Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

قصة المرأة التى اعترضت على الخليفة عمر رضى الله عنه فى مسألة المهور

قصة المرأة التى اعترضت على الخليفة عمر رضى الله عنه فى مسألة المهور

عداد الشيخ / على حشيش

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي

اشتهرت على ألسنة الوعاظ والقصاص

واستغل الرافضة هذه القصة للطعن في

شخصية الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه،

واتهموه بأن امرأة أفقه منه، بل واعترضته في خطبته التي

خطبها على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم،

وعمر رضي الله عنه يستغفر الله مما قاله،

وإلى القارئ الكريم القصة وتخريجها وتحقيقها.

أولاً: المتن

رُوِيَ عن الشعبي قال:

خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الناس فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: ألا لا تغلوا في صداق النساء،

فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه

رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل،

فعرضت له امرأة من قريش، فقالت:

يا أمير المؤمنين، أكتاب الله أحق

أن يتبع أو قولك؟ قال: بل كتاب الله تعالى، فما ذاك؟

قالت: نهيت الناس آنفًا أن يغالوا في صداق النساء،

والله تعالى يقول في كتابه: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا [النساء: 20]،

فقال عمر رضي الله عنه:

كل أحد أفقه من عمر، مرتين أو ثلاثًا، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له.

ثانيًا: التخريج

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 233) قال: أخبرنا أبو حازم الحافظ أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن حمزة الهروي،

حدثنا أحمد بن نجدة، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا مجالد عن الشعبي قال: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... فذكر القصة.

وأخرجه سعيد بن منصور في السنن (1/ 166 - 167) (ح 5598) قال: حدثنا هشيم، حدثنا مجالد، عن الشعبي به.

قلت: وبهذا يكون البيهقي رحمه الله أخرج القصة بسنده فالتقى مع سعيد بن منصور في شيخه هشيم.

ثالثًا: التحقيق

القصة واهية، والسند الذي جاءت به القصة تالف بالسقط في الإسناد والطعن في الراوي.

أولاً: السقط في الإسناد:

1 - قال ابن أبي حاتم في «المراسيل» (300/ 4) (عامر بن شراحيل الشعبي): «سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: الشعبي (عن) عمر، مرسل».

ملحوظة:

أ- المرسل عند المحدثين:

هو ما سقط من آخره بعد التابعي، وصورته أن يقول التابعي سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...

ب- المرسل عند الفقهاء والأصوليين أعم من ذلك فعندهم: كل منقطع مرسل على أي وجه كان انقطاعه، وهذا مذهب الخطيب أيضًا.

قُلْتُ: وبهذا يتبين أن قول الإمامين أبي حاتم وأبي زرعة:

«الشعبي (عن) عمر، مرسل» أي منقطع.

2 - ولذلك قال الإمام البيهقي في «السنن» (7/ 223) بعد أن أخرج القصة:

«هذا منقطع».

3 - قلت وعلامات الانقطاع ظاهرة بمعرفة «التواريخ والوفيات»، وهو أحد أنواع علوم الحديث أورده الإمام النووي في «التقريب» (2/ 349 - تدريب)

وقال: «النوع الستون:

التواريخ والوفيات: هو فن مهم به يعرف اتصال الحديث وانقطاعه،

وقد ادعى قوم الرواية عن قوم فنُظر في التاريخ فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم بعد وفاتهم بسنين». اهـ.

أ- ولقد نقل الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (5/ 60) عن ابن حبان:

«أن الشعبي كان مولده سنة (20) ومات سنة (109)».

ب- وقال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (2/ 54):

«عمر بن الخطاب أمير المؤمنين استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين».

من (أ، ب) يتبين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه توفي وعند الشعبي ثلاث سنوات، وهذا ليس بسن إدراك ولا تمييز كما بيَّن ذلك الإمام البخاري في كتاب «العلم»، باب: متى يصح سماع الصغير.

وحسبنا ما أوردناه آنفًا من أقوال أئمة الصنعة الحديثية بأن الحديث: منقطع.

ثانيًا: علة أخرى مع الانقطاع: مجالد وهو ابن سعيد.

1 - أورده الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (10/ 36) ونقل أقوال أئمة فيه:

أ- قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: مجالد بن سعيد ضعيف واهي الحديث.

ب- وقال الدوري عن ابن معين: لا يحتج بحديثه.

جـ- وقال أبو طالب عن أحمد: ليس بشيء.

د- وقال ابن أبي حاتم سئل أبي يحتج بمجالد؟ قال: لا.

2 - أخرج الإمام ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 361) أقوال هؤلاء الأئمة والتي نقلها الحافظ ابن حجر.

3 - وقال الإمام النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (2): «مجالد بن سعيد كوفي، ضعيف».

4 - وقال الإمام البخاري في «الضعفاء الصغير» (368):

«مجالد بن سعيد بن عمير الكوفي كان يحيى القطان يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه عن الشعبي،

وقال أحمد: مجالد ليس بشيء». اهـ.

5 - وقال الإمام ابن حبان في «المجروحين» (3/ 10):

«مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني من أهل الكوفة يروي عن الشَّعبي، كان رديء الحفظ، يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به». اهـ.

6 - قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 361):

حدثنا محمد بن إبراهيم بن شعيب حدثنا عمرو بن علي الصيرفي قال سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول لعبد الله: أين تذهب؟

قال: أذهب إلى وهب بن جرير أكتب السيرة- يعني عن مجالد.

قال تكتب كذبًا كثيرًا. اهـ.

قلت: بهذا يتبين أن مجالد بن سعيد لا يحتج بحديثه وأنه رديء الحفظ ليس بشيء واهي الحديث، وبيَّنا آنفًا السقط في الإسناد، فبالطعن في الراوي والسقط في الإسناد تصبح القصة واهية.

ولذلك قال الشيخ الألباني- رحمه الله- في «الإرواء» (6/ 348):

«فهو ضعيف منكر يرويه مجالد عن الشعبي عن عمر [/ color]».

رابعًا: طريق آخر للقصة

رُوِيَ عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي قال: قال عمر بن الخطاب: لا تُغالوا في مهور النساء، فقالت امرأة:

ليس ذلك لك يا عمر، إن الله يقول:

وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، فقال عمر: إن امرأة خاصمت عمر فخَصَمته.

خامسًا: تخريج هذا الطريق

أخرجه الإمام عبد الرزاق في «المصنف» (6/ 145) (ح 10461) قال: «عبد الرزاق عن قيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي قال: قال: عمر بن الخطاب: لا تغالوا في مهور النساء ... » القصة.

سادسًا: التحقيق:

هذا الطريق الذي جاءت به القصة الواهية طريق واهٍ، وله علتان:

الأولى: سقْط أيضًا في الإسناد، فعبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمن السُّلمي، أورده الإمام الحافظ ابن أبي حاتم في كتابه «المراسيل»

في ترجمة رقم (170/ 385) قال:

«ذكر أبي (عن) إسحاق بن منصور (عن) يحيى بن معين؛ قيل له: سمع أبو عبد الرحمن السُّلميُّ عمر؟ قال: لا». اهـ.

قلت: وبهذا يصبح السند منقطعًا؛ لوجود سقط بين أبي عبد الرحمن السُّلمي وبين عمر رضي الله عنه؛ لثبوت عدم سماعه من عمر.

العلة الثانية: قيس بن الربيع:

1 - قال أبو عبيد الآجُرّي في «سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعديل» (54): «قال أبو داود: سمعت يحيى بن معين يقول: قيس بن الربيع ليس بشيء».

2 - أورده الإمام الذهبي في «الميزان» (3/ 393/6911) وقال:

«قيل لأحمد: لِمَ تركوا حديثه؟ قال: كان يتشيع، وكان كثير الخطأ، وله أحاديث منكرة». اهـ.

3 - وأورده الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (8/ 351) وقال:

أ- قال عبد الله بن علي بن المديني:

سألت أبي عنه فضعفه جدّاً.

ب- وقال الجوزجاني: ساقط. اهـ.

4 - أورده الإمام النسائي في كتاب «الضعفاء والمتروكين» ترجمة رقم (499) وقال:

«قيس بن الربيع متروك الحديث، كوفي». اهـ.

قلت: هذا المصطلح عند الإمام النسائي له معناه كما بيَّن ذلك الحافظ ابن حجر في «شرح النخبة» (68) حيث قال:

«ولهذا كان مذهب النسائي ألا يُترك حديثُ الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه». اهـ.

قلت: من هذا التحقيق يتبين أن هذا الطريق لا يزيد القصة إلا وهْنًا على وهن، وليس كما يظن جهلة المتصوفة والروافض أن تعدد الطرق يقوي بعضها بعضًا على الإطلاق،

ولقد سُئل عن هذا الإمام ابن الصلاح كما هو في كتاب «علوم الحديث» (ص 107) حيث قال:

«لعل الباحث الفَهِمَ يقول:

إنا نجد أحاديث محكومًا بضعفها مع كونها قد رُوِيتْ بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن؛ لأن بعض ذلك عضَّد بعضًا؟

وجواب ذلك:

أن ليس كل ضعيف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه،

بل ذلك يتفاوت، فمن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف،

وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته،

وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهمًا بالكذب أو كون الحديث شاذّاً، وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث،

فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة». اهـ.

ولقد أقر هذا وبينه الحافظ ابن كثير في كتابه «اختصار علوم الحديث» (ص 16)

حيث قال: «قال الشيخ أبو عمرو:

لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة أن يكون حسنًا، لأن الضعيف يتفاوت، فمنه ما لا يزول بالمتابعات؛ يعني لا يؤثر كونه تابعًا أو متبوعًا، كرواية الكذابين والمتروكين». اهـ.

قلت: وبتطبيق

هذه القاعدة الهامة التي غفل عنها مَنْ لا دراية له بعلم الحديث التطبيقي على هذا الطريق الثاني الذي جاءت به القصة والذي فيه قيس بن الربيع والذي قال فيه الإمام النسائي:

«متروك»، ولقد بينا مذهب الإمام النسائي في هذا المصطلح،

فتصبح القصة واهية ولا يزول ما بها من ضعف بل تزداد ضعفًا على ضعف، لما فيها من سقْطٍ في الإسناد وطعنٍ في الرواة.

ويصبح ما شاع على الألسنة من اعتراض امرأة على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس صحيحًا،

وهذه من القصص التي يروجها الرافضة للطعن في شخصية الخليفة

عمر بن الخطاب رضي الله عنه وادعائهم أن امرأةً خاصمت عمر فَخَصمتْه، خاصة وقد تبين أن من رواة هذه القصة مَنْ قال فيه الإمام

أحمد بن حنبل:

«كان يتشيع، وكان كثير الخطأ، وله أحاديث منكرة، لهذا تركوا حديثه»، كما بينا آنفًا، وإن تعجب فعجب أن امرأة تراجع عمر رضي الله عنه في خطبته في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون في المسجد وكأنهم لا يفقهون.

سابعًا: مكانة عمر فوق ما تروِّجه الشيعة

فقد أخرج البخاري في صحيحه ح (3469) و (3689)

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدَّثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب».

قُلْتُ: ولقد نقل الإمام النووي رحمه الله في «شرح مسلم» (8/ 21) تفسير العلماء للمراد بـ «مُحدَّثون» (بفتح الدال المشددة)،

وأن البخاري قال: «يجري الصواب على ألسنتهم». اهـ.

ثانيًا: قصة صحيحة تبين فضل عمر رضي الله عنه في العلم:

أخرج البخاري في صحيحه ح (82، 3681، 7006، 7007، 7027، 7032)، ومسلم ح (2391) من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم أُتيتُ بقدح لبنٍ فشربتُ حتى إني لأرى الرِّيَّ يخرج في أظفاري، ثم أعطيتُ فضلي عمر بن الخطاب». قالوا: فما أوَّلتَه يا رسول الله؟ قال: «العلم». اهـ.

قُلْتُ: ومن هذين الحديثين الصحيحين في

مناقب عمر رضي الله عنه يتبين أن قصة المرأة التي اعترضت على الخليفة عمر رضي الله عنه قصة منكرة جعل منها الرافضة امرأة أفقه من عمر رضي الله عنه، بل من مناكيرهم قولهم: إن عمر قال: كل أحد أفقه من عمر!!

تاسعًا: قصة أخرى صحيحة ترد هذه الافتراءات

أخرج البخاري في صحيحه ح (402، 4483، 4790، 4916)، والإمام أحمد (1/ 23) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

«وافقت ربي في ثلاث، فقال: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم

مصلى، فنزلت: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى،

وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجِبن فإنه يكلمهنّ البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربُّه إن طلَّقكُن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، فنزلت هذه الآية». اهـ.

حفظ الله عمر رضي الله عنه من افتراءات الرافضة، هذا ما وفقني الله إليه،

وهو وحده من وراء القصد.

مجلة التوحيد

تخريج قصة المرأة مع عمر رضي الله عنه، وفيها: (أصابت امرأة وأخطأ عمر)

إحسان العتيبيي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:

لأثر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - له ثلاث طرق، ولا تخلو طريق من مقال:

الأولى:

رواه أبو يعلى - كما في " تفسير ابن كثير " (1/ 468) -

قال: حدثنا أبو خيثمة حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الرحمن عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق

قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه

وإنما الصَّدُقات فيما بينهم أربع مائة درهم فما دون ذلك،

ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها فلا أعرفنَّ ما زاد رجل في صداق امرأة على أربع مئة درهم،

قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت:

يا أمير المؤمنين نهيتَ النَّاس أن يزيدوا في مهر النساء على أربع مائة درهم؟ قال: نعم،

فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول {وآتيتُم إحداهنَّ قنطاراً} الآية؟ قال: فقال: اللهمَّ غفراً، كل النَّاس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر،

فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مائة درهم، فمن شاء أن يعطى من ماله ما أحب.

قال أبو يعلى: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل.

قلت: وإسناده ضعيف، فيه: مجالد بن سعيد، وقد ضعَّفه يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن مهدي وأحمد بن حنبل والنسائي والدارقطني وغيرهم.

انظر " التاريخ الكبير " للبخاري (8/ 9)، و" الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (3/ 35).

والأثر رواه البيهقي (7/ 233) لكن بإسقاط " مسروق " بين الشعبي وعمر، لذا قال عنه البيهقي: هذا منقطع.

فالشعبي - وهو عامر بن شراحيل - وُلد لست سنين مضت من خلافة عمر على المشهور، كما في " تهذيب الكمال " للمزي (14/ 28)، وروايته عن عمر مرسلة كما قال أبو زرعة الرازي وأيده العلائي في " جامع التحصيل " (ص 204)، وبيَّن المزي في " تهذيب الكمال " (14/ 30) أنه لم يسمع من عمر.

وأظن أن الوهم فيه من " مجالد " فيكون قد ذكر - مرة - مسروقاً، ومرة أسقطه.

تنبيه:

الحديث في " أبي يعلى الكبير " كما قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4/ 284) والعجلوني في " كشف الخفاء " (2/ 154)، وليس هو في " مسنده " المطبوع البتة.

الثانية:

رواه عبد الرزاق في " المصنف " (6/ 180) عن قيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال عمر بن الخطاب: لا تغالوا في مهور النساء، فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر؛ إن الله يقول " وآتيتم إحداهن قنطاراً من ذهب " - قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود - " فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئاً "، فقال عمر: إن امرأة خاصمتْ عمر فخصمتْه.

قلت: وهو ضعيف،

فيه علتان:

أولاهما: الانقطاع بين أبي عبد الرحمن السلمي وعمر بن الخطاب، فهو لم يسمع منه كما قال ابن معين وأقره العلائي في " جامع التحصيل " (ص 208).

والثانية: ضعف قيس بن الربيع،

قال يحيى بن معين - عنه -: ليس بشيءٍ، وقال - مرة -: ضعيف، وقال - مرة -: لا يُكتب حديثه، وقيل لأحمد:لم ترك الناس حديثه؟ قال: كان يتشيع،

وكان كثير الخطأ في الحديث، وروى أحاديث منكرة، وكان ابن المديني ووكيع يضعفانه،

وقال السعدي: ساقط، وقال الدارقطني: ضعيف الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث.

انظر " ميزان الاعتدال " (5/ 477) و " الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (3/ 19).

وقد ذكر شيخنا الألباني - رحمه الله - العلتين في " إرواء الغليل " (6/ 348).

الثالثة:

رواه الزبير بن بكار - كما في " تفسير ابن كثير " (1/ 468) - قال

: حدثني عمِّي مصعب بن عبد الله عن جدِّي قال: قال عمر بن الخطاب: لا تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنت ذي الغصة - يعني: يزيد بن الحصين الحارثي - فمَن زاد ألقيتُ الزيادة في بيت المال، فقالت امرأةٌ من صفة النِّساء طويلة، في أنفها فطس: ما ذاك لك، قال: ولم؟ قالت: إنَّ الله قال {وآتيتم إحداهنَّ قنطاراً} الآية، فقال عمر: امرأة أصابت، ورجل أخطأ.

قلت: وإسناده ضعيف، فيه علتان:

الأولى: ضعف جدِّ مصعب بن عبد الله وهو مصعب بن ثابت، قال يحيى بن معين: ضعيف،

وقال - مرة -: ليس بشيءٍ، وقال أحمد: أراه ضعيف الحديث، وقال السعدي:لم أر النَّاس يحدِّثون عنه، وقال ابن حبان: انفرد بالمناكير عن المشاهير فلمَّا كثر منه استحق مجانبة حديثه.

انظر " الضعفاء " للعقيلي " (4/ 196)، و" المجروحين " لابن حبان (3/ 28)، و" الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (3/ 122)

والثانية: الانقطاع بينه وبين عمر - رضي الله عنه -.

وبعد، فلا يطمئن القلب لتحسين القصة عن عمر لكثرة علل طرقها، ولعل هذا مما يزيدها ضعفاً، وهو أن لا تأتي مثل هذه القصة المشهورة إلا من طريق هؤلاء الضعفاء.

ومما يدل على ضعف إنكار المرأة على عمر أمران:

الأول: أنه قد صح عن عمر النهي عن المغالاة في المهور من طريق صحيح، وليست فيه هذه الزيادة المنكرة:

عن أبي العجفاء السلمي قال: قال عمر بن الخطاب:

" ألا لا تغالوا صدقة النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، ما علمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً مِن نسائه ولا أَنكح شيئاً مِن بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية ". رواه الترمذي (والنسائي (3349) وأبو داود (2106) وابن ماجه (1887).

قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

والأوقية: أربعون درهماً - كما ذكره الترمذي -.

تنبيه:

ذكر العجلوني في " كشف الخفاء " (1 /) و (2/ 155) رواية عبد الرزاق من

طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن عمر، وجعلها عن أبي العجفاء عن عمر! وهو وهم، فلم يأت إنكار المرأة من طريق أبي العجفاء البتة، وهي رواية السنن، وها هما الروايتان - ولله الحمد - بين أيدينا، وإنما نبهتُ على هذا لأن الدارقطني - كما سيأتي - رجح رواية أبي العجفاء فلعل أحداً أن يخلط بين الخطأ الذي في " الكشف " وبين الصواب الذي في السنن " فلزم التنبيه.

والثاني: أنه لا يخفى على مثل عمر - إن شاء الله - مثل هذه الآية،

وأنه كلامه ليس في النهي الشرعي، بل هو للإرشاد كما هو واضح عند أدنى تأمل، ومما يمكن الاستئناس به للأمرين - وهما علمه بالآية وأنه لم ينه النهي الشرعي - ما رواه البيهقي عنه قال - رضي الله عنه -: " لقد خرجتُ وأنا أريد أن أنهى عن كثرة مهور النساء حتى قرأت هذه الآية {وآتيتم إحداهن قنطاراً}.

قال البيهقي: هذا مرسلٌ جيِّدٌ.

وقضية غياب آية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران / 144]

التي غابت عنه يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمكن الاستدلال بها لتثبيت غياب هذه الآية كذلك؛ لأن سبب غياب تلك الآية معقول وهو مصيبة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم التي تنسي المحب ما يعلم،

وليس الأمر كذلك هنا، فلا سبب يمكن أن يقال في ذهول عمر عن هذه الآية، أو يقال كان جاهلا بها،

ويرده ما سبق ذكره من أثر البيهقي، وما هو معلوم عن عمر من دقة فهمه - لا حفظه فقط - لكتاب الله تعالى،

ويدل على ذلك حديث الصحيحين في اختبار الصحابة في معنى قوله تعالى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ…} الآيات،

فلما لم يعلم الصحابة معناها وأمر ابنَ عباس أن يقول لهم ما يعلم وقال: إنها أجلُ النبي صلى الله عليه وسلم، قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم، والحديث في الصحيحين:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم:لم تُدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟

فقال: إنه ممن قد علمتم، قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم،

قال: وما رئيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في {إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً} حتى ختم السورة؟

فقال بعضهم: أُمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي:

يا ابن عباس أكذاك تقول؟

قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له {إذا جاء نصر الله والفتح} فتح مكة فذاك علامة أجلك {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً} قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم.

رواه البخاري (4043) في كتاب المغازي، باب منزل النبي يوم الفتح، و (4686) في كتاب تفسير القرآن، باب قوله {فسبِّح بحمد ربِّك واستغفره إنه كان توَّاباً}.

وأما ما ورد من حفظه للقرآن فكثير ومن أشهره: إنكاره على هشام بن حكيم قراءته سورة الفرقان، وهو حديث مشهور معلوم رواه البخاري (2287) ومسلم (818).

فائدة (1):

سئل الدارقطني - رحمه الله - عن حديث السنن السابق، وتكلم عليه، وذكر طريق مجالد وتكلَّم عليها، وخلاصة ما قال:

ولا يصح هذا الحديث إلا عن أبي العجفاء.

" علل الدارقطني " (2/ 238).

فائدة (2):

يستدل الرافضة بهذا الأثر كثيراً للطعن في عمر - رضي الله عنه - وأنه صوَّبته امرأة في حكم شرعي،

ولما كان الرافضة أغبى الطوائف المنتسبة للإسلام فإنهم لم يتنبهوا إلى أن في القصة - على فرض صحتها -

تزكية عظيمة لعمر - رضي الله عنه - من قبوله للحق ممن هو دونه، بل ومن امرأة، وم

ن ثّمَّ اعترافه بذلك أمام الناس،

وهو مما لا يفعله إلا القلائل من خلق الله على مدى العصور.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:

والجواب: أن هذه القصة دليل على كمال فضل عمر ودينه وتقواه ورجوعه إلى الحق إذا تبين له، وأنه يقبل الحق حتى من امرأة،

ويتواضع له، وأنه معترف بفضل الواحد عليه ولو في أدنى مسألة،

وليس من شرطِ الأفضل أن لا ينبهه المفضول لأمرٍ من الأمور،

فقد قال الهدهد لسليمان {أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأٍ بنبأٍ يقينٍ} [سورة النمل / 22]،

وقد قال موسى للخضر

{هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً}

[سورة الكهف / 66]، والفرق بين موسى والخضر أعظم من الفرق بين عمر وبين أشباهه من الصحابة، ولم يكن هذا بالذي أوجب أن يكون الخضر قريباً من موسى فضلاً عن أن يكون مثله،

بل الأنبياء المتِّبعون لموسى كهارون ويوشع وداود وسليمان وغيرهم أفضل من الخضر.

وما كان عمر قد رآه فهو مما يقع مثله للمجتهد الفاضل.

" منهاج السنة " (6/ 76، 77).

والله أعلم.

(نقلا عن منتدى الساحات الإسلامية)

المصدر: المختار الإسلامى