طعن الشيعة في أخلاق عمر رضي الله عنه والرد عليهم
طعن الشيعة في أخلاق عمر رضي الله عنه والرد عليهم
يقول الشيعة الإثنا عشرية عن عمر رضي الله عنه: إنه كان به داء دواؤه ماء الرجال... كذا قال نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية([44]).
ومثل هذا الكلام مذكور في كتاب الزهراء ؛ قال الشيخ محب الدين الخطيب: [عندما زار العراق الأستاذ محمد البشير الإبراهيمي([45]) رأى بأم عينه كتاباً يقع في ثلاثة أجزاء نشره علماء النجف، وأسموه بـ الزهراء، قالوا فيه: إن أمير المؤمنين عمر كان مصاباً بداءٍ لا يشفيه إلا ماء الرجال]([46]).
أما عن أخلاقه العامة: فيقول الشيعة عنها: [كان ظالماً([47])، كثير الشتم والسب لكل أحد، وقل أن يكون من الصحابة من سلم من معرة لسانه أو يده([48]). وكان فظّا، غليظاً، مهاناً، عناداً في الدين وتغيير الأحكام، واستبداداً بالرأي، وتغطرساً عن قبول الحق([49]). أقسى الناس قلباً على أهل البيت([50]). منع أهل البيت من خمسهم، وأعطى أزاوج الرسول العطايا الكثيرة([51]). وما ذلك إلا لأنه كان يحسد علياً ويبغضه]([52]).
ويعزو بعض الشيعة سوء أخلاق عمر إلى أنه كان نخاساً للحمير في الجاهلية([53]).
أما عن كراهة الصحابة لـ عمر: فيروي الشيعة في ذلك الشيء الكثير؛ فقد قال الكركي [الصحابة كانوا لا يظهرون أحكام القرآن أو السنة المطهرة خوفاً من بأس عمر وتقية من شره]([54]).
وقال التستري: [الناس كانوا يخافونه رغم علمهم أنه منافق]([55]).
ويرى الشيعة أن الصحابة كرهوا خلافة عمر لسوء أخلاقه، حتى إن وجوه المهاجرين، وفيهم طلحة والزبير ساءهم استخلاف أبي بكر له، فجاؤوا إلى أبي بكر، وطلبوا منه أن لا يجلعه خليفة عليهم لفظاظته وغلظته([56])، فلم يكن هناك رضاً من الصحابة بخلافة عمر([57]) لذلك قالوا: إن خلافة عمر فاسدة وإمامته باطلة([58]).
ولا ريب أن مثل هذه الادعاءات من الشيعة غير صحيحة، تخالف ما نقلوه عن علي رضي الله عنه من وصفه لخلافة الفاروق رضي الله عنه بالاستقامة والصحة وعدم الفساد، حتى ضرب الدين فيها بجرانه([59]) -على حد قول علي - فقد قال علي رضي الله عنه بعد ما مدح الصديق رضي الله عنه: (ووليهم وال، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه)([60])فهذا الوالي الذي وليهم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما فسّروا ذلك في كتبهم؛ قال ابن الميثم البحراني: [إن الوالي عمر بن الخطاب، وضربه بجرانه كناية بالوصف المستعار عن استقراره وتمكنه كتمكن البعير البارك من الأرض]([61]). وقال الدنبلي وابن أبي الحديد نحواً من قوله([62]). فهذا اعتراف من علي رضي الله عنه باستقرار الدين، واستقامة الفاروق وحسن سيرته.
ولقد أشاد علي بحسن سيرته في مواطن أخرى، كما في قوله: [لما احتضر أبو بكر بعث إلى عمر فولاه، فسمعنا وأطعنا وناصحنا، وتولى عمر الأمر فكان مرضي السيرة، ميمون النقيبة]([63]).
ولقد ذكر ابن طاوس الشيعي أن الحسين بن علي رضي الله عنهما أخبر أن والده علياً أحب بيعة عمر([64]).
وكذلك بقية الصحابة أحبوا بيعة عمر رضي الله عنه؛ فلقد أثنوا عليه بعد استشهاده، ومنهم علي رضي الله عنه، كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وضع عمر على سريره، فتكنفه الناس يدعون له ويثنون عليه، ويصلون عليه قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي، فإذا علي، فترحّم على عمر، وقال: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك...)([65])فلولا علمه أن عمل عمر رضي الله عنه أفضل من عمله لما أحب أن يلقى الله بمثل عمل عمر.. وقد جاء في هذا الخبر أن الناس أحاطوا بسرير عمر يثنون عليه ويدعون له، وهذا يدل على شدة المحبة.. فأين هذا من مزاعم الشيعة؟!
وهذا الخبر يعتبر حجة على الشيعة لصحته، ولصدوره عن إمامهم، وهم يعترفون به، ويوردونه في كتبهم، ولكنهم يوردونه بلفظ آخر، ويؤولونه تأويلاً يخالف المراد منه؛ فاللفظ الذي ذكروه في كتبهم هو: [وددت أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى]([66]). وقالوا عن هذا الخبر: [لا يجوز أن يكون محمولاً على ظاهره]:([67])فالصحيفة التي أحب علي (ع) أن يلقى الله بها هي هذه الصحيفة التي تعاقدوا عليها لمنع بني هاشم حقهم([68])، ليخاصمه إلى الله فيها([69]).
وقد تقدم لفظ الصحيحين: (ما خلفت أحد أحب إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك بصحيفة هذا المسجّى) والمراد بالصحيفة: الكتاب الذي يعطاه العبد يوم القيامة، ويكون مكتوباً فيه عمله، فتجد كل نفس في ذلك اليوم ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء، ولحسن ظن علي بـ عمر، ولاعتقاده أن عمله من أفضل الأعمال، ود أن يلقى الله بمثل عمله، أما زعم الشيعة أنها الصحيفة التي تعاقد الصحابة فيها على منع آل البيت من حقهم؛ فهو زعم كاذب؛ لأنه صرف للفظ عن ظاهره دون قرينة تسوغ هذا الصرف؛ ولأن الصحيفة التي زعم الشيعة أن الصحابة تعاقدوا فيها على منع آل البيت من حقهم من الأمور المفتراة على الصحابة-كما سيأتي-.
وقد ذكر محمد جواد مغنيه أن علياً قال لما طعن عمر: (وددنا أنا زدنا في عمره من أعمارنا)([70])وهذا يبطل مزاعم الشيعة.
([44]) الأنوار النعمانية للجزائري (1/63).
([45]) رئيس جمعية العلماء المسلمين في الجزائر، وعضو المجامع العلمية العربية في القاهرة ودمشق وبغداد توفي عام (1385هـ-1965م). الأعلام للزركلي (6/54) ومعجم أعلام الجزائر لعادل نويهض (ص:13-14).
([46]) الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب (ص:7) ونقله عنه الدكتور أحمد الأفغاني في كتابه سراب إيران (ص:25)، وعنه علي فريج في كتابه الشيعة في التصور الإسلامي (ص:85).
([47]) السقيفة لسليم بن قيس (ص:85).
([48]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (20/21).
([49]) نفحات اللاهوت للكركي (ق:26/أ).
([50]) السقيفة لسليم بن قيس (ص:85).
([51]) راجع: تفسير العياشي (1/325)، تلخيص الشافي للطوسي (ص:436-437)، وكشف المراد للحلي (ص:404)، ومنهاج الكرامة (ص:137)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق:52/ أ-ب)، والبرهان للبحراني (1/478)، وبحار الأنوار للمجلسي (8/218) (24/48)، وإحقاق الحق للتستري (ص:242)، وعقائد الإمامية للزنجاني (3/36)، ومقدمة مرآة العقول لمرتضى العسكري (1/46، 96-70).
([52]) جامع الأخبار للشعيري (ص:174).
([53]) الأنوار النعمانية للجزائري (1/61).
([54]) نفحات اللاهوت للكركي (ق:26/أ).
([55]) إحقاق الحق للتستري (ص:284).
([56]) الجمل للمفيد (ص:59-60).
([57]) الصراط المستقيم للبياضي (3/113-114).
([58]) تلخيص الشافي للطوسي (ص:434).
([59]) الجران على وزن كتاب وهو مقدم عنق البعير، يضرب على الأرض عند الاستراحة كناية عن التمكن.. والمراد: تمكن الدين وعزته في خلافة عمر رضي الله عنه. الصحاح للجوهري (5/2091)، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (7/269). وانظر: تعليقات صبحي الصالح على نهج البلاغة (ص:730).
([60]) نهج البلاغة للشريف الرضي (ص:557).
([61]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني (5/463).
([62]) الدرة النجفية للدنبلي (ص:394)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (4/519).
([63]) الغارات للثقفي (ص:302)، ومنار الهدى لعلي البحراني (ص:685)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (6/94).
([64]) الملاحم والفتن لابن طاوس (ص:160).
([65]) صحيح البخاري (5/77)، ك. المناقب، باب مناقب عمر، وصحيح مسلم (4/1858-1859).
([66]) معاني الأخبار للصدوق (ص:117)، والشافي للمرتضى (ص:171)، وتلخيص الشافي للطوسي (ص:428، 431)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (3/147)، والصراط المستقيم للبياضي (3/153-155)، والصوارم المهرقة للتستري (ص:78)، والدرجات الرفيعة للشيرازي (ص:302).
([67]) الشافي للمرتضى (ص:171)، وتلخيص الشافي للطوسي (ص:431).
([68]) سيأتي الكلام على هذه الصحيفة (ص:1102).
([69]) معاني الأخبار للصدوق (ص:117)، والشافي للمرتضى (ص:171)، وتلخيص الشافي للطوسي (ص:428، 431)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (3/147)، والصراط المستقيم للبياضي (3/153-155)، والصوارم المهرقة للتستري (ص:78)، والدرجات الرفيعة للشيرازي (ص:302).
([70]) الشيعة في الميزان لمحمد جواد مغنيه (ص:293).