص ، فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ؟ ثم قلنا لو دخلنا المدينة قتلنا ، ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا ، فأتيناه قبل صلاة الغداة ، فخرج فقال : من القوم ؟ قال : قلنا نحن فرارون ، فقال لا بل أنتم الكرارون ، أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين ، قال فأتيناه حتى قبلنا يده .

ويعلق الحافظ ابن كثير ، رحمه الله ، بقوله :
قلت : لعل طائفة منهم فروا لما عاينوا كثرة جموع الروم ، وكانوا على أكثر من أضعاف الأضعاف فإنهم كانوا ثلاثة آلاف وكان العدو على ما ذكروه مائتي ألف ،ومثل هذا يسوغ الفرار على ما قد تقرر ، فلما فر هؤلاء ثبت باقيهم وفتح الله عليهم وتخلصوا من أيدي أولئك وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، كما ذكره الواقدي وموسى بن عقبة من قبله .

فلو ثبت أنهم قد فروا ، ولو ثبت أن أبا هريرة ، رضي الله عنه ، كان فيمن فر ، فقد جاء عذرهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمتولي يوم الزحف يستحق الوعيد إن لم ينحز لفئة ، وأولئك الأخيار إنما انحازوا إلى المدينة ، فئة كل مؤمن في عهد النبوة .

يقول ابن كثير ، رحمه الله ، في تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)) :

وقال الضحاك : أن يتقدم عن أصحابه ليرى غرة من العدو فيصيبها .
أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ } أي : فر من هاهنا إلى فئة أخرى من المسلمين ، يعاونهم ويعاونوه فيجوز له ذلك ، حتى ولو كان في سرية ففر إلى أميره أو إلى الإمام الأعظم ، دخل في هذه الرخصة .............................. وكذلك قال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، في أبي عبيد لما قتل على الجسر بأرض فارس ، لكثرة الجيش من ناحية المجوس ، فقال عمر : لو انحاز إليّ كنت له فئة ، هكذا رواه محمد بن سيرين ، عن عمر .
وفي رواية أبي عثمان النهدي ، عن عمر قال : لما قتل أبو عبيد قال عمر : يا أيها الناس ، أنا فئتكم . 

وقال مجاهد : قال عمر : أنا فئة كل مسلم .

وقال عبد الملك بن عُمَيْر ، عن عمر : أيها الناس ، لا تغرنكم هذه الآية ، فإنما كانت يوم بدر ، وأنا فئة لكل مسلم .

وقول ابن كثير رحمه الله : "ومثل هذا يسوغ الفرار على ما قد تقرر" ، بيان للحكم الشرعي في مصابرة المسلم ، في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)
يقول رحمه الله في تفسير هذه الآية :
ثم قال تعالى مُبَشِّرًا للمؤمنين وآمرا : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } كل واحد بعشرة ثم نسخ هذا الأمر وبقيت البشارة .
قال عبد الله بن المبارك : حدثنا جرير بن حازم ، حدثني الزبير بن الخِرِّيت عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت: { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } شق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة ، ثم جاء التخفيف ، فقال : { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ } إلى قوله : { يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قال : خفف الله عنهم من العدة ، ونقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم . اهــ

فاستقر الحكم على جواز الفرار إن فاق العدو المسلمين بأكثر من ضعفين ، وقد تحقق ذلك في غزوة مؤتة ، فكان عدد العدو أضعاف أضعاف عدد المسلمين ، فلا حرج من الفرار عندئذ .

ولو سلمنا جدلا بأنه ذنب ، فباب التوبة مفتوح لكل مذنب ، وأولى الناس بولوجه الصحابة ، رضوان الله عليهم ، ولهم من الحسنات الماحيات ما يجب ذنوبهم ، كما تقرر في أكثر من موضع ، وقد فر عثمان ، رضي الله عنه ، وهو أجل من أبي هريرة وابن عمر ، رضي الله عنهما ، يوم أحد ، وتاب الله ، عز وجل ، عليه وعلى من فر معه ، وأنزل في توبتهم قرآنا يتلى إلى قيام الساعة ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)

وفي كتاب "المناقب" من صحيح البخاري من مناقب ذي النورين رضي الله عنه :
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ قَالَ
جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فَقَالُوا هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ قَالَ فَمَنْ الشَّيْخُ فِيهِمْ قَالُوا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ هَذِهِ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ اذْهَبْ بِهَا الْآنَ مَعَكَ . اهــــ

وقد شهد أبو هريرة ، رضي الله عنه ، جميع الغزوات بعد خيبر ، مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس هذا من طبع الانتهازي ، فهو إن ثبت في مرة ، لا يثبت في الأخرى ، لا سيما إن كانت المشقة كبيرة ، كما حدث في غزوة العسرة ، وفيها يقول الله ، عز وجل ، مزكيا النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضوان الله عليهم : (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ، وكان أبو هريرة ، رضي الله عنه ، ممن شهد هذه الغزوة .

وكان ، رضي الله عنه ، ممن دافع عن الخليفة الشهيد : أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، بجوار الحسن بن علي ، وابن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، ومروان بن الحكم ، حتى عزم عليهم عثمان ، رضي الله عنه ، ألا يقاتلوا ، فضرب ذلك الشهيد الجليل أروع الأمثلة في حقن دماء المسلمين ، فافتدى الأمة بدمه الزكي .
بتصرف من "العواصم من القواصم" ، ص111 .

فالجبناء ينكشف حالهم في مثل تلك اللحظات الحالكة ، وقد كان أبو هريرة ، رضي الله عنه ، ممن أبان عن شجاعته ونبل أصله في هذه الفتنة العظيمة .
وفي هذا الخبر ما يدحض مزاعم من زعم : أن أمير المؤمنين عليا ، رضي الله عنه ، كان راضيا عن قتل عثمان ، رضي الله عنه ، إذ كيف يصح ذلك ، مع كونه يرسل ابنه البكر للدفاع عنه في مواجهة غير متكافئة من الناحية العددية ، إذ عدد الثوار يفوق بكثير عدد المدافعين ؟!!! .

يقول الشيخ محب الدين الخطيب ، رحمه الله ، معلقا :
"وهذه المواقف المشرفة للصحابة ، رضوان الله عليهم ، تلقم خصوم الإسلام الذين يقولون بأن الصحابة كلهم كانوا راضين بقتل عثمان ويتبرؤون منه حتى تركوه ولم يدافعوا عنه ! ، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا" .
"العواصم من القواصم، ص111 .

وأبو هريرة ، رضي الله عنه ، وإن لم يكن من الموهوبين في القتال ، إلا أنه ، كما تقدم ، حضر كل الغزوات بعد خيبر ، وكانت موهبته الحقيقية التي اكتشفها النبي صلى الله عليه وسلم في : حفظ العلم ، فدعا له بالحفظ ، وقربه إليه ، فكان راوية الإسلام الأول بلا منازع .
وفي البخاري من طريق : قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ : لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ .

ومرة أخرى تظهر عظمة القائد ، صلى الله عليه وسلم ، في توظيف قدرات أفراد الجماعة المسلمة ، فلكل موهبة اختصه الله ، عز وجل ، بها ، فالصديق والفاروق للشورى ، وعثمان للبذل والإنفاق ، وعلي للحرب والسنان ، وخالد للفتح وشفاء الصدور من وساوسها ، وعمرو للسياسة ، ومعاوية للكتابة ، وحسان لجهاد القوافي والذب عن دعوة الحق ، وأبو هريرة لحفظ العلم ...................... إلخ