ادعاء الشيعة نفاق عمر بن الخطاب وكفره والرد على ذلك
ادعاء الشيعة نفاق عمر بن الخطاب وكفره والرد على ذلك
يدعي الشيعة الإثنا عشرية نفاق عمر رضي الله عنه وكفره؛ فقد زعم سليم بن قيس أن علي بن أبي طالب قال عن عمر: (إنه منافق)([71])وادعى التستري أن الصحابة كانوا يعلمون بنفاقه([72]).
وقد ادعى هذه الدعوى البياضي وغيره؛ فقد قال البياضي: [عمر سأل حذيفة عن نفسه: هل هو من المنافقين أم لا؟ ولولا أنه علم من نفسه صفات تناسب صفات المنافقين لم يشك]([73]).
وعندما رد عليه أهل السنة بأن حذيفة نفى أن يكون عمر رضي الله عنه من المنافقين([74]) أجابهم بقوله: [جاز أن يكون هابه وخافه لما شاهد من جرأته على من هو أعظم منه]([75]).
وقد عمد الشيعة إلى آيات نزلت في المنافقين، وزعموا أنها نزلت في عمر رضي الله عنه، وذلك بناء على القاعدة التي قعدوها: [كل من انطبقت عليه آية جاز أن يقال: إنها نزلت فيه:([76])] ومن هذه الآيات: قوله تعالى: ((وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ)) [البقرة:204]، وغيرها من الآيات([77]).
أما دعواهم كفر عمر رضي الله عنه: فالشواهد عليها كثيرة جداً من كتب القوم أنفسهم؛ فـ الشيعة قد تأولوا آيات نزلت في الكفار وزعموا أنها نزلت في عمر، منها قوله تعالى: ((وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً)) [الفرقان:55]. وآيات آخرى([78]).
وقد زعم البياضي أن عمر رضي الله عنه كان كافراً([79])، وزعم الكركي الزعم نفسه([80])، وساق الدلائل على كفر عمر، وذكر منها تحريم عمر لما أحله الله ورسوله، وذكر شاهداً لذلك: تحريم عمر للمتعة التي أحلها الله ورسوله، على حد زعمه([81]).
قال الكركي بعد ذكره تحريم عمر للمتعة: [وهذا من أمتن الدلائل دلالة على كفره؛ لأن من ينادي على رؤوس المسلمين بأن يحرم ما أحله رسول الله، ويرد قوله، ويغير الشرع، ويعاقب على فعله: كافر من أشنع الكفار، وكفى بهذا دليلاً على أنه ما كان يعتقد الشرع، ولا يرى للنبوة حرمة]([82]).
وذكروا من الأدلة على كفره أيضاً قوله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنه يهجر]([83])بالإضافة إلى أدلة أخرى ذكروها([84]).
قال المجلسي: [لا مجال لعاقل أن يشك في كفر عمر، فلعنة الله ورسوله عليه، وعلى كل من اعتبره مسلماً، وعلى كل من يكف عن لعنه]([85])([86]).
ويزعم الشيعة أن كفر عمر رضي الله عنه مساوٍ لكفر إبليس إن لم يكن أشد منه، بدليل مآلهما وحالهما يوم القيامة؛ فقد روي العياشي بسنده إلى أبي عبد الله جعفر الصادق قال: (إنه إذا كان يوم القيامة يؤتى بـ إبليس في سبعين غلاً، وسبعين كبلاً([87]) فينظر الأول إلى زفر([88]) في عشرين ومائة كبل، وعشرين ومائة غل، فينظر إبليس فيقول: من هذا الذي أضعفه الله عليّ العذاب، وأنا أغويت هذا الخلق جميعاً؟ فيقال: هذا زفر. فيقول: بم حدد له هذا العذاب؟ فيقال: ببغيه على علي عليه السلام. فيقول له إبليس: ويل لك، وثبور لك، إما علمت أن الله أمرني بالسجود ل آدم فعصيته، وسألته أن يجعل لي سلطاناً على محمد وأهل بيته وشيعته فلم يجعل لي ذلك، وقال: ((إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ)) [الحجر:42] إلى أن قال له: فما كان منك إلى علي وإلى الخلق الذين اتبعوك على الخلاف؟ فيقول الشيطان؛ وهو زفر([89]) لـ إبليس: أنت أمرتني بذلك. فيقول له إبليس: فلم عصيت ربك وأطعتني؟ فيرد زفر عليه: ما قال الله: ((إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ)) [إبراهيم:22] إلى آخر الآية)([90]).
وقد نسب سليم بن قيس إلى سلمان الفارسي نحواً من هذه الرواية، وفيها: (..يؤتى بـ إبليس مزموماً بزمام من نار، ويؤتى بزفر مزموماً بزمامين من نار..)([91]).
وأسند الصدوق إلى جعفر الصادق قوله: (يؤتى يوم القيامة بـ إبليس لعنه الله مع مضل هذه الأمة([92]) في زمامين غلظهما مثل جبل أحد، فيسحبان على وجوههما، فيسد بهما باب من أبواب النار)([93]).
وأسند الجزائري: [قد ورد في روايات الخاصة([94]) إن الشيطان يغل بسبعين غلاً من حديد جهنم، يساق إلى المحشر، فينظر ويرى رجلاً أمامه تقوده ملائكة العذاب وفي عنقه مائة وعشرون غلاً من أغلال جهنم، فيدنو الشيطان إليه، ويقول: ما فعل الشقي حتى زاد عليّ في العذاب، وأنا أغويت الخلق وأوردتهم موارد الهلاك، فيقول عمر للشيطان: ما فعلت شيئاً سوى أني غصبت خلافة علي بن أبي طالب]([95]).
ولقائل أن يقول: أما كان علي رضي الله عنه يعلم بكل ما رمى به الشيعة عمر بن الخطاب؟ فكيف زوجه ابنته أم كلثوم وهو كافر؟ سيّما وأن الأئمة -كما يعتقد الشيعة - يفرقون بين المؤمن والكافر مما كتب على جباههم فقد روى المفيد بسنده إلى أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال: (إنه ليس من عبد يولد إلا كتب بين عينيه مؤمن أو كافر، وإن الرجل ليدخل إلينا يتولانا ويتبرأ من عدونا فيرى مكتوباً بين عينيه مؤمن، قال الله عز وجل: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)) [الحجر:75]، فنحن نعرف عدونا من ولينا)([96]). وبنحوه قال أبو جعفر الباقر([97]).
أضف إلى هذا أن الكافر لا يجوز أن يُزوَّج كما روى الشيعة عن أئمتهم؛ فقد روى الطوسي بسنده إلى أبي عبد الله جعفر الصادق أنه: (سئل عن الناصب([98])، الذي عرف نصبه وعداوته: هل يزوجه المؤمن وهو قادر على رده ولا يعلم برده؟ فقال: لا يتزوج المؤمن الناصبة، ولا يتزوج الناصب مؤمنة، ولا يتزوج المستضعف مؤمنة)([99]).
فلماذا زوجّ علي ابنته لـ عمر مع علمه أنه كافر؟
قد تخبط الشيعة في الإجابة عن هذا السؤال، وتناقضوا تناقضاً كبيراً؛ ففريق منهم أنكر أن يكون عمر تزوج بـ أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب. وهذا الفريق انقسم قسمين: قسم أنكر قصة الزواج هذه. وقسم أثبتها، ولكن زعم أن عمر تزوج بجنية بدلاً من أم كلثوم تمثلت بصورتها([100]).
وفريق آخر لم يستطع إنكار هذا الزواج، واكتفى بسوق المبررات.
1- وممن أنكر قصة الزواج: الشيخ المفيد ؛ فقد قال في المسائل السروية: [إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين (ع) ابنته من عمر لم يثبت، وطريقته من الزبير بن بكارئئ([101])، ولم يكن موثوقاً به في النقل، وكان متّهماً فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين (ع)، وغير مأمون.
والحديث نفسه مختلف، فتارةً يروي أن أمير المؤمنين (ع) تولى العقد له على ابنته، وتارةً يروي عن العباس أنه تولى ذلك عنه، وتارةً يروى أنه كان عن اختيار وإيثار، وتارةً يروى أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد من عمر وتهديد لبني هاشم...]([102]). وإنكار المفيد وغيره لهذه القصة مكابرة، وأيما مكابرة؛ فالقصة مذكورة في أمهات كتب الشيعة وبناتها. والمفيد نفسه قد ذكرها في كتاب آخر من كتبه، وبرر تزويج علي ابنته لـ عمر بخوف علي من بطش عمر.([103]).
وقصة الزواج هذه ذكرها عدد كبير من مصنفي الشيعة، منهم الكليني([104])، والأشعث الكوفي([105])، والشريف المرتضى([106])، واليعقوبي([107])، المفيد([108])، وابن شهر آشوب([109])، والإربلي([110]) وابن أبي الحديد([111])، ومحمد بن الحسن الطوسي([112])، وابن طاوس([113])، والبياضي([114])، والفضل بن الحسن الطبرسي([115])، والمجلسي([116])، والتستري([117])، وعباس القمي([118]) وغيرهم كثير.
وهذه القصة ذكرها جماعة من ثقات مشايخ الشيعة كما قال التستري: [ذكرها هذا التزويج جماعة ثقات من مشايخنا]([119])، وقال في موضع آخر: [واتفقوا على أن تزويج أم كلثوم بـ عمر كان بإلحاح كثير وطلب طويل من العباس بن عبد المطلب، وهو كان سبب هذا الزواج]([120]).
2- وقد زعم جماعة من الشيعة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تزوج جنيّة تمثلت له في صورة أم كلثوم بنت علي، منهم: الراوندي في الخرايج والجرايح ؛ حيث روى بسنده إلى عمر بن أذينة([121]). قال: (قيل لـ أبي عبد الله (ع): إن الناس يحتجون علينا ويقولون: إن أمير المؤمنين (ع) زوج فلاناًَ ابنته أم كلثوم؟ وكان متكئاً فجلس، وقال: يقولون ذلك! إن قوماً يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السبيل، سبحان الله! أما كان أمير المؤمنين يقدر أن يحول بينه وبينها فينقذها؟ كذبوا، ولم يكن ما قالوا، إن فلاناً خطب ابنته أم كلثوم فأبى علي. فقال للعباس: والله لئن لم يزوجني لأنتزعن منك السقاية وزمزم، فأتى العباس علياً وكلمه، فأبى عليه، فألح الرجل على العباس، فألح العباس عليه، فلما رأى أمير المؤمنين (ع) مشقة كلام الرجل على العباس وأنه سيفعل بالسقاية ما قال، أرسل أمير المؤمنين، وطلب جنية من أهل نجران يهودية يقال لها: سحيقة بنت جريرية، فأمرها فتمثلت في مثال أم كلثوم، وحجبت الأبصار عن أم كلثوم، وبعث بها إلى الرجل فلم تزل عنده، حتى إنه استراب بها يوماً، فقال: ما في الأرض أهل بيت أسحر من بني هاشم، ثم أراد أن يظهر ذلك للناس فقتل، وحوت جنيّته الميراث، وانصرفت إلى نجران، فأطهر أمير المؤمنين (ع) أم كلثوم)([122]).
ولعل هذا الكلام المختلق مقتبس من رواية المفضل بن عمر الجعفي([123]) عن جعفر الصادق في كتابه الذي سماه الهفت الشريف([124])، وملخصة: (إن عمر هدد أن يغور ماء بئر زمزم، وأن يرفع عن البيت الحرام رسم المقام، وأن يقتل علياً إن لم يزوجه ابنته أم كلثوم، فألقى علي شبه أم كلثوم على جريرة بنت عمر([125])، فتزوجها عمر وهو يظنها أم كلثوم بنت علي، بينما هي ابنته جريرة، ولم ينتبه لحقيقتها إلا بعد فوات الأوان)([126]).
وهذه القصة التي سقتها من كتب الإثني عشرية، من كتب الغلاة، من الخرافات التي لا يقبلها عقل، ولا يصححها نقل، والروايات الكثيرة التي بلغت حد التواتر والمنقولة عن مصنفي الشيعة في إثبات هذا الزواج -وخاصة ما ورد في الأصول الأربعة عند الشيعة - فيها رد ظاهر على هذه الخرافة المخترعة؛ فـ الكليني والطوسي أسندا إلى جعفر الصادق أنه سئل عن المرأة المتوفى عنها زوجها أين تعتد: (أفي بيتها أم حيث شاءت، فقال: بل حيث شاءت، إن علياً صلوات الله عليه لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته)([127])فهل انطلق علي بالجنية اليهودية إلى بيته لتعتد فيه، أم انطلق بابنته أم كلثوم؟
وأسند الطوسي إلى الباقر قوله: (ماتت أم كلثوم بنت علي، وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدري أيهما هلك قبل، فلم يورث أحدهما من الآخر، وصلي عليهما جميعاً)([128])فهل أنجبت الجنية لـ عمر زيداً، وبقيت إلى أن ماتت مع ابنها في يوم واحد؟ وكيف وقد زعم الشيعة أن الجنية رجعت إلى بلادها إثر موت عمر رضي الله عنه([129])؟ علماً بأن أم كلثوم كانت حاملاً بـ زيد بن عمر عندما استشهد عمر رضي الله عنه، كما ذكر ذلك صاحب كتاب الأشعثيات فيما أسنده إلى علي بن الحسين رضي الله عنهما([130]).
فهل أخذ علي الجنية إلى بيته واستبقها إلى أن وضعت ولدها.
و التستري قد ذكر أن محمد بن جعفر بن أبي طالب قد خلف على أم كلثوم بعد وفاة عمر بن الخطاب، فقال: [إن محمد بن جعفر تشرف بمصاهرة علي (ع) بعد موت عمر بن الخطاب، وزوجه أم كلثوم أرملة عمر]([131]). فهل تزوج محمد بن جعفر جنية بعد وفاة عمر رضي الله عنه؟
إن هذا الافتراء غير مقبول عند أكثر الشيعة، وقد تقدمت أقوالهم في إثبات هذه القصة، وقالوا: إن عمر رضي الله عنه تزوج أم كلثوم بنت علي حقيقة.
والسؤال الذي يُطرح عليهم مرة أخرى: لماذا زوج علي ابنته لـ عمر بن الخطاب مع علمه أنه كافر؟
كبار علماء الشيعة يزعمون أن هذا الزواج تم بالقهر والاغتصاب، مستدلين بقول أبي عبد الله جعفر الصادق عن زواج أم كلثوم بـ عمر: (إن ذلك فرج غصبناه)([132])زاعمين أن مثل أم كلثوم مع عمر مثل آسية مع فرعون([133]).
وأجابوا على السؤال المطروح آنفاً: بأنه لا يمتنع شرعاً إنكاح الكافر قهراً، خاصة إذا كان هذا الكافر مظهراً للإسلام متمسكاً بظاهر الشريعة([134]).
قال المرتضى: [ولا يمتنع أيضاً من مناكحة الكفار على سائر أنواع الكفر، وإنما المرجع فيما يحل ويحرم من ذلك إلى الشريعة، وفعل أمير المؤمنين عليه السلام أقوى حجة من أحكام الشريعة([135])، فإن قيل: لو أكره على نكاح اليهود والنصارى أكان يجوز ذلك؟ قلنا: إن كان السؤال عما في العقل فلا فرق بين الأمرين. وإن كان عما في الشرع فالإجماع يحظر أن ينكح اليهود على كل حال، وما أجمعوا على حظر نكاح من ظاهره الإسلام وهو على نوع من القبيح يكفر به إذا اضطررنا إلى ذلك وأكرهنا عليه]([136]). وبمثل قوله قال الطوسي([137]). والبياضي([138]).
ومفاد كلامهم إن هذا الزواج تم بالإكراه، وأن عمر كان متمسكاً بظاهر الإسلام وإن كان في الباطن كافراً، والزواج بهذه الصورة جائز.
بيد أن الطوسي نفى في موضع آخر أن يكون الزواج تم قهراً، فقال حاكياً عن هذا الزواج: [في أصحابنا من أنكر هذه التزويج، ومنهم من أجازه وقال: فعل ذلك لعلمه بأنه يقتل دونها، والصحيح غير ذلك، وأنه زوجها منه تقية]([139]).
وكذا قال المجلسي، مما قاله تعليقاً على قول جعفر الصادق: (إن ذلك فرج غصبناه): تدل على تزويج أم كلثوم من الملعون المنافق ضرورة وتقية([140]).
وقال الطوسي: فزوجها منه حين ظهر له أن الأمر يؤول إلى الوحشة([141]).
وأما دعوى الشيعة أن الزواج كان تقية -مع تسليم بعضهم أنه كان اختياراً لا قهراً- وما كان كذلك كان جائزاً ولو كان الزوج كافراً: فدعوى باطلة؛ لأن زواج المسلمة بالكافر يحرم بالإجماع، لقوله تعالى: ((وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا)) [البقرة:221]، وقوله تعالى: ((فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)) [الممتحنة:10] ولأن في هذا الزواج خوف وقوع المؤمنة في الكفر بدليل الإشارة إلى ذلك في آخر الآية ((أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)) [البقرة:221]؛ أي يدعون المؤمنات إلى الكفر، والدعاء إلى الكفر دعاء إلى النار؛ لأن الكفر يوجب النار، فكان زواج الكافر من المسلمة داعياً إلى الحرام، فصار حراماً.
وحاشا لـ علي رضي الله عنه أن يستحل ما حرم الله خشية أن تحدث القطيعة والوحشة بينه وبين عمر، وكيف يخشى علي من الوحشة ويزوج ابنته لمن يعتقد كفره -على حد زعمهم- وهو لا يبالي ولا يستوحش ولو كان وحده إذا كان على الحق كما يروون عنه: (إني والله لو لقيتهم واحداً، وهم طلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت)([142]). أو كيف يستحل ما حرم الله بمبرر التقية كما زعموا، وهل التقية التي عنوها إلا الكذب المحض، وحاشا لـ علي أن يكذب، وهو القائل: (لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده)([143]).
أو كيف يخاف ولا يبذل نفسه دون عرضه، وهو- كما يدعي الشيعة الشجاع الصنديد، والأسد الغضنفر، الذي قتل ثمانين ألفاً من الجن في موقعه واحدة، وهو وحده ليس معه من يساعده([144]). وقد ذكر الراوندي: (إن علياً بلغه عن عمر ذكر شيعته، فاستقبله في بعض طرق بساتين المدينة وفي يد علي القوس، فقال: يا عمر ! بلغني عنك ذكرك شيعتي، فقال: أربع على ظلعك، فقال: إنك لها هنا، ثم رمى بالقوس على الأرض فإذا هو ثعبان كالبعير فاغراً فاه وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه، فصاح عمر: الله الله يا أبا الحسن، لا عدت بعدها في شيء، وجعل يتضرع إليه، فضرب بيده إلى الثعبان فعادت القوس كما كانت، فمضى عمر إلى بيته مرهوباً)([145]).
فـ علي هنا ارهب عمر لمجرد أنه ذكر شيعته -كما أفادت هذه الرواية- أفما كان بإمكانه أن يرهبه لمـّا رغب في نكاح ابنته بقوس آخر.
فالذي ينبغي أن يصير إليه الشيعة ويسلموا له، هو أن السبب في هذا الزواج هو الحب والرغبة في تقوية أواصر القربى([146])، وليس الوحشة والتقية والخوف كما ذكروا، وذلك الانتفاء الأمور السابقة، ولوجود ما يؤيد هذا الحب في كتبهم؛ فقد ذكر هاشم الحسيني أن عمر ألحق الحسن والحسين وأبا ذر وسلمان بأهل بدر في العطاء، وأعطاهم أكثر مما يعطي ولده([147])، حتى إن ابنه أنكر عليه تقديم الحسن والحسين، وقال له: (قدمتهما عليّ ولي هجرة وصحبة دونهما)([148])ولكنه لم يلتفت لقوله، وبقي على تقديمهما والإحسان إليهما.
ولقد أحب أهل البيت عمر، حتى إنهم سموا بعض أولادهم باسمه، وقد نسبوا إلى جعفر الصادق أن تسمية الأولاد بأسماء بعض الأشخاص يدل على شدة الحب لهؤلاء الأشخاص؛ فقد قيل لـ أبي عبد الله جعفر الصادق: (جعلت فداك، إنما نسمي بأسمائكم وأسماء آبائكم، فينفعنا ذلك؟ فقال: إي والله، وهل الدين إلا الحب، قال الله تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [آل عمران:31)]([149]).
ولقد سمّى علي رضي الله عنه أحد بنيه باسم عمر، كما ذكرت ذلك كتب الشيعة([150])، وسمى الحسن بن علي رضي الله عنهما أحد أولاده عمر([151])، وسمى الحسين بن علي رضي الله عنهما أحد أولاده عمر أيضاً([152])، وكذلك علي بن الحسين زين العابدين([153])، وكذلك موسى بن جعفر الكاظم([154]) أما علي بن موسى الرضا فيروي الشيعة عنه أنه أوصى أحد أصحابه أن يسمى ابنه بـ عمر([155]).
فهؤلاء ستة من أئمة الشيعة الاثني عشر -المعصومين عندهم- يسمّون أولادهم باسم عمر رضي الله عنه، بل ويوصي بعضهم أحد أصحابه أن يسمي ابنه بـ عمر، وهذا إن دل فإنما يدل على شدة حبهم للفاروق عمر رضي الله عنه.
وهذا حجة على الشيعة الذين يتعصبون للأسماء.
([71]) السقيفة لسليم بن قيس (ص:147).
([72]) إحقاق الحق للتستري (ص:284).
([73]) الصراط المستقيم للبياضي (3/28).
([74]) راجع: الاستيعاب لابن عبد البر (1/277-278)، وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي (ص:191).
([75]) الصراط المستقيم للبياضي (3/79).
([76]) الصراط المستقيم للبياضي (2/3).
([77]) راجع للاستزادة: فصل الآيات التي زعم الشيعة أنها نزلت في عمر رضي الله عنه (ص:793).
([78]) راجع للاستزادة: فصل الآيات التي زعم الشيعة أنها نزلت في عمر رضي الله عنه (ص:793).
([79]) الصراط المستقيم للبياضي (3/129).
([80]) راجع: نفحات اللاهوت للكركي (ق49/ب-52/أ، 68/ب).
([81]) سيأتي بيان لهذه القضية (ص:690).
([82]) نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت للكركي (ق49/ب-50/أ).
([83]) عقائد الإمامية للزنجاني (3/27).
([84]) راجع الصراط المستقيم للبياضي (3/29)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق68/ب-69/ب).
([85]) أثبتّ هذه الجملة كما جاءت في كتاب المجلسي كيما تتجلى حقيقة الشيعة وما يعتقدونه في عمر الفاروق، رغم تقطع نياط القلب من قراءتها فضلاً عن كتابتها.
([86]) جلاء العيون للمجلسي (ص:45).
([87]) الكبل: هو القيد الضخم (الصحاح للجوهري (5/1808).
([88]) زفر: لقب من الألقاب التي يطلقها الشيعة على عمر رضي الله عنه كما صرح بذلك البياضي وغيره. الصراط المستقيم للبياضي (3/16)، ومقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي (ص:270)، وإلزام الناصب للحائري (2/353). وانظر أيضاً: الهفت الشريف للمفضل الجعفي (ص:60-64).
([89]) سيأتي (ص:742) أن الشيطان من الألقاب التي أطلقها الشيعة على عمر رضي الله عنه.
([90]) تفسير العياشي (2/223-224). وانظر: البرهان للبحراني (2/310)، وبحار الأنوار للمجلسي (8/220).
([91]) السقيفة لسليم بن قيس (ص:93).
([92]) يقصدون عمر رضي الله عنه. راجع: فصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص:9-10).
([93]) عقاب الأعمال للصدوق (ص:466).
([94]) يريد بهم (الشيعة) تمييزاً لهم عن العامة (أهل السنة).
([95]) الأنوار النعمانية للجزائري (1/81-82).
([96]) الاختصاص للمفيد (ص:303) وانظر: بحار الأنوار للمجلسي (7/116).
([97]) راجع الاختصاص للمفيد (ص:302، 304).
([98]) الناصب: هو كل من يقدم أبا بكر وعمر ويعتقد إمامتهما. وهذا التعريف يشمل كل أهل السنة. راجع: المحاسن النفسانية لحسين الدرازي (ص:145)، ومقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي (ص:308)، والأنوار النعمانية للجزائري (2/206-207).
([99]) الاستبصار للطوسي (3/183).
([100]) وذهب فريق ثالث من الباطنية إلى القول بأن عمر تزوج ابنته على الحقيقة بصورة أم كلثوم. (الهفت الشريف ص:60-64).
([101]) ابن عبد الله بن مصعب الأسدي المدني. قال الذهبي: ثقة من أوعية العلم، وقال ابن حجر: ثقة، روى له الجماعة. مات سنة ست وخمسين ومائتين. ميزان الاعتدال للذهبي (2/66)، وتقريب التهذيب لابن حجر (ص:214).
([102]) المسائل السروية للمفيد (ص:60-63) ونقله المجلسي في بحار الأنوار (9/625).
([103]) ذكرها في أوائل المقالات (ص:200-202).
([104]) ذكرها في الفروع من الكافي (6/115).
([105]) ذكرها في الأشعثيات (ص:109).
([106]) ذكرها في الشافي (ص:216)، وفي تنزيه الأنبياء (ص:141).
([107]) ذكرها في تاريخه (2/149-150).
([108]) ذكرها في أوائل المقالات (ص:200-202).
([109]) ذكرها في مناقب آل أبي طالب (3/162).
([110]) ذكرها في كشف الغمة (1/440).
([111]) ذكرها في شرح نهج البلاغة (3/124، 146) (4/575).
([112]) ذكرها في الاستبصار (3/353)، وفي تهذيب الأحكام (2/380)، وفي تلخيص الشافي (ص:354)، وفي الاقتصاد (ص:340).
([113]) ذكرها في الملاحم والفتن (ص:156)، وفي سعد السعود (ص:257)، وفيه ذكر أن سبب رغبة عمر بالزواج من أم كلثوم ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي فإنها موصولة) ونقله عنه الحر العاملي في الفصول المهمة (ص:126).
([114]) ذكرها في الصراط المستقيم (3/129-130).
([115]) ذكرها في إعلام الورى (ص:204).
([116]) ذكرها في بحار الأنوار (9/621-625).
([117]) ذكرها في مجالس المؤمنين (ص:82-85)، وفي مصائب النواصب (ص:168-169).
([118]) ذكرها في منتهى الآمال (1/186).
([119]) مصائب النواصب (ص:168).
([120]) نفس المصدر (ص:169).
([121]) قال الكشي: يقال اسمه محمد بن عمر بن أدينة، غلب عليه اسم أبيه، وهو كوفي مولى لعبد القيس. وقد وثقه المامقاني. اختيار معرفة الرجال للطوسي (ص:334-335)، وتنقيح المقال للمامقاني (2/340).
([122]) الخرايج والجرايح للرواندي (ص:136) ونقله عنه الكوفي في الاستغاثة (ص:77-79)، والبياضي في الصراط المستقيم (3/130)، والكراجكي في كنز الفوائد (ص:340)، والجرائزي في الأنوار النعمانية (1/81-84).
([123]) قال فيه النجاشي وابن الغضائري والحلي: [ضعيف، كوفي فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يعبأ به، متهافت، مرتفع القول، حمل الغلاة في حديثه حملاً عظيماً، ولا يجوز أن يكتب حديثه] الفهرست للنجاشي (ص:295-296)، ورجال الحلي (ص:258)، وجامع الرواة للاردبيلي (2/258-259)، ومعجم رجال الحديث للخوئي (18/293).
([124]) وهو كتاب مليء بذكر عقيدة تناسخ الأرواح، وليس هذا بغريب على المفضل الجعفي؛ فهو من فرقة الخطابية الذين يقولون بتناسخ الأرواح. راجع فرق الشيعة للنوبختي (ص:63-66)، والمقالات والفرق لسعد القمي (ص:54، 63، 81).
([125]) لم أقف على بنت لعمر تسمى جريرة.
([126]) كتاب الهفت الشريف (ص:60-64).
([127]) الفروع من الكافي للكليني (6/115)، وتهذيب الأحكام للطوسي (2/380)، والاستبصار للطوسي (2/185)، (3/352).
([128]) تهذيب الأحكام للطوسي (2/380).
([129]) الخرايج والجرايح للرواندي (ص:136).
([130]) الأشعثيات للأشعث الكوفي (ص:109).
([131]) مجالس المؤمنين للتستري (ص:83).
([132]) الفروع من الكافي (2/141)، ط.الهند، و(ص:449) ط.حجرية.
([133]) راجع: الصراط المستقيم للبياضي (3/130)، والصافي شرح الكافي لخليل القزويني (3/382). ومن العجب أنهم يروون أن أم كلثوم بنت علي بكت على عمر بكاء شديداً حين طعن. فهل بكت آسية على فرعون؟! (نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/146).
([134]) الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد للطوسي (ص:340)، والفصول المهمة للحر العاملي (ص:162).
([135]) كأن لعلي رضي الله عنه تشريعاً خاصاً يقدم على أحكام الله تعالى كما يفهم من هذه العبارة.
([136]) الشافي للمرتضى (ص:216).
([137]) تلخيص الشافي للطوسي (ص:354).
([138]) الصراط المستقيم للبياضي (3/129-130).
([139]) الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد للطوسي (ص:340).
([140]) مرآة العقول-شرح الفروع من الكافي- للمجلسي (3/449).
([141]) الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد للطوسي (ص:340).
([142]) نهج البلاغة للشريف الرضي (ص:319).
([143]) الأصول من الكافي للكليني (2/255).
([144]) الفضائل لشاذان بن جبرائيل (ص:60-61)، ومدينة المعاجز لهاشم البحراني (ص:21)، وعيون المعجزات لحسين عبد الوهاب (ص:45-46).
([145]) الخرايج والجرايح للراوندي (ص:20-21).
([146]) عمر رضي الله عنه يلتقي مع علي رضي الله عنه في (كعب) الجد السابع لعلي.
([147]) سيرة الأئمة لهاشم الحسيني (1/533).
([148]) الصراط المستقيم للبياضي (2/70).
([149]) البرهان للبحراني (1/277).
([150]) انظر مثلاً: تاريخ اليعقوبي (2/213)، ومقاتل الطالبيين للأصفهاني (ص:84)، والتوحيد للصدوق (ص:34)، والإرشاد للمفيد (ص:342)، والأمالي له (ص:251)، والشافي للمرتضى (ص:169)، وإعلام الورى للفضل الطبرسي (ص:203)، وجلاء العيون للمجلسي (ص:193-194)، ومنتهى الآمال لعباس القمي (1/136)، والأنوار النعمانية للجزائري (1/371)، وعقائد الإمامية للزنجاني (1/139).
([151]) دلائل الإمامة لابن رستم الطبري (ص:63)، والإرشاد للمفيد (ص:194)، وتاريخ العيقوبي (2/228)، ومقاتل الطالبيين للأصفهاني (ص:119)، وإعلام الورى للفضل الطبرسي (ص:212)، وجلاء العيون للمجلسي (ص:303، 582)، ومنتهى الآمال لعباس القمي (1/240)، والأنوار النعمانية للجزائري (1/373).
([152]) جلاء العيون للمجلسي (ص:582).
([153]) الإرشاد للمفيد (ص:261)، ومقاتل الطالبيين للأصفهاني (ص:127)، وإعلام الورى للفضل الطبرسي (ص:257)، وكشف الغمة للإربلي (2/82)، وجلاء العيون للمجلسي (ص:127)، ومنتهى الآمال لعباس القمي (2/43).
([154]) كشف الغمة للإربلي (2/216، 217، 237).
([155]) الصراط المستقيم للبياضي (2/197)