زعمهم أن عمر رضي الله عنه يجتهد في مقابل النصوص
زعمهم أن عمر رضي الله عنه يجتهد في مقابل النصوص
القول بأن عمر رضي الله عنه يجتهد في مقابل النصوص فقد قال أحدهم: وكان عمر يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية، بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه كقوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما).
ويقول لمن أجنب ولم يجد ماءً (لا تصلّ) رغم قول الله تعالى في سورة المائدة: {فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً}».
قلت: طعنه في عمر -رضي الله عنه- لنهيه عن المتعتين، قد تقدم الكلام فيه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في منهاج السنة ضمن رده على ابن المطهر في هذه المسألة: «وإن قدحوا في عمر لكونه نهى عنها، فأبو ذر كان أعظم نهياً عنها[1] من عمر، وكان يقول: إن المتعة كانت خاصة بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم يتولون أبا ذرويعظمونه، فإن كان الخطأ في هذه المسألة يوجب القدح فينبغي أن يقدحوا في أبي ذر، وإلا فكيف يقدح في عمر دونه، وعمر أفضل وأفقه، وأعلم منه.
ويقال ثانياً: إن عمر -رضي الله عنه- لم يحرم متعة الحج بل ثبت عن الضُّبي بن معبد لما قال له: إني أحرمت بالحج والعمرة جميعاً فقال له عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم رواه النسائي وغيره.[2]
وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- يأمرهم بالمتعة فيقولون له: إن أباك نهى عنها فيقول: إن أبي لم يرد ما تقولون: فإذا ألحوا عليه قال: أفرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق أن تتبعوا أم عمر؟
وقد ثبت عن عمر أيضاً أنه قال: لو حججت لتمتعت، ولو حججت لتمتعت وإنما كان مراد عمر -رضي الله عنه- أن يأمرهم بما هو الأفضل، وكان الناس لسهولة المتعة تركوا الاعتمار في غير أشهر الحج، فأراد ألا يُعرَّى البيت طول السنة، فإذا أفردوا الحج اعتمروا في سائر السنة، والاعتمار في غير أشهر الحج مع الحج في أشهر الحج أفضل من المتعة باتفاق الفقهاء الأربعة وغيرهم...
والإمام إذا اختار لرعيته الأمر الفاضل، بالشيء نهي عن ضده فكان نهيه عن المتعة على وجه الاختيار لا على وجه التحريم، وهو لم يقل: وأنا أحرمهما كما نقل هذا الطاعن، بل قال: أنهى عنهما ثم كان نهيه عن متعة الحج على وجه الاختيار للأفضل لا على وجه التحريم.
وقد قيل: إنه نهى عن الفسخ، والفسخ حرام عند كثير من الفقهاء، وهو من مسائل الاجتهاد، فالفسخ يحرمه أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، لكن أحمد وغيره من فقهاء الحديث وغيرهم لا يحرمون الفسخ، بل يستحبونه، بل يوجبه بعضهم، ولا يأخذون بقول عمر في هذه المسألة بل بقول: علي، وعمران بن حصين، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم من الصحابة -رضي الله عنهم-....
وأما ما ذكره من نهى عمر عن متعة النساء فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه حرم متعة النساء بعد الإحلال، هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبدالله، والحسن ابني محمد بن الحنفية، عن أبيهما محمد بن الحنفية، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال لابن عباس -رضي الله عنه-: لما أباح المتعة إنك امرؤ تائه، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرّم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر[3]، رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها، أئمة الإسلام في زمانهم، مثل مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة وغيرهما، ممن اتفق المسلمون على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح متلقى بالقبول ليس في أهل العلم من طعن فيه.
وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرَّمها في غزاة الفتح إلى يوم القيامة[4]، وقد تنازع رواة حديث علي -رضي الله عنه- هل قوله: (عام خيبر) توقيت لتحريم الحمر فقط، أوله ولتحريم المتعة؟ فالأول قول ابن عيينه وغيره قالوا: إنما حرمت عام الفتح، ومن قال بالآخر قال: إنها حرمت ثم أحلّت ثم حرمت، وادعت طائفة ثالثة أنها أحلت بعد ذلك ثم حرمت في حجة الوداع.
فالروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه حرم المتعة بعد إحلالها، والصواب أنها بعد أن حرمت لم تحل وأنها إنما حرمت عام فتح مكة ولم تحل بعد ذلك، ولم تحرم عام خيبر، بل عام خيبر حرمت وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم الحمر فأنكر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ذلك عليه...
وقد روى ابن عباس -رضي الله عنه- أنه رجع عن ذلك لما بلغه حديث النهي عنهما فأهل السنة اتبعوا علياً وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والشيعة خالفوا علياً فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتبعوا قول من خالفه».[5]
ويقول الدهلوي ضمن ذكره لمطاعن هؤلاء على عمر والرد عليها: «ومنها أن عمر منع الناس من متعة النساء ومتعة الحج مع أن كلتا المتعتين كانتا في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم، فنسخ حكم الله تعالى وحرّم ما أحله الله سبحانه، بدليل ما ثبت عند أهل السنة من قوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أنهي عنهما).
والجواب: أن أصح الكتب عند أهل السنة الصحاح الست، وأصحها البخاري ومسلم، وقد روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد حرم هو المتعة بعدما كان أحلها ورخصها لهم ثلاثة أيام، وجعل تحريمها إذ حرمها مؤبداً إلى يوم القيامة مثل هذه الرواية في الصحاح الأخر، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة رواية الأئمة عن الأمير بتحريمها، فإن ادعت الشيعة أن ذلك كان في غزوة خيبر ثم أُحلت في غزوة الأوطاس فمردود لأن غزوة خيبر كانت مبدأ تحريم لحوم الحمر الأهلية، لامتعة النساء، فقد روى جمع من أهل السنة عن عبدالله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما عن الأمير رضي الله عنه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أنادي بتحريم المتعة) فقد علم أن تحريم المتعة كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة أو مرتين، فالذي بلغه النهي امتنع عنها ومن لا فلا، ولما شاع في عهد عمر ارتكابها أظهر حرمتها وأشاعها وهدد من كان يرتكبها، وآيات الكتاب شاهدة على حرمتها...
والجواب عن متعة الحج: -أعنى تأديه أركان العمرة مع الحج في سفر واحد في أشهر الحج قبل الرجوع إلى بيته -أن عمر لم يمنعها قط ورواية التحريم عنه افتراء صريح- نعم إنه كان يرى إفراد الحج والعمرة أولى من جمعهما في إحرام واحد وهو القران أو في سفر واحد وهو التمتع، وعليه الإمام الشافعي، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهوية وغيرهم لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلى قوله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}[6] الآية فأوجب سبحانه الهدي على المتمتع لا على المفرد جبراً لما فيه من النقصان، كما أوجبه تعالى في الحج إذا حصل فيه قصور ونقص، ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم حج في حجة الوداع مفرداً، واعتمر في عمرة القضاء وعمرة جعرّانة كذلك، ولم يحج فيها بل رجع إلى المدينة مع وجود المهلة.
وأما ما رووا من قول عمر (وأنا أنهى عنهما) فمعناه أن الفسقة وعوام الناس لا يبالون بنهي الكتاب وهو قوله تعالى: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} وقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلا أن يحكم عليهم الحاكم والسلطان، ويجبرهم على مراعاة ما أمروا به وما نهوا عنه، فلذلك أضاف النهي إلى نفسه، فقد تبين لك ولله تعالى الحمد زيف أقوالهم، وظهر لك مزيد ضلالهم والحق يعلو وكلمة الصدق تسمو».
فظهر بهذا بطلان دعوى هؤلاء في طعنهم في عمر لنهيه عن المتعتين. أما متعة الحج فلم ينه عنها نهى تحريم وإنما كان نهيه على لحوم الحمر الأهلية.
وجه الاختيار للأفضل، وذلك خشية منه أن يهجر البيت بترك الناس للاعتمار في غير أشهر الحج، وقيل إنما كان نهي عمر عن فسخ الحج إلى عمرة وهذا هو قول أكثر أهل العلم، كما نقله ابن قدامة في المغني لأن الحج أحد النسكين فلم يجز فسخه كالعمرة.[7]
وأما متعة النساء فالذي حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن كان أحلها وكان علي -رضي الله عنه- من أشد الناس إنكاراً على من قال بحلها، وإنما قال بحلها ابن عباس -رضي الله عنهما- فأنكر عليه علي -رضي الله عنه- ورجع عن ذلك لما بلغه الحديث الذي رواه علي -رضي الله عنه- بتحريم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها، وكذلك روى أحاديث تحريم المتعة غير علي -رضي الله عنه- بعض الصحابة وهي مخرجة في صحاح أهل السنة كما تقدم، فأي لوم على عمر -رضي الله عنه- في نهيه عن المتعة بعد أن ثبت تحريم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها إلى يوم القيامة.
___________________________________
[1] - روى مسلم في صحيحه من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: (كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة) وفي رواية: (لاتصلح المتعتان إلا لنا خاصة، يعني متعة النساء ومتعة الحج) صحيح مسلم (كتاب الحج، باب جواز التمتع) 2/897.
[2] - رواه النسائي في: (كتاب مناسك الحج، باب القران) 5/113-114.
[3] - رواه البخاري بدون: (إنك امرؤ تائه) في: (كتاب النكاح، باب نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نكاح المتعة أخيراً) فتح الباري 9/166، ح5115، ومسلم: (كتاب النكاح، باب نكاح المتعة...) 2/1027، ح1407.
[4] - رواه مسلم في صحيحه من حديث سبرة الجهني -رضي الله عنه-: (كتاب النكاح، باب نكاح المتعة) 2/1025.
[5] - منهاج السنة 4/184-191.
[6] - مختصر التحفة الإثني عشرية ص256-258.
[7] - انظر المغني لابن قدامة 5/252.
إدعائهم أن عمر يجتهد أمام النصوص
قال الرافضي مصيبتنا في الاجتهاد مقابل النص: «استنتجت من خلال البحث، أن مصيبة الأمة الإسلامية انجرت عليها من الاجتهاد الذي دأب عليه الصحابة مقابل النصوص الصريحة، فاخترقت بذلك حدود الله، ومحقت السنة النبوية، وأصبح العلماء والأئمة بعد الصحابة يقيسون على اجتهادات الصحابة، ويرفضون بعض الأحيان النص النبوي، إذا تعارض مع ما فعله الصحابة...
ومن أول الصحابة الذين فتحوا هذا الباب على مصراعيه هو: الخليفة الثاني، الذي استعمل رأيه مقابل النصوص القرآنية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعطل سهم المؤلفة قلوبهم، الذين فرض الله لهم سهماً من الزكاة، وقال: لا حاجة لنا فيكم».
قلت: لا يخفى ما في كلام هذا الرجل من الكذب والتلبيس، وقلب الحقائق، وعظيم الجرأة على إنكار ما هو معلوم بالضرورة من الدين والتأريخ والواقع، وذلك في رميه للصحابة برفض النصوص، وترك السنة، ومعارضتها بأقوالهم وآرائهم. مع أن المعلوم من حال الصحابة المقطوع به في المسلمين، أنه ما عرفت الأمة مثلهم في شدة الحرص على النصوص، وحسن المتابعة لها، وقوة العزيمة في الأخذ بها، والقيام بها أيّما قيام، وتطبيقها في كافة الظروف والأحوال، حتى أصبحو بذلك مضرب الأمثال، وقدوة الأجيال، على مر السنين والقرون، في القوامة بأمر الدين. حتى إن عوام المسلمين إذا ما رأوا من رجل صدق التدين، وحسن الاستقامة، قالوا في وصفه على سبيل التمدح: (كأنه تربّى على الصحابة، أو كأنه يعيش بين الصحابة) وما ذلك إلا لما اشتهر في الأمة واستفاض من عدالة هؤلاء الصحابة، ورسوخ قدمهم في الدين، وقوة تمسكهم به.
ومرجع هذا كله إلى ما تضافرت عليه نصوص الشرع، مما يطرق أسماع المسلمين في كل وقت وحين، من وصف الله ورسوله للصحابة بأحسن الصفات، والثناء عليهم بأجمل الثناء، والشهادة لهم بالإيمان والتقوى، وأن الله قد رضي عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم قد مات وهو راض عنهم، مبشرهم بالخير من ربهم.
ولذا فإن طعن هذا الرافضي في الصحابة بما يقدح في دينهم، وعدم تمسكهم بالشرع، لا أرى أنه يحتاج إلى تكلف رد، لرسوخ الاعتقاد في الأمة بعدالتهم، واستفاضة النصوص بعلو شأنهم في الدين ومكانتهم.
وإنما أشير هنا على وجه الخصوص، إلى كذب ما ادعاه الرافضي من توسع عمر رضي الله عنه في الاجتهاد والعمل برأيه مقابل النصوص، لخشية التلبيس في هذا الأمر على من لا علم عنده من العامة وأهل الجهــل.
وبيان كذبه وفساد ما ادعاه في ذلك يكون من عدة وجوه.
الوجه الأول: أن هذه دعوى مجردة عن الحجة والدليل، لا قيمة لها عند أهل النظر والتحقيق، إذ المؤلف لم يقدم عليها دليلاً واحداً، يدل على ثبوت ما ادعاه.
الوجه الثاني: أن الطعن في عمر بهذا قدح في النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوصى الأمة باتباع سنته، وسنة الخلفاء الراشدين، وقد كان عمر منهم، وذلك في قوله كما في حديث العرباض بن سارية (... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).
وكذلك أمره بالاقتداء بأبي بكر وعمر كما في حديث حذيفة
أنه قال: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر).
فاذا كان عمر على ما يدعي الرافضي من العمل بالرأي،
واطراح السنة، وأنه أول من غير وبدل، لزم من هذا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم غاشاً لأمته غير ناصح لها بأمره باتباع سنة عمر والاقتداء به ، ولا يمكن للخصم أن يدعي أن ذلك التغيير من عمر حصل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن معلوماً له عند النطق بتلك الأحاديث وذلك لســببين.
الأول: أن الرافضي ذكر في كلامه أن معارضة عمر للسنة كانت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وزعم أنه عارض النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناســبة.
الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يشرع من عند نفسه، وإنما هو مبلغ عن ربه {وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى}، فلو كان حال عمر خفي على النبي صلى الله عليه وسلم ، أفكان يخفى على رب العالمين!! فلما جاء الأمر بالاقتداء بعمر ممن لا ينطق عن الهوى، علمنا أن عمر كان على الحق والهدى، على رغم أنف هذا الرافضي الحاقد.
الوجه الثالث: أن عمر شهد له الصحابة الذين لا يخافون في الله لومة لائم، أنه كان يعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أبو بكر في خلافته، فقد روى ابن أبي شيبة في خبر مقتل عمر وفيه أن الصحابة اجتمعوا إلى عمر بعد طعنه فقالوا له:
(جزاك الله خيراً قد كنت تعمل فينا بكتاب الله، وتتبع سنة صاحبيك لا تعدل عنها إلى غيرها، جزاك الله أحسن الجزاء...).(1)
ولهذا كان علي بن أبي طالب يغبطه على ما كان عليه من الخير
وتمنى لو لقي الله بمثل عمله كما ثبت في الصحيحين من حديث
ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (وضع عمر على سريره فتكنّفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يَرُعْني إلا رجل آخذ منكبي، فإذا علي بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحب إليّ أن ألقي الله بمثل عمله منك، وأيم الله إنْ كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر).(2)
وقد كان ابن عباس -رضي الله عنهما- إن لم يجد للمسألة حكماً في الكتاب أو السنة أفتى بقول أبي بكر وعمر، على ما روى الدارمي بسنده عن عبد الله بن أبي زيد قال: (كان ابن عباس إذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصنف لابن أبي شيبة 7/440.
(2) أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب)، فتح الباري 7/41، ح3685، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر) 4/1859، ح2389.
سئل عن الأمر فكان في القرآن أخبر به، وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر به، فإن لم يكن فعن أبي بكر وعمر، فإن لم يكن قال فيه برأيه).(1)
ففي هذه النقول عن الصحابة المتضمنة حسن الثناء على عمر، ورسوخ قدمه في الدين، وعظم شأنه في العلم والعمل بالسنة، أكبر دليل على دحض دعوى الرافضي الجائرة، كما أن في موقف علي من عمر على وجه الخصوص إلزاماً لهذا الرافضي بقول من يعتقد إمامته ويدعي عصمته. فإذا كان عمر على ما يعتقد فيه هذا الرافضي من القول بالرأي، وترك السنة، فلِمَ يتمنى علي أن يلقى الله بمثل عمله ولِمَ يفتى ابن عباس وهو الإمام الجليل من أئمة أهل البيت بقوله أم أن علياً وابن عباس كانا ضالين في هذا !!
الوجه الرابع: أن الثابت من سيرة عمر وأقواله المأثورة عنه، يدل على بطلان دعوى الرافضي، فقد كان من أشد الناس تمسكاً بالنصوص، والوقوف عندها، وأقواله في ذلك مشهورة:
فمن ذلك ما أخرجه الدارمي والآجري وغيرهما بسند صحيح عنه أنه قال: (سيأتي أناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فجادلوهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سنن الدارمي 1/71.
بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله).(1)
وقد أورد الإمام ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين فصلاً خاصاً في المنقول عن عمر في التحذير من الرأي.
ومما جاء فيه عن عمر أنه قال: (أصبح أهل الرأي أعداء السنن، أعيتهم أن يعوها، وتفلتت منهم أن يرووها، فاستبقوها بالرأي).
وعنه أنه قال: (اتقوا الرأي في دينكم).
وقال أيضاً: (السنة ما سنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة).(2)
قال ابن القيم: «وأسانيد هذه الآثار عن عمر، في غاية الصحــــة».(3)
فكيف يظن بمن هذا قوله، أن يعارض النصوص برأيه واجتهاده، فإن هذا من أبعد المحال عند التأمل والاعتبار.
الوجه الخامس: إن قول الرافضي: إن عمر عطل سهم المؤلفة قلوبهم جهل بالشرع ومقاصده، وتطاول على عمربما لا علم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الدارمي 1/62، والآجرى في الشريعة ص52، وابن بطة في الإبانة الكبرى 1/250، وذكر المحقق أن إسناده صحيح، وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/123.
(2) أعلام الموقعين 1/54-55.
(3) المصدر نفسه 1/55.
لهذا الرافضي به، وذلك أن سهم المؤلفة قلوبهم فرض في الشرع تألفاً لبعض الناس من سادات الناس وكبرائهم على الإسلام وللحاجة إليهم، فلما قوي الإسلام وكثر أتباعه اجتمع رأي الصحابة على عدم إعطاء المؤلفة قلوبهم شيئاً، لعدم الحاجة إليهم، ولزوال السبب الذي كانوا يعطون من أجله.
قال القرطبي: «قال بعض علماء الحنفية: لما أعز الله الإسلام وأهله، وقطع دابر الكافرين -لعنهم الله-، اجتمعت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في خلافة أبي بكر على سقوط سهمهم».(1)
وقال ابن قدامة «لم ينقل عن عمر، ولا عثمان، ولا علي، أنهم أعطوهم شيئاً».(2)
وهذا يدل على اتفاق الصحابة على عدم إعطاء المؤلفة قلوبهم في ذلك العهد، وأن هذا هو الذي عليه الخلفاء الثلاثة عمر، وعثمان، وعلي لكن القطع بسقوط سهم المؤلفة قلوبهم ونسبته للصحابة -كما نص على ذلك بعض علماء الحنفية ونقلوا إجماعهم عليه- محل نظر. فالمشهور عن الصحابة هو عدم إعطاء أهل التأليف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير القرطبي 8/168.
(2) المغني 9/316.
شيئاً، كما نقل ذلك عنهم ابن قدامة، وهذا لا يلزم منه أنهم كانوا يرون سقوط سهم المؤلفة قلوبهم بالكلية، بل يحتمل أنهم رأوا منع أولئك المعاصرين لهم، لعز الإسلام، وعدم الحاجة إليهم من غير قطع بسقوط سهمهم في كل عصر عند الحاجة إليهم.
يشهد لهذا أن العلماء من بعد الصحابة اختلفوا في سقوط سهم المؤلفة قلوبهم على قولين: فمنهم من يرى سقوط سهمهم، ومنهم من يرى أن سهمهم باق، وأن عطاءهم بحسب الحاجة إليهم، فإن احتيج إليهم أُعطوا، وإلا لم يعطوا، وهذا بناءً على ما فهموه من فعل الصحابة، الذي كان محتملاً لكل واحد من هذين القولين.
يقول القرطبي ناقلاً الخلاف بين العلماء في المسألة: «واختلف العلماء في بقائهم (أي: المؤلفة قلوبهم) قال عمر، والحسن، والشعبي وغيرهم: انقطع هذا الصنف بعز الإسلام وظهوره، وهذا مشهور من مذهب مالك وأصحاب الرأي...
وقال جماعة من العلماء: هم باقون لأن الإمام ربما احتاج أن يستأنف على الإسلام، وإنما قطعهم عمر لما رأي من إعزاز الدين.
قال يونس: سألت الزهري عنهم فقال: لا أعلم نسخاً في ذلك.
قال أبو جعفر النحاس: فعلى هذا الحكم فيهم ثابت، فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه، ويخاف أن تلحق المسلمين منه آفة، أو يرجى أن يحسن إسلامه بعد، دُفِعَ إليه.
قال القاضي عبد الوهاب: إن احتيج إليهم في بعض الأوقات أُعطوا من الصدقة.
وقال القاضي ابن العربي: الذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم فـإنّ في الصحيح (بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ)(1)».(2)
ومن خلال هذا العرض لأقوال الصحابة والعلماء في المسألة يتبين لنا أمران:
الأول: أن القول بمنع المؤلفة قلوبهم عطاياهم لما قوي الإسلام لم يكن قول عمر وحده، وإنما هو قول عامة الصحابة، وهو الذي درج عليه عمل الخليفتين الراشدين من بعد عمر: عثمان وعلي، كما نقل ذلك العلماء عنهم، فلِمَ التشنيع على عمر في قول شاركه فيه عامة الصحابة، وكان على العمل به الخليفتان الراشدان من بعده (عثمان وعلي) -رضي الله عنهما-!! وإذا كانت الرافضة تعتقد في علي أنه الإمام المعصوم من الخطأ، المنزه عن السهو، والغفلة، والزلل،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم: (كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً...) 1/130، ح145.
(2) تفسير القرطبي 8/168.
فما بال هذا الرافضي يطعن في عمر في أمر قد حكم به الإمام المعصوم عنده، طيلة مدة خلافته، وسنه للأمة من بعده؟!
الثاني: أن منع المؤلفة قلوبهم من عطاياهم، في حال عز الإسلام وعدم الحاجة إليهم لا يقتضي سقوط سهمهم بالكلية عند المانع لهم في تلك الحال، وبالتالي فنسبة القول بسقوط سهم المؤلفة قلوبهم بالكلية لعمر ولغيره من الصحابة بمنعهم أهل التأليف عطاياهم في ذلك العهد، تبقى محل نظر، حتى يرد النص الصحيح منهم بالتصريح بالحكم المذكور. وهذا مما تندفع به مطاعن الرافضي على عمر، في دعواه أنه عطل سهم المؤلفة قلوبهم، مع ثبوته في كتابه الله تعالى.
الوجه السادس: أن ما يثبت عن عمر من القول بالرأي، ثبت عن علي مثله، أو أكثر منه في مسائل هي أعظم من المسائل التي تكلم فيها عمر، فالقدح في عمر بهذا، قدح في علي من باب أولى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله- في رده على الرافضي في طعنه على عمر بالقول بالرأي: «والجواب أن القول بالرأي، لم يختص به عمر بل علي كان من أقولهم بالرأي، وكذلك أبوبكر، وعثمان، وزيد، وابن مسعود، وغيرهم من الصحابة كانوا يقولون بالرأي، وكان رأي علي في دماء أهل القبلة ونحوه من الأمور العظائم.
كما في سنن أبي داود وغيره عن الحسن عن قيس بن عباد قال:
قلت لعلي: (أخبرنا عن مسيرك هذا أعهد عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أم رأي رأيته؟ قال: ما عهد النبي صلى الله عليه وسلم إليّ شيئاً ولكنه رأي رأيته)(1)
وهذا أمر ثابت، ولهذا لم يرو علي في قتال الجمل وصفين شيئاً، كما رواه في قتال الخوارج، بل روى الأحاديث الصحيحة هو وغيره من الصحابة في قتال الخوارج المارقين، وأما قتال الجمل وصفين فلم يرو أحد منهم فيه نصاً، إلا القاعدون فإنهم رووا الأحاديث في ترك القتال في الفتنة.
ومعلوم أن الرأي إن لم يكن مذموماً، فلا لوم على من قال
به، وإن كان مذموماً فلا رأي أعظم ذماً من رأي أريق به دم
ألوف مؤلفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصحلة للمسلمين، لا في دينهم، ولا في دنياهم، بل نقص الخير عما كان، وزاد الشر على ما كان.
أن عمر رضي الله عنه يجتهد في مقابل النصوص
قال الرافضي ص131 وكان عمر يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية، بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه كقوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما).
ويقول لمن أجنب ولم يجد ماءً (لا تصلّ) رغم قول الله تعالى في سورة المائدة: {فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً} (1) ".
قلت: طعنه في عمر - رضي الله عنه - لنهيه عن المتعتين، هذه من مطاعن الرافضة القديمةالتي أجاب العلماء عنها بمايدحض بطلان دعواهم فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في منهاج السنة ضمن رده على ابن المطهر في هذه المسألة: "وإن قدحوا في عمر لكونه نهى عنها، فأبوذر كان أعظم نهياً عنها (2) من عمر، وكان يقول: إن المتعة
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هكذا أورد الآية فأخطأ في النقل والآية الصحيحة {فلم تجدوا ماء ... } سورة المائدة آية6.
(2) روى مسلم في صحيحه من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: (كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة) وفي رواية: (لاتصلح المتعتان إلا لنا خاصة، يعني متعة النساء ومتعة الحج) صحيح مسلم (كتاب الحج، باب جواز التمتع) 2/ 897.
كانت خاصة بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يتولون أبا ذر
ويعظمونه (1)، فإن كان الخطأ في هذه المسألة يوجب القدح فينبغي أن يقدحوا في أبي ذر، وإلا فكيف يقدح في عمر دونه، وعمر أفضل وأفقه، وأعلم منه.
ويقال ثانياً: إن عمر - رضي الله عنه - لم يحرم متعة الحج بل ثبت عن الضُّبي بن معبد لما قال له: إني أحرمت بالحج والعمرة جميعاً فقال له عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم رواه النسائي وغيره. (2)
وكان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - يأمرهم بالمتعة فيقولون له: إن أباك نهى عنها فيقول: إن أبي لم يرد ما تقولون: فإذا ألحوا عليه قال: أفرسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبعوا أم عمر؟
وقد ثبت عن عمر أيضاً أنه قال: لوحججت لتمتعت، ولوحججت لتمتعت وإنما كان مراد عمر - رضي الله عنه - أن يأمرهم بما هوالأفضل، وكان الناس لسهولة المتعة تركوا الاعتمار في غير أشهر الحج، فأراد ألا يُعرَّى البيت طول السنة، فإذا أفردوا الحج اعتمروا في سائر السنة، والاعتمار في غير أشهر الحج مع الحج في أشهر الحج
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سبق أن تقدم نقل رواية الكافي في زعمهم أن الناس ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة: أبوذر وسلمان والمقداد بن الأسود، انظر ص388 من هذا الكتاب.
(2) رواه النسائي في: (كتاب مناسك الحج، باب القران) 5/ 113 - 114.
أفضل من المتعة باتفاق الفقهاء الأربعة وغيرهم ...
والإمام إذا اختار لرعيته الأمر الفاضل، بالشيء نهي عن ضده فكان نهيه عن المتعة على وجه الاختيار لا على وجه التحريم، وهولم يقل: وأنا أحرمهما كما نقل هذا الرافضي، بل قال: أنهى عنهما ثم كان نهيه عن متعة الحج على وجه الاختيار للأفضل لا على وجه التحريم.
وقد قيل: إنه نهى عن الفسخ، والفسخ حرام عند كثير من الفقهاء، وهومن مسائل الاجتهاد، فالفسخ يحرمه أبوحنيفة، ومالك، والشافعي، لكن أحمد وغيره من فقهاء الحديث وغيرهم لا يحرمون الفسخ، بل يستحبونه، بل يوجبه بعضهم، ولا يأخذون بقول عمر في هذه المسألة بل بقول: علي، وعمران بن حصين، وابن عباس،
وابن عمر، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ...
وأما ما ذكره من نهى عمر عن متعة النساء فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم متعة النساء بعد الإحلال، هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبدالله، والحسن ابني محمد بن الحنفية، عن أبيهما محمد بن الحنفية، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال لابن عباس - رضي الله عنه -: لما أباح المتعة إنك امرؤ تائه، إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر (1)، رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها، أئمة الإسلام في زمانهم، مثل مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة وغيرهما، ممن اتفق المسلمون على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح متلقى بالقبول ليس في أهل العلم من طعن فيه.
وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرَّمها في غزاة الفتح إلى يوم القيامة (2)، وقد تنازع رواة حديث علي - رضي الله عنه - هل قوله: (عام خيبر) توقيت لتحريم الحمر فقط، أوله ولتحريم المتعة؟ فالأول قول
ابن عيينه وغيره قالوا: إنما حرمت عام الفتح، ومن قال بالآخر قال: إنها حرمت ثم أحلّت ثم حرمت، وادعت طائفة ثالثة أنها أحلت بعد ذلك ثم حرمت في حجة الوداع.
فالروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه حرم المتعة بعد إحلالها، والصواب أنها بعد أن حرمت لم تحل وأنها إنما حرمت عام فتح مكة ولم تحل بعد ذلك، ولم تحرم عام خيبر، بل عام خيبر حرمت
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري بدون: (إنك امرؤ تائه) في: (كتاب النكاح، باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيراً) فتح الباري 9/ 166، ح5115، ومسلم: (كتاب النكاح، باب نكاح المتعة ... ) 2/ 1.27، ح14.7.
(2) رواه مسلم في صحيحه من حديث سبرة الجهني - رضي الله عنه -: (كتاب النكاح، باب نكاح المتعة) 2/ 1.25.
لحوم الحمر الأهلية.
وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم الحمر فأنكر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ذلك عليه ...
وقد روى ابن عباس - رضي الله عنه - أنه رجع عن ذلك لما بلغه حديث النهي عنهما فأهل السنة اتبعوا علياً وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والشيعة خالفوا علياً فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا قول من خالفه". (1)
ويقول الدهلوي ضمن ذكره لمطاعن الرافضة على عمر والرد عليها: "ومنها أن عمر منع الناس من متعة النساء ومتعة الحج مع أن كلتا المتعتين كانتا في زمنه صلى الله عليه وسلم، فنسخ حكم الله تعالى وحرّم ما أحله الله سبحانه، بدليل ما ثبت عند أهل السنة من قوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهي عنهما).
والجواب: أن أصح الكتب عند أهل السنة الصحاح الست، وأصحها البخاري ومسلم، وقد روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني أنه صلى الله عليه وسلم قد حرم هوالمتعة بعدما كان أحلها ورخصها لهم ثلاثة أيام، وجعل تحريمها إذ حرمها مؤبداً إلى يوم
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 4/ 184 - 191.
القيامة (1) ومثل هذه الرواية في الصحاح الأخر، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة رواية الأئمة عن الأمير بتحريمها، (2) فإن ادعت الشيعة أن ذلك كان في غزوة خيبر ثم أُحلت في غزوة الأوطاس فمردود لأن غزوة خيبر كانت مبدأ تحريم لحوم الحمر الأهلية، لامتعة النساء، فقد روى جمع من أهل السنة عن عبدالله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما عن الأمير كرم الله وجهه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي بتحريم المتعة) فقد علم أن تحريم المتعة كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أومرتين، فالذي بلغه النهي امتنع عنها ومن لا فلا، ولما شاع في عهد عمر ارتكابها أظهر حرمتها وأشاعها وهدد من كان يرتكبها، وآيات الكتاب شاهدة على حرمتها ...
والجواب عن متعة الحج: -أعنى تأديه أركان العمرة مع الحج في سفر واحد في أشهر الحج قبل الرجوع إلى بيته -أن عمر لم يمنعها قط ورواية التحريم عنه افتراء صريح- نعم إنه كان يرى إفراد الحج والعمرة أولى من جمعهما في إحرام واحد وهوالقران أوفي سفر واحد وهوالتمتع، وعليه الإمام الشافعي، وسفيان الثوري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدم تخريجه ص396.
(2) تقدم تخريجه ص 396.
وإسحاق بن راهوية وغيرهم لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلى قوله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} (1) الآية فأوجب سبحانه الهدي على المتمتع لا على المفرد جبراً لما فيه من النقصان، كما أوجبه تعالى في الحج إذا حصل فيه قصور ونقص، ولأنه صلى الله عليه وسلم حج في حجة الوداع مفرداً، واعتمر في عمرة القضاء وعمرة جعرّانة كذلك، ولم يحج فيها بل رجع إلى المدينة مع وجود المهلة.
وأما ما رووا من قول عمر (وأنا أنهى عنهما) فمعناه أن الفسقة وعوام الناس لا يبالون بنهي الكتاب وهوقوله تعالى: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} (2) وقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلا أن يحكم عليهم الحاكم والسلطان، ويجبرهم على مراعاة ما أمروا به وما نهوا عنه، فلذلك أضاف النهي إلى نفسه، فقد تبين لك ولله تعالى الحمد زيف أقوالهم، وظهر لك مزيد ضلالهم والحق يعلووكلمة الصدق تسمو". (3)
فظهر بهذا بطلان دعوى الرافضة في طعنهم في عمر لنهيه عن المتعتين. أما متعة الحج فلم ينه عنها نهى تحريم وإنما كان نهيه على ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية 196.
(2) وردت الآية في سورة (المؤمنون) آية 7، وفي سورة المعارج آية 31.
(3) مختصر التحفة الإثني عشرية ص256 - 258.
وجه الاختيار للأفضل، وذلك خشية منه أن يهجر البيت بترك الناس للاعتمار في غير أشهر الحج، وقيل إنما كان نهي عمر عن فسخ الحج
إلى عمرة وهذا هوقول أكثر أهل العلم، كما نقله ابن قدامة في المغني لأن الحج أحد النسكين فلم يجز فسخه كالعمرة. (1)
وأما متعة النساء فالذي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان أحلها وكان علي - رضي الله عنه - من أشد الناس إنكاراً على من قال بحلها، وإنما قال بحلها ابن عباس -رضي الله عنهما- فأنكر عليه علي - رضي الله عنه - ورجع عن ذلك لما بلغه الحديث الذي رواه علي - رضي الله عنه - بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، وكذلك روى أحاديث تحريم المتعة غير علي
- رضي الله عنه - بعض الصحابة وهي مخرجة في صحاح أهل السنة كما تقدم، فأي لوم على عمر - رضي الله عنه - في نهيه عن المتعة بعد أن ثبت تحريم
رسول الله صلى الله عليه وسلم لها إلى يوم القيامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر المغني لابن قدامة 5/ 252.
زعمهم أن عمر رضي الله عنه يجتهد في مقابل النصوص
قال الرافضي
وكان عمر يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية، بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه كقوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما)
ويقول لمن أجنب ولم يجد ماءً (لا تصلّ) رغم قول الله تعالى في سورة المائدة: {فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً}
الجــــــــــــــــــــــــــواب
قلت: طعنه في عمر - لنهيه عن المتعتين، هذه من مطاعن الرافضة القديمة التي أجاب العلماء عنها بما يدحض بطلان دعواهم فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في منهاج السنة ضمن رده على ابن المطهر في هذه المسألة: «وإن قدحوا في عمر لكونه نهى عنها، فأبو ذر كان أعظم نهياً عنها من عمر، وكان يقول: إن المتعة كانت خاصة بأصحاب رسول الله r، وهم يتولون أبا ذر
ويعظمونه، فإن كان الخطأ في هذه المسألة يوجب القدح فينبغي أن يقدحوا في أبي ذر، وإلا فكيف يقدح في عمر دونه، وعمر أفضل وأفقه، وأعلم منه.
ويقال ثانياً: إن عمر -لم يحرم متعة الحج بل ثبت عن الضُّبي بن معبد لما قال له: إني أحرمت بالحج والعمرة جميعاً فقال له عمر: هديت لسنة نبيك رواه النسائي وغيره.
وكان عبد الله بن عمر يأمرهم بالمتعة فيقولون له: إن أباك نهى عنها فيقول: إن أبي لم يرد ما تقولون: فإذا ألحوا عليه قال: أفرسول الله أحق أن تتبعوا أم عمر؟
وقد ثبت عن عمر أيضاً أنه قال: لو حججت لتمتعت، ولو حججت لتمتعت وإنما كان مراد عمر أن يأمرهم بما هو الأفضل، وكان الناس لسهولة المتعة تركوا الاعتمار في غير أشهر الحج، فأراد ألا يُعرَّى البيت طول السنة، فإذا أفردوا الحج اعتمروا في سائر السنة،
وأما ما ذكره من نهى عمر عن متعة النساء فقد ثبت عن النبي أنه حرم متعة النساء بعد الإحلال، هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبدالله، والحسن ابني محمد بن الحنفية، عن أبيهما محمد بن الحنفية، عن علي بن أبي طالب - أنه قال لابن عباس لما أباح المتعة إنك امرؤ تائه، إن
رسول الله حرّم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام
خيبر، رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها، أئمة الإسلام في زمانهم، مثل مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة وغيرهما، ممن اتفق المسلمون على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح متلقى بالقبول ليس في أهل العلم من طعن فيه.
وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرَّمها في غزاة الفتح إلى يوم القيامة ، وقد تنازع رواة حديث علي -- هل قوله: (عام خيبر) توقيت لتحريم الحمر فقط، أوله ولتحريم المتعة؟ فالأول قول
ابن عيينه وغيره قالوا: إنما حرمت عام الفتح، ومن قال بالآخر قال: إنها حرمت ثم أحلّت ثم حرمت، وادعت طائفة ثالثة أنها أحلت بعد ذلك ثم حرمت في حجة الوداع.
فالروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه حرم المتعة بعد إحلالها، والصواب أنها بعد أن حرمت لم تحل وأنها إنما حرمت عام فتح مكة ولم تحل بعد ذلك، ولم تحرم عام خيبر، بل عام خيبر حرمت لحوم الحمر الأهلية.
وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم الحمر فأنكر علي بن أبي طالب ذلك عليه...
وقد روى ابن عباس أنه رجع عن ذلك لما بلغه حديث النهي عنهما فأهل السنة اتبعوا علياً وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي والشيعة خالفوا علياً فيما رواه عن النبي واتبعوا قول من خالفه».
ويقول الدهلوي ضمن ذكره لمطاعن الرافضة على عمر والرد عليها: «ومنها أن عمر منع الناس من متعة النساء ومتعة الحج مع أن كلتا المتعتين كانتا في زمنه فنسخ حكم الله تعالى وحرّم ما أحله الله سبحانه، بدليل ما ثبت عند أهل السنة من قوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهي عنهما).
والجواب: أن أصح الكتب عند أهل السنة الصحاح الست، وأصحها البخاري ومسلم، وقد روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني أنه قد حرم هو المتعة بعدما كان أحلها ورخصها لهم ثلاثة أيام، وجعل تحريمها إذ حرمها مؤبداً إلى يوم
القيامة ومثل هذه الرواية في الصحاح الأخر، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة رواية الأئمة عن الأمير بتحريمها، فإن ادعت الشيعة أن ذلك كان في غزوة خيبر ثم أُحلت في غزوة الأوطاس فمردود لأن غزوة خيبر كانت مبدأ تحريم لحوم الحمر الأهلية، لامتعة النساء، فقد روى جمع من أهل السنة عن عبدالله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما عن الأمير كرم الله وجهه أنه قال: (أمرني رسول الله أن أنادي بتحريم المتعة) فقد علم أن تحريم المتعة كان في عهد رسول الله مرة أو مرتين، فالذي بلغه النهي امتنع عنها ومن لا فلا، ولما شاع في عهد عمر ارتكابها أظهر حرمتها وأشاعها وهدد من كان يرتكبها، وآيات الكتاب شاهدة على حرمتها...
والجواب عن متعة الحج: -أعنى تأديه أركان العمرة مع الحج في سفر واحد في أشهر الحج قبل الرجوع إلى بيته -أن عمر لم يمنعها قط ورواية التحريم عنه افتراء صريح- نعم إنه كان يرى إفراد الحج والعمرة أولى من جمعهما في إحرام واحد وهو القران أو في سفر واحد وهو التمتع، وعليه الإمام الشافعي، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهوية وغيرهم لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلى قوله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}(1) الآية فأوجب سبحانه الهدي على المتمتع لا على المفرد جبراً لما فيه من النقصان، كما أوجبه تعالى في الحج إذا حصل فيه قصور ونقص، ولأنه r حج في حجة الوداع مفرداً، واعتمر في عمرة القضاء وعمرة جعرّانة كذلك، ولم يحج فيها بل رجع إلى المدينة مع وجود المهلة.
وأما ما رووا من قول عمر (وأنا أنهى عنهما) فمعناه أن الفسقة وعوام الناس لا يبالون بنهي الكتاب وهو قوله تعالى: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} وقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلا أن يحكم عليهم الحاكم والسلطان، ويجبرهم على مراعاة ما أمروا به وما نهوا عنه، فلذلك أضاف النهي إلى نفسه، فقد تبين لك ولله تعالى الحمد زيف أقوالهم، وظهر لك مزيد ضلالهم والحق يعلو وكلمة الصدق تسمو».
فظهر بهذا بطلان دعوى الرافضة في طعنهم في عمر لنهيه عن المتعتين. أما متعة الحج فلم ينه عنها نهى تحريم وإنما كان نهيه على
وجه الاختيار للأفضل، وذلك خشية منه أن يهجر البيت بترك الناس للاعتمار في غير أشهر الحج، وقيل إنما كان نهي عمر عن فسخ الحج
إلى عمرة وهذا هو قول أكثر أهل العلم، كما نقله ابن قدامة في المغني لأن الحج أحد النسكين فلم يجز فسخه كالعمرة.
وأما متعة النساء فالذي حرمها رسول الله بعد أن كان أحلها وكان علي من أشد الناس إنكاراً على من قال بحلها، وإنما قال بحلها ابن عباس -رضي الله عنهما- فأنكر عليه علي ورجع عن ذلك لما بلغه الحديث الذي رواه علي بتحريم رسول الله لها، وكذلك روى أحاديث تحريم المتعة غــير علي
بعض الصحابة وهي مخرجة في صحاح أهل السنة كما تقدم، فأي لوم على عمر -في نهيه عن المتعة بعد أن ثبت تحريم
رسول الله لها إلى يوم القيامة.
عمر بن الخطاب يقول برأيه مايشاء مقابل النص النبوي الشريف
مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 33 ص 77
المحقق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون
19841 - حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن مطرف بن عبد الله قال: بعث إلي عمران بن حصين في مرضه فأتيته فقال لي: إني كنت أحدثك بأحاديث لعل الله ينفعك بها بعدي، واعلم أنه كان يسلم علي، فإن عشت فاكتم علي، وإن مت فحدث إن شئت واعلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد " جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب، ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه وسلم " قال فيها رجل برأيه ما شاء. (1)
(1) قوله: "قال فيها رجل برأيه" قال السندي: تعريض بعمر رضي الله عنه.
الجواب
متعة الحج وهي تأدية الإنسان أركان العمرة مع الحج في سفر واحد في أشهر الحج قبل الرجوع إلى بيته لم يحرمها الفاروق كما يزعمون ولم يمنعها قط، وما يذكرون من رواية التحريم عنه فهي افتراء صريح عليه، وإنما كان يرى رضي الله عنه إفراد الحج والعمرة أولى من جمعهما في إحرام واحد وهو القران أو في سفر واحد وهو التمتع.
مما يدل على أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لا يرى تحريم متعة الحج .
عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: رُوَيْدَكَ بِبَعْضِ فُتْيَاكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ بَعْدُ، حَتَّى لَقِيَهُ بَعْدُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: ( قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَهُ، وَأَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعْرِسِينَ بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ، ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ ) رواه مسلم (1222) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وفي هذه الرواية تبيين عمر العلة التي لأجلها كره التمتع وهي قوله: ( قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن -أي بالنساء- ثم يروحوا في الحج تقطر رؤوسهم ) انتهى .
وكان من رأي عمر عدم الترفه للحج بكل طريق، فكره لهم قرب عهدهم بالنساء لئلا يستمر الميل إلى ذلك ، بخلاف من بعد عهده به، ومن يفطم ينفطم " انتهى. "فتح الباري" (3/ 418).
وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" (8 / 274) بإسناد صحيح؛ قال :
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: ( لَوِ اعْتَمَرْتُ، ثُمَّ اعْتَمَرْتُ، ثُمَّ حَجَجْتُ، لتَمَتَّعْتُ ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وإنما وجه ما فعلوه أن عمر رأى الناس قد أخذوا بالمتعة، فلم يكونوا يزورون الكعبة إلا مرة في السنة في أشهر الحج، ويجعلون تلك السفرة للحج والعمرة، فكره أن يبقى البيت مهجورا عامة السنة، وأحب أن يعتمر في سائر شهور السنة ، ليبقى البيت معمورا مزورا كل وقت بعمرة يُنشؤ لها سفر مفرد، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، حيث اعتمر قبل الحجة ثلاث عمر مفردات.
وعلم: أن أتم الحج والعمرة أن ينشأ لهما سفر من الوطن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ير لتحصيل هذا الفضل والكمال لرغبته طريقا إلا أن ينهاهم عن الاعتمار مع الحج، وإن كان جائزا، فقد ينهى السلطان بعض رعيته عن أشياء من المباحات، والمستحبات ، لتحصيل ما هو أفضل منها ، من غير أن يصير الحلال حراما ...
وأيضا: فخاف إذا تمتعوا بالعمرة إلى الحج : أن يبقوا حلالا حتى يقفوا بعرفة محلين، ثم يرجعوا محرمين " انتهى، من "شرح العمدة / كتاب الحج" (1 / 528 - 529).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" فإن الذي كان ينهى عن متعة الحج، إنما هو عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ولم يكن نهيه عن ذلك على وجه التحريم ولا الحتم، كما قدمنا، وإنما كان ينهى عنها لتفرد عن الحج بسفر آخر؛ لتكثر زيارة البيت " انتهى، من "البداية والنهاية" (7 / 490) .
###
عند الشيعة امير المؤمنين علي عليه السلام يأمر بعدم قتال الخوارج ويعصي امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم
وقال عليه السلام فيهم) لا تقتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن الباطل فأدركه. نهج البلاغة ص 108
الرسول الاعظم عليه الصلاة والسلام يامر بقتال الخوارج
باب اخبار النبي صلى الله عليه وآله بقتال الخوارج وكفرهم 570 - أمالي الطوسي: المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن أبي الجوزاء عن ابن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن الحسين بن علي: عن أمير المؤمنين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي إن الله تعالى أمرني أن أتخذك أخا ووصيا فأنت أخي ووصيي وخليفتي على أهلي في حياتي وبعد موتي من اتبعك فقد تبعني ومن تخلف عنك فقد تخلف عني ومن كفر بك فقد كفر بي ومن ظلمك فقد ظلمني يا علي أنت مني وأنا منك يا علي لولا أنت لما قوتل أهل النهر قال: فقلت يا رسول الله ومن أهل النهر؟ قال: قوم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية. كشف الغمة - ابن أبي الفتح الإربلي - ج ٢ - الصفحة ٢١