عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل الأمر شورى بعده، وخالف فيه من تقدمه وأمر بقتل من خالف منهم
عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل الأمر شورى بعده، وخالف فيه من تقدمه وأمر بقتل من خالف منهم
ومن مطاعنهم في حق الفاروق رضي الله عنه قولهم: إنه جعل الأمر شورى بعده، وخالف فيه من تقدمه، فإنه لم يفوض الأمر فيه إلى اخيتار الناس، ولا نص على إمام بعده، بل تأسف على سالم مولى أبي حذيفة 1040، وقال: (لو كان حياً لم يختلجني فيه شك) وأمير المؤمنين علي حاضر وجمع بين الفاضل والمفضول، ومن حق الفاضل التقدم على المفضول، ثم طعن في كل واحد ممن اختاره للشورى، وأظهر أنه يكره أن يتقلد أمر المسلمين ميتاً كما تقلده حياً ثم تقلده ميتاً بأن جعل الإمامة في ستة ثم ناقض فجعلها في أربعة، ثم في ثلاثة، ثم في واحد فجعل إلى عبد الرحمن بن عوف الاختيار بعد أن وصفه بالضعف والقصور، ثم قال: إن اجتمع أمير المؤمنين وعثمان، فالقول ما قالاه، وإن صاروا ثلاثة فالقول قول الذي صار فيهم عبد الرحمن بن عوف، لعلمه أن علياً وعثمان لا يجتمعان على أمر واحد، وأن عبد الرحمن لا يعدل الأمر عن أخيه عثمان وهو ابن عمه، ثم أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة ثلاثة أيام، مع أنهم عندهم من العشرة المبشرة بالجنة وأمر بقتل من خالف الأربعة منهم، وأمر بقتل من خالف الثلاثة منهم عبد الرحمن، وكل ذلك مخالف للدين، وقال لـ علي: إن وليتها وليسوا بفاعلين لتركبنهم على الحجة البيضاء، وفيه إشارة إلى أنهم لا يولونه إياها، وقال لـ عثمان: إن وليتها لتركبن آل بني معيط على رقاب الناس وإن فعلت لتقتلن، وفيه إشارة إلى الأمر بقتله([544]).
والجواب على هذا الهذيان أنه:
بمجرد أن يقرأه الإنسان أو يسمعه يجد أنه لا يخرج عن قسمين:
إما كذب في النقل، وإما قدح في الحق، فإن منه ما هو كذب معلوم الكذب، أو غير معلوم الصدق، وما علم أنه صدق فليس فيه ما يوجب الطعن على عمر رضي الله عنه، بل ذلك معدود من فضائله ومحاسنه التي ختم الله له بها عمله، ولكن الرافضة لفرط جهلهم واتباعهم للهوى يقلبون الحقائق في المنقول والمعقول، فيأتون إلى الأمور التي وقعت وعلم أنها وقعت فيقولون ما وقعت، وإلى أمور ما كانت فيقولون: كانت، ويأتون إلى الأمور التي هي خير وصلاح، فيقولون: هي فساد، وإلى الأمور التي هي فساد فيقولون: هي خير وصلاح([545])، فهم لا يعقلون عقل تفكر، ولا يسمعون سماع تدبر وإلى بيان بطلان مطاعنهم التي تضمنها هذا النص السابق:
فطعنهم على الفاروق رضي الله عنه: بأنه جعل الأمر شورى بعده وخالف فيه من تقدمه... فجوابه:
أن يقال لهم: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان كثير المشاورة للصحابة فيما لم يتبين فيه أمر الله ورسوله، فإن الشارع نصوصه كلمات جوامع وقضايا كلية وقواعد عامة يمتنع أن ينص على كل فرد من جزئيات العالم إلى يوم القيامة فلا بد من الاجتهاد في المعينات، هل تدخل في كلماته الجامعة أم لا؟ وهذا الاجتهاد يسمى تحقيق المناط، وهو مما اتفق عليه الناس كلهم نفاة القياس، ومثبتته، فإن الله إذا أمر أن يستشهد ذوا عدل فكون هذا الشخص المعين صالحاً لذلك أو راجحاً على غيره لا يمكن أن تدل عليه النصوص، بل لا يعلم إلا باجتهاد خاص... وعمر رضي الله عنه إمام وعليه أن يستخلف الأصلح للمسلمين، فاجتهد في ذلك ورأى أن الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض أحق من غيرهم، وهو كما رأى، فإنه لم يقل أحد إن غيرهم أحق منهم، وجعل التعيين إليهم خوفاً أن يعين واحداً منهم، ويكون غيره أصلح لهم، فإنه ظهر له رجحان الستة دون رجحان التعيين، وقال: الأمر في التعيين إلى الستة يعينون واحداً منهم، وهذا أحسن اجتهاد إمام عالم عادل ناصح لا هوى له رضي الله عنه، وأيضاً: فقد قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [الشورى:38]، وقال: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) [آل عمران:159] فكان ما فعله من الشورى مصلحة، وكان ما فعله أبو بكر رضي الله عنه من تعيين عمر هو المصلحة أيضاً، فإن أبا بكر تبين له من كمال عمر وفضله واستحقاقه للأمر ما لم يحتج معه إلى الشورى، وظهر أثر هذا الرأي المبارك الميمون على المسلمين، فإن كل عاقل منصف يعلم أن عثمان أو علياً أو طلحة أو الزبير أو سعداً أو عبد الرحمن بن عوف لا يقوم مقام عمر، وكان تعيين عمر في الاستحقاق كتعيين أبي بكر في مبايعتهم له... والفاروق رضي الله عنه رأى الأمر في الستة متقارباً، فإنهم وإن كان لبعضهم من الفضيلة ما ليس لبعض، فلذلك المفضول مزية أخرى ليست للآخر، ورأى أنه إذا عين واحداً فقد يحصل بولايته نوع من الخلل فيكون منسوباً إليه، فترك التعيين خوفاً من الله تعالى، وعلم أنه ليس واحد أحق بهذا الأمر منهم فجمع بين المصلحتين، بين تعيينهم إذ لا أحق منهم وترك تعيين واحد منهم لما تخوفه من التقصير، والله تعالى قد أوجب على العبد أن يفعل المصلحة بحسب الإمكان فكان ما فعله غاية ما يمكن من المصلحة([546]).
ولا يقال: إنه بجعله الأمر شورى بين الستة قد خالف به من تقدمه كما هو زعم الشيعة؛ لأن الخلاف نوعان:
خلاف تضاد، وخلاف تنوع، فالأول مثل أن يوجب هذا شيئاً ويحرمه الآخر، والنوع الثاني: مثل القراءات التي يجوز كل منها، وإن كان هذا يختار قراءة وهذا يختار قراءة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنزل القرآن على سبعة أحرف»([547])، وثبت أن عمر وهشام بن حكيم بن حزام اختلفا في سورة الفرقان، فقرأها هذا على وجه وهذا على وجه آخر، فقال لكليهما: «هكذا أنزلت»([548]) ومن هذا الباب أنواع التشهدات([549])، ومنه أيضاً جعل عمر رضي الله عنه الأمر من بعده إلى الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، ولا يعتبر بذلك مخالفاً لمن تقدمه.
وأما ما يروى من ذكر عمر لـ سالم مولى أبي حذيفة، فقد علم أن الفاروق وغيره من الصحابة كانوا يعلمون أن الإمامة في قريش، كما استفاضت بذلك السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم([550])، وقد احتج بها المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة، فكيف يظن بـ عمر أنه كان يولي رجلاً من غير قريش، بل من الممكن أنه أراد أن يوليه ولاية جزئية أو يستشيره فيمن يولي، ونحو ذلك من الأمور التي يصلح لها سالم مولى أبي حذيفة، فإنه كان من خيار الصحابة([551]).
وأما زعمهم أنه جمع بين الفاضل والمفضول ومن حق الفاضل التقدم على المفضول، فيقال لهم:
* أولاً: هؤلاء كانوا متقاربين في الفضيلة، ولم يكن تقدم بعضهم على بعض ظاهراً كتقدم أبي بكر وعمر على الباقين، ولهذا كان في الشورى تارة يؤخذ برأي عثمان وتارة يؤخذ برأي علي وتارة برأي عبد الرحمن، وكل منهم له فضائل لم يشركه فيها الآخر، ثم يقال لهم.
* ثانياً: وإذا كان فيهم فاضل ومفضول فلم يقولون: إن علياً هو الفاضل وعثمان وغيره هم المفضولون، وهذا القول خلاف ما أجمع عليه المهاجرون والأنصار كما قال غير واحد من الأئمة، منهم أيوب السختياني وغيره: (من قدم علياً على عثمان، فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار)، وقد ثبت عن عبد الله بن عمر قال: (كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان)([552])، وفي لفظ: (ثم ندع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم)([553])، فهذا إخبار عما كان عليه الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من تفضيل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان، وقد روي أن ذلك كان يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره([554])، وحينئذ فيكون هذا التفضيل ثابتاً بالنص، وإلا فيكون ثابتاً بما ظهر بين المهاجرين والأنصار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من غير نكير وبما ظهر لما توفي عمر، فإنهم كلهم بايعوا عثمان بن عفان من غير رغبة ولا رهبة، ولم ينكر هذه الولاية منكر منهم.
قال الإمام أحمد: لم يجتمعوا على بيعة أحد ما اجتمعوا على بيعة عثمان، وسئل عن خلافة النبوة؟ فقال: كل بيعة كانت بـ المدينة، وهو كما قال: فإنهم كانوا في آخر ولاية عمر أعز ما كانوا وأظهر ما كانوا قبل ذلك، وكلهم بايعوا عثمان بلا رغبة بذلها لهم ولا رهبة، فإنه لم يعط أحداً على ولايته لا مالاً ولا ولاية، وعبد الرحمن الذي بايعه لم يوله ولم يعطه مالاً وكان عبد الرحمن من أبعد الناس عن الأغراض مع أن عبد الرحمن شاور جميع الناس ولم يكن لبني أمية شوكة ولا كان في الشورى منهم أحد غير عثمان، مع أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا كما وصفهم الله عز وجل: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) [المائدة:54].
وقد بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقولوا الحق حيثما كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، ولم ينكر منهم أحد ولاية عثمان... فلولا علم القوم بأن عثمان أحقهم بالولاية لما ولوه وهذا أمر كلما تدبره الخبير ازداد به خبرة وعلماً، ولا يشك فيه إلا من لم يتدبره من أهل العلم بالاستدلال، أو من هو جاهل بالواقع أو بطريق النظر والاستدلال والجهل بالأدلة أو بالنظر يورث الجهل، وأما من كان عالماً بما وقع وبالأدلة وعالماً بطريق النظر والاستدلال فإنه يقطع قطعاً لا يتمار فيه أن عثمان كان أحقهم بالخلافة وأفضل من بقي بعده([555]).
وأما زعمهم: أنه طعن في كل واحد ممن اختاره للشورى، وأظهر أنه يكره أن يتقلد أمر المسلمين ميتاً كما تقلده حياً ثم تقلده بأن جعل الإمامة في ستة. فالرد عليه: أن عمر لم يطعن فيهم طعن من يجعل غيرهم أحق بالإمامة منهم، بل لم يكن عنده أحق بالإمامة منهم كما نص على ذلك؛ لكن بين عذره المانع له من تعيين واحد منهم وكره أن يتقلد ولاية معين ولم يكره أن يتقلد تعيين الستة؛ لأنه قد علم أنه لا أحد أحق بالأمر منهم، فالذي علمه وعلم أن الله يثيبه عليه ولا تبعة عليه فيه إن تقلده هو اختيار الستة، والذي خاف أن يكون عليه فيه تبعة وهو تعيين واحد منهم تركه، وهذا من كمال عقله ودينه رضي الله عنه، وليس كراهته لتقلده ميتاً كما تقلده حياً لطعنه في تقلده حياً، فإنه تقلد الأمر حياً باختياره، وبأن تقلده كان خيراً له وللأمة، وإن كان خائفاً من تبعة الحساب، فقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60].
قالت عائشة رضي الله عنها: «يا رسول الله! أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف أن يعاقب، قال: لا يا بنت الصديق، ولكنة الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه»([556])، فخوفه من التقصير في الطاعة من كمال الطاعة والفرق بين تقلده حياً وميتاً أنه في حياته كان رقيباً على نوابه متعقباً لأفعالهم يأمرهم بالحج كل عام ليحكم بينهم وبين الرعية، فكان ما يفعلونه مما يكرهه يمكنه منعهم منه وتلافيه بخلاف ما بعد الموت، فإنه لا يمكنه لا منعهم مما يكرهه ولا تلافي ذلك، فلهذا كره تقلد الأمر ميتاً، وأما تعيين الستة فهو عنده واضح بين لعلمه أنهم أحق الناس بهذا الأمر([557]).
وأما زعمهم أنه ناقض فجعلها في أربعة ثم في ثلاثة ثم في واحد، فجعل إلى عبد الرحمن بن عوف الاختيار بعد أن وصفه بالضعف والقصور. فالرد عليه: أنه ينبغي لمن احتج بالمنقول أن يثبته أولاً وإذا قال القائل: هذا غير معلوم الصحة لم يكن عليه حجة وعهد عمر بالأمر من بعده إلى الستة ثابت في صحيح البخاري([558]) وغيره، ليس فيه شيء من هذا، بل يدل على نقيض هذا وأن الستة هم الذين جعلوا الأمر في ثلاثة، ثم الثلاثة جعلوا الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف واحد منهم ليس لـ عمر في ذلك أمر([559]).
وأما بيان بطلان افترائهم عليه: أنه قال: إن اجتمع علي وعثمان فالقول ما قالاه، وإن صاروا ثلاثة فالقول قول الذي صار فيهم عبد الرحمن؛ لعلمه أن علياً وعثمان لا يجتمعان على أمر، وأن عبد الرحمن لا يعدل بالأمر عن أخيه عثمان وابن عمه. فالرد عليه يقال لهم: من الذي قال إن عمر قال: هذا، وإن كان قد قاله فلا يجوز أن يظن به أنه كان قصده ولاية عثمان محاباة له ومنع علي معاداة له، فإنه لو كان قصده هذا لولى عثمان ابتداء ولم ينتطح فيها عنزان، كيف والذين عاشوا بعده قدموا عثمان بدون تعيين عمر له، فلو كان عمر عينه لكانوا أعظم متابعة له، وطاعة، سواء كانوا كما يقوله المؤمنون: أهل دين وخير وعدل أو كانوا كما يقوله المنافقون الطاعنون فيهم أن مقصودهم الظلم والشر، وعمر كان في حال الحياة لا يخاف أحداً... فإذا كان في حياته لم يخف من تقديم أبي بكر والأمر في أوله والنفوس لم تتوطن على طاعة أحد معين بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا صار لـ عمر أمر فكيف يخاف من تقديم عثمان عند موته، والناس كلهم مطيعوه، وقد تمرنوا على طاعته، فعلم أنه لو كان له غرض في تقديم عثمان لقدمه ولم يحتج إلى هذه الدويرة البعيدة، ثم أي غرض يكون لـ عمر رضي الله عنه في عثمان دون علي وليس بينه وبين عثمان من أسباب الصلة أكثر مما بينه وبين علي لا من جهة القبيلة ولا من غير جهة القبيلة، وعمر قد أخرج من الأمر ابنه ولم يدخل في الأمر ابن عمه سعيد بن زيد وهو أحد العشرة المشهود لأعيانهم بالجنة في حديث واحد([560]) وهم من قبيلة بني عدي ولا كان يولي من بني عدي أحداً، بل ولى رجلاً([561]) منهم ثم عزله، وكان رضي الله عنه باتفاق الناس لا تأخذه في الله لومة لائم فأي داع يدعوه إلى محاباة زيد دون عمرو بلا غرض يحصل من الدنيا، فمن أقصى عشيرته وأمر بأن الدَّين الذي عليه لا يوفى إلا من مال أقاربه، ثم من مال بني عدي، ثم من مال قريش، ولا يؤخذ من بيت المال شيء ولا من سائر الناس فأي حاجة له إلى عثمان أو علي أو غيرهما، حتى يقدمه وهو لا يحتاج إليه لا في أهله الذين يخلفهم ولا في دَينه الذي عليه، والإنسان إنما يحابي من يتولى بعده لحاجته إليه في نحو ذلك، فمن لا يكون له حاجة لا إلى هذا ولا إلى هذا، فأي داع يدعوه إلى ذلك لا سيما عند الموت، وهو وقت يسلم فيه الكافر ويتوب فيه الفاجر([562]) ولكن الرافضة قوم لا يفقهون.
وأما زعمهم: أن عمر رضي الله عنه علم أن عبد الرحمن رضي الله عنه لا يعدل الأمر عن أخيه وابن عمه، فهذا كذب بيِّن على عمر وعلى أنسابهم، فإن عبد الرحمن ليس أخاً لـ عثمان، ولا ابن عمه ولا من قبيلته أصلاً، بل هذا من بني زهرة وهذا من بني أمية، وبنو زهرة إلى بني هاشم أكثر ميلاً منهم إلى بني أمية، فإن بني زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا خالي فليكرمن امرؤ خاله»([563])، ولم يكن أيضاً: بين عثمان وعبد الرحمن مؤاخاة ولا مخالطة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخ بين مهاجري ومهاجري، ولا بين أنصاري وأنصاري، وإنما آخى بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن الربيع الأنصاري، ولم يؤاخ قط بين عثمان وعبد الرحمن([564]).
وأما بيان بطلان ما نسبوه إليه من أنه أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة ثلاثة أيام، فيقال لهم أولاً: من ذكر من أهل العلم أن هذا صحيح؟ وأين النقل الثابت بهذا؟ وإنما المعروف أنه أمر الأنصار أن لا يفارقوهم حتى يبايعوا واحداً منهم، ثم يقال لهم: ثانياً هذا من الكذب على عمر ولم ينقل هذا أحد من أهل العلم بإسناد يعرف ولا أمر عمر قط بقتل الستة الذين يعلم أنهم خيار الأمة، وكيف يأمر بقتلهم وإذا قتلوا كان الأمر بعد قتلهم أشد فساداً، ثم لو أمر بقتلهم لقال ولوا بعد قتلهم فلاناً وفلاناً فكيف يأمر بقتل المستحقين للأمر ولا يولي بعدهم أحداً، وأيضاً فمن الذين يتمكن من قتل هؤلاء، والأمة كلها مطيعة لهم والعساكر والجنود معهم ولو أرادت الأنصار كلهم قتل واحد منهم لعجزوا عن ذلك، وقد أعاذ الله الأنصار من ذلك، فكيف يأمر طائفة قليلة من الأنصار بقتل هؤلاء الستة جميعاً، ولو قال هذا عمر فكيف كان يسكت هؤلاء الستة، ويمكنون الأنصار منهم، ويجتمعون في موضع ليس فيه من ينصرهم، ولو فرضنا أن الستة لم يتول واحد منهم لم يجب قتل أحد منهم بذلك بل يولي غيرهم، وهذا عبد الله بن عمر كان دائماً تعرض عليه الولايات فلا يتولى، وما قتله أحد، وما آذاه أحد قط، وما سمع قط أن أحداً امتنع من الولاية فقتل على ذلك([565]).
وأما بيان بطلان افترائهم عليه بأنه أمر بقتل من خالف الأربعة وأمر بقتل من خالف الثلاثة منهم عبد الرحمن... إلخ.. المطاعن المذكورة في النص المتقدم، فالجواب عليه يقال لهم: هذا من الكذب المفترى، ولو قدر أنه فعل ذلك لم يكن عمر قد خالف الدين بل يكون قد أمر بقتل من يقصد الفتنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان»([566])، والمعروف عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بقتل من أراد أن ينفرد عن المسلمين ببيعة بلا مشاورة لأجل هذا الحديث، وأما قتل الواحد المتخلف عن البيعة إذا لم تقم فتنة فلم يأمر عمر بقتله مثل هذا، ولا يجوز قتل مثل هذا -وما قالوا أنه أشار إلى قتل عثمان وإلى عدم تولية علي - كذب بيِّن على عمر، فإن قوله: (لئن فعلت ليقتلنك الناس) إخبار عما يفعله الناس ليس فيه أمر لهم بذلك وكذلك قوله: لا يولونه إياها: إخبار عما سيقع ليس فيه نهي لهم عن الولاية، مع أن هذا اللفظ بهذا السياق ليس بثابت عن عمر، بل هو كذب عليه([567]).
([544]) منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة: (3/ 158)، الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: (3 /22-24)، حق اليقين لعبد الله شبر: (1 /188)، وانظر الاحتجاج للطبرسي: (1 /134).
([545]) انظر منهاج السنة: (3 /159)، المنتقى من منهاج الاعتدال، (ص:358-359).
([546]) منهاج السنة: (3 /162-164)، وانظر المنتقى، (ص:362-364).
([547]) رواه الترمذي في سننه: (4 /263)، من حديث أبي بن كعب.
([548]) سنن الترمذي: (4 /264)، من حديث عمر.
([549]) منهاج السنة: (3 /159)، وانظر المنتقى للذهبي، (ص:359).
([550]) انظر صحيح مسلم: (3 /1451- 1452)، المسند: (3 /129).
([551]) منهاج السنة: (3/165)، المنتقى، (ص:368).
([552]) انظر صحيح البخاري: (2 /289)، سنن أبي داوُد: (2 /511).
([553]) انظر صحيح البخاري: (2 /297)، سنن أبي داوُد: (2 /511).
([554]) ذكره الحافظ في الفتح: (7 /16)، وعزاه للطبراني.
([555]) منهاج السنة: (3 /165- 166).
([556]) انظر الدر المنثور: (6 /105).
([557]) منهاج السنة: (3 /167)، وانظر المنتقى للذهبي، (ص:270).
([558]) صحيح البخاري: (2 /297- 299).
([559]) منهاج السنة: (3 /168)، المنتقى، (ص:370).
([560]) انظر سنن أبي داوُد: (2 /515-516)، سنن الترمذي: (5 /311-312، 315-316).
([561]) هو النعمان بن عدي بن نضلة، انظر قصة عزله في تاريخ عمر، لابن الجوزي، (ص:136-137).
([562]) منهاج السنة: (3 /168- 169)، وانظر المنتقى للذهبي، (ص:371).
([563]) جاء في سنن الترمذي: (5 /313)، بلفظ: (هذا خالي فليرني امرؤ خاله).
([564]) منهاج السنة: (3 /170)، وانظر المنتقى للذهبي، (ص:373).
([565]) منهاج السنة: (3 /170-171)، وانظر المنتقى للذهبي، (ص:373).
([566]) انظر سنن النسائي: (7 /92-93).
([567]) منهاج السنة: (3 /172-173)