شبهة أنه يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث موضوعة
شبهة أنه يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث موضوعة
يقول أحدهم: (ولعل نصف الدين الثاني خصّوا به أبا هريرة الذي روى لهم ما يشتهون فقرّبوه وولّوه إمارة المدينة وبنوا له قصر العقيق بعدما كان معدماً، ولقّبوه براوية الإسلام. وبذلك سهل على بني أميّة أن يكون لهم دين كامل جديد ليس فيه من كتاب الله وسنّة رسوله إلا ما تهواه أنفسهم). ويقول: (... كذلك يروي فضائل أبي بكر كل من عمرو بن العاص وأبو هريرة).
الجواب:
§ لم يكن أبو هريرة مع أحد الجانبين في الفتنة بل كان من المعتزلين عنها ولم يقاتل مع أحد، وروى في الاعتزال أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، ومن تشرّف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به)([1])، وكان هذا أيضاً رأي كبار الصحابة.
§ لم يكن أبو هريرة معدماً ولم تكن ولايته على المدينة بالأولى، فقد ولاهُ عمر في خلافته على البحرين وكان يملك المال فعن محمد بن سيرين (أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف. فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدوّ الله وعدوَّ كتابه؟ فقال أبو هريرة: فقلت: لست بعدو الله وعدو كتابه، ولكني عدوّ من عداهما. قال: فمن أين هي لك؟ قلت: خيلٌ نُتجتْ، وغلّةُ رقيق لي وأُعطيةٌ تتابعت. فنظروا، فوجده كما قال، فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليوليه، فأبى. ([2]).
§ سبب تولية الأمويين لأبي هريرة المدينة أنه كان من كبار الصحابة المتبقين في المدينة وغيرها ومن أعلامها الظاهرين خصوصاً إذا عرفنا أنه كان يقدَّم في الصلاة في أيام عليّ ومعاوية ولو جاء غير الأمويين لكان من المؤكد أن يولوه المدينة، فكان المرشّح لذلك، وكيف لا وقد رشحه من هو خير منهم وهو عمر.
§ أما صدقه ووثاقته فإليك رأي أحد الأئمة الاثني عشر وهو الإمام الرابع زين العابدين علي بن الحسينرحمه الله فقد أورد الإربلي وهومن كبار علماء الاثني عشرية عن سعيد بن مرجانة أنه قال: (كنت يوماً عند علي بن الحسين فقلت: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله تعالى بكل إرب منها إرباً منه من النار، حتى أنه ليعتق باليد اليد، والرجلِ الرجل وبالفرج الفرج، فقال علي عليه السلام: أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟ فقال سعيد: نعم، فقال لغلام له: أفره غلمانه وكان عبد الله بن جعفر قد أعطاه بهذا الغلام ألف دينار فلم يبعه أنت حر لوجه الله)([3])!
لذلك ليس بالمستغرب أن يوثّقه أحد كبار علماء الإمامية في الرجال، ويضعه من جملة الرجال الممدوحين فيقول ابن داود الحلي: (عبد الله أبو هريرة معروف، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)([4]).
§ أما قوله: (كذلك يروي فضائل أبي بكر، كل من عمرو بن العاص وأبو هريرة وعروة وعكرمة، وهؤلاء كلهم يكشفهم التاريخ بأنهم كانوا متحاملين على الإمام علي وحاربوه إما بالسلاح أو بالدس واختلاق الفضائل لأعدائه وخصومه..).فأقول: بالنسبة لأبي هريرة فإنه كان معتزلاً للفتنة بين علي ومعاوية، فليس هو في هذه الناحية متحاملاً، ولكن التحامل يظهر بالدس واختلاق الفضائل لأعدائه من مثل ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر: (لأعطينّ هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه... فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياه). وليس هذا فقط فقد روى أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني يعني الحسن والحسين)([5])؟
وروى أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اللهم إني أحبهما فأحبهما)([6]).
([1]) رواه البخاري برقم 3602، ومسلم برقم 2286.
([2]) تاريخ دمشق 67/370، البداية والنهاية 8/113، سير أعلام النبلاء 2/612.
([3]) كشف الغمة 2/241.
([4]) رجال ابن داود الحلي ص116.
([5]) رواه ابن ماجه برقم 143.
([6]) رواه البخاري برقم 3747.