منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية - شيخ الإسلام ابن تيمية - ج5
بسم الله الرحمن الرحيم
اسم الكتاب | منهاج السنة النبوية | ||||
اسم المؤلف | شيخ الإسلام بن تيمية | ||||
عدد الاجزاء | دار النشر | مدينة النشر | سنة النشر | رقم الطبعة | |
8 | مؤسسة قرطبة |
| 1406 | الأولى | |
اسم المحقـق | د. محمد رشاد سالم |
الجزء | الصفحة | محتوى الصفحة |
---|---|---|
5 | 5 | الفصل الثاني قال الرافض السادس إن الإمامية لما رأوا فضائل أمير المؤمنين وكمالاته لا تحصى قد رواها المخالف والموافق ورأوا الجمهور قد نقلوا عن غيره من الصحابة مطاعن كثيرة ولم ينقلوا في علي طعنا ألبتة اتبعوا قوله وجعلوه إماما لهم حيث نزهه المخالف والموافق وتركوا غيره حيث روى فيه من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته ونحن نذكر هنا شيئا يسيرا مما هو صحيح عندهم ونقلوه في المعتمد من قولهم وكتبهم ليكون حجة عليهم يوم القيامة فمن ذلك ما رواه أبو الحسن الأندلسي في الجمع بين الصحاح الستة موطأ مالك وصحيحي البخاري ومسلم |
5 | 6 | وسنن أبي داود وصحيح الترمذي وصحيح النسائي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن قوله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا سورة الأحزاب أنزلت في بيتها وأنا جالسة عند الباب فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت فقال إنك على خير إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين فجللهم بكساء وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا والجواب أن يقال إن الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة لأبي بكر وعمر أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعلي والأحاديث التي ذكرها هذا وذكر أنها في الصحيح عند الجمهور وأنهم نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم هو من أبين الكذب على علماء الجمهور فإن هذه الأحاديث التي ذكرها أكثرها كذب أو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث والصحيح الذي فيها ليس فيه ما يدل على إمامة علي ولا على فضيلته على أبي بكر |
5 | 7 | وعمر بل وليست من خصائصه بل هي فضائل شاركه فيها غيره بخلاف ما ثبت من فضائل أبي بكر وعمر فإن كثيرا منها خصائص لهما لا سيما فضائل أبي بكر فإن عامتها خصائص لم يشركه فيها غيره وأما ما ذكره من المطاعن فلا يمكن أن يوجه على الخلفاء الثلاثة من مطعن إلا وجه على علي ما هو مثله أو أعظم منه فتبين أن ما ذكره في هذا الوجه من أعظم الباطل ونحن نبين ذلك تفصيلا وأما قوله إنهم جعلوه إماما لهم حيث نزهه المخالف والموفق وتركوا غيره حيث روى من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته فيقال هذا كذب بين فإن عليا رضي الله عنه لم ينزهه المخالفون بل القادحون في علي طوائف متعددة وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر وعثمان والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه فإن الخوارج متفقون على كفره وهم عند المسلمين كلهم خبر من الغلاة الذين يعتقدون إلاهيته أو نبوته بل هم والذين قاتلوه من الصحابة والتابعين خير عند جماهير المسلمين من الرافضة الأثنى عشرية الذين اعتقدوه إماما معصوما |
5 | 8 | وأبو بكر وعمر وعثمان ليس في الأمة من يقدح فيهم إلا الرافضة والخوارج المكفرون لعلي يوالون أبا بكر وعمر ويترضون عنهما والمروانية الذين ينسبون عليا إلى الظلم ويقولون أنه لم يكن خليفة يوالون أبا بكر وعمر مع أنهما ليسا من أقاربهم فكيف يقال مع هذا إن عليا نزهه المؤالف والمخالف بخلاف الخلفاء الثلاثة ومن المعلوم أن المنزهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل وأن القادحين في علي حتى بالكفر والفسوق والعصيان طوائف معروفه وهم أعلم من الرافضة وأدين والرافضة عاجزون معهم علما ويدا فلا يمكن الرافضة أن تقيم عليهم حجة تقطعهم بها ولا كانوا معهم في القتال منصورين عليهم والذين قدحوا في علي رضي الله عنه وجعلوه كافرا وظالما ليس فيهم طائفة معروفة بالردة عن الإسلام بخلاف الذين يمدحونه ويقدحون في الثلاثة كالغالية الذين يدعون إلاهيته من النصيرية وغيرهم وكالإسماعيلية الملاحدة الذين هم شر من النصيريه وكالغالية الذين يدعون نبوته فإن هؤلاء كفار مرتدون كفرهم |
5 | 9 | بالله ورسوله ظاهر لا يخفى على عالم بدين الإسلام فمن اعتقد في بشر الإلهية أو اعتقد بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبيا أو أنه لم يكن نبيا بل كان علي هو النبي دونه وإنما غلط جبريل فهذه المقالات ونحوها مما يظهر كفر أهلها لمن يعرف الإسلام أدنى معرفة بخلاف من يكفر عليا ويلعنه من الخوارج وممن قاتله ولعنه من أصحاب معاوية وبني مروان وغيرهم فإن هؤلاء كانوا مقرين بالإسلام وشرائعه يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان ويحجون البيت العتيق ويحرمون ما حرم الله ورسوله وليس فيهم كفر ظاهر بل شعائر الإسلام وشرائعه ظاهرة فيهم معظمة عندهم وهذا أمر يعرفه كل من عرف أحوال الإسلام فكيف يدعي مع هذا أن جميع المخالفين نزهوه دون الثلاثة بل إذا اعتبر الذين كانوا يبغضونه ويوالون عثمان والذين كانوا يبغضون عثمان ويحبون عليا وجد هؤلاء خيرا من أولئك من وجوه متعددة فالمنزهون لعثمان القادحون في علي أعظم وأدين |
5 | 10 | وأفضل من المنزهين لعلي القادحين في عثمان كالزيدية مثلا فمعلوم أن الذين قاتلوه ولعنوه وذموه من الصحابة والتابعين وغيرهم هم أعلم وأدين من الذين يتولونه ويلعنون عثمان ولو تخلى أهل السنة عن موالاة علي رضي الله عنه وتحقيق إيمانه ووجوب موالاته لم يكن في المتولين له من يقدر أن يقاوم المبغضين له من الخوارج والأموية والمروانية فإن هؤلاء طوائف كثيرة ومعلوم أن شر الذين يبغضونه هم الخوارج الذين كفروه واعتقدوا أنه مرتد عن الإسلام واستحلو قتله تقربا إلى الله تعالى حتى قال شاعرهم عمران بن حطان يا ضربة من تقى ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره حينا فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا فعارضه شاعر أهل السنة فقال ياضربة من شقى ما أراد بها إلا ليبلغ من ذى العرش خسرانا إني لأذكره حينا فألعنه لعنا وألعن عمران بن حطانا |
5 | 11 | وهؤلاء الخوارج كانوا ثمان عشرة فرقة كالأزارقة أتباع نافع بن الأزرق والنجدات أتباع نجدة الحروري والإباضية أتباع عبدالله |
5 | 12 | بن إباض ومقالاتهم وسيرهم مشهورة في كتب المقالات والحديث والسير وكانوا موجودين في زمن الصحابة والتابعين يناظرونهم ويقاتلونهم والصحابة اتفقوا على وجوب قتالهم ومع هذا فلم يكفروهم ولا كفرهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأما الغالية في علي رضي الله عنه فقد اتفق الصحابة وسائر المسلمين على كفرهم وكفرهم علي بن أبي طالب نفسه وحرقهم بالنار وهؤلاء الغالية يقتل الواحد منهم المقدور عليه وأما الخوارج فلم يقاتلهم علي حتى قتلوا واحدا من المسلمين وأغاروا على أموال الناس فأخذوها فأولئك حكم فيهم علي وسائر الصحابة بحكم المرتدين وهؤلاء لم يحكموا فيهم بحكم المرتدين |
5 | 13 | وهذا مما يبين أن الذين زعموا أنهم والوه دون أبي بكر وعمر وعثمان يوجد فيهم من الشر والكفر باتفاق علي وجميع الصحابة ما لا يوجد في الذين عادوه وكفروه ويبين أن جنس المبغضين لأبي بكر وعمر شر عند علي وجميع الصحابة من جنس المبغضين لعلي فصل وأما حديث الكساء فهو صحيح رواه أحمد والترمذي من حديث أم سلمة ورواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة قالت خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا صورة الاحزاب وهذا الحديث قد شركه فيه فاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم |
5 | 14 | فليس هو من خصائصه ومعلوم أن المرأة لا تصلح للإمامة فعلم أن هذه الفضيله لاتختص بالأئمة بل يشركهم فيها غيرهم ثم إن مضمون هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهم بأن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا وغاية ذلك أن يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم واجتناب الرجس واجب على المؤمنين والطهارة مأمور بها كل مؤمن قال الله تعالى ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم سورة المائدة وقال خذ بين أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها سورة التوبة وقال تعالى إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين سورة البقرة فغاية هذا أن يكون هذا دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور والصديق رضي الله عنه قد أخبر الله عنه بأنه الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى سورة الليل وأيضا فإن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفور العظيم سورة التوبة لا بد أن يكونوا قد فعلوا المأمور وتركوا المحظور فإن هذا الرضوان وهذا |
5 | 15 | الجزاء إنما ينال بذلك وحينئذ فيكون ذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم من الذنوب بعض صفاتهم فما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكساء هو بعض ما وصف به السابقين الأولين والنبي صلى الله عليه وسلم دعا لغير أهل الكساء بأن يصلي الله عليهم ودعا لأقوام كثيرين بالجنة والمغفرة وغير ذلك مما هو أعظم من الدعاء بذلك ولم يلزم أن يكون من دعا له بذلك أفضل من السابقين الأولين ولكن أهل الكساء لما كان قد أوجب عليهم اجتناب الرجس وفعل التطهير دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعينهم على فعل ما أمرهم به لئلا يكونوا مستحقين للذم والعقاب ولينالوا المدح والثواب الفصل الثالث قال الرافض في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة سورة المجادلة قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يعمل بهذه الآية غيري وبي خفف الله عن هذه الأمة أمر هذه الآية |
5 | 16 | والجواب أن يقال الأمر بالصدقة لم يكن واجبا على المسلمين حتى يكونوا عصاة بتركه وإنما أمر به من أراد النجوى واتفق أنه لم يرد النجوى إذ ذاك إلا علي رضي الله عنه فتصدق لأجل المناجاة وهذا كأمره بالهدى لمن تمتع بالعمرة إلى الحج وأمره بالهدى لمن أحصر وأمره لمن به أذى من رأسه بفدية من صيام أو صدقة أو نسك وهذه الآية نزلت في كعب بن عجرة لما مر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينفخ تحت قدر وهوام رأسه تؤذيه وكأمره لمن كان مريضا أو على سفر بعدة من أيام أخر وكأمره لمن حنث في يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة وكأمره إذا قاموا إلى الصلاة أن يغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق وكأمره إذا قرأوا القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم ونظائر هذا متعددة فالأمر المعلق بشرط إذا لم يوجد ذلك الشرط إلا في حق واحد لم يؤمر |
5 | 17 | به غيره وهكذا آية النجوى فإنه لم يناج الرسول قبل نسخها إلا علي ولم يكن على من ترك النجوى حرج فمثل هذا العمل ليس من خصائص الأئمة ولا من خصائص علي رضي الله عنه ولا يقال إن غير على ترك النجوى بخلا بالصدقة لأن هذا غير معلوم فإن المدة لم تطل وفي تلك المدة القصيرة قد لا يحتاج الواحد إلى النجوى وإن قدر أن هذا كان يخص بعض الناس لم يلزم أن يكون أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من هؤلاء كيف وأبو بكر رضي الله عنه قد أنفق ماله كله يوم رغب النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة وعمر رضي الله عنه جاء بنصف ماله بلا حاجة إلى النجوى فكيف يبخل أحدهما بدرهمين أو ثلاثة يقدمها بين يدي نجواه وقد روى زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر يقول أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك يا عمر فقلت مثله قال وأتى أبو بكر بكل مال عنده فقال يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك فقال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدا |
5 | 18 | الفصل الرابع قال الرافض وعن محمد بن كعب القرظي قال افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعلي ابن ابي طالب فقال طلحة بن شيبة معي مفاتيح البيت ولو أشاء بت فيه وقال العباس أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت في المسجد وقال علي ما أدري ما تقولان لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله تعالى أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين سورة التوبة والجواب أن يقال هذا اللفظ لا يعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة بل دلالات الكذب عليه ظاهرة منها أن طلحة بن شيبة لا وجود له وإنما خادم الكعبة هو شيبة بن عثمان بن أبي |
5 | 19 | طلحة وهذا مما يبين لك أن الحديث لم يصح ثم فيه قول العباس لو أشاء بت في المسجد فأي كبير أمر في مبيته في المسجد حتى يتبجح به ثم فيه قول علي صليت ستة أشهر قبل الناس فهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة فإن بين إسلامه وإسلام زيد وأبي بكر وخديحة يوما أو نحوه فكيف يصلي قبل الناس بستة أشهر وأيضا فلا يقول أنا صاحب الجهاد وقد شاركه فيه عدد كثير جدا وأما الحديث فيقال الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ولفظه عن النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رجل ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج وقال آخر ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر |
5 | 20 | المسجد الحرام وقال آخر الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم فزجرهم عمر وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فأنزل الله عز وجل أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله سورة التوبة الآية إلى آخرها وهذا الحديث ليس من خصائص الأئمة ولا من خصائص علي فإن الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله كثيرون والمهاجرون والأنصار يشتركون في هذا الوصف وأبو بكر وعمر أعظمهم إيمانا وجهادا لا سيما وقد قال الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله سورة الأنفال ولا ريب أن جهاد أبي بكر بماله ونفسه أعظم من جهاد علي وغيره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر |
5 | 21 | وقال ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكره وأبو بكر كان مجاهدا بلسانه ويده وهو أول من دعا إلى الله وأول من أوذي في الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من دافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مشاركا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته وجهاده حتى كان هو وحده معه في العريش يوم بدر وحتى أن أبا سفيان يوم أحد لم يسأل إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر لما قال أفيكم محمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه فقال أفيكم ابن أبي قحافة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه فقال أفيكم ابن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه فقال أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك عمر نفسه فقال كذبت عدو الله إن الذين عددت لأحياء وقد أبقى الله لك |
5 | 22 | ما يخزيك ذكره البخاري وغيره الفصل الخامس قال الرافضي ومنها ما رواه أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك قال قلنا لسلمان سل النبي صلى الله عليه وسلم من وصيه فقال له سلمان يا رسول الله من وصيك فقال يا سلمان من كان وصى موسى فقال يوشع بن نون قال فإن وصيى ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب |
5 | 23 | والجواب أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث ليس هو في مسند الإمام أحمد بن حنبل وأحمد قد صنف كتابا في فضائل الصحابة ذكر فيه فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وجماعة من الصحابة وذكر فيه ما روى في ذلك من صحيح وضعيف للتعريف بذلك وليس كل ما رواه يكون صحيحا ثم إن في هذا الكتاب زيادات من روايات ابنه عبد الله وزيادات من رواية القطيعي عن شيوخه وهذه الزيادات التي زادها القطيعي غالبها كذب كما سيأتي ذكر بعضها إن شاء الله وشيوخ القطيعي يروون عمن في طبقة أحمد وهؤلاء الرافضة جهاد إذا رأوا فيه حديثا ظنوا أن القائل لذلك أحمد بن حنبل ويكون القائل لذلك هو القطيعي وذاك الرجل من شيوخ القطيعي الذين يروون عمن في طبقة أحمد وكذلك في المسند زيادات زادها ابنه عبد الله لا سيما في مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه زاد زيادات كثيرة |
5 | 24 | الفصل السادس قال الرافضي وعن يزيد بن أبي مريم عن علي رضي الله عنه قال انطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتينا العكبة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس فصعد على منكبي فذهبت لأنهض به فرأى مني ضعفا فنزل وجلس لي نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال اصعد على منكبي فصعدت على منكبه قال فنهض بي قال فإنه تخيل لي أني لو شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر أو نحاس فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه حتى إذا استمكنت منه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقذف به فقذفت به فتكسر كما تنكسر القوارير ثم نزلت |
5 | 25 | فانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نستبق حتى توارينا في البيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس والجواب أن هذا الحديث إن صح فليس فيه شيء من خصائص الأئمة ولا خصائص علي فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع على منكبه إذا قام حملها وإذا سجد وضعها وكان إذا سجد جاء الحسن فارتحله ويقول إن ابني ارتحلني وكان يقبل زبيبة الحسن فإذا كان يحمل الطفلة والطفل لم يكن في حمله لعلي ما يوجب أن يكون ذلك من خصائصه بل قد أشركه فيه غيره وإنما حمله لعجز علي عن |
5 | 26 | حمله فهذا يدخل في مناقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضيلة من يحمل النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من فضيلة من يحمله النبي صلى الله عيله وسلم كما حمله يوم أحد من حمله من الصحابة مثل طلحة بن عبيد الله فإن هذا نفع النبي صلى الله عليه وسلم وذاك نفعه النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن نفعه بالنفس والمال أعظم من انتفاع الإنسان بنفس النبي صلى الله عليه وسلم وماله الفصل السابع قال الرافضي وعن ابن أبي ليلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل ياسين |
5 | 27 | ياسين وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم الجواب أن هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد ثبت عنه في الصحيح أنه وصف أبا بكر رضي الله عنه بأنه صديق وفي الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا فهذا يبين أن الصديقين كثيرون وأيضا فقد قال تعالى عن مريم ابنة عمران إنها صديقة وهي امرأة |
5 | 28 | وقال النبي صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع فالصديقون من الرجال كثيرون الفصل الثامن قال الرافضي وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي أنت مني وأنا منك |
5 | 29 | والجواب أن هذا حديث صحيح أخرجاه في الصحيحين من حديث البراء بن عازب لما تنازع علي وجعفر وزيد في ابنة حمزة فقضى بها لخالتها وكانت تحت جعفر وقال لعلي أنت مني وأنا منك وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت أخونا ومولاناه لكن هذا اللفظ قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم لطائفة من أصحابه كما في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلت نفقة عيالهم في المدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد ثم قسموه بينهم بالسوية هم مني وأنا منهم وكذلك قال عن جليبيب هو مني وأنا منه فروى مسلم في صحيحه عن أبي برزة قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مغزى له فأفاء الله عليه فقال لأصحابه هل تفقدون من أحد |
5 | 30 | قالوا نعم فلانا وفلانا ثم قال هل تفقدون من أحد قالوا نعم فلانا وفلانا وفلانا ثم قال هل تفقدون من أحد قالوا لا قال لكني أفقد جليبيبا فاطلبوه فطلبوه في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عليه فقال قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه هذا مني وأنا منه قال فوضعه علي على ساعديه ليس له إلا ساعدا النبي صلى الله عليه وسلم قال فحفر له فوضع في قبره ولم يذكر غسلا فتبين أن قوله لعلي أنت مني وأنا منك ليس من خصائصه بل قال ذلك للأشعريين وقال لجليبيب وإذا لم يكن من خصائصه بل قد شاركه في ذلك غيره من هو دون الخلفاء الثلاثة في الفضيلة لم يكن دالا على الأفضلية ولا على الإمامة الفصل التاسع قال الرافضي وعن عمرو بن ميمون قال لعلي بن أبي |
5 | 31 | طالب عشر فضائل ليست لغيره قال له النبي صلى الله عليه وسلم لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فاستشرف إليها من استشرف قال أين علي بن أبي طالب قالوا هو أرمد في الرحى يطحن قال وما كان أحدهم يطحن قال فجاء وهو أرمد لايكاد أن يبصر قال فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثا وأعطاه إياه فجاء بصفية بنت حيي قال ثم بعث أبا بكر بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها منه وقال لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه |
5 | 32 | وقال لبني عمه أيكم يواليني في الدنيا والآخرة قال وعلي معهم جالس فأبوا فقال علي أنا أواليك في الدنيا والآخرة قال فتركه ثم أقبل على رجل رجل منهم فقال إيكم يواليني في الدنيا والآخرة فأبوا فقال علي أنا أواليك في الدنيا والآخرة فقال أنت وليي في الدنيا والآخرة قال وكان علي أول من أسلم من الناس بعد خديجة قال وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة والحسن والحسين فقال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا سورة الأحزاب قال وشرى علي نفسه ولبس ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه وكان المشركون يرمونه بالحجارة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم بالناس في غزاة تبوك فقال له علي أخرج معك قال لا فبكى علي فقال له |
5 | 33 | أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت وليي في كل مؤمن بعدي قال وسد أبواب المسجد إلا باب علي قال وكان يدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره وقال له من كنت مولاه فعلي مولاه وعن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا أنه بعث أبا بكر في براءة إلى مكة فسار بها ثلاثا ثم قال لعلي الحقة فرده وبلغها أنت ففعل فلما قدم أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم بكى وقال يا رسول الله حدث في شيء قال لا ولكن أمرت أن لا يبلغها إلا أنا أو رجل مني |
5 | 34 | والجواب أن هذا ليس مسندا بل هو مرسل لو ثبت عن عمرو بن ميمون وفيه ألفاظ هي كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنك لست بنبي لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير علي كما اعتمر عمرة الحديبية وعلي معه وخليفته غيره وغزا بعد ذلك خيبر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره وغزا غزوة الفتح وعلي معه وخليفته في المدينة غيره وغزا حنينا والطائف وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره وحج حجة الوداع وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره وغزا غزوة بدر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره وكل هذا معلوم بالأسانيد الصحيحة وباتفاق أهل العلم بالحديث وكان علي معه في غالب الغزوات وإن لم يكن فيها قتال فإن قيل استخلافه يدل على أنه لا يستخلف إلا الأفضل لزم أن يكون علي مفضولا في عامة الغزوات وفي عمرته وحجته لا سيما وكل مرة كان يكون الإستخلاف على رجال مؤمنين وعام تبوك ما كان الإستخلاف إلا على النساء والصبيان ومن عذر الله وعلى الثلاثة الذين |
5 | 35 | خلفوا أو متهم بالنفاق وكانت المدينة آمنة لا يخاف على أهلها ولا يحتاج المستخلف إلى جهاد كما يحتاج في أكثر الاستخلافات وكذلك قوله وسد الأبواب كلها إلا باب علي فإن هذا مما وضعته الشيعة على طريق المقابلة فإن الذي في الصحيح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات فيه إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد خوخه إلا سدت إلا خوخه أبي بكر ورواه ابن عباس أيضا في الصحيحين ومثل قوله أنت وليي في كل مؤمن بعدي فإن هذا |
5 | 36 | موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث والذي فيه من الصحيح ليس هو من خصائص الأئمة بل ولا من خصائص علي بل قد شاركه فيه غيره مثل كونه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ومثل استخلافه وكونه منه بمنزلة هارون من موسى ومثل كون علي مولى من النبي صلى الله عليه وسلم مولاه فإن كل مؤمن موال لله ورسوله ومثل كون براءة لا يبلغها إلا رجل من بني هاشم فإن هذا يشترك فيه جميع الهاشميين لما روى أن العادة كانت جارية بأن لا ينقض العهود ويحلها إلا رجل من قبيلة المطاع الفصل العاشر قال الرافضى ومنها ما رواه أخطب خوارزم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يا علي لو أن عبدا عبد الله عز |
5 | 37 | وجل مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ومد في عمره حتى حج ألف عام على قدميه ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوما ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنه ولم يدخلها وقال رجل لسلمان ما أشد حبك لعلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله من نور وجه علي سبعين ألف ملك يستغفرون له ولمحبيه إلى يوم القيامة وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب عليا قبل الله عنه صلاته وصيامه وقيامه واستجاب دعاءه ألا ومن أحب عليا أعطاه الله بكل عرق من بدنه مدينة في الجنة ألا ومن أحب آل محمد أمن من الحساب والميزان والصراط ألا ومن مات على حب آل محمد فأنا كفيله في الجنة مع الأنبياء ألا ومن أبغض آل محمد جاء يوم القيامة |
5 | 38 | مكتوبا بين عيينه آيس من رحمة الله وعن عبد الله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض عليا فهو كاذب ليس بمؤمن وعن أبي برزة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس ذات يوم والذي نفسي بيده لا يزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأله الله تبارك وتعالى عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن ماله مم اكتسبه وفيم أنفقه وعن حبنا أهل البيت فقال له عمر فما آية حبكم من بعدكم فوضع يده على رأس علي بن أبي طالب وهو إلى جانبه فقال إن حبي من بعدي حب هذا |
5 | 39 | وعن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سئل بأي لغه خاطبك ربك ليلة المعراج فقال خاطبني بلغة علي فألهمني أن قلت يا رب خاطبتني أم علي فقال يا محمد أنا شيء لست كالأشياء لا أقاس بالناس ولا أوصف بالأشياء خلقتك من نوري وخلقت عليا من نورك فاطلعت على سرائر قلبك فلم أجد إلى قلبك أحب من علي فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن الرياض أقلام والبحر مداد والجن حساب والإنس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب وبالإسناد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى جعل الأجر على فضائل علي لا يحصى كثرة |
5 | 40 | فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم ومن استمع فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالإستماع ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر ثم قال النظر إلى وجه أمير المؤمنين علي عبادة وذكره عبادة لا يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه وعن حكيم بن حزام عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمبارزة علي لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة وعن سعد بن أبي وقاص قال أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا بالسب فأبى فقال ما منعك أن تسب علي بن أبي طالب قال ثلاث قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن |
5 | 41 | أسبه لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له علي تخلفني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وسمعته يقول يوم خبير لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فتطاولنا فقال ادعوا لي عليا فأتاه به رمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه وأنزلت هذه الآية فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم سورة آل عمران دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة والحسن والحسين فقال هؤلاء أهلي والجواب أن أخطب خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب فيه من |
5 | 42 | الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى كذبه على من له أدنى معرفة بالحديث فضلا عن علماء الحديث وليس هو من علماء الحديث ولا ممن يرجع إليه في هذا الشأن ألبتة وهذه الأحاديث مما يعلم أهل المعرفة بالحديث أنها من المكذوبات وهذا الرجل قد ذكر أنه يذكر ما هو صحيح عندهم ونقلوه في المعتمد من قولهم وكتبهم فكيف يذكر ما أجمعوا على أنه كذب موضوع ولم يرو في شيء من كتب الحديث المعتمدة ولا صححه أحد من أئمة الحديث فالعشرة الأول كلها كذب إلى آخر حديث قتله لعمرو بن عبد ود وأما حديث سعد لما أمره معاوية بالسب فأبى فقال ما منعك أن تسب علي بن أبي طالب فقال ثلاث قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم الحديث فهذا حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه وفيه ثلاث فضائل لعلي لكن ليست من خصائص الأئمة ولا من خصائص |
5 | 43 | علي فإن قوله وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن تكون مني بنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ليس من خصائصه فإنه استخلف على المدينة غير واحد ولم يكن هذا الاستخلاف أكمل من غيره ولهذا قال له علي أتخلفني مع النساء والصبيان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في كل غزاة يترك بالمدينة رجالا من المهاجرين والأنصار إلا في غزوة تبوك فإنه أمر المسلمين جميعهم بالنفير فلم يتخلف بالمدينة إلا عاص أو معذور غير النساء والصبيان ولهذا كره علي الإستخلاف وقال أتخلفني مع النساء والصبيان يقول تتركني مخلفا لا تستصحبني معك فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الإستخلاف ليس نقصا ولا غضاضة فإن موسى استخلف هارون على قومه لأمانته عنده وكذلك أنت استخلفتك لأمانتك عندي لكن موسى استخلف نبيا وأنا لا نبي بعدي وهذا تشبيه في أصل الإستخلاف فإن موسى استخلف هارون على جميع بني إسرائيل والنبي صلى الله عليه وسلم استخلف عليا على قليل من المسلمين وجمهورهم استصحبهم في الغزاة وتشبيهه بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر وعمر هذا بإبراهيم وعيسى وهذا بنوح وموسى فإن هؤلاء الأربعة أفضل من هارون وكل من أبي بكر وعمر شبه باثنين لا بواحد فكان هذا التشبيه أعظم من تشبيه |
5 | 44 | علي مع أن استخلاف علي له فيه أشباه وأمثال من الصحابه وهذا التشبيه ليس لهذين فيه شبيه فلم يكن الإستخلاف من الخصائص ولا التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص وكذلك قوله لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فتطاولنا فقال ادعوا لي عليا فأتاه وبه رمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله على يديه وهذا الحديث أصح ما روي لعلي من الفضائل أخرجاه في الصحيحين من غير وجه وليس هذا الوصف مختصا بالأئمة ولا بعلي فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي وكل مؤمن تقي يحب الله ورسوله لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين يتبرؤون منه ولا يتولونه ولا يحبونه بل قد يكفرونه أو يفسقونه كالخوارج فإن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لكن هذا الاحتجاج لا يتم على قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل ردتهم فإن الخوارج تقول في علي مثل ذلك لكن هذا باطل فإن الله ورسوله لا يطلق هذا المدح على من يعلم أنه يموت كافرا وبعض أهل الأهواء من |
5 | 45 | المعتزلة وغيرهم وبعض المروانية ومن كان على هواهم الذين كانوا يبغضونه ويسبونه كذلك حديث المباهلة شركة فيه فاطمة وحسن وحسين كما شركوه في حديث الكساء فعلم أن ذلك لا يختص بالرجال ولا بالذكور ولا بالأئمة بل يشركه فيه المرأة والصبي فإن الحسن والحسين كانا صغيرين عند المباهلة فإن المباهلة كانت لما قدم وفد نجران بعد فتح مكه سنة تسع أو عشر والنبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يكمل الحسين سبع سنين والحسن أكبر منه بنحو سنة وإنما دعا هؤلاء لأنه أمر أن يدعو كل واحد من الأقربين الأبناء والنساء والأنفس فيدعو الواحد من أولئك أبناءه ونساءه وأخص الرجال به نسبا وهؤلاء أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم نسبا وإن كان غيرهم أفضل منهم عنده فلم يؤمر أن يدعو أفضل أتباعه لأن المقصود أن يدعو كل واحد منهم أخص الناس به لما في جبلة الإنسان من الخوف عليه وعلى ذوي رحمه الأقربين إليه ولهذا خصهم في حديث الكساء |
5 | 46 | والدعاء لهم والمباهلة مبناها على العدل فأولئك أيضا يحتاجون أن يدعوا أقرب الناس إليهم نسبا وهم يخافون عليهم ما لا يخافون على الأجانب ولهذا امتنعوا عن المباهلة لعلمهم بأنه على الحق وأنهم إذا باهلوه حقت عليهم بهلة الله وعلى الأقربين إليهم بل قد يحذر الإنسان على ولده ما لا يحذره على نفسه فإن قيل فإذا كان ما صح من فضائل علي رضي الله عنه كقوله صلى الله عليه وسلم لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وقوله أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى وقوله اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ليس من خصائصه بل له فيه شركاء فلماذا تمنى بعض الصحابة أن يكون له ذلك كما روى عن سعد وعن عمر فالجواب أن في ذلك شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بإيمانه باطنا وظاهرا وإثباتا لموالاته لله ورسوله ووجوب موالاة المؤمنين له وفي ذلك رد على النواصب الذين يعتقدون كفره أو فسقه كالخوارج المارقين الذين كانوا من أعبد الناس كما قال النبي صلى الله عليه |
5 | 47 | وسلم فيهم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم وهؤلاء يكفرونه ويستحلون قتله ولهذا قتله واحد منهم وهو عبدالرحمن بن ملجم المرادي مع كونه كان من أعبد الناس وأهل العلم والسنة يحاتجون إلى إثبات إيمان علي وعدله ودينه للرد على هؤلاء أعظم مما يحتاجون إلى مناظرة الشيعة فإن هؤلاء أصدق وأدين والشبه التي يحتجون بها أعظم من الشبه التي تحتج بها الشيعة كما أن المسلمين يحتاجون في أمر المسيح صلوات الله وسلامه عليه إلى مناظرة اليهود والنصارى فيحتاجون أن ينفوا عنه ما يرميه به اليهود من أنه كاذب ولد زنا وإلى نفي ما تدعيه النصارى من الإلهية وجدل اليهود أشد من جدل النصارى ولهم شبه لا يقدر النصارى أن يجيبوهم عنها وإنما يجيبهم عنها المسلمون كما أن للنواصب شبها |
5 | 48 | لا يمكن الشيعة أن يجيبوا عنها وإنما يجيبهم عنها أهل السنة فهذه الاحاديث الصحيحة المثبته لإيمان علي باطنا وظاهرا رد على هؤلاء وإن لم يكن ذلك من خصائص كالنصوصه الدالة على إيمان أهل بدر وبيعة الرضوان باطنا وظاهر فإن فيها ردا على من ينازع في ذلك من الروافض والخوارج وإن لم يكن ما يستدل به من خصائص واحد منهم وإذا شهد النبي صلى الله عليه وسلم لمعين بشهادة أو دعا له بدعاء أحب كثير من الناس أن يكون له مثل تلك الشهادة ومثل ذلك الدعاء وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يشهد بذلك لخلق كثير ويدعو به لخلق كثير وكان تعيينه لذلك المعين من أعظم فضائله ومناقبه وهذا كالشهادة بالجنة لثابت بن قيس بن شماس وعبد الله بن سلام وغيرهما وإن كان قد شهد بالجنة لآخرين والشهادة بمحبة الله |
5 | 49 | ورسوله لعبد الله حمار الذي ضرب في الخمر وإن شهد بذلك لمن هو أفضل منه وكشهادته لعمرو بن تغلب بأنه ممن لا يعطيه لما في قلبه من الغنى والخير لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إني لأعطي رجالا وأدع رجالا والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي أعطي رجالا لما في قلوبهم من الهلع والجزع وأكل رجالا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب وفي الحديث الصحيح لما صلى على ميت قال اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم منزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وقه فتنة القبر وعذاب النار وافسح له في قبره ونور له فيه قال عوف بن |
5 | 50 | مالك فتمنيت أن أكون أنا ذلك الميت وهذا العداء ليس مختصا بذلك الميت الفصل الحادي عشر قال الرافضي وعن عامر بن واثلة قال كنت مع علي عليه السلام يوم الشورى يقول لهم لأحتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولاعجميكم تغيير ذلك ثم قال أنشدكم بالله أيها النفر جميعا أفيكم أحد وحد الله تعالى |
5 | 51 | قبلي قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر الطيار في الجنة مع الملائكة غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له عم مثل عمي حمزة أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمد سيدة نساء أهل الجنة غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر مرات قدم بين يدى نجواه صدقة غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ليبلغ الشاهد الغائب غيري |
5 | 52 | قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ائتنى بأحب خلقك إليك وإلي يأكل معي من هذا الطير فأتاه فأكل معه غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله على يديه إذ رجع غيري منهزما غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني وكيعة لتنتهن أو لأبعثن إليكم رجلا نفسه كنفسي وطاعته كطاعتي ومعصيته كعصيتي يفصلكم بالسيف غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال |
5 | 53 | له رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد سلم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف من الملائكة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل حيث جئت بالماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القليب غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد نودي به من السماء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له جبريل هذه هي المواساة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه مني وأنا منه فقال جبريل وأنا منكما غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النبي صلى الله عليه وسلم غيري قالوا اللهم لا قال |
5 | 54 | فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قاتلت على تنزيل القرآن وأنت تقاتل على تأويله غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ردت عليه الشمس حتى صلى العصر في وقتها غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله فيكم أحد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ براءة من أبي بكر فقال له أبو بكر يا رسول الله أنزل في شيء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا يؤدي عني إلا علي غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق كافر غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل تعلمون أنه أمر بسد أبوابكم وفتح بابي فقلتم في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا سددت أبوابكم ولا فتحت بابه بل الله سد أبوابكم وفتح بابه |
5 | 55 | غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله أتعلمون أنه ناجاني يوم الطائف دون الناس فأطال ذلك فقلتم ناجاه دوننا فقال ما أنا انتجيته بل الله انتجاه غيري قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحق مع علي وعلي مع الحق يزول الحق مع علي كيفما زال قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما استمسكتم بهما ولن يفترقا حتى يردا على الحوض قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه من المشركين واضطجع في مضجعه غيري |
5 | 56 | قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبد ود العامري حيث دعاكم إلى البراز غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد نزل فيه آية التطهير حيث يقول إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا سورة الأحزاب غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت سيد المؤمنين غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سألت الله شيئا إلا وسألت لك مثله غيري قالوا اللهم لا ومنها ما رواه أبو عمرو الزاهد عن ابن عباس قال لعلي |
5 | 57 | أربع خصال ليست لأحد من الناس غيره هو أول عربي وعجمي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف وهو الذي صبر معه يوم حنين وهو الذي غسله وأدخله قبره وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال مررت ليلة المعراج بقوم تشرشر أشداقهم فقلت يا جبريل من هؤلاء قال قوم يقطعون الناس بالغيبة قال ومررت بقوم وقد ضوضؤا فقلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الكفار قال ثم عدلنا عن الطريق فلما انتهينا إلى السماء الرابعة رأيت عليا يصلي فقلت يا جبريل هذا علي قد سبقنا قال لا ليس هذا عليا قلت فمن هو قال إن الملائكة |
5 | 58 | المقربين والملائكة الكروبيين لما سمعت فضائل علي وخاصته وسمعت قولك فيه أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي اشتاقت إلى علي فخلق الله تعالى لها ملكا على صورة علي فإذا اشتاقت إلى علي جاءت إلى ذلك المكان فكأنها قد رأت عليا وعن ابن عباس قال إن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم وهو نشيط أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى قال فقوله أنا الفتى يعني هو فتى العرب وقوله ابن الفتى يعني إبراهيم من قوله تعالى سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم سورة الأنبياء وقوله أخو الفتى يعني عليا وهو معنى قول جبريل في يوم بدر وقد عرج إلى السماء وهو فرح وهو يقول لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي |
5 | 59 | وعن ابن عباس قال رأيت أبا ذر وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر لو صمتم حتى تكونوا كالأوتار وصليتم حتى تكونوا كالحنايا ما نفعكم ذلك حتى تحبوا عليا والجواب أما قوله عن عامر بن واثلة وما ذكره يوم الشورى فهذا كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث ولم يقل على رضي الله عنه يوم الشورى شيئا من هذا ولاما يشابهه بل قال له عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه لئن أمرتك لتعدلن قال نعم قال وإن بايعت عثمان لتسمعن وتطيعن قال نعم وكذلك قال لعثمان ومكث عبدالرحمن ثلاثة أيام يشاور المسلمين ففي الصحيحين وهذا لفظ البخاري عن عمرو بن ميمون في |
5 | 60 | مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن أجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم قال الزبير قد جعلت أمري إلى علي وقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبدالرحمن فقال عبدالرحمن أيكم تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان فقال عبدالرحمن أتجعلونه إلي والله على أن لا ألو عن أفضلكم قالا نعم فأخذ بيد أحدهما فقال لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك فلما أخذ المثاق قال أرفع يدك يا عثمان |
5 | 61 | وفي حديث المسور بن مخرمة قال المنسور إن الرهط الذي ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا قال لهم عبدالرحمن لست بالذي أتكلم في هذا الأمر ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم فجعلوا ذلك إلى عبدالرحمن فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم مال الناس على عبدالرحمن حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع ذلك الرهط ولا يطأ عقبه ومال الناس على عبدالرحمن يشاورونه تلك الليالي حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان قال المسور طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت فقال أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم انطلق فادع الزبير وسعدا فدعوتهما له فشاورهما ثم دعاني فقال ادع لي عليا فدعوته فناجاه حتى إبهار الليل ثم قام على من عنده وهو على طمع وقد كان عبد الرحمن يخشى |
5 | 62 | من علي شيئا ثم قال ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح فلما صلى الناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر أرسل إلي من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر فلما اجتمعوا تشهد عبدالرحمن ثم قال أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا فقال أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده فبايعه عبدالرحمن وبايعه الناس والمهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون هذا لفظ البخاري وفي هذا الحديث الذي ذكره هذا الرافضي أنواع من الأكاذيب التي نزه الله عليا عنها مثل احتجاجه بأخيه وعمه وزوجته وعلي رضي الله عنه أفضل من هؤلاء وهو يعلم أن أكرم الخلق عند الله أتقاهم ولو قال العباس هل فيكم مثل أخي حمزة ومثل أولاد إخوتي محمد وعلي وجعفر لكانت هذه الحجة من جنس تلك بل احتجاج الإنسان بيني إخوته أعظم من احتجاجه بعمه ولو قال عثمان هل فيكم من تزوج بنتي نبي لكان من جنس قول القائل هل فيكم من زوجته كزوجتي وكانت فاطمة قد ماتت قبل الشورى كما ماتت زوجتا عثمان فإنها ماتت |
5 | 63 | بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ستة أشهر وكذلك قوله هل فيكم من له ولد كولدي وفي أكاذيب متعددة مثل قوله ما سألت الله شيئا إلا وسألت لك مثله وكذلك قوله لا يؤدي عني إلا علي من الكذب وقال الخطابي في كتاب شعار الدين وقوله لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي هو شيء جاء به أهل الكوفة عن زيد بن يثيع وهو متهم في الرواية منسوب إلى الرفض وعامة من بلغ عنه غير أهل بيته فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام ويعلم الأنصار القرآن ويفقههم في الدين وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في مثل ذلك وبعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة فأين قول من زعم أنه لا يبلغ عنه إلا رجل من أهل بيته وأما حديث ابن عباس ففيه أكاذيب منها قوله كان لواؤه معه في كل |
5 | 64 | زحف فإن هذا من الكذب المعلوم إذا لواء النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم أحد مع مصعب بن عمير باتفاق الناس ولواؤه يوم الفتح كان مع الزبير بن العوام وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركز رايته بالحجون فقال العباس للزبير بن العوام أهاهنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية أخرجه البخاري في صحيحه وكذلك قوله وهو الذي صبر معه يوم حنين وقد علم أنه لم يكن أقرب إليه من العباس بن عبد المطلب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب والعباس آخذ بلجام بغلته وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركابه وقال له النبي صلى الله عليه وسلم ناد أصحاب السمرة قال فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة فوالله كأن عطفتهم على حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا يالبيك يالبيك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول أنا النبي لاكذب أنا ابن عبد المطلب ونزل عن بغلته وأخذ كفا من حصى فرمى بها القوم وقال انهزموا ورب الكعبة قال العباس فوالله ما هو إلا |
5 | 65 | أن رماهم فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا حتى هزمهم الله أخرجاه في الصحيحين وفي لفظ للبخاري قال وأبو سفيان آخذ بلجام بغلته وفيه قال العباس لزمت أنا وأبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلم نفارقه وأما غسله صلى الله عليه وسلم وإدخاله قبره فاشترك فيه أهل بيته |
5 | 66 | كالعباس وأولاده ومولاه شقران وبعض الأنصار لكن علي كان يباشر الغسل والعباس حاضر لجلالة العباس وأن عليا أولادهم بمباشرة ذلك وكذلك قوله هو أول عربي وعجمي صلى يناقض ما هو المعروف عن ابن عباس فصل وأما حديث المعراج وقوله فيه إن الملائكة المقربين والملائكة الكروبيين لما سمعت فضائل علي وخاصته وقول النبي صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى اشتقات إلى علي فخلق الله لها ملكا على صورة علي فالجواب أن هذا من كذب الجهال الذين لا يحسنون أن يكذبوا فإن المعراج كان بمكة قبل الهجرة بإجماع الناس كما قال تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير سورة الإسراء |
5 | 67 | وكان الإسراء من المسجد الحرام وقال والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى سورة النجم إلى قوله أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى سورة النجم إلى قوله أفرأيتم اللات والعزى سورة النجم وهذا كله نزل بمكة بإجماع الناس وقوله أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى قاله في غزوة تبوك وهي آخر الغزوات عام تسع من الهجرة فكيف يقال إن الملائكة ليلة المعراج سمعوا قوله أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ثم قد علم أن الإستخلاف على المدينة مشترك فكل الإستخلافات التي قبل غزوة تبوك وبعد تبوك كان يكون بالمدينة رجال من المؤمنين المطيعين يستخلف عليهم وغزوة تبوك لم يكن فيها رجل مؤمن مطيع إلا من عذره الله ممن هو عاجز عن الجهاد فكان المستخلف عليهم في غزوة تبوك أقل وأضعف من المستخلف عليهم في جميع أسفاره ومغازيه وعمره وحجه وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة قريبا من ثلاثين سفرة وهو يستخلف فيها من يستخلفه كما استخلف في غزوة الأبواء سعد بن عبادة واستخلف في غزوة |
5 | 68 | بواط سعد بن معاذ ثم لما رجع وخرج في طلب كرز بن جابر الفهري استخلف زيد بن حارثة واستخلف في غزوة العشيرة أبا سلمة بن عبد الأشهل وفي غزوة بدر استخلف ابن أم مكتوم واستخلفه في غزوة قرقرة الكدر ولما ذهب إلى بني سليم وفي غزوة حمراء الأسد وغزوة بني النضير وغزوة بني قريظة وإستخلفه لما خرج في طلب اللقاح التي استاقها عيينة بن حصن ونودي ذلك اليوم يا خيل الله اركبي وفي غزوة الحديبية واستخلفه في غزوة الفتح واستخلف |
5 | 69 | أبا لبابة في غزوة بني قينقاع وغزوة السويق واستخلف عثمان بن عفان في غزوة غطفان التي يقال لها غزوة أنمار واستخلفه في غزوة ذات الرقاع واستخلف ابن رواحة في غزوة بدر الموعد واستخلف سباع بن عرفطة الغفاري في غزوة دومة الجندل وفي غزوة خيبر واستخلف زيد بن حارثة في غزوة المريسيع واستخلف أبا رهم في عمرة القضية وكانت تلك الاستخلافات أكمل من استخلاف علي رضي الله عنه عام تبوك وكلهم كانوا منه بمنزلة هارون من موسى إذ المراد التشبيه في أصل الاستخلاف وإذا قيل في تبوك كان السفر بعيدا قيل ولكن كانت المدينة وما حولها أمنا لم يكن هناك عدو يخاف لأنهم كلهم أسلموا ومن لم يسلم ذهب وفي غير تبوك كان العدو موجودا حول المدينة وكان يخاف على من بها فكان خليفته يحتاج إلى مزيد اجتهاد ولا يحتاج إليه في الإستخلاف في تبوك فصل وكذلك الحديث المذكور عن ابن عباس أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم وهو نشيط أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى قال |
5 | 70 | فقوله أنا الفتى يعني فتى العرب وقوله ابن الفتى يعني إبراهيم الخليل صلوات الله عليه من قوله سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم سورة الأنبياء وقوله أخو الفتى يعني عليا وهو معنى قول جبريل في يوم بدر وقد عرج إلى السماء وهو فرح وهو يقول لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي فإن هذا الحديث من الأحاديث المكذوبة الموضوعة باتفاق أهل المعرفة بالحديث وكذبه معروف من غير جهة الإسناد من وجوه منها أن لفظ الفتى في الكتاب والسنة ولغة العرب ليس من هو من أسماء المدح كما ليس هو من أسماء الذم ولكن بمنزلة اسم الشاب والكهل والشيخ ونحو ذلك والذين قالوا عن إبراهيم سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم هم الكفار ولم يقصدوا مدحه بذلك وإنما الفتى كالشاب الحدث |
5 | 71 | ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أجل من أن يفتخر بجده وابن عمه ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخ عليا ولا غيره وحديث المؤاخاة لعلي ومؤاخاة أبي بكر لعمر من الأكاذيب وإنما آخى بين المهاجرين والأنصار ولم يؤاخ بين مهاجري ومهاجري ومنها أن هذه المناداة يوم بدر كذب ومنها أن ذا الفقار لم يكن لعلي وإنما كان سيفا من سيوف أبي جهل غنمه المسلمون منه يوم بدر فلم يكن يوم بدر ذو الفقار من سيوف المسلمين بل من سيوف الكفار كما روى ذلك أهل السنن فروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تنقل سيفه ذا الفقار يوم بدر ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد النبوة كهلا قد تعدى سن الفتيان |
5 | 72 | فصل وأما حديث أبي ذر الذي رواه الرافضي فهو موقوف عليه ليس مرفوعا فلا يحتج به مع أن نقله عن أبي ذر فيه نظر ومع هذا فحب علي واجب وليس ذلك من خصائصه بل علينا أن نحبه كما علينا أن نحب عثمان وعمر وأبا بكر وأن نحب الأنصار ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار وفي صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه أنه قال إنه لعهد النبي الأمي إلى أنه لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق فصل قال الرافضي ومنها ما نقله صاحب الفردوس في كتابه عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حب |
5 | 73 | علي حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة والجواب أن كتاب الفردوس فيه من الأحاديث الموضوعات ما شاء الله ومصنفه شيرويه بن شهردار الديلمي وإن كان من طلبه الحديث ورواته فإن هذه الأحاديث التي جمعها وحذف أسانيدها نقلها من غير اعتبار لصحيحها وضعيفها وموضوعها فلهذا كان فيه من الموضوعات أحاديث كثيرة جدا وهذا الحديث مما يشهد المسلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقوله فإن حب الله ورسوله أعظم من حب علي والسيئات تضر مع ذلك وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب عبد الله بن حمار في |
5 | 74 | الخمر وقال إنه يحب الله ورسوله وكل مؤمن فلا بد أن يحب الله ورسوله والسيئات تضره وقد أجمع المسلمون وعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الشرك يضر صاحبه ولا يغفره الله لصاحبه ولو أحب علي ابن أبي طالب فإن أباه أبا طالب كان يحبه وقد ضره الشرك حتى دخل النار والغالية يقولون إنهم يحبونه وهم كفار من أهل النار وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وقد علم بالإضطرار من دين الإسلام أن الرجل لو سرق لقطعت يده وإن كان يحب عليا ولو زنى أقيم عليه الحد ولو كان يحب عليا ولو قتل لأقيد بالمقتول وإن كان يحب عليا وحب النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من حب علي ولو ترك رجل الصلاة والزكاة وفعل الكبائر لضره ذلك مع حب النبي صلى الله عليه وسلم فكيف لا يضره ذلك مع حب علي |
5 | 75 | ثم من المعلوم أن المحبين له الذين رأوه وقاتلوا معه أعظم من غيرهم وكان هو دائما يذمهم ويعيبهم ويطعن عليهم ويتبرأ من فعلهم به ودعا الله عليهم أن يبدله بهم خيرا منهم ويبدلهم به شرا منه ولو لم تكن إلا ذنوبهم بتخاذلهم في القتال معه ومعصيتهم لأمره فإذا كان أولئك خيار الشيعة وعلي يبين أن تلك الذنوب تضرهم فكيف بما هو أعظم منها لمن هو شر من أولئك وبالجملة فهذا القول كفر ظاهر يستتاب صاحبه ولا يجوز أن يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر وكذلك قوله وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة فإن من أبغضه إن كان كافرا فكفره هو الذي أشقاه وإن كان مؤمنا نفعه إيمانه وإن أبغضه وكذلك الحديث الذي ذكره عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة ومن مات عليه دخل الجنة وقوله عن علي أنا وهذا حجة الله على خلقه هما حديثان |
5 | 76 | موضوعان عند أهل العلم بالحديث وعبادة سنة فيها الإيمان والصلوات الخمس كل يوم وصوم شهر رمضان وقد أجمع المسلمون على أن هذا لا يقوم مقامه حب آل محمد شهرا فضلا عن حبهم يوما وكذلك حجة الله على عبادة قامت بالرسل فقط كما قال تعالى لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل سورة النساء ولم يقل بعد الرسل والأئمة أو الأوصياء أو غير ذلك وكذلك قوله لو اجتمع الناس على حب علي لم يخلق الله النار من أبين الكذب باتفاق أهل العلم والإيمان ولو اجتمعوا على حب علي لم ينفعهم ذلك حتى يؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويعملوا صالحا وإذا فعلوا ذلك دخلوا الجنة وإن لم يعرفوا عليا بالكلية ولم يخطر بقلوبهم لا حبه ولا بغضه |
5 | 77 | قال الله تعالى بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون سورة البقرة وقال تعالى ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا سورة النساء وقال تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين سورة آل عمران فهؤلاء في الجنة ولم يشترط عليهم ما ذكروه من حب علي وكذلك قوله تعالى إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين سورة المعارج إلى قوله أولئك في جنات مكرمون سورة المعارج وأمثال ذلك ولم يشترط حب علي وقد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم عدة وفود وآمنوا به وآمن |
5 | 78 | به طوائف ممن لم يره وهم لم يسمعوا بذكر علي ولا عرفوه وهم من المؤمنين المتقين المستحقين للجنة وقد اجتمع على دعوى حبه الشيعة الرافضة والنصيرية والإسماعيلية وجمهورهم من أهل النار بل مخلدون في النار فصل وكذلك الحديث الذي ذكره في العهد الذي عهده الله في علي وأنه راية الهدى وإمام الأولياء وهو الكلمة التي ألزمها للمتقين الخ |
5 | 79 | فإن هذا كذب موضوع بأتفاق أهل المعرفة بالحديث والعلم ومجرد رواية صاحب الحلية ونحوه لا تفيد ولا تدل على الصحة فإن صاحب الحلية قد روى في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والأولياء وغيرهم أحاديث ضعيفة بل موضوعة باتفاق العلماء وهو وأمثاله من الحفاظ الثقات أهل الحديث ثقات فيما يروونه عن شيوخهم لكن الآفة ممن هو فوقهم وهم لم يكذبوا في النقل عمن نقلوا عنه لكن يكون واحد من رجال الإسناد ممن يتعمد الكذب أو يغلط وهم يبلغون عمن حدثهم ما سمعوه منه ويروون الغرائب لتعرف وعامة الغرائب ضعيفة كما قال الإمام أحمد اتقوا هذه الغرائب فإن عامتها ضعيفة وقوله في الحديث هو كلمة التقوى مما يبين أن هذا كذب فإن تسميته كلمة من جنس تسمية المسيح عليه السلام كلمة الله والمسيح سمي بذلك لأن مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون فهو مخلوق بالكلمة وأما علي فهو مخلوق كما خلق |
5 | 80 | سائر الناس وكلمة التقوى مثل لا إله إلا الله والله أكبر من الكلمات التي يصدق المؤمنون بمضمونها إن كانت خبرا ويطيعونها إن كانت أمرا فمثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وكلمة التقوى اسم جنس لكل كلمة يتقى الله فيها وهو الصدق والعدل فكل من تحرى الصدق في خبره والعدل في أمره فقد لزم كلمة التقوى وأصدق الكلام وأعدله قول لا إله إلا الله فهو أخص الكلمات بأنها كلمة التقوى وكذلك حديث عمار وابن عباس كلاهما من الموضوعات |
5 | 81 | فصل قال الرافضي وأما المطاعن في الجماعة فقد نقل الجمهور منها أشياء كثيرة حتى صنف الكلبي كتابا في مثالب الصحابة ولم يذكر فيه منقصة واحدة لأهل البيت والجواب أن يقال قبل الأجوبة المفصلة عما يذكر من المطاعن أن ما ينقل عن الصحابة من المثالب فهو نوعان أحدهما ما هو كذب إما كذب كله وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطعن وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب يرويها الكذابون المعروفون بالكذب مثل أبي مخنف لوط بن يحيى ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي وأمثالهما من الكذابين ولهذا استشهد هذا الرافضي بما صنفه هشام الكلبي في ذلك وهو من أكذب |
5 | 82 | الناس وهو شيعي يروي عن أبيه وعن أبي مخنف وكلاهما متروك كذاب وقال الإمام أحمد في هذا الكلبي ما ظننت أن أحدا يحدث عنه إنما هو صاحب سمر وشبه وقال الدارقطني هو متروك وقال ابن عدي هشام الكلبي الغالب عليه الأسمار ولا أعرف له في المسند شيئا وأبوه أيضا كذاب وقال زائدة والليث وسليمان التيمي هو كذاب وقال يحيى ليس بشيء كذاب ساقط وقال ابن حبان وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه النوع الثاني ما هو صدق وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها |
5 | 83 | عن أن تكون ذنوبا وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران وإن أخطأ فله أجر وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب وما قدر من هذه الأمور ذنبا محققا فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة لأن الذنب المحقق يرتفع عقابه في الآخرة بأسباب متعددة منها التوبة الماحية وقد ثبت عن أئمة الإمامية أنهم تابوا من الذنوب المعروفة عنهم ومنها الحسنات الماحية للذنوب فإن الحسنات يذهبن السيئات وقد قال تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم سورة النساء ومنها المصائب المكفرة ومنها دعاء المؤمنين بعضم لبعض وشفاعة نبيهم فما من سبب يسقط به الذم والعقاب عن أحد من الأمة إلا والصحابة أحق بذلك فهم أحق بكل مدح ونفي كل ذم ممن بعدهم من الأمة ونحن نذكر قاعدة جامعة في هذا الباب لهم ولسائر الأمة فنقول لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل ثم يعرف الجزيئات كيف وقعت وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم |
5 | 84 | فنقول الناس قد تكلموا في تصويب المجتهدين وتخطئتهم وتأثيمهم وعدم تأثيمهم في مسائل الفروع والأصول ونحن نذكر أصولا جامعة نافعة الأصل الأول أنه هل يمكن كل أحد أن يعرف باجتهاده الحق في كل مسألة فيها نزاع وإذا لم يمكنه فاجتهد واستفرغ وسعه فلم يصل إلى الحق بل قال ما اعتقد أنه هو الحق في نفس الأمر ولم يكن هو الحق في نفس الأمر هل يستحق أن يعاقب أم لا هذا أصل هذه المسائل وللناس في هذا الأصل ثلاثة أقوال كل قول عليه طائفة من النظار الأول قول من يقول إن الله قد نصب على الحق في كل مسألة دليلا يعرف به يمكن كل من اجتهد واستفرغ وسعه أن يعرف الحق وكل من لم يعرف الحق في مسألة أصولية أو فروعية فإنما هو لتفريطه فيما يجب عليه لا لعجزه وهذا القول هو المشهور عن القدرية والمعتزلة و هو قول طائفة من أهل الكلام غير هؤلاء ثم قال هؤلاء أما المسائل العلمية فعليها أدلة قطعية تعرف بها فكل من لم يعرفها فإنه لم يستفرغ وسعه في طلب الحق فيأثم وأما المسائل العملية الشرعية فلهم فيها مذهبان أحدهما أنها كالعلمية وأنه على كل مسألة دليل قطعي من خالفه فهو آثم وهؤلاء |
5 | 85 | الذين يقولون المصيب واحد في كل مسألة أصلية وفرعية وكل من سوى المصيب فهو آثم لأنه مخطىء والخطأ والإثم عندهم متلازمان وهذا قول بشر المريسي وكثير من المعتزلة البغداديين الثاني أن المسائل العملية إن كان عليها دليل قطعي فإن من خالفه آثم مخطىء كالعلمية وإن لم يكن عليها دليل قطعي فليس لله فيها حكم في الباطن وحكم الله في حق كل مجتهد ما أداه اجتهاده إليه وهؤلاء وافقوا الأولين في أن الخطأ والإثم متلازمان وأن كل مخطىء آثم لكن خالفوهم في المسائل الإجتهادية فقالوا ليس فيها قاطع والظن ليس عليه دليل عند هؤلاء وإنما هو من جنس ميل النفوس إلى شيء دون شيء فجعلوا الإعتقادات الظنية من جنس الإرادات وادعوا أنه ليس في نفس الأمر حكم مطلوب بالإجتهاد ولاثم في نفس الأمر أمارة أرجح من أمارة وهذا القول قول أبي الهذيل العلاف ومن اتبعه كالجبائي وابنه وهو أحد قولي الأشعري وأشهرهما وهو اختيار القاضي أبي بكر الباقلاني وأبي حامد الغزالي وأبي بكر بن العربي ومن اتبعهم وقد بسطنا القول في ذلك بسطا كثيرا في غير هذا الموضع |
5 | 86 | والمخالفون لهم كأبي إسحاق الإسفراييني وغيره من الأشعرية وغيرهم يقولون هذا القول أوله سفسطة وآخره زندقة وهذا قول من يقول إن كل مجتهد في المسائل الشرعية الإجتهادية العملية فهو مصيب باطنا وظاهرا ولا يتصور عندهم أن يكون مجتهدا مخطئا إلا بمعنى أنه خفى عليه بعض الأمور وذلك الذي خفى عليه ليس هو حكم الله لا في حقه ولا في حق أمثاله وأما من كان مخطئا وهو المخطىء في المسائل القطعية فهو آثم عندهم والقول الثاني في أصل المسألة إن المجتهد المستدل قد يمكنه أن يعرف الحق وقد يعجز عن ذلك لكن إذا عجز عن ذلك فقد يعاقبه الله تعالى وقد لا يعاقبه فإن له أن يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء بلا سبب أصلا بل لمحض المشيئة وهذا قول الجهمية والأشعرية وكثير من الفقهاء أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم ثم قال هؤلاء قد علم بالسمع أن كل كافر فهو في النار فنحن نعلم أن كل كافر فإن الله يعذبه سواء كان قد اجتهد وعجز عن معرفة صحة دين الإسلام أو لم يجتهد وأما المسلمون المختلفون فإن كان اختلافهم في الفروعيات فأكثرهم يقول لا عذاب فيها وبعضهم يقول لأن الشارع عفا عن الخطأ فيها وعلم ذلك بإجماع السلف على أنه لا إثم على |
5 | 87 | المخطىء فيها وبعضهم يقول لأن الخطأ في الظنيات ممتنع كما تقدم ذكره عن بعض الجهمية والأشعرية وأما القطعيات فأكثرهم يؤثم المخطىء فيها ويقول إن السمع قد دل على ذلك ومنهم من لا يؤثمه والقول المحكى عن عبيد الله بن الحسن العنبري هذا معناه أنه كان لا يؤثم المخطىء من المجتهدين من هذه الأمة لا في الأصول ولا في الفروع وأنكر جمهور الطائفتين من أهل الكلام والرأي على عبيد الله هذا القول وأما غير هؤلاء فيقول هذا قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم لا يؤثمون مجتهدا مخطئا لا في المسائل الأصولية ولا في الفروعية كما ذكر ذلك عنهم ابن حزم وغيره ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ويصححون الصلاة خلفهم والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين ولا يصلى خلفه وقالوا هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين إنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحدا من المجتهدين المخطئين لا في مسألة عملية ولا علمية قالوا والفرق بين مسائل الأصول والفروع إنما هو من أقوال أهل البدع |
5 | 88 | من أهل الكلام من المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره قالوا والفرق في ذلك بين مسائل الأصول والفروع كما أنه بدعة محدثة في الإسلام لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا إجماع بل ولا قالها أحد من السلف والأئمة فهي باطلة عقلا فإن المفرقين بين ما جعلوه مسائل أصول ومسائل فروع لم يفرقوا بينهما بفرق صحيح يميز بين النوعين بل ذكروا ثلاثة فروق أو أربعة كلها باطلة فمنهم من قال مسائل الأصول هي العلمية الإعتقادية التي يطلب فيها العلم والإعتقاد فقط ومسائل الفروع هي العملية التي يطلب فيها العمل قالوا وهذا فرق باطل فإن المسائل العملية فيها ما يكفر جاحده مثل وجوب الصلوات الخمس والزكاة وصوم شهر رمضان وتحريم الزنا والربا والظلم والفواحش وفي المسائل العلمية مالا يأثم المتنازعون فيه كتنازع الصحابة هل رأى محمد ربه وكتنازعهم في بعض النصوص هل قاله النبي صلى الله عليه وسلم أم لا وما أراد بمعناه وكتنازعهم في بعض الكلمات هل هي من القرآن أم لا وكتنازعهم في بعض معاني القرآن |
5 | 89 | والسنة هل أراد الله ورسوله كذا وكذا وكتنازع الناس في دقيق الكلام كمسألة الجوهر الفرد وتماثل الأجسام وبقاء الأعراض ونحو ذلك فليس في هذا تكفير ولا تفسيق قالوا والمسائل العملية فيها علم وعمل فإذا كان الخطأ مغفورا فيها فالتي فيها علم بلا عمل أولى أن يكون الخطأ فيها مغفورا ومنهم من قال المسائل الأصولية هي ما كان عليها دليل قطعي والفرعية ما ليس عليها دليل قطعي قال أولئك وهذا الفرق خطأ أيضا فإن كثيرا من المسائل العملية عليها أدلة قطعية عند من عرفها وغيرهم لم يعرفها وفيها ما هو قطعي بالإجماع كتحريم المحرمات الظاهرة ووجوب الواجبات الظاهرة ثم لو أنكرها الرجل بجهل وتأويل لم يكفر حتى تقام عليه الحجة كما أن جماعة استحلوا شرب الخمر على عهد عمر منهم قدامة ورأوا أنها حلال لهم ولم يكفرهم الصحابة حتى بينوا لهم خطأهم فتابوا ورجعوا وقد كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم طائفة أكلوا بعد طلوع الفجر حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم يؤثمهم النبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن تكفيرهم وخطؤهم قطعي وكذلك أسامة بن زيد وقد قتل الرجل المسلم وكان خطؤه قطعيا |
5 | 90 | وكذلك الذي وجدوا رجلا في غنم له فقال إني مسلم فقتلوه وأخذوا ماله كان خطؤهم قطعيا وكذلك خالد بن الوليد لما قتل بني جذيمة وأخذ أموالهم كان مخطئا قطعا وكذلك الذين تيمموا إلى الأباط وعمار الذي تمعك في التراب للجنابة كما تمعك الدابة بل والذين أصابتهم جنابة فلم يتيمموا ولم يصلوا كانوا مخطئين قطعا وفي زماننا لو أسلم قوم في بعض الأطراف ولم يعلموا وجوب الحج أو لم يعلموا تحريم الخمر لم يحدوا على ذلك وكذلك لو نشأوا بمكان جهل وقد زنت على عهد عمر امرأة فلما أقرت به قال عثمان إنها لتستهل به استهلال من لم يعلم أنه حرام فلما تبين للصحابة أنها لا تعرف التحريم لم يحدوها واستحلال الزنا خطأ قطعا والرجل إذا حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه فهو مخطىء قطعا حقا ولا إثم عليه بالإتفاق وكذلك لا كفارة عليه عند الأكثرين ومن اعتقد بقاء الفجر فأكل فهو مخطىء قطعا إذا تبين له الأكل بعد الفجر ولا إثم عليه وفي القضاء نزاع وكذلك من اعتقد غروب الشمس فتبين بخلافه ومثل هذا كثير |
5 | 91 | وقول الله تعالى في القرآن ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا سورة البقرة قال الله تعالى قد فعلت ولم يفرق بين الخطأ القطعي والظني بل لا يجزم بأنه خطأ إلا إذا كان أخطأ قطعا قالوا فمن قال إن المخطىء في مسألة قطعية أو ظنية يأثم فقد خالف الكتاب والسنة والإجماع القديم قالوا وأيضا فكون المسألة قطعية أو ظنية هو أمر إضافي بحسب حال المعتقدين ليس هو وصفا للقول في نفسه فإن الإنسان قد يقطع بأشياء علمها بالضرورة أو بالنقل المعلوم صدقه عنده وغيره لا يعرف ذلك لا قطعا ولا ظنا وقد يكون الإنسان ذكيا قوي الذهن سريع الإدراك علما وظنا فيعرف من الحق ويقطع به ما لا يتصوره غيره ولا يعرفه لا علما ولا ظنا فالقطع والظن يكون بحسب ما وصل إلى الإنسان من الأدلة وبحسب قدرته على الإستدلال والناس يختلفون في هذا وهذا فكون المسألة قطعية أو ظنية ليس هو صفة ملازمة للقول المتنازع فيه حتى يقال كل من خالفه قد خالف القطعي بل هو صفة لحال الناظر المستدل المعتقد وهذا مما يختلف فيه الناس فعلم أن هذا الفرق لا يطرد ولا ينعكس ومنهم من فرق بفرق ثالث وقال المسائل الأصولية هي المعلومة |
5 | 92 | بالعقل فكل مسألة علمية استقل العقل بدركها فهي من مسائل الأصول التي يكفر أو يفسق مخالفها والمسائل الفروعية هي المعلومة بالشرع قالوا فالأول كمسائل الصفات والقدر والثاني كمسائل الشفاعة وخروج أهل الكبائر من النار فيقال لهم ما ذكرتموه بالضد أولى فإن الكفر والفسق أحكام شرعية ليس ذلك من الأحكام التي يستقل بها العقل فالكافر من جعله الله ورسوله كافرا والفاسق من جعله الله ورسوله فاسقا كما أن المؤمن والمسلم من جعله الله ورسوله مؤمنا ومسلما والعدل من جعله الله ورسوله عدلا والمعصوم الدم من جعله الله ورسوله معصوم الدم والسعيد في الآخرة من أخبر الله ورسوله عنه أنه سعيد في الآخرة والشقي فيها من أخبر الله ورسوله عنه أنه شقي فيها والواجب من الصلاة والصيام والصدقة والحج ما أوجبه الله ورسوله والمستحقون لميراث الميت من جعلهم الله ورسوله وارثين والذي يقتل حدا أو قصاصا من جعله الله ورسوله مباح الدم بذلك والمستحق للفيء والخمس من جعله الله ورسوله مستحقا لذلك والمستحق للموالاة والمعاداة من جعله الله |
5 | 93 | ورسوله مستحقا للموالاة والمعاداة والحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله فهذه المسائل كلها ثابتة بالشرع وأما الأمور التي يستقل بها العقل فمثل الأمور الطبيعية مثل كون هذا المرض ينفع فيه الدواء الفلاني فإن مثل هذا يعلم بالتجربة والقياس وتقليد الأطباء الذين علموا ذلك بقياس أو تجربة وكذلك مسائل الحساب والهندسة ونحو ذلك هذا مما يعلم بالعقل وكذلك مسألة الجوهر الفرد وتماثل الأجسام أو إختلافها وجواز بقاء الأعراض وامتناع بقائها فهذه ونحوها تعلم بالعقل وإذا كان كذلك فكون الرجل مؤمنا وكافرا وعدلا وفاسقا هو من المسائل الشرعية لا من المسائل العقلية فكيف يكون من خالف ما جاء به الرسول ليس كافرا ومن خالف ما ادعى غيره أنه معلوم بعقله كافرا وهل يكفر أحد بالخطأ في مسائل الحساب والطب ودقيق الكلام فإن قيل هؤلاء لا يكفرون كل من خالف مسألة عقلية لكن يكفرون من خالف المسائل العقلية التي يعلم بها صدق الرسول فإن العلم بصدق الرسول مبني عليها على مسائل معينة فإذا أخطأ فيها لم يكن عالما بصدق الرسول فيكون كافرا |
5 | 94 | قيل تصديق الرسول ليس مبنيا على مسائل معينة من مسائل النزاع بل ما جعله أهل الكلام المحدث أصلا للعلم بصدق الرسول كقول من قال من المعتزلة والجهمية إنه لا يعلم صدق الرسول إلا بأن يعلم أن العالم حادث ولا يعلم ذلك إلا بأن يعلم أن الأجسام محدثة ولا يعلم ذلك إلا بالعلم بأنها لا تنفك من الحوادث إما الأعراض مطلقا وإما الأكوان وإما الحركات ولا يعلم حدوثها حتى يعلم امتناع حوادث لا أول لها ولا يعلم أنه صادق حتى يعلم أن الرب غني ولا يعلم غناه حتى يعلم أنه ليس بجسم ونحو ذلك من الأمور التي تزعم طائفة من أهل الكلام أنها أصول لتصديق الرسول لا يعلم صدقه بدونها هي مما يعلم بالاضطرار من دين الرسول أنه لم يكن يجعل إيمان الناس موقوفا عليها بل ولا دعا الناس إليها ولا ذكرت في كتاب ولا سنة ولا ذكرها أحد من الصحابة لكن الأصول التي بها يعلم صدق الرسول مذكورة في القرآن وهي غير هذه كما قد بين في غير هذا الموضع وهؤلاء الذين ابتدعوا أصولا زعموا أنه لا يمكن تصديق الرسول إلا بها وأن معرفتها شرط في الإيمان أو واجبة على الأعيان هم من أهل |
5 | 95 | البدع عند السلف والأئمة وجمهور العلماء يعلمون أن أصولهم بدعة في الشريعة لكن كثير من الناس يظن أنها صحيحة في العقل وأما الحذاق من الأئمة ومن اتبعهم فيعلمون أنها باطلة في العقل مبتدعة في الشرع وأنها تناقض ما جاء به الرسول وحينئذ فإن كان الخطأ في المسائل العقلية التي يقال إنها أصول الدين كفرا فهؤلاء السالكون هذه الطرق الباطلة في العقل المبتدعة في الشرع هم الكفار لا من خالفهم وإن لم يكن الخطأ فيها كفرا فلا يكفر من خالفهم فيها فثبت أنه ليس كافرا في حكم الله ورسوله على التقديرين ولكن من شأن أهل البدع أنهم يبتدعون أقوالا يجعلونها واجبة في الدين بل يجعلونها من الإيمان الذي لا بد منه ويكفرون من خالفهم فيها ويستحلون دمه كفعل الخوارج والجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم وأهل السنة لا يبتدعون قولا ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ وإن كان مخالفا لهم مكفرا لهم مستحلا لدمائهم كما لم تكفر الصحابة الخوارج مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما واستحلاهم لدماء المسلمين المخالفين لهم وكلام هؤلاء المتكلمين في هذه المسائل بالتصويب والتخطئة والتأثيم ونفيه والتكفير ونفيه لكونهم بنوا على القولين المتقدمين قول القدرية الذين يجعلون كل مستدل قادرا على معرفة الحق فيعذب كل من |
5 | 96 | لم يعرفه وقول الجهمية الجبرية الذين يقولون لا قدرة للعبد على شيء أصلا بل الله يعذب بمحض المشيئة فيعذب من لم يفعل ذنبا قط وينعم من كفر وفسق وقد وافقهم على ذلك كثير من المتأخرين وهؤلاء يقولون يجوز أن يعذب الأطفال والمجانين وإن لم يفعلوا ذنبا قط ثم منهم من يجزم بعذاب أطفال الكفار في الآخرة ومنهم من يجوزه ويقول لا أدري ما يقع وهؤلاء يجوزون أن يغفر لأفسق أهل القبلة بلا سبب أصلا ويعذب الرجل الصالح على السيئة الصغيرة وإن كانت له حسنات أمثال الجبال بلا سبب أصلا بل بمحض المشيئة وأصل الطائفتين أن القادر المختار يرجح أحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح لكن هؤلاء الجهمية يقولون إنه في كل حادث يرجح بلا مرجح وأولئك القدرية والمعتزلة والكرامية وطوائف غيرهم من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث وغيرهم يقولون أصل الإحداث والإبداع كان ترجيحا بلا مرجح وأما بعد ذلك فقد خلق أسبابا وحكما علق الحوادث بها واختلفت القدرية والجهمية الجبرية في الظلم فقالت القدرية الظلم في حقه هو ما نعرفه من ظلم الناس بعضهم بعضا فإذا قيل إنه خالق أفعال العباد وإنه مريد لكل ما وقع وقيل مع ذلك إنه يعذب العاصي كان هذا ظلما كظلمنا وسموا أنفسهم العدلية وقالت الجهمية الظلم في حقه هو ما يمتنع وجوده فأما كل ما يمكن وجوده فليس بظلم فإن الظلم إما مخالفة أمر من تجب طاعته وإما التصرف في ملك الغير بغير |
5 | 97 | إذنه فالإنسان يوصف بالظلم لأنه مخالف لأمر ربه ولأنه قد يتصرف في ملك غيره بغير إذنه والرب تعالى ليس فوقه آمر ولا لغيره ملك بل إنما يتصرف في ملكه فكل ما يمكن فليس بظلم بل إذا نعم فرعون وأبا جهل وأمثالهما ممن كفر به وعصاه وعذب موسى ومحمدا ممن أمن به وأطاعه فهو مثل العكس الجميع بالنسبة إليه سواء ولكن لما أخبر أنه ينعم المطيعين وأنه يعذب العصاة صار ذلك معلوم الوقوع لخبره الصادق لا لسبب اقتضى ذلك والأعمال علامات على الثواب والعقاب ليست أسبابا فهذا قول جهم وأصحابه ومن وافقه كالأشعري ومن وافقه من أتباع الفقهاء الأربعة والصوفية وغيرهم ولهذا جوز هؤلاء أن يعذب العاجز عن معرفة الحق ولو اجتهد فليس عندهم في نفس الأمر أسباب للحوادث ولا حكم ولا في الأفعال صفات لأجلها كانت مأمورا بها ومنهيا عنها بل عندهم يمتنع أن يكون في خلقه وأمره لام كى وأما القدرية فيثبتون له شريعة فيما يجب عليه ويحرم عليه بالقياس على عباده وقد تكلمنا على قول الفريقين في مواضع وذكرنا فصلا في ذلك في هذا الكتاب فيما تقدم لما تكلمنا على ما نسبه هذا الرافضي إلى جميع أهل السنة من قول هؤلاء الجهمية الجبرية وبينا أن هذه المسألة لا تتعلق بمسألة الإمامة والتفضيل بل من الشيعة من يقول بالجبر والقدر وفي أهل السنة من يقول بهذا وبهذا |
5 | 98 | والمقصود هنا أن نبين أن الكلام في تصويب المتنازعين مصيبين أو مخطئين مثابين أو معاقبين مؤمنين أو كفارا هو فرع عن هذا الأصل العام الشامل لهذه المسائل وغيرها وبهذا يظهر قول الثالث في هذا الأصل وهو أنه ليس كل من اجتهد واستدل يتمكن من معرفة الحق ولا يستحق الوعيد إلا من ترك مأمورا به أو فعل محظورا وهذا هو قول الفقهاء والأئمة وهو القول المعروف عن سلف الأمة وقول جمهور المسلمين وهذا القول يجمع الصواب من القولين فالصواب من القول الأول قول الجهمية الذين وافقوا فيه السلف والجمهور وهو أنه ليس كل من طلب واجتهد واستدل على الشيء يتمكن من معرفة الحق فيه بل استطاعة الناس في ذلك متفاوتة والقدرية يقولون إن الله تعالى سوى بين المكلفين في القدرة ولم يخص المؤمنين بما فضلهم به على الكفار حتى آمنوا ولا خص المطيعين بما فضلهم به على العصاة حتى أطاعوا وهذا من أقوال القدرية والمعتزلة وغيرهم التي خالفوا بها الكتاب والسنة وإجماع السلف والعقل الصريح كما بسط في موضعه ولهذا قالوا إن كل مستدل فمعه قدرة تامة يتوصل بها الى معرفة الحق |
5 | 99 | ومعلوم أن الناس إذا اشتبهت عليهم القبلة في السفر فكلهم مأمورون بالإجتهاد والاستدلال على جهة القبلة ثم بعضهم يتمكن من معرفة جهتها وبعضهم يعجز عن ذلك فيغلط فيظن في بعض الجهات أنها جهتها ولا يكون مصيبا في ذلك لكن هو مطيع لله ولا إثم عليه في صلاته إليها لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها فعجزه عن العلم بها كعجزه عن التوجه إليها كالمقيد والخائف والمحبوس والمريض الذي لا يمكنه التوجه إليها ولهذا كان الصواب في الأصل الثاني قول من يقول إن الله لا يعذب في الأخرة إلا من عصاه بترك المأمور أو فعل المحظور والمعتزلة في هذا وافقوا الجماعة بخلاف الجهمية ومن اتبعهم من الأشعرية وغيرهم فإنهم قالوا بل يعذب من لا ذنب له أو نحو ذلك ثم هؤلاء يحتجون على المعتزلة في نفس الإيجاب والتحريم العقلي بقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا سورة الأسراء وهو حجة عليهم أيضا في نفي العذاب مطلقا إلا بعد إرسال الرسل وهم يجوزون التعذيب قبل إرسال الرسل فأولئك يقولون يعذب من لم يبعث إليه رسولا لأنه فعل القبائح العقلية وهؤلاء يقولون بل يعذب من لم يفعل قبيحا قط كالأطفال وهذا مخالف للكتاب والسنة والعقل أيضا قال تعالى وما كنا |
5 | 100 | معذبين حتى نبعث رسولا سورة الاسراء وقال تعالى عن النار كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير سورة الملك فقد أخبر سبحانه وتعالى بصيغة العموم أنه كلما ألقي فيها فوج سألهم الخزنة هل جاءهم نذير فيعترفون بأنهم قد جاءهم نذير فلم يبق فوج يدخل النار إلا وقد جاءهم نذير فمن لم يأته نذير لم يدخل النار وقال تعالى لإبليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين سورة ص فقد أقسم سبحانه أنه يملؤها من إبليس وأتباعه وإنما أتباعه من أطاعه فمن لم يعمل ذنبا لم يطعه فلا يكون ممن تملأ به النار وإذا ملئت بأتباعه لم يكن لغيرهم فيها موضع وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزال يلقى في النار وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه وفي رواية فيضع قدمه عليها فتقول قط قط وينزوى بعضها إلى بعض أي تقول حسبي |
5 | 101 | حسبي وأما الجنة فيبقى فيها فضل فينشىء الله لها خلقا فيسكنهم فضول الجنة هكذا روي في الصحاح من غير وجه ووقع في بعض طرق البخاري غلط قال فيه وأما النار فيبقى فيها فضل والبخاري رواه في سائر المواضع على الصواب ليبين غلط هذا الراوي كما جرت عادته بمثل ذلك إذا وقع من بعض الرواة غلط في لفظ ذكر ألفاظ سائر الرواة التي يعلم بها الصواب وما علمت وقع فيه غلط إلا |
5 | 102 | وقد بين فيه الصواب بخلاف مسلم فإنه وقع في صحيحه عدة أحاديث غلط أنكرها جماعة من الحفاظ على مسلم والبخاري قد أنكر عليه بعض الناس تخريج أحاديث لكن الصواب فيها مع البخاري والذي أنكر على الشيخين أحاديث قليلة جدا وأما سائر متونهما فمما اتفق علماء المحدثين على صحتها وتصديقها وتلقيها بالقبول لا يستريبون في ذلك وقد قال تعالى يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون سورة الأنعام |
5 | 103 | فقط خاطب الجن والإنس واعترف المخاطبون بأنهم جاءتهم رسل يقصون عليهم آياته وينذرونهم لقاء يوم القيامة ثم قال ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون أي هذا بهذا السبب فعلم أنه لا يعذب من كان غافلا ما لم يأته نذير فكيف الطفل الذي لا عقل له ودل أيضا على أن ذلك ظلم تنزه سبحانه عنه وإلا فلو كان الظلم هو الممتنع لم يتصور أن يهلكهم بظلم بل كيفما أهلكهم فإنه ليس بظلم عند الجهمية الجبرية وقد قال تعالى وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون سورة القصص وقال تعالى وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون سورة هود وقال تعالى ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما سورة طه قال المفسرون الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره والهظم أن ينقص من حسناته فجعل سبحانه عقوبته بذنب غيره ظلما ونزه نفسه عنه ومثل هذا كثير كقوله لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت سورة البقرة وقوله ولا تزر وازرة وز أخرى سورة الانعام وكذلك قوله ولا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد سورة ق فبين سبحانه أنه قدم |
5 | 104 | بالوعيد وأنه ليس بظلام للعبيد كما قال في الآية الأخرى ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب سورة هود فهو سبحانه نزه نفسه عن ظلمهم وبين أنهم هم الذين ظلموا أنفسهم بشركهم فمن لم يكن ظالما لنفسه تكون عقوبته ظلما تنزه الله عنه وقال في الآية الأخرى إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين سورة الزخرف وهذا الظلم الذي نزه نفسه عنه إن كان هو الممتنع الذي لا يمكن فعله فأي فائدة في هذا وهل أحد يخاف أن يفعل به ذلك وأي تنزيه في هذا وإذا قيل هو لا يفعل إلا ما يقدر عليه قيل هذا معلوم لكل أحد وكل أحد لا يفعل إلا ما يقدر عليه فأي مدح في هذا مما يتميز به الرب سبحانه عن العالمين فعلم أن من الأمور الممكنة ما هو ظلم تنزه الله سبحانه عنه مع قدرته عليه وبذلك يحمد ويثنى عليه فإن الحمد والثناء يقع بالأمور الاختيارية من فعل وترك كعامة ما في القرآن من الحمد والشكر أخص |
5 | 105 | من ذلك يكون على النعم والمدح أعم من ذلك وكذلك التسبيح فإنه تنزيه وتعظيم فإذا سبح بحمده جمع له بين هذا وهذا كما قد بسطنا الكلام على حقيقة التسبيح والتحميد ومعنى التسبيح بحمده في غير هذا الموضع وقد قال سبحانه وتعالى وقالوا اخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون سورة الأنبياء فالإتخاذ فعل من الأفعال وقد نزه سبحانه نفسه عنه فعلم أن من الأفعال ما نزه سبحانه نفسه عنه والجبرية عندهم لا ينزه عن فعل من الأفعال وفي حديث البطاقة الذي رواه الترمذي وصححه وغيره ورواه الحاكم في صحيحه قال فيه فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر ثم يقال لا ظلم عليك إن لك عندنا بطاقة فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فثقلت البطاقة وطاشت السجلات فقوله لا ظلم عليك دليل على أنه إن لم يجاز بتلك |
5 | 106 | الحسنات وتوزن حسناته مع سيئاته كان ذلك ظلما يقدس الله عنه فإنه القائم بالقسط وقد قال تعالى ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا سورة الكهف فهل يقال هذا النفي أنه لا يفعل مع أحد مالا يمكن ولا يقدر عليه أو لا يظلمهم شيئا من حسناتهم بل يحصيها كلها ويثيبهم عليها فدل على أن العبد يثاب على حسناته ولا ينقص شيئا منها ولا يعاقب إلا على سيئاته وأن عقوبته بغير ذنب ونجس حسناته ظلم ينزه الرب تبارك وتعالى عنه وأيضا فقوله تعالى أفنجعل المسلمين كالمجرمين سورة القلم وقال تعالى أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار سورة ص وقال أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون سورة الجاثية إلى غير ذلك فدل على أن التسوية بين هذين المختلفين من الحكم السيء الذي ينزه عنه وأن ذلك منكر لا يجوز نسبته الى الله تعالى وأن من جوز ذلك |
5 | 107 | فقد جوز منكرا لا يصلح أن يضاف إلى الله تعالى فإن قوله أفنجعل المسلمين كالمجرمين سورة القلم استفهام إنكار فعلم أن جعل هؤلاء مثل هؤلاء منكر لا يجوز أن يظن بالله أنه يفعله فلو كان هذا وضده بالنسبة إليه سواء جاز أن يفعل هذا وهذا وقوله ساء ما يحكمون سورة الأنعام دل على أن هذا حكم سيء والحكم السيء هو الظلم الذي لا يجوز فعلم أن الله تعالى منزه عن هذا ومن قاله إنه يسوي بين المختلفين فقد نسب إليه الحكم السيء وكذلك تفضيل أحد المتماثلين بل التسوية بين المتماثلين والتفضيل بين المختلفين هو من العدل والحكم الحسن الذي يوصف به الرب سبحانه وتعالى والظلم وضع الشيء في غير موضعه فإذا جعل النور كالظلمة والمحسن كالمسيء والمسلم كالمجرم كان هذا ظلما وحكما سيئا يقدس وينزه عنه سبحانه وتعالى وقال تعالى أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون سورة المائدة وعند هؤلاء لو حكم بحكم الجاهلية لكان حسنا وليس في نفس الأمر حكم حسن وحكم غير حسن بل الجميع سواء فكيف يقال مع هذا ومن أحسن من الله حكما فدل هذا النص على أن حكمه حسن لا أحسن منه والحكم الذي يخالفه |
5 | 108 | سيء ليس بحسن وذلك دليل على أن الحسن صفة لحكمه فلو لم يكن الحسن إلا ما تعلق به الأمر أو مالم ينه عنه لم يكن في الكلام فائدة ولم يقسم الحكم إلى حسن وأحسن لأن عندهم يجوز أن يحكم الرب بكل ما يمكن وجوده وذلك كله حسن فليس عندهم حكم ينزه الرب عنه وقال تعالى وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سورة الأنعام فدل على أنه أعلم بالمحل الذي يناسب الرسالة ولو كان الناس مستوين والتخصيص بلا سبب لم يكن لهذا العلم معلوم يختص به محل الرسالة وقال تعالى ولقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر سورة القمر وقال أهم خيرأم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين سورة الدخان فهذا يبين أن أولئك إذا كانوا كفارا وقد عذبناهم والكفار الذين كذبوا محمد ليسوا خيرا من أولئك بل هم مثلهم استحقوا من العقوبة ما استحقه أولئك ولو كانوا خير منهم لم يستحقوا ذلك فعلم انه سبحانه يسوي بين المتماثلين ويفضل صاحب الخير فلا يسوي بينه وبين من هو دونه |
5 | 109 | وكذلك قوله تعالى هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار سورة الحشر إلى قوله تعالى ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب سورة الأنفال والإعتبار أن يعبر منهم إلى أمثالهم فيعرف أن من فعل كما فعلوا استحق كما استحقوا ولو كان تعالى قد يسوي بين المتماثلين وقد لا يسوي لم يمكن الإعتبار حتى يعلم أن هذا المعين مما يسوى بينه وبين نظيره وحينئذ فلا يمكن الإعتبار إلا بعد معرفة حكم ذلك المعين وحينئذ فلا يحتاج إلى الإعتبار ومن العجب أن أكثر أهل الكلام احتجوا بهذه الآية على القياس وإنما تدل عليه لكون الإعتبار يتضمن التسوية بين المتماثلين فعلم أن الرب يفعل هذا في حكمه فإذا اعتبروا بها في أمره الشرعي لدلالة مطلق الإعتبار على ذلك فهلا استدلوا بها على حكمه الخلقي الكوني في الثواب والعقاب وهو الذي قصد بالآية فدلالتها عليه أولى فعلم أن المتماثلين في الذنب متماثلان في استحقاق العقاب |
5 | 110 | بخلاف من لم يشركهما في ذلك وإذا قيل هذا قد علم بخبره قيل هو لم يخبر قبل بهذا بل دل على أن هذا هو حكمه الذي لا يجوز أن يضاف إليه سواه كما دل على ذلك ما تقدم من الآيات وأيضا فالنصوص قد أخبرت بالميزان بالقسط وأن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تلك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فدل هذا على أن مثقال ذرة إذا زيد في السيئات أو نقص من الحسنات كان ظلما ينزه الله عنه ودل على أنه يزن الأعمال بالقسط الذي هو العدل فدل على أن خلاف ذلك ليس قسطا بل ظلم تنزه الله عنه ولو لم يكن هنا عدل لم يحتج إلى الموازنة فإنه إذا كان التعذيب والتنعيم بلا قانون عدلي بل بمحض المشيئة لم يحتج إلى الموازنة وقال تعالى تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين سورة آل عمران قال الزجاج وغيره قد أعلمنا أنه يعذب من عذبه لاستحقاقه وقال آخر معناه أنه لا يعاقبهم بلا جرم فسمى هذا ظلما وأيضا فإن الله تعالى قد أخبر في غير موضع أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها كقوله تعالى والذين أمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها سورة الأعراف وقوله لا تكلف نفس إلا وسعها سورة البقرة وقوله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها |
5 | 111 | سورة الطلاق وأمر بتقواه بقدر الإستطاعة فقال فاتقوا الله ما استطعتم سورة التغابن وقد دعاه المؤمنون بقولهم ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به سورة البقرة فقال قد فعلت فدلت هذه النصوص على أنه لا يكلف نفسا ما تعجز عنه خلافا للجهمية المجبرة ودلت على أنه لا يؤاخذ المخطىء والناسي خلافا للقدرية والمعتزلة وهذا فصل الخطاب في هذا الباب فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومناظر ومفت وغير ذلك إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع كان هذا هو الذي كلفه الله إياه وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع ولا يعاقبه الله البتة خلافا للجهمية المجبرة وهو مصيب بمعنى أنه مطيع لله لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر وقد لا يعلمه خلافا للقدرية والمعتزلة في قولهم كل من استفرغ وسعه علم الحق فإن هذا باطل كما تقدم بل كل من استفرغ وسعه استحق الثواب وكذلك الكفار من بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في دار الكفر وعلم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أنزل عليه واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام |
5 | 112 | ولا التزام جميع شرائع الإسلام لكونه ممنوعا من الهجرة وممنوعا من إظهار دينه وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام فهذا مؤمن من أهل الجنة كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون وكما كانت إمرأة فرعون بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر فإنهم كانوا كفارا ولم يكن يمكنه أن يفعل ومهم كل ما يعرفه من دين الإسلام فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان فلم يجيبوه قال تعالى عن مؤمن آل فرعون ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا سورة غافر وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام بل إنما دخل معه نفر منهم ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه وأخبرهم بموته يوم مات وقال إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات |
5 | 113 | وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت بل قد روى أنه لم يكن يصلي الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدي الزكاة الشرعية لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن والله قد فرض على نبيه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل الله إليه وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم وفي الديات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع النفس بالنفس والعين بالعين وغير ذلك والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن فإن قومه لا يقرونه على ذلك وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا بل وإماما وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك بل هناك من يمنعه ذلك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل وقيل إنه سم على ذلك |
5 | 114 | فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا مع شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها ولهذا جعل الله هؤلاء من أهل الكتاب قال تعالى وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب سورة آل عمران وهذه الآية قد طائفة من السلف إنها نزلت في النجاشي ويروى هذا عن جابر وابن عباس وأنس ومنهم من قال فيه وفي أصحابه كما قال الحسن وقتادة وهذا مراد الصحابة لكن هو المطاع فإن لفظ الآية لفظ الجمع لم يرد بها واحد وعن عطاء قال نزلت في أربعين من أهل نجران وثلاثين من أهل الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم |
5 | 115 | ولم يذكر هؤلاء من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مثل عبد الله بن سلام وغيره ممن كان يهوديا وسلمان الفارسي وغيره ممن كان نصرانيا لأن هؤلاء صاروا من المؤمنين فلا يقال فيهم وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم سورة آل عمران ولا يقول أحد إن اليهود والنصارى بعد إسلامهم وهجرتهم ودخولهم في جملة المسلمين المهاجرين المجاهدين يقال إنهم من أهل الكتاب كما لا يقال عن الصحابة الذين كانوا مشركين وإن من المشركين لمن يؤمن بالله ورسوله فإنهم بعد الإيمان ما بقوا يسمون مشركين فدل على أن هؤلاء قوم من أهل الكتاب أي من جملتهم وقد آمنوا بالرسول كما قال تعالى في المقتول خطأ فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة سورة النساء فهو من العدو ولكن هو كان قد آمن وما أمكنه الهجرة وإظهار الإيمان والتزام شرائعه فسماه مؤمنا لأنه فعل من الإيمان ما يقدر عليه وهذا كما أنه قد كان بمكة جماعة من المؤمنين يستخفون |
5 | 116 | بإيمانهم وهم عاجزون عن الهجرة قال تعالى إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فإولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضفعين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا سوة النساء فعذر سبحانه المستضعف العاجز عن الهجرة وقال تعالى ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا سورة النساء فأولئك كانوا عاجزين عن إقامة دينهم فقد سقط عنهم ما عجزو عنه فإذا كان هذا فيمن كان مشركا وآمن فما الظن بمن كان من أهل الكتاب وآمن وقوله فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن سورة النساء قيل هو الذي يكون عليه لباس أهل الحرب مثل أن يكون في صفهم فيعذر القاتل لأنه مأمور بقتاله فتسقط عند الدية وتجب الكفارة وهو قول الشافعي وأحمد في أحد القولين |
5 | 117 | وقيل بل هو من أسلم ولم يهاجر كما يقوله أبو حنيفة لكن هذا قد أوجب فيه الكفارة وقيل إذا كان من أهل الحرب لم يكن له وارث فلا يعطى أهل الحرب ديته بل تجب الكفارة فقط وسواء عرف أنه مؤمن وقتل خطأ أو ظن أنه كافر وهذا ظاهر الآية وقد قال بعض المفسرين إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه كما نقل عن ابن جريج ومقاتل وابن زيد يعني قوله وإن من أهل الكتاب وبعضهم قال إنها في مؤمني أهل الكتاب من اليهود والنصارى فهذا إن أراد به من كان في الظاهر معدودا من أهل الكتاب فهو كالقول الأول وإن أراد العموم فهو كالثاني وهذا قول مجاهد ورواه أبو صالح عن ابن عباس وقول من أدخل فيها مثل ابن سلام وأمثاله ضعيف فإن هؤلاء من المؤمنين ظاهرا وباطنا من كل وجه لا يجوز أن يقال فيهم وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب سورة آل عمران أما أولا فلأن ابن سلام أسلم في أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وقال فلما رأيت وجهه علمت أنه وجهه ليس بوجه كذاب |
5 | 118 | وسورة آل عمران إنما نزل ذكر أهل الكتاب فيها لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر وثانيا أن ابن سلام وأمثاله هو واحد من جملة الصحابة والمؤمنين وهو من أفضلهم وكذلك سلمان الفارسي فلا يقال فيه إنه من أهل الكتاب وهؤلاء لهم أجور مثل أجور سائر المؤمنين بل يؤتون أجرهم مرتين وهم ملتزمون جميع شرائع الإسلام فأجرهم أعظم من أن يقال فيه أولئك لهم أجرهم عند ربهم وأيضا فإن أمر هؤلاء كان ظاهرا معروفا ولم يكن أحد يشك فيهم فأي فائدة في الإخبار بهم وما هذا إلا كما يقال الإسلام دخل فيه من كان مشركا ومن كان كتابيا وهذا معلوم لكل أحد بأنه دين لم يكن يعرف قبل محمد صلى الله عليه وسلم فكل من دخل فيه كان قبل ذلك إما مشركا وإما من أهل الكتاب إما كتابيا وإما أميا فأي فائدة في الإخبار بهذا |
5 | 119 | بخلاف أمر النجاشي وأصحابه ممن كانوا متظاهرين بكثير مما عليه النصارى فأن أمرهم قد يشتبه ولهذا ذكروا في سبب نزول هذه الآية أنه لما مات النجاشي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال قائل نصلي على هذا العلج النصراني وهو في أرضه فنزلت هذه الآية هذا منقول عن جابر وأنس بن مالك وابن عباس وهم من الصحابة الذين باشروا الصلاة على النجاشي وهذا بخلاف ابن سلام وسلمان الفارسي فإنه إذا صلى على واحد من هؤلاء لم ينكر ذلك أحد وهذا مما يبين أن المظهرين للإسلام فيهم منافق لا يصلى عليه كما نزل في حق ابن أبي وأمثاله وأن من هو في أرض الكفر قد يكون مؤمنا يصلى عليه كالنجاشي ويشبه هذه الآية أنه لما ذكر تعالى أهل الكتاب فقال ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله |
5 | 120 | واليوم الآخر يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين سورة آل عمران وهذه الآية قيل إنها نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه وقيل إن قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون هو عبد الله بن سلام وأصحابه وهذا والله أعلم من نمط الذي قبله فإن هولاء ما بقوا من أهل الكتاب وإنما المقصود من هو منهم في الظاهر وهو مؤمن لكن لا يقدر على ما يقدر عليه المؤمنون المهاجرون المجاهدون كمؤمن آل فرعون هو من آل فرعون وهو مؤمن ولهذا قال تعالى وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم سورة غافر فهو من آل فرعون وهو مؤمن |
5 | 121 | وكذلك هؤلاء منهم المؤمنون ولهذا قال تعالى وأكثرهم الفاسقون سورة آل عمران وقد قال قبل هذا ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم سورة آل عمران ثم قال منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون سورة آل عمران ثم قال لن يضروكم إلا أذى سورة آل عمران وهذا عائد إليهم جميعهم لا إلى أكثرهم ولهذا قال وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون سورة آل عمران وقد يقاتلون وفيهم مؤمن يكتم إيمانه يشهد القتال معهم ولا يمكنه الهجرة وهو مكره على القتال ويبعث يوم القيامة على نيته كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يغزو جيش هذا البيت فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم فقيل يا رسول الله وفيهم المكره فقال يبعثون على نياتهم |
5 | 122 | وهذا في ظاهر الأمر وإن قتل وحكم عليه بما يحكم على الكفار فالله يبعثه على نيته كما أن المنافقين منا يحكم لهم في الظاهر بحكم الإسلام ويبعثون على نياتهم فالجزاء يوم القيامة على ما في القلوب لا على مجرد الظواهر ولهذا روي أن العباس قال يا رسول الله كنت مكرها قال أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله وبالجملة لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها بل الوجوب بحسب الإمكان وكذلك ما لم يعلم حكمه فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه وبقى مدة لم يصل لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان وأداء |
5 | 123 | الزكاة وغير ذلك ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين وإنما اختلفوا في قضاء الصلاة وكذلك لو عامل بما يستحله من ربا أو ميسر ثم تبين له تحريم ذلك بعد القبض هل يفسخ العقد أم لا كما لا يفسخه لو فعل ذلك قبل الإسلام وكذلك لو تزوج نكاحا يعتقد صحته على عادتهم ثم لما بلغه شرائع الإسلام رأى أنه قد أخل ببعض شروطه كما لو تزوج في عدة وقد انقضت فهل يكون هذا فاسدا أو يقر عليه كما لو عقده قبل الإسلام ثم أسلم وأصل هذا كله أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم لا تلزم أحدا إلا بعد العلم أو يفرق بين الشرائع الناسخة والمبتدأة هذا فيه ثلاثة أقوال هي ثلاثة أوجه في مذهب أحمد ذكر القاضي أبو يعلى الوجهين المطلقين في كتاب له وذكر هو وغيره الوجه المفرق في أصول الفقه وهو أن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه الناسخ وخرج أبو الخطاب وجها بثبوته ومن هذا الباب من ترك الطهارة الواجبة ولم يكن علم بوجوبها أو صلى في الموضع المنهى عنه قبل علمه بالنهي هل يعيد الصلاة |
5 | 124 | فيه روايتان منصوصتان عن أحمد والصواب في هذا الباب كله أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم وأنه لا يقضى ما لم يعلم وجوبه فقد ثبت في الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى تبين له الحبل الأبيض من الأسود ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ومنهم من كان يمكث جنبا مدة لا يصلي ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم كأبي ذر وكعمر بن الخطاب وعمار |
5 | 125 | لما أجنبا ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم بالقضاء ولا شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا بالإعادة ومثل هذا كثير وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها فالوجوب مشروط بالقدرة والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور أو فعل محظور بعد قيام الحجة |
5 | 126 | فصل وقد ذكرنا في غير هذا الموضوع حكم الناس في الوعد والوعيد والثواب والعقاب وأن فاعل السيئات تسقط عنه عقوبة جهنم بنحو عشرة أسباب فإذا كان هذا الحكم في المجتهدين وهذا الحكم في المذنبين حكما عاما في جميع الأمة فكيف في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كانوا المتأخرون من المجتهدين ومن المذنبين يندفع عنهم الذم والعقاب بما ذكر من الأسباب فكيف بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ونحن نبسط هذا وننبه بالأدنى على الأعلى فنقول كلام الذام للخلفاء ولغيرهم من الصحابة من رافضي وغيره هو من باب الكلام في الأعراض وفيه حق لله تعالى لما يتعلق به من الولاية والعداوة والحب والبغض وفيه حق للأدميين أيضا ومعلوم أنا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة مثل الملوك المختلفين على الملك والعلماء والمشايخ المختلفين في العلم والدين وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم فإن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال والظلم محرم مطلقا لا يباح قط بحال قال تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب |
5 | 127 | للتقوى سورة المائدة وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار وهو بغض مأمور به فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهى صاحبه أن يظلم من أبغضه فكيف في بغض مسلم بتأويل وشبهة أو بهوى نفس فهو أحق أن لا يظلم بل يعدل عليه وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق من عدل عليهم في القول والعمل والعدل مما اتفق أهل الأرض على مدحه ومحبته والثناء على أهله ومحبتهم والظلم مما اتفقوا على بغضه وذمه وتقبيحه وذم أهله وبغضهم وليس المقصود الكلام في التحسين والتقبيح العقلي فقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضوع في مصنف مفرد ولكن المقصود أن العدل محمود محبوب باتفاق أهل الأرض وهو محبوب في النفوس مركوز حبه في القلوب تحبه القلوب وتحمده وهو من المعروف الذي تعرفه القلوب والظلم من المنكر الذي تنكره القلوب فتبغضه وتذمه والله تعالى أرسل الرسل ليقوم الناس بالقسط قال الله تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط سورة الحديد وقال تعالى الله الذي أنزل الكتاب بالحق |
5 | 128 | والميزان سورة الشورى وقال تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل سورة النساء وقال فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين سورة المائدة وقال فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق سورة المائدة فأمره أن يحكم بالقسط وأن يحكم بما أنزل الله فدل ذلك على أن القسط هو ما أنزل الله فما أنزل الله هو القسط والقسط هو ما أنزل الله ولهذا وجب على كل من حكم بين أثنين أن يحكم بالعدل لقوله تعالى وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل سورة النساء فليس لحاكم أن يحكم بظلم أبدا والشرع الذي يجب على حكام المسلمين الحكم به عدل كله ليس في الشرع ظلم أصلا بل حكم الله أحسن الأحكام والشرع هو ما أنزل الله فكل من حكم بما أنزل الله فقد حكم بالعدل لكن العدل قد يتنوع بتنوع الشرائع والمناهج فيكون العدل في كل شرعة بحسبها ولهذا قال تعالى وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب |
5 | 129 | المقسطين وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين إنا نزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانوين والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون سورة المائدة إلى قوله وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون سورة المائدة ذكر سبحانه حكم التوراة والإنجيل ثم ذكر أنه أنزل القرآن وأمر نبيه أن يحكم بينهم بالقرآن ولا يتبع أهواءهم عما جاءه من الكتاب وأخبر أنه جعل لكل واحد من الأنبياء شرعة ومنهاجا فجعل لموسى وعيسى ما في التوراة والإنجيل من الشرعة والمنهاج وجعل للنبي صلى الله عليه |
5 | 130 | وسلم ما في القرآن من الشرعة والمنهاج وأمره أن يحكم بما أنزل الله وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله وأخبره أن ذلك هو حكم الله ومن ابتغى غيره فقد ابتغى حكم الجاهلية وقال ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون سورة المائدة ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر فإنه من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى كسوالف البادية وكأوامر المطاعين فيهم ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة وهذا هو الكفر فإن كثيرا من الناس أسلموا ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار وإلا كانوا جهالا كمن تقدم أمرهم وقد أمر الله المسلمين كلهم إذا تنازعوا في شىء أن يردوه إلى الله |
5 | 131 | والرسول فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وذلك خير ؤأحسن تأويلا سورة النساء وقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما سورة النساء فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا لكن عصى واتبع هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة وهذه الآية مما يحتج بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله وقد تكلم الناس بما يطول ذكره هنا وما ذكرته يدل عليه سياق الآية والمقصود أن الحكم بالعدل واجب مطلقا في كل زمان ومكان على كل أحد ولكل أحد والحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو عدل خاص وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها والحكم به واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر وهذا واجب على الأمة في كل ما تنازعت فيه من الأمور الإعتقادية والعملية قال تعالى كل الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما |
5 | 132 | اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات سورة البقرة وقال تعالى وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله سورة الشورى وقال فإن تنازعتم في شىء فردوه إلى الله والرسول سورة النساء فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة ليس لأحد أن يلزم الناس بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولا ملك ومن اعتقد أنه يحكم بين الناس بشىء من ذلك ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة فهو كافر وحكام المسلمين يحكمون في الأمور المعينة لا يحكمون في الأمور الكلية وإذا حكموا في المعينات فعليهم أن يحكموا بما في كتاب الله فإن لم يكن فبما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يجدوا اجتهد الحاكم برأيه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة فمن علم الحق وقضى به فهو في الجنة ومن علم الحق وقضى بخلافة فهو في النار ومن قضى للناس على جهل فهو في النار وإذا حكم بعلم وعدل فإذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر كما ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين |
5 | 133 | والمقصود هنا أنه إذا وجب فيما شجر بين عموم المؤمنين أن لا يتكلم إلا بعلم وعدل ويرد ذلك إلى الله والرسول فذاك في أمر الصحابة أظهر فلو طعن طاعن في بعض ولاة الأمور من ملك وحاكم وأمير وشيخ ونحو ذلك وجعله كافرا معتديا على غيره في ولاية أو غيرها وجعل غيره هو العالم العادل المبرأ من كل خطأ وذنب وجعل كل من أحب الأول وتولاه كافرا أو ظالما مستحقا للسب وأخذ يسبه فإنه يجب الكلام في ذلك بعلم وعدل والرافضة سلكوا في الصحابة مسلك التفرق فوالوا بعضهم وغلوا فيه وعادوا بعضهم وغلوا في معاداته وقد يسلك كثير من الناس ما يشبه هذا في أمرائهم وملوكهم وعلمائهم وشيوخهم فيحصل بينهم رفض في غير الصحابة تجد أحد الحزبين يتولى فلانا ومحبيه ويبغض فلانا ومحبيه وقد يسب ذلك بغير حق وهذا كله من التفرق والتشيع الذي نهى الله عنه ورسوله فقال تعالى إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء سورة الأنعام وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا تقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا سورة آل عمران وقال تعالى ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما |
5 | 134 | الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون سورة آل عمران قال ابن عباس تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة ولهذا كان أبو أمامة الباهلي وغيره يتأولها في الخوارج فالله تعالى قد أمر المؤمنين كلهم أن يعتصموا بحبله جميعا ولا يتفرقوا وقد فسر حبله بكتابه وبدينه وبالإسلام وبالإخلاص وبأمره وبعهده وبطاعته وبالجماعة وهذه كلها منقولة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وكلها صحيحة فإن القرآن يأمر بدين الإسلام وذلك هو عهده وأمره وطاعته والإعتصام به جميعا إنما يكون في الجماعة ودين الإسلام حقيقته الإخلاص لله وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم |
5 | 135 | والله تعالى قد حرم ظلم المسلمين أحيائهم وأمواتهم وحرم دماءهم وأموالهم وأعراضهم وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذ ألا هل بلغت ألا ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع وقد قال تعالى والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا سورة الأحزاب فمن آذى مؤمنا حيا أو ميتا بغير ذنب يوجب ذلك فقد دخل في هذه الآية ومن كان مجتهدا لا إثم عليه فإذا آذاه مؤذ فقد آذاه بغير ما اكتسب ومن كان مذنبا وقد تاب من ذنبه أو غفر له بسبب آخر بحيث لم يبق عليه عقوبة فآذاه مؤذ فقد آذاه بغير ما اكتسب وإن حصل له بفعله مصيبة ولما حاج موسى آدم وقال لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة فقال آدم بكم وجدت مكتوبا علي قبل أن أخلق وعصى آدم ربه فغوى سورة طه قال بأربعين سنة قال فحج آدم موسى وهذا الحديث ثابت في الصحيحين لكن غلط كثير من الناس في معناه فظنوا أن آدم احتج بالقدر على أن الذنب لا يلام عليه ثم تفرقوا بعد هذا بين مكذب بلفظه ومتأول لمعناه تأويلات فاسدة وهذا فهم |
5 | 136 | فاسد وخطأ عظيم لا يجوز أن يظن بأقل الناس علما وإيمانا أن يظن أن كل من أذنب فلا ملام عليه لكون الذنب مقدرا عليه وهو يسمع ما أخبر الله به في القرآن من تعذيبه لقوم نوح وعاد وثمود وقوم فرعون ومدين وقوم لوط وغيرهم والقدر شامل لجميع الخلق فلو كان المذنب معذورا لم يعذب هؤلاء على ذنوبهم وهو يعلم ما أرسل الله به رسله محمدا وغيره من عقوبات المعتدين كما في التوراة والقرآن وما أمرالله به من إقامة الحدود على المفسدين ومن قتال الكافرين وما شرعه الله من إنصاف المظلومين من الظالمين وما يقضي به يوم القيامة بين عباده من عقوبة الكفار والاقتصاص للمظلوم من الظالم وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع لكن مقصود الحديث أن ما يصيب العبد من المصائب فهي مقدرة عليه ينبغي أن يسلم لقدر الله كما قال تعالى ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه سورة التغابن قال علقمة هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم وروى الوالبي عن ابن عباس يهد قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وقال ابن السائب وابن قتيبة إنه إذا ابتلى صبر وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظلم غفر |
5 | 137 | وإن كانت المصيبة بسبب فعل الأب أو الجد فإن آدم قد تاب من الأكل فما بقى عليه ملام للتوبة والمصيبة كانت مقدرة فلا معنى للوم آدم عليها فليس للإنسان أن يؤذي مؤمنا جرى له على يديه ما هو مصيبة في حقه والمؤمن إما معذور وإما مغفور له ولا ريب أن كثير ممن حصل له مصيبة أو فوات غرض ببعض الماضين يسرع بذمه كما يظن بعض الرافضة أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا هم السبب في منع حقهم ظلما وهذا كذب عليهم أو يقولون بسببهم ظلمنا غيرهم وهذا عدوان عليهم فإن القوم كانوا عادلين متبعين لأمر الله ورسوله ومن أصابته مصيبة بسبب ما جاء به الرسول فبذنوبه أصيب فليس لأحد أن يعيب الرسول وما جاء به لكونه فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد المنافقين أو لكونه بسبب تقديمه أبا بكر وعمر قدمهما المسلمون بعده كما يذكر عن بعض الرافضة أنه آذى الله ورسوله بسبب تقديم الله ورسوله لأبي بكر وعمر وعن بعضهم أنهم كانوا يقرؤون شيئا من الحديث في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فأتوا على فضائل أبي بكر فلما سمعها قال |
5 | 138 | لأصحابه تعلمون والله بلاءكم من صاحب هذا القبر يقول مروا أبا بكر فليصل بالناس لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر وهذا كما أنه ليس لأحد أن يقول بسبب نزول القرآن بلسان العرب اختلفت الأمة في التأويل واقتتلوا إلى أمثال هذه الأمور التي يجعل الشر الواقع فيها بسبب ما جاء به الرسول فإن هذا كله باطل وهو من كلام الكفار قال تعالى عن الكفار الذين قالوا لرسلهم قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون سورة يس وقال عن قوم فرعون فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله سورة الأعراف وقال لما ذكر الأمر بالجهاد وأن من الناس من يبطىء عنه أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك سورة النساء |
5 | 139 | والمراد بالحسنات والسيئات هنا النعم والمصائب كما قد سمى الله ذلك حسنات وسيئات في غير هذا الموضع من القرآن كقوله وبلوناهم بالحسنات والسيئات سورة الأعراف وقوله إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون سورة التوبة ولهذا قال ما أصابك ولم يقل ما أصبت وهكذا قال السلف ففي رواية أبي صالح عن ابن عباس أن الحسنة الخصب والمطر والسيئة الجدب والغلاء وفي رواية الوالبي عنه أن الحسنة الفتح والغنيمة والسيئة والهزيمة والجراح ونحو ذلك وقال في هذه الرواية ما أصابك من حسنة ما فتح الله عليه يوم بدر والسيئة ما أصابه يوم أحد وكذلك قال ابن قتيبة الحسنة الغنيمة والنعمة والسيئة البلية وروى ذلك عن أبي العالية وروى عنه أن الحسنة الطاعة والسيئة المعصية وهذا يظنه طائفة من المتأخرين ثم اختلف هؤلاء فقال مثبتة القدر هذا حجة لنا لقوله سبحانه قل كل من عند الله سورة النساء وقال نفاته بل هو حجة لنا لقوله وما أصابك من سيئة فمن نفسك سورة النساء وحجة كل فريق تدل على فساد قول الآخر والقولان |
5 | 140 | باطلان في هذه الآية فإن المراد النعم والمصائب ولهذا قال وإن تصبهم والضمير قد قيل إنه يعود على المنافقين وقيل على اليهود وقيل على الطائفتين والتحقيق أنه يعود على من قال هذا من أي صنف كان ولهذا قيل هذا لا يعين قائله لأنه دائما يقوله بعض الناس فكل من قاله تناولته الآية فإن الطاعنين فيما جاء به الرسول من كافر ومنافق بل ومن في قلبه مرض أو عنده جهل يقول مثل ذلك وكثير من الناس يقول ذلك في بعض ما جاء به الرسول ولا يعلم أنه جاء به لظنه خطأ صاحبه ويكون هو المخطىء فإذا أصابهم نصر ورزق قالوا هذا من عند الله لا يضيفه إلى ما جاء به الرسول وإن كان سببا له وإن أصابهم نقص رزق وخوف من العدو وظهوره قالوا هذا من عندك لأنه أمر بالجهاد فجرى ما جرى وأنهم تطيروا بما جاء به كما تطير قوم فرعون بما جاء به موسى والسلف ذكروا المعنيين فعن ابن عباس قال بشؤمك وعن ابن زيد قال بسوء تدبيرك قال تعالى قل كل من عند الله سورة النساء وعن ابن عباس الحسنة والسيئة أما الحسنة فأنعم بها عليك وأما السيئة فابتلاك بها فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا وقد قيل في مثل هذا لم يفقهوه ولم يكادوا وأن النفي مقابل الإثبات وقيل بل معناه فقهوه بعد أن كادوا لا يفقهونه كقوله فذبحوها |
5 | 141 | وما كادوا يفعلون سورة البقرة فالمنفي بها مثبت والمثبت بها منفي وهذا هو المشهور وعليه عامة الاستعمال وقد يقال يراد بها هذا تارة وهذا تارة فإذا صرحت بإثبات الفعل فقد وجد فإذا لم يؤت إلا بالنفي المحض كقوله لم يكد يراها و لا يكادون يفقهون حديثا فهذا نفي مطلق ولا قرينة معه تدل على الإثبات فيفرق بين مطلقها ومقيدها وهذه الأقوال الثلاثة للنحاة وقال بكل قول طائفة وقد وصف الله تعالى المنافقين بعدم الفقه في مثل قوله تعالى هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون سورة المنافقون وفي مثل قوله ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولذك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهوائهم سورة محمد فدل على أنهم لم يكونوا يفقهون القرآن لكن قوله حديثا نكرة في سياق النفي فتعم كما قال في الكهف وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا سورة الكهف ومعلوم أنهم لا بد أن يفقهوا بعض الأقوال وإلا فلا يعيش الإنسان بدون ذلك فعلم أن المراد أنهم يفقهون بعد أن كادوا لم يفقهوه |
5 | 142 | وكذلك في الرواية وهذا أظهر أقوال النحاة وأشهرها والمقصود أن هؤلاء لو فقهوا القرآن لعلموا أنك ما أمرتهم إلا بخير وما نهيتهم إلا عن شر وأنه لم تكن المصيبة الحاصلة لهم بسببك بل بسبب ذنوبهم ثم قال الله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك سورة النساء قال ابن عباس وأنا كتبتها عليك وقيل إنها في حرف عند الله وأنا قدرتها عليك وهذا كقوله وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير سورة الشورى وقوله أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم سورة آل عمران وقوله وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور سورة الشورى وأما رواية كردم عن يعقوب فمن نفسك فمعناها يناقض القراءة المتواترة فلا يعتمد عليها ومعنى هذه الآية كما في الحديث الصحيح الإلهي يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ومعنى هذه الآية متناول لكل من نسب ما أصابه من المصيبة إلى ما |
5 | 143 | أمر الله به ورسوله كائنا من كان فمن قال إنه بسبب تقديمه لأبي بكر وعمر واستخلافه في الصلاة أو بسبب ولايتهما حصل لهم مصيبة قيل مصيبتكم بسبب ذنوبكم ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب سورة الطلاق بل هذا كله من أذى المؤمنين بغير ما اكتسبوا وقد قال تعالى ولا يغتب بعضكم بعضا سورة الحجرات وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته فمن رمى أحدا بما ليس فيه فقد بهته فكيف إذا كان ذلك في لصحابة ومن قال عن مجتهد إنه تعمد الظلم وتعمد معصية الله ورسوله ومخالفة الكتاب والسنة ولم يكن كذلك فقد بهته وإذا كان فيه ذلك فقد اغتابه لكن يباح من ذلك ما أباحه الله ورسوله وهو ما يكون |
5 | 144 | على وجه القصاص والعدل وما يحتاج إليه لمصلحة الدين ونصيحة المسلمين فالأول كقول المشتكى المطلوب فلان ضربني وأخذ مالي ومنعني حقي ونحو ذلك قال تعالى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم سورة النساء وقد نزلت فيمن ضاف قوما فلم يقروه لأن قرى الضيف واجب كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة فلما منعوه حقه كان له ذكر ذلك وقد أذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يعاقبهم بمثل قراه في زرعهم ومالهم وقال نصره واجب على كل مسلم لأنه قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال أنصر أخاك ظالما أو مظلوما قلت يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما قال تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه وأما الحاجة فمثل استفتاء هند بنت عتبة كما ثبت في الصحيح أنها |
5 | 145 | قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وبني ما يكفيني بالمعروف فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف أخرجاه في الصحيحين من حديث عائشة فلم ينكر عليها قولها وهو من جنس قول المظلوم وأما النصيحة فمثل قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس لما استشارته فيمن خطبها فقالت خطبني أبو جهم ومعاوية فقال أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وفي لفظ يضرب النساء أنكحي أسامه فلما استشارته حتى تتزوج ذكر ما تحتاج إليه وكذلك من استشار رجلا فيمن يعامله والنصيحة مأمور بها ولو لم |
5 | 146 | يشاوره فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الدين النصيحة الدين النصيحة ثلاثا قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وكذلك بيان أهل العلم لمن غلط في رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أو تعمد الكذب عليه أو على من ينقبل عنه العلم وكذلك بيان من غلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية فهذا إذا تكلم فيه الإنسان بعلم وعدل وقصد النصيحة فالله تعالى يثيبه على ذلك لا سيما إذا كان المتكلم فيه داعيا إلى بدعة فهذا يجب بيان أمره للناس فإن دفع شره عنهم أعظم من دفع شر قاطع الطريق وجكم المتكلم باجتهاده في العلم والدين حكم أمثاله من المجتهدين ثم قد يكون مجتهدا مخطئا أو مصيبا وقد يكون كل من الرجلين المختلفين باللسان أو اليد مجتهدا يعتقد الصواب معه وقد يكونان جميعا مخطئين مغفورا لهما كما ذكرنا نظير ذلك مما كان يجري بين الصحابة ولهذا ينهى عما شجر بين هؤلاء سواء كانوا من الصحابة أو ممن بعدهم فإذا تشاجر مسلمان في قضية ومضت ولا تعلق للناس بها ولا يعرفون حقيقتها كان كلامهم فيها كلاما بلا علم ولا عدل يتضمن أذاهما بغير حق ولو عرفوا أنهما مذنبان أو مخطئان لكان ذكر ذلك |
5 | 147 | من غير مصلحة راجحة من باب الغيبة المذمومة لكن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أعظم حرمة وأجل قدرا وأنزه أعراضا وقد ثبت من فضائلهم خصوصا وعموما ما لم يثبت لغيرهم فلهذا كان كلام الذي فيه ذمهم على ما شجر بينهم أعظم إثما من الكلام في غيرهم فإن قيل فأنتم في هذا المقام تسبون الرافضة وتذمونهم وتذكرون عيوبهم قيل ذكر الأنواع المذمومة غير ذكر الأشخاص المعينة وإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن أنواع كثيرة كقوله لعن الله الخمر وشاربها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها وآكل ثمنها ولعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ولعن الله من غير منار الأرض وقال المدينة |
5 | 148 | حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وقال لعن الله من عمل عمل قوم لوط وقال لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال من ادعى إلى غير أبيه |
5 | 149 | أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وقال الله تعالى في القرآن أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا سورة الأعراف فالقرآن والسنة مملوءان من ذم الأنواع المذمومة وذم أهلها ولعنهم تحذيرا من ذلك الفعل وإخبارا بما يلحق أهله من الوعيد ثم المعاصي التي يعرف صاحبها أنه عاص يتوب منها والمبتدع الذي يظن أنه على حق كالخوارج والنواصب الذي نصبوا العداوة والحرب لجماعة المسلمين فابدعوا بدعة وكفروا من لم يوافقهم عليها فصار بذلك ضررهم على المسلمين أعظم من ضرر الظلمة الذين يعلمون أن الظلم محرم وإن كانت عقوبة أحدهم في الآخرة لأجل التأويل قد تكون أخف لكن أمر النبي صلى الله عليه وسلم |
5 | 150 | بقتالهم ونهى عن قتال الأمراء الظلمة وتواترت عنه بذلك الأحاديث الصحيحة فقال في الخوارج يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم وقال في بعضهم يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان وقال للأنصار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى نلقوني على الحوض أي تلقون من يستأثر عليكم بالمال ولا ينصفكم فأمرهم بالصبر ولم يأذن لهم في قتالهم وقال أيضا سيكون عليكم بعدي أمراء يطلبون منكم حقكم ويمنعونكم حقهم قالوا فما تأمرنا يالرسول الله قال آدوا إليهم |
5 | 151 | حقهم وسلوا الله حقكم وقال من رأى من أميره شيئا فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وقال من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية وقال خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويعلنونكم قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا وهذه الأحاديث كلها في الصحيح إلى أحاديث أمثالها فهذا أمره بقتال الخوارج وهذا نهيه عن قتال الولاة الظلمة وهذا مما يستدل به على أنه ليس كل ظالم باغ يجوز قتاله ومن أسباب ذلك أن الظالم الذي يستأثر بالمال والولايات لا يقاتل في العادة إلا لأجل الدنيا يقاتله الناس حتى يعطيهم المال والولايات وحتى لا يظلمهم فلم يكن أصل قتالهم ليكون الدين كله لله ولتكون كلمة الله هي العليا ولا كان قتالهم من جنس قتال المحاربين قطاع الطريق الذين قال فيهم من قتل دون ماله فهو |
5 | 152 | شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون حرمته فهو شهيد لأن أولئك معادون لجميع الناس وجميع الناس يعينون على قتالهم ولو قدر أنه ليس كذلك العداوة والحرب فليسوا ولاة أمر قادرين على الفعل والأخذ بل هم بالقتال يريدون أن يأخذوا أموال الناس ودماءهم فهم مبتدؤون الناس بالقتال بخلاف ولاة الأمور فإنهم لا يبتدؤون بالقتال للرعية وفرق بين من تقاتله دفعا وبين من تقاتله ابتداء ولهذا هل يجوز في حال الفتنة قتال الدفع فيه عن أحمد روايتان لتعارض الآثار والمعاني وبالجملة العادة المعروفة أن الخروج على ولاة الأمور يكون لطلب ما في أيديهم من المال والإمارة وهذا قتال على الدنيا |
5 | 153 | ولهذا قال أبو برزة الأسلمي عن فتنة ابن الزبير وفتنة القراء مع الحجاج وفتنة مروان بالشام هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء إنما يقاتلون على الدنيا وأما أهل البدع كالخوارج فهم يريدون إفساد دين الناس فقتالهم قتال على الدين والمقصود بقتالهم أن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله فلهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ونهى عن ذلك ولهذا كان قتال علي رضي الله عنه للخوارج ثابتا بالنصوص الصريحة وبإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر علماء المسلمين وأما قتال الجمل وصفين فكان قتال فتنة كرهه فضلاء الصحابة والتابعين له بإحسان وسائر العلماء كما دلت عليه النصوص حتى الذين حضروه كانوا كارهين له فكان كارهه في الأمة أكثر وأفضل من حامده وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم مالا فجاء ذو الخويصرة التميمي وهو محلوق الرأس كث اللحية ناتىء الجبين بين عينيه أثر السجود فقال يا محمد أعدل فإنك لم تعدل فقال ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل ثم قال أيأمنني من في السماء ولا تأمنوني فقال له بعض الصحابة دعني |
5 | 154 | أضرب عنقه فقال يخرج من ضئضىء هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم الحديث فهذا كلامه في هؤلاء العباد لما كانوا مبتدعين وثبت عنه في الصحيح أن رجلا كان يشرب الخمر وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما أتي به إليه جلده الحد فأتي به إليه مرة فلعنه رجل وقال ما أكثر ما يؤتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله فنهى عن لعن هذا المعين المدمن الذي يشرب الخمر وشهد له بأنه يحب الله ورسوله مع لعنة شارب الخمر عموما فعلم الفرق بين العام المطلق والخاص المعين وعلم أن أهل الذنوب الذين يعترفون بذنوبهم أخف ضررا على المسلمين من أمر أهل البدع الذين يبتدعون بدعة يستحلون بها عقوبة من يخالفهم والرافضة أشد بدعة من الخوارج وهم يكفرون من لم تكن الخوارج تكفره كأبى بكر وعمر ويكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة كذبا ما كذب أحد مثله والخوارج لا يكذبون لكن الخوارج كانوا أصدق وأشجع منهم وأوفى بالعهد منهم فكانوا أكثر قتالا منهم وهؤلاء أكذب وأجبن وأغدر وأذل |
5 | 155 | وهم يستعينون بالكفار على المسلمين فقد رأينا ورأى المسلمون أنه إذا ابتلي المسلمون بعدو كافر كانوا معه على المسلمين كما جرى لجنكزخان ملك التتر الكفار فإن الرافضة أعانته على المسلمين وأما إعانتهم لهولاكو ابن ابنه لما جاء إلى خراسان والعراق والشام فهذا أظهر وأشهر من أن يخفى على أحد فكانوا بالعراق وخراسان من أعظم أنصاره ظاهرا وباطنا وكان وزير الخليفة ببغداد الذي يقال له ابن العلقمي منهم فلم يزل يمكر بالخليفة والمسلمين ويسعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين وضعفهم وينهى العامة عن قتالهم ويكيد أنواعا من الكيد حتى دخلوا فقتلوا من المسلمين ما يقال إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان أوأكثر أو أقل ولم ير في الإسلام ملحمة مثل ملحمة الترك الكفار المسمين بالتتر وقتلوا الهاشميين وسبوا نساءهم من العباسيين وغير العباسيين فهل يكون مواليا لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم من يسلط الكفار على قتلهم وسبيهم وعلى سائر المسلمين |
5 | 156 | وهم يكذبون على الحجاج وغيره أنه قتل الأشراف ولم يقتل الحجاج هاشميا مع ظلمه وغشمه فإن عبد الملك نهاه عن ذلك وإنما قتل ناسا من أشراف العرب غير بني هاشم وقد تزوج هاشمية وهي بنت عبد الله بن جعفر فما مكنه بنو أمية من ذلك وفرقوا بينه وبينها وقالوا ليس الحجاج كفوا لشريفة هاشمية وكذلك من كان بالشام من الرافضة الذين لهم كلمة أو سلاح يعينون الكفار من المشركين ومن النصارى أهل الكتاب على المسلمين على قتلهم وسبيهم وأخذ أموالهم والخوارج ما عملت من هذا شيئا بل كانوا هم يقاتلون الناس لكن ما كانوا يسلطون الكفار من المشريك وأهل الكتاب على المسلمين |
5 | 157 | ودخل في الرافضة من الزنادقة المنافقين الإسماعيلية والنصيرية وغيرهم ممن لم يكن يجترىء أن يدخل عسكر الخوارج لأن الخوارج كانوا عبادا متورعين كما قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم الحديث فأين هؤلاء الرافضة من الخوارج والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من أهل الأهواء فالمعتزلة أعقل منهم وأعلم وأدين والكذب والفجور فيهم أقل منه في الرافضة والزيدية من الشيعة خير منهم أقرب إلى الصدق والعدل والعلم وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج ومع هذا فأهل السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم فإن الظلم حرام مطلقا كما تقدم بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض وهذا مما يعترفون هم به ويقولون أنتم تنصفوننا ما لا ينصف |
5 | 158 | بعضنا بعضا وهذا لأن الأصل الذي اشتركوا فيه أصل فاسد مبنى علي جهل وظلم وهم مشتركون في ظلم سائر المسلمين فصاروا بمنزلة قطاع الطريق المشتركين في ظلم الناس ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض والخوارج تكفر أهل الجماعة وكذلك أكثر المعتزلة يكفرون من خالفهم وكذلك أكثر الرافضة ومن لم يكفر فسق وكذلك أكثر أهل الأهواء يبتدعون رأيا ويكفرون من خالفهم فيه وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول ولا يكفرون من خالفهم فيه بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق كما وصف الله به المسلمين بقوله كنتم خير أمة أخرجت للناس آل عمران قال أبو هريرة كنتم خير الناس للناس وأهل السنة نقاوة المسلمين فهم خير الناس للناس وقد علم أنه كان بساحل الشام جبل كبير فيه ألوف من الرافضة يسفكون دماء الناس ويأخذون أموالهم وقتلوا خلقا عظيما وأخذوا أموالهم ولما أنكسر المسلمون سنة غازان أخذوا الخيل والسلاح |
5 | 159 | والأسرى وباعوهم للكفار النصارى بقبرص وأخذوا من مر بهم من الجند وكانوا أضر على المسلمين من جميع الأعداء وحمل بعض أمرائهم راية النصارى وقالوا له أيما خير المسلمون أو النصارى فقال بل النصارى فقالوا له مع من تحشر يوم القيامة فقال مع النصارى وسلموا إليهم بعض بلاد المسلمين |
5 | 160 | ومع هذا فلما استشار بعض ولاة الأمر في غزوهم وكتبت جوابا مبسوطا في غزوهم وذهبنا إلى ناحيتهم وحضر عندي جماعة منهم وجرت بيني وبينهم مناضرات ومفاوضات يطول وصفها فلما فتح المسلمون بلدهم وتمكن المسلمون منهم نهيتهم عن قتلهم وعن سبيهم وأنزلناهم في بلاد المسلمين متفرقين لئلا يجتمعوا فما أذكره في هذا الكتاب من ذم الرافضة وبيان كذبهم وجهلهم قليل من كثير مما أعرفه منهم ولهم شر كثير لا أعرف تفصيله ومصنف هذا الكتاب وأمثاله من الرافضة إنما نقابلهم ببعض ما فعلوه بأمة محمد صلى الله عليه وسلم سلفها وخلفها فإنهم عمدوا إلى خيار أهل الأرض من الأولين والآخرين بعد النبيين والمرسلين وإلى خيار أمة أخرجت للناس فجعلوهم شرار الناس وافتروا عليهم العظائم وجعلوا حسناتهم سيئات وجاؤوا إلى شر من انتسب إلى الإسلام من أهل الأهواء وهم الرافضة بأصنافها غاليها وإماميها وزيديها والله يعلم وكفى بالله عليما ليس في جميع الطوائف المنتسبة إلى الإسلام مع بدعة وضلالة شر منهم لا أجهل ولا أكذب ولا أظلم ولا أقرب إلى الكفر والفسوق والعصيان وأبعد عن حقائق |
5 | 161 | الإيمان منهم فزعموا أن هؤلاء هم صفوة الله من عباده فإن ما سوى أمة محمد كفار وهؤلاء كفروا الأمة كلها أو ضللوها سوى طائفتهم التي يزعمون أنها الطائفة المحقة وأنها لا تجتمع على ضلالة فجعلوهم صفوة بني آدم فكان مثلهم كمن جاء إلى غنم كثيرة فقيل له أعطنا خير هذه الغنم لنضحي بها فعمد إلى شر تلك الغنم إلى شاة عوراء عجفاء عرجاء مهزولة لا نقى لها فقال هذه خيار هذه الغنم لا تجوز الأضحية إلا بها وسائر هذه الغنم ليست غنما وإنما هي خنازير يجب قتلها ولا تجوز الأضحية بها وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من حمى مؤمنا من منافق حمى الله لحمه من نار جهنم يوم القيامة وهؤلاء الرافضة إما منافق وإما جاهل فلا يكون رافضي ولا جهمي إلا منافقا أو جاهلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون فيهم أحد عالما بما جاء به الرسول مع الإيمان به فإن مخالفتهم لما جاء |
5 | 162 | به الرسول وكذبهم عليه لا يخفى قط إلا على مفرط في الجهل والهوى وشيوخهم المصنفون فيهم طوائف يعلمون أن كثيرا مما يقولونه كذب ولكن يصنفون لهم لرياستهم عليهم وهذا المصنف يتهمه الناس بهذا ولكن صنف لأجل أتباعه فإن كان أحدهم يعلم أن ما يقوله باطل ويظهره ويقول إنه حق من عند الله فهو من جنس علماء اليهود الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون وإن كان يعتقد أنه حق دل ذلك على نهاية جهله وضلاله فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وأن كنت تدري فالمصيبة أعظم وهم في دينهم لهم عقليات وشرعيات فالعقليات متأخروهم فيها أتباع المعتزلة إلا من تفلسف منهم فيكون إما فيلسوفا وإما ممتزجا من فلسفة واعتزال ويضم إلى ذلك الرفض مثل مصنف هذا الكتاب وأمثاله فيصيرون بذلك من أبعد الناس عن الله ورسوله وعن دين المسلمين المحض وأما شرعياتهم فعمدتهم فيها على ما ينقل عن بعض أهل البيت مثل أبي جعفر الباقر وجعفر بن محمد الصادق وغيرهما |
5 | 163 | ولا ريب أن هؤلاء من سادات المسلمين وأئمة الدين ولأقوالهم من الحرمة والقدر ما يستحقه أمثالهم لكن كثير مما ينقل عنهم كذب والرافضة لا خبرة لها بالأسانيد والتمييز بين الثقات وغيرهم بل هم في ذلك من أشباه أهل الكتاب كل ما يجدونه في الكتب منقولا عن أسلافهم قبلوه بخلاف أهل السنة فإن لهم من الخبرة بالأسانيد ما يميزون به بين الصدق والكذب وإذا صح النقل عن علي بن الحسين فله أسوة نظرائه كالقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وغيرهما كما كان علي ابن أبي طالب مع سائر الصحابة وقد قال تعالى فإن تنازعتم في شيء فروده إلى الله والرسول سورة النساء فأمر برد ما تنازع فيه المسلمون إلى الله والرسول والرافضة لا تعتني بحفظ القرآن ومعرفة معانية وتفسيره وطلب الأدلة الدالة على معانيه ولا تعتنى أيضا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة صحيحه من سقيمه والبحث عن معانيه ولا تعتنى بآثار الصحابة والتابعين حتى تعرف مآخذهم ومسالكهم ويرد ما |
5 | 164 | تنازعوا فيه إلى الله ورسول بل عمدتها آثار تنقل عن بعض أهل البيت فيها صدق وكذب وقد أصلت لها ثلاثة أصول أحدها أن كل واحد من هؤلاء إمام معصوم بمنزلة النبي لا يقول إلا حقا ولا يجوز لأحد أن يخالفه ولا يرد ما ينازعه فيه غيره إلى الله والرسول فيقولون عنه ما كان هو وأهل بيته يتبرون منه والثاني أن كل ما يقوله واحد من هؤلاء فإنه قد علم منه أنه قال أنا أنقل كل ما أقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم ويا ليتهم قنعوا بمراسيل التابعين كعلي بن الحسين بل يأتون إلى من تأخر زمانه كالعسكريين فيقولون كل ما قاله واحد من أولئك فالنبي قد قاله وكل من له عقل يعلم أن العسكريين بمنزلة أمثالهما ممن كان في زمانهما من الهاشميين ليس عندهم من العلم ما يمتازون به عن غيرهم ويحتاج إليهم فيه أهل العلم ولا كان أهل العلم يأخذون عنهم كما يأخذون عن علماء زمانهم وكما كان أهل العلم في زمن علي بن الحسين وابنه أبي جعفر وابن ابنه جعفر بن محمد فإن هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم قد أخذ أهل العلم عنهم كما كانوا يأخذون |
5 | 165 | عن أمثالهم بخلاف العسكريين ونحوهما فإنه لم يأخذ أهل العلم المعروفون بالعلم عنهم شيئا فيريدون أن يجعلوا ما قاله الواحد من هؤلاء هو قول الرسول الذي بعثه الله إلى جميع العالمين بمنزلة القرآن والمتواتر من السنن وهذا مما لا يبني عليه دينه إلا من كان من أبعد الناس عن طريقة أهل العلم والإيمان وأصلوا أصلا ثالثا وهو أن إجماع الرافضة هو إجماع العترة وإجماع العترة معصوم والمقدمة الأولى كاذبة بيقين والثانية فيها نزاع فصارت الأقوال التي فيها صدق وكذب على أولئك بمنزلة القرآن لهم وبمنزلة السنة المسموعة من الرسول وبمنزلة إجماع الأمة وحدها وكل عاقل يعرف دين الإسلام وتصور هذا فإنه يمجه أعظم مما يمج الملح الأجاج والعلقم لا سيما من كان له خبرة بطرق أهل العلم لا سيما مذاهب أهل الحديث وما عندهم من الروايات الصادقة التي لا ريب فيها عن المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى فإن هؤلاء جعلوا الرسول الذي بعثه الله إلى الخلق هو إمامهم المعصوم عنه يأخذون دينهم فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه وكل قول يخالف قوله فهو مردود عند هم وإن كان الذي قاله من خيار المسلمين وأعلمهم وهو مأجور فيه على اجتهاده لكنهم لا يعارضون قول الله وقول رسوله بشيء أصلا لا نقل نقل عن غيره ولا رأي رآه غيره ومن سواه من أهل العلم فإنما هم وسائط في التبليغ عنه إما للفظ حديثه وإما لمعناه فقوم بلغوا ما سمعوا منه من قرآن وحديث وقوم |
5 | 166 | تفقهوا في ذلك عرفوا معناه وما تنازعوا فيه ردوه إلى الله والرسول فلهذا لم يجتمع قط أهل الحديث على خلاف قوله في كلمة واحدة والحق لا يخرج عنهم قط وكل ما اجتمعوا عليه فهو مما جاء به الرسول وكل من خالفهم من خارجي ورافضي ومعتزلي وجهمي وغيرهم من أهل البدع فإنما يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بل من خالف مذاهبهم في الشرائع العملية كان مخالفا للسنة الثابتة وكل من هؤلاء يوافقهم فيما خالف فيه الآخر فأهل الأهواء معهم بمنزلة أهل الملل مع المسلمين فإن أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل كما قد بسط في موضعه فإن قيل فإذا كان الحق لايخرج عن أهل الحديث فلم لم يذكر في أصول الفقه أن إجماعهم حجة وذكر الخلاف في ذلك كما تكلم على إجماع أهل المدينة وإجماع العترة قيل لأن أهل الحديث لا يتفقون إلا على ما جاء عن الله ورسوله وما هو منقول عن الصحابة فيكون الاستدلال بالكتاب والسنة وبإجماع الصحابة مغنيا عن دعوى إجماع ينازع في كونه حجة بعض الناس وهذا بخلاف من يدعي إجماع المتأخرين من أهل المدينة إجماعا فإنهم يذكرون ذلك في مسائل لا نص فيها بل النص على خلافها وكذلك المدعون إجماع العترة يدعون ذلك في مسائل لا نص معهم |
5 | 167 | فيها بل النص على خلافها فاحتاج هؤلاء إلى دعوى ما يدعونه من الإجماع الذي يزعمون أنه حجة وأما أهل الحديث فالنصوص الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي عمد تهم وعليها يجمعون إذا أجمعوا لا سيما وأئمتهم يقولون لا يكون قط إجماع صحيح على خلاف نص إلا ومع الإجماع نص ظاهر معلوم يعرف أنه معارض لذلك النص الآخر فإذا كانوا لا يسوغون أن تعارض النصوص بما يدعى من إجماع الأمة لبطلان تعارض النص والإجماع عندهم فكيف إذا عورضت النصوص بما يدعى من إجماع العترة أو أهل المدينة وكل من سوى أهل السنة والحديث من الفرق فلا ينفرد عن أئمة الحديث بقول صحيح بل لا بد أن يكون معه من دين الإسلام ما هو حق وبسب ذلك وقعت الشبهة وإلا فالباطل المحض لا يشتبه على أحد ولهذا سمي أهل البدع أهل الشبهات وقيل فيهم إنهم يلبسون الحق بالباطل وهكذا أهل الكتاب معهم حق وباطل ولهذا قال تعالى لهم ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون سورة البقرة وقال أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض سورة البقرة وقال عنهم ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا سورة النساء وقال عنهم وإذا قيل لهم آمنوا |
5 | 168 | بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم سورة البقرة وذلك لأنهم ابتدعوا بدعا خلطوها بما جاءت به الرسل وفرقوا دينهم وكانوا شيعا فصار في كل فريق منهم حق وباطل وهم يكذبون بالحق الذي مع الفريق الآخر ويصدقون بالباطل الذي معهم وهذا حال أهل البدع كلهم فإن معهم حقا وباطلا فهم فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل فريق يكذب بما مع الآخر من الحق ويصدق بما معه من الباطل كالخوارج والشيعة فهؤلاء يكذبون بما ثبت من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويصدقون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويصدقون بما ابتدعوه من تكفيره وتكفير من يتولاه ويحبه وهؤلاء يصدقون بما روي في فضائل علي بن أبي طالب ويكذبون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر ويصدقون بما ابتدعوه من التكفير والطعن في أبي بكر وعمر وعثمان ودين الإسلام وسط بين الأطراف المتجاذبة فالمسلمون وسط في التوحيد بين اليهود والنصارى فاليهود تصف الرب بصفات لنقص التي يختص بها المخلوق ويندبهون الخالق بالمخلوق كما قالوا إنه بخيل وإنه فقير وإنه لما خلق السموات والأرض تعب وهو سبحانه |
5 | 169 | الجواد الذي لا يبخل والغني الذي لا يحتاج إلى غيره والقادر الذي لا يمسه لغوب والقدرة والإرادة والغنى عما سواه هي صفات الكمال التي تستلزم سائرها والنصارى يصفون المخلوق بصفات الخالق التي يختص بها ويشبهون المخلوق بالخالق حيث قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وإن الله ثالث ثلاثة وقالوا المسيح ابن الله واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون فالمسلمون وحدوا الله ووصفوه بصفات الكمال ونزهوه عن جميع صفات النقص ونزهوه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات فهو موصوف بصفات الكمال لا بصفات النقص وليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وكذلك في النبوات فاليهود تقتل بعض الأنبياء وتستكبر عن أتباعهم وتكذبهم وتتهمهم بالكبائر والنصارى يجعلون من ليس بنبي ولا رسول نبيا ورسولا كما يقولون في الحواريين إنهم رسل بل يطيعون أحبارهم ورهبانهم كما تطاع الأنبياء فالنصارى تصدق بالباطل واليهود تكذب بالحق ولهذا كان في مبتدعة أهل الكلام شبه من اليهود وفي مبتدعة أهل |
5 | 170 | التعبد شبه من النصارى فآخر أولئك الشك والريب وآخر هؤلاء الشطح والدعاوي الكاذبة لأن أولئك كذبوا بالحق فصاروا إلى الشك وهؤلاء صدقوا بالباطل فصاروا إلى الشطح فأولئك كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض وهؤلاء كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فمبتدعة أهل العلم والكلام طلبوا العلم بما ابتدعوه ولم يتبعوا العلم المشروع ويعملوا به فانتهوا إلى الشك المنافي للعلم بعد أن كان لهم علم بالمشروع لكن زاغوا فأزاغ الله قلوبهم وكانوا مغضوبا عليهم ومبتدعة العباد طلبوا القرب من الله بما ابتدعوه في العبادة فلم يحصل لهم إلا البعد منه فإنه ما ازداد مبتدع اجتهادا إلا ازداد من الله تعالى بعدا والبعد عن رحمته هو اللعنة وهو غاية النصارى وأما الشرائع فاليهود منعوا الخالق أن يبعث رسولا بغير شريعة الرسول الأول وقالوا لا يجوز أن ينسخ ما شرعه والنصارى جوزوا لأحبارهم أن يغيروا من الشرائع ما أرسل الله بهم رسوله فأولئك عجزوا الخالق ومنعوه ما |
5 | 171 | تقتضيه قدرته وحكمته في النبوات والشرائع وهؤلاء جوزوا للمخلوق أن يغير ما شرعه الخالق فضاهوا المخلوق بالخالق وكذلك في العبادات فالنصارى يعبدونه ببدع ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان واليهود معرضون عن العبادات حتى في يوم السبت الذي أمرهم الله أن يتفرغوا فيه لعبادته إنما يشتغلون فيه بالشهوات فالنصارى مشركون به واليهود مستكبرون عن عبادته والمسلمون عبدوا الله وحده بما شرع ولم يعبدوه بالبدع وهذا هو دين الإسلام الذي بعث الله به جميع النبيين وهو أن يستسلم العبد لله لا لغيره وهو الحنيفية دين إبراهيم فمن استسلم له ولغيره كان مشركا ومن لم يستسلم له فهو مستكبر وقد قال تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء سورة النساء وقال إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين سورة غافر وكذلك في أمر الحلال والحرام في الطعام واللباس وما يدخل في ذلك من النجاسات فالنصارى لا تحرم ما حرمه الله ورسوله ويستحلون الخبائث المحرمه كالميتة والدم ولحم الخنزير حتى أنهم يتعبدون بالنجاسات كالبول والغائط ولا يغتسلون من جنابة ولا يتطهرون للصلاة وكلما كان الراهب عندهم أبعد عن الطهارة وأكثر ملابسة للنجاسة كان معظما عندهم |
5 | 172 | واليهود حرمت عليهم طيبات أحلت لهم فهم يحرمون من الطيبات ما هو منفعة للعباد ويجتنبون الأمور الطاهرات مع النجاسات فالمرأة الحائض لا يأكلون معها ولا يجالسونها فهم في آصار وأغلال عذبوا بها فأولئك يتناولون الخبائث المضرة مع أن الرهبان يحرمون على أنفسهم طيبات أحلت لهم فيحرمون الطيبات ويباشرون النجاسات وهؤلاء يحرمون الطيبات النافعة مع أنهم من أخبث الناس قلوبا وأفسدهم بواطن وطهارة الظاهر إنما يقصد بها طهارة القلب فهم يطهرون ظواهرهم وينجسون قلوبهم وكذلك أهل السنة في الإسلام متوسطون في جميع الأمور فهم في علي وسط بين الخوارج والروافض وكذلك في عثمان وسط بين المرواينة وبين الزيدية وكذلك في سائر الصحابة وسط بين الغلاة فيهم والطاعنين عليهم وهم في الوعيد وسط بين الخوارج والمعتزلة وبين المرجئة وهم في القدر وسط بين القدرية من المعتزلة ونحوهم وبين القدرية المجبرة من الجهمية ونحوهم وهم في الصفات وسط بين المعطلة وبين الممثلة والمقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين آثار |
5 | 173 | رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينفردون عن سائر طوائف الأمة إلا بقول فاسد لا ينفردون قط بقول صحيح وكل من كان عن السنة أبعد كان انفراده بالأقوال والأفعال الباطلة أكثر وليس في الطوائف المنتسبين إلى السنة أبعد عن آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرافضة فلهذا تجد فيما انفردوا به عن الجماعة أقوالا في غاية الفساد مثل تأخيرهم صلاة المغرب حتى يطلع الكوكب مضاهاة لليهود وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بتعجيل المغرب ومثل صومهم قبل الناس بيومين وفطرهم قبل الناس بيومين مضاهاة لمبتدعة أهل الكتاب الذين عدلوا عن الصوم بالهلال إلى الإجتماع وجعلوا الصوم بالحساب وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنا أمة أمية لا تحسب ولا تكتب إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له وفي رواية فأكملوا العدة |
5 | 174 | ومثل تحريمهم بعض أنواع السمك مضاهاة لليهود في تحريم الطيبات ومثل معاونة الكفار على قتال المسلمين وترغيب الكفار في قتال المسلمين وهذا لا يعرف لأحد من فرق الأمة ومثل تنجيس المائعات التي يباشرها أهل السنة وهذا من جنس دين السامرة وهم رافضة اليهود هم في اليهود كالرافضة في المسلمين والرافضة تشابههم من وجوه كثيرة فإن السامرة لا تؤمن بنبي بعد موسى وهارون غير يوشع وكذلك الرافضة لا تقر لأحد من الخلفاء والصحابة بفضل ولا إمامة إلا لعلي والسامرة تنجس وتحرم ما باشره غيرهم من المائعات وكذلك الرافضة والسامرة لا يأكلون إلا ذبائح أنفسهم وكذلك الرافضة فإنهم يحرمون ذبائح أهل الكتاب ويحرم أكثرهم ذبائح الجمهور لأنهم مرتدون عندهم وذبيحة المرتد لا تباح والسامرة فيهم كبر ورعونة وحمق ودعاو كاذبة مع القلة والذلة وكذلك الرافضة |
5 | 175 | والرافضة تجعل الصلوات الخمس ثلاث صلوات فيصلون دائما الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا وهذا لم يذهب إليه غيرهم من فرق الأمة وهو يشبه دين اليهود فإن الصلوات عندهم ثلاث وغلاة العباد يوجبون على أصحابهم صلاة الضحى والوتر وقيام الليل فتصير الصلاة عندهم سبعا وهو دين النصارى والرافضة لا تصلي جمعة ولا جماعة لا خلف أصحابهم ولا غير أصحابهم ولا يصلون إلا خلف المعصوم ولا معصوم عندهم وهذا لا يوجد في سائر الفرق أكثر مما يوجد في الرافضة فسائر أهل البدع سواهم لا يصلون الجمعة والجماعة إلا خلف أصحابهم كما هو دين الخوارج والمعتزلة وغيرهم وأما أنهم لا يصلون ذلك بحال فهذا ليس إلا للرافضة ومن ذلك أنهم لا يؤمنون في الصلاة هم أو بعضهم وهذا ليس لأحد من فرق الأمة بل هو دين اليهود فإن اليهود حسدوا المؤمنين على التأمين وقد حكى طائفة عن بعضهم أنه يحرم لحم الإبل وكان ذلك لركوب عائشة على الجمل وهذا من أظهر الكفر وهو من جنس دين اليهود |
5 | 176 | وكثير من عوامهم يقول إن الطلاق لا يكون إلا برضا المرأة وعلماؤهم ينكرون هذا وهذا لم يقله أحد غيرهم وهم يقولون بإمام منتظر موجود غائب لا يعرف له عين ولا أثر ولا يعلم بحس ولا خبر لا يتم الإيمان إلا به ويقولون أصول الدين أربعة التوحيد والعدل والنبوة والإمامة وهذا منتهى الإمام عندهم الإيمان بأنه معصوم غائب عن الأبصار كائن في الأمصار سيخرج الدينار من قعر البحار يطبع الحصى ويورق العصا دخل سرداب سامرا سنة ستين ومائتين وله من العمر إما سنتان وإما ثلاث وإما خمس أو نحو ذلك فإنهم مختلفون في قدر عمره ثم إلى الآن لم يعرف له خبر ودين الخلق مسلم إليه فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه ولم ينتفع به أحد من عباد الله وكذلك كراهتهم لأسماء نظير أسماء من يبغضونه ومحبتهم لأسماء نظير أسماء من يحبونه من غير نظر إلى المسمى وكراهتهم لأن يتكلم أو يعمل بشيء عدده عشرة لكراهتهم نفرا عشرة واشتفاؤهم ممن |
5 | 177 | يبغضونه كعمر وعائشة وغيرهما بأن يقدروا جمادا كالحيس أو حيوانا كالشاة الحمراء أنه هو الذي يعادونه ويعذبون تلك الشاة تشفيا من العدو من الجهل البليغ الذي لم يعرف عن غيرهم وكذلك إقامة المآتم والنوائح ولطم الخدود وشق الجيوب وفرش الرماد وتعليق المسوح وأكل المالح حتى يعطش ولا يشرب ماء تشبها بمن ظلم وقتل وإقامة مأتم بعد خمسمائة أو ستمائة سنة من قتله لا يعرف لغيرهم من طوائف الأمة ومفاريد الرافضة التي تدل على غاية الجهل والضلال كثيرة لم نقصد ذكرها هنا لكن المقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين لآثار النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفردون عن سائر الطوائف بحق والرافضة أبلغ في ذلك من غيرهم وأما الخوارج والمعتزلة والجهمية فإنهم أيضا لم ينفردوا عن أهل السنة والجماعة بحق بل كل ما معهم من الحق ففي أهل السنة من يقول به لكن لم يبلغ هؤلاء من قلة العقل وكثرة الجهل ما بلغت الرافضة |
5 | 178 | وكذلك الطوائف المنتسبون إلى السنة من أهل الكلام والرأي مثل الكلابية والأشعرية والكرامية والسالمية ومثل طوائف الفقه من الحنفية والمالكية والسفيانية والأوزاعية والشافعية والحنبلية والداوودية وغيرهم مع تعظيم الأقوال المشهورة عن أهل السنة والجماعة لا يوجد لطائفة منهم قول انفردوا به عن سائر الأمة وهو صواب بل ما مع كل طائفة منهم من الصواب يوجد عند غيرهم من الطوائف وقد ينفردون بخطأ لا يوجد عند غيرهم لكن قد تنفرد طائفة بالصواب عمن يناظرها من الطوائف كأهل المذاهب الأربعة قد يوجد لكل واحد منهم أقوال انفرد بها وكان الصواب الموافق للسنة معه دون الثلاثة لكن يكون قوله قد قاله غيره من الصحابة والتابعين وسائر علماء الأمة بخلاف ما انفردوا به ولم ينقل عن غيرهم فهذا لا يكون إلا خطأ وكذلك أهل الظاهر كل قول انفردوا به عن سائر الأمة فهو خطأ وأما ما انفردوا به عن الأربعة وهو صواب فقد قاله غيرهم من السلف وأما الصواب الذي ينفرد به كل طائفة من الثلاثة فكثير لكن الغالب أنه يوافقه عليه بعض أتباع الثلاثة وذلك كقول أبي حنيفة بأن المحرم يجوز له أن يلبس الخف المقطوع وما أشبهه كالجمجم والمداس وهو وجه في مذهب أحمد وغيره وقوله بأن الجد يسقط الإخوة وقد وافقه عليه بعض أصحاب الشافعي وأحمد كقوله بأن طهارة المسح |
5 | 179 | يشترط لها دوام الطهارة دون ابتدائها وقوله إن النجاسة تزول بكل ما يزيلها وهذا أحد الأقوال الثلاثة في مذهب أحمد ومذهب مالك وكذلك قوله بأنها تطهر بالاستحالة ومثل قول مالك بأن الخمس مصرفة مصرف الفيء وهو قول في مذهب أحمد فإنه عنه روايتان في خمس الركاز هل يصرف مصرف الفيء أو مصرف الزكاة وإذا صرف مصرف الفيء فإنما هو تابع لخمس الغنيمة ومثل قوله بجواز أخذ الجزية من كل كافر جازت معاهدته لا فرق بين العرب والعجم ولا بين أهل الكتاب وغيرهم فلا يعتبر قط أمر النسب بل الدين في الذمة والإسترقاق وحل الذبائح والمناكح وهذا أصح الأقوال في هذا الباب وهو أحد القولين في مذهب أحمد فإنه لا يخالفه إلا في أخذ الجزية من مشركي العرب ولم يبق من مشركي العرب أحد بعد نزول آية الجزية بل كان جميع مشركي العرب قد أسلموا ومثل قول مالك إن أهل مكة يقصرون الصلاة بمنى وعرفة وهو قول في مذهب أحمد وغيره ومثل مذهبه في الحكم بالدلائل والشواهد وفي إقامة الحدود |
5 | 180 | ورعاية مقاصد الشريعة وهذا من محاسن مذهبه ومذهب أحمد قريب من مذهبه في أكثر ذلك ومثل قول الشافعي بأن الصبي إذا صلى في أول الوقت ثم بلغ لم يعد الصلاة وكثير من الناس يعيب هذا على الشافعي وغلطوا في ذلك بل الصواب قوله كما بسط في موضعه وهو وجه في مذهب أحمد وقوله بفعل ذوات الأسباب في وقت النهي وهو إحدى الروايتين عن أحمد وكذلك قوله بطهارة المني كقول أحمد في أظهر الروايتين ومثل قول أحمد في نكاح البغي لا يجوز حتى تتوب وقوله بأن الصيد إذا جرح ثم غاب أنه يؤكل ما لم يوجد فيه أثر آخر وهو قول في مذهب الشافعي وقوله بأن صوم النذر يصام عن الميت بل وكل المنذورات تفعل عن الميت ورمضان يطعم عنه وبعض الناس يضعف هذا القول وهو قول الصحابة ابن عباس وغيره ولم يفهموا غوره وقوله إن المحرم إذا لم يجد النعلين والإزار لبس الخفين والسراويل بلا قطع ولا فتق فإن هذا كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم |
5 | 181 | وقوله بأن مرور المرأة والكلب الأسود والحمار يقطع الصلاة وقوله بأن الجدة ترث وابنها حي وقوله بصحة المساقاة والمزارعة وما أشبه ذلك وإن كان البذر من العامل على إحدى الروايتين عنه وكذلك طائفة من أصحاب الشافعي وقوله في إحدى الروايتين إن طلاق السكران لا يقع وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة والشافعي وقوله بأن الوقف إذا تعطل نفعه بيع واشتري به ما يقوم مقامه وفي مذهب أبي حنيفة ما هو أقرب إلى قول أحمد من غيره وكذلك في مذهب مالك وكذلك قوله في إبدال الوقف كإبدال مسجد بغيره ويجعل الأول غير مسجد كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي مذهب أبي حنيفة ومالك جواز الإبدال للحاجة في مواضع وقوله بقبول شهادة العبد وقوله بأن صلاة المنفرد خلف الصف يجب عليه فيها الإعادة وقوله إن فسخ الحج إلى العمرة جائز مشروع بل هو أفضل وقوله بأن القارن إذا ساق الهدي فقرانه أفضل من التمتع والإفراد كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومثل قوله إن صلاة الجماعة فرض على الأعيان |
5 | 182 | وبالجملة فما اختص به كل إمام من المحاسن والفضائل كثير ليس هذا موضع استقصائه فإن المقصود أن الحق دائما مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره الصحيحة وإن كان كل طائفة تضاف إلى غيره إذا انفردت بقول عن سائر الأمة لم يكن القول الذي انفردوا به إلا خطأ بخلاف المضافين إليه أهل السنة والحديث فإن الصواب معهم دائما ومن وافقهم كان الصواب معه دائما لموافقته إياهم ومن خالفهم فإن الصواب معهم دونه في جميع أمور الدين فإن الحق مع الرسول فمن كان أعلم بسنته وأتبع لها كان الصواب معه وهؤلاء هم الذين لا ينتصرون إلا لقوله ولا يضافون إلا إليه وهم أعلم الناس بسنته وأتبع لها وأكثر سلف الأمة كذلك لكن التفرق والاختلاف كثير في المتأخرين والذين رفع الله قدرهم في الأمة هو بما أحيوه من سنته ونصرته وهكذا سائر طوائف الأمة بل سائر طوائف الخلق كل حير معهم فيما جاءت به الرسل عن الله وما كان معهم من خطأ أو ذنب فليس من جهة الرسل ولهذا كان الصحابة إذا تكلموا في مسألة باجتهادهم قال أحدهم أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه كما قال أبو بكر رضي الله عنه في الكلالة وكما قال ابن مسعود في المفوضة إذا مات عنها زوجها وكلاهما أصاب فيما قاله برأيه لكن قال الحق فإن القول إذا كان |
5 | 183 | صوابا فهو مما جاء به الرسول عن الله فهو من الله وإن كان خطأ فالله لم يبعث الرسول بخطأ فهو من نفسه ومن الشيطان لا من الله ورسوله والمقصود بالإضافة إليه الإضافة إليه من جهة إلاهيته من جهة الأمر والشرع وال وأنه يحبه ويرضاه ويثيب فاعله عليه وأما من جهة الخلق فكل الأشياء منه والناس لم يسألوا الصحابة عما من الله خلقا وتقديرا فقد علموا أن كل ما وقع فمنه والعرب كانت في جاهليتها تقر بالقضاء والقدر قال ابن قتيبة وغيره ما زالت العرب في جاهليتها وإسلامها مقر بالقدر وقد قال عنترة يا عبل أين من المنية مهرب إن كان ربي في السماء قضاها وإنما كان سؤال الناس عما من الله من جهة أمره ودينه وشرعه الذي يرضاه ويحبه ويثيب أهله وقد علم الصحابة أن ما خالف الشرع والدين فإنه يكون من النفس والشيطان وإن كان بقضاء الله وقدره وإن كان يعفى عن صاحبه كما يعفى عن النسيان والخطأ ونسيان الخير يكون من الشيطان كما قال تعالى وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين سورة الأنعام وقال فتى موسى صلى الله عليه وسلم وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره سورة الكهف وقال فأنساه الشيطان ذكر ربه سورة يوسف |
5 | 184 | ولما نام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الوادي عن الصلاة قال هذا واد حضرنا فيه الشيطان وقال إن الشيطان أتى بلالا فجعل يهديه كما يهدي الصبي حتى نام فإنه كان وكل بلالا أن يكلأ لهم الصبح مع قوله ليس في النوم تفريط وقال إن الله قبض |
5 | 185 | أرواحنا وقال له بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك وقال من نام عن صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ومع قوله تعالى عن المؤمنين ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا سورة البقرة قال تعالى قد فعلت وكذلك الخطأ في الإجتهاد من النفس والشيطان وإن كان مغفورا لصاحبه وكذلك الإحتلام في المنام من الشيطان وفي الصحيحين عنه أنه قال الرؤيا ثلاثة رؤيا من الله ورؤيا من الشيطان ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه في اليقظة فيراه في المنام فالنائم يرى في منامه ما يكون من الشيطان وهو كما قال صلى الله عليه وسلم رفع |
5 | 186 | القلم عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يحتلم وأعذرهم النائم ولهذا لم يكن لشىء من أقواله التي تسمع منه في المنام حكم باتفاق العلماء فلو طلق أو أعتق أو تبرع أو غير ذلك في منامه كان لغوا بخلاف الصبي المميز فإن أقواله قد تعتبر إما بإذن الولي وإما بغير إذنه في مواضع بالنص وفي مواضع بالإجماع وكذلك الوسواس في النفس يكون من الشيطان تارة ومن النفس تارة قال تعالى ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه سورة ق وقال فوسوس إليه الشيطان سورة طه وقال فوسوس لهما الشيطان فأخرجهما مما كانا فيه سورة الأعراف والوسوسة من جنس الوشوشة بالشين المعجمة ومنه وسوسة الحلى وهو الكلام الخفي والصوت الخفي |
5 | 187 | وقد قال تعالى قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس سورة الناس وقد قيل إن المعنى من الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة ومن الناس وأنه جعل الناس أولا تتناول الجنة والناس فسماهم ناسا كما سماهم رجالا قاله الفراء وقيل المعنى من شر الموسوس في صدور الناس من الجن ومن شر الناس مطلقا قاله الزجاج ومن المفسرين كأبي الفرج بن الجوزى من لم يذكر غيرهما وكلاهما ضعيف والصحيح أن المراد القول الثالث وهو أن الإستعاذة من شر الموسوس من الجنة ومن الناس في صدور الناس فأمر بالإستعاذة من شر شياطين الإنس والجن كما قال تعالى وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون سورة الأنعام وفي حديث أبي ذر الطويل الذي رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه |
5 | 188 | بطوله قال يا أبا ذر تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن فقال يا رسول الله أو للإنس شياطين قال نعم شر من شياطين الجن وقد قال تعالى وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون سورة البقرة والمنقول عن عامة المفسرين أن المراد شياطين الإنس وما علمت أحدا قال إنهم شياطين الجن فعن ابن مسعود وابن عباس والحسن والسدي أنهم رؤوسهم في الكفر وعن أبي العالية ومجاهد إخوانهم من المشركين وعن الضحاك وابن السائب كهنتهم والآية تتناول هذا كله وغيره ولفظها يدل على أن المراد شياطين الإنس لأنه قال وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم سورة البقرة ومعلوم أن شيطان الجن معهم لما لقوا الذين آمنوا لا يحتاج أن يخلوا به وشيطان الجن هو |
5 | 189 | الذي أمرهم بالنفاق ولم يكن ظاهرا حتى يخلوا معهم ويقول إنا معكم لا سيما إذا كانوا يظنون أنهم على حق كما قال تعالى وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون سورة البقرة ولو علموا أن الذي يأمرهم بذلك شيطان لم يرضوه وقد قال الخليل بن أحمد كل متمرد عند العرب شيطان وفي اشتقاقه قولان أصحهما أنه من شطن يشطن إذا بعد عن الخير والنون أصلية قال أمية بن أبي الصلت في صفة سليمان عليه السلام أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلال عكاه أوثقه وقال النابغة نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهين ولهذا قرنت به اللعنة فإن اللعنة هي البعد من الخير والشيطان بعيد من الخير فيكون وزنه فيعالا وفيعال نظير فعال وهو من صفات المبالغة مثل القيام والقوام فالقيام فيعال والقوام فعال ومثل العياذ والعواذ وفي قراءة عمر الحي القيام |
5 | 190 | فالشيطان المتصف بصفة ثابتة قوية في كثرة البعد عن الخير بخلاف من بعد عنه مرة وقرب منه أخرى فإنه لا يكون شيطانا ومما يدل على ذلك قولهم تشيطن يتشيطن شيطنة ولو كان من شاط يشيط لقيل تشيط يتشيط والذي قال هو من شاط يشيط إذا احترق والتهب جعل النون زائدة وقال وزنه فعلان كما قال الشاعر وقد يشيط على أرماحنا البطل وهذا يصح في الإشتقاق الأكبر الذي يعتبر فيه الإتفاق في جنس الحروف كما يروى عن أبي جعفر أنه قال العامة مشتق من العمى ما رضى الله أن يشبههم بالأنعام حتى قال بل هم أضل سبيلا وهذا كما يقال السرية مأخوذة من السر وهو النكاح ولو جرت على القياس لقيل سريرة فإنها على وزن فعيلة ولكن العرب تعاقب بين الحرف المضاعف والمعتل كما يقولون تقضي البازي وتقضض قال الشاعر تقضى البازى إذا البازى كسر ومنه قوله تعالى فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه سورة البقرة وهذه الهاء تحتمل أن تكون أصلية فجزمت بلم ويكون من سانهت وتحتمل أن تكون هاء السكت كالهاء من كتابيه |
5 | 191 | وحسابيه واقتده وماليه وسلطانيه وأكثر القراء يثبتون الهاء وصلا ووقفا وحمزة والكسائي يحذفانها من الوصل هنا ومن اقتده فعلى قراءتهما يجب أن تكون هاء السكت فإن الأصلية لا تحذف فتكون لفظة لم يتسن كما تقول لم يتغن وتكون مأخوذة من قولهم تسنى يتسنى وعلى الإحتمال الآخر تكون من تسنه يتسنه والمعنى واحد قال ابن قتيبة أى لم يتغير بمر السنين عليه قال واللفظ مأخوذ من السنه يقال سانهت النخلة إذا حملت عاما وحالت عاما فذكر ابن قتيبة لغة من جعل الهاء أصلية وفيها لغتان يقال عاملته مسانهة ومساناة ومن الشواهد لما ذكره ابن قتيبه قول الشاعر فليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح يمدح النخلة والمقصود مدح صاحبها بالجود فقال إنه يعريها لمن يأكل ثمرها لا يرجبها لتخلية ثمرها ولا هي بسنهاء والمفسرون من أهل اللغة يقولون في الآية معناه لم يتغير وأما لغة من قال إن أصله سنوة فهي مشهورة ولهذا يقال في جمعها سنوات |
5 | 192 | ويشابهه في الإشتقاق الأكبر الماء الآسن وهو المتغير المنتن ويشابهه في الإستقاق الأصغر الحمأ المسنون فإنه من سن يقال سننت الحجر على الحجر إذا حككته والذي يسيل بينهما سنن ولا يكون إلا منتنا وهذا أصح من قول من يقول المسنون المصبوب على سنة الوجه أو المصبوب المفرغ أي أبدع صورة الإنسان فإن هذا أنما كان بعد أن خلق من الحمأ المسنون ونفس الحمأ لم يكن على صورة الإنسان ولا صورة وجه ولكن المراد المنتن فقوله لم يتسنه بخلاف قوله ماء غير آسن سورة محمد فإنه من قولهم أسن يأسن فهذا من جنس الاشتقاق الأكبر لاشتراكهما في السين والنون والنون الأخرى والهمزة والهاء متقاربتان فإنهما حرفا حلق وهذا باب واسع والمقصود أن اللفظين إذا اشتركا في أكثر الحروف وتفاوتا في بعضها قيل أحدهما مشتق من الآخر وهو الإشتقاق الأكبر والأوسط أن يشتركا في الحروف لا في ترتيبها كقول الكوفيين الإسم مشتق من السمة والإشتقاق الأصغر الخاص الإشتراك في الحروف وترتيبها وهو المشهور كقولك علم يعلم فهو عالم |
5 | 193 | وعلى هذا فالشيطان مشتق من شطن وعلى الإشتقاق الأكبر هو من باب شاط يشيط لأنهما اشتركا في الشين والطاء والنون والياء متقاربتان فهو سبحانه أمر في سورة الناس بالإستعاذة من شر الوسواس من الجنة والناس الذي يوسوس في صدور الناس ويدخل في ذلك وسوسة نفس الإنسان له ووسوسة غيره له والقول في معنى الآية مبسوط في مصنف مفرد والمقصود هنا أنه قد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وابن عباس أن العبد إذا هم بخطيئة لم تكتب عليه فإن تركها لله كتبت له حسنة كاملة فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة وأنه إذا هم بحسنة كتبت له حسنه كاملة فإن عملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة |
5 | 194 | وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضى التأذين أقبل فإذا ثوب بالصلاة أدبر يعني الإقامة فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل إن يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين |
5 | 195 | فقد أخبر أن هذا التذكير والوسواس من الشيطان وأنه ينسيه حتى لا يدري كم صلى وأمره بسجدتي السهو ولم يؤثمه بذلك والوسواس الخفيف لا يبطل الصلاة باتفاق العلماء وأما إذا كان هو الأغلب فقيل عليه الإعادة وهو اختيار أبي عبد الله بن حامد والصحيح الذي عليه الجمهور وهو المنصوص عن أحمد وغيره أنه لا إعادة عليه فإن حديث أبي هريرة عام مطلق في كل وسواس ولم يأمر بالإعادة لكن ينقص أجره بقدر ذلك قال ابن عباس ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها وفي السنن عن عمار بن ياسر أنه صلى صلاة فخففها فقيل له في ذلك فقال هل نقصت منها شيئا قالوا لا قال فإني بدرت الوسواس وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا عشرها إلا تسعها إلا ثمنها حتى قال إلا نصفها وهذا الحديث حجة على ابن حامد فإن أدنى ما ذكر نصفها وقد ذكر إنه يكتب له عشرها وأداء الواجب له مقصودان أحدهما براءة الذمة بحيث يندفع عنه الذم والعقاب المستحق بالترك فهذا لا تجب معه الإعادة فإن الإعادة يبقى مقصودها حصول ثواب مجرد وهو شأن |
5 | 196 | التطوعات لكن حصول الحسنات الماحية للسيئات لا يكون إلا مع القبول الذي عليه الثواب فبقدر ما يكتب له من الثواب يكفر عنه به من السيئات الماضية وما لا ثواب فيه لا يكفر وإن برئت به الذمة كما في الحديث المأثور رب صائم ليس حظه من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر يقول إنه تعب ولم يحصل له منفعة لكن برئت ذمته فسلم من العقاب فكان على حاله لم يزدد بذلك خيرا والصوم إنما شرع لتحصيل التقوى كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات سورة البقرة وقال النبي صلى الله عليه وسلم الصيام جنة فإذا كان أحدكم |
5 | 197 | صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم وفيها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره قيل يقول في نفسه فلا يرد عليه وقيل يقول بلسانه وقيل يفرق بين الفرض فيقول بلسانه والنفل يقول في نسفه فإن صوم الفرض مشترك والنفل يخاف عليه من الرياء والصحيح أنه يقول بلسانه كما دل عليه الحديث فإن القول المطلق لا يكون إلا باللسان وأما ما في النفس فمقيد كقوله عما حدثت به أنفسها ثم قال ما لم تتكلم أو تعمل به فالكلام المطلق إنما هو الكلام المسموع وإذا قال بلسانه إني صائم بين عذره في إمساكه عن الرد وكان أزجر لمن بدأه بالعدوان وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه بين |
5 | 198 | صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى لم يحرم على الصائم الأكل لحاجته إلى ترك الطعام والشراب كما يحرم السيد على عبيده بعض ماله بل المقصود محبة الله تعالى وهو حصول التقوى فإذا لم يأت به فقد أتى بما ليس فيه محبة ورضا فلا يثاب عليه ولكن لا يعاقب عقوبة التارك والحسنات المقبوله تكفر السيئات ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ولو كفر الجميع بالخمس لم يحتج إلى الجمعة لكن التكفير بالحسنات المقبولة وغالب الناس لا يكتب له من الصلاة إلا بعضها فيكفر ذلك بقدره والباقي يحتاج إلى تكفير ولهذا جاء من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من أعماله الصلاة فإن أكملت وإلا قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت به الفريضة ثم يصنع في سائر الأعمال كذلك |
5 | 199 | وتكميل الفرائض بالتطوع مطلق فإنه يكون يوم القيامة يوم الجزاء فإنه إذا ترك بعض الواجبات استحق العقوبة فإذا كان له من جنسه تطوع سد مسده فلا يعاقب وإن كان ثوابه ناقصا وله تطوع سد مسده فكمل ثوابه وهو في الدنيا يؤمر بأن يعيد حيث تمكن إعادة ما فعله ناقصا من الواجبات أو يجبره بما ينجبر به كسجدتي السهو في الصلاة وكالدم الجابر لما تركه من الواجبات الحج ومثل صدقة الفطر التي فرضت طهرة للصائم من اللغو والرفث وذلك لأنه إذا أمكنه أن يأتي بالواجب كان ذلك عليه ولم يكن قد برئ من عهدته بل هو مطلوب به كما لو لم يفعله بخلاف ما إذا تعذر فعله يوم الجزاء فإنه لم يبق هناك إلا الحسنات ولهذا كان جمهور العلماء على أن من ترك واجبا من واجبات الصلاة |
5 | 200 | عمدا فعليه إعادة الصلاة ما دام يمكن فعلها وهو إعادتها في الوقت هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد لكن مالك وأحمد يقولان قد يجب فيها ما يسقط بالسهو ويكون سجود السهو عوضا عنه وسجود السهو واجب عندهما وأما الشافعي فيقول كل ما وجب بطلت الصلاة بتركه عمدا أو سهوا وسجود السهو عنده ليس بواجب فإن ما صحت الصلاة مع السهو عنه لم يكن واجبا ولا مبطلا والأكثرون يوجبون سجود السهو كمالك وأبي حنيفة وأحمد ويقولون قد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم والأمر يقتضي الإيجاب ويقولون الزيادة في الصلاة لو فعلها عمدا بطلت الصلاة بالإتفاق مثل أن يزيد ركعة خامسة عمدا أو يسلم عمدا قبل إكمال الصلاة ثم إذا فعله سهوا سجد للسهو بالسنة والإجماع فهذا سجود لما تصح الصلاة مع سهوة دون عمده وكذلك ما نقصه منها فإن السجود يكون للزيادة تارة وللنقص أخرى كسجود النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول ولو فعل ذلك أحد عمدا بطلت صلاته عند مالك وأحمد وأما أبو حنيفة فيوجب في الصلاة ما لا تبطل بتركه لا عمدا ولا سهوا ويقول هو مسيء بتركه كالطمأنينة وقراءة الفاتحة |
5 | 201 | وهذا مما نازعه فيه الأكثرون وقالوا من ترك الواجب عمدا فعليه الإعادة الممكنة لأنه لم يفعل ما أمر به وهو قادر على فعله فلا يسقط عنه وقد أخرجا في الصحيحين حديث المسيء في صلاته لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فصل فإنك لم تصل وأمره بالصلاة التي فيها طمأنينة فدل هذا الحديث الصحيح على أن من ترك الواجب لم يكن ما فعله صلاة بل يؤمر بالصلاة والشارع صلى الله عليه وسلم لا ينفي الإسم إلا لانتفاء بعض واجباته فقوله فإنك لم تصل لأنه ترك بعض واجباتها ولم تكن صلاته تامة مقامة الإقامة المأمور بها في قوله تعالى فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة سورة النساء فقد أمر بإتمامها ولهذا لما أمر بإتمام الحج والعمره بقوله وأتموا الحج والعمرة لله |
5 | 202 | سورة البقرة ألزم الشارع فيهما فعل جميع الواجبات فإذا ترك بعضها فلا بد من الجبران فعلم أنه إن لم يأت بالمأمور به تاما التمام الواجب وإلا فعليه ما يمكن من إعادة أو جبران وكذلك أمر الذي رآه يصلي خلف الصف وحده أن يعيد وقال لا صلاة لفذ خلف الصف وقد صححه أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن حزم وغيرهم من علماء الحديث فإن قيل ففي حديث المسيء الذي رواه أهل السنن من حديث |
5 | 203 | رفاعة بن رافع أنه جعل ما تركه من ذلك يؤاخذ بتركه فقط ويحسب له ما فعل ولا يكون كمن لم يصل قيل وكذلك نقول من فعلها وترك بعض واجباتها لم يكن بمنزلة من لم يأت بسيء منها بل يثاب على ما فعل ويعاقب على ما ترك وإنما يؤمر بالإعادة لدفع عقوبة ما ترك وترك الواجب سبب للعقاب فإذا كان يعاقب على ترك البعض لزمه أن يفعلها فإن كان له جبران أو أمكن فعله وحده وإلا فعله مع غيره فإنه لا يمكن فعله مفردا فإن قيل فإذا لم يكن فعله مفردا طاعة لم يثب عليه أولا قيل هو أولى فعله ولم يكن يعلم أنه لا يجوز أو كان ساهيا كالذي يصلي بلا وضوء أو يسهو عن القراءة والسجود المفروض فيثاب على ما فعل ولا يعاقب بنسيانه وخطئه لكن يؤمر بالإعادة لأنه لم يفعل ما أمر به أولا كالنائم إذا استيقظ في الوقت فإنه يؤمر بالصلاة لأنها واجبة عليه في وقتها إذا أمكن وإلا صلاها أي وقت استيقظ فإنه حينئذ يؤمر بها وأما إذا أمر بالإعادة فقد علم أنه لا يجوز فعل ذلك مفردا فلا يؤمر به مفردا |
5 | 204 | فإن قيل فلو تعمد أن يفعلها مع ترك الواجبات التي يعلم وجوبها قيل هذا مستحق للعقاب فإنه عاص بهذا الفعل وهذا قد يكون إثمه كإثم التارك وإن قدر أن هذا قد يثاب فإنه لا يثاب عليه ثواب من فعله مع غيره كما أمر به بل أكثر ما يقال إن له عليه ثوابا بحسبه لكن الذي يعرف أنه إذا لم يكن يعرف أن هذا واجب أو منهي عنه فإنه يثاب على ما فعله قال الله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره سورة الزلزلة والقرآن وذكر الله ودعاؤه خير وإلا فالمسلم لا يصلى إلى غير قبلة أو بغير وضوء أو ركوع أو سجود ومن فعل ذلك كان مستحقا للذم والعقاب ومع هذا فقد يمكن إذا فعل ذلك مع اعترافه بأنه مذنب لا على طريق الإستهانة والإستهزاء والإستخفاف بل على طريق الكسل أن يثاب على ما فعله كمن ترك واجبات الحج المجبورة بدم لكن لا يكون ثوابه كما إذا فعل ذلك مع غيره على الوجه المأمور به وبهذا يتبين الجواب عن شبهة أهل البدع من الخوارج والمرجئة وغيرهم ممن يقول إن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل ولا ينقص قالوا لأنه إذا ذهب منه جزء ذهب كله لأن الشيء المركب من أجزاء |
5 | 205 | متى ذهب منه جزء ذهب كله كالصلاة إذا ترك منها واجبا بطلت ومن هذا الأصل تشعبت بهم الطرق وأما الصحابة وأهل السنة والحديث فقالوا إنه يزيد وينقص كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان |
5 | 206 | وعلى هذا فنقول إذا نقص شيء من واجباته فقد ذهب ذلك الكمال والتمام ويجوز نفي الإسم إذا أريد به نفي ذلك الكمال وعليه أن يأتي بذلك الجزء إن كان ترك واجبا فعله أو كان ذنبا استغفر منه وبذلك يصير من المؤمنين المستحقين لثواب الله المحض الخالص عن العقاب وأما إذا ترك واجبا منه أو فعل محرما فإنه يستحق العقاب على ذلك ويستحق الثواب على ما فعل والمنفي إنما هو المجموع لا كل جزء من أجزائه كما إذا ذهب واحد من العشرة لم تبق العشرة عشرة لكن بقي أكثر أجزائها وكذلك جاءت السنة في سائر الأعمال كالصلاة وغيرها أنه يثاب على ما فعله منها ويعاقب على الباقي حتى إنه إن كان له تطوع جبر ما ترك بالتطوع ولو كان ما فعل باطلا وجوده كعدمه لا يثاب عليه لم يجبر بالنوافل شيء وعلى ذلك دل حديث المسيء الذي في السنن أنه إذا نقص منها شيئا أثيب على ما فعله فإن قلت فالفقهاء يطلقون أنه قد بطلت صلاته وصومه وحجه إذا ترك منه ركنا قيل لأن الباطل في عرفهم ضد الصحيح والصحيح في عرفهم ما |
5 | 207 | حصل به مقصوده وترتب عليه حكمه وهو براءة الذمة ولهذا يقولون الصحيح ما أسقط القضاء فصار قولهم بطلت بمعنى وجب القضاء لا بمعنى أنه لا يثاب عليها بشيء في الآخرة وهكذا جاء النفي في كلام الله ورسوله كقوله صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وقوله لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له وقوله تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم سورة الانفال وقوله إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون سورة الحجرات فإن نفي الإيمان عمن ترك واجبا منه أو فعل محرما |
5 | 208 | فيه كنفي غيره كقوله لا صلاة إلا بأم القرآن وقوله للمسيء ارجع فصل فإنك لم تصل وقوله للمنفرد خلف الصف لما أمره بالإعادة لا صلاة لفذ خلف الصف وقوله من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له ومن قال من الفقهاء إن هذا لنفي الكمال قيل له إن أردت الكمال المستحب فهذا باطل لوجهين أحدهما أن هذا لا يوجد قط في لفظ الشارع أنه ينفي عملا فعله العبد على الوجه الذي وجب عليه ثم ينفيه لترك بعض المستحبات بل الشارع لا ينفي عملا إلا إذا لم يفعله العبد كما وجب عليه |
5 | 209 | الثاني أنه لو نفى بترك مستحب لكان عامة الناس لا صلاة لهم ولا صيام فإن الكمال المستحب متفاوت ولا أحد يصلي كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أفكل من لم يكملها كتكميل الرسول يقال لا صلاة له فإن قيل فهؤلاء الذين يتركون فرضا من الصلاة أو غيرها يؤمرون بإعادة الصلاة والإيمان إذا ترك بعض فرائضه لا يؤمر باعادته قيل ليس الأمر بالإعادة مطلقا بل يؤمر بالممكن فإن أمكن الإعادة أعاد وإن لم يمكن أمر أن يفعل حسنات غير ذلك كما لو ترك الجمعة فإنه وإن أمر بالظهر فلا تسد مسد الجمعة بل الإثم الحاصل يترك الجمعة لايزول جميعه بالظهر وكذلك من ترك واجبات الحج عمدا فإنه يؤمر بها ما دام يمكن فعلها في الوقت فإذا فات الوقت أمر بالدم الجابر ولم يكن ذلك مسقطا عنه إثم التفويت مطلقا بل هذا الذي يمكنه من البدل وعليه أن يتوب توبة تغسل إثم التفويت كمن فعل محرما فعليه أن يتوب منه توبة تغسل إثمه ومن ذلك أن يأتي بحسنات تمحوه وكذلم من فوت واجبا لا يمكنه استدراكه وأما إذا أمكنه استدراكه فعله بنفسه وهكذا نقول فيمن ترك بعض واجبات الإيمان بل كل مأمور تركه فقد ترك جزءا من إيمانه فيستدركه بحسب الإمكان فإن فات وقته تاب وفعل حسنات أخر غيره |
5 | 210 | ولهذا كان الذي اتفق عليه العلماء أنه يمكن إعادة الصلاة في الوقت الخاص والمشترك كما يصلي الظهر بعد دخول العصر ويؤخر العصر إلى الإصفرار فهذا تصح صلاته وعليه إثم التأخير وهو من المذمومين في قوله تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون سورة الماعون وقوله فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات سورة مريم فإن تأخيرها عن الوقت الذي يجب فعلها فيه هو إضاعة لها وسهو عنها بلا نزاع أعلمه بين العلماء وقد جاءت الآثار بذلك عن الصحابة والتابعين وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة وهم إنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر والعصر |
5 | 211 | إلى وقت الإصفرار وذلك مما هم مذمومون عليه ولكن ليسوا كمن تركها أو فوتها حتى غابت الشمس فإن هؤلاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم ونهى عن قتال أولئك فإنه لما ذكر أنه سيكون أمراء ويفعلون قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا وقد أخبر عن هذه الصلاة التي يؤخرونها وأمر أن تصلى في الوقت وتعاد معهم نافلة فدل على صحة صلاتهم ولو كانوا لم يصلوا لأمر بقتالهم وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر مع قوله أيضا في الحديث الصحيح تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا |
5 | 212 | وثبت عنه في الصحيحين أنه قال من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله وثبت عنه في الصحيحين أنه قال من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله وقال أيضا إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له الأجر مرتين وقد اتفق العلماء على ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من قوله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها فاتفقوا |
5 | 213 | على أن النائم يصلي إذا استيقظ والناسي إذا ذكر وعليه قضاء الفائتة على الفور عند جمهورهم كمالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهم وأما الشافعي فيجعل قضاء النائم والناسي على التراخي ومن نسي بعض واجباتها فهو كمن نسيها فلو صلى ثم ذكر بعد خروج الوقت أنه كان على غير وضوء أعاد كما أعاد عمر وعثمان وغيرهما لما صلوا بالناس ثم ذكروا بعد الصلاة أنهم كانوا جنبا فأعادوا ولم يأمروا المؤمومين بالإعادة وفي حديث عمر أنه لم يذكر إلا بعد طلوع الشمس وكذلك إذا أخرها تأخيرا يرى أنه جائز كما أخرها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب وصلاها بعد مغيب الشمس فإن ذلك التأخير إما أن يكون لنسيان منه أو لأنه كان جائزا إذا كانوا مشغولين بقتال العدو أن يخروا الصلاة |
5 | 214 | والعلماء لهم في ذلك ثلاثة أقوال قيل يصلي حال القتال ولا يؤخر الصلاة وتأخير الخندق منسوخ وهذا مذهب مالك والشافعي والإمام أحمد في المشهور عنه وقيل يخير بين تقديمها وتأخيرها لأن الصحابة لما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة كانت طائفة منهم أخرت الصلاة فصلوا بعد غروب الشمس وكانت منهم طائفة قالوا لم يرد منا إلا المبادرة إلى العدو لا تفويت الصلاة فصلوا في الطريق فلم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم أحدا من الطائفتين والحديث في الصحيحين من حديث ابن عمر وهذا قول طائفة من الشاميين وغيرهم وهو إحدى الروايتين عن أحمد وقيل بل يؤخرونها كما فعل يوم الخندق وهو مذهب أبي حنيفة ففي الجملة كل من أخرها تأخيرا يعذر به إما لنسيان أو لخطأ في الاجتهاد فإنه يصليها بعد الوقت كمن ظن أن الشمس لم تطلع فآخرها حتى طلعت أو ظن أن وقت العصر باق فأخرها حتى غربت فإن هذا يصلى وعلى قول الأكثرين ما بقى تأخيرها جائزا حتى تغرب الشمس ومن قال إنه يجوز التأخير فإنه يصليها ولو أخرها باجتهاده فإنه يصليها وإن قيل إنه أخطأ في اجتهاده وليس هذا من أهل الوعيد |
5 | 215 | المذكور في قوله من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله فإن هذا مجتهد متأول مخطىء وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وهو حديث حسن وقد دل عليه القرآن والحديث الصحيح وأما من فوتها عمدا عالما بوجوبها أو فوت بعض واجباتها الذي يعلم وجوبه منها فهذا مما تنازع فيه العلماء فقيل في الجميع يصح أن يصليها بعد التفويت ويجب ذلك عليه ويثاب على ما فعل ويعاقب على التفويت كمن أخر الظهر إلى وقت العصر والمغرب والعشاء إلى آخر الليل من غير عذر وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد يقولون هو في كل صلاة وجب إعادتها في الوقت فيجب إعادتها بعد الوقت وأما مالك وغيره من أهل المدينة فيفرقون بين ما يعاد في الوقت وما يعاد بعد خروج الوقت فما لم يكن فرضا بل واجبا وهو الذي يسمونه سنة أمروا بإعادة الصلاة إذا تركه في الوقت كمن صلى بالنجاسة وأما ما كان فرضا كالركوع والسجود والطهارة فإنه بمنزلة من لم يصل فيعيد بعد الوقت |
5 | 216 | وقد أنكر عليهم كثير من الناس التفريق بين الإعادة في الوقت وبعده وصنف المزني مصنفا رد فيه على مالك ثلاثين مسألة منها هذه وقد رد على المزني الشيخ أبو بكر الأبهري وصاحبه القاضي عبد الوهاب وعمدتهم أن الصلاة إن فعلت كما أمر بها العبد فلا إعادة عليه في الوقت ولا بعده وإن لم تفعل كما أمر بها العبد فهي في ذمته فيعيدها في الوقت وبعده وأهل المدينة يقولون فعلها في الوقت واجب ليس لأحد قط أن يؤخرها عن الوقت فإن كان الوقت أوكد مما ترك لم يعد بعد الوقت لأنه ما بقي بعد الوقت يمكنه تلافيها فإن الصلاة مع النجاسة أو عريانا خير من الصلاة بلا نجاسة بعد الوقت فلو أمرناه أن يعيدها بعد الوقت لكنا نأمره بأنقص مما صلى وهذا لا يأمر به الشارع وهذا بخلاف من ترك ركنا منها فذاك بمنزلة من لم يصل فيعيد بعد الوقت وهذا الفرق مبني على أن الصلاة من واجباتها ما هو ركن لا تتم إلا به ومنها ما هو واجب تتم بدونه إما مع السهو وإما مطلقا وهذا قول الجمهور وأبو حنيفة يوجب فيها ما لا يجب بتركه الإعادة بحال فإذا |
5 | 217 | أوجب أهل المدينة فيها ما يجب بتركه الإعادة في الوقت كان أقرب إلى الشرع وأحمد مع مالك يوجبان فيها ما يسقط بالسهو ويجبر بالسجود ثم ذلك الواجب إذا تركه عمدا أمره أحمد في ظاهر مذهبه بالإعادة كما لو ترك فرضا وأما مالك ففي مذهبه قولان فيمن ترك ما يجب السجود لتركه سهوا كترك التشهد الأول وترك تكبيرتين فصاعدا أو قراءة السورة والجهر والمخافتة في موضعهما وقد اتفق الجميع على أن واجبات الحج منها ما يجبر الحج مع تركه ومنها ما يفوت الحج مع تركه فلا يجبر كالوقوف بعرفة فكذلك الصلاة وقالت طائفة ثالثة ما أمر الله به في الوقت إذا ترك لغير عذر حتى فات وقته لم يمكن فعله بعد الوقت كالجمعة والوقوف بعرفة ورمي الجمار فإن الفعل بعد الوقت عبادة لا تشرع إلا إذا شرعها الشارع فلا تكون مشروعة إلا بشرعه ولا واجبة إلا بأمره وقد اتفق المسلمون على أن من فاته الوقوف بعرفة لعذر أو لغيره لا يقف بعرفة بعد طلوع الفجر وكذلك رمي الجمار لا ترمى بعد أيام منى سواء فاتته لعذر أو لغير عذر كذلك الجمعة لا يقضيها الإنسان سواء فاتته بعذر أو بغير |
5 | 218 | عذر وكذلك لو فوتها أهل المصر كلهم لم يصلوها يوم السبت وأما الصلوات الخمس فقد ثبت أن المعذور يصليها إذا أمكنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها لا كفارة لها إلا ذلك وكذلك صوم رمضان أمر الله المسافر والمريض والحائض أن يصوموا نظيره في أيام أخر والوقت المشترك بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقت لجواز فعلمها جميعا عند العذر وإن فعلتا لغير عذر ففاعلهما آثم لكن هذه قد فعلت في وقت هو وقتها في الجملة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة ونهى عن قتالهم مع ذمهم وظلمهم وأولئك كانوا يؤخرون الظهر إلى العصر فجاءت طائفة من الشيعة فصاروا يجمعون بين الصلاتين في وقت الأولى دائما من غير عذر فدخل في الوقت المشترك من جواز الجمع للعذر من تأويل الولاة وتصحيح الصلاة مع إثم التفويت ما لم يدخل في التفويت المطلق كمن يفطر شهر رمضان عمدا ويقول أنا أصوم في شوال أو يؤخر الظهر والعصر |
5 | 219 | عمدا ويقول أصليهما بعد المغرب ويؤخر المغرب والعشاء ويقول أصليهما بعد الفجر أو يؤخر الفجر ويقول أصليها بعد طلوع الشمس فهذا تفويت محض بلا عذر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله وقال من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله فلو كان يمكنه الإستدراك لم يحبط عمله وقوله وتر أهله وماله أي صار وترا لا أهل له ولا مال ولو كان فعلها ممكنا بالليل لم يكن موتورا وقال من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك فلو كان فعلها بعد المغرب صحيحا مطلقا لكان مدركا سواء أدرك ركعة أو لم يدرك فإنه لم يرد أن من أدرك ركعة صحت صلاته بلا إثم بل يأثم بتعمد ذلك كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة فإنه أمر بأن تصلى الصلاة لوقتها الذي حده وأن لا يؤخر العصر إلى ما بعد الإصفرار ففعلها قبل الاصفرار واجب بأمره وقوله صلوا الصلاة لوقتها فعلم أن هذا الإدراك لا يرفع الإثم عن غير المعذور بل يكون |
5 | 220 | قد صلاها مع الإثم فلو كانت أيضا تصلى بعد المغرب مع الإثم لم يكن فرق بين من يصليها عند الاصفرار أو يصليها بعد الغروب إلا أن يقال ذاك أعظم إثما ومعلوم أنه كلما أخرها كان أعظم إثما فحيث جاز القضاء مع وجوب التقديم كلما أخر القضاء كان أعظم لإئمه ومن نام عن صلاة أو نسيها فعليه أن يصليها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها وإذا أخرها من غير عذر أثم كما يأثم من أخر الواجب على الفور ويصح فعلها بعد ذلك فلو كانت العصر بعد المغرب بهذه المنزلة لم يكن لتحديد وقتها بغروب الشمس وقوله من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فائدة بل كانت تكون كالواجب على الفور إذا أخره أو كانت تكون كالمغرب إذا أخرها إلى وقت العشاء ومعلوم أن هذا قد يجوز بل يسن كما في ليلة المزدلفة كما يسن تقديم العصر إلى وقت الظهر يوم عرفة بالسنة المتواترة واتفاق المسلمين |
5 | 221 | وأما فعل العصر بعد المغرب فلم يؤذن فيه قط لغير المعذور كما لم يؤذن في صلاة المغرب قبل غروب الشمس قال هؤلاء والصلاة في الوقت واجبة على أي حال بترك جميع الواجبات لأجل الوقت فإذا أمكنه أن يصلي في الوقت بالتيمم أو بلا قراءة أو بلا إتمام ركوع وسجود أو إلى غير القبلة أو يصلي عريانا أو كيفما أمكن وجب ذلك عليه ولم يكن له أن يصلي بعد الوقت مع تمام الأفعال وهذا مما ثبت بالكتاب والسنة وعامته مجمع عليه فعلم أن الوقت مقدم على جميع الواجبات وحينئذ فمن صلى في الوقت بلا قراءة أو عريانا متعمدا ونحو ذلك إذا أمر أن يصلي بعد الوقت بقراءة وسترة كان ما أمر به دون ما فعله ولهذا إذا لم يمكن إلا أحدهما وجب أن يصلي في الوقت بلا قراءة ولا سترة ولا يؤخرها ويصلي بعد الوقت بقراءة وسترة فعلم أن ذلك التفويت ما بقي استدراكه ممكنا وأما المعذور فلله تعالى جعل الوقت في حقه متى أمكنه فمن نسي الصلاة أو بعض واجباتها صلاها متى ذكرها وكان ذلك هو الوقت في حقه وإذا قيل صلاته في الوقت كانت أكمل قيل نعم لكن تلك لم تجب عليه لعجزه بالنوم والنسيان وإنما وجب عليه أن يصلى إذا استيقط وذكر كما نقول في الحائض إذا طهرت |
5 | 222 | في وقت العصر فهي حينئذ مأمورة بالظهر والعصر وتكون مصلية للظهر في وقتها أداء وكذلك إذا طهرت آخر الليل صلت المغرب والعشاء وكانت المغرب في حقها أداء كما أمرها بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم ولم ينقل عن صحابي خلافه وهذا يدل على أن هذا من السنة التي كان الصحابة يعرفونها فإن مثل هذا يقع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وقد دل على ذلك الكتاب والسنة حيث جعل الله المواقيت ثلاثة في حق المعذور وهذه معذورة وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وهو يدل على أن الوقت مشترك في حق المعذور فلا يحتاج أن ينوي الجمع كما هو قول الأكثرين أبي حنيفة ومالك والإمام أحمد وقدماء أصحابه لكن الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد كالخرقي ومن وافقه قالوا تجب النية في القصر والجمع وجمهور العلماء على أنه لا تجب النية لا لهذا ولا لهذا وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وقدماء أصحابه وهو الصواب كما بسط في غير هذا الموضع وقضية الحائض مما يبين أن فعل الصلاة في غير وقتها الذي أمر بها |
5 | 223 | فيه غير ممكن فإن ذلك لو كان ممكنا لكانت الحائض تؤمر بقضاء الصلاة أمر إيجاب أو أمر استحباب فإذا قيل يسقط القضاء عنها تخفيفا قيل فلو أرادت أن تصلي قضاء لتحصل ثواب الصلاة التي فاتتها لم يكن هذا مشروعا باتفاق العلماء وكان لها أن تصلى من النوافل ما شاءت فإن تلك الصلاة لم تكن مأمورة بها في وقتها والصلاة المكتوبة لا يمكن فعلها إلا في الوقت الذي أمر به العبد فلم يجز فعلها بعد ذلك وكل من كان معذورا من نائم وناس ومخطىء فهؤلاء مأمورون بها في الوقت الثاني فلم يصلوا إلا في وقت الأمر كما أمرت الحائض والمسافر والمريض بقضاء رمضان وقيل في المتعمد لفطره لا يجزيه صيام الدهر ولو صامه قالوا والناسي إنما أمر بالصلاة إذا ذكرها لم يؤمر بها قبل ذلك وذلك هو الوقت في حقه فلم يصل إلا في وقتها وكذلك النائم إذا استيقظ إنما صلى في الوقت قالوا ولم يجوز الله لأحد أن يصلي الصلاة لغير وقتها ولا يقبلها منه في غير وقتها ألبتة وكذلك شهر رمضان وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أفطر يوما من رمضان لم يقضه صيام الدهر وإن صامه قالوا وإنما يقبل الله صيامه في غير الشهر من المعذور |
5 | 224 | كالمريض والمسافر والحائض ومن اشتبه عليه الشهر فتحرى فصام بعد ذلك فإنه يجزيه الصيام أما المعتمد للفطر فلا قالوا ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي جامع أهله في رمضان بصوم بل أمره بالكفارة فقط وقد جاء ذكر أمره بالقضاء في حديث ضعيف ضعفه العلماء أحمد بن حنبل وغيره وكذلك جاء في الذي يستقيء عمدا أنه يعيد وهذا لم يثبت رفعه وإنما ثبت أنه موقوف على أبي هريرة وبتقدير صحته فيكون المراد به المعذور الذي اعتقد أنه يجوز له الإستقاء أو المريض الذي احتاج إلى أن يستقيء فاستقاء فإن الإستقاءة لا تكون في العادة إلا لعذر وإلا فلا يقصد العاقل أن يستقيء بلا حاجة فيكون المستقيء متداويا بالاستقاءة كما يتداوى |
5 | 225 | بالأكل وهذا يقبل منه القضاء ويؤمر به وهذا الحديث ثابت عن أبي هريرة وإنما اختلف في رفعه وبكل حال هذا معناه فإن أبا هريرة هو الذي روى حديث الأعرابي وحديث من أفطر يوما من رمضان لم يقضه صيام الدهر فتحمل أحاديثه على الإتفاق لا على الإختلاف وهذا قول طائفة من السلف والخلف وهو قول أبي عبد الرحمن صاحب الشافعي وهو قول داود بن علي وابن حزم وغيرهم قالوا والمنازعون لنا ليس لهم قط حجة يرد اليها عند التنازع وأكثرهم يقولون لا يجب القضاء إلا بأمر ثان وليس معهم هنا أمر ونحن لا ننازع في وجوب القضاء فقط بل ننازع في قبول القضاء منه وصحة الصلاة في غير وقتها فنقول الصلوات الخمس في غير وقتها المختص والمشترك المضيق والموسع كالجمعة في غير وقتها وكالحج في غير وقته وكرمي الجمار في غير وقتها والوقت صفة للفعل وهو من آكد واجباته فكيف تقبل العبادة بدون صفاتها الواجبة فيها |
5 | 226 | وهو لو صلى إلى غير القبلة بغير عذر لم تكن صلاته إلا باطلة وكذلك إذا صلى قبل الوقت المشترك لغير عذر مثل أن يصلي الظهر قبل الزوال والمغرب قبل المغيب ولو فعل ذلك متأولا مثل الأسير إذا ظن دخول شهر رمضان فصام ومثل المسافر في يوم الغيم وغيرهما إذا اجتهدوا فصلوا الظهر قبل الزوال أو المغرب قبل الغروب فهؤلاء في وجوب الإعادة عليهم قولان معروفان للعل والنزاع في ذلك في مذهب مالك والشافعي والمعروف من مذهب أحمد أنه لا يجزئهم ولو فعلوا ذلك في الوقت المشترك كصلاة العصر في وقت الظهر والعشاء قبل مغيب الشفق فقياس الصحيح من مذهب أحمد أن ذلك يجزىء فإنه جمع لعذر وهو لا يشترط النية وقد نص على أن المسافر إذا صلى العشاء قبل مغيب الشفق أجزأه لجواز الجمع له وإن كان لم يصلها مع المغرب ولهذا يستحب له مع أمثاله تأخير الظهر وتقديم العصر وتأخير المغرب وتقديم العشاء كما نقل عن السلف فدل على أن الثانية إذا فعلت هنا قبل الوقت الخاص أجزأته قالوا فالنزاع في صحة مثل هذه الصلاة كالنزاع في رمي الجمار لا يفعل بعد الوقت قال لهم الأولون ما قستم عليه من الجمعة الحج ورمى الجمار لا يفعل بعد الوقت المحدود في الشرع بحال لا لمعذور ولا لغير معذور فعلم أن هذه الأفعال مختصة بزمان كما هي مختصة بمكان |
5 | 227 | وأما الصلوات الخمس فيجوز فعلها للمعذور بعد إنقضاء الأوقات فعلم أنه يصح فعلها في غير الوقت وأن الوقت ليس شرطا فيها كما هو شرط في تلك العبادات قال الآخرون الجواب من وجهين أحدهما أن يقال هب أنه يجوز فعل الصلاة بعد وقتها للمعذور توسعة من الله ورحمة وأما النائم والناسي فلا ذنب لهما فوسع الله لهما عند الذكر والانتباه إذا كان لا يمكنهما الصلاة إلا حينئذ فأي شيء في هذا مما يدل على جواز ذلك لمرتكب الكبيرة الذي لا عذر له في تفويتها والحج إذا فاته في عام أمكنه أن يحج في عام قابل ورمي الجمار إذا فاته جعل له بدل عنها وهو النسك والجمعة إذا فايت صلى الظهر فكان المعذور إذا فاتته هذه العبادات المؤقتة شرع له أن يأتي ببدلها ولا إثم عليه رحمة من الله في حقه وأما غير المعذور فجعل له البدل أيضا في الحج لأن الحج يقبل النيابة فإذا مات الإنسان جاز أن يحج عنه وإن كان مفرطا فإذا جاز أن يحج عنه غيره فلأن يجوز أن يأتي هو بالبدل بطريق الأخرى والأولى فإن الدم الذي يخرجه هو أولى من فعل غيره عنه وأما الجمعة إذا فاتته فإنما يصلي الظهر لأنها الفرض المعتاد في كل يوم لا لأنها بدل عن الجمعة بل الواجب على كل أحد إما |
5 | 228 | الجمعة وإما الظهر فإذا أمكنه الجمعة وجبت عليه وإن لم يمكن صلى الظهر فإذا فاتت الجمعة أمكنه أن يصلي الظهر فوجب عليه صلاة الظهر ولهذا لا يجوز فعلها عند أكثر العلماء إلا إذا فاتت الجمعة وأما الصلاة المكتوبة فلا تدخلها النيابة بحال وكذلك صوم رمضان إن كان قادرا عليه وإلا سقط عنه الصوم وأطعم هو عن كل يوم مسكينا عند الأكثرين وعند مالك لا شيء عليه وأما ما وردت به السنة من صيام الإنسان عن وليه فذاك في النذر كما فسرته الصحابة الذين رووه بهذا كما يدل عليه لفظه فإنه قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه والنذر في ذمته وهو عليه وأما صوم رمضان فليس في ذمته ولا هو عليه بل هو ساقط عن العاجز عنه فلما كانت الصلوات الخمس وصيام رمضان لا يفعله أحد عن أحد أصلا لم يكن لهما بدل بخلاف الحج وغيره فلهذا وسع الشارع في قضائهما للمعذور لحاجته به إلى ذلك توسعة منه ورحمة وغيرهما لم يوسع في قضائه لأحد لأنه لا حاجة إلى قضائه لما شرع من البدل |
5 | 229 | إما عبادة أخرى كالظهر عن الجمعة والدم عن واجبات الحج وإما فعل الغير كالحج عن المغضوب والميت فهذا يبين الفرق بين الصلاة والصوم وغيرهما وبين المعذور وغيره ويبين أن من وسع فيهما لغير المعذور كما يوسع للمعذور فقد أخطأ القياس الجواب الثاني أنا لم نفس قياسا استفدنا به حكم الفرع من الأصل فإن ما ذكرناه ثابت بالأدلة الشرعية التي لا تحتاج إلى القياس معها كما تقدم لكن ذكرنا القياس ليتصور الإنسان ما جاء به الشرع في هذا كما يضرب الله الأمثال للتفهيم والتصوير لا لأن ذلك هو الدليل الشرعي والمراد بهذا القياس أن يعرف أن فعل الصلاة بعد الوقت حيث حرم الله ورسوله تأخيرها بمنزلة فعل هذه العبادات والمقصود تمثيل الحكم بالحكم لا تمثيل الفعل بالفعل فيعرف أن المقصود أن الصلاة ما بقيت تقبل ولا تصح كما لا تقبل هذه ولا تصح فإن من الجهال من يتوهم أن المراد بذلك تهوين أمر الصلاة وأن من فوتها سقط عنه القضاء فيدعو ذلك السفهاء إلى تفويتها وهذا لا يقوله مسلم بل من قال إن من فوتها فلا إثم عليه فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل ولكن تفويت الصلاة عمدا مثل تفويت شهر رمضان عمدا بإجماع المسلمين فأجمع المسلمون كلهم من |
5 | 230 | جميع الطوائف على أن من قال لا أصلي صلاة النهار إلا بالليل فهو كمن قال لا أصوم رمضان إلا في شوال فإن كان يستجيز تأخيرها ويرى ذلك جائزا له فهو كمن يرى تأخير رمضان جائزا وهذا وهذا يجب استتابتهما باتفاق العلماء فإن تابا واعتقدا وجوب فعل الصلاة والصوم في وقتهما وإلا قتلا وكثير من العامة والجهال يعتقدون جواز تأخيرها إلى الليل بأدنى شغل ويرى أن صلاتها بالليل خير من أن يصليها بالنهار مع الشغل وهذا باطل بإجماع المسلمين بل هذا كفر وكثير منهم لا يرى جوازها في الوقت إلا مع كمال الأفعال وأنه إذا صلاها بعد الوقت مع كمال الأفعال كان أحسن وهذا باطل بل كفر باتفاق العلماء ومن أسباب هذه الإعتقادات الفاسدة تجويز القضاء لغير المعذور وقول القائل إنها تصح وتقبل وإن أثم بالتأخير فجعلوا فعلها بعد الغروب كفعل العصر بعد الإصفرار وذلك جمع بين ما فرق الله ورسوله بينه فلو علمت العامة أن تفويت الصلاة كتفويت شهر رمضان باتفاق المسلمين لاجتهدوا في فعلها في الوقت ومن جملة أسباب ذلك أن رمضان يشترك في صومه جميع الناس والوقت مطابق للعبادة لا يفصل عنها وليس له شروط كالصلاة والصلاة وقتها موسع فيصلي بعض الناس في أول الوقت وبعضهم في |
5 | 231 | آخره وكلاهما جائز وفيها واجبات يظن الجهال أنه لا يجوز فعلها إلا مع تلك الواجبات مطلقا فيقولون نفعلها بعد الوقت فهو خير من فعلها في الوقت بدون تلك الواجبات فهذا الجهل أوجب تفويت الصلاة التفويت المحرم بالإجماع ولا يجوز أن يقال لمن فوتها لا شيء عليك أو تسقط عنك الصلاة وإن قال هذا فهو كافر ولكن يبين له أنك بمنزلة من زنى وقتل النفس وبمنزلة من أفطر رمضان عمدا إذ أذنبت ذنبا ما بقي له جبران يقوم مقامه فإنه من الكبائر بل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر فإذا كان هذا في الجمع من غير عذر فكيف بالتفويت من غير عذر وحينئذ فعليك بالتوبة والإجتهاد في أعمال صحالحة أكثر من قضائها فصل صلوات كثيرة لعله أن يكفر بها عنك ما فوته وأنت مع ذلك على خطر وتصدق فإن بعض الصحابة ألهاه بستانه عن صلاة المغرب فتصدق ببستانه وسليمان بن داود لما فاتته صلاة العصر بسبب الخيل طفق مسحا بالسوق والأعناق فعقرها كفارة لما صنع فمن فوت صلاة واحدة عمدا فقد أتى كبيرة عظيمة فليستدرك بما أمكن من توبة وأعمال صالحة ولو قضاها لم يكن مجرد القضاء رافعا إثم ما فعل بإجماع المسلمين والذين يقولون لا يقبل منه القضاء يقولون نأمره بأضعاف القضاء لعل الله أن يعفو عنه وإذا قالوا لا يجب القضاء إلا بأمر جديد فلأن القضاء تخفيف ورحمة كما في حق المريض والمسافر في رمضان والرحمة والتخفيف تكون للمعذور والعاجز لا تكون |
5 | 232 | لأصحاب الكبائر المتعمدين لها المفرطين في عمود الإسلام والصلاة عمود الإسلام ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه لما سئل عمن وجب عليه الحج فعجز عنه أو نذر صياما أو حجا فمات هل يفعل عنه فقال أرأيت لو كان على أبيك أو أمك دين فقضيته أما كان يجزي عنه قال بلى قال فالله أحق بالقضاء ومراده بذلك أن الله أحق بقبول القضاء عن المعذور من بني آدم فإن الله أرحم وأكرم فإذا كان الآدميون يقبلون القضاء عمن مات فالله أحق بقبوله أيضا لم يرد بذلك أن الله يحب أن تقضى حقوقه التي كانت على الميت وهي أوجب ما يقضى من الدين فإن دين الميت لا يجب على الورثة قضاؤه لكن يقضى من تركته ولا يجب على أحد فعل ما وجب على الميت من نذر والسائل إنما سأل عن الإجزاء والقبول لم يسأل عن الوجوب فلا بد أن يجاب عن سؤاله فعلم أن الأمر بقضاء العبادات وقبول القضاء من باب الإحسان والرحمة وذلك مناسب للمعذور وأما صاحب الكبيرة المفوت عمدا فلا يستحق تخفيفا ولا رحمة لكن إذا تاب فله |
5 | 233 | أسوة بسائر التائبين من الكبائر فيجتهد في طاعة الله وعباداته بما أمكن والذين أمروه بالقضاء من العلماء لا يقولون إنه بمجرد القضاء يسقط عنه الإثم بل يقولون بالقضاء يخف عنه الإثم وأما إثم التفويت وتأخير الصلاة عن وقتها فهو كسائر الذنوب التي تحتاج إما إلى توبة وإما إلى حسنات ماحية وإما غير ذلك مما يسقط به العقاب وهذه المسائل لبسطها موضع آخر والمقصود هنا أن ما كان من الشيطان مما لا يدخل تحت الطاقة فهو معفو عنه كالنوم والنسيان والخطأ في الإجتهاد ونحو ذلك وأن كل من مدح من الأمة أولهم وآخرهم على شيء أثابه الله عليه ورفع به قدره فهو مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فالثواب على ما جاء به الرسول والنصرة لمن نصره والسعادة لمن اتبعه وصلوات الله وملائكته على المؤمنين به والمعلمين للناس دينه والحق يدور معه حيثما دار وأعلم الخلق بالحق وأتبعهم له أعملهم بسنته وأتبعهم لها وكل قول خالف قوله فهو إما دين منسوخ وإما دين مبدل لم يشرع قط وقد قال علي رضي الله عنه في مفاوضة جرت بينه وبين عثمان رضي الله عنه خيرنا أتبعنا لهذا الدين وعثمان يوافقه على ذلك وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين |
5 | 234 | فصل ولما قال السلف إن الله أمر بالاستغفار لأصحاب محمد فسبهم الرافضة كان هذا كلاما حقا وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لا تسبوا أصحابي يقتضي تحريم سبهم مع أن الأمر بالاستغفار للمؤمنين والنهي عن سبهم عام ففي الصحيحين عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وقد قال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الأسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون سورة الحجرات فقد نهى عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب واللمز العيب والطعن ومنه قوله تعالى ومنهم من يلمزك في الصدقات سورة التوبة أي يعيبك ويطعن عليك وقوله الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات سورة التوبة وقوله لا تلمزوا أنفسكم سورة الحجرات أي لا يلمز بعضكم بعضا كقوله لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا سورة |
5 | 235 | النور وقوله فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم سورة البقرة وقد قال تعالى ويل لكل همزة لمزة الآية سورة الهمزة والهمز العيب والطعن بشدة وعنف ومنه همز الأرض بعقبة ومنه الهمزة وهي نبرة من الصدر وأما الاستغفار للمؤمنين عموما فقد قال تعالى واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات سورة محمد وقد أمر الله بالصلاة على من يموت وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر للمنافقين حتى نهى عن ذلك فكل مسلم لم يعلم أنه منافق جاز الاستغفار له والصلاة عليه وإن كان فيه بدعة أو فسق لكن لا يجب على كل أحد أن يصلى عليه وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة والمظهر للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس فالكف عن الصلاة كان مشروعا لمن كان يؤثر ترك صلاته في الزجر بأن لا يصلى عليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه |
5 | 236 | صلوا على صاحبكم وكذلك قال في الغال صلوا على صاحبكم وقد قيل لسمرة بن جندب إن ابنك لم ينم البارحة فقال أبشما قالوا بشما قال لو مات لم أصل عليه يعني لأنه يكون قد قتل نفسه وللعلماء هنا نزاع هل يترك الصلاة على مثل هذا الإمام فقط لقوله صلى الله عليه وسلم صلوا على صاحبكم أم هذا الترك يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم أم مشروع لمن تطلب صلاته وهل الإمام هو الخليفة أو الإمام الراتب وهل هذا مختص بهذين أم هو ثابت لغيرهما فهذه كلها مسائل تذكر في غير هذا الموضع لكن بكل حال المسلمون المظهرون للإسلام قسمان إما مؤمن |
5 | 237 | وإما منافق فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه والإستغفار له ومن لم يعلم ذلك منه صلى عليه وإذا علم شخص نفاق شخص لم يصل هو عليه وصلى عليه من لم يعلم نفاقه وكان عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة لأنه كان في غزوة تبوك قد عرف المنافقين الذين عزموا على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم واعلم أنه لا منافاة بين عقوبة الإنسان في الدنيا على ذنبه وبين الصلاة عليه والإستغفار له فإن الزاني والسارق والشارب وغيرهم من العصاة تقام عليهم الحدود ومع هذا فيحسن إليهم بالدعاء لهم في دينهم ودنياهم فإن العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله بعباده فهي صادرة عن رحمة الله وإرادة الإحسان إليهم ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على الذنوب أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم كما يقصد الوالد تأديب ولده وكما يقصد الطبيب معالجة المريض فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما أنا لكم بمنزلة الوالد وقد قال تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم |
5 | 238 | وأزواجه أمهاتهم سورة الأحزاب وفي قراءة أبي وهو أب لهم والقراءة المشهورة تدل على ذلك فإن نساءه إنما كن أمهات المؤمنين تبعا له فلولا أنه كالأب لم يكن نساؤه كالأمهات والأنبياء أطباء الدين والقرآن أنزله الله شفاء لما في الصدور فالذي يعاقب الناس عقوبة شرعية إنما هو نائب عنه وخليفة له فعليه أن يفعل كما يفعل على الوجه الذي فعل ولهذا قال تعالى كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله سورة آل عمران قال أبو هريرة كنتم خير الناس للناس تأتون بهم في الأقياد والسلاسل تدخلونهم الجنة أخبر أن هذه الأمة خير الأمم لبني آدم فإنهم يعاقبونهم بالقتل والأسر ومقصودهم بذلك الإحسان إليهم وسوقهم إلى كرامة |
5 | 239 | الله ورضوانه وإلى دخول الجنة وهكذا الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم إن لم يقصد فيه بيان الحق وهدى الخلق ورحمتهم والإحسان إليهم لم يكن عمله صالحا وإذا غلظ في ذم بدعة و معصية كان قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العباد كما في نصوص الوعيد وغيرها وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيزا والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرحمة والإحسان لا للتشفى والإنتقام كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الثلاثة الذي خلفوا لما جاء المتخلفون عن الغزاة يعتذرون ويحلفون وكانوا يكذبون وهؤلاء الثلاثة صدقوا وعوقبوا بالهجر ثم تاب الله عليهم ببركة الصدق وهذا مبني على مسألتين إحداهما أن الذنب لا يوجب كفر صاحبه كما تقوله الخوارج بل ولا تخليده في النار ومنع الشفاعة فيه كما يقوله المعتزلة الثاني أن المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يكفر بل ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كفر المخطئين فيها وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا عن أحد من أئمة المسلمين وإنما هو في الأصل من أقوال أهل |
5 | 240 | البدع الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم كالخوارج والمعتزلة والجهمية ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم وقد يسلكون في التكفير ذلك فمنهم من يكفر أهل البدع مطلقا ثم يجعل كل من خرج عما هو عليه من أهل البدع وهذا بعينه قول الخوارج والمعتزلة الجهمية وهذا القول أيضا يوجد في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة وليس هو قول الأئمة الأربعة ولا غيرهم وليس فيهم من كفر كل مبتدع بل المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك ولكن قد ينقل عن أحدهم أنه كفر من قال بعض الأقوال ويكون مقصوده أن هذا القول كفر ليحذر ولا يلزم إذا كان القول كفرا أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه وذلك له شروط وموانع كما بسطناه في موضعه وإذا لم يكونوا في نفس الأمر كفارا لم يكونوا منافقين فيكونون من المؤمنين فيستغفر لهم ويترحم عليهم وإذا قال المؤمن ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان سورة الحشر يقصد كل من |
5 | 241 | سبقه من قرون الأمة بالإيمان وإن كان قد أخطأ في تأويل تأوله فخالف السنة أو أذنب ذنبا فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان فيدخل في العموم وإن كان من الثنتين والسبعين فرقة فإنه ما من فرقة إلا وفيها خلق كثير ليسوا كفارا بل مؤمنين فيهم ضلال وذنب يستحقون به الوعيد كما يستحقه عصاة المؤمنين والنبي صلى الله عليه وسلم لم يخرجهم من الإسلام بل جعلهم من أمته ولم يقل إنهم يخلدون في النار فهذا أصل عظيم ينبغي مراعاته فإن كثيرا من المنتسبين إلى السنة فيهم بدعة من جنس بدع الرافضة والخوارج وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب وغيره لم يكفروا الخوارج الذين قاتلوهم بل أول ما خرجوا عليه وتحيزوا بحروراء وخرجوا عن الطاعة والجماعة قال لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ولا حقكم من الفيء ثم أرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع نحو نصفهم ثم قاتل الباقي وغلبهم ومع هذا لم يسب لهم ذرية ولا غنم لهم مالا ولا سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين كمسيلمة الكذاب وأمثاله بلك كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة ولم ينكر أحد على علي ذلك فعلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام قال الإمام محمد بن نصر المروزي وقد ولى علي رضي الله عنه |
5 | 242 | قتال أهل البغي وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ما روى وسماهم مؤمنين وحكم فيهم بأحكام المؤمنين وكذلك عمار بن ياسر وقال محمد بن نصر أيضا حدثنا إسحاق بن راهويه حدثنا يحيى ين آدم عن مفضل بن مهلهل عن الشيباني عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال كنت عند على حين فرغ من قتال أهل النهروان فقيل له أمشركون هم قال من الشرك فروا فقيل فمنافقون قال المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا قيل فما هم قال قوم بغوا علينا فقاتلناهم وقال محمد بن نصر أيضا حدثنا إسحاق حدثنا وكيع عن مسعر عن عامر بن سفيان عن أبي وائل قال قال رجل من دعي إلى البغلة الشهباء يوم قتل المشركون فقال علي من الشرك فروا قال المنافقون قال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قال فما هم قال قوم بغوا علينا فقاتلناهم فنصرنا عليهم قال حدثنا إسحاق حدثنا وكيع عن أبي خالدة عن |
5 | 243 | حكيم بن جابر قال قالوا لعلي حين قتل أهل النهروان أمشركون هم قال من الشرك فروا قيل فمنافقون قال المنافقون لا يذكرون الله إلا قليل قيل فما هم قال قوم حاربونا فحاربناهم وقاتلونا فقاتلناهم قلت الحديث الأول وهذا الحديث صريحان في أن عليا قال هذا القول في الخوارج الحرورية أهل النهروان الذين استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذمهم والأمر بقتالهم وهم يكفرون عثمان وعليا ومن تولاهما فمن لم يكن معهم كان عندهم كافرا ودارهم دار كفر فإنما دار الإسلام عندهم هي دارهم قال الأشعرى وغيره أجمعت الخوارج على تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومع هذا علي قاتلهم لما بدؤوه بالقتال فقتلوا عبد الله بن خباب وطلب علي منهم قاتله فقالوا كلنا قتلة وأغاروا على ماشية الناس ولهذا قال فيهم قوم قاتلونا فقاتلناهم وحاربونا فحاربناهم وقال قوم بغوا علينا فقاتلناهم وقد اتفق الصحابة العلماء بعدهم على قتال هؤلاء فإنهم بغاة على جميع المسلمين سوى من وافقهم على مذهبهم وهم يبدؤون المسلمين بالقتال ولا يندفع شرهم إلا بالقتال فكانوا أضر على المسلمين من قطاع الطريق فإن إولئك إنما مقصودهم المال فلو |
5 | 244 | أعطوه لم يقاتلوا وإنما يتعرضون لبعض الناس وهؤلاء يقاتلون الناس على الدين حتى يرجعوا عما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة إلى ما ابتدعه هؤلاء بتأويلهم الباطل وفهمهم الفاسد للقرآن ومع هذا فقد صرح علي رضي الله عنه بأنهم مؤمنون ليسوا كفارا ولا منافقين وهذا بخلاف ما كان يقوله بعض الناس كأبي إسحاق الإسفراييني ومن اتبعه يقولون لا نكفر إلا من يكفر فإن الكفر ليس حقا لهم بل هو حق لله وليس للإنسان أن يكذب على من يكذب عليه ولا يفعل الفاحشة بأهل من فعل الفاحشة بأهله بل ولو استكرهه رجل على اللواطة لم يكن له أن يستكرهه على ذلك ولو قتله بتجريع خمر أو تلوط به لم يجز قتله بمثل ذلك لأن هذا حرام لحق الله تعالى ولو سب النصارى نبينا لم يكن لنا أن نسبح المسيح والرافضة إذا كفروا أبا بكر وعمر فليس لنا أن نكفر عليا وحديث أبي وائل يوافق ذينك الحديثين فالظاهر أنه كان يوم النهروان أيضا وقد روى عنه في أهل الجمل وصفين قول أحسن من هذا قال إسحاق بن راهويه حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال سمع علي يوم الجمل أو يوم صفين رجلا يغلو في القول فقال |
5 | 245 | لا تقولوا إلا خيرا إنما هم قوم زعموا إنا بغينا عليهم وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم فذكر لأبي جعفر أنه أخذ منهم السلاح فقال ما كان أغناه عن ذلك وقال محمد بن نصر حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن خالد حدثنا محمد بن راشد عن مكحول أن أصحاب علي سألوه عمن قتل من أصحاب معاوية ما هم قال هم مؤمنون وبه قال أحمد بن خالد حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الواحد بن أبي عون قال مر علي وهو متكىء على الأشتر على قتلى صفين فإذا حابس اليماني مقتول فقال الأشتر إنا لله وإنا اليه راجعون هذا حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين عليه علامة معاوية أما والله لقد عهدته مؤمنا قال علي والآن هو مؤمن قال وكان حابس رجلا من أهل اليمن من أهل العبادة والإجتهاد قال محمد بن يحيى حدثنا محمد بن عبيد حدثنا مختار بن نافع عن أبي مطر قال قال علي متى ينبعث أشقاها قيل من أشقاها قال الذي يقتلني فضربه ابن ملجم بالسيف فوقع برأس علي رضي الله عنه وهم المسلمون بقتله فقال لا تقتلوا الرجل فإن برئت فالجروح قصاص وإن مت فاقتلوه فقال إنك ميت قال وما يدريك قال كان سيفي مسموما |
5 | 246 | وبه قال محمد بن عبيد حدثنا الحسن وهو ابن الحكم النخعي عن رباح بن الحارث قال إنا لبواد وإن ركبتي لتكاد تمس ركبة عمار بن ياسر إذ أقبل رجل فقال كفر والله أهل الشام فقال عمار لا تقل ذلك فقبلتنا واحدة ونبينا واحد ولكنهم قوم مفتونون فحق علينا قتالهم حتى يرجعوا إلى الحق وبه قال ابن يحيى حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الحسن بن الحكم عن رباح بن الحرث عن عمار بن ياسر قال ديننا واحد وقبلتنا واحدة ودعوتنا واحدة ولكنهم قوم بغوا علينا فقاتلناهم قال ابن يحيى حدثنا يعلى حدثنا مسعر عن عبد الله بن رباح عن رباح بن الحارث قال قال عمار بن ياسر لا تقولوا كفر أهل الشام قولوا فسقوا قولوا ظلموا قال محمد بن نصر وهذا يدل على أن الخبر الذي روي عن عمار ابن ياسر أنه قال لعثمان بن عفان هو كافر خبر باطل لا يصح لأنه إذا أنكر كفر أصحاب معاوية وهم إنما كانوا يظهرون أنهم يقاتلون في دعم عثمان فهو لتكفير عثمان أشد إنكارا قلت والمروي في حديث عمار أنه لما قال ذلك أنكر عليه علي |
5 | 247 | رضي الله عنه وقال أتكفر برب آمن به عثمان وحدثه بما يبين بطلان ذلك القول فيكون عمار إن كان قال ذلك متأولا فقد رجع عنه حين بين له علي رضي الله عنه أنه قول باطل ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة يصلون خلف نجدة الحروري وكانوا أيضا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم كما كان عبد الله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل وحديثه في البخاري وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان وما زالت سيرة المسلمين على هذا ما جعلوهم مرتدين كالذين |
5 | 248 | قاتلهم الصديق رضي الله عنه هذا مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة وما روي من أنهم شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه في الحديث الذي رواه أبو أمامة رواه الترمذي وغيره أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة ومع هذا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم ولا جعلوهم مرتدين ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل بل اتقوا الله فيهم وساروا فيهم السيرة العادلة وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من الشيعة والمعتزلة وغيرهم فمن كفر الثنتين والسبعين فرقة |
5 | 249 | كلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان مع أن حديث الثنتين والسبعين فرقة ليس في الصحيحين وقد ضعفه ابن حزم وغيره لكن حسنه غيره أو صححه كما صححه الحاكم وغيره وقد رواه أهل السنن وروي من طرق وليس قوله ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة بأعظم من قوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا سورة النساء وقوله ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوق نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا سورة النساء وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار |
5 | 250 | ومع هذا فلا نشهد لمعين بالنار لإمكان أنه تاب أو كانت له حسنات محت سيئاته أو كفر الله عنه بمصائب أو غير ذلك كما تقدم بل المؤمن بالله ورسوله باطنا وظاهرا الذي قصد اتباع الحق وما جاء به الرسول إذا أخطأ ولم يعرف الحق كان أولى أن يعذره الله في الآخرة من المتعمد العالم بالذنب فإن هذا عاص مستحق للعذاب بلا ريب وأما ذلك فليس متعمدا للذنب بل هو مخطىء والله قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان والعقوبة في الدنيا تكون لدفع ضرره عن المسلمين وإن كان في الآخرة خيرا ممن لم يعاقب كما يعاقب المسلم المتعدي للحدود ولا يعاقب أهل الذمة من اليهود والنصارى والمسلم في الآخرة خير منهم وأيضا فصاحب البدعة يبقى صاحب هوى يعمل لهواه لا ديانة ويصدر عن الحق الذي يخالفه هواه فهذا يعاقبه الله على هواه ومثل هذا يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة ومن فسق من السلف الخوارج ونحوهم كما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال فيهم قوله تعالى وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون سورة البقرة فقد يكون هذا قصده لا سيما إذا تفرق الناس فكان ممن يطلب الرياسة له ولأصحابه وإذا كان المسلم الذي يقاتل الكفار قد يقاتلهم شجاعة وحمية ورياء وذلك ليس في سبيل الله فكيف بأهل البدع الذين يخاصمون ويقاتلون |
5 | 251 | عليها فإنهم يفعلون ذلك شجاعة وحمية وربما يعاقبون لما اتبعوا أهواءهم بغير هدى من الله لا لمجرد الخطأ الذي اجتهدوا فيه ولهذا قال الشافعي لأن أتكلم في علم يقال لي فيه أخطأت أحب إلي من أن أتكلم في علم يقال لي فيه كفرت فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضا ومن ممادح أهل العلم أنهم يخطئون ولا يكفرون وسبب ذلك أن أحدهم قد يظن ما ليس بكفر كفرا وقد يكون كفرا لأنه تبين له أنه تكذيب للرسول وسب للخالق والآخر لم يتبين له ذلك فلا يلزم إذا كان هذا العالم بحاله يكفر إذا قاله أن يكفر من لم يعلم بحاله والناس لهم فيما يجعلونه كفرا طرق متعددة فمنهم من يقول الكفر تكذيب ما علم بالإضطرار من دين الرسول ثم الناس متفاوتون في العلم الضروري بذلك ومنهم من يقول الكفر هو الجهل بالله تعالى ثم قد يجعل الجهل بالصفة كالجهل بالموصوف وقد لا يجعلها وهم مختلفون في الصفات نفيا وإثباتا ومنهم من لا يحده بحد بل كل ما تبين أنه تكذيب لما جاء به الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر جعله كفرا إلى طرق أخر ولا ريب أن الكفر متعلق بالرسالة فتكذيب الرسول كفر وبغضه |
5 | 252 | وسبه وعداوته مع العلم بصدقه في الباطن كفر عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة العلم وسائر الطوائف إلا الجهم ومن وافقه كالصالحي والأشعري وغيرهم فإنهم قالوا هذا كفر في الظاهر وأما في الباطن فلا يكون كفرا إلا إذا استلزم الجهل بحيث لا يبقى في القلب شيء من التصديق بالرب وهذا بناء على أن الإيمان في القلب لا يتفاضل ولا يكون في القلب بعض من الإيمان وهو خلاف النصوص الصريحة وخلاف الواقع ولبسط هذا موضع آخر والمقصود هنا أن كل من تاب من أهل البدع تاب الله عليه وإذا كان الذنب متعلقا بالله ورسوله فهو حق محض لله فيجب أن يكون الإنسان في هذا الباب قاصدا لوجه الله متبعا لرسوله ليكون عمله خالصا صوابا قال تعالى وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون سورة البقرة وقال تعالى ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا سورة النساء قال المفسرون وأهل اللغة معنى الآية أخلص دينه وعمله لله وهو محسن في عمله |
5 | 253 | وقال الفراء في قوله فقل أسلمت وجهي لله سورة آل عمران أخلصت عملي وقال الزجاج قصدت بعبادتي إلى الله وهو كما قالوا كما قد ذكر توجيهه في موضع آخر وهذا المعنى يدور عليه القرآن فإن الله تعالى أمر أن لا يعبد إلا إياه وعبادته فعل ما أمر وترك ما حظر والأول هو إخلاص الدين والعمل لله والثاني هو الإحسان وهو العمل الصالح ولهذا كان عمر يقول في دعائه اللهم أجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا وهذا هو الخالص الصواب كما قال الفضيل بن عياض في قوله ليبلوكم أيكم أحسن عملا سورة هود قال أخلصه وأصوبه قالوا يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه قال إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة والأمر بالسنة والنهي عن البدعة هو أمر بمعروف ونهي عن منكر وهو من أفضل الأعمال الصالحة فيجب أن يبتغي به وجه الله وإن يكون مطابقا للأمر وفي الحديث من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فينبغي أن يكون عليما بما يأمر به عليما بما ينهى عنه رفيقا فيما يأمر به رفيقا فيما |
5 | 254 | ينهى عنه حليما فيما يأمر به حليما فيما ينهى عنه فالعلم قبل الأمر والرفق مع الأمر والحلم بعد الأمر فإن لم يكن عالما لم يكن له أن يقفو ما ليس له به علم وإن كان عالما ولم يكن رفيقا كان كالطبيب الذي لا رفق فيه فيغلظ على المريض فلا يقبل منه وكالمؤدب الغليظ الذي لا يقبل منه الولد وقد قال تعالى لموسى وهارون فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى سورة طه ثم إذا أمر ونهى فلا بد أن يؤذى في العادة فعليه أن يصبر ويحلم كما قال تعالى وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور سورة لقمان وقد أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين في غير موضع وهو إمام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر فإن الإنسان عليه أولا أن يكون أمره لله وقصده طاعة الله فيما أمره به وهو يحب صلاح المأمور أو إقامة الحجة عليه فإن فعل ذلك لطلب الرياسة لنفسه ولطائفته وتنقيص غيره كان ذلك حمية لا يقبله الله وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء كان عمله حابطا ثم إذا رد عليه ذلك وأوذي أو |
5 | 255 | نسب إلى أنه مخطىء وغرضه فاسد طلبت نفسه الانتصار لنفسه وأتاه الشيطان فكان مبدأ عمله لله ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه وربما اعتدى على ذلك المؤذي وهكذا يصيب أصحاب المقالات المختلفة إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه وأنه على السنة فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوى أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نسب إليهم لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يكون الدين كله لله بل يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلا سيىء القصد ليس له علم ولا حسن قصد فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله ويذموا من لم يذمه الله ورسوله وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم ويقولون هذا صديقنا وهذا عدونا وبلغة المغل هذا بال هذا باغي لا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله ومعاداة الله ورسوله ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس قال الله تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله سورة الأنفال فإذا لم يكن الدين كله لله وكانت فتنة وأصل الدين أن يكون الحب لله والبغض لله والموالاة لله والمعاداة لله والعبادة لله والإستعانة بالله والخوف من الله والرجاء |
5 | 256 | لله والإعطاء لله والمنع لله وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله الذي أمره أمر الله ونهيه نهي الله ومعاداته معاداة الله وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ولا يرضى لرضا الله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ويكون مع ذلك معه شبهة دين أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة وهو الحق وهو الدين فإذا قدر أن الذي معه هوالحق المحض دين الإسلام ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا بل قصد الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه أو فعل ذلك شجاعة وطبعا أو لغرض من الدنيا لم يكن لله ولم يكن مجاهدا في سبيل الله فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره معه حق وباطل وسنة وبدعة ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا وكفر بعضهم بعضا وفسق بعضهم بعضا ولهذا قال تعالى فيهم وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة سورة البينة وقال تعالى كان الناس أمة واحدة سورة البقرة يعني |
5 | 257 | فاختلفوا كما في سورة يونس وكذلك في قراءة بعض الصحابة وهذا على قراءة الجمهور من الصحابة والتابعين أنهم كانوا على دين الإسلام وفي تفسير ابن عطية عن ابن عباس أنهم كانوا على الكفر وهذا ليس بشيء وتفسير ابن عطية عن ابن عباس ليس بثابت عن ابن عباس بل قد ثبت عنه أنه قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام وقد قال في سورة يونس وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا سورة يونس فذمهم على الإختلاف بعد أن كانوا على دين واحد فعلم أنه كان حقا والاختلاف في كتاب الله على وجهين أحدهما أن يكون كله مذموما كقوله وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد سورة البقرة والثاني أن يكون بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل كقوله تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله |
5 | 258 | ما اقتتل الذين من بعدهم من ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد سورة البقرة لكن إذا أطلق الإختلاف فالجميع مذموم كقوله ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذ لك خلقهم سورة هود وقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ولهذا فسروا الإختلاف في هذا الموضع بأنه كله مذموم قال الفراء في اختلافهم وجهان أحدهما كفر بعضهم بكتاب بعض والثاني تبديل ما بدلوا وهو كما قال فإن المختلفين كل منهم يكون معه حق وباطل فيكفر بالحق الذي مع الآخر ويصدق بالباطل الذي معه وهو تبديل ما بدل فالإختلاف لا بد أن يجمع النوعين ولهذا ذكر كل من السلف أنواعا من هذا أحدها الإختلاف في اليوم الذي يكون فيه الإجتماع فاليوم الذي أمروا به يوم الجمعة فعدلت عنه الطائفتان فهذه أخذت السبت وهذه أخذت الأحد وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من |
5 | 259 | بعدهم فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له الناس لنا فيه تبع اليوم لنا وغدا لليهود وبعد غد للنصارى وهذا الحديث يطابق قوله تعالى فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه سورة البقرة وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلفوا فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم والحديث الأول يبين أن الله تعالى هدى المؤمني لغير ما كان فيه المختلفون فلا كانوا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء وهو مما يبين أن الإختلاف كله مذموم والنوع الثاني القبلة فمنهم من يصلي إلى المشرق ومنهم من يصلي إلى المغرب وكلاهما مذموم لم يشرعه الله والثالث إبراهيم قالت اليهود كان يهوديا وقالت النصارى كان |
5 | 260 | نصرانيا وكلاهما كان من الإختلاف المذموم ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين سورة آل عمران والرابع عيسى جعلته اليهود لغية وجعلته النصارى إلها والخامس الكتب المنزلة آمن هؤلاء ببعض وهؤلاء ببعض والسادس الدين أخذ هؤلاء بدين وهؤلاء بدين ومن هذا الباب قوله تعالى وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء سورة البقرة وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال اختصمت يهود المدينة ونصارى نجران عند النبي صلى الله عليه وسلم فقالت اليهود ليست النصارى على شيء ولا يدخل الجنة إلا من كان يهوديا وكفروا بالإنجيل وعيسى وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وكفروا بالتوراة وموسى فأنزل الله هذه الآية والتي قبلها واختلاف أهل البدع هو من هذا النمط فالخارجي يقول ليس الشيعي على شيء والشيعي يقول ليس الخارجي على شيء والقدري النافي يقول ليس المثبت على شيء والقدري الجبري المثبت يقول ليس النافي على شيء والوعيدية تقول ليست المرجئة على شيء والمرجئة تقول ليست الوعيدية على شيء بل ويوجد شيء من هذا بين أهل المذاهب الأصولية والفروعية |
5 | 261 | المنتسبين إلى السنة فالكلابي يقول ليس الكرامى على شيء والكرامي يقول ليس الكلابي على شيء والأشعري يقول ليس السالمي على شيء والسلمي يقول ليس الأشعري على شيء ويصنف السالمي كأبي على الأهوازي كتابا في مثالب الأشعري ويصنف الأشعري كابن عساكر كتابا يناقض ذلك من كل وجه وذكر فيه مثالب السالمية وكذلك أهل المذاهب الأربعة وغيرها لا سيما وكثير منهم قد تلبس ببعض المقالات الأصولية وخلط هذا بهذا فالحنبلي والشافعي والمالكي يخلط بمذهب مالك والشافعي وأحمد شيئا من أصول الأشعرية والسالمية وغير ذلك ويضيفه إلى مذهب مالك والشافعي وأحمد وكذلك الحنفي يخلط بمذاهب أبي حنيفة شيئا من أصول المعتزلة والكرامية والكلابية ويضيفه إلى مذهب أبي حنيفة وهذا من جنس الرفض والتشيع لكنه تشيع في تفضيل بعض الطوائف والعلماء لا تشيع في تفضيل بعض الصحابة والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله |
5 | 262 | أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وطاعة رسوله يدور على ذلك ويتبعه أين وجده ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة فلا ينتصر لشخص انتصارا مطلقا عاما إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لطائفة انتصارا مطلقا عاما إلا للصحابة رضي الله عنهم أجمعين فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا فإذا أجمعوا لم يجمعوا على خطأ قط بخلاف أصحاب عالم من العلماء قد فإنهم قد يجمعون على خطأ بل كل قول قالوه ولم يقله غيرهم من الأمة لا يكون إلا خطأ فإن الدين الذي بعث الله به رسوله ليس مسلما إلى عالم واحد وأصحابه ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم ولا بد أن يكون الصحابة والتابعون يعرفون ذلك الحق الذي بعث الله به الرسول قبل وجود المتبوعين الذين تنسب إليهم المذاهب في الأصول والفروع ويمتنع أن يكون هؤلاء جاءوا بحق يخالف ما جاء به الرسول فإن كل ما خالف الرسول فهو باطل ويمتنع أن يكون أحدهم علم من جهة الرسول ما يخالف الصحابة والتابعين لهم بإحسان فإن أولئك لم يجتمعوا على ضلالة فلابد أن يكون قوله إن |
5 | 263 | كان حقا مأخوذا عما جاء به الرسول موجودا فيمن قبله وكل قول قيل في دين الإسلام مخالف لما مضى عليه الصحابة والتابعون لم يقله أحد منهم بل قالوا خلافه فإنه قول باطل والمقصود هنا أن الله تعالى ذكر أن المختلفين جاءتهم البينة وجاءهم العلم وإنما اختلفوا بغيا ولهذا ذمهم الله وعاقبهم فإنهم لم يكونوا مجتهدين مخطئين بل كانوا قاصدين البغي عالمين بالحق معرضين عن القول وعن العمل به ونظير هذا قوله إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم سورة آل عمران قال الزجاج اختلفوا للبغي لا لقصد البرهان وقال تعالى ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون سورة يونس وقال تعالى ولقد أتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن |
5 | 264 | الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين هذا بصائر للناس وهدى ورحمة سورة الجاثية فهذه المواضع من القرآن تبين أن المختلفين ما اختلفوا حتى جاءهم العلم والبينات فاختلفوا للبغي والظلم لا لأجل اشتباه الحق بالباطل عليهم وهذ حال أهل الاختلاف المذموم من أهل الأهواء كلهم لا يختلفون إلا من بعد أن يظهر لهم الحق ويجيئهم العلم فيبغى بعضهم على بعض ثم المختلفون المذمومون كل منهم يبغى على الآخر فيكذب بما معه من الحق مع علمه أنه حق ويصدق بما مع نفسه من الباطل مع العلم أنه باطل وهؤلاء كلهم مذمومون ولهذا كان أهل الإختلاف المطلق كلهم مذمومين في الكتاب والسنة فإنه ما منهم إلا من خالف حقا واتبع باطلا ولهذا أمر الله الرسل أن تدعوا إلى دين واحد وهو دين الإسلام ولا يتفرقوا فيه وهو دين الأولين والآخرين من الرسل وأتباعهم قال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه سورة الشورى وقال في الآية الأخرى يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم |
5 | 265 | فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون سورة المؤمنون أي كتبا اتبع كل قوم كتابا مبتدعا غير كتاب الله فصاروا متفرقين مختلفين لأن أهل التفرق والاختلاف ليسوا على الحنيفية المحضة التي هي الإسلام المحض الذي هو إخلاص الدين لله الذي ذكره الله في قوله وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيمو الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة سورة البينة وقال في الآية الأخرى فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون سورة الروم فنهاه أن يكون من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا وأعاد حرف من ليبين أن الثاني بدل من الأول والبدل هو المقصود بالكلام وما قبله توطئة له وقال تعالى ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم سورة هود إلى قوله ولو شاء ربك جعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم سورة هود فأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون وقد ذكر في غير موضع أن دين الأنبياء كلهم الإسلام كما قال تعالى عن نوح وأمرت أن أكون من المسلمين سورة النمل وقال عن إبراهيم إذا قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها |
5 | 266 | إبراهيم بينه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون سورة البقرة وقال يوسف فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين سورة يوسف وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين سورة يونس وقال عن السحرة ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين سورة الأعراف وقال عن بلقيس رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين سورة النمل وقال يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار سورة المائدة وقال وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد باننا مسلمون سورة المائدة وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد وتنوع الشرائع لا يمنع أن يكون الدين واحدا وهو |
5 | 267 | الإسلام كالدين الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم فإنه هو دين الإسلام أولا وآخرا وكانت القبلة في أول الأمر بيت المقدس ثم صارت القبلة الكعبة وفي كلا الحالين الدين واحد وهو دين الإسلام فهكذا سائر ما شرع للأنبياء قبلنا ولهذا حيث ذكر الله الحق في القرآن جعله واحدا وجعل الباطل متعددا كقوله وأن هذا صراطي مستقيما فأتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله سورة الأنعام وقوله أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين سورة الفاتحة وقوله اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم سورة النحل وقوله ويهديك صراطا مستقيما سورة الفتح وقوله الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات سورة البقرة وهذا يطابق ما في كتاب الله من أن الإختلاف المطلق كله مذموم بخلاف المقيد الذي قيل فيه ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا سورة البقرة فهذا قد بين أنه اختلاف بين أهل الحق والباطل كما قال هذان خصمان اختصموا في ربهم سورة الحج |
5 | 268 | وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت المقتتلين يوم بدر في حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ابن عمه وعبيدة بن الحارث ابن عمه والمشركين الذين برزهم عتبة وشيبة والوليد بن عتبة وقد تدبرت كتب الإختلاف التي يذكر فيها مقالات الناس إما نقلا مجردا مثل كتاب المقالات لأبي الحسن الأشعري وكتاب الملل والنحل للشهرستاني ولأبي عيسى الوراق أو مع انتصار لبعض الأقوال كسائر ما صنفه أهل الكلام على اختلاف طبقاتهم فرأيت عامة الإختلاف الذي فيها من الاختلاف المذموم وأما الحق الذي بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه وكأن عليه سلف الأمة فلا يوجد فيها في جميع مسائل الإختلاف بل يذكر أحدهم في المسألة عدة أقوال والقول الذي جاء به الكتاب والسنة لا يذكرونه وليس ذلك لأنهم يعرفونه ولا يذكرونه بل لا يعرفونه ولهذا كان السلف والأئمة يذمون هذا الكلام ولهذا يوجد الحاذق |
5 | 269 | منهم المنصف الذي غرضه الحق في آخر عمره يصرح بالحيرة والشك إذ لم يجد في الإختلافات التي نظر فيها وناظر ما هو حق محض وكثير منهم يترك الجميع ويرجع إلي دين العامة الذي عليه العجائز والأعراب كما قال أبو المعالي وقت السياق لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت في الذي نهونى عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي وكذلك أبو حامد في آخر عمره استقر أمره على الوقف والحيرة بعد أن نظر فيما كان عنده من طرق النظار أهل الكلام والفلسفة وسلك ما تبين له من طرق العبادة والرياضة والزهد وفي آخر عمره اشتغل بالحديث بالبخاري ومسلم وكذلك الشهر ستاني مع أنه كان من أخبر هؤلاء المتكلمين بالمقالات والإختلاف وصنف فيها كتابه المعروف بنهاية الإقدام في علم الكلام وقال قد أشار علي من إشارته غنم وطاعته حتم أن أذكر له من مشكلات الأصول ما أشكل على ذوي العقول ولعله |
5 | 270 | استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعاكف حائر على ذقن أو قارعا سن نادم فأخبر أنه لم يجد إلا حائرا شاكا ومرتابا أو من اعتقد ثم ندم لما تبين له خطؤه فالأول في الجهل البسيط كظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكن يراها وهذا دخل في الجهل المركب ثم تبين له أنه جهل فندم ولهذا تجده في المسائل يذكر أقوال الفرق وحججهم ولا يكاد يرجح شيئا للحيرة وكذلك الأمدي الغالب عليه الوقف والحيرة وأما الرازي فهو في الكتاب الواحد بل في الموضع الواحد منه ينصر قولا وفي موضع آخر منه أو من كتاب آخر ينصر نقيضه ولهذا استقر أمره على الحيرة والشك ولهذا لما ذكر أن أكمل العلوم العلم بالله وبصفاته وأفعاله ذكر أن على كل منها إشكال وقد ذكرت |
5 | 271 | كلامه وبينت ما أشكل عليه وعلى هؤلاء في مواضع فإن الله قد أرسل رسله بالحق وخلق عباده على الفطرة فمن كمل فطرته بما أرسل الله به رسله وجد الهدى واليقين الذي لا ريب فيه ولم يتناقض لكن هؤلاء أفسدوا فطرتهم العقلية وشرعتهم السمعية بما حصل لهم من الشبهات والاختلاف الذي لم يهتدوا معه إلى الحق كما قد ذكر تفصيل ذلك في موضع غير هذا والمقصود هنا أنه لما ذكر ذلك قال ومن الذي وصل إلى هذا الباب ومن الذي ذاق هذا الشراب نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قبل وقالوا وقال لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروى غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ في الإثبات إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه |
5 | 272 | سورة فاطر الرحمن على العرش استوى سورة طه واقرأ في النفي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير سورة الشورى ولا يحيطون به علما سورة طه ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي وهو صادق فيما أخبر به أنه لم يستفد من بحوثه في الطرق الكلامية والفلسفية سوى أن جمع قيل وقالوا وأنه لم يجد فيها ما يشفي عليلا ولا يروى غليلا فإن من تدبر كتبه كلها لمي جد فيها مسألة واحدة من مسائل أصول الدين موافقة للحق الذي يدل عليه المنقول والمعقول بل يذكر في المسألة عدة أقوال والقول الحق لا يعرفه فلا يذكره وهكذا غيره من أهل الكلام والفلسفة ليس هذا من خصائصه فإن الحق واحد ولا يخرج عما جاءت به الرسل وهو الموافق لصريح العقل فطرة الله التي فطر الناس عليها وهؤلاء لا يعرفون ذلك بل هم من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا وهم مختلفون في الكتاب وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد سورة البقرة |
5 | 273 | وقال الإمام أحمد في خطبة مصنفة الذي صنفه في محبسه في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابهه القرآن وتأولته على غير تأويله قال الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل الضلالة والعمى فكم من قتيل لإبليس قد أحبوه وكم من تائه ضال قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم ينقون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم |
5 | 274 | وهو كما وصفهم رحمه الله فإن المختلفين أهل المقالات المذكورة في كتب الكلام إما نقلا مجردا للأقوال وإما نقلا وبحثا وذكرا للجدال مختلفون في الكتاب كل منهم يوافق بعضا ويرد بعضا ويجعل ما يوافق رأيه هو المحكم الذي يجب اتباعه وما يخالفه هو المتشابه الذي يجب تأويله أو تفويضه وهذا موجود في كل من صنف في الكلام وذكر النصوص التي يحتج بها ويحتج بها عليه تجده يتأول النصوص التي تخالف قوله تأويلات لو فعلها غيره لأقام القيامة عليه ويتأول الآيات بما يعلم بالاضطرار أن الرسول لم يرده وبما لا يدل عليه اللفظ أصلا وبما هو خلاف التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين وخلاف نصوص أخرى |
5 | 275 | ولو ذكرت ما أعرفه من ذلك لذكرت خلقا ولا استثنى أحدا من أهل البدع لا من المشهورين بالبدع الكبار من معتزلي ورافضي ونحو ذلك ولا من المنتسبين إلى السنة والجماعة من كرامي وأشعري وسالمي ونحو ذلك وكذلك من صنف على طريقهم من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم هذا كله رأيته في كتبهم وهذا موجود في بحثهم في مسائل الصفات والقرآن ومسائل القدر ومسائل الأسماء والأحكام والإيمان والإسلام ومسائل الوعد والوعيد وغير ذلك وقد بسطنا الكلام على ذلك في مواضع من كتبنا غير هذا الكتاب درء تعارض العقل والنقل وغيره ومن أجمع الكتب التي رأيتها في مقالات الناس المختلفين في أصول الدين كتاب أبي الحسن الأشعري وقد ذكر فيه من المقالات وتفاصيلها ما لم يذكره غيره وذكر فيه مذهب أهل الحديث والسنة بحسب ما فهمه عنهم وليس في جنسه أقرب إليهم منه ومع هذا نفس القول الذي جاء به الكتاب والسنة وقال به الصحابة والتابعون لهم بإحسان في القرآن والرؤية |
5 | 276 | والصفات والقدر وغير ذلك من مسائل أصول الدين ليس في كتابه وقد استقصى ما عرفه من كلام المتكلمين وأما معرفة ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة وآثار الصحابة فعلم آخر لا يعرفه أحد من هؤلاء المتكلمين المختلفين في أصول الدين ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها متفقين على ذم أهل الكلام فإن كلامهم لا بد أن يشتمل على تصديق بباطل وتكذيب بحق ومخالفة الكتاب والسنة فذموه لما فيه من الكذب والخطأ والضلال ولم يذم السلف من كان كلامه حقا فإن ما كان حقا فإنه هو الذي جاء به الرسول وهذا لا يذمه السلف العارفون بما جاء به الرسول ومع هذا فيستفاد من كلامهم نقض بعضهم على بعض وبيان فساد قوله فإن المختلفين كل كلامهم فيه شيء من الباطل وكل طائفة تقصد بيان بطلان قول الأخرى فيبقى الإنسان عند دلائل كثيرة تدل على فساد قول كل طائفة من الطوائف المختلفين في الكتاب وهذا مما مدح به الأشعري فإنه من بين من فضائح المعتزلة وتناقض |
5 | 277 | أقوالهم وفسادها ما لم يبينه غيره لأنه كان منهم وكان قد درس الكلام على أبي على الجبائي أربعين سنة وكان ذكيا ثم إنه رجع عنهم وصنف في الرد عليهم ونصر في الصفات طريقة ابن كلاب لأنها أقرب إلى الحق والسنة من قولهم ولم يعرف غيرها فإنه لم يكن خبيرا بالسنة والحديث وأقوال الصحابة والتابعين وغيرهم وتفسير السلف للقرآن والعلم بالسنة المحضة إنما يستفاد من هذا ولهذا يذكر في المقالات مقالة المعتزلة مفصلة يذكر قول كل واحد منهم وما بينهم من النزاع في الدق والجل كما يحكى ابن أبي زيد مقالات أصحاب مالك وكما يحكي أبو الحسن القدوري اختلاف أصحاب أبي حنيفة ويذكر أيضا مقالات الخوارج والروافض لكن نقلة لها من كتب أرباب المقالات لا عن مباشرة |
5 | 278 | منه للقائلين ولا عن خبرة بكتبهم ولكن فيها تفصيل عظيم ويذكر مقالة ابن كلاب عن خبرة بها ونظر في كتبه ويذكر اختلاف الناس في القرآن من عدة كتب فإذا جاء إلى مقالة أهل السنة والحديث ذكر أمرا مجملا يلقى أكثره عن زكريا بن يحيى الساجي وبعضه عمن أخذ عنه من حنبلية بغداد ونحوهم وأين العلم المفصل من العلم المجمل وهو يشبه من بعض الوجوه علمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم تفصيلا وعلمنا بما في التوراة والإنجيل مجملا لما نقله الناس عن التوراة والإنجيل وبمنزلة علم الرجل الحنفي أو الشافعي أو المالكي أو الحنبلي بمذهبه الذي عرف أصوله وفروعه واختلاف أهله وأدلته بالنسبة إلى ما يذكرونه من خلاف المذهب الآخر فإنه إنما يعرفه معرفة مجملة |
5 | 279 | فهكذا معرفته بمذهب أهل السنة والحديث مع أنه من أعرف المتكلمين المصنفين في الاختلاف بذلك وهو أعرف به من جميع أصحابه من القاضي أبي بكر وابن فورك وأبي إسحاق وهؤلاء أعلم به من أبي المعالي وذويه ومن الشهرستاني ولهذا كان ما يذكره الشهرستاني من مذهب أهل السنة والحديث ناقصا عما يذكره الأشعري فإن الأشعري أعلم من هؤلاء كلهم بذلك نقلا وتوجيها وهذا كالفقيه الذي يكون أعرف من غيره من الفقهاء بالحديث وليس هو من علماء الحديث أو المحدث الذي يكون أفقه من غيره من المحدثين وليس هو من أئمة الفقه والمقرىء الذي يكون أخبر من غيره بالنحو والإعراب وليس هو من أئمة النحاة والنحوي الذي يكون أخبر من غيره بالقرآن وليس هو من أئمة القراء ونظائر هذا متعددة والمقصود هنا بيان ما ذكره الله في كتابه من ذم الإختلاف في الكتاب وهذا الإختلاف القولي وأما الإختلاف العملي وهو الإختلاف باليد والسيف والعصا والسوط فهو داخل في الإختلاف والخوارج والروافض والمعتزلة ونحوهم يدخلون في النوعين والملوك الذين يتقاتلون على محض الدنيا يدخلون في الثاني والذين يتكلمون في العلم ولا يدعون إلى قول ابتدعوه ويحاربون عليه من خالفهم لا بيد ولا بلسان هؤلاء هم أهل العلم وهؤلاء خطؤهم مغفور |
5 | 280 | لهم وليسوا مذمومين إلا أن يدخلهم هوى وعدوان أو تفريط في بعض الأمور فيكون ذلك من ذنوبهم فإن العبد مأمور بالتزام الصراط المستقيم في كل أموره وقد شرع الله تعالى أن نسأله ذلك في كل صلاة وهو أفضل الدعاء وأفرضه وأجمعه لكل خير وكل أحد محتاج إلى الدعاء به فلهذا أوجبه الله تعالى على العبد في كل صلاة فإنه وإن كان قد هدي هدى مجملا مثل إقراره بأن الإسلام حق والرسول حق فهو محتاج إلى التفصيل في كل ما يقوله ويفعله ويعتقده فيثبته أو ينفيه ويحبه أو يبغضه ويأمر به أو ينهى عنه ويحمده أو يذمه وهو محتاج في جميع ذلك إلى أن يهديه الله الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فإن كثيرا ممن سمع ذم الكلام مجملا أو سمع ذم الطائفة الفلانية مجملا وهو لا يعرف تفاصيل الأمور من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والعامة ومن كان متوسطا في الكلام لم يصل إلى الغايات التي منها تفرقوا واختلفوا تجده يذم القول وقائله بعبارة ويقبله بعبارة ويقرأ كتب التفسير والفقه وشروح الحديث وفيها تلك المقالات التي كان يذمها فيقبلها من أشخاص أخر يحسن الظن بهم وقد ذكروها بعبارة أخرى أو في ضمن تفسير آية أو حديث أو غير ذلك |
5 | 281 | وهذا مما يوجد كثيرا والسالم من سلمه الله حتى أن كثيرا من هؤلاء يعظم أئمة ويذم أقوالا قد يلعن قائلها أو يكفره وقد قالها أولئك الأئمة الذين يعظمهم ولو علم أنهم قالوها لما لعن القائل وكثير منها يكون قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرف ذلك فإن كان ممن قبلها من المتكلمين تقليديا فإنه يتبع من يكون في نفسه أعظم فإن ظن أن المتكلمين حققوا ما لم يحققه أتمتهم قلدهم وإن ظن أن الائمة أجل قدرا وأعرف بالحق وأتبع للرسول قلدهم وإن كان قد عرف الحجة الكلامية على ذلك القول وبلغه أن أئمة يعظمهم قالوا بخلافه أو جاء الحديث بخلافه بقي في الحيرة وإن رجح أحد الجانبين رجح على مضض وليس عنده ما يبني عليه وإنما يستقر قلبه بما يعرف صحة أحد القولين جزما فإن التقليد لا يورث الجزم فإذا جزم بأن الرسول قاله وهو عالم بأنه لا يقول إلا الحق جزم بذلك وإن خالفه بعض أهل الكلام وعلم الإنسان باختلاف هؤلاء ورد بعضهم على بعض وإن لم يعرف بعضهم فساد مقالة بعض هو من أنفع الأمور فإنه ما منهم إلا من قد فضل مقالته طوائف فإذا عرف رد الطائفة الأخرى على هذه |
5 | 282 | المقالة عرف فسادها فكان في ذلك نهى عما فيها من المنكر والباطل وكذلك إذا عرف رد هؤلاء على أولئك فإنه أيضا يعرف ما عند أولئك من الباطل فيتقي الباطل الذي معهم ثم من بين الله له الذي جاء به الرسول إما بأن يكون قولا ثالثا خارجا عن القولين وإما بأن يكون بعض قول هؤلاء وبعض قول هؤلاء وعرف أن هذا هو الذي كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وعليه دل الكتاب والسنة كان الله قد أتم عليه النعمة إذ هداه الصراط المستقيم وجنبه صراط أهل البغي والضلال وإن لم يتبين له كان امتناعه من موافقه هؤلاء على ضلالهم وهؤلاء على ضلالهم نعمة في حقه واعتصم بما عرفه من الكتاب والسنة مجملا وأمسك عن الكلام في تلك المسألة وكانت من جملة ما لم يعرفه فإن الإنسان لا يعرف الحق في كل ما تكلم الناس به وأنت تجدهم يحكون أقوالا متعددة في التفسير وشرح الحديث في مسائل الأحكام بل والعربية والطب وغير ذلك ثم كثير من الناس يحكي الخلاف ولا يعرف الحق وأما الخلاف الذي بين الفلاسفة فلا يحصيه أحد لكثرته ولتفرقهم فإن الفلسفة التي عند المتأخرين كالفارابي وابن سينا ومن نسج على منوالهما هي فلسفة أرسطو وأتباعه وهو صاحب التعاليم المنطق والطبيعي وما بعد الطبيعة والذي يحكيه الغزالي |
5 | 283 | والشهرستاني والرازي وغيرهم من مقالات الفلاسفة هو من كلام ابن سينا والفلاسفة أصناف مصنفة غير هؤلاء ولهذا يذكر القاضي أبو بكر في دقائق الكلام وقبله أبو الحسن الأشعري في كتاب مقالات غير الإسلاميين وهو كتاب كبير أكبر من مقالات الإسلاميين أقوالا كثيرة للفلاسفة لا يذكرها هؤلاء الذين يأخذون عن ابن سينا وكذلك غير الأشعري مثل أبي عيسى الوراق والنوبختي وأبي علي وأبي هاشم وخلق كثير من أهل الكلام والفلسفة والمقصود أن كتب أهل الكلام يستفاد منها رد بعضهم على بعض وهذا لا يحتاج إليه من لا يحتاج إلى رد المقالة الباطلة لكونها لم تخطر بقلبه ولا هناك من يخاطبه بها ولا يطالع كتابا هي فيه ولا ينتفع به من لم يفهم الرد بل قد يستضر به من عرف الشبهة ولم يعرف فسادها ولكن المقصود هنا أن هذا هو العلم الذي في كتبهم فإنهم يردون باطلا بباطل وكلا القولين باطل ولهذا كان مذموما ممنوعا منه عند السلف والأئمة وكثير منهم أو أكثرهم لا يعرف أن الذي يقوله باطل |
5 | 284 | وبكل حال فهم يذكرون من عيوب باطل غيرهم وذمة ما قد ينتفع به مثال ذلك تنازعهم في مسائل الأسماء والأحكام والوعد والوعيد فالخوارج والمعتزلة يقولون صاحب الكبائر الذي لم يتب منها مخلد في النار ليس معه شيء من الإيمان ثم الخوارج تقول هو كافر والمعتزلة توافقهم على الحكم لا على الاسم والمرجئة تقول هو مؤمن تام الإيمان لا نقص في إيمانه بل إيمانه كإيمان الأنبياء والأولياء وهذا نزاع في الاسم ثم تقول فقهاؤهم ما تقوله الجماعة في أهل الكبائر فيهم من يدخل النار وفيهم من لا يدخل كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة واتفق عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان فهؤلاء لا ينازعون أهل السنة والحديث في حكمه في الآخرة وإنما ينازعونهم في الإسم وينازعون أيضا فيمن قال ولم يفعل وكثير من متكلمة المرجئة تقول لا نعلم أن أحدا من أهل القبلة من أهل الكبائر يدخل النار ولا أن أحدا منهم لا يدخلها بل يجوز أن يدخلها جميع الفساق ويجوز أن لا يدخلها أحد منهم ويجوز دخول بعضهم ويقولون من أذنب وتاب لا يقطع بقبول توبته بل يجوز دخول أن يدخل النار أيضا فهم يقفون في هذا كله ولهذا سمو الواقفة وهذا قول القاضي أبي بكر وغيره من الأشعرية وغيرهم فيحتج أولئك بنصوص الوعيد وعمومها ويعارضهم هؤلاء بنصوص الوعد وعمومها فقال أولئك الفساق لا يدخلون في الوعد لأنهم لا |
5 | 285 | حسنات لهم لأنهم لم يكونوا من المتقين وقد قال الله تعالى إنما يتقبل الله من المتقين سورة المائدة وقال تعالى لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى سورة البقرة وقال لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون سورة الحجرات وقال ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم سورة محمد فهذه النصوص وغيرها تدل على أن الماضي من العمل قد يحبط بالسيئات وأن العمل لا يقبل إلا مع التقوى والوعد إنما هو للمؤمن وهؤلاء ليسوا مؤمنين بدليل قوله إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم سورة الأنفال وقوله إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون سورة الحجرات وبقوله أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون سورة السجدة والفاسق ليس بمؤمن فلا يتناوله الوعد وبما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن وقوله من غشنا فليس منا ومن حمل علينا السلاح فليس منا ونحو ذلك |
5 | 286 | وتقول المرجئة قوله تعالى إنما يتقبل الله من المتقين سورة المائدة المراد به من اتقى الشرك ويقولون الأعمال لا تحبط إلا بالكفر قال تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك سوة الزمر وقال ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله سورة المائدة ويقولون قد قال تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها سوة فاطر فقد أخبر أن الثلاثة يدخلون الجنة وقد حكي عن بعض غلاة المرجئة أن أحدا من أهل التوحيد لا يدخل النار ولكن هذا لا أعرف به قائلا معينا فأحكيه عنه ومن الناس من يحكيه عن مقاتل بن سليمان والظاهر أنه غلط عليه |
5 | 287 | وهؤلاء قد يحتجون بهذه الآية ويحتجون بقوله فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى سورة الليل وقد يحتج بعض الجهال بقوله ذلك يخوف الله به عباده سورة الزمر قال فالوعيد شيء يخوفكم به ويقولون أما قوله ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم سورة محمد فهذه في الكفار فإنه قال والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم سورة محمد وكذلك قوله إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم أتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم سورة محمد فقد أخبر سبحانه أن هؤلاء ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى وأن الشيطان سول لهم وأملى لهم أي وسع لهم في العمر وكان هذا بسبب وعدهم للكفار بالموافقة فقال ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر ولهذا فسر السلف هؤلاء الذين كرهوا ما أنزل الله الذين كانوا سبب نزول هذه الآية بالمنافقين واليهود قالت الوعيدية الله تعالى إنما |
5 | 288 | وصفهم بمجرد كراهة ما نزل الله والكراهة عمل القلب وعند الجهمية الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه هذا قول جهم والصالحي والأشعري في المشهور عنه وأكثر أصحابه وعند فقهاء المرجئة هو قول اللسان مع تصديق القلب وعلى القولين أعمال القلوب ليست من الإيمان عندهم كأعمال الجوارح فيمكن أن يكون الرجل مصدقا بلسانه وقلبه مع كراهة ما نزل الله وحينئذ فلا يكون هذا كافر عندهم والآية تتناوله وإذا دلت على كفره دلت على فساد قولهم قالوا وأما قولكم المتقون الذين اتقوا الشرك فهذا خلاف القرآن فإن الله تعالى قال إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون سورة المرسلات إن المتقين في جنات ونهر سورة القمر وقال ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون سورة البقرة وقالت مريم إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا سورة مريم |
5 | 289 | ولم ترد به الشرك بل أرادت التقي الذي يتقي فلا يقدم على الفجور وقال تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب سورة الطلاق وقال تعالى إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم سورة الأنفال وقال تعالى إنه من يتق ويصبر فإن الله أجر المحسنين وقال تعالى لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور سورة آل عمران وقال تعالى ثم جعلناكم على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إلى قوله والله ولي المتقين سورة الجاثية وقال يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم سورة الأحزاب فهم قد آمنوا واتقوا الشرك فلم يكن الذي أمرهم به بعد ذلك مجرد ترك الشرك وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته سورة آل |
5 | 290 | عمران أفيقول مسلم إن قطاع الطريق الذين يسفكون دماء الناس ويأخذون أموالهم اتقوا الله حق تقاته لكونهم لم يشركوا وإن أهل الفواحش وشرب الخمر وظلم الناس اتقوا الله حق تقاته وقد قال السلف ابن مسعود وغيره كالحسن وعكرمة وقتادة ومقاتل حق تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يشكر فلا يكفر وأن يذكر فلا ينسى وبعضهم يرويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي تفسير الوالبي عن ابن عباس قال هو أن يجاهد العبد في الله حق جهاده وأن لا تأخذه في الله لومة لائم وأن يقوموا له بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم و في الآية أخرى فأتقوا الله ما استطعتم سورة التغابن وهذه مفسرة لتلك ومن قال من السلف هي ناسخة لها فمعناه أنها رافعة لما يظن من أن المراد من حق تقاته ما يعجز البشر عنه فإن الله لم يأمر بهذا قط ومن قال إن الله أمر به فقد غلط ولفظ النسخ في عرف السلف يدخل فيه كل ما فيه نوع رفع لحكم أو ظاهر أو ظن دلالة حتى يسموا تخصيص العام نسخا ومنهم من يسمى الإستثناء نسخا إذا تأخر نزوله |
5 | 291 | وقد قال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم سورة الحج فهذ رفع لشيء ألقاه الشيطان ولم ينزله الله لكن غايته أن يظن أن الله أنزله وقد أخبر أنه نسخة وقد قال تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون سورة الأعراف فمن كان الشيطان لا يزال يمده في الغي وهو لا يتذكر ولا يبصر كيف يكون من المتقين وقد قال تعالى في آية الطلاق ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب سورة الطلاق وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يا أبا ذر لو عمل الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم وكان ابن عباس وغيره من الصحابة إذا تعدى الرجل حد الله في الطلاق يقولون له لو اتقيت الله لجعل لك مخرجا وفرجا ومعلوم أنه ليس المراد بالتقوى هنا مجرد تقوى الشرك ومن أواخر |
5 | 292 | ما نزل من القرآن وقيل إنها آخر آية نزلت قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون سورة البقرة فهل اتقاء ذلك هو مجرد ترك الشرك وإن فعل كل ما حرم الله عليه وترك كل ما أمر الله به وقد قال طلق بن حبيب ومع هذا كان سعيد بن جبير ينسبه إلى الإرجاء قال التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله وبالجملة فكون المتقين هم الأبرار الفاعلون للفرائض المجتنبون للمحارم هو من العلم العام الذي يعرفه المسلمون خلفا عن سلف والقرآن والأحاديث تقتضي ذلك قالت المرجئة أما احتجاجكم بقوله تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون سورة السجدة فلا يصح لأن تمام الآية يدل على أن المراد بالفاسق المكذب فإنه قال وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون سورة السجدة فقد وصفهم بالتكذيب بعذاب الآخرة وهذا وصف المكذب لا العاصي وقالوا مع الجمهور للخوارج لو كان صاحب الكبيرة كافرا لكان مرتدا ووجب قتله والله تعالى قد أمر بجلد الزاني وأمر بجلد القاذف وأمر |
5 | 293 | بقطع السارق ومضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بجلد الشارب فهذه النصوص صريحة بأن الزاني والشارب والسارق والقاذف ليسوا كفارا مرتدين يستحقون القتل فمن جعلهم كفارا فقد خالف نص القرآن والسنة المتواترة وقالوا لهم وللمعتزلة قد قال الله تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون سورة الحجرات قالوا فقد سماهم مؤمنين مع الإقتتال والبغي وقد أمر الله تعالى بالإصلاح بينهم وجعلهم إخوة المصلح بينهم الذي لم يقاتل فعلم أن البغي لا يخرج عن الإيمان ولا عن أخوة الإيمان قالت المرجئة وقوله ليس منا أي ليس مثلنا أو ليس من خيارنا فقيل لهم فلو لم يغش ولم يحمل السلاح أكان يكون مثل النبي صلى الله عليه وسلم أو كان يكون من خيارهم بمجرد هذا الكلام وقالت المرجئة نصوص الوعيد عامة ومنا من ينكر صيغ العموم |
5 | 294 | ومن أثبتها قال لا يعلم تناولها لكل فرد من أفراد العام فمن لم يعذب لم يكن اللفظ قد شمله فقيل للواقفة منهم عندكم يجوز أن لا يحصل الوعيد بأحد من أهل القبلة فيلزم تعطيل نصوص الوعيد ولا تبقى لا خاصة ولا عامة وليس مقصودنا هنا استيفاء الكلام في المسألة وإنما الغرض التمثيل بالمناظرات من الطرفين وأهل السنة والحديث وأئمة الإسلام المتبعون للصحابة متوسطون بين هؤلاء وهؤلاء لا يقولون بتخليد أحد من أهل القبلة في النار كما تقول الخوارج والمعتزلة لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة لأنه يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان وإخراجه من النار من يخرج بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم فيمن يشفع له من أهل الكبائر من أمته |
5 | 295 | وهذه أحاديث كثيرة مستفيضة متواترة عند أهل العلم بالحديث ولا يقولون إنا نقف في الأحكام المطلقة بل نعلم أن الله يدخل النار من يدخله من أهل الكبائر وناس آخرون لا يدخلونها لأسباب لكن تنازعوا هل يكون الداخلون بسبب اقتضى ذلك كعظم الذنوب وكثرتها والذين لم يدخلوها بسبب منع ذلك كالحسنات المعارضة ونحوها وأنه سبحانه وتعالى يفعل ما يفعله بحكمة وأسباب أم قد يفرق بين المتماثلين بمحض المشيئة فيعذب الشخص ويعفو عمن هو مثله من كل وجه بمحض المشيئة هذا لهم فيه قولان والنصوص وأقوال السلف توافق الأول وإنما قد نقف في الشخص المعين فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا عن علم لأن حقيقة باطنه وما مات عليه لا نحيط به لكن نرجو للمحسن ونخاف على المسيئ ولهم في الشهادة بالجنة ثلاثة أقوال منهم من لا يشهد بالجنة لأحد إلا للأنبياء وهذا قول محمد بن الحنفية والأوزاعي والثاني أنه يشهد بالجنة لكل مؤمن جاء فيه نص وهذا قول كثير من أهل الحديث والثالث يشهد بالجنة لهؤلاء ولمن شهد له المؤمنون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أنتم شهداء الله في الأرض وقال يوشك أن |
5 | 296 | تعلموا أهل الجنة من أهل النار قالوا بم يا رسول الله قال بالثناء الحسن والثناء السيئ فأخبر أن ذلك مما يعلم به أهل الجنة وأهل النار وكان أبو ثور يقول أشهد أن أحمد بن حنبل في الجنة ويحتج بهذا وبسط هذه المسألة له موضع آخر والإيمان عندهم يتفاضل فيكون إيمان أكمل من إيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا فيقولون قوله إنما يتقبل الله من المتقين سورة المائدة أي ممن اتقاه في ذلك العمل ليس المراد به الخلو من الذنوب ولا مجرد الخلو من الشرك بل من اتقاه في عمل قبله منه وإن كانت له ذنوب أخرى بدليل قوله وأقم الصلاة طرفى النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات سورة هود فلو كانت الحسنة لا تقبل من صاحب السيئة لم تمحها وقد ثبت بالكتاب والسنة المتواترة الموازنة بين الحسنات والسيئات فلو كانت الكبيرة تحبط الحسنات لم تبق حسنة توزن معها |
5 | 297 | وقد ثبت في الصحيحين أن بغيا سقت كلبا فغفر الله لها بسقيه قالوا وابنا آدم لم يكن أحدهما مشركا ولكن لم يقصد التقرب إلى الله بالطيب من ماله كما جاء في الأثر فلهذا لم يتقبل الله قربانه وقد قال تعالى في حق المنافقين وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون سورة التوبة فجعل هذه موانع قبول النفقة دون مطلق الذنوب قال أهل الحديث والسنة ومن نفى عنه الإيمان فلأنه ترك بعض واجباته والعبادة ينفى اسمها بنفي بعض واجباتها لأنها لم تبق كاملة ولا يلزم من ذلك أن لا يبقى منه شيئ بل قد دلت النصوص على أنه يبقى بعضه ويخرج من النار من بقي معه بعضه ومعلوم أن العبادات فيها واجب كالحج فيه واجب إذا تركه كان حجة ناقصا يأثم بما ترك ولا إعادة عليه بل يجبره بدم كرمي الجمار وإن لم يجبره بقي في ذمته فكذلك الإيمان ينقص بالذنوب فإن تاب عاد وإلا بقي ناقصا نقصا يأثم به وقد يحرم في الحج أفعال إذا فعلها |
5 | 298 | نقص حجة ولم يبطل كالتطيب ولبس الثياب بل يجبر ذلك ولا يفسده من المحرمات إلا الجماع فكذلك لا يزيل الإيمان كله إلا الكفر المحض الذي لا يبقى مع صاحبه شيء من الإيمان قالوا وهذا هو الذي يحبط جميع الأعمال وأما ما دون ذلك فقد يحبط بعض العمل كما في آية المن والأذى فإن ذلك يبطل تلك الصدقة لا يبطل سائر أعماله والذين كرهوا ما أنزل الله كفار وأعمال القلوب مثل حب الله ورسوله وخشية الله ونحو ذلك كلها من الإيمان وكراهة ما أنزل الله كفر وأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله وقد قال تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله سورة المجادلة وقوله في السابق والمقتصد والظالم لنفسه جنات عدن يدخلونها سورة الرعد لا يمنع أن يكون الظالم لنفسه قد عذب قبل هذا ثم يدخلها وقوله لا يصلاها إلا الأشقى سورة الليل لا يخلو إما أن يكون المراد بالصلي نوعا من التعذيب كما قيل إن الذي تصليه النار هو الذي تحيط به وأهل القبلة لا تحرق النار منهم مواضع السجود أو تكون نارا مخصوصة وقوله يخوف الله به عباده سورة الزمر كقول النبي صلى الله |
5 | 299 | عليه وسلم في الشمس والقمر إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وقد قال تعالى وما نرسل بالآيات إلا تخويفا سورة الإسراء والآيات التي خوف الله بها عباده تكون سببا في شر ينزل بالناس فمن اتقى الله بفعل ما أمر به وفي ذلك الشر ولو كان مما لا حقيقة له أصلا لم يخف أحد إذا علم أنه لا شر في الباطن وإنما يبقى التخويف للجاهل الفدم كما يفزغ الصبيان بالخيال وقد قال تعالى ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون سورة الزمر فخوف العباد مطلقا وأمرهم بتقواه لئلا ينزل المخوف وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين والإنذار هو الإعلام بما يخاف منه وقد وجدت المخوفات في الدنيا وعاقب الله على الذنوب أمما كثيرة كما قصه في كتابه وكما شوهد من من الآيات وأخبر عن دخول أهل النار النار في غير موضع من القرآن وقال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء سورة فاطر ولو كان الأمر كما يتوهمه الجاهل لكان إنما يخشاه من عباده الجهال الذين |
5 | 300 | يتخيلون ما لا حقيقة له وهذا كله مبسوط في موضعه وإنما الغرض هنا التمثيل بأقوال المختلفين التي كلها باطلة ومثال ذلك إذا تنازع في القدر القدرية من المعتزلة وغيرهم والقدرية المجبرة من الجهمية وغيرهم فقالوا جميعا إرادة الله هي محبته وهي رضاه ثم قالت المعتزلة وهو سبحانه يحب الإيمان والعمل الصالح ويكره الكفر والفسوق والعصيان فلا يكون مريدا له قالوا والدليل على ذلك قوله ولا يرضى لعباده الكفر سورة الزمر وقوله إذ يبيتون ما لا يرضى من القول سورة النساء وقوله والله لا يحب الفساد سورة البقرة والفقهاء متفقون على أن أفعال البر تنقسم إلى واجب ومستحب والمستحب هو ما أحبه الله ورسوله وأن المنهي عنه كله مكروه كرهه الله ورسوله والكراهة نوعان كراهة تحريم وكراهة تنزيه وقد قال تعالى لما ذكر المحرمات كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها سورة الإسراء وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله يكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة |
5 | 301 | المال وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب قالوا فهل دليل على أنه يكون في العالم ما هو مكروه لله فلا يكون مرادا لله فيكون في العالم ما لا يريده الله وهو ما لم يأمر الله به أو ينه عنه قالوا والأمر لا يعقل أمرا إلا بإرادة الأمر لما أمر به المأمور ومن قدر أن الأمر يطلب المأمور به طلبا لا يكون إرادة ولا مستلزما للإرادة فهذا قد أدعى ما يعلم فساده بالضرورة وما يحتج به من التمثيل بأمر الممتحن فذاك لم يكن طالبا للمأمور به ولا مريدا له في الباطن بل أظهر أنه مريد طالب وقالوا قد قال الله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر سورة البقرة |
5 | 302 | وقال تعالى ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون سورة المائدة وقال تعالى يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حليم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا سورة النساء وقال الله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا سورة الأحزاب فهذه المرادات كلها قد أمر بها عباده فمنهم من أطاع ومنهم من عصى فعلم أنه قد يريد من العباد ما لا يفعلونه كما يأمرهم بما لا يفعلونه قالت القدرية الجبرية من الجهمية ومن اتبعهم بل إرادته تعالى تتناول ما وجد دون ما لم يوجد فإن المسلمين متفقون على قولهم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولأن إرادة ما علم أنه لا يكون تمن وقد قال سبحانه ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء سورة إبراهيم فكل ما يشاؤه فقد فعله وقال تعالى ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها فعلم أنه لم يشأ ذلك فلم يرد هدى كل أحد وإن كان قد أمر به |
5 | 303 | وقال تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء سورة الأنعام فعلم أنه يريد الإضلال كما يريد شرح الصدر للإسلام وقال نوح ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم سورة هود فدل على أنه يريد إغواء من غوى وقد قال تعالى الله خالق كل شيء سورة الرعد فكل ما وجد من أفعال العباد وغيرها فإن الله خالقه قالوا وما أراده فقد أحبه ورضيه وقوله لا يحب الفساد سورة البقرة أي ممن لم يفسد أولا يحبه دينا وكذلك قوله ولا يرضى لعباده الكفر سورة الزمر أي ممن لم يكفر أو لا يرضاه دينا كما وأنه لا يحب الإيمان ممن لم يؤمن أو لا يحبه غير دين قال المنازعون لهم من المعتزلة وغيرهم فقد قال إذ يبيتون ما لا يرضى من القول سورة النساء وأولئك منافقون وذاك القول محرم عليهم وهو واقع منهم وقد أخبر أنه لا يرضاه فعلم أنه ما وقع من المعاصي لا يرضاه وكذلك قوله إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده |
5 | 304 | الكفر سورة الزمر أخبر أنه لا يرضاه بتقدير وقوعه ولا يقال أنه يرضى كل موجود وقولكم لا يرضاه دينا فالرضا في كتاب الله متعلق بنفس الفعل لا بشيء محذوف وكونه لا يرضاه دينا عندكم معناه لا يريد أن يثيب صاحبه عليه ومعلوم أن إبليس والشياطين لا يرضونه دينا بهذا الإعتبار مع أن إبليس يرضى الكفر ويختاره فإنه قد يحب ما يبغضه الله ويبغض ما يحبه الله ليغوي الناس بذلك قال الله تعالى عنه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا سورة الكهف وقال تعالى ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن أعبدوني هذا صراط مستقيم سورة يس قالوا والأمة متفقة على أن الله سبحانه يحب الإيمان والعمل الصالح ويحب المتقين والمحسنين ويحب التوابين ويحب المتطهرين ويحب المقسطين ولا يحب المعاصي ولا يرضاها واحتجاجنا بهذا الإجماع أقوى من احتجاجكم بقولهم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فإنهم كلهم يقولون إن الصلاة والصدقة والأعمال الصالحة يرضاها الله ورسوله ويحبها الله ورسوله ويقولون عن الفواحش والظلم هذا لا يرضاه الله ورسوله ولا يحبه الله ورسوله |
5 | 305 | فأنتم خالفتم الكتاب والسنة والإجماع في قولكم إن كل ما وقع من الكفر والفسوق والعصيان فإن الله يحبه ويرضاه قالت القدرية المجبرة من الجهمية وغيرهم أنتم تقولون إن الله لم يختص المؤمنون بنعمة اهتدوا بها بل نعمته على الكفار والمؤمنين في الإيمان سواء وهذا خلاف الشرع والعقل فإن الله تعالى يقول ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون سورة الحجرات قال تعالى يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين وقال تعالى وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا سورة الأنعام وقال ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا سورة النور وقال تعالى وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه سورة الأنفال وقال الخليل عليه السلام ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك سورة البقرة وقال واجنبنى وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس سورة إبراهيم وقال تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين سورة التكوير |
5 | 306 | وقال فمن شاء أتخذ إلى ربه سبيلا سورة المزمل وقال وما تشآءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما سورة الإنسان وقال فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة سورة المدثر وقد أمرنا أن نقول في الصلاة اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين سورة الفاتحة والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في قوله تعالى فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا سورة النساء والإنعام المطلق إنما يدخل فيه المؤمنون فدل ذلك على أن الطاعة الحاصلة من المؤمنين هو الذي أنعم بها ولو كانت نعمته عليهم كنعمته على الكفار لكان الجميع من المنعم عليهم أهل الصراط المستقيم وقوله تعالى غير المغضوب عليهم سورة الفاتحة صفة لا استثناء لأنه خفض غير كما تقول العرب إني لأمر بالصادق غير |
5 | 307 | الكاذب فالمغضوب عليهم والضالون لم يدخلوا في المنعم عليهم حتى يخرجوا بل بين أن هؤلاء مغايرون لأولئك كمغايرة الصادق للكاذب وقد قال تعالى من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا سورة الكهف فدل على أن كل من هداه الله اهتدى ولو هدى الكافر كما هدى المؤمن لاهتدى وقال الخليل رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا أغفر لي ولوالدي سورة ابراهيم فتبين أنه سبحانه هو الذي يجعله مقيم الصلاة وقال تعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا سورة الأنبياء وقال تعالى وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار سورة القصص فهو الذي جعل هؤلاء أئمة هدى وهؤلاء أئمة ضلال وقال تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم سورة آل عمران فبين أن لينه برحمة من الله وقال أهل الجنة الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق سورة الأعراف وقال تعالى لما ذكر الأنبياء ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون إلى قوله |
5 | 308 | أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده سورة الأنعام فأخبر أنه يخص بهذا الهدى من يشاء من عباده وأخبر أن هؤلاء هم الذين هداهم الله فعلم أنه خص بهذا الهدى من اهتدى به دون من لم يهتد به ودل على تخصيص المهتدين بأنه هداهم ولم يهد من لم يهتد والهدى يكون بمعنى البيان والدعوة وهذا يشترك فيه المؤمن والكافر كقوله تعالى وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى سورة فصلت ويكون بمعنى جعله مهتديا وهذا يختص بالمؤمنين وهو المطلوب بقوله اهدنا الصراط المستقيم سورة الفاتحة وبقوله هدى للمتقين سورة البقرة وذلك أن هدى بمعنى دل وأرشد قد يكون بالقوة فهذا مشترك وقد يكون بالفعل فهذا مختص كما تقول علمته فتعلم وعلمته فما تعلم وكذلك هديته فاهتدى وهديته فما اهتدى فالأول مختص بالمؤمنين والثاني مشترك وليس تعليمه وهداه كتعليم البشر بعضا فإن المعلم يقول والمتعلم يتعلم بأسباب لا يقدر عليها المعلم والله تعالى هو الذي يجعل العلم في قلوب من علمه ولهذا يطلب منه ذلك فيقال اهدنا الصراط المستقيم ولا يقال ذلك للبشر فإنهم لا يقدرون عليه |
5 | 309 | ويطلب العبد من الله أن يفهمه ويعلمه ويشرح صدره وأن يحبب إليه الإيمان والعمل الصالح ولا يطلب هذا من غير الله قال تعالى أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه سورة الزمر وقال فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا سورة الأنعام وقال ففهمناها سليمان سورة الأنبياء فخص سليمان بالتفهيم مع أنهما كانا حاكمين لم يخص أحدهما بعلم ظاهر وقال تعالى ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها سورة الشمس وكانت أكثر يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ومقلب القلوب وقال ما من قلب من قلوب العباد إلا وهو بين إصبعين من أصابع |
5 | 310 | الرحمن إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه وقد قال تعالى في دعاء المؤمنين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب سورة آل عمران و قال تعالى ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله سورة الكهف وقال ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا سورة يس وقال ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة سورة هود وقال ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات سورة البقرة وقال ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها سورة السجدة وقال ولو شاء ربك ما فعلوه سورة الأنعام وقال ولو شاء ربك ما أشركوا سورة الأنعام وقال إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا |
5 | 311 | يبصرون سورة يس والآيات والنصوص المثبتة للقدر كثيرة جدا وهذا كله حجة على بطلان قول المعتزلة وغيرهم من القدرية النافية فصار مع هؤلاء نصوص يقولون بها ومع هؤلاء نصوص وكل من الطائفتين يتأول نصوص الأخرى بتأويلات فاسدة ويضم إلى النصوص التي يحتج بها أمور لا تدل عليها النصوص وأما أهل السنة والحديث من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين وعلماء أهل السنة والحديث رضي الله عنهم فآمنوا بالكتاب كله ولم يحرقوا شيئا من النصوص وقالوا نحن نقول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ونقول إن الله خالق كل شيء وربه ومليكه فكل ما سوى الله مخلوق له حادث بمشيئته وقدرته ولا يكون في ملكه ما لا يشاؤه ويخلقه فلا يقدر أحد أن يمنع الله عما أراد أن يخلقه ويكونه فإن الواحد القهار ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم سورة فاطر وقالوا إن الله يأمر بالإيمان والعمل الصالح وينهى عن الكفر والفسوق والعصيان ويحب كل ما أمر به ويرضاه ويكره ما نهى عنه |
5 | 312 | ويسخطه وهو سبحانه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر قالوا وليس كل ما أمر العباد به وأراد منهم أن يفعلوه أراد هو أن يخلقه لهم ويعينهم عليه بل إعانته على الطاعة لمن أمره بها فضل منه كسائر النعم وهو يختص برحمته من يشاء والطائفتان غلطوا من حيث أنهم لم يميزوا بين إرادته لما يخلقه في عباده وإرادته لما يأمر به عباده وقد قال سبحانه ألا له الخلق والأمر سورة الأعراف فالرب خالق كل شيء وكل ما خلقه فبإرادته خلقه فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فما لم يكن لم يرد أن يخلقه وما كان فقد أراد أن يخلقه وهو لا يريد أن يخلق إلا ما سبق علمه بأنه سيخلقه فإن العلم يطابق المعلوم وقد أمر العباد بالحسنات التي تنفعهم ونهاهم عن السيئات التي تضرهم والحسنات محبوبة لله مرضية والسيئات مكروهه له يسخطها ويسخط على أهلها وإن كان الجميع مخلوقا له فإنه خلق جبريل وإبليس وهو يحب جبريل ويبغض إبليس وخلق الجنة والنار وجعل الظلمات والنور وخلق الظل والحرور وخلق الموت والحياة وخلق الذكر والأنثى وخلق الأعمى والبصير |
5 | 313 | وقد قال لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون سورة الحشر وقال وما يستوى الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات سورة فاطر وقال أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون سورة القلم وقال أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار سورة ص وقال أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون سورة الجاثية وقد خلق الطيبات والخبائث وليس الطيبات كالخبائث ولا الفواكة والحبوب كالبول والعذرة وهو سبحانه إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وهو طيب لا يقبل إلا طيبا وهو نظيف يحب النظافة وجميل يحب الجمال وليس كل ما خلقه يصعد إليه ويكون طيبا محبوبا له له مرضيا عنده بل إنما يسكن في جنته من يناسبها ويصلح لها وكذلك النار قال تعالى طبتم فأدخلوها خالدين سورة الزمر |
5 | 314 | وفي الصحيح أنه إذا عبر أهل الجنة الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فلا يدخلون الجنة إلا بعد التهذيب والتنقية كما قال تعالى طبتم فادخلوها خالدين سورة الزمر ولما قال إبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين سورة الأعراف فبين سبحانه أنه ليس لمن في الجنة أن يتكبر وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان قال رجل يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا أفمن الكبر ذاك قال لا إن الله جميل يحب |
5 | 315 | الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس وقوله جميل يحب الجمال أي يحب أن يتجمل العبد له ويتزين كما قال تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد سورة الأعراف وهو يكره أن يصلي العبد له عريانا بل يكره سبحانه أن تصلي المرأة له مكشوفة الرأس وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ولهذا لما كان المشركون يطوفون بالبيت عراة ويقولون إن الله أمرنا بهذا قال تعالى إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون سورة الأعراف فتحسين النعل والثوب لعبادة الله هو من التجمل الذي يحبه الله ولو تزين به لمعصية لم يحب ذلك والمؤمن الذي نور الله قلبه بالإيمان يظهر نور الإيمان على وجهه ويكسى محبة ومهابة والمنافق |
5 | 316 | بالعكس وأما الصورة المجردة سواء كانت حسنة مشتهاة كشهوة الرجال للنساء والنساء للرجال أو لم تكن مشتهاة فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ويقال ولا إلى لباسكم وقد قال تعالى وإذا تتلى عليهم أياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا وكم أهلكنا قبلكم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا سورة مريم والأثاث اللباس والمال والرئى المنظر والصورة وقال تعالى عن المنافقين وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون سورة المنافقون فبين أن لهم أجساما ومناظر قال ابن عباس كان ابن أبي جسيما فصيحا طلق اللسان قال المفسرون وصفهم الله بحسن الصورة وإبانة المنطق ثم أبان أنهم في عدم الفهم والإستغفار بمنزلة الخشب المسندة الممالة إلى الجدار والمراد أنها ليست بأشجار تثمر بل هي خشب مسندة إلى |
5 | 317 | حائط ثم عابهم بالجبن فقال يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون أي لايسمعون صوتا إلا ظنوا أنهم قد أتوا لما في قلوبهم من الرعب أن يكشف الله أسرارهم فصاحب الصورة الجميلة إذا كان من أهل هذه الأعمال التي يبغضها الله كان الله يبغضه ولا يحبه لجماله فإن الله لا ينظر إلى صورته وإنما ينظر إلى قلبه وعمله ويوسف الصديق وإن كان أجمل من غيره من الأنبياء وفي الصحيح أنه أعطى شطر الحسن فلم يكن بذلك أفضل من غيره بل غيره أفضل منه كإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين ويوسف وإن كانت صورته أجمل فإن إيمان هؤلاء وأعمالهم كانت أفضل من إيمانه وعمله وهؤلاء أوذوا على نفس الإيمان والدعوة إلى الله فكان الذين عادوهم معادين لله ورسوله وكان صبرهم صبرا على توحيد الله وعبادته |
5 | 318 | وطاعته وهكذا سائر قصص الأنبياء التي في القرآن ويوسف عليه السلام إنما آذاه إخوته لتقريب أبيه له حسدا على حظ من حظوظ الأنفس لا على دين ولهذا كان صبره على التي راودته وحبس الذين حبسوه على ذلك أفضل له من صبره على أذى إخوته فإن هذا صبر على تقوى الله باختياره حتى لا يفعل المحرم وذلك صبر على أذى الغير الحاصل بغير اختياره فهذا من جنس صبر المصاب على مصيبته وذاك من جنس صبر المؤمن على الذين يأمرونه بالمعاصي ويدعونه إليها فيصبر على طاعة الله وعن معصيته ويغلب هواه وشهوته وهذا أفضل فأما صبر إبراهيم وموسى وعيسى ونبينا صلوات الله وسلامه عليهم على أذى الكفار وعدواتهم على الإيمان بالله ورسوله فذاك أفضل من هذا كله كما أن التوحيد والإيمان أفضل من مجرد ترك الزنا وكما أن تلك الطاعات أعظم فالصبر عليها وعلى معاداة أهلها أعظم وأيضا فهؤلاء كانوا يطلبون قتل من يؤمن وإهلاكه بكل طريق لا يحبون المؤمنين أصلا بخلاف يوسف فإنه إنما ابتلى بالحبس وكانت المرأة تحبه فلم تعاقبه بأكثر من ذلك وقوله تعالى نحن نقص عليك أحسن القصص سورة يوسف سواء كان القصص مصدر قص يقص قصصا أو كان مفعولا أي أحسن |
5 | 319 | المقصوص فذاك لا يختص بقصة يوسف بل قصة موسى أعظم منها قدرا وأحسن ولهذا كرر ذكرها في القرآن وبسطها قال تعالى فلما جاءه وقص عليه القصص سورة القصص ولهذا قال بما أوحينا إليك هذا القرآن سورة يوسف وقد قرىء أحسن القصص بالكسرة ولا تختص بقصة يوسف بل كل ما قصه الله فهو أحسن القصص فهو أحسن مقصوص وقد قصه الله أحسن قصص وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال قاله جوابا للسائل في بيان ما يحبه الله من الأفعال وما يكرهه فإنه صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ومعلوم أن هذا الكبر من كسب العبد الداخل تحت قدرته ومشيئته وهو منهي عنه ومأمور بضده فخاف السائل أن يكون ما يتجمل به الإنسان فيكون أجمل به ممن لم يعمل مثله من الكبر المذموم فقال إني أحب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنا أفمن الكبر ذاك وحسن ثوبه ونعله هو مما حصل بفعله وقصده ليس هو شيئا مخلوقا فيه بغير كسبه كصورته فقال له لنبي صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال ففرق بين الكبر الذي يمقته الله وبين الجمال |
5 | 320 | الذي يحبه الله ومعلوم أن الله إذا خلق شخصا أعظم من شخص وأكبر منه في بعض الصفات إما في جسمه وإما في قوته وإما في عقله وذكائه ونحو ذلك لم يكن هذا مبغضا فإن هذا ليس باختيار العبد بل هذا خلق فيه بغير اختياره بخلاف ما إذا كان هو متكبرا على غيره بذلك أو بغيره فيكون هذا من عمله الذي يمقته الله عليه كما قال لإبليس فما يكون لك أن تتكبر فيها سورة الأعراف كذلك من خلقه الله حسن اللون معتدل القامة جميل الصورة فهذا ليس من عمله الذي يحمد عليه أو يذم أو يثاب أو يعاقب ويحبه الله ورسوله عليه أو يبغضه عليه كما أنه إذا كان أسود أو قصيرا أو طويلا ونحو ذلك لم يكن هذا من عمله الذي يحمد عليه أو يذم ويثاب أو يعاقب ويحبه الله ورسوله عليه أو يبغضه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى ولهذا لما كان المنافقون لهم جمال في الصورة وليس في |
5 | 321 | قلوبهم إيمان شبهم الله سبحانه بالخشب المسندة اليابسة التي لا تثمر فالخشبة اليابسة إذا كانت لا ثمر فيها لا تمدح ولو كانت عظيمة وهكذا الصورة مع القلب نعم قد تكون الصورة عونا على الإيمان والعمل الصالح كما تكون القوة والمال وغير ذلك فيحمد صاحبها إذا استعان بها في طاعة الله وعف عن معاصيه ويكون حينئذ في الجمال الذي يحبه الله ولو كان أسود وفعل ما يحبه الله من الجمال كان أيضا فيه الجمال الذي يحبه الله والمقصود هنا ذكر ما يحبه الله ويرضاه وهو الذي يثاب أصحابه عليه ويدخلون الجنة ومن المعلوم أن الفرق بين مطلق الإدارة وبين المحبة موجود في الناس وغيرهم فالإنسان يريد كل ما يفعله باختياره وإن كان في ذلك ما هو بغيض إليه مكروه له يريده لأنه وسيلة إلى ما هو محبوب له كما يريد المريض تناول الدواء الذى يكرهه ويتألم منه لأنه وسيلة إلى من يحبه ما العافية وإلى زوال ما هو أبغض إليه من الآلام والجهمية والقدرية إنما لم تفرق بين ما يشاؤه وما يحبه لأنهم لا يثبتون لله محبة لبعض الأمور المخلوقة دون بعض وفرحا بتوبة التائب وكان أول من أنكر هذا الجعد بن درهم فضحى به خالد بن |
5 | 322 | عبد الله القسرى وقال ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله يكلم موسى تكليما ولا اتخذ إبراهيم خليلا تعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علوا كبيرا ثم نزل عن المنبر فذبحه فإنه الخلة من توابع المحبة فمن كان من أصله أن الله لا يحب ولا يحب لم يكن للخلة عنده معنى والرسل صلوات الله عليهم أجمعين إنما جاءوا بإثبات هذا الأصل وهو أن الله يحب بعض الأمور المخلوقة ويرضاها ويسخط بعض الأمور ويمقتها وأن أعمال العباد ترضية تارة وتسخطه أخرى قال تعالى ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم سورة محمد وقال تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم سورة الفتح وقال فلما أسفونا انتقمنا منهم سورة الزخرف عن أبن عباس أغضبونا قال ابن قتيبة الأسف الغضب يقال أسفت |
5 | 323 | أسفا أي غضبت وقال الله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما سورة النساء و قد ثبت في الصحيح من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بارض دوية مهلكة عليها طعامه وشرابه فطلبها فلم يجدها فقال تحت شجرة ينتظر الموت فاستيقظ فإذا هو بدابته عليها طعامه وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته والفرح إنما يكون بحصول المحبوب والمذنب كالعبد الآبق من مولاه الفار منه فإذا تاب فهو كالعائد إلى مولاه وإلى طاعته وهذا المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم يبين من محبة الله وفرحه بتوبة العبد ومن كراهته لمعاصيه ما يبين أن ذلك أعظم من التمثيل بالعبد الآبق فإن الإ نسان إذا فقد الدابة التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة فإنه يحصل عنده ما الله به عليم من التأذي من جهة فقد الطعام والشراب والمركب وكون الأرض مفازة لا يمكن الخلاص منها وإذا طلبها فلم يجدها يئس واطمأن إلى الموت وإذا استيقظ فوجدها كان عنده من الفرح ما لا يمكن التعبير عنه بوجود ما يحبه |
5 | 324 | ويرضاه بعد الفقد المنافي لذلك وهذا يبين من محبة الله للتوبة المتضمنة للإيمان والعمل الصالح ومن كراهته لخلاف ذلك ما يرد على منكر الفرق من الجهمية والقدرية فإن الطائفتين تجعل جميع الأشياء بالنسبة إليه سواء ثم القدرية يقولون هو يقصد نفع العبد لكون ذلك حسنا ولا يقصد الظلم لكونه قبيحا والجهمية يقولون إذا كان لا فرق بالنسبة إليه بين هذا وهذا امتنع أن يكون عنده شيء حسن وشيء قبيح وإنما يرجع ذلك إلى أمور إضافية للعباد فالحسن بالنسبة إلى العبد ما يلائمه وما ترتب عليه ثواب يلائمه والقبيح بالعكس ومن هنا جعلوا المحبة والإرادة سواء فلو أثبتوا أنه سبحانه يحب ويفرح بحصول محبوبه كما أخبر به الرسول تبين لهم حكمته وتبين أيضا أنه يفعل الأفعال لحكمة فإن الجهمية قالوا إذا كانت الأشياء بالنسبة إليه سواء امتنع أن يفعل لحكمة والمعتزلة قالوا يفعل لحكمة تعود إلى العباد فقالت لهم الجهمية تلك الحكمة يعود إليه منها حكم أو لا يعود فالأول خلاف الأصل الذي أصلتموه والثاني ممتنع فيمتنع أن أحدا يختار الحسن على |
5 | 325 | القبيح إن لم يكن له من فعل الحسن معنى يعود إليه فيكون فعل الحسن يناسبه بخلاف القبيح فإذا قدر نفي ذلك امتنع أن يفعل لحكمة ثم إن هده الصفة من أعظم صفات الكمال وكذلك كونه محبوبا لذاته هو أصل دين الرسل فإنهم كلهم دعوا إلى عبادة الله وحده وأن لا إله إلا هو والإله هو المستحق أن يعبد والعبادة لا تكون إلا بتعظيم ومحبة وإلا فمن عمل لغيره لعوض يعطيه إياه ولم يكن يحبه لم يكن عابدا له وقد قال تعالى يحبهم ويحبونه سورة المائدة وقال تعالى والذين آمنوا أشد حبا لله سورة البقرة وهؤلاء الذين ينفون أن الله يحب ويحب آخر أمرهم أنه لا يبقى عندهم فرق بالنسبة الى الله بين أوليائه وبين أعدائه ولا بين الإيمان والكفر ولا بين ما أمر به وما نهى عنه ولا بين بيوته التي هي المساجد وبين الحانات ومواضع الشرك وغاية ما يثبتونه من الفرق أن هذا علم على لذة تحصل للإنسان وهذا علم على ألم يحصل للإنسان فان كانوا من الصوفية الذين |
5 | 326 | يجعلون الكمال في فناء العبد عن حظوظه دخلوا في مقام الفناء في توحيد الربوبية الذي يقولون فيه العارف لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة ويجعلون هذا غاية العرفان فيبقى عندهم لا فرق بين أولياء الله وأعدائه ولا بين الإيمان والكفر به ولا بين حمده والثناء عليه وعبادته وبين سبه وشتمه وجعله ثالث ثلاثة ولا بين رسول الله وبين أبي جهل ولا بين موسى وفرعون وقد بسطنا الكلام على هؤلاء في غير هذا الموضع وإن كان من المتكلمين الذين يقولون ما ثم إلا ما هو حظ للعبد من المخلوقات صاروا مسخرين في العبادات مستثقلين لها وفي قلوبهم مرتع للشيطان فإنه يقع لهم لم لا ينعم بالثواب بدون هذا التكليف فإذا أجابوا أنفسهم بأن هذا ألذ كان هذا من أبرد الأجوبة وأسمجها |
5 | 327 | فإن هذا إنما يقال في المناظرين وأما رب العالمين فلا أحد إلا وهو مقر بفضله وإحسانه ثم يقال قد حصل بطلب الألذ من شقاوة الأكثرين ما كان خلقهم في الجنة ابتداء بلا هذا الألذ أجود لهم وهو قادر على خلق لذات عظيمة إلى أمثال هذه الأجوبة وإن كان من المرجئة الذين إيمانهم بالوعيد ضعيف استرسلت نفسه في المحرمات وترك الواجبات حتى يكون من شر الخلق بخلاف من وجد حلاوة الإيمان بمحبة الله وعلمه بأنه يحب العبادات وأنه يحب أفعالا وأشخاصا ويبغض أفعالا وأشخاصا ويرضى عن هؤلاء ويغضب على هؤلاء ويفرح بتوبة التائبين إلى غير ذلك مما أخبر به الرسول فإن هذا هو الإسلام الذي به يشهد العبد أن لا إله إلا الله ومن لم يقل بالفرق فلم يجعل الله معبودا محبوبا فإنما يشهد أن لا رب إلا هو والمشركون كانوا يقرون بهذه الشهادة لم يشهدوا أن لا إله إلا الله والرسل عليهم الصلاة والسلام بعثوا بتوحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية وأما توحيد الربوبية مجردا فقد كان المشركون يقرون بأن الله وحده خالق السموات والأرض كما أخبر الله بذلك عنهم في |
5 | 328 | غير موضع من القرآن قال تعالى ولئن سألتم من خلق السموات والأرض ليقولن الله سورة الزمر وقال تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون سورة يوسف وهذا قد بسطناه في موضع آخر وهؤلاء يدعون محبة الله في الإبتداء ويعظمون أمر محبته ويستحبون السماع بالغناء والدفوف والشبابات ويرونه قربة لأن ذلك بزعمهم يحرك محبه الله في قلوبهم وإذا حقق أمرهم وجدت محبتهم تشبه محبة المشركين لا محبة الموحدين فإن محبة الموحدين بمتابعة الرسول والمجاهدة في سبيل الله قال تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم سورة آل عمران وقال تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره سورة التوبة وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم سورة المائدة وهؤلاء لا يحققون متابعة الرسول ولا الجهاد في سبيل الله بل كثير |
5 | 329 | منهم أو أكثرهم يكرهون متابعة الرسول وهم من أبعد الناس عن الجهاد في سبيل الله بل يعاونون أعداءه ويدعون محبته لأن محبتهم من جنس محبة المشركين الذين قال الله فيهم وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية سورة الأنفال ولهذا يحبون سماع القصائد أعظم مما يحبون سماع القرآن ويجتهدون في دعاء مشايخهم والإستعانة بهم عند قبورهم وفي حياتهم في مغيبهم أعظم مما يجتهدون في دعاء الله والإستعانة به في المساجد والبيوت وهذا كله من فعل أهل الشرك ليس من فعل المخلصين لله دينهم كالصحابة والتابعين لهم بإحسان فأولئك أنكروا محبته وهؤلاء دخلوا في محبة المشركين والطائفتان خارجتان عن الكتاب والسنة فنفس محبته أصل لعبادته والشرك في محبته أصل الإشراك في عبادته وأولئك فيهم شبه من اليهود وعندهم كبر من جنس كبر اليهود وهؤلاء فيهم شبه من النصارى وفيهم شرك من جنس شرك النصارى والنصارى ضالون لهم عبادة ورحمة ورهبانية لكن بلا علم ولهذا يتبعون أهواءهم بلا علم قال تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في |
5 | 330 | دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق سورة النساء وقال تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل سورة المائدة أي وسط الطريق وهي السبيل القصد الذي قال الله فيها وعلى الله قصد السبيل سورة النحل وهي الصراط المستقيم فأخبر بتقدم ضلالهم ثم ذكر صفة ضلالهم والأهواء هي إرادات النفس بغير علم فكل من فعل ما تريده نفسه بغير علم يبين أنه مصلحة فهو متبع هواه والعلم بالذي هو مصلحة العبد عند الله في الآخرة هو العلم الذي جاءت به الرسل قال تعالى فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله سورة القصص وقال تعالى ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير سورة البقرة وقال تعالى فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق سورة المائدة وقال تعالى ثم جعلناكم على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون سورة الجاثية |
5 | 331 | ولهذا كان مشايخ الصوفية العارفون أهل الإستقامة يوصون كثيرا بمتابعة العلم ومتابعة الشرع لأن كثيرا منهم سلكوا في العبادة لله مجرد محبة النفس وإراداتها وهواها من غير اعتصام بالعلم الذي جاء به الكتاب والسنة فضلوا بسبب ذلك ضلالا يشبه ضلال النصارى ولهذا قال بعض الشيوخ وهو أبو عمرو بن نجيد كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل وقال سهل كل عمل بلا اقتداء فهو عيش النفس وكل عمل باقتداء فهو عذاب على النفس وقال أبو عثمان النيسابوري من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق |
5 | 332 | بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة لأن الله تعالى يقول وإن تطيعوه تهتدوا سورة النور وقال بعضهم ما ترك أحد شيئا من السنة إلا لكبر في نفسه وهو كما قالوا فإنه إذا لم يكن متبعا للأمر الذي جاء به الرسول كان يعمل بإرادة نفسه فيكون متبعا لهواه بغير هدى من الله وهذا عيش النفس وهو من الكبر فإنه شعبة من قول الذين قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله سورة الأنعام وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياضته واجتهاده في العبادة وتصفية نفسه إلى ما وصلت إليه الأنبياء من غير اتباع لطريقهم وفيهم طوائف يظنون أنهم صاروا أفضل من الأنبياء وأن الولي الذي يظنون هم أنه الولي أفضل من الأنبياء وفيهم من يقول إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء ويدعي في نفسه أنه خاتم الأولياء ويكون ذلك العلم هو حقيقة قول فرعون إن هذا |
5 | 333 | الوجود المشهود واجب بنفسه ليس له صانع مباين له لكن هذا يقول هو الله وفرعون أظهر الإنكار بالكلية لكن كان فرعون في الباطن أعرف منهم فإن كان مثبتا للصانع وهؤلاء ظنوا أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق كما يقول ذلك ابن عربي وأمثاله من الإتحادية والمقصود ذكر من عدل عن العبادات التي شرعها الرسول إلى عبادات بإرادته وذوقه ووجده ومحبته وهواه وأنهم صاروا في أنواع من الضلال من جنس ضلال النصارى ففيهم من يدعي إسقاط وساطة الأنبياء والوصول إلى الله بغير طريقهم ويدعي ما هو أفضل من النبوة ومنهم من يدعي الإتحاد والحلول الخاص إما لنفسه وإما لشيخه وإما لطائفته الواصلين إلى حقيقة التوحيد بزعمه وهذا قول النصارى والنصارى موصوفون بالغلو وكذلك هؤلاء |
5 | 334 | مبتدعة العباد الغلو فيهم وفي الرافضة ولهذا يوجد في هذين الصنفين كثير ممن يدعي إما لنفسه وإما لشيخه الإلهية كما يدعيه كثير من الإسماعيلية لائمتهم بني عبيد وكما يدعيه كثير من الغالية إما للاثنى عشر وإما لغيرهم من أهل البيت ومن غير أهل البيت كما تدعيه النصيرية وغيرهم وكذلك في جنس المبتدعة الخارجين عن الكتاب والسنة من أهل التعبد والتأله والتصوف منهم طوائف من الغلاة يدعون الإلهية ودعوى ما هو فرق النبوة وإن كان متفلسفا يجوز وجود نبي بعد محمد كالسهروردي المقتول في الزندقة وابن سبعين وغيرهما صاروا |
5 | 335 | يطلبون النبوة بخلاف ما أقر بما جاء به الشرع ورأى أن الشرع الظاهر لا سبيل إلى تغييره فإنه يقول النبوة ختمت لكن الولاية لم تختم ويدعي من الولاية ما هو أعظم من النبوة وما يكون للأنبياء والمرسلين وأن الأنبياء يستفيدون منها ومن هؤلاء من يقول بالحلول والإتحاد وهم في الحلول والإتحاد نوعان نوع يقول بالحلول والإتحاد العام المطلق كابن عربي وأمثاله ويقولون في النبوة إن الولاية أعظم منها كما قال ابن عربي |
5 | 336 | مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولى وقال ابن عربي في القصوص وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأنبياء وما يراه أحد من الأنبياء إلا من مشكاة خاتم الأنبياء وما يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة خاتم الأولياء حتى أن الرسل إذا رأوه لا يرونه إذا رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء فإن الرسالة والنبوة أعنى رسالة التشريع ونبوته تنقطعان وأما الولاية فلا تنقطع أبدا فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء فكيف بمن دونهم من الأولياء وإن كان |
5 | 337 | خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه فإنه من وجه يكون أنزل ومن وجه يكون أعلى قال ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم البوة بالحائط من اللبن فرآها قد كملت إلا موضع لبنة فكان هو صلى الله عليه وسلم موضع اللبتة وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا فيرى ما مثله النبي صلى الله عليه وسلم ويرى نفسه في الحائط موضع لبنتين ويرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين فيكمل الحائط والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أن الحائط لبنة من ذهب |
5 | 338 | ولبنة من فضة واللبنة الفضة هي ظاهرة وما يتبعه فيه من الأحكام كما هو آخذ عن الله في السر ما هو في الصورة الظاهرة متبع فيه لأنه يرى الأمر على ما هو عليه فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن فإنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول قال فإن فهمت ما أشرنا إليه فقد حصل لك العلم النافع قلت وقد بسطنا الرد على هؤلاء في مواضع وبينا كشف ما هم عليه من الضلال والخيال والنفاق والزندقة وأما الذين يقولون بالإتحاد الخاص فهؤلاء منهم من يصرح بذلك وأما من كان عنده علم بالنصوص الظاهرة ورأى أن هذا يناقض ما عليه المسلمون في الظاهر فإنه يجعل هذا مما يشار إليه ويرمز به ولا يباح به ثم إن كان معظما للرسول والقرآن ظن أن الرسول كان يقول بذلك لكنه لم يبح به لأنه مما لا يمكن البشر أن يبوحوا به وإن كان |
5 | 339 | غير معظم للرسول زعم أنه تعدى حد الرسول وهذا الضلال حدث قديما من جهال العباد ولهذا كان العارفون كالجنيد بن محمد سيد الطائفة قدس الله روحه لما سئل عن التوحيد قال التوحيد إفراد الحدوث عن القدم فإنه كان عارفا ورأى أقواما ينتهي بهم الأمر إلى الإتحاد فلا يميزون بين القديم والمحدث وكان أيضا طائفة من أصحابه وقعوا في الفناء في توحيد الربوبية الذي لا يميز فيه بين المأمور والمحظور فدعاهم الجنيد إلى الفرق الثاني وهو توحيد الإلهية الذي يميز فيه بين المأمور والمحظور فمنهم من وافقه ومنهم من خالفه ومنهم لم يفهم كلامه وقد ذكر بعض ما جرى من ذلك أبو سعيد بن الأعرابي في طبقات |
5 | 340 | النساك وكان من أصحاب الجنيد ومن شيوخ أبي طالب المكي كان من أهل العلم بالحديث وغيره ومن أهل المعرفة بأخبار الزهاد وأهل الحقائق وهذا الذي ذكره الجنيد من الفرق بين القديم والمحدث والفرق بين المأمور والمحظور بهما يزول ما وقع فيه كثير من الصوفية من هذا الضلال ولهذا كان الضلال منهم يذمون الجنيد على ذلك كابن عربي وأمثاله فإن له كتابا سماه الإسرا إلى المقام الأسرى مضمونه حديث نفس ووساوس شيطان حصلت في نفسه جعل ذلك معراجا كمعراج الأنبياء وأخذ يعيب على الجنيد وعلى غيره من الشيوخ ما ذكروه وعاب على الجنيد قوله التوحيد إفراد الحدوث عن القدم وقال قلت له يا جنيد ما يميز بين الشيئين إلا من كان خارجا عنهما وأنت إما |
5 | 341 | قديم أو محدث فكيف تميز وهذا جهل منه فإن المميز بين الشيئين هو الذي يعرف أن هذا غير هذا ليس من شرطه أن يكون ثالثا بل كل إنسان يميز بين نفسه وبين غيره وليس هو ثالثا والرب سبحانه يميز نفسه وبين غيره وليس هناك ثالث وهذا الذي ذمه الجنيد رحمه الله وأمثاله من الشيوخ العارفين وقع فيه خلق كثير حتى من أهل العلم بالقرآن وتفسيره والحديث والآثار ومن المعظمين لله ورسوله باطنا وظاهرا المحبين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذابين عنها وقعوا في هذا غلطا لا تعمدا وهم يحسبون أن هذا نهاية التوحيد كما ذكر ذلك صاحب منازل السائرين |
5 | 342 | مع علمه وسنته ومعرفته ودينه وقد ذكر في كتابه منازل السائرين أشياء حسنة نافعة وأشياء باطلة ولكن هو فيه ينتهي إلى الفناء في توحيد الربوبية ثم إلى التوحيد الذي هو حقيقة الإتحاد ولهذا قال باب التوحيد قال الله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو سورة آل عمران التوحيد تنزيه الله عن الحدث قال وإنما نطق العلماء بما نطقوا به وأشار المحققون إلى ما أشاروا إليه في هذا الطريق لقصد تصحيح التوحيد وما سواه من حال أو مقام فكله مصحوب العلل |
5 | 343 | قال والتوحيد على ثلاثة أوجه الأول توحيد العامة الذي يصح بالشواهد والثاني توحيدالخاصة وهو الذي يثبت بالحقائق والوجه الثالث توحيد قائم بالقدم وهو توحيد خاصة الخاصة فأما التوحيد الأول فهو شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد هذا هو التوحيد الظاهر الجلي الذي نفى الشرك الأعظم وعليه نصبت القبلة وبه وجبت الذمة وبه حقنت الدماء والأموال وانفصلت دار الإسلام من دار الكفر وصحت به الملة للعامة وإن لم يقوموا بحسن الإستدلال بعد أن سلموا من الشبهة والحيرة والريبة بصدق شهادة صححها قبول القلب هذا توحيد العامة الذي يصح بالشواهد والشواهد هي الرسالة والصنائع تجب بالسمع وتوجد بتبصير الحق وتنمو على مشاهدة الشواهد |
5 | 344 | قال وأما التوحيد الثاني الذي يثبت بالحقائق فهو توحيد الخاصة وهو إسقاط الأسباب الظاهرة والصعود عن منازعات العقول وعن التعلق بالشواهد وهو أن لا يشهد في التوحيد دليلا ولا في التوكل سببا ولا في النجاة وسيلة فيكون مشاهدا سبق الحق بحكمه وعلمه ووضعه الأشياء مواضعها وتعليقه إياها بأحايينها وإخفائه إياها في رسومها ويحقق معرفة العلل ويسلك سبيل إسقاط الحدث هذا توحيد الخاصة الذي يصح بعلم الفناء ويصفو في علم الجمع ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع قال وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه |
5 | 345 | واستحقه بقدره وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته وأخرسهم عن نعته وأعجزهم عن بثه والذي يشار به إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث وإثبات القدم على أن هذا الرمز في ذلك التوحيد علة لا يصح ذلك التوحيد إلا بإسقطها هذا قطب الإشارة إليه على ألسن علماء أهل هذا الطريق وإن زخرفوا له نعوتا وفصلوه فصولا فإن ذلك التوحيد تزيده العبارة خفاء والصفة نفورا والبسط صعوبة وإلى هذا التوحيد شخص أهل الرياضة وأرباب الأحوال وإليه قصد أهل التعظيم وإياه عنى المتكلمون في عين الجمع وعليه تصطلم الإشارات ثم لم ينطق عنه لسان ولم تشر إليه عبارة فإن التوحيد وراء ما يشير إليه مكون أو يتعاطاه خبر أو يقله سبب قال وقد أجبت في سالف الدهر سائلا سألني عن توحيد الصوفية |
5 | 346 | بهذه القوافي الثلاث ما وحد الواحد من واحد إذ كل من وحده جاحد توحيد من ينطق عن نعته عارية أبطلها الواحد توحيده إياه توحيده ونعت من ينعته لأحد قلت وقد بسطت الكلام على هذا وأمثاله في غير هذا الموضع لكن ننبه هنا على ما يليق بهذا الموضع فنقول أما التوحيد الأول الذي ذكره فهو التوحيد الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب وبه بعث الله الأولين والآخرين من الرسل قال تعالى واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون سورة الزخرف وقال تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة سورة النحل وقال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون سورة الأنبياء وقد أخبر الله تعالى عن كل من الرسل مثل نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم أنهم قالوا لقومهم آعبدوا الله مالكم من إله غيره وهذا أول دعوة الرسل وآخرها |
5 | 347 | قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أيضا من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة وقال من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الحنة والقرآن كله مملوء من تحقيق هذا التوحيد والدعوة إليه وتعليق النجاة والفلاح واقتضاء السعادة في الآخرة به ومعلوم أن الناس متفاضلون في تحقيقه وحقيقته إخلاص الدين كله لله والفناء في هذا التوحيد مقرون بالبقاء وهو أن تثبت إلاهية الحق في قلبك وتنفي إلاهية ما سواه فتجمع بين النفي والإثبات فتقول لا إله إلا الله فالنفي هو الفناء والإثبات هو البقاء وحقيقته أن تفنى بعبادته عما سواه ومحبته عن محبة ما سواه وبخشيته عن خشية ما سواه وبطاعته عن طاعة ما سواه وبموالاته عن موالاة ما سواه وبسؤاله عن سؤال ما سواه وبالإستعاذه به عن الإستعاذة بما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على |
5 | 348 | ما سواه وبالتفويض إليه عن التفويض إلى ما سواه وبالإنابة إليه عن الإنابة إلى ما سواه وبالتحاكم إليه عن التحاكم إلى ما سواه وبالتخاصم إليه عن التخاصم إلى ما سواه وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا قام يصلي من الليل وقد روي أنه كان يقوله بعد التكبير اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وقال تعالى قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم سورة الآنعام |
5 | 349 | وقال أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا سورة الآنعام وقال أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين سورة الزمر وقال تعالى قل إنني هداني ربي إلي صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها سورة الأنعام وهذا التوحيد كثير في القرآن وهو أول الدين وآخره وباطن الدين وظاهره وذروة سنام هذا التوحيد لأولى العزم من الرسل ثم للخليلين محمد وإبراهيم صلى الله عليهما وسلم تسليما فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه قال إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا |
5 | 350 | وأفضل الرسل بعد محمد صلى الله عليه وسلم إبراهيم فإنه قد ثبت في الصحيح عنه أنه قال عن خير البرية إنه إبراهيم وهو الإمام الذي جعله الله إماما وجعله أمة والأمة القدوة الذي يقتدى به فإنه حقق هذا التوحيد وهو الحنيفية ملته قال تعالى قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شئ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر سورة الممتحنة وقال تعالى وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا |
5 | 351 | الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون سورة الزخرف وقال عن إبراهيم أنه قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم سورة الأنعام وقال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين سورة الشعراء والخليل هو الذي تخللت محبة خليله قلبه فلم يكن فيه مسلك لغيره كما قيل قد تخللت مسلك الروحى منى وبذا سمى الخليل خليلا وقد قيل إنه مأخوذ من الخليل وهو الفقير مشتق من الخلة بالفتح كما قيل |
5 | 352 | وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم والصواب أنه من الأول وهو مستلزم للثاني فإن كمال حبه لله هو محبة عبودية وافتقار ليست كمحبة الرب لعبده فإنها محبة استغناء وإحسان ولهذا قال تعالى وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا سورة الاسراء فالرب لا يوالي عبده من ذل كما يوالي المخلوق لغيره بل يواليه إحسانا إليه والولي من الولاية والولاية ضد العداوة وأصل الولاية الحب وأصل العداوة البغض وإذا قيل هو مأخوذ من الولي وهو القرب فهذا جزء معناه فإن الولي يقرب إلى وليه والعدو يبعد عن عدوه ولما كانت الخلة تستلزم كمال المحبة واستيعاب القلب لم يصلح للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخالل مخلوقا بل قال لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله |
5 | 353 | ولهذا امتحن الله إبراهيم بذبح ابنه والذبيح على القول الصحيح ابنه الكبير إسماعيل كما دلت على ذلك سورة الصافات وغير ذلك فإنه قد كان سأل ربه أن يهب له من الصالحين فبشره بالغلام الحليم إسماعيل فلما بلغ معه السعي أمره أن يذبحه لئلا يبقى في قلبه محبة مخلوق تزاحم محبة الخالق إذ كان قد طلبه وهو بكره وكذلك في التوراة يقول اذبح ابنك وحيدك وفي ترجمة أخرى بكرك ولكن ألحق المبدلون لفظ إسحاق وهو باطل فإن إسحاق هو الثاني من أولاده باتفاق المسلمين وأهل الكتاب فليس هو وحيده ولا بكره وإنما وحيده وبكره إسماعيل ولهذا لما ذكر الله قصة الذبيح في القرآن قال بعد هذا وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين سورة الصافات وقال في الآية الأخرى فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب سورة هود فكيف يبشره بولد ثم يأمره بذبحه والبشارة بإسحاق وقعت لسارة وكانت قد غادرت من هاجر لما ولدت إسماعيل وأمر الله إبراهيم أن يذهب بإسماعيل وأمه إلى مكة ثم لما جاء الضيف وهم الملائكة لإبراهيم بشروها بإسحاق فكيف يأمره بذبح إسحاق مع بقاء إسماعيل وهي لم تصبر على وجود إسماعيل وحده بل غارت أن يكون له ابن |
5 | 354 | من غيرهما فكيف تصبر على ذبح ابنها وبقاء ابن ضرتها وكيف يأمر الله إبراهيم بذبح ابنه وأمه مبشرة به وبابن ابنه يعقوب وأيضا فالذبح إنما كان بمكة وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قرني الكبش في البيت فقال للحاجب إني رأيت قرني الكبش في الكعبة فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في الكعبة شيء يلهي المصلي وإبراهيم وإسماعيل هما اللذان بنيا الكعبة بنص القرآن وإسحاق كان في الشام والمقصود بالأمر بالذبح أن لا يبقى في قلبه محبة لغير الله تعالى وهذا إذا كان له ابن واحد فإذا صار له ابنان فالمقصود لا |
5 | 355 | يحصل إلا بذبحهما جميعا وكل من قال إنه إسحاق فإنما أخذه عن اليهود أهل التحريف والتبديل كما أخبر الله تعالى عنهم وقد بسطنا هذه المسألة في مصنف مفرد والمقصود هنا أن الخليلين هما أكمل خاصة الخاصة توحيدا فلا يجوز أن يكون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من هو أكمل توحيدا من نبي من الأنبياء فضلا عن الرسل فضلا عن أولي العزم فضلا عن الخليلين وكمال توحيدهما بتحقيق إفراد الألوهية وهو أن لا يبقى في القلب شيء لغير الله أصلا بل يبقى العبد مواليا لربه في كل شيء يحب ما أحب ويبغض ما أبغض ويرضى بما رضي ويسخط بما سخط ويأمر بما أمر وينهى عما نهى وأما التوحيد الثاني الذي ذكره وسماه توحيد الخاصة فهو الفناء في توحيد الربوبية وهو أن يشهد ربوبية الرب لكل ما سواه وأنه وحده رب كل شيء ومليكه والفناء إذا كان في توحيد الألوهية وهو أن |
5 | 356 | يستولي على القلب شهود معبوده وذكره ومحبته حتى لا يحس بشيء آخر مع العلم بثبوت ما أثبته الحق من الأسباب والحكم وعبادته وحده لا شريك له بالأمر والنهي ولكن غلب على القلب شهود الواحد كما يقال غاب بموجوده عن وجوده وبمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته كما يذكر أن رجلا كان يحب آخر فوقع المحبوب في اليم فألقى المحب نفسه خلفه فقال له أنا وقعت فلماذا وقعت أنت فقال غبت بك عني فظننت أن أني فصاحب هذا الفناء إذا غلب في ذلك فهو معذور لعجزه عند غلبة ذكر الرب على قلبه عن شعوره بشئ آخر كما يعذر من سمع الحق فمات أو غشي عليه وكما عذر موسى صلى الله عليه وسلم لما صعق حين تجلى ربه للجبل وليس هذا الحال غاية السالكين ولا لازما لكل سالك ومن الناس من يظن أنه لا بد لكل سالك منه وليس كذلك فنبينا صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون هم أفضل وما أصاب أحدا منهم هذا الفناء ولا صعق ولا موت عند سماع القرآن وإنما تجد هذا الصعق في التابعين لا سيما في عباد البصريين |
5 | 357 | ومن الناس من يجعل هذا الفناء هو الغاية التي ينتهي إليها سير العارفين وهذا أضعف من الذي قبله وما يذكر عن أبي يزيد البسطامي من قوله ما في الجبة إلا الله وقوله أين أبو يزيد أنا أطلب أبا يزيد منذ كذا وكذا سنة ونحو ذلك فقد حملوه على أنه كان من هذا الباب ولهذا يقال عنه إنه كان إذا أفاق أنكر هذا فهذا ونحوه كفر لكن إذا زال العقل بسبب يعذر فيه الإنسان كالنوم |
5 | 358 | والإغماء لم يكن مؤاخذا بما يصدر عنه في حال عدم التكليف ولا ريب أن هذا من ضعف العقل والتمييز وأما الفناء الذي يذكره صاحب المنازل فهو الفناء في توحيد الربوبية لا في توحيد الإلهية وهو يثبت توحيد الربوبية مع نفي الأسباب والحكم كما قول القدرية المجبرة كالجهم بن صفوان ومن اتبعه والأشعري وغيره وشيخ الإسلام وإن كان رحمه الله من أشد الناس مباينة للجهمية في الصفات وقد صنف كتابه الفاروق في الفرق بين المثبتة والمعطلة وصنف كتاب تكفير الجهمية وصنف كتاب ذم الكلام وأهله وزاد في هذا الباب حتى صار يوصف بالغلو في الإثبات للصفات لكنه في القدر على رأي الجهمية نفاة الحكم والأسباب |
5 | 359 | والكلام في الصفات نوع والكلام في القدر نوع وهذا الفناء عنده لا يجامع البقاء فإنه نفي لكل ما سوى حكم الرب بإرادته الشاملة التى تخصص أحد المتماثلين بلا مخصص ولهذا قال في باب التوبة في لطائف أسرار التوبة اللطيفة الثالثة أن مشاهدة العبد الحكم لم تدع له استحسان حسنة ولا استقباح سيئة لصعوده من جميع المعاني إلى معنى الحكم أي الحكم القدري وهو خلقه لكل شئ بقدرته وإرادته فإن من لم يثبت في الوجود فرقا بالنسبة إلى الرب بل يقول كل ما سواه محبوب له مرضي له مراد له سواء بالنسبة إليه ليس يحب شيئا ويبغض شيئا فإن مشاهدة هذا لا يكون معها استحسان حسنة ولا استقباح سيئة بالنسبة إلى الرب إذ الإستحسان والإستقباح على هذا المذهب لا يكون إلا بالنسبة إلى العبد يستحسن ما يلائمه ويستقبح ما ينافيه وفي عين الفناء لا يشهد نفسه ولا غيره بل لا يشهد إلا فعل ربه فعند هده المشاهدة لا يستحسن شيئا ويستقبح آخر على قول هؤلاء القدرية الجبرية المتبعين لجهم بن صفوان وأمثاله وهؤلاء وافقوا القدرية في أن مشيئة الرب وإرادته ومحبته ورضاه سواء ثم قالت القدرية النفاة وهو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان فهو لا يريده ولا يشاؤه فيكون في ملكه ما لا يشاء |
5 | 360 | وقالت الجهمية المجبرة بل هو يشاء كل شيء فهو يريده ويحبه ويرضاه وأما السلف وأتباعهم فيفرقون بين المشيئة والمحبة وأما الإرادة فتكون تارة بمعنى المشيئة وتارة بمعنى المحبة وقد ذكر الأشعري القولين عن أهل السنة المثبتين للقدر قول من فرق بين المحبة والرضا وقول من سوى بينهما واختار هو التسوية وأبو المعالي يقول إن أبا الحسن أول من سوى بينهما لكني رأيته في الموجز قد حكى قوله عن سليمان بن حرب وعن ابن كلاب وعن الكرابيسي وعن داود بن علي وكذلك ابن عقيل يقول أجمع المسلمون على أن الله لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولم يقل إنه يحبه غير الأشعري وأما القاضي أبو يعلى فهو في المعتمد يوافق الأشعري وفي مختصره ذكر القولين وذكر في المعتمد قول أبي بكر عبد العزيز أنه يقول بالفرق وتأول كلام أبي بكر بتأويل باطل لكن أهل الملل كلهم متفقون على أن الله يثيب على الطاعات ويعاقب على المعاصي وإن كانت المشيئة شامله للنوعين فهم يسلمون الفرق بالنسبة إلى العباد والمدعون للمعروفة والحقيقة والفناء فيهما يطلبون أن لا يكون لهم مراد بل يريدون ما يريد الحق تعالى فيقولون الكمال أن تفنى عن إرادتك وتبقى مع إرادة ربك وعندهم أن جميع الكائنات بالنسبة إلى |
5 | 361 | الرب سواء فلا يستحسنون حسنة ولا يستقبحون سيئة وهذا الذي قالوه ممتنع عقلا محرم شرعا ولكن المقصود هنا بيان قولهم ولهذا قال شيخ الإسلام في توحيدهم وهو التوحيد الثاني إنه إسقاط الأسباب الظاهرة فإن عندهم لم يخلق الله شيئا بسبب بل يفعل عنده لا به قال والصعود عن منازعات العقول وعن التعلق بالشواهد وهو أن لا يشهد في التوحيد دليلا ولا في التوكل سببا ولا في النجاة وسيلة وذلك لأن عندهم ليس في الوجود شيء يكون سببا لشيء أصلا ولا شيء جعل لأجل شيء ولا يكون شيء بشيئ فالشبع عندهم لا يكون بالأكل ولا العلم الحاصل في القلب بالدليل ولا ما يحصل للمتوكل من الرزق والنصر له سبب أصلا لا في نفسه ولا في نفس الأمر ولا الطاعات عندهم سبب للثواب ولا المعاصي سبب للعقاب فليس للنجاة وسيلة بل محض الإرادة الواحدة يصدر عنها كل حادث ويصدر مع الآخر مقترنا به اقترانا عاديا لا أن أحدهما معلق بالآخر أو سبب له أو حكمة له ولكن لأجل ما جرت به العادة من اقتران أحدهما بالآخر يجعل أحدهما أمارة وعلما ودليلا على الآخر بمعنى أنه إذا وجد أحد المقترنين عادة كان الآخر موجودا معه وليس العلم الحاصل في القلب حاصلا بهذا الدليل بل هذا أيضا من جملة الإقترانات العادية |
5 | 362 | ولهذا قال فيكون مشاهدا سبق الحق بحكمه وعلمه أى يشهد أنه علم ما سيكون وحكم به أي أراده وقضاه وكتبه وليس عندهم شيء إلا هذا وكثير من أهل هذا المذهب يتركون الأسباب الدنيوية ويجعلون وجود السبب كعدمه ومنهم قوم يتركون الأسباب الأخروية فيقولون إن سبق العلم والحكم أنا سعداء فنحن سعداء وإن سبق أنا أشقياء فنحن أشقياء فلا فائدة في العمل ومنهم من يترك الدعاء بناء على هذا الأصل الفاسد ولا ريب أن هذا الأصل الفاسد مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف وأئمة الدين ومخالف لصريح المعقول ومخالف للحس والمشاهدة وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن إسقاط الأسباب نظرا إلى القدر فرد ذلك كما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب فقال لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له |
5 | 363 | وفي الصحيح أيضا أنه قيل له يا رسول الله أرأيت ما يكدح الناس فيه اليوم ويعملون أشيء قضى عليهم ومضى أم فيما يستقبلون مما أتاهم فيه الحجة فقال بل شيء قضى عليهم ومضى فيهم قالوا يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على كتابنا فقال لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا فقال هي من قدر الله وقد قال تعالى في كتابه وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات سورة الآعراف |
5 | 364 | وقال وما أنزل الله من المساء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها سورة الجاثية وقال قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم سورة التوبة وقال ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا سورة التوبة وقال يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين سورة البقرة وقال يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام سورة المائدة وقال وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم سورة الشورى وقال ولكل قوم هاد سورة الرعد فكيف لا يشهد الدليل قال وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم سورة الزمر وقال إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم سورة يونس وقال والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ سورة الطور وقال كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم سورة إبراهيم وقال كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية سورة الحاقة |
5 | 365 | وقال ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون سورة النحل وقال إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا سورة الأنفال وقال ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب سورة الطلاق وقال فبما رحمة من الله لنت لهم سورة آلعمران وقال فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل سورة النساء وقال فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين سورة الأنعام وقال فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار سورة المائدة وقال وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا سورة الإنسان وقال إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب سورة آل عمران وقال إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون سورة البقرة وأمثال ذلك في القرآن كثير |
5 | 366 | وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد عسى أن تخلف فينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون فكيف يمكن أن يشهد أن الله لم ينصب على توحيده دليلا ولا جعل للنجاة من عذابه وسيلة ولا جعل لما يفعله المتوكل من عباده سببا وهو مسبب الأسباب وخالق كل شيء بسبب منه لكن الأسباب كما قال فيها أبو حامد وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهما الإلتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا تغيير في وجه العقل والأعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع والتوكل معنى يلتئم من معنى التوحيد والعقل والشرع فالموحد المتوكل لا يلتفت إلى الأسباب بمعنى أنه لا يطمئن إليها |
5 | 367 | ولا يثق بها ولا يرجوها ولا يخافها فإنه ليس في الوجود سبب يستقل بحكم بل كل سبب فهو مفتقر إلى أمور أخرى تضم إليه وله موانع وعوائق تمنع موجبه وما ثم سبب مستقل بالإحداث إلا مشيئة الله وحده فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وما شاء خلقه بالأسباب التي يحدثها ويصرف عنه الموانع فلا يجوز التوكل إلا عليه كما قال تعالى إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون سورة آل عمران وما سبق من علمه وحكمه فهو حق وقد علم وحكم بأن الششيء الفلاني يحدثه هو سبحانه بالسبب الفلاني فمن نظر إلى علمه وحكمه فليشهد الحدوث بما أحدثه وإذا نظر إلى الحدوث بلا سبب منه لم يكن شهوده مطابقا لعلمه وحكمه فمن شهد أن الله تعالى خلق الولد لا من أبوين لسبق علمه وحكمه فهذا شهوده عمى بل يشهد أن الله تبارك وتعالى سبق علمه وحكمه بأن يخلق الولد من الأبوين والأبوان سبب في وجوده فكيف يجوز أن يقال إنه سبق علمه وحكمه بحدوثه بلا سبب وإذا كان علمه وحكمه قد أثبت السبب فكيف أشهد الأمور بخلاف ما هي عليه في علمه وحكمه والعلل التي تنفي نوعان أحدهما أن تعتمد على الأسباب وتتوكل عليها وهذا شرك محرم والثاني أن تترك ما أمرت به من الأسباب |
5 | 368 | وهذا أيضا محرم بل عليك أن تعبده بفعل ما أمرك به من الأسباب وعليك أن تتوكل عليه في أن يعينك على ما أمرك به وأن يفعل هو ما لا تقدر أنت عليه بدون سبب منك فليست العلة إلا ترك ما أمرك به الرب أمر إيجاب أو استحباب ومن فعل ما أمر به كما أمر به فليس عنده علة ولكن قد يجهل حقيقة ما أمر به كما أمر به فيكون منه علة وقول القائل يسلك سبيل إسقاط الحدث إن أراد أنى أعتقد نفي حدوث شئ فهذا مكابرة وتكذيب بخلق الرب وجحد للصانع وإن أراد أنى أسقط الحدث من قلبي فلا أشهد محدثا وهو مرادهم فهذا خلاف ما أمرت به وخلاف الحق بل قد أمرت أن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأشهد حدوث المحدثات بمشيئته بما خلقه من الأسباب ولما خلقه من الحكم وما أمرت أن لا أشهد بقلبي حدوث شئ قط وقول القائل يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل إن أراده أنه |
5 | 369 | يبقى على الوجه المأمور به بحيث يشهد أن الحق هو المحدث لكل ما سواه بما أحدثه من الأسباب ولما أراده من الحكمة فهذا حق وإن أراد أنى لا أشهد قط مخلوقا بل لا أشهد إلا القديم فقط فهذا نقص في الإيمان والتوحيد والتحقيق وهذا من باب الجهل والضلال وهذا إذا غلب على قلب العبد كان معذورا أما أن يكون هذا مما أمر الله به ورسوله فهذا خلاف الكتاب والسنة والإجماع ولما كان هذا مرادهم قال هذا توحيد الخاصة الذي يصح بعلم الفناء ويصفو في علم الجمع ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع فإن المراد بالجمع أن يشهد الأشياء كلها مجتمعة في خلق الرب ومشيئته وأنها صادرة بإرادته لا يرجح مثلا عن مثل فلا يفرق بين مأمور ومحظور وحسن وقبيح وأولياء الله وأعدائه والوقوف عند هذا الجمع هو الذي أنكره الجنيد وغيره من أئمة طريق أهل الله أهل الحق فإنهم أمروا بالفرق الثاني وهو أن يشهد مع هذا الجمع أن الرب فرق بين ما أمر به وبين ما نهى عنه فأحب هذا |
5 | 370 | وأبغض هذا وأثاب على هذا وعاقب على هذا فيحب ما أحبه الله ورسوله ويبغض ما أبغضه الله ورسوله ويشهد الفرق في الجمع والجمع في الفرق لا يشهد جمعا محضا ولا فرقا محضا وأما قوله ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع فسيأتي وهؤلاء شربوا من العين التي شرب منها نفاة القدر فإن أولئك الذين قالوا الأمر أنف قالوا إذا سبق علمه وحكمه بشيء امتنع أن يأمر بخلافه ووجب وجوده وفي ذلك إبطال الأمر والنهي لكن أولئك كانوا معظمين للأمر والنهي فظنوا أن إثبات ما سبق من العلم والحكم ينافيه فأثبتوا الشرع ونفوا القدر وهؤلاء اعتقدوا ذلك أيضا لكن أثبتوا القدر ونفوا عمن شاهده أن يستحسن حسنة يأمر بها أو يستقبح سيئة ينهى عنها فأثبتوا القدر وأبطلوا الشرع عمن شاهد القدر وهذا القول أشد منافاة لدين الإسلام من قول نفاة القدر قال وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه واستحقه بقدره إلى آخر كلامه وقد تقدم حكايته فهؤلاء هم الذين أنكر عليهم أئمة الطريق كالجنيد وغيره حيث لم يفرقوا بين القديم والمحدث وحقيقة قول هؤلاء الإتحاد والحلول الخاص من جنس قول النصارى في المسيح وهو أن يكون الموحد هو الموحد ولا يوحد |
5 | 371 | الله إلا الله وكل من جعل غير الله يوحد الله فهو جاحد عندهم كما قال ما وحد الواحد من واحد أي من واحد غيره إذ كل من وحده جاحد فإنه على قولهم هو الموحد والموحد ولهذا قال توحيد من ينطق عن نعته عارية أبطلها الواحد يعني إذا تكلم العبد بالتوحيد وهو يرى أنه المتكلم فإنما ينطق عن نعت نفسه فيستعير ما ليس له فيتكلم به وهذه عارية أبطلها الواحد ولكن إذا فنى عن شهود نفسه وكان الحق هو المتكلم على لسانه حيث فنى من لم يكن وبقي من لم يزل فيكون الحق هو الناطق بنعت نفسه لا بنعت العبد ويكون هو الموحد وهو الموحد ولهذا قال توحيده إياه توحيده أي توحيد الحق إياه أي نفسه هو توحيده هو لا توحيد المخلوقين له فإن لا يوحده عندهم مخلوق بمعنى أنه هو الناطق بالتوحيد على لسان خاصته ليس الناطق هو المخلوق كما يقوله النصارى في المسيح إن اللاهوت تكلم بلسان الناسوت وحقيقة الأمر أن كل من تكلم بالتوحيد أو تصوره وهو يشهد غير الله فليس بموحد عندهم وإذا غاب وفنى عن نفسه بالكلية فتم له مقام توحيد الفناء الذي يجذبه إلى توحيد أرباب الجمع صار الحق هو |
5 | 372 | الناطق المتكلم بالتوحيد وكان هو الموحد وهو الموحد لا موحد غيره وحقيقة هذا القول لا يكون إلا بأن يصير الرب والعبد شيئا واحدا وهو الإتحاد فيتحد اللاهوت والناسوت كما يقول النصارى إن المتكلم بما كان يسمع من المسيح هو الله وعندهم أن الذين سمعوا منه هم رسل الله وهم عندهم أفضل من إبراهيم وموسى ولهذا تكلم بلفظ اللاهوت والناسوت طائفة من الشيوخ الذين وقعوا في الإتحاد والحلول مطلقا ومعينا فكانوا ينشدون قصيدة ابن الفارض ويتحلون بما فيها من تحقيق الإتحاد العام ويرون كل ما في الوجود هو مجلي ومظهر ظهر فيه عين الحق وإذا رأى أحدهم منظرا حسنا أنشد يتجلى في كل طرفة عين بلباس من الجمال جديد وينشد الآخر هيهات يشهد ناظري معكم سوى إذا أنتم عين الجوارح والقوى وينشد الثالث أعاين في كل الوجود جمالكم وأسمع من كل الجهات نداكم |
5 | 373 | وتلتذ إن مرت على جسدي يدى لأني في التحقيق لست سواكم ولما كان ظهور قول النصارى بين المسلمين مما يظهر أنه باطل لم يمكن أصحاب هذا الإتحاد أن يتكلموا به كما تكلمت به النصارى بل صار عندهم مما يشهد ولا ينطق به وهو عندهم من الأسرار التي لا يباح بها ومن باح بالسر قتل وقد يقول بعضهم إن الحلاج لما باح بهذا السر وجب قتله ولهذا قال هو توحيد اختصه الحق لنفسه واستحقه بقدره وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته وأخرسهم عن نعته وأعجزهم عن بثه فيقال أما توحيد الحق نفسه بنفسه وهو علمه بنفسه وكلامه الذي يخبر به عن نفسه كقوله شهد الله أنه لا إله إلا هو سورة آل عمران وقوله إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني سورة طه فذاك صفته القائمة به كما تقوم به سائر صفاته من حياته وقدرته وغير ذلك وذلك لا يفارق ذات الرب وينتقل إلى غيره أصلا كسائر صفاته بل صفات المخلوق لا تفارق ذاته وتنتقل إلى غيره فكيف بصفات الخالق |
5 | 374 | ولكن هو سبحانه ينزل على أنبيائه من علمه وكلامه ما أنزله كما أنزل القرآن وهو كلامه على خاتم الرسل وقد قال سبحانه شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم سورة آل عمران فهو سبحانه يشهد لنفسه بالوحدانية والملائكة يشهدون وأولوا العلم من عباده يشهدون والشهادات متطابقة متوافقة وقد يقال هذه الشهادة هي هذه بمعنى أنها نوعها وليس نفس صفة المخلوق هي نفس صفة الخالق ولكن كلام الله الذي أنزله على رسوله هو القرآن الذي يقرؤه المسلمون وهو كلامه سبحانه مسموعا من المبلغين له ليس تلاوة العباد له وسماع بعضهم من بعض بمنزلة سمع موسى له من الله بلا واسطة فإن موسى سمع نفس كلام الرب كما يسمع كلام المتكلم منه كما يسمع الصحابة كلام الرسول منه وأما سائر الناس فسمعوه مبلغا عن الله كما يسمع التابعون ومن بعدهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم مبلغا عنه ولهذا قال لرسوله بلغ ما أنزل إليك من ربك سورة المائدة وقال ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم سورة الجن وقال النبي صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية وقال |
5 | 375 | نضر الله أمرا سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه وقال ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي وقول القائل وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته وأخرسهم عن نعته وأعجزهم عن بثه فيقال أفضل صفوته هم الأنبياء وأفضلهم الرسل وأفضل الرسل أولو العزم وأفضل أولي العزم محمد صلى الله عليه وسلم وما ألاحه الله على أسرار هؤلاء فهو أكمل توحيد عرفه العباد وهم قد تكلموا بالتوحيد ونعتوه وبثوه وما يقدر أحد قط أن ينقل عن نبي من الأنبياء ولا |
5 | 376 | وارث نبي أنه يدعي أنه يعلم توحيدا لا يمكنه النطق به بل كل ما علمه القلب أمكن التعبير عنه لكن قد لا يفهمه إلا بعض الناس فأما أن يقال إن محمدا صلى الله عليه وسلم عاجز عن أن يبين ما عرفه الله من توحيده فهذا ليس كذلك ثم يقال إن أريد بهذا اللائح أن يكون الرب نفسه هو الموحد لنفسه في قلوب صفوته لاتحاده بهم أو حلوله فيهم فهذا قول النصارى وهو باطل شرعا وعقلا وإن أريد أنه يعرف صفوته من توحيده ومعرفته والإيمان به ما لا يعرفه غيرهم فهذا حق لكن ما قام بقلوبهم ليس هو نفس الرب الخالق تعالى بل هو العلم به ومحبته ومعرفته وتوحيده وقد يسمى المثل الأعلى ويفسر به قوله تعالى وله المثل الأعلى في السموات والأرض سورة الروم أي في قلوب أهل السموات والأرض ويقال له المثال الحبي والمثال العلمي وقد يخيل لناقص العقل إذا أحب شخصا محبة تامة بحيث فني في حبه حتى لا يشهد في قلبه غيره أن نفس المحبوب صار في قلبه وهو غالط في ذلك بل المحبوب في موضع آخر إما في بيته وإما في المسجد وإما في |
5 | 377 | موضع آخر ولكن الذي في قلبه هو مثاله وكثيرا ما يقول القائل أنت في قلبي وأنت في فؤادي والمراد هذا المثال لأنه قد علم أنه لم يعن ذاته فإن ذاته منفصلة عنه كما يقال أنت بين عيني وأنت دائما على لساني كما قال الشاعر مثالك في عبني وذكرك في فمي ومثواك في قلبي فكيف تغيب وقال آخر ساكن في القلب يعمره لست أنساه فأذكره فجعله ساكنا عامرا للقلب لا ينسى ولم يرد أن ذاته حصلت في قلبه كما يحصل الإنسان الساكن في بيته بل هذا الحاصل هو المثال العلمي وقال آخر ومن عجب أني احن إليهم وأسأل عنهم من لقيت وهم معي وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي ومن هذا الباب قول القائل القلب بيت الرب وما يذكرونه في الإسرائيليات من قوله ما وسعتني أرضى ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن التقي النقي الورع اللين فليس المراد أن الله |
5 | 378 | نفسه يكون في قلب كل عبد بل في القلب معرفته ومحبته وعبادته والنائم يرى في المنام إنسانا يخاطبه ويشاهده ويجري معه فصولا وذلك المرئي قاعد في بيته أو ميت في قبره وإنما رأى مثاله وكذلك يرى في المرآة الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من المرئيات ويراها تكبر بكبر المرأة وتصغر بصغرها وتستدير باستدارتها وتصفوا بصفائها وتلك مثال المرئيات القائمة بالمرآة وأما نفس الشمس التي في السماء فلم تصر ذاتها في المرآة وقد خاطبني مرة شيخ من هؤلاء في مثل هذا وكان ممن يظن أن الحلاج قال أنا الحق لكونه كان في هذا التوحيد فقال الفرق بين فرعون والحلاج أن فرعون قال أنا ربكم الأعلى سورة النازعات وهو يشير إلى نفسه وأما الحلاج فكان فانيا عن نفسه والحق نطق على لسانه فقلت لت أفصار الحق في قلب الحلاج ينطق على لسانه كما ينطق الجني على لسان المصروع |
5 | 379 | وهو سبحانه بائن عن قلب الحلاج وغيره من المخلوقات فقلب الحلاج أو غيره كيف يسع ذات الحق ثم الجني يدخل في جسد الإنسان ويشغل جميع أعضائه والإنسان المصروع لا يحس بما يقوله الجني ويفعله بأعضائه لا يكون الجني في قلبه فقط فإن القلب كل ما قام به فإنما هو عرض من الأعراض ليس شيئا موجودا قائما بنفسه ولهذا لا يكون الجني بقلبه الذي هو روحه وهولاء قد يدعون أن ذات الحق قامت بقلبه فقط فهذا يستحيل في حق المخلوق فكيف بالخالق جل جلاله وقد يحتج بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد فإن الله قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده فيقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد ما أردتم من الحلول |
5 | 380 | والاتحاد ولكن أراد أن الله بلغكم هذا الكلام على لسان رسوله وأخبركم أنه يسمع دعاء من حمده فاحمدوه أنتم وقولوا ربنا ولك الحمد حتى يسمع الله لكم دعاءكم فإن الحمد قبل الدعاء سبب لاستجابة الدعاء وهذا أمر معروف يقول المرسل لرسوله قل على لساني كذا وكذا ويقول الرسول لمرسله قلت على لسانك كذا وكذا ويقول المرسل أيضا قلت لكم على لسان رسولي كذا وكذا وقد قال تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء سورة الشورى فالله تعالى إذا أرسل رسولا من الملائكة أو من البشر برسالة كان مكلما لعباده بواسطة رسوله بما أرسل به رسوله وكان مبينا لهم بذلك كما قال تعالى قد نبأنا الله من أخباركم سورة التوبة أي بواسطة رسوله وقال فإذا قرأناه فاتبع قرآنه سورة القيامة وقال نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق سورة القصص وقال نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين سورة يوسف فكانت تلك التلاوة والقراءة والقصص بواسطة جبريل فإنه سبحانه يكلم عباده بواسطة رسول يرسله فيوحي بإذنه ما يشاء ولهذا جاء بلفظ |
5 | 381 | الجمع فإن ما فعله المطاع بجنده يقال فيه نحن نفعل كذا والملائكة رسل الله فيما يخلقه ويأمر به فما خلقه وأمر به بواسطة رسله من الملائكة قال فيه نحن فعلنا كما قال تعالى فإذا قرأناه فاتبع قرآنه سورة القيامة وفي الصحيحين عن ابن عباس قال إن علينا أن نجمعه في قلبك ثم أن نقرأه بلسانك فإذا قرأه جبريل فاستمع له حتى يفرغ كما قال في الآية الأخرى ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه سورة طه أي لا تعجل بتلاوة ما يقرؤه جبريل عليك من قبل أن يقضي جبريل تلاوته بل استمع له حتى يقضي تلاوته ثم |
5 | 382 | بعد هذا اقرأ ما أنزله إليك وعلينا أن نجمع ذلك في قلبك وأن تقرأه بلسانك ثم أن تبينه للناس بعد ذهاب جبريل عنك وقوله والذي يشار إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث وإثبا القدم فيقال مرادهم بهذا نفي المحدث أي ليس هنا إلا القديم وهذا على وجهين فإن أريد به نفي المحدث بالكلية وأن العبد هو القديم فهذا شر من قول النصارى إلا أنه قريب إلى قول اليعقوبية من النصارى فإن اليعقوبية يقولون إن اللاهوت والناسوت امتزجا واختلطا فصارا جوهرا واحدا وأقنوما واحدا وطبيعة واحدة ويقول بعضهم إن اليدين اللتين سمرتا هما اليدان اللتان خلق بهما آدم وأما النسطورية فيقولون بحلول اللاهوت في الناسوت والملكانية يقولون شخص واحد له أقنوم واحد بطبيعتين ومشيئتين ويشبهونه بالحديدة والنار والنسطورية يشبهونه بالماء في الظروف واليعقوبية يشبهونه باختلاط الماء واللبن والماء والخمر |
5 | 383 | فقول القائل إسقاط الحدوث إن أراد به أن المحدث عدم فهذا مكابرة وإن أراد به إسقاط المحدث من قلب العبد وأنه لم يبق في قلبه إلا القديم فهذا إن أريد به ذات القديم فهو قول النسطورية من النصارى وإن أريد به معرفته والإيمان به وتوحيده أو قيل مثله أو المثل العلمي أو نوره أو نحو ذلك فهذا المعنى صحيح فإن قلوب أهل التوحيد مملوءة بهذا لكن ليس في قلوبهم ذات الرب القديم وصفاته القائمة به وأما أهل الاتحاد العام فيقولون ما في الوجود إلا الوجود القديم وهذا قول الجهمية وأبو أسماعيل لم يرد هذا فإنه قد صرح في غير موضع من كتبه بتكفير هؤلاء الجهمية الحلولية الذين يقولون إن الله بذاته في كل مكان وإنما يشير إلى ما يختص به بعض الناس ولهذا قال ألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته والإتحاد والحلول الخاص وقع فيه كثير من العباد والصوفية وأهل الأحوال فإنه يفجؤهم ما يعجزون عن معرفته وتضعف عقولهم عن تمييزه فيظنونه ذات الحق وكثير منهم يظن أنه رأى الله بعينه وفيهم من يحكي مخاطباته له ومعاتباته وذاك كله إنما هو في قلوبهم من |
5 | 384 | المثال العلمي الذي في قلوبهم بحسب إيمانهم به ومما يشبه المثال العلمي رؤية الرب تعالى في المنام فإنه يرى في صور مختلفة يراه كل عبد على حسب إيمانه ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم إيمانا من غيره رآه في أحسن صورة وهي رؤية منام بالمدينة كما نطقت بذلك الأحاديث المأثورة عنه وأما ليلة المعراج فليس في شيء من الأحاديث المعروفة أنه رآه ليلة المعراج لكن روي في ذلك حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث رواه الخلال من طريق أبي عبيد وذكره القاضي أبو يعلى في إبطال التأويل والذي نص عليه الإمام أحمد في الرؤية هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه |
5 | 385 | وسلم وما قاله أصحابه فتارة يقول رآه بفؤاده متبعا لأبي ذر فإنه روى بإسناده عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده وقد ثبت في صحيح مسلم أن ابا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك فقال نور أني أراه ولم ينقل هذا السؤال عن غير أبي ذر وأما ما يذكره بعض العامة من أن أبا بكر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم رأيته وأن عائشة سألته فقال لم أره فهو كذب لم يروه أحد من أهل العلم ولا يجيب النبي صلى الله عليه وسلم عن مسألة واحدة بالنفي والإثبات مطلقا فهو منزه عن ذلك |
5 | 386 | فلما كان أبو ذر أعلم من غيره أتبعه أحمد مع ما ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال رآه بفؤاده مرتين وتارة يقول أحمد رآه فيطلق اللفظ ولا يقيده بعين ولا قلب اتباعا للحديث وتارة يستحسن قول من يقول رآه ولا يقول بعين ولا قلب ولم ينقل أحد من أصحاب أحمد الذين باشروه عنه أنه قال رآه بعينه وقد ذكر ما نقلوه عن أحمد الخلال في كتاب السنة وغيره وكذلك لم ينقل أحد بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه قال رآه بعينه بل الثابت عنه إما الأطلاق وإما التقييد بالفؤاد وقد ذكر طائفة من أصحاب أحمد كالقاضي إبي يعلى ومن اتبعه عن أحمد ثلاث روايات في رؤيته تعالى إحداها أنه رآه بعينه واختاروا ذلك وكذلك اختاره الأشعري وطائفة ولم ينقل هؤلاء عن |
5 | 387 | أحمد لفظا صريحا بذلك ولا عن ابن عباس ولكن المنقول الثابت عن أحمد من جنس النقول الثابتة عن ابن عباس إما تقييد الرؤية بالقلب وإما إطلاقها وأما تقييدها بالعين فلم يثبت لا عن أحمد ولا عن ابن عباس وأما من سوى النبي صلى الله عليه وسلم فقد ذكر الإمام أحمد اتفاق السلف على أنه لم يره أحد بعينه وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت وهذا لبسطه موضع آخر وإنما المقصود هنا أن كثيرا من السالكين يرد عليه من الأحوال ما يصطلمه حتى يظن أنه هو الحق وأن الحق فيه أو أن الحق يتكلم على لسانه أو أنه يرى الحق أو نحو ذلك وإنما يكون الذي يشاهدونه ويخاطبونه هو الشيطان وفيهم من يرى عرشا عليه نور ويرى الملائكة |
5 | 388 | حول العرش ويكون ذلك الشيطان وتلك الشياطين حوله وقد جرى هذا لغير واحد فصل وقد اعترف طوائف بأنه يستحق أن يحب وأنكروا أنه يحب غيره إلا بمعنى الإرادة العامة فإن محبة المؤمنين لربهم أمر موجود في القلوب والفطر شهد به الكتاب والسنة واستفاض عن سلف الأمة وأهل الصفوة واتفق عليه أهل المعرفة بالله وقد ثبت أن التذاذ المؤمنين يوم القيامة بالنظر إلى الله أعظم لذة في الجنة ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهو الزيادة وفي حديث آخر رواه النسائي وغيره أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة |
5 | 389 | فقوله في الحديث الصحيح فما أعطاهم شيئا أحب اليهم من النظر إليه يبين أن اللذة الحاصلة بالنظر إليه أعظم من كل لذة في الجنة والإنسان في الدنيا يجد في قلبه بذكر الله وذكر محامده وآلائه وعبادته من اللذة ما لا يجده بشيء آخر وقال النبي صلى الله عليه وسلم جعلت قرة عيني في الصلاة وكان يقول أرحنا بالصلاة يا بلال وفي الحديث إذا مررتم |
5 | 390 | برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال مجالس الذكر ومن هذا الباب قوله ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة فإن هذا كان أعظم مجالس الذكر والمنكرون لرؤيته من الجهمية والمعتزلة تنكر هذه اللذة وقد يفسرها من يتأول الرؤية بمزيد العلم على لذة العلم به كاللذة التي في الدنيا بذكره لكن تلك أكمل وهذا قول متصوفة الفلاسفة والنفاة كالفارابي وكأبي حامد وأمثاله فإن ما في كتبه من الإحياء وغيره من لذة النظر إلى وجهه هو بهذا المعنى والفلاسفة تثبت اللذة العقلية وأبو نصر الفارابي |
5 | 391 | وأمثاله من المتفلسفة يثبت الرؤية لله ويفسرها بهذا المعنى وهذه اللذة أيضا ثابتة بعد الموت لكنهم مقصرون في تحقيقها وإثبات غيرها من لذات الآخرة كما هو مبسوط في موضعه وأما أبو المعالي وابن عقيل ونحوهما فينكرون أن يلتذ أحد بالنظر إليه وقال أبو المعالي يمكن أن يحصل مع النظر إليه لذة ببعض |
5 | 392 | المخلوقات من الجنة فتكون اللذة مع النظر بذلك المخلوق وسمع ابن عقيل رجلا يقول أسألك لذة النظر إلى وجهك فقال هب أن له وجها أفتلتذ بالنظر إليه وهذا ونحوه مما أنكر على ابن عقيل فإنه كان فاضلا ذكيا وكان تتلون آراؤه في هذه المواضع ولهذا يوجد في كلامه كثير مما يوافق فيه قول المعتزلة والجهمية وهذا من ذاك وكذلك أبو المعالي بني هذا على أصل الجهمية الذي وافقهم فيه الأشعري ومن وافقه كالقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وغيرهما أن الله لا يحب ذاته ويزعمون أن الخلاف في ذلك مع الصوفية وهذا القول من بقايا أقوال جهم بن صفوان وأول من عرف في الإسلام أنه أنكر أن الله يحب او يحب الجهم بن صفوان وشيخه الجعد ابن درهم وكذلك هو أول من عرف أنه أنكر حقيقة تكليم الله لموسى وغيره وكان جهم ينفي الصفات والأسماء ثم انتقل بعض ذلك إلى المعتزلة وغيرهم فنفوا الصفات دون الأسماء وليس هذا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها بل كلهم متفقون على أن الله يستحق أن يحب وليس شيء أحق بأن يحب من الله سبحانه بل لا يصلح أن يحب غيره إلا لأجله وكل ما يحبه المؤمن من طعام وشراب ولباس وغير ذلك لا ينبغي أن يفعله إلا ليستعين به على عبادته |
5 | 393 | سبحانه المتضمنة لمحبته فإن الله إنما خلق الخلق لعبادته وخلق فيهم الشهوات ليتناولوا بها ما يستعينون به على عبادته ومن لم يعبد الله فإنه فاسد هالك والله لا يغفر أن يشرك به فيعبد معه غيره فكيف بمن عطل عبادته فلم يعبده ألبته كفرعون وأمثاله وقد قال تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء سورة النساء والتعطيل ليس دون الشرك بل أعظم منه فالمستكبرون عن عبادته أعظم جرما من الذين يعبدونه ويعبدون معه غيره وهو لا يغفر لهم فأولئك أولى وما من مؤمن إلا وفي قلبه حب الله ولو أنكر ذلك بلسانه وهؤلاء الذين أنكروا محبته من أهل الكلام وهم مؤمنون لو رجعوا إلى فطرتهم التي فطروا عليها واعتبروا أحوال قلوبهم عند عبادته لوجدوا في قلوبهم من محبته ما لا يعبر عن قدره وهم من أكثر الناس نظرا في العلم به وبصفاته وذكره وذلك كله من محبته وإلا فما لا يحب لا تحرص النفوس على ذكره إلا لتعلق حاجتها به ولهذا يقال من أحب شيئا أكثر من ذكره والمؤمن يجد نفسه محتاجة إلى الله في تحصيل مطالبه ويجد في قلبه محبة الله غير هذا فهو محتاج إلى الله من جهة أنه ربه ومن جهة |
5 | 394 | أن إلهه قال تعالى إياك نعبد وإياك نستعين فلا بد أن يكون العبد عابدا لله ولا بد أن يكون مستعينا به ولهذا كان هذا فرضا على كل مسلم أن يقوله في صلاته وهذه الكلمة بين العبد وبين الرب وقد روي عن الحسن البصري رحمه الله أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب جمع سرها في الأربعة وجمع سر الأربعة في القرآن وجمع سرالقرآن في الفاتحة وجمع سر الفاتحة في هاتين الكلمتين إياك نعبد وإياك نستعين ولهذا ثناها الله في كتابه في غير موضع من القرآن كقوله فاعبده وتوكل عليه سورة هود وقوله عليه توكلت وإليه أنيب سورة هود وقوله عليه توكلت وإليه متاب سورة الرعد وقوله ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه سورة الطلاق وأمثال ذلك وهم يتأولون محبته على محبة عبادته وطاعته فيقال لهم فيمتنع في الفطرة أن يحب الإنسان طاعة مطاع وعبادته إلا أن يكون محبا لله وإلا فمالا يحب في نفسه لا يحب الإنسان لا |
5 | 395 | طاعته ولا عبادته ومن كان إنما يحب الطاعة والعبادة للعوض المخلوق فهو لا يحب إلا ذلك العوض ولا يقال أن هذا يحب الله ألا ترى أن الكافر والظالم ومن يبغضه المؤمن قد يستأجر المؤمن على عمل يعمله فيعمل المؤمن لأجل ذلك العوض ولا يكون المؤمن محبا للكافر ولا للظالم إذا عمل له بعوض لأنه ليس مقصوده إلا العوض فمن كان لا يريد من الله إلا العوض على عمله فإنه لا يحبه قط إلا كما يحبر الفاعل لمن يستأجره ويعطيه العوض على عمله فإن كل محبوب إما أن يحبر لنفسه وإما أن يحب لغيره فما أحب لغيره فالمحبوب في نفس الأمر هو ذلك الغير وأما هذا فإنما أحب لكونه وسيلة إلى المحبوب والوسيلة قد تكون مكروهة غاية الكراهة لكن يتحملها الإنسان لأجل المقصود كما يتجرع المريض الدواء الكريه لأجل محبته للعافية ولا يقال إنه يحب ذلك الدواء الكريه فإن كان الرب سبحانه لا يحب إلا لما يخلقه من النعم فإنه لا يحب وقد قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله سورة البقرة فأخبر أن المؤمنين أشد حبا لله من المشركين وأن المشركين يحبون الأنداد كحب الله |
5 | 396 | ومن المعلوم أن المشركين يحبون آلهتهم محبة قوية كما قال تعالى وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم سورة البقرة وهذا وإن كان يقال إنه لما يظنونه فيهم من أنها تنفعهم فلا ريب أن الشيء يحب لهذا ولهذا ولكن إذا ظن فيه أنه متصف بصفات الكمال كانت محبته أشد مع قطع النظر عن نفعه والحديث الذي يروى أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة وأحبوني بحب الله وأحب أهل بيتي بحبي إسناده ضعيف فإن الله يحب أن يحب لذاته وإن كانت محبته واجبة لإحسانه وقول القائل المحبة للإحسان محبة العامة وتلك محبة الخاصة ليس بشيء بل كل مؤمن فأنه يحب الله لذاته ولو أنكر ذلك بلسانه ومن لم يكن الله ورسوله أحب إليه مما سواهما لم يكن مؤمنا ومن قال إني لا أجد هذه المحبة في قلبي لله ورسوله فأحد الأمرين لازم إما أن يكون صادقا في هذالخبر فلا يكون مؤمنا فإن أبا جهل وأبا لهب |
5 | 397 | وأمثالهما إذا قالوا ذلك كانوا صادقين في هذا الخبر وهم كفار أخبروا عما في نفوسهم من الكفر مع أن هؤلاء في قلوبهم محبة الله لكن مع الشرك به فإنهم اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ولهذا أبغضوا الرسول وعادوه لأنه دعاهم إلى عبادة الله وحده ورفض ما يحبونه معه فنهاهم أن يحبوا شيئا كحبة فأبغضوه على هذا فقد يكون بعض هؤلاء المشركين الذين اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله يفضل ذلك الند على الله في أشياء وهؤلاء قد يعلمون أن الله أجل وأعظم لكن تهوى نفوسهم ذلك الند أكثر والرب تعالى إذا جعل من يحب الأنداد كحبه مشركين فمن أحب الند أكثر كان أعظم شركا وكفرا كما قال تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم سورة الأنعام فلولا تعظيمهم لآلهتهم على الله لما سبوا الله إذا سبت آلهتهم وقال تعالى وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون سورة الأنعام وقال أبو سفيان يوم أحد أعل هبل أعل هبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوه فقالوا وما نقول قال قولوا الله أعلى وأجل وقال أبو سفيان إن لنا العزى ولا عزى لكم قال ألا تجيبوه قالوا |
5 | 398 | وما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم ويوجد كثير من الناس يحلف بند جعله لله وينذر له ويوالي في محبته ويعادي من يبغضه ويحلف به فلا يكذب ويوفي بما نذره له وهو يكذب إذا حلف بالله ولا يوفي بما نذره لله ولا يوالي في محبة الله ولا يعادي في الله كما يوالي ويعادي لذلك الند فمن قال إني لا أجد في قلبي أن الله أحد الي مما سواه فأحد الأمرين لازم إما أن يكون صادقا فيكون كافرا مخلدا في النار من الذين اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وإما أن يكون غالطا في قوله لا أجد في قلبي هذا والإنسان قد يكون في قلبه معارف وإرادات ولا يدري أنها في قلبه فوجود الشيء في القلب شيء والدراية به شيء آخر ولهذا يوجد الواحد من هؤلاء يطلب تحصيل ذلك في قلبه وهو حاصل في قلبه فتراه يتعب تعبا كثيرا لجهله وهذا كالموسوس في الصلاة فإن كل من فعل فعلا باختياره وهو يعلم ما يفعله فلا بد أن ينويه ووجود ذلك بدون النية التي هي الإرادة ممتنع فمن كان يعلم أنه يقوم إلى الصلاة فهو يريد الصلاة ولا يتصور أن يصلي إلا وهو يريد الصلاة |
5 | 399 | فطلب مثل هذا لتحصيل النية من جهله بحقيقة النية ووجودها في نفسه وكذلك من كان يعلم أن غدا من رمضان وهو مسلم يعتقد وجوب الصوم وهو مريد للصوم فهذا نية الصوم وهو حين يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصوم ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي شهر رمضان فليلة العيد يعلم أنه لا يصوم فلا يريد الصوم ولا ينويه ولا يتعشى عشاء من يريد الصوم وهذا مثل الذي يأكل ويشرب ويمشي ويركب ويلبس إذا كان يعلم أنه يفعل هذه الأفعال فلا بد أن يريدها وهذه نيتها فلو قال بلسانه أريد أن أضع يدي في هذا الإناء لآخذ لقمة آكلها كان احمق عند الناس فهكذا من يتكلم بمثل هذه الألفاظ في نية الصلاة والطهارة والصيام ومع هذا فتجد خلقا كثيرا من الموسوسين بعلم وعبادة يجتهد في تحصيل هذه النية أعظم مما يجتهد من يستخرج ما في قعر معدته من القيء أو من يبتلع الأدوية الكريهة وكذلك كثير من المعارف قد يكون في نفس الإنسان ضروريا وفطريا وهو يطلب الدليل عليه لإعراضه عما في نفسه وعدم شعوره بشعوره فهكذا كثير من المؤمنين يكون في قلبه محبة لله ورسوله وقد نظر في كلام الجهمية والمعتزلة نفاة المحبة واعتقد ذلك قولا صحيحا لما ظنه من صحة شبهاتهم أو تقليدا لهم فصار يقول بموجب ذلك الاعتقاد |
5 | 400 | وينكر ما في نفسه فإن نافي محبة الله يقول المحبة لا تكون إلا لما يناسب المحبوب ولا مناسبة بين القديم والحديث وبين الواجب والممكن وبين الخالق والمخلوق فيقال لفظ المناسبة لفظ مجمل فإنه يقال لا مناسبة بين كذا وكذا أي أحدهما أعظم من الأخر فلا ينسب هذا إلى هذا كما يقال لا نسبة لمال فلان إلى مال فلان ولا نسبة لعلمه أو جوده أو ملكه إلى علم فلا وجود فلان وملك فلان يراد به أن هذه النسبة حقيرة صغيرة كلا نسبة كما يقال لا نسبة للخردلة إلى الجبل ولا نسبة للتراب إلى رب الأرباب فإذا أريد بأنه لا نسبة للمحدث إلى القديم هذا المعنى ونحوه فهو صحيح وليست المحبة مستلزمة لهذه النسبة وإن أريد أن ليس في القديم معنى يحبه لأجله المحدث فهذا رأس المسألة فلم قلت إنه ليس بين المحدث والقديم ما يحب المحدث القديم لأجله ولم قلت إن القديم ليس متصفا بمحبة ما يحبه من مخلوقاته والمحبة لا تستلزم نقصا بل هي صفة كمال بل هي أصل الإرادة فكل إرادة فلا بد أن تستلزم محبة فإن الشيء إنما يراد لأنه محبوب أو لأنه وسيلة إلى المحبوب ولو قدر عدم المحبة لامتنعت الإرادة فإن المحبة لازمة للإرادة فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم وكذلك المحبة |
5 | 401 | مستلزمة للإرادة فمن أحب شيئا فلا بد أن يتضمن حبه إياه إرادة لبعض متعلقاته ولهذا كان خلقه تعالى لمخلوقاته لحكمة والحكمة مرادة محبوبة فهو خلق ما خلق لمراد محبوب كما تقدم وهو سبحانه يحب عباده المؤمنين فيريد الإحسان إليهم وهم يحبونه فيريدون عبادته وطاعته وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين وما من مؤمن إلا وهو يجد في قلبه للرسول من المحبة مالا يجد لغيره حتى أنه إذا سمع محبوبا له من أقاربه وأصدقائه يسب الرسول هان عليه عداوته ومهاجرته بل وقتله لحب الرسول وإن لم يفعل ذلك لم يكن مؤمنا قال تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبه الإيمان وأيدهم بروح منه سورة المجادلة بل قد |
5 | 402 | قال تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره سورة التوبة فتوعد من كان الأهل والمال أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث من كن فبه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار فوجود حلاوة الإيمان في القلب لا تكون من محبة العوض الذي لم يحصل بعد بل الفاعل الذي لا يعمل إلا للكراء لا يجد حال العمل إلا التعب والمشقة وما يؤلمه فلو كان لا معنى لمحبة الله ورسوله إلا محبة |
5 | 403 | ما سيصير إليه العبد من الأجر لم يكن هنا حلاوة إيمان يجدها العبد في قلبه وهو في دار التكليف والإمتحان وهذا خلاف الشرع وخلاف الفطرة التي فطر الله عليها قلوب عباده فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كل مولود يولد على الفطرة وفي صحيح مسلم عنه أنه قال يقول الله تعالى خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا فالله فطر عباده على الحنيفية مله إبراهيم وأصلها محبة الله وحده فما من فطرة لم تفسد إلا وهي تجد فيها محبة الله تعالى لكن قد تفسد الفطرة إما لكبر وغرض فاسد كما في فرعون وإما بأن يشرك معه غيره في المحبة كما قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله سورة البقرة وأما أهل التوحيد الذين يعبدون الله مخلصين له الدين فإن في |
5 | 404 | قلوبهم محبة الله لا يماثله فيها غيره ولهذا كان الرب محمودا حمدا مطلقا على كل ما فعله وحمدا خاصا على إحسانه إلى الحامد فهذا حمد الشكر والأول حمده على كل ما فعله كما قال الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور سورة الأنعام الحمد لله فاطر السموات والأرض الآية سورة فاطر والحمد ضد الذم والحمد خبر بمحاسن المحمود مقرون بمحبته والذم خبر بمساوىء المذموم مقرون ببغضه فلا يكون حمد لمحمود إلا مع محبته ولا يكون ذم لمذموم إلا مع بغضه وهو سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة وأول ما نطق به آدم الحمد لله رب العالمين وأول ما سمع من ربه يرحمك ربك وآخر دعوى أهل الجنة أن الحمد لله رب العالمين وأول من يدعى إلى الجنة الحمادون ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب لواء الحمد آدم فمن دونه تحت لوائه وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون فلا تكون عبادة إلا بحب المعبود ولا يكون حمد إلا بحب المحمود وهو سبحانه المعبود المحمود |
5 | 405 | وأول نصف الفاتحة الذي للرب حمده وآخره عبادته أوله الحمد لله رب العالمين وآخره إياك نعبد كما ثبت في حديث القسمة يقول الله تبارك وتعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل يقول العبد الحمد لله رب العالمين فيقول الله حمدني عبدي يقول العبد الرحمن الرحيم فيقول الله تعالى أثنى علي عبدي يقول العبد مالك يوم الدين فيقول الله تبارك وتعالى مجدني عبدي يقول العبد إياك نعبد وإياك نستعين فيقول الله تعالى هذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل يقول العبد أهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة يقول الله تعالى هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل رواه مسلم في صحيحه وقال النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فجمع بين التوحيد |
5 | 406 | والتحميد كما قال تعالى فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين سورة غافر وكان ابن عباس يقول إذا قلت لا إله إلا الله فقل الحمد لله رب العالمين يتأول هذه الآية وفي سنن ابن ماجة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله |
5 | 407 | وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم وقال أيضا كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء |
5 | 408 | فلا بد في الخطب من الحمد لله ومن توحيده ولهذا كانت الخطب في الجمع والأعياد وغير ذلك مشتملة على هذين الأصلين وكذلك التشهد في آخر الصلاة أوله ثناء على الله وآخره الشهادتان ولا يكون الثناء إلا على محبوب ولا التأله إلا لمحبوب وقد بسطنا الكلام في حقائق هذه الكلمات في مواضع متعددة وإذا كان العباد يحمدونه ويثنون عليه ويحبونه فهو سبحانه أحق بحمد نفسه والثناء على نفسه والمحبة لنفسه كما قال أفضل الخلق لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فلا ثناء من مثن أعظم من ثناء الرب على نفسه ولا ثناء إلا بحب ولا حب من محبوب لمحبوب أعظم من محبة الرب لنفسه وكل ما يحبه من عباده فهو تابع لحبه لنفسه فهو يحب المقسطين والمحسنين والصابرين والمؤمنين ويحب التوابين ويحب المتطهرين ويفرح بتوبة التائبين كل ذلك تبعا لمحبته لنفسه فإن المؤمن إذا كان يحب ما يحبه من المخلوقات لله فيكون حبه للرسول والصالحين تبعا لحبه لله فكيف الرب تعالى فيما يحبه من مخلوقاته إنما يحبه تبعا لحبه لنفسه وخلق المخلوقات لحكمته التي يحبها |
5 | 409 | فما خلق شيئا إلا لحكمة وهو سبحانه قد قال أحسن كل شيء خلقه سورة السجدة وقال صنع الله الذي أتقن كل شيء سورة النمل وليس في أسمائه الحسنى إلا اسم يمدح به ولهذا كانت كلها حسنى والحسنى بخلاف السوأى فكلها حسنة والحسن محبوب ممدوح فالمقصود بالخلق ما يحبه ويرضاه وذلك أمر ممدوح ولكن قد يكون من لوازم ذلك ما يريده لأنه من لوازم ما يحبه ووسائله فإن وجود الملزوم بدون اللازم ممتنع كما يمتنع وجود العلم والإرادة بلا حياة ويمتنع وجود المولود مع كونه مولودا بلا ولادة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حديث الإستفتاح والخير كله بيديك والشر ليس إليك وقد قيل في تفسيره لا يتقرب به إليك بناء على أنه الأعمال المنهي عنها وقد قيل |
5 | 410 | لا يضاف إليك بناء على أنه المخلوق والشر المخلوق لا يضاف إلى الله مجردا عن الخير قط وإنما يذكر على أحد وجوه ثلاثة إما مع إضافته إلى المخلوق كقوله من شر ما خلق سورة الفلق وإما مع حذف الفاعل كقوله تعالى وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا سورة الجن ومنه في الفاتحة صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين سورة الفاتحة فذكر الإنعام مضافا إليه وذكر الغضب محذوفا فاعله وذكر الضلال مضافا إلى العبد وكذلك قوله وإذا مرضت فهو يشفين سورة الشعراء وإما أن يدخل في العموم كقوله خالق كل شيء سورة الأنعام ولهذا إذا ذكر باسمه الخاص قرن بالخير كقوله في أسمائه الحسنى الضار النافع المعطي المانع الخافض الرافع المعز المذل فجمع بين الأسمين لما فيه من العموم والشمول الدال على وحدانيته وأنه وحده يفعل جميع هذه الأشياء ولهذا لا يدعى بأحد الإسمين كالضار والنافع والخافض والرافع بل يذكران جميعا ولهذا كان كل نعمة منه فضلا وكل نقمة منه عدلا |
5 | 411 | وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يمين الله ملأى لا يغضيها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه والقسط بيده الأخرى يخفض ويرفع فالإحسان بيده اليمنى والعدل بيده الأخرى وكلتا يديه يمين مباركة كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المقسطون عند الله يوم القيامة عن منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذي يعدلون في أهليهم وما ولوا ولبسط هذا موضع آخر والمقصود هنا أنه سبحانه إذا خلق ما يبغضه ويكرهه لحكمة يحبها ويرضاها فهو مريد لكل ما خلقه وإن كان بعض مخلوقاته إنما خلقه لغيره وهو يبغضه ولا يحبه وهذا الفرق بين المحبة والمشيئة هو مذهب السلف وأهل الحديث والفقهاء وأكثر متكلمي أهل السنة كالحنفية والكرامية |
5 | 412 | والمتقدمين من الحنبلية والمالكية والشافعية كما ذكر ذلك أبو بكر عبد العزيز في كتاب المقنع وهو أحد قولي الأشعري وعليه اعتمد أبو الفرج بن الجوزي ورجحه على قول من قال لا يحب الفساد للمؤمن أو لا يحبه دينا وذكر أبو المعالي أن هذا قول السلف وأن أول من جعلهما سواء من أهل الإثبات هو أبو الحسن والذين قالوا هذا من متأخري المالكية والشافعية والحنبلية كأبي المعالي والقاضي أبي يعلى وغيرهما هم في ذلك تبع للأشعري وبهذا الفرق يظهر أن الإرادة نوعان إرادة أن يخلق وإرادة لما أمر به فأما المأمور به فهو مراد إرادة شرعية دينية متضمنة أنه يحب ما أمر به ويرضاه وهذا معنى قولنا يريد من عبده فهو يريده له كما يريد الأمر الناصح للمأمور المنصوح يقول هذا خير لك وأنفع لك وهو إذا فعله أحبه الله ورضيه والمخلوقات مرادة إرادة خلقية كونية وهذه الإرادة متضمنة لما وقع دون ما لم يقع وقد يكون الشيء مرادا له غير محبوب بل أراده لإفضائه إلى وجود ما هو محبوب له أو لكونه شرطا في وجود ما هو محبوب له |
5 | 413 | فهذه الإرادة الخلقية هي المذكورة في قوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا سورة الأنعام وفي قوله ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم سورة هود وفي قول المسلمين ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وفي قوله ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها سورة السجدة وأمثال ذلك والإرادة الأمرية هي المذكورة في قوله يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر سورة البقرة وفي قوله والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا سورة النساء وفي قوله ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم سورة المائدة وأمثال ذلك وإذا قيل الأمر هل يستلزم الإرادة أم يأمر بما لا يريد قيل هو لا يستلزم الإرادة الأولى وهي إرادة الخلق فليس كل ما أمر الله به أراد أن يخلقه وأن يجعل العبد المأمور فاعلا له والقدرية تنفى أن يريد ذلك لأنه عندهم لا يجعل أحدا فاعلا ولا |
5 | 414 | يخلق فعل أحد وأما أهل السنة فعندهم هو الذي جعل الأبرار أبرارا والمسلمين مسلمين وعندهم من أمره وجعله فاعلا للمأمور صار فاعلا له وإن لم يجعله فاعلا له لم يصر فاعلا له فأهل الإيمان والطاعة أراد منهم إيمانهم وطاعتهم أمرا وخلقا فأمرهم بذلك وأعانهم عليه وجعلهم فاعلين لذلك ولولا إعانته لهم على طاعته لما أطاعوه وأهل الكفر والمعصية أمرهم ولم يجعلهم مطيعين فلم يرد أن يخلق طاعتهم لكنه أمرهم بها وأرادها منهم إرادة شرعية دينية لكونها منفعة لهم ومصلحة إذا فعلوها ولم يرد هو أن يخلقها لما في ذلك من الحكمة وإذا كان يحبها بتقدير وجودها فقد يكون ذلك مستلزما لأمر يكرهه أو لفوات ما هو أحب إليه منه ودفعه أحب إليه من حصول ذلك المحبوب فيكون ترك هذا المحبوب لدفع المكروه أحب إليه من وجوده كما أن وجود المكروه المستلزم لوجود المحبوب يجعله مرادا لأجله إذا كان محبته له أعظم من محبته لعدم المكروه الذي هو الوسيلة وليس كل من نصحته بقولك عليك أن تعينه على الفعل الذي أمرته به فالأنبياء والصالحون دائما ينصحون الناس ويأمرونهم ويدلونهم على ما إذا فعلوه كان صلاحا لهم ولم يعاونونهم على أفعالهم وقد يكونون قادرين لكن مقتضى حكمتهم أن لا يفعلوا ذلك لأسباب متعددة |
5 | 415 | والرب تعالى على كل شيء قدير لكن ما من شيء إلا وله ضد ينافيه وله لازم لا بد منه فيمتنع وجود الضدين معا أو وجود الملزوم بدون اللازم كل من الضدين مقدور لله والله قادر على أن يخلقه لكن بشرط عدم الآخر فأما وجود الضدين معا فممتنع لذاته فلا يلزم من كونه قادرا على كل منهما وجود أحدهما مع الآخر والعباد قد لا يعلمون التنافي أو التلازم فلا يكونون عالمين بالامتناع فيظنونه ممكن الوجود مع حصول المحبوب المطلوب للرب وفرق بين العلم بالإمكان وعدم العلم بالإمتناع وإنما عندهم عدم العلم بالامتناع لا العلم بالإمكان والعدم لا فاعل له فأتوا من عدم علمهم وهو الجهل الذي هو أصل الكفر وهو سبحانه إذا اقتضت حكمته خلق شيء فلا بد من خلق لوازمه ونفي أضداده فإذا قال القائل لم لم يجعل معه الضد المنافي أو لم وجد اللازم كان لعدم علمه بالحقائق وهذا مثل أن يقول القائل هلا خلق زيدا قبل أبيه فيقال له يمتنع أن يكون ابنه ويخلق قبله أو يخلق حتى يخلق أبوه والناس تظهر لهم الحكمة في كثير من تفاصيل الأمور التي يتدبرونها كما تظهر لهم الحكمة في ملوحة ماء العين وعذوبة ماء الفم ومرارة |
5 | 416 | ماء الأذن وملوحة ماء البحر وذلك يدلهم على الحكمة فيما لم يعلموا حكمته فإن من رأى إنسانا بارعا في النحو أو الطب أو الحساب أو الفقه وعلم أنه أعلم منه بذلك إذا أشكل عليه بعض كلامه فلم يفهمه سلم ذلك إليه فرب العالمين الذي بهرت العول حكمته ورحمته الذي أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا وهو أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأرحم بعباده من الوالدة بولدها كيف لا يجب على العبد أن يسلم ما جهله من حكمته إلى ما علمه منها وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع والمقصود هنا التنبيه على المختلفين في الكتاب الذين يرد كل منهم قول الآخر وفي كلام كل منهم حق وباطل وقد ذكرنا مثالين مثالا في الأسماء والأحكام والوعد والوعيد ومثالا في الشرع والقدر ونذكر مثالا ثالثا في القرآن فإن الأئمة والسلف اتفقوا على أن القرآن كلام الله غير مخلوق بل هو الذي تكلم به بقدرته ومشيئته لم يقل أحد منهم إنه مخلوق ولا إنه قديم وصار المختلفون بعدهم على يقولون قوم يقول هو مخلوق خلقه الله في غيره والله لا يقوم به كلام ويقولون الكلام صفة فعل لا صفة ذات ومرادهم بالفعل ما كان منفصلا عن الفاعل غير قائم به وهذا لا يعقل أصلا ولا يعرف متكلم لا يقوم به كلامه |
5 | 417 | وقوم يقولون بل هو قديم لم يزل قائما بالذات أزلا وأبدا لا يتكلم لا بقدرته ولا مشيئته ولم يزل نداؤه لموسى أزليا وكذلك قوله يا إبراهيم يا موسى يا عيسى ثم صار هؤلاء حزبين حزبا عرفوا أن ما كان قديما لم يزل يمتنع أن يكون حروفا أو حروفا وأصواتا فإن الحروف متعاقبة الباء قبل السين والصوت لا يبقى بل يكون شيئا بعد شيء كالحركة فيمتنع أن يكون الصوت الذي سمعه موسى قديما لم يزل ولا يزال فقالوا كلامه معنى واحد قائم بذاته هو الأمر بكل مأمور والنهي عن كل منهي عنه والخبر بكل ما أخبر به إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا وأن ذلك المعنى هو أمر بكل ما أمر به وهو نهي عن كل ما نهى عنه وهو خبر بكل ما أخبر به وكونه أمرا ونهيا وخبرا صفات له إضافية مثل قولنا زيد أب وعم وخال ليست أنواعا له ولا ينقسم الكلام إلى هذا وهذا قالوا والله لم يتكلم بالقرآن العربي ولا بالتوراة العبرانية ولا بالإنجيل السريانية ولا سمع موسى ولا غيره منه بأذنه صوتا ولكن القرآن العربي خلقه الله في غيره أو أحدثه جبريل أو محمد ليعبر به عما يراد إفهامه من ذلك المعنى الواحد |
5 | 418 | فقال لهم جمهور الناس هذا القول مخالف لصريح المعقول وصحيح المنقول فإنا نعلم بالإضطرار أن معنى آية الكرسي ليس هو معنى آية الدين ولا معنى قل هو الله أحد هو معنى تبت يدا أبي لهب وقد عرب الناس التوراة فوجودا فيها معاني ليست هي المعاني التي في القرآن ونحن نعلم قطعا أن المعاني التي أخبر الله بها في القرآن في قصة بدر وأحد والخندق ونحو ذلك لم ينزلها الله على موسى ابن عمران كما لم ينزل على محمد تحريم السبت ولا الأمر بقتال عباد العجل فكيف يكون كل كلام الله معنى واحدا ونحن نعلم بالاضطرار أن الكلام معانيه وحروفه تنقسم إلى خبر وإنشاء والإنشاء منه الطلب والطلب ينقسم إلى أمر ونهي وحقيقة الطلب غير حقيقة الخبر فكيف لا تكون هذه أقسام الكلام وأنواعه بل هو موصوف بها كلها وأيضا فالله تعالى يخبر أنه لما أتى موسى الشجرة ناداه فناداه في ذلك الوقت لم يناده في الأزل وكذلك قال ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم سورة الأعراف وقال إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون سورة آل عمران وقال وإذ قال ربك للملائكة سورة البقرة إلى مواضع كثيرة من |
5 | 419 | القرآن تبين أنه تكلم بالكلام المذكور في ذلك الوقت فكيف يكون أزليا أبديا ما زال ولا يزال وكيف يكون لم يزل ولا يزال قائلا يا نوح اهبط بسلام منا سورة هود يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي سورة آل عمران يا موسى إنني أنا الله لا إله إلا أنا سورة طه يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا سورة المزمل آية وقال هؤلاء هذا القرآن العربي ليس هو كلام الله وقال هؤلاء كلام الله لا يتعدد ولا يتبعض فقال لهم الناس موسى لما كلمه الله أفهمه كلامه كله أو بعضه إن قلتم كله فقد صار موسى يعلم علم الله وإن قلتم بعضه فقد تبعض وهو عندكم واحد لا يتبعض وكذلك هذا القرآن العربي هو عندكم ليس كلام الله ولكنه عبارة عنه أفهو عبارة عن كله فهذا ممتنع أم عن بعضه فهذا ممتنع أيضا إلى كلام آخر يطول ذكره هنا وقال الحزب الثاني لما رأوا فساد هذا القول بل نقول إن القرآن قديم وإنه حروف أو حروف وأصوات وإن هذا القرآن العربي كلام الله كما دل على ذلك القرآن والسنة وإجماع المسلمين وفي القرآن مواضع كثيرة تبين أن هذا المنزل هو القرآن وهو كلام الله وأنه عربي وأخذوا يشنعون على أولئك إنكارهم أن يكون هذا كلام الله فإن |
5 | 420 | أولئك أثبتوا قرآنين قرآنا قديما وقرآنا مخلوقا فأخذ هؤلاء يشنعون على أولئك بإثبات قرآنين فقال لهم أولئك فأنتم إذا جعلتم القرآن العربي وهو قديم كلام الله لزم أن يكون مخلوقا وكنتم موافقين للمعتزلة فإن قولكم إن القرآن العربي قديم ممتنع في صرائح العقول ولم يقل ذلك أحد من السلف ونحن وجميع الطوائف ننكر عليكم هذا القول ونقول إنكم ابتدعتموه وخالفتم به المعقول والمنقول وإلا فكيف تكون السين المعينة المسبوقة بالباء المعينة قديمة أزلية وتكون الحروف المتعاقبة قديمة والصوت الذي كان في هذا الوقت قديما ولم يقل هذا أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم وإن كان بعض المتأخرين من أصحاب مالك والشافعي وأحمد يقولونه ويقوله ابن سالم وأصحابه وطائفة من أهل الكلام والحديث فليس في هؤلاء أحد من السلف وإن كان الشهرستاني ذكر في نهاية الإقدام أن هذا قول السلف والحنابلة فليس هو قول السلف ولا قول أحمد بن حنبل ولا أصحابه القدماء ولا جمهورهم فصار كثير من هؤلاء الموافقين للسالمية وأولئك الموافقين للكلابية بينهم منازعات ومخاصمات بل وفتن وأصل ذلك قولهم جميعا إن |
5 | 421 | القرآن قديم وهي أيضا بدعة لم يقلها أحد من السلف وإنما السلف كانوا يقولون القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وكان قولهم أولا إنه كلام الله كافيا عندهم فإما ما كان كلاما لمتكلم لا يجوز أن يكون منفصلا عنه فإن هذا مخالف للمعقول والمنقول في الكلام وفي جميع الصفات يمتنع أن يوصف الموصوف بصفة لا تكون قط قائمة به بل لا تكون إلا بائنة عنه وما يزعمه الجهمية والمعتزلة من أن كلامه وإرادته ومحبته وكراهته ورضاه وغضبه وغير ذلك كل ذلك مخلوقات له منفصلة عنه هو مما أنكره السلف عليهم وجمهور الخلف بل قالوا إن هذا من الكفر الذي يتضمن تكذيب الرسول وجحود ما يستحقه الله من صفاته وكلام السلف في رد هذا القول بل وإطلاق الكفر عليه كثير منتشر وكذلك لم يقل السلف إن غضبه على فرعون وقومه قديم ولا أن فرحه بتوبة التائب قديم وكذلك سائر ما وصف به نفسه من الجزاء لعباده على الطاعة والمعصية من رضاه وغضبه لم يقل أحد منهم إنه قديم فإن الخزاء لا يكون قبل العمل |
5 | 422 | والقرآن صريح بأن أعمالهم كانت سببا لذلك كقوله فلما آسفونا انتقمنا منهم سورة الزخرف وقوله ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم سورة محمد وقوله قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله سورة آل عمران وأمثال ذلك بل قد ثبت في الصحيحين من حديث الشفاعة أن كلا من الرسل يقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وفي الصحيحين عن زيد بن خالد قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح في إثر سماء كانت من الليل فلما انفتل من صلاته قال أتدرون ماذا قال ربكم الليلة قلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فمن قال مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكوكب ومن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب |
5 | 423 | وفي الصحيح الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه وفي القرآن والحديث من هذا ما يطول ذكره وقد بسطنا هذا في كتاب درء تعارض العقل والنقل وغيره وقد أخبر الله تعالى في القرآن بندائه لعباده في أكثر من عشرة مواضع والنداء لا يكون إلا صوتا باتفاق أهل اللغة وسائر الناس والله أخبر أنه نادى موسى حين جاء الشجرة فقال فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين سورة النمل فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك سورة طه فلما أتاها نودي من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة سورة القصص وإذ نادى ربك موسى أن أئت القوم الظالمين سورة الشعراء وناديناه من جانب الطور الأيمن سورة مريم هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى سورة النازعات وما كنت بجانب الطور إذ نادينا سورة القصص ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون سورة القصص |
5 | 424 | في موضعين ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين سورة القصص وناداهما ربهما سورة الأعراف فمن قال إنه لم يزل مناديا من الأزل إلى الأبد فقد خالف القرآن والعقل ومن قال إنه بنفسه لم يناد ولكن خلق نداء في شجرة أو غيرها لزم أن تكون الشجرة هي القائلة إني أنا الله وليس هذا كقول الناس نادى الأمير إذ أمر مناديا فإن المنادي عن الأمير يقول أمر الأمير بكذا ورسم السلطان بكذا لا يقول أنا أمرتكم ولو قال ذلك لأهانه الناس والمنادي قال لموسى إنني أنا الله لا إله إلا انا فاعبدني سورة طه إني أنا الله رب العالمين سورة القصص وهذا لا يجوز أن يقوله ملك إلا إذا بلغه عن الله كما نقرأ نحن القرآن والملك إذا أمره الله بالنداء قال كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني أحب فلانا فأحبه ثم ينادي جبريل في السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فجبريل إذا |
5 | 425 | نادى في السماء قال إن الله يحب فلانا فأحبوه والله إذا نادى جبريل يقول يا جبريل إني أحب فلانا ولهذا لما نادت الملائكة زكريا قال تعالى فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى سورة آل عمران وقال وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين سورة آل عمران ولا يجوز قط لمخلوق أن يقول إني أنا الله رب العالمين ولا يقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له والله تعالى إذا خلق صفة في محل كان المحل متصفا بها فإذا خلق في محل علما أو قدرة أو حياة أو حركة أو لونا أو سمعا أو بصرا كان ذلك المحل هو العالم به القادر المتحرك الحي المتلون السميع البصير فإن الرب لا يتصف بما يخلقه في مخلوقاته وإنما يتصف بصفاته القائمة به بل كل موصوف لا يوصف إلا بما يقوم به لا بما يقوم بغيره ولم يقم به فلو كان النداء مخلوقا في الشجرة لكانت هي القائلة إني أنا الله وإذا كان ما خلقه الرب في غيره كلاما له وليس له كلام إلا ما خلقه لزم أن يكون إنطاقه لأعضاء الإنسان يوم القيامة كلاما له وتسبيح الحصى كلاما له وتسليم الحجر على الرسول كلاما له بل يلزم أن يكون كل كلام في الوجود كلامه لأنه قد ثبت أنه خالق كل شيء |
5 | 426 | وهكذا طرد قول الحلولية الإتحادية كابن عربي فإنه قال وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه ولهذا قال سليمان بن داود الهاشمي من قال إن قوله إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني سورة طه مخلوق فقوله من جنس قول فرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى سورة النازعات فإن هذا مخلوق وهذا مخلوق يقول إن هذا يوجد أن يكون ما خلق فيه هذا القول هو القائل له كما كان فرعون هو القائل لما قام به قالوا وقولهم إن الكلام صفة فعل فيه تلبيس فيقال لهم أتريدون به أنه مفعول منفصل عن المتكلم أم تريدون به أنه قائم به فإن قلتم بالأول فهو باطل فلا يعرف قط متكلم بكلام وكلامه مستلزم كونه منفصلا عنه والفعل أيضا لابد أن لا يكون قائما بالفاعل كما قال السلف والأكثرون وإنما المفعول هو الذي يكون بائنا عنه |
5 | 427 | والمخلوق المنفصل عن الرب ليس هو خلقه إياه بل خلقه للسموات والأرض ليس هو نفس السموات والأرض والذين قالوا الخلق هو المخلوق فروا من أمور ظنوها محذورة وكان ما فروا إليه شرا مما فروا منه فإنهم قالوا لو كان الخلق غير المخلوق لكان إما قديما وإما حادثا فإن كان قديما لزم قدم المخلوق وإن كان حادثا فلا بد له من خلق آخر فيلزم التسلسل فقال لهم الناس بل هذا منقوض على أصلكم فإنكم تقولون إنه يريد بإرادة قديمة والمرادات كلها حادثة فإن كان هذا جائزا فلماذا لا يجوز أن يكون الخلق قديما والمخلوق حادثا وإن كان هذا غير جائز بل الإرادة تقارن المراد لزم جواز قيام الحوادث به وحينئذ فيجوز أن يقوم به خلق مقارن للمخلوق فلزم فساد قولكم على التقديرين وكذلك إذا قيل إن الخلق حادث فلم قلتم إنه محتاج إلى خلق آخر فإنكم تقولون المخلوقات كلها حادثة ولا تحتاج إلى خلق حادث فلم لا يجوز أن تكون مخلوقة بخلق حادث وهو لا يحتاج إلى خلق آخر ومعلوم أن حدوثها بخلق حادث أقرب إلى العقول من حدوثها كلها بلا خلق أصلا فإن كان كل حادث يفتقر إلى خلق بطل قولكم وإن |
5 | 428 | كان فيها مالا يفتقر إلى خلق جاز أن يكون الخلق نفسه لا يفتقر إلى خلق آخر وهذه المواضع مبسوطة في غير هذا الموضع والمقصود التمثيل بكلام المختلفين في الكتاب الذين في قول كل واحد منهم حق وباطل وأن الصواب ما دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان والناس لهم في طلب العلم والدين طريقان مبتدعان وطريق شرعي فالطريق الشرعي هو النظر فيما جاء به الرسول والإستدلال بأدلته والعمل بموجبها فلا بد من علم بما جاء به وعمل به لا يكفي أحدهما وهذا الطريق متضمن للأدلة العقلية والبراهين اليقينية فإن الرسول بين بالبراهين العقلية ما يتوقف السمع عليه والرسل بينوا للناس العقليات التي يحتاجون إليها كما ضرب الله في القرآن من كل مثل وهذا هو الصراط المستقيم الذي أمر الله عباده أن يسألوه هدايته وأما الطريقان المبتدعان فأحدهما طريق أهل الكلام البدعي والرأي البدعي فإن هذا فيه باطل كثير وكثير من أهله يفرطون فيما أمر الله به ورسوله من الأعمال فيبقى هؤلاء في فساد علم وفساد عمل وهؤلاء منحرفون إلى اليهودية الباطلة والثاني طريق أهل الرياضة والتصوف والعبادة البدعية وهؤلاء |
5 | 429 | منحرفون إلى النصرانية الباطلة فإن هؤلاء يقولون إذا صفى الإنسان نفسه على الوجه الذي يذكرونه فاضت عليه العلوم بلا تعلم وكثير من هؤلاء تكون عبادته مبتدعة بل مخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيبقون في فساد من جهة العمل وفساد من نقص العلم حيث لم يعرفوا ما جاء به الرسول وكثير ما يقع من هؤلاء وهؤلاء وتقدح كل طائفة في الأخرى وينتحل كل منهم اتباع الرسول والرسول ليس ما جاء به موافقا لما قال هؤلاء ولا هؤلاء ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين سورة آل عمران وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه على طريقة أهل البدع من أهل الكلام والرأي ولا على طريقة أهل البدع من أهل العبادة والتصوف بل كان على ما بعثه الله من الكتاب والحكمة وكثير من أهل النظر يزعمون أنه بمجرد النظر يحصل العلم بلا عبادة ولا دين ولا تزكية للنفس وكثير من أهل الإرادة يزعمون أن طريق الرياضة بمجرده تحصل المعارف بلا تعلم ولا نظر ولا تدبر للقرآن والحديث |
5 | 430 | وكلا الفريقين غالط بل لتزكية النفس والعمل بالعلم وتقوى الله تأثير عظيم في حصول العلم لكن مجرد العمل لا يفيد ذلك إلا بنظر وتدبر وفهم لما بعث الله به الرسول ولو تعبد الإنسان ما عسى أن يتعبد لم يعرف ما خص الله به محمدا صلى الله عليه وسلم إن لم يعرف ذلك من جهته وكذلك لو نظر واستدل ماذا عسى أن ينظر لم يحصل له المطلوب إلا بالتعلم من جهته ولا يحصل التعلم المطابق النافع إلا مع العمل به وإلا فقد قال الله تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم سورة الصف وقال وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة سورة الآنعام وقال تعالى وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم سورة النساء وقال تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون سورة المطففين وقال أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون سورة الأعراف وقال ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لأتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما سورة النساء |
5 | 431 | وقال قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم سورة المائدة وقال هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين سورة آل عمران وقال ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين سورة البقرة وكذلك لو جاع وسهر وخلا وصمت وفعل ماذا عسى أن يفعل لا يكون مهتديا إن لم يتعبد بالعبادات الشرعية وإن لم يتلق علم الغيب من جهة الرسول قال تعالى لأفضل الخلق الذي كان أزكى الناس نفسا وأكملهم عقلا قبل الوحي وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا سورة الشورى وقال قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحى إلي ربي إنه سميع قريب سورة سبأ وقال فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى سورة طه وقال تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيظ له شيطانا فهو له |
5 | 432 | قرين سورة الزخرف أي عن الذكر الذي أنزلته قال المفسرون يعش عنه فلا يلتفت إلى كلامه ولا يخاف عقابه ومنه قوله وهذا ذكر مبارك أنزلناه سورة الأنبياء وقوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث سورة الأنبياء وشاهده في الآية الأخرى ومن أعرض عن ذكري سورة طه ثم قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى سورة طه فكل من عشا عن القرآن فإنه يقيض له شيطان يضله ولو تعبد بما تعبد ويعش روى عن ابن عباس يعمى وكذلك قال عطاء وابن زيد ابن أسلم وكذلك أبو عبيدة قال تظلم عينه واختاره ابن قتيبة ورجحه على قول من قال يعرض والعشا ضعف في البصر ولهذا قيل فيه يعش وقالت طائفة يعرض وهو رواية الضحاك عن ابن عباس وقاله قتادة واختاره الفراء والزجاج وهذا صحيح من جهة المعنى فإن قوله يعش ضمن معنى يعرض ولهذا عدى بحرف الجار عن كما يقال أنت أعمى عن محاسن فلان إذا أعرضت فلم تنظر إليها فقوله يعش أي يكن أعشى عنها وهو دون العمى فلم ينظر إليها إلا نظرا ضعيفا |
5 | 433 | وهذا حال أهل الضلال الذين لم ينتفعوا بالقرآن فإنهم لا ينظرون فيه كما ينظرون في كلام سلفهم لأنهم يحسبون أنه لا يحصل المقصود وهم الذين عشوا عنه فقيضت لهم الشياطين تقترن بهم وتصدهم عن السبيل وهم يحسبون أنهم مهتدون ولهذا لا تجد في كلام من لم يتبع الكتاب والسنة بيان الحق علما وعملا أبدا لكثرة ما في كلامه من وساوس الشياطين وحدثني غير مرة رجل وكان من أهل الفضل والذكاء والمعرفة والدين أنه كان قد قرأ على شخص سماه لي وهو من أكابر أهل الكلام والنظر دروسا من المحصل لابن الخطيب وأشياء من إشارات ابن سينا قال فرأيت حالي قد تغير وكان له نور وهدى ورؤيت له منامات سيئة فرآه صاحب النسخة بحال سيئة فقص عليه الرؤيا فقال هي من كتابك وإشارات ابن سينا يعرف جمهور المسلمين الذين يعرفون دين الإسلام أن فيها إلحادا كثيرا بخلاف المحصل يظن كثير من الناس أن فيه بحوثا تحصل المقصود قال فبكيت عليه محصل في أصول الدين حاصله من بعد تحصيله أصل بلا دين أصل الضلالات والشك المبين فما فيه فأكثره وحي الشياطين قلت وقد سئلت أن أكتب على المحصل ما يعرف به الحق فيما |
5 | 434 | ذكره فكتبت من ذلك ما ليس هذا موضعه وكذلك تكلمت على ما في الإشارات في مواضع أخر والمقصود هنا التنبيه على الجمل فما في المحصل وسائر كتب الكلام المختلف أهله كتب الرازي وأمثاله من الكلابية ومن حذا حذوهم وكتب المعتزلة والشيعة والفلاسفة ونحو هؤلاء لا يوجد فيها ما بعث الله به رسله في أصول الدين بل يوجد فيها حق ملبوس بباطل ويكفيك نفس مسألة خلق الرب مخلوقاته لا تجد فيها إلا قول القدرية والجهمية والدهرية إما العلة التي تثبتها الفلاسفة الدهرية أو القادر الذي تثبته المعتزلة والجهمية ثم إن كان من الكلابية أثبت تلك الإرادة الكلابية ومن عرف حقائق هذه الأقوال تبين له أنها مع مخالفتها للكتاب والسنة وإجماع السلف مخالفة لصرائح العقول وكذلك قولهم في النبوات فالمتفلسفة تثبت النبوة على أصلهم |
5 | 435 | الفاسد أنها قوة قدسية تختص بها بعض النفوس لكونها أقوى نيلا للعلم وأقوى تأثيرا في العالم وأقوى تخيلا لما تعقله في صور متخيلة وأصواب متخيلة وهذه الثلاثة هي عندهم خاصة النبي ومن اتصف بها فهو نبي القوة القدسية العلمية والتأثير في الهيولي وما يتخيله في نفسه من أصوات هي كلام الله ومن صور هي عندهم ملائكة الله ومعلوم عند من اعتبر العالم أن هذا القدر يوجد بكثير من آحاد الناس وأكثر الناس لهم نصيب من هذه الثلاثة ولهذا طمع كثير من هؤلاء في أن يصير نبيا ولهذا قال هؤلاء إن النبوة مكتسبة وإنما قالوا هنا لأنهم لم يثبتوا الله علما بالجزئيات ولا قدرة ولا كلاما يتكلم به تنزل به ملائكته ثم إن الجهمية والمعتزلة يردون عليهم تارة ردا مقاربا وتارة ردا ضعيفا لكونهم جعلوا صانع العالم يرجح أحد المتماثلين بلا مرجح وجعلوا القادر المختار يرجح بل مرجح وزعم أكثرهم أنه مع وجود القدرة والداعي التام لا يجب وجود الفعل ففزعوا من الموجب بالذات ولفظ الموجب بالذات مجمل فالذي ادعته المتفلسفة باطل |
5 | 436 | فإنهم أثبتوا موجبا بذات مجردة عن الصفات يستلزم مفعولاته حتى لا يتأخر عنه شيء وأثبتوا له من الوحدة ما يضمنونه نفي صفاته وأفعاله القائمة به وقالوا الواحد لا يصدر عنه إلا واحد والواحد الذي ادعوه لا حقيقة له إلا في الأذهان لا في الأعيان والكلام على مذاهبهم وابطالها مبسوط في موضع آخر وقد بينا أنهم أكثر الناس تناقضا واضطرابا وأن دعواهم أنه علة موجبة للمعلول أزلا وأبدا فاسدة من وجوه كثيرة وأما إذا قيل هو موجب بالذات بمعنى أنه يوجب بمشيئته وقدرته ما يريد أن يفعله فهذا هو الفاعل بقدرته ومشيئته فتسمية المسمى له موجبا بذاته نزاع لفظي وأكثر الجهمية والقدرية لا يقولون إنه بقدرته ومشيئته يلزم وجود مقدوروه بل قد يحصل وقد لا يحصل فيرجح إن حصل بلا مرجح وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر والمقصود هنا أن الجهمية تثبت نبوة لا تستلزم فصل صاحبها ولا كماله ولا اختصاصه قط بشيء من صفات الكمال بل يجوز أن يجعل من هو من أجهل الناس نبيا ثم الجهمية المحضة عندهم يخلق الله كلاما في غيره فينزل به الملك وأما الكلابية فعندهم النبوة تعلق المعنى القائم بالذات بالنبي بمعنى أنت عبدي ورسولي فيقولون في النبوة من جنس ما قالوه في |
5 | 437 | أحكام أفعال العباد إنه ليس للحكم معنى إلا تعلق المعنى القائم بالذات به والمعنى القائم بالذات المتعلق به لا يثبتون في الإيمان والتقوى والأعمال الصالحة خاصة تميزت به عن السيئات حتى أمر بها لأجلها وكذلك في النبوة والمعتزلة ومن وافقهم يثبتون لله شريعة بالقياس على عبادة فيوجبون عليه من جنس ما يجب عليهم ويحرمون عليه من جنس ما يحرم عليهم ولا يجعلون أمره ونهيه وحبه وبغضه ورضاه وسخطه له ثأثير في الأعمال بل صفاتها ثابتة بدون الخطاب والخطاب مجرد كاشف بمنزلة الذي يخبر عن الشمس والقمر والكواكب بما هي متصفة به والله سبحانه قد أخبر أنه يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس والإصطفاء افتعال من التصفية كما أن الإختيار افتعال من الخيرة فيختار من يكون مصطفى وقد قال الله أعلم حيث يجعل رسالته سورة الأنعام فهو أعلم بمن يجعله رسولا ممن لم يجعله رسولا ولو كان كل الناس يصلح للرسالة لامتنع هذا وهو عالم بتعيين الرسول وأنه أحق من غيره بالرسالة كما دل القرآن على ذلك وقد قالت خديجة رضي الله عنها لما فجأ الوحي النبي |
5 | 438 | صلى الله عليه وسلم وخاف من ذلك فقالت له كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وكانت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها أعقل وأعلم من الجهمية حيث رأت أن من جعله الله على هذه الأخلاق الشريفة المتضمنة لعدله وإحسانه لا يخزيه الله فإن حكمة الرب تأبى ذلك وهؤلاء عندهم هذا لا يعلم بل قد يخزي من يكون كذلك وقد ينبأ شر الناس كأبي جهل وغيره ولهذا أنكر المازري وغيره على خديجة كما أنكروا على هرقل استدلاله بما استدل به في حديث أبي سفيان المشهور لما سأل عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم |
5 | 439 | والله سبحانه إذا اتخذ رسولا فضله بصفات أخرى لم تكون موجودة فيه قبل إرساله كما كان يظهر لكل من رأى موسى وعيسى ومحمد من أحوالهم وصفاتهم بعد النبوة وتلك الصفات غير الوحي الذي ينزل عليهم فلا يقال إن النبوة مجرد صفة إضافية كأحكام الأفعال كما تقوله الجهمية ولهذا لما صار كثير من أهل النظر كالرازي وأمثاله ليس عندهم إلا قول الجهمية والقدرية والفلاسفة تجدهم في تفسير القرآن وفي سائر كتبهم يذكرون أقوالا كثيرة متعددة كلها باطلة لا يذكرون الحق مثل تفسيره للهلال وقد قال تعالى يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج سورة البقرة فذكر قول أهل الحساب فيه وجعله من أقوال الفلاسفة وذكر قول الجهمية الذين يقولون إن القادر المختار يحدث فيه الضوء بلا سبب أصلا ولا لحكمة وكذلك إذا تكلم في المطر يذكر قول أولئك الذين يجعلونه حاصلا عن مجرد البخار المتصاعد والمنعقد في الجو وقول من يقول إنه أحدثه الفاعل المختار بلا سبب ويذكر قول من يقول إنه نزل من |
5 | 440 | الأفلاك وقد يرجح هذا القول في تفسيره ويجزم بفساده في موضع آخر وهذا القول لم يقله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أئمة المسلمين بل سائر أهل العلم من المسلمين من السلف والخلف يقولون إن المطر نزل من السحاب ولفظ السماء في اللغة والقرآن اسم لكل ما علا فهو اسم جنس للعالي لا يتعين في شيء إلا بما يضاف إلى ذلك وقد قال فليمدد بسبب إلى السماء سورة الحج وقال أنزل الله من السماء ماء سورة الأنعام وقال أمتم من في السماء سورة تبارك والمراد بالجميع العلو ثم يتعين هنا بالسقف ونحوه وهنا بالسحاب وهناك بما فوق العالم كله فقوله أنزل من السماء ماء سورة الأنعام أي من العلو مع قطع النظر عن جسم معين لكن قد صرح في موضع آخر بنزوله من السحاب كما قي قوله أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون سورة الواقعة والمزن السحاب |
5 | 441 | وقوله ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله سورة النور والودق المطر وقال تعالى الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله سورة الروم فأخبر سبحانه أنه يبسط السحاب في السماء وهذا مما يبين أنه لم يرد بالسماء هنا الأفلاك فإن السحاب لا يبسط في الأفلاك بل الناس يشاهدون السحاب يبسط في الجو وقد يكون الرجل في موضع عال إما على جبل أو على غيره والسحاب يبسط أسفل منه وينزل منه المطر والشمس فوقه والرازي لا يثبت على قول واحد بل هو دائما ينصر هنا قولا وهناك ما يناقضه لأسباب تقتضي ذلك وكثير من الناس يفهمون من القرآن ما لا يدل عليه وهو معنى فاسد ويجعلون ذلك يعارض العقل وقد بينا في مصنف مفرد درء تعارض العقل والنقل وذكرنا فيه عامة ما يذكرون من العقليات في معارضة الكتاب والسنة وبينا أن التعارض لا يقع إلا إذا كان ما سمى معقولا فاسدا وهذا هو الغالب على كلام أهل البدع أو أن يكون ما أضيف |
5 | 442 | إلى الشرع ليس منه إما حديث موضوع وإما فهم فاسد من نص لا يدل عليه وإما نقل إجماع باطل ومن هذا كثير من الناس ذم الأحكام النجومية ولا ريب أنها مذمومة بالشرع مع العقل وأن الخطأ فيها أضعاف الصواب وأن من اعتمد عليها في تصرفاته وأعرض عما أمر الله به ورسوله خسر الدنيا والآخرة لكن قد يردونها على طريقة الجهمية ونحوهم بأن يدعوا أنه لا أثر لشيء من العلويات في السفليات أصلا إما على طريقة الجهمية لكن تلك لا تنفي العادات الإقترانية وإن لم تثبت سببا ومسببا وحكمة وإما بناء على نفي العادة في ذلك ثم قد ينازعون في استدارة الأفلاك ويدعون شكلا آخر وقد بينا في جواب المسائل التي سئلت عنها في ذلك أن الأفلاك مستديرة عند علماء المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان كما ثبت ذلك عنهم بالأسانيد المذكورة في موضعها بل قد نقل إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من علماء المسلمين الذين هم من أخبر الناس بالمنقولات كأبي الحسين بن المنادى أحد أكابر الطبقة الثانية من |
5 | 443 | أصحاب الإمام أحمد وله نحو أربعمائة مصنف وأبي محمد بن حزم الأندلسي وأبي الفرج بن الجوزي وقد دل ذلك على الكتاب والسنة كما قد بسط في الإحاطة وغيرها وكذلك المطر معروف عند السلف والخلف بأن الله تعالى يخلقه من الهواء ومن البخار المتصاعد لكن خلقه للمطر من هذا كخلق الإنسان من نطفة وخلقه للشجر والزرع من الحب والنوى فهذا معرفة بالمادة التي خلق منها ونفس المادة لا توجب ما خلق منها باتفاق العقلاء بل لا بد مما به يخلق تلك الصورة على ذلك الوجه وهذا هو الدليل على القادر المختار الحكيم الذي يخلق المطر على قدر معلوم وقت الحاجة إليه والبلد الجرز يسوق إليه الماء من حيث أمطر كما قال أو |
5 | 444 | لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجزر فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون سورة السجدة فالأرض الجرز لا تمطر ما يكفيها كأرض مصر لو أمطرت المطر المعتاد لم يكفها فإنها أرض إبليز وإن أمطرت كثيرا مثل مطر شهر خربت المساكن فكان من حكمة الباري ورحمته أن أمطر مطرا أرضا بعيدة ثم ساق ذلك الماء إلى أرض مصر فهذه الآيات يستدل بها على علم الخالق وقدرته ومشيئته وحكمته وإثبات المادة التي خلق منها المطر والشجر والإنسان والحيوان مما يدل على حكمته ونحن لا نعرف شيئا قط خلق إلا من مادة ولا أخبر الله في كتابه بمخلوق إلا من مادة وكذلك كون كسوف الشمس وغيره سببا لبعض الحوادث هو مما دلت عليه النصوص الصحيحة ففي الصحاح من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا |
5 | 445 | لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل يخوف الله بهما عباده فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة وقد ثبت عنه في الصحاح أنه صلى صلاة الكسوف بركوع زائد في كل ركعة وأنه طولها تطويلا لم يطوله في شيء من صلوات الجماعات وأمر عند الكسوف بالصلاة والذكر والدعاء والعتاقة والصدقة والإستغفار وقوله يخوف الله بهما عباده كقوله تعالى وما نرسل بالآيات إلا تخويفا سورة الإسراء ولهذا كانت الصلوات مشروعة عند الآيات عموما مثل تناثر الكواكب والزلزلة وغير ذلك والتخويف إنما يكون بما هو سبب للشر المخوف كالزلزلة والريح العاصف وإلا فما وجوده كعدمه لا يحصل به تخويف فعلم أن الكسوف سبب للشر ثم قد يكون عنه شر ثم القول فيه كالقول في سائر الأسباب هل هو سبب كما عليه جمهور الأمة أو هو مجرد اقتران عادة كما يقوله الجهمية وهو صلى الله عليه وسلم أخبر عند أسباب الشر بما يدفعها من |
5 | 446 | العبادات التي تقوي ما انعقد سببه من الخير وتدفع أو تضعف ما انعقد سببه من الشر كما قال إن الدعاء والبلاء ليلتقيان فيعتلجان بين السماء والأرض والفلاسفة تعترف بهذا لكن هل ذلك بناء على أن الله يدفع ذلك بقدرته وحكمته أو بناء على أن القوى النفسانية تؤثر هذا مبني على أصولهم في هذا الباب ويحكى عن بطليموس أنه قال ضجيج الأصوات في هياكل العبادات بفنون اللغات تحلل ما عقدته الأفلاك الدائرات وعن |
5 | 447 | أبقراط أنه قال واعلم أن طبنا بالنسبة إلى طب أرباب الهياكل كطب العجائز بالنسبة إلى طبنا فالقوم كانوا معترفين بما وراء القوى الطبيعية والفلكية وليس ذلك مجرد القوى النفسانية كما يقوله ابن سينا وطائفة بل ملائكة ملء العالم العلوي والسفلي والجن أيضا لا يحصى عددهم إلا الله والله قد وكل الملائكة بتدبير هذا العالم بمشيئته وقدرته كما دلت على ذلك الدلائل الكثيرة من الكتاب والسنة وكما يستدل على ذلك أيضا بأدلة عقلية والملائكة أحياء ناطقون ليسوا أعراضا قائمة بغيرها كما يزعمه كثير من المتفلسفة ولا هي مجرد العقول العشرة والنفوس التسعة بل هذه باطلة بأدلة كثيرة |
5 | 448 | وما يثبتونه من المجردات المفارقات لا يحصل معهم منه غير النفس الناطقة فإنها تفارق بدنها وما سوى ذلك فلا يثبت معهم على طريقهم إلا المجردات المعقولة في الأذهان وهي الكليات المعقولة ولكنهم يظنون ثبوت ذلك في الخارج كما يظن شيعة أفلاطون ثبوت المثل الأفلاطونية في الخارج فتثبت كليات قديمة أزلية أبدية مفارقة كإنسان كلي وهذا هو غلطهم حيث ظنوا ما هو في الأذهان موجودا في الأعيان وكذلك ما يثبتونه من الجواهر العقلية وهي أربعة العقل والنفس والمادة والصورة وطائفة منهم كشيعة أفلاطون تثبت جوهرا عقليا هو الدهر وجوهرا عقليا هو الخير وتثبت جوهرا عقليا هو المادة الأولى المعارضة للصورة وكل هذه العقليات التي يثبتونها إذا حققت غاية التحقيق تبين أنها أمور معقولة في النفس فيتصورها في نفسه فهي معقولات في قلبه وهي مجردة عن جزئياتها الموجودة في الخارج فإن العقل دائما ينتزع من الأعيان المعينة المشهودة كليات مشتركة عقلية كما يتصور زيدا وعمرا وبكرا ثم يتصور إنسانا مشتركا كليا ينطبق على زيد وعمر وبكر |
5 | 449 | ولكن هذا المشترك إنما هو في قلبه وذهنه يعقله بقلبه ليس في الخارج إنسان مشترك كلي يشترك فيه هذا وهذا بل كل إنسان يختص بذاته وصفاته لا يشاركه غيره في شيء مما قام به قط وإذا قيل الإنسانية مشتركة أو الحيوانية فالمراد أن في هذا حيوانية وإنسانية تشابه ما في هذا من الحيوانية والإنسانية ويشتركان في مسمى الإنسانية والحيوانية وذلك المسمى إذا أخذ مشتركا كليا لم يكن إلا في الذهن وهو تارة يوجد مطلقا بشرط الإطلاق فلا يكون إلا في الذهن عند عامة العقلاء إلا من أثبت المثل الأفلاطونية في الخارج وتارة يوجد مطلقا لا بشرط الإطلاق بحيث يتناول المعينات وهذا قد يقال إنه موجود في الخارج وهو موجود في الخارج معينا مقيدا مخصوصا فيقال هذا الإنسان وهذا الحيوان وهذا الفرس وأما وجوده في الخارج مع كونه مشتركا في الخارج فهذا باطل ولهذا كان من المعروف عندهم أن الكليات ثابتة في الأذهان لا في الأعيان ومن قال إن الكلي الطبيعي موجود في الخارج فمعناه الصحيح أن ما هو كلي إذا كان في الذهن يوجد في الخارج لكن لا يوجد في الخارج كليا وهذا كما يقال ما يتصوره الذهن قد يوجد في |
5 | 450 | الخارج وقد لا يوجد ولا يراد بذلك أن نفس الصورة الذهنية تكون بعينها في الخارج ولكن يراد به أن ما يتصور في الذهن قد يوجد في الخارج كما يوجد أمثاله في الخارج كما يتصور الإنسان دارا يبنيها وعملا يعمله ويقول الرجل لغيره جئت بما كان في نفسي وفعلت هذا كما كان في نفسي وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه زورت في نفسي مقالة فجاء أبو بكر في بديهته بأحسن منها وهذا كله معروف عند الناس فإن الشيء له وجود في نفسه وله مثال مطابق له في العلم ولفظ يدل على ذلك المثال العلمي وخط يطابق ذلك اللفظ ويقال له وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في اللسان ووجود في البنان ووجود عيني وعلمي ولفظي ورسمي كالشمس الموجودة والكعبة الموجودة ثم إذا رأى الإنسان الشمس يمثلها في نفسه ثم يقول بلسانه شمس وكعبة ثم يكتب بخطه شمس وكعبة فإذا كتب وقيل هذه الشمس التي في السماء وهذه الكعبة التي يصلي إليها المسلمون لم يرد بذلك أن الخط هو الشمس والكعبة ولكن المعنى معروف كما إذا قال يا زيد فالمنادي لا ينادي الصوت وإذا قال ضربت |
5 | 451 | زيدا لم يرد أنه ضرب الحروف لكن قد عرف أنه إذا أطلق الأسماء المراد مسمياتها التي جعلت الأسماء دالة عليها وإذا كتبت الأسماء فالمراد بالخط ما يراد باللفظ فإذا قيل لما في الورقة هذه الكعبة من الحجاز فالمراد المسمى بالإسم اللفظي الذي طابقه الخط ومثل هذا كثير يعرفه كل أحد فإذا قيل لما في النفس ليس بعينه هو الموجود في الخارج فهو بهذا الإعتبار أي ما تصورته في النفس موجود في الخارج لكن يطابقه مطابقة المعلوم للعلم فإذا قيل الكلي الطبيعي في الخارج فهو بهذا الإعتبار أي يوجد في الخارج ما يطابقه الكلي الطبيعي فإنه المطلق لا بشرط فيطابق المعينات بخلاف المطلق بشرط الإطلاق فإن هذا لا يطابق المعينات وأما أن يقال إن في الخارج أمرا كليا مشتركا فيه بعينه هو في هذا المعين وهذا المعين فهذا باطل قطعا وإن كان قد قاله طائفة وأثبتوا ماهيات مجردة في الخارج عن المعينات وقالوا إن تلك الماهية غشيتها غواش غريبة وإن أسباب الماهية غير أسباب الوجود وهذا قد بسط الكلام عليه في الكلام على المنطق وعلى الإشارات وغير ذلك وبين أن الذي لا ريب فيه أن ما يتصور في الأذهان ليس هو الموجود في |
5 | 452 | الأعيان فمن عني بالماهية ما في الذهن وبالوجود ما في الخارج فهو مصيب في قوله الوجود مغاير للماهية وأما إذا عني بالماهية ما في الخارج وبالوجود ما في الخارج وبالماهية ما في الذهن وبالوجود ما في الذهن وإدعى أن في الذهن شيئين وأن في الخارج شيئين وجود وماهية فهذا يتخيل خيالا لا حقيقه له وبهذا التفصيل يزول الإشتباه الحاصل في هذا الموضع ولفظ الماهية مأخود من قول السائل ما هو وما هو سؤال عما يتصوره المسؤل ليجيب عنه وتلك هي الماهية للشيء في نفسه والمعنى المدلول عليه باللفظ لا بد أن يكون مطابقا للفظ فتكون دلالة اللفظ عليه بالمطابقة ودلالة اللفظ على بعض ذلك المعنى بالتضمن ودلالته على لازم ذلك المعنى بالإلتزام وليست دلالة المطابقة دلالة اللفظ على ما وضع له كما يظنه بعض الناس ولا دلالة التضمن استعمال اللفظ في جزء معناه ولا دلالة الإلتزام استعمال اللفظ في لازم معناه بل يجب الفرق بين ما وضع له اللفظ وبين ما عناه المتكلم باللفظ وبين ما يحمل المستمع عليه اللفظ فالمتكلم إذا استعمل اللفظ في |
5 | 453 | معنى فذلك المعنى هو الذي عناه باللفظ وسمي معنى لأنه عني به أي قصد وأريد بذلك فهو مراد المتكلم ومقصوده بلفظه ثم قد يكون اللفظ مستعملا فيما وضع له وهو الحقيقة وقد يكون مستعملا في غير ما وضع له وهو المجاز وقد يكون المجاز من باب استعمال لفظ الجميع في البعض ومن باب استعمال الملزوم في اللازم وقد يكون في غير ذلك وذلك كله دلالة اللفظ على مجموع المعنى وهي دلالة المطابقة سواء كانت الدلالة حقيقة أو مجازية أو غير ذلك ثم ذلك المعنى المدلول عليه اللفظ إذا كان له جزء فدلالة اللفظ عليه تضمن لأن اللفظ تضمن ذلك الجزء ودلالته على لازم ذلك المعنى هي دلالة الملزوم وكل لفظ استعمل في معنى فدلالته عليه مطابقة لأن اللفظ طابق المعنى بأي لغة كان سواء سمي ذلك حقيقة أو مجازا فالماهية التي يعنيها المتكلم بلفظه دلالة لفظه عليها دلالة مطابقة ودلالته على ما دخل فيها دلالة تضمن ودلالته على ما يلزمها وهو خارج عنها دلالة الإلتزام |
5 | 454 | فإذا قيل الصفات الذاتية الداخلة في الماهية والخارجة عن الماهية وعني بالداخل ما دل عليه اللفظ بالتضمن وبالخارج ما دل عليه بالالتزام فهذا صحيح وهذا الدخول والخروج هو بحسب ما تصوره المتكلم فمن تصور حيوانا ناطقا فقال إنسان كانت دلالته على المجموع مطابقة وعلى أحدهما تضمن وعلى اللازم مثل كونه ضاحكا التزام وإذا تصور إنسانا ضاحكا كانت دلالة إنسان على المجموع مطابقة وعلى أحدهما تضمن وعلى اللازم مثل كونه ناطقا التزام وأما أن تكون الصفات اللازمة للموصوف في الخارج بعضها داخل في حقيقته وماهيته وبعضها خارج عن حقيقته وماهيته والداخل هو الذاتي والخارج ينقسم إلى لازم للماهية والوجود وإلى لازم للوجود دون الماهية فهذا كله مما قد بسط الكلام عليه في مواضع وبينا ما في المنطق اليوناني من الأغاليط التي بعضها من معلمهم الأول وبعضها من تغيير المتأخرين وتكلمنا على ما ذكره أئمتهم في ذلك واحدا واحدا كابن سينا |
5 | 455 | وأبي البركات وغيرهما وأنه يوجد من كلامهم أنفسهم ومن رد بعضهم على بعض ما يبين أن ما ذكروه من تقسيم الصفات اللازمة للموصوف إلى هذه الأقسام الثلاثة تقسيم باطل إلا إذا جعل ذلك باعتبار ما في الذهن من الماهية لا باعتبار ماهية موجودة في الخارج وكذلك ما فرعوه على هذا من أن الإنسان مركب من الجنس والفصل فإن هذا التركيب ذهني لا حقيقة له في الخارج وتركبه من الحيوان والناطق من جنس تركبه من الحيوان والضاحك إذا جعل كل من الصفتين لازما ملزوما وأريد الضاحك بالقوة والناطق بالقوة وأما إذا قيل في الخارج الإنسان مركب من هذا وهذا فإن أريد به أن الإنسان موصوف بهذا وهذا فهذا صحيح وكذلك إذا فرق بين الصفات اللازمة للإنسان التي لا يكون إنسانا إلا بها كالحيوانية والناطقية والضاحكية وبين ما يعرض لبعض الناس كالسواد والبياض والعربية والعجمية فهذا صحيح أما إذا قيل هو مركب من صفاته اللازمة له وهي أجزاء له وهي |
5 | 456 | متقدمة عليه تقدما ذاتيا فإن الجزء قبل الكل والمفرد قبل المركب وأريد بذلك التركيب في الخارج فهذا كله تخليط فإن الصفة تابعة للموصوف فكيف تكون متقدمة عليه بوجه من الوجوه وإذا قيل هو مركب من الحيوانية والناطقية أو من الحيوان والناطق فإن أريد أنه مركب من جوهرين قائمين بأنفسهما لزم أن يكون في كل موصوف جواهر كثيرة بعدد صفاته فيكون في الإنسان جوهر هو جسم وجوهر هو حساس وجوهر هو نام وجوهر هو متحرك بالإرادة وجوهر هو ناطق ومعلوم أن هذا خطأ بل الإنسان جوهر قائم بنفسه موصوف بهذه الصفات فيقال جسم حساس نام متحرك بالإرادة ناطق وإن أريد به أنه مركب من عرضين فالإنسان جوهر والجوهر لا يتركب من أعراض لاحقة له فضلا عن أن تكون سابقة له متقدمة عليه وهذا كله قد بسطناه في مواضع وإنما كان المقصود هنا أن هؤلاء الفلاسفة كثيرا ما يغلطون في جعل الأمور الذهنية المعقولة في النفس فيجعلون ذلك بعينه أمورا موجودة في الخارج فأصحاب فيثاغورس القائلون بالأعداد المجردة في الخارج من هنا كان غلطهم وأصحاب |
5 | 457 | أفلاطون الذي أثبتوا المثل الأفلاطونية من هنا كان غلطهم وأصحاب صاحبه أرسطو الذين أثبتوا جواهر معقولة مجردة في الخارج مقارنة للجواهر الموجودة المحسوسة كالمادة والصورة والماهية الزائدة على الوجود في الخارج من هنا كان غلطهم وهم إذا أثبتوا هذه الماهية قيل لهم أهي في الذهن أم في الخارج ففي أيهما أثبتوها ظهر غلطهم وإذا قالوا نثبتها مطلقة مع قطع النظر |
5 | 458 | عن هذا وهذا أو أعم من هذا وهذا قيل عدم نظر الناظر لا يغير الحقائق عما هي عليه في نفس الأمر إما في الذهن وإما في الخارج وما كان أعم منها فهو أيضا في الذهن فإنك إذا قدرت ماهية لا في الذهن ولا في الخارج لم تكن مقدرا إلا في الذهن ومعنى ذلك أن هذا التقدير في الذهن لا أن الماهية التي قيل عنها ليست في الذهن هي في الذهن بل الماهية التي تصورها الإنسان في ذهنه يمكنه تقديرها ليست في ذهنه مع أن تقديرها ليست في ذهنه هو في ذهنه وإن كان تقديرا ممتنعا بل يجب الفرق بين الماهية المقيدة بكونها في الذهن وبين الماهية المطلقة التي لا تتقدر بذهن ولا خارج مع العلم بأن هذه الماهية المطلقة لا تكون أيضا إلا في الذهن وإن أعرض الذهن عن كونها في الذهن فكونها في الذهن شيء والعلم بكونها في الذهن شيء آخر وهؤلاء يتصورون أشياء ويقدرونها وذلك لا يكون إلا في الذهن لكن حال ما يتصور الإنسان شيئا في ذهنه ويقدره قد لا يشعر بكونه في الذهن كمن رأى الشيء في الخارج فاشتغل بالمرئي عن كونه رائيا له وهذا يشبه ما يسميه بعضهم الفناء الذي يفنى بمذكوره عن ذكره |
5 | 459 | وبمحبوبه عن محبته وبمعبوده عن عبادته ونحو ذلك كما يقدر الشيء بخلاف ما هو عليه كما إذا قدر أن الجبل من ياقوت والبحر من زئبق فتقدير الأمور على خلاف ما هي عليه هو تقدير اعتقادات باطلة والإعتقادات الباطلة لا تكون إلا في الأذهان فمن قدر ماهية لا في الذهن ولا في الخارج فهو مثل من قدر موجودا لا واجبا ولا ممكنا ولا قديما ولا محدثا ولا قائما بنفسه ولا قائما بغيره وهذا التقدير في الذهن وقد بسطنا الكلام على ذلك لما بينا فساد احتجاج كثير من أهل النظر بالتقديرات الذهنية على الإمكانات الخارجية كما يقوله الرازي وغيره إنا يمكننا أن نقول الموجود إما داخل العالم وإما خارج العالم وإما لا داخل العالم ولا خارجه وكل موجود إما مباين لغيره وإما محايث له وإما لا مباين ولامحايث فهذا يدل على إمكان القسم الثالث وكذلك إذا قلنا الموجود إما متحيز وإما قائم بالمتحيز وإما لا متحيز ولا قائم بالمتحيز وهذا يدل على إمكان القسم الثالث وهذا غلط فإن هذا كقول القائل الموجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره وإما لا قائم بنفسه ولا بغيره فدل على إمكان القسم الثالث فإن هذا غلط |
5 | 460 | وكذلك إذا قيل إما قديم وإما محدث وإما لا قديم ولا محدث وإما واجب وإما ممكن وإما لا واجب ولا ممكن وكذلك ما أشبه هذا ودخل الغلط على هؤلاء حيث ظنوا أن مجرد تقدير الذهن وفرضه يقتضي إمكان ذلك في الخارج وليس كذلك بل الذهن يفرض أمورا ممتنعة لا يجوز وجودها في الخارج ولا تكون تلك التقديرات إلا في الذهن لا في الخارج وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر ولكن المقصود هنا ذكر ما اختلف فيه الناس من جهة الذم والعقاب وبينا أن الحال يرجع إلى أصلين أحدهما أن كل ما تنازع فيه الناس هل يمكن كل أحد اجتهاد يعرف به الحق أم الناس ينقسمون إلى قادر على ذلك وغير قادر والأصل الثاني المجتهد العاجز عن معرفة الصواب هل يعاقبه الله أم لا يعاقب من اتقى الله ما استطاع وعجز عن معرفة بعض الصواب وإذا عرف هذان الأصلان فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع ما يطعن به فيهم أكثره كذب والصدق منه غايته أن يكون ذنبا أو خطأ والخطأ مغفور والذنب له أسباب متعددة توجب المغفرة ولا يمكن أحد أن يقطع بأن واحدا منهم فعل من الذنوب ما يوجب النار |
5 | 461 | لا محالة وكثير مما يطعن به على أحدهم يكون من محاسنه وفضائله فهذا جواب مجمل ثم نحن نتكلم على ما ذكرته الرافضة من المطاعن على وجه التفصيل كما ذكره أفضل الرافضة في زمنه صاحب هذا الكتاب لما ذكر أن الكلبي صنف كتابا في المثالب قال الرافضي وقد ذكر غيره منها أشياء كثيرة ونحن نذكر منها شيئا يسيرا منها ما رووه عن أبي بكر أنه قال على المنبر إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتصم بالوحي وإن لي شيطانا يعتريني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني وكيف يجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه مع أن الرعية تحتاج إليه |
5 | 462 | والجواب أن يقال هذا الحديث من أكبر فضائل الصديق رضي الله عنه وأدلها على أنه لم يكن يريد علوا في الأرض ولا فسادا فلم يكن طالب رياسة ولا كان ظالما وإنه إنما كان يأمر الناس بطاعة الله ورسوله فقال لهم إن استقمت على طاعة الله فأعينوني عليها وإن زغت عنها فقوموني كما قال أيضا أيها الناس أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم والشيطان الذي يعتريه يعترى جميع بني آدم فإنه ما من أحد إلا وقد وكل الله به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من أحد إلا وقد وكل الله به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن قيل وأنت يا رسول الله قال وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير وفي الصحيح عنه قال لما مر به بعض الأنصار وهو يتحدث مع |
5 | 463 | صفية ليلا قال على رسلكما إنها صفية بنت حيي ثم قال إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شيئا إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ومقصود الصديق بذلك إني لست معصوما كالرسول صلى الله عليه وسلم وهذا حق وقول القائل كيف تجوز إمامة من يستعين على تقويمه بالرعية كلام جاهل بحقيقة الإمامة فإن الإمام ليس هو ربا لرعيته حتى يستغني عنهم ولا هو رسول الله إليهم حتى يكون هو الواسطة بينهم وبين الله وإنما هو والرعية شركاء يتعاونون هم وهو على مصلحة الدين والدنيا فلا بد له من إعانتهم ولا بد لهم من إعانته كأمير القافلة الذي يسير بهم في الطريق إن سلك بهم الطريق اتبعوه وإن أخطأ عن الطريق نبهوه وأرشدوه وإن خرج عليهم صائل يصول عليهم تعاون هو وهم علي دفعه لكن إذا كان أكملهم علما وقدرة ورحمة كان ذلك أصلح لأحوالهم |
5 | 464 | وكذلك إمام الصلاة إن استقام صلوا بصلاته وإن سها سبحوا به فقوموه إذا زاغ وكذلك دليل الحاج إن مشى بهم في الطريق مشوا خلفه وإن غلط قوموه والناس بعدالرسول لا يتعلمون الدين من الإمام بل الأئمة والأمة كلهم يتعلمون الدين من الكتاب والسنة ولهذا لم يأمر الله عند التنازع برد الأمر إلى الأئمة بل قال تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول الآيةسورة النساء فأمر بالرد عند التنازع إلى الله والرسول لا إلى الأئمة وولاة الأمور وإنما أمر بطاعة ولاة الأمور تبعا لطاعة الرسول ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إنما الطاعة في المعروف وقال لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقال من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه |
5 | 465 | وقول القائل كيف تجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه مع أن الرعية تحتاج إليه وارد في كل متعاونين ومتشاركين يحتاج كل منهما إلى الاخر حتى الشركاء في التجارات والصناعات وإمام الصلاة هو بهذه المنزلة فإن المأمومين يحتاجون إليه وهو يحمل عنهم السهو وكذلك القراءة عند الجمهور وهو يستعين بهم إذا سها فينبهونه على سهوه ويقومونه ولو زاغ في الصلاة فخرج عن الصلاة الشرعية لم يتبعوه فيها ونظائره متعددة ثم يقال استعانة علي برغيته وحاجته إليهم كانت أكثر من استعانة أبي بكر وكان تقويم أبي بكر لرعيته وطاعتهم له أعظم من تقويم علي لرعيته وطاعتهم له فإن أبا بكر كانوا إذا نازعوه أقام عليهم الحجة حتى يرجعوا إليه كما أقام الحجة على عمر في قتال مانعي الزكاة وغير ذلك وكانوا إذا أمرهم أطاعوه وعلي رضى الله عنه لما ذكر قوله في أمهات الأولاد وأنه اتفق رأيه ورأي عمر على أن لا يبعن ثم رأى أن يبعن فقال له قاضيه عبيدة السلماني رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة وكان يقول اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي وكانت رعيته كثيرة المعصية له وكانوا يشيرون عليه بالرأي الذي |
5 | 466 | يخالفهم فيه ثم يتبين له أن الصواب كان معهم كما أشار عليه الحسن بأمور مثل أن لا يخرج من المدينة دون المبايعة وأن لا يخرج إلى الكوفة وأن لا يقاتل بصفين وأشار عليه أن لا يعزل معاوية وغير ذلك من الأمور وفي الجملة فلا يشك عاقل أن السياسة انتظمت لأبي بكر وعمر وعثمان ما لم تنتظم لعلي رضي الله عنهم فإن كان هذا لكمال المتولي وكمال الرعية كانوا هم ورعيتهم أفضل وإن كان لكمال المتولي وحده فهو أبلغ في فضلهم وإن كان ذلك لفرط نقص رعية علي كان رعية علي أنقص من رعية أبي بكر رضي الله عنه وعمر وعثمان ورعيته هم الذين قاتلوا معه وأقروا بإمامته ورعية الثلاثة كانوا مقرين بإمامتهم فإذا كان المقرون بإمامة الثلاثة أفضل من المقرين بإمامة علي لزم أن يكون كل واحد من الثلاثة أفضل منه وأيضا فقد انتظمت السياسة لمعاوية ما لم تنتظم لعلي فيلزم أن تكون رعية معاوية خيرا من رعية علي ورعية معاوية شيعة عثمان وفيهم النواصب المبغضون لعلي فتكون شيعة عثمان والنواصب أفضل من شيعة علي فيلزم على كل تقدير إما أن يكون الثلاثة أفضل من علي وإما أن تكون شيعة عثمان والنواصب أفضل من شيعة علي والروافض وأيهما كان لزم فساد مذهب الرافضة فإنهم يدعون أن عليا أكمل |
5 | 467 | من الثلاثة وأن شيعته الذين قاتلوا معه أفضل من الذين بايعوا الثلاثة فضلا عن أصحاب معاوية والمعلوم باتفاق الناس أن الأمر انتظم للثلاثة ولمعاوية ما لم ينتظم لعلي فكيف يكون الإمام الكامل والرعية الكاملة على رأيهم أعظم اضطرابا وأقل انتظاما من الإمام الناقص والرعية الناقصة بل من الكافرة والفاسقة على رأيهم ولم يكن في أصحاب علي من العلم والدين والشجاعة والكرم إلا ما هو دون ما في رعية الثلاثة فلم يكونوا أصلح في الدنيا ولا في الدين ومع هذا فلم يكن للشيعة إمام ذو سلطان معصوم بزعمهم أعظم من علي فإذا لم يستقيموا معه كانوا أن لا يستقيموا مع من هو دونه أولى وأحرى فعلم أنهم شر وأنقص من غيرهم وهم يقولون المعصوم إنما وجبت عصمته لما في ذلك من اللطف بالمكلفين والمصلحة لهم فإذا علم أن مصلحة غير الشيعة في كل زمان خير من مصلحة الشيعة واللطف لهم أعظم من اللطف للشيعة علم أن ما ذكروه من إثبات العصمة باطل وتبين حينئذ حاجة الأئمة إلى الأمة وأن الصديق هو الذي قال الحق وأقام العدل أكثر من غيره |
5 | 468 | فصل قال الرافضي وقال أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم فإن كانت إمامته حقا كانت استقالته منها معصية وإن كانت باطلة لزم الطعن والجواب أن هذا كذب ليس في شيء من كتب الحديث ولا له إسناد معلوم فإنه لم يقل وعلي فيكم بل الذي ثبت عنه في الصحيح أنه قال يوم السقيفة بايعوا أحد هذين الرجلين عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح فقال له عمر بل أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر كنت والله لأن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من تأمري على قوم فيهم أبو بكر ثم لو قال وعلي فيكم لاستخلفه مكان عمر فإن أمره كان مطاعا |
5 | 469 | وأما قوله إن كانت إمامته حقا كانت استقالته منها معصية فيقال إن ثبت أنه قال ذلك فإن كونها حقا إما بمعنى كونها جائزة والجائز يجوز تركه وإما بمعنى كونها واجبة إذا لم يولوا غيره ولم يقيلوه وأما إذا أقالواه وولوا غيره لم تكن واجبة عليه والإنسان قد يعقد بيعا أو إجارة ويكون العقد حقا ثم يطلب الإقالة وهو لتواضعه وثقل الحمل عليه قد يطلب الإقالة وإن لم يكن هناك من هو أحق بها منه وتواضع الإنسان لا يسقط حقه فصل قال الرافضي وقال عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ولو كانت إمامته صحيحة لم يستحق فاعلها القتل فيلزم تطرق الطعن إلى عمر وإن كانت باطلة لزم الطعن عليهما معا والجواب أن لفظ الحديث سيأتي قال فيه فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة فتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن وقي الله شرها وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر ومعناه أن بيعة أبي بكر بودر إليها من غير تريث ولا انتظار لكونه |
5 | 470 | كان متعينا لهذا الأمر كما قال عمر ليس فيكم من تقطع إليه الاعناق مثل أبي بكر وكان ظهور فضيلة أبي بكر على من سواه وتقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم له على سائر الصحابة أمرا ظهرا معلوما فكانت دلالة النصوص على تعيينه تغني عن مشاورة وانتظار وتريث بخلاف غيره فإنه لا تجوز مبايعته إلا بعد المشاورة والإنتظار والتريث فمن بايع غير أبي بكر عن غير انتظار وتشاور لم يكن له ذلك وهذا قد جاء مفسرا في حديث عمر هذا في خطبته المشهورة الثابتة في الصحيح التي خطب بها مرجعه من الحج في آخر عمره وهذه الخطبة معروفة عند أهل العلم وقد رواها البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال كنت اقرىء رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها إذ رجع إلى عبد الرحمن بن عوف |
5 | 471 | فقال لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت فغضب عمر ثم قال إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغضبوهم أمورهم فقال عبد الرحمن فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول مقالتك متمكنا فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها فقال عمر أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلت بالرواح حين زاغت |
5 | 472 | الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف فأنكر علي وقال ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب |
5 | 473 | الله إن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما أطرت النصاري عيسى بن مريم وقولوا عبد الله ورسوله ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو مات عمر لبايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة فتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل |
5 | 474 | أبي بكر من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم أقضوا أمركم فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت من هذا فقالوا هذا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا يوعك |
5 | 475 | فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحصنونا من الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت فقال ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب |
5 | 476 | نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر اللهم إلا أن تسول لي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الإختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة قال عمر وإنا والله |
5 | 477 | ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما أن نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا قال مالك وأخبرني ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن الرجلين اللذين لقياهما عويمر بن ساعدة ومعن بن عدي وهما ممن شهد بدرا قال ابن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب أن |
5 | 478 | الذي قال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب الحباب بن المنذر وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبوبكر بالسنح فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقال عمر والله ما كان يقع في قلبي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم فجاء أبو بكر رضي الله عنه فكشف عن رسول صلى الله عليه وسلم فقبله فقال بأبي وأمي طبت حيا وميتا والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا ثم خرج فقال أيها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبوبكر وأثنى عليه وقال ألا من كان يعبد محمدا فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقال الله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون |
5 | 479 | سورة الزمر وقال وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل أنقلبتم على أعاقبكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله سشيئا شيئا وسيجزي الله الشاكرين سورة آل عمران قال فنشج الناس يبكون واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول والله ما أردت بذلك إلا أني هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال حباب ابن المنذر لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر قتله الله وفي صحيح البخاري عن عائشة في هذه القصة قالت ما كان من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها لقد خوف عمر الناس وإن فيهم |
5 | 480 | لنفاقا فردهم الله بذلك ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم قال كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا يريد بذلك أن يكون آخرهم فإن يكن محمد قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به به هدى الله محمدا وإن إبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين وإنه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه وكانت طائفة منهم قد بايعوه قيل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر وعنه قال سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة |
5 | 481 | وفي طريق أخرى لهذه الخطبة أما بعد فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسوله فخذوا به تهتدوا لما هدى الله به رسوله صلى الله عليه وسلم فصل قال الرافضي وقال أبو بكر عند موته ليتني كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل للأنصار في هذا الأمر حق وهذا يدل على أنه في شك من إمامته ولم تقع صوابا والجواب أن هذا كذب على أبي بكر رضي الله عنه وهو لم يذكر له إسنادا ومعلوم أن من احتج في أي مسألة كانت بشيء من النقل فلا بد أن يذكر إسنادا تقوم به الحجة فكيف بمن يطعن في السابقين الأولين بمجرد حكاية لا إسناد لها ثم يقال هذا يقدح فيما تدعونه من النص على علي فإنه لو كان قد |
5 | 482 | نص عل علي لم يكن للأنصار فيه حق ولم يكن في ذلك شك فصل قال الرافضي وقال عند احتضاره ليت أمي لم تلدني يا ليتني كنت تبنة في لبنة مع أنهم قد نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من محتضر يحتضر إلا ويرى مقعده من الجنة والنار والجواب أن تكلمه بهذا عند الموت غير معروف بل هو باطل فلا ريب بل الثابت عنه أنه لما احتضر وتمثلت عنده عائشة بقول الشاعر لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر فكشف عن وجهه وقال ليس كذلك ولكن قولي وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد سورة ق |
5 | 483 | ولكن نقل عنه أنه قال في صحته ليت أمي لم تلدني ونحو هذا قاله خوفا إن صح النقل عنه ومثل هذا الكلام منقول عن جماعة أنهم قالوه خوفا وهيبة من أهوال يوم القيامة حتى قال بعضهم لو خيرت بين أن أحاسب وأدخل الجنة وبين أن أصير ترابا لاخترت أن أصير ترابا وروى الإمام أحمد عن أبي ذر أنه قال والله لوددت أني شجرة تعضد وقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء قال حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا محمد بن علي الصائغ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية حدثنا السري بن يحيى قال قال عبد الله بن مسعود لو وقفت بين الجنة والنار فقيل لي اختر في أيهما تكون أو تكون رمادا لاخترت أن أكون رمادا وروى الإمام أحمد بن حنبل حدثنا يحيي بن سعيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال قال رجل عند عبد الله بن مسعود ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين أكون من المقربين أحب إلي فقال عبد الله بن مسعود لكن ها هنا رجل ود أنه إذا مات لم يبعث يعني نفسه والكلام في مثل هذا هل هو مشروع أم لا له موضع آخر لكن |
5 | 484 | الكلام الصادر عن خوف العبد من الله يدل على إيمانه بالله وقد غفر الله لمن خافه حين أمر أهله بتحريقه وتذرية نصفه في البر ونصفه في البحر مع أنه لم يعمل خيرا قط وقال والله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه وقال ما حملك على ما صنعت قال من خشيتك يا رب فغفر له أخرجاه في الصحيحين فإذا كان مع شكه في القدرة والمعاد إذا فعل ذلك غفر له بخوفه من الله علم أن الخوف من الله من أعظم أسباب المغفرة للأمور الحقيقية إذا قدر أنها ذنوب فصل قال الرافضي وقال أبو بكر ليتني في ظلة بني ساعدة ضربت بيدي على يد أحد الرجلين فكان هو الأمير وكنت |
5 | 485 | الوزير قال وهو يدل على أنه لم يكن صالحا يرتضي لنفسه الإمامة والجواب أن هذا إن كان قاله فهو أدل دليل على أن عليا لم يكن هو الإمام وذلك إن قائل هذا إنما يقوله خوفا من الله أن يضيع حق الولاية وأنه إذا ولى غيره وكان وزيرا له كان أبرأ لذمته فلو كان علي هو الإمام لكانت توليته لأحد الرجلين إضاعة للإمامة أيضا وكان يكون وزيرا لظالم غيره وكان قد باع آخرته بدنيا غيره وهذا لا يفعله من يخاف الله ويطلب براءة ذمته وهذا كما لو كان الميت قد وصى بديون فاعتقد الوارث أن المستحق لها شخص فأرسلها إليه مع رسوله ثم قال يا ليتني أرسلتها مع من هو أدين منه خوفا أن يكون الرسول الأول مقصرا في الوفاء تفريطا أو خيانة وهناك شخص حاضر يدعي أنه المستحق للدين دون ذلك الغائب فلو علم الوارث أنه المستحق لكان يعطيه ولا يحتاج إلى الإرسال به إلى ذلك الغائب فصل قال الرافضي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في |
5 | 486 | مرض موته مرة بعد أخرى مكررا لذلك أنفذوا جيش أسامة لعن الله المتخلف عن جيش أسامة وكان الثلاثة معه ومنع أبو بكر وعمر من ذلك والجواب أن هذا من الكذب المتفق على أنه كذب عند كل من يعرف السيرة ولم ينقل أحد من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر أو عثمان في جيش أسامة وإنما روي ذلك في عمر وكيف يرسل أبا بكر في جيش أسامة وقد استخلفه يصلي بالمسلمين مدة مرضه وكان ابتداء مرضه من يوم الخميس إلى الخميس إلى يوم الإثنين اثني عشر يوما ولم يقدم في الصلاة بالمسلمين إلا أبا بكر بالنقل المتواتر ولم تكن الصلاة التي صلاها أبو بكر بالمسلمين في مرض النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ولا صلاتين ولا صلاة يوم ولا يومين حتى يظن ما تدعيه الرافضة من التلبيس وأن عائشة قدمته بغير أمره بل كان يصلي بهم مدة مرضه فإن الناس متفقون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل بهم في مرض موته إلا أبو بكر وعلي أنه صلى بهم عدة أيام وأقل ما قيل إنه صلى بهم سبعة عشرة صلاة صلى بهم صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة وخطب بهم يوم الجمعة |
5 | 487 | هذا مما تواترت به الأحاديث الصحيحة ولم يزل يصلي بهم إلى فجر يوم الاثنين صلى بهم صلاة الفجر وكشف النبي صلى الله عليه وسلم الستارة فرآهم يصلون خلف أبي بكر فلما رأوه كادوا يفتنون في صلاتهم ثم أرخى الستارة وكان ذلك آخر عهدهم به وتوفي يوم الإثنين حين اشتد الضحى قريبا من الزوال وقد قيل إنه صلى به أكثر من ذلك من الجمعة التي قبل فيكون قد صلى بهم مدة مرضه كلها لكن خرج النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة واحدة لما وجد خفة في نفسه فتقدم وجعل أبا بكر عن يمينه فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس يأتمون بأبي بكر وقد كشف الستارة يوم الإثنين صلاة الفجر وهم يصلون خلف أبي بكر ووجهه صلى الله عليه وسلم كأنه ورقة مصحف فسر بذلك لما رأى اجتماع الناس في الصلاة خلف أبي بكر ولم يروه بعدها وقد قيل إن آخر صلاة صلاها كانت خلف أبي بكر وقيل صلى خلفه غيرها فكيف يتصور أن يأمره بالخروج في الغزاة وهو يأمره بالصلاة بالناس |
5 | 488 | وأيضا فإنه جهز جيش أسامة قبل أن يمرض فإنه أمره على جيش عامتهم المهاجرون منهم عمر بن الخطاب في آخر عهده صلى الله عليه وسلم وكانوا ثلاثة آلاف وأمره أن يغير على أهل مؤتة وعلى جانب فلسطين حيث أصيب أبوه وجعفر وابن رواحة فتجهز أسامة ابن زيد للغزو وخرج في ثقله إلى الجرف وأقام بها أياما لشكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فقال اغد على بركة الله والنصر والعافية ثم أغر حيث أمرتك أن تغير قال أسامة يا رسول الله قد أصبحت ضعيفا وأرجو أن يكون الله قد عافاك فاذن لي فأمكث حتى يشفيك الله فإني إن خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي نفسي منك قرحة وأكره أن أسأل عنك الناس فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأيام فلما جلس أبو بكر للخلافة أنفذه مع ذلك الجيش غير أنه استأذنه في أن يأذن لعمر بن الخطاب في الإقامة لأنه ذو رأي ناصح للإسلام فأذن له وسار أسامة لوجهه الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب في ذلك العدو مصيبة عظيمة وغنم هو وأصحابه وقتل قاتل أبيه وردهم الله سالمين إلى المدينة |
5 | 489 | وإنما أنفذ جيش أسامة أبوبكر الصديق بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقال لا أحل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار عليه غير واحد أن يرد الجيش خوفا عليهم فإنهم خافوا أن يطمع الناس في الجيش بموت النبي صلى الله عليه وسلم فامتنع أبو بكر من رد الجيش وأمر بإنفاذه فلما رآهم الناس يغزون عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك مما أيد الله به الدين وشد به قلوب المؤمنين وأذل به الكفار والمنافقين وكان ذلك من كمال معرفة أبي بكر الصديق وإيمانه ويقينه وتدبيره ورأيه فصل قال الرافضي وأيضا لم يؤل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ألبتة عملا في وقته بل ولى عليه عمرو بن العاص تارة وأسامة أخرى ولما أنفذه بسورة براءة رده بعد ثلاثة أيام بوحي من الله وكيف يرتضي العاقل إمامة من لا يرتضيه النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله لأداء عشر آيات من براءة |
5 | 490 | والجواب أن هذا من أبين الكذب فإنه من المعلوم المتواتر عند أهل التفسير والمغازي والسير والحديث والفقه وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل أبا بكر على الحج عام تسع وهو أول حج كان في الإسلام من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن قبله حج في الإسلام إلا الحجة التي أقامها عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية من مكة فإن مكة فتحت سنة ثمان أقام الحج ذلك العام عتاب بن أسيد الذي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على أهل مكة ثم أمر أبا بكر سنة تسع للحج بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك وفيها أمر أبا بكر بالمناداة في الموسم أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولم يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر على مثل هذه الولاية فولاية أبي بكر كانت من خصائصه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر على الحج أحد كتأمير أبي بكر ولم يستخلف على الصلاة أحدا كاستخلاف أبي بكر وكان علي من رعيته في هذه الحجة فإنه لحقه فقال أمير أو مأمور فقال علي بل مأمور وكان علي يصلي خلف أبي بكر مع سائر المسلمين في هذه الولاية ويأتمر لأمره كما يأتمر له سائر من معه ونادى علي مع الناس في هذه الحجة بأمر أبي بكر وأما ولاية غير أبي بكر فكانت مما يشاركه فيها غيره كولاية علي |
5 | 491 | وغيره فلم يكن لعلي ولاية إلا ولغيره مثلها بخلاف ولاية أبي بكر فإنها من خصائصه ولم يول النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر لا أسامة بن زيد ولا عمرو بن العاص فأما تأمير أسامة عليه فمن الكذب المتفق على كذبه وأما قصة عمرو بن العاص فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أرسل عمرا في سرية وهي غزوة ذات السلاسل وكانت إلى بني عذرة وهم أخوال عمرو فأمر عمرا ليكون ذلك سببا لإسلامهم للقرابة التي له منهم ثم أردفه بأبي عبيدة ومعه أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين وقال تطاوعا ولا تختلفا فلما لحق عمرا قال أصلي بأصحابي وتصلي بأصحابك قال بل أنا أصلي بكم فإنما أنت مدد لي فقال له أبو عبيدة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أطاوعك فإن عصيتني أطعتك قال فإنى أعصيك فأراد عمرو أن ينازعه في ذلك فأشار عليه أبو بكر أن لا يفعل ورأى أبو بكر أن ذلك أصلح للأمر فكانوا يصلون خلف عمرو مع علم كل أحد أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة أفضل من عمرو |
5 | 492 | وكان ذلك لفضلهم وصلاحهم لأن عمرا كانت إمارته قد تقدمت لأجل ما في ذلك من تآلف قومه الذين أرسل إليهم لكونهم أقاربه ويجوز تولية المفضول لمصلحة راجحة كما أمر أسامة بن زيد ليأخذ بثأر أبيه زيد بن حارثة لما قتل في غزوة مؤتة فكيف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر على أبي بكر أحدا في شيء من الأمور بل قد علم بالنقل العام المتواتر أنه لم يكن أحد عنده أقرب إليه ولا أخص به ولا أكثر اجتماعا به ليلا و نهارا سرا وعلانية من أبي بكر |
5 | 493 | ولا كان أحد من الصحابة يتكلم بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم قبله فيأمر فيأمر وينهى ويخطب ويفتي يوقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك راضيا بما يفعل ولم يكن ذلك تقدما بين يديه بل بإذن منه قد علمه وكان ذلك معونة للنبي صلى الله عليه وسلم وتبليغا عنه وتنفيذا لأمره لأنه كان أعلمهم بالرسول وأحبهم إلى الرسول واتبعهم له وأما قول الرافضي إنه لما أنفذه ببراءة رده بعد ثلاثة أيام فهذا من الكذب المعلوم أنه كذب فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أبا بكر على الحج ذهب كما أمره وأقام الحج في ذلك العام عام تسع للناس ولم يرجع إلى المدينة حتى قضى الحج وأنفذ فيه ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم فإن المشركين كانوا يحجون البيت وكانوا يطوفون بالبيت عراة وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين عهود مطلقة فبعث أبا بكر وأمره أن ينادي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فنادى بذلك من أمره أبو بكر بالنداء ذلك العام وكان علي بن أبي طالب من جملة من نادى بذلك في الموسم بأمر أبي بكر ولكن لما خرج أبو بكر أردفه النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب لينبذ إلى المشركين العهود قالوا وكان من عادة العرب أن لا يعقد العهود ولا يفسخها إلا المطاع أو رجل من أهل بيته فبعث عليا لأجل فسخ العهود التي كانت مع المشركين خاصة لم يبعثه لشيء آخر ولهذا كان علي يصلي خلف |
5 | 494 | أبي بكر ويدفع بدفعه في الحج كسائر رعية أبي بكر الذين كانوا معه في الموسم وكان هذا بعد غزوة تبوك واستخلافه له فيها على من تركه بالمدينة وقوله له أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ثم بعد هذا أمر أبا بكر على الموسم وأردفه بعلي مأمورا عليه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان هذا مما دل على أن عليا لم يكن خليفة له إلا مدة مغيبه عن المدينة فقط ثم أمر أبا بكر عليه عام تسع ثم إنه بعد هذا بعث عليا وأبا موسى الأشعري ومعاذا إلى اليمن فرجع علي وأبو موسى إليه وهو بمكة في حجة الوداع وكل منهما قد أهل بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم فأما معاذ فلم يرجع إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فصل قال الرافضي وقطع يسار سارق ولم يعلم أن القطع لليد اليمنى والجواب أن قول القائل إن أبا بكر يجهل هذا من أظهر الكذب ولو قدر أن أبا بكر كان يجيز ذلك لكان ذلك قولا سائغا |
5 | 495 | لأن القرآن ليس في ظاهره ما يعين اليمين لكن تعيين اليمين في قراءة ابن مسعود فاقطعوا أيمانهما وبذلك مضت السنة ولكن أين النقل بذلك عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قطع اليسرى وأين الإسناد الثابت بذلك وهذه كتب أهل العلم بالآثار موجودة ليس فيها ذلك ولا نقل أهل العلم بالإختلاف ذلك قولا مع تعظيمهم لأبي بكر رضي الله عنه فصل قال الرافضي وأحرق الفجاءة السلمي بالنار وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحراق بالنار الجواب أن الإحراق بالنار عن علي أشهر وأظهر منه عن أبي بكر وأنه قد ثبت في الصحيح أن عليا أتى بقوم زنادقة من غلاة الشيعة فحرقهم بالنار فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار لنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله ولضربت أعناقهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه |
5 | 496 | فبلغ ذلك عليا فقال ويح ابن أم الفضل ما أسقطه على الهنات فعلي حرق جماعة بالنار فإن كان ما فعله أبو بكر منكرا ففعل علي أنكر منه وإن كان فعل علي مما لا ينكر مثله على الأئمة فأبو بكر أولى أن لا ينكر عليه فصل قال الرافضي وخفي عليه أكثر أحكام الشريعة فلم يعرف حكم الكلالة وقال أقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان وقضى في الجد بسبعين قضية وهو يدل على قصوره في العلم والجواب أن هذا من أعظم البهتان كيف يخفى عليه أكثر أحكام الشريعة ولم يكن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم من يقضي ويفتي إلا هو ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مشاورة لأحد من أصحابه منه له ولعمر ولم يكن أحد أعظم اختصاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم منه ثم عمر |
5 | 497 | وقد ذكر غير واحد مثل منصور بن عبد الجبار السمعاني وغيره إجماع أهل العلم على أن الصديق أعلم الأمة وهذا بين فإن الأمة لم تختلف في ولايته في مسألة إلا فصلها هو بعلم يبينه لهم وحجة يذكرها لهم من الكتاب والسنة كما بين لهم موت النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيتهم على الإيمان وقراءته عليهم الآية ثم بين لهم موضع دفنه وبين لهم قتال مانعي الزكاة لما استراب فيه عمر وبين لهم أن الخلافة في قريش في سقيفة بني ساعدة لما ظن من ظن أنها تكون في غير قريش وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على أول حجة حجت من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وعلم المناسك أدق ما في العبادات ولولا سعة علمه بها لم يستعمله وكذلك الصلاة استخلفه فيها ولولا علمه بها لم يستخلفه ولم يستخلف غيره لا في حج ولا في صلاة وكتاب الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه أنس من أبي بكر وهو أصح ما روي فيها وعليه اعتمد الفقهاء وفي الجملة لا يعرف لأبي بكر مسسائل من الشريعة غلط فيها وقد عرف لغيره مائل كثيرة كما بسط في موضعه وقد تنازعت الصحابة بعده في مسائل مثل الجد والإخوة ومثل |
5 | 498 | العمرتين ومثل العول وغير ذلك من مسائل الفرائض وتنازعوا في مسألة الحرام والطلاق الثلاث بكلمة والخلية والبرية والبتة وغير ذلك من مسائل الطلاق وكذلك تنازعوا في مسائل صارت مسائل نزاع بين الأمة إلى اليوم وكان تنازعهم في خلافة عمر نزاع اجتهاد محض كل منهم يقر صاحبه على اجتهاده كتنازع الفقهاء أهل العلم والدين وأما في خلافة عثمان فقوى النزاع في بعض الأمور حتى صار يحصل كلام غليظ من بعضهم لبعض ولكن لم يقاتل بعضهم بعضا باليد ولا بسيف ولا غيره وأما في خلافة علي فتغلظ النزاع حتى تقاتلوا بالسيوف |
5 | 499 | وأما في خلافة أبي بكر فلم يعلم أنه استقر بينهم نزاع في مسألة واحدة من مسائل الدين وذلك لكمال علم الصديق وعدله ومعرفته بالأدلة التي تزيل النزاع فلم يكن يقع بينهم نزاع إلا أظهر الصديق من الحجة التي تفصل النزاع ما يزول معها النزاع وكان عامة الحجج الفاصلة للنزاع يأتي بها الصديق ابتداء وقليل من ذلك يقوله عمر أو غيره فيقره أبو بكر الصديق وهذا مما يدل على أن الصديق ورعيته أفضل من عمر ورعيته وعثمان ورعيته وعلي ورعيته فإن أبا بكر ورعيته أفضل الأئمة والأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم الأقوال التي خولف فيها الصديق بعد موته قوله فيها أرجح من قول من خالفه بعد موته وطرد ذلك الجد والإخوة فإن قول الصديق وجمهور الصحابة وأكابرهم أنه يسقط الإخوة وهو قول طوائف من العلماء وهو مذهب أبي حنيفة وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد كأبي العباس بن سريج من الشافعية وأبي حفص البرمكي من الحنابلة ويذكر ذلك رواية عن أحمد والذين قالوا بتوريث الإخوة مع الجد كعلي وزيد وابن مسعود اختلفوا اختلافا معروفا وكل منهم قال قولا خالفه فيه الآخر وانفرد بقوله عن سائر الصحابة وقد بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع |
5 | 500 | في مصنف مفرد وبينا أن قول الصديق وجمهور الصحابة هو الصواب وهو القول الراجح الذي تدل عليه الأدلة الشرعية من وجوه كثيرة ليس هذا موضع بسطها وكذلك ما كان عليه الأمر في زمن صديق الأمة رضي الله عنه من جواز فسخ الحج إلى العمرة بالتمتع وأن من طلق ثلاثا بكلمة واحدة لا يلزمه إلا طلقة واحدة هو الراجح دون من يحرم الفسخ ويلزم بالثلاث فإن الكتاب والسنة إنما يدل على ما كان عليه الأمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر دون القول المخالف لذلك ومما يدل على كمال حال الصديق وأنه أفضل من كل من ولى الأمة بل وممن ولى غيرها من الأمم بعد الأنبياء أنه من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الأولين والأخرين وأفضل من سائر الخلق من جميع العالمين وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء ويكثرون قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال فوا بيعة الأول فالأول ومن المعلوم أنه من تولى بعد الفاضل إذا كان فيه نقص كثير عن |
5 | 501 | سياسة الأول ظهر ذلك النقص ظهورا بينا وهذا معلوم من حال الولاة إذا تولى ملك بعد ملك أو قاض بعد قاض أو شيخ بعد شيخ أو غير ذلك فإن الثاني إذا كان ناقص الولاية نقصا بينا ظهر ذلك فيه وتغيرت الأمور التي كان الأول قد نظمها وألفها ثم الصديق تولى بعد أكمل الخلق سياسة فلم يظهر في الإسلام نقص بوجه من الوجوه بل قاتل المرتدين حتى عاد الأمر إلى ما كان عليه وأدخل الناس في الباب الذي خرجوا منه ثم شرع في قتال الكفار من أهل الكتاب وعلم الأمة ما خفي عليهم وقواهم لما ضعفوا وشجعهم لما جبنوا وسار فيهم سيرة توجب صلاح دينهم ودنياهم فأصلح الله بسببه الأمة في علمهم وقدرتهم ودينهم وكان ذلك مما حفظ الله به على الأمة دينها وهذا مما يحقق أنه أحق الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قول الرافضي لم يعرف حكم الكلالة حتى قال فيها برأيه فالجواب أن هذا من أعظم علمه فإن هذا الرأي الذي رآه في الكلالة قد اتفق عليه جماهير العلماء بعده فإنهم أخذوا في الكلالة بقول أبي بكر بكر وهو من لا ولد له ولا والد والقول بالرأي هو معروف عن سائر الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وابن معروف عن سائر الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل لكن الرأي الموافق للحق هو الذي يكون لصاحبه |
5 | 502 | أجران كرأي الصديق فإن هذا خير من الرأي الذي غاية صاحبه أن يكون له أجر واحد وقد قال قيس بن عباد لعلي أرأيت مسيرك هذا ألعهد عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أم رأى رأيته فقال بلى رأي رأيته رواه أبو داود وغيره فإذا كان مثل هذا الرأى الذي حصل به من سفك الدماء ما حصل لا يمنع صاحبه أن يكون إماما فكيف بذلك الرأي الذي اتفق جماهير العلماء على حسنه وأما ما ذكره من قضائه في الجد بسبعين قضية فهذا كذب وليس هو قول أبي بكر ولا نقل هذا عن أبي بكر بل نقل هذا عن أبي |
5 | 503 | بكر يدل على غاية جهل هؤلاء الروافض وكذبهم ولكن نقل بعض الناس عن عمر أنه قضى في الجد بسبعين قضية ومع هذا هو باطل عن عمر فإنه لم يمت في خلافته سبعون جدا كل منهم كان لابن ابنه إخوة وكانت تلك الوقائع تحتمل سبعين قولا مختلفة بل هذا الاختلاف لا يحتمله كل جد في العالم فعلم أن هذا كذب وأما مذهب أبي بكر في الجد فإنه جعله أبا وهو قول بضعة عشر من الصحابة وهو مذهب كثير من الفقهاء كأبي حنيفة وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد كأبي حفص البرمكي ويذكر رواية عن أحمد كما تقدم وهو أظهر القولين في الدليل ولهذا يقال لا يعرف لأبي بكر خطأ في الفتيا بخلاف غيره من الصحابة فإن قوله في الجد أظهر القولين والذين ورثوا الإخوة مع الجد وهم علي وزيد وابن مسعود وعمر في إحدى الروايتين عنه تفرقوا في ذلك وجمهور الفقهاء على قول زيد وهو قول مالك والشافعي وأحمد فالفقهاء في الجد إما على قول أبي بكر وإما على قول زيد الذي أمضاه عمر ولم يذهب أحد من أئمة الفتيا إلى قول علي في الجد وذلك مما يبين أن الحق لا يخرج عن أبي بكر وعمر فإن زيدا قاضي عمر مع أن قول أبي بكر أرجح من قول زيد |
5 | 504 | وعمر كان متوقفا في الجد وقال ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهن لنا الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا وذلك لأن الله تعالى سمى الجد أبا في غير موضع من كتابه كما قال تعالى أخرج أبويكم من الجنة سورة الأعراف وقوله ملة أبيكم إبراهيم سورة الحج وقد قال يا بني إسرائيل يا بني آدم في غير موضع وإذا كان ابن الابن ابنا كان أبو الأب أبا ولأن الجد يقوم مقام الأب في غير مورد النزاع فإنه يسقط ولد الأم كالأب ويقدم على جميع العصبات سوى البنين كالأب ويأخذ مع الولد السدس كالأب ويجمع له بين الفرض والتعصيب مع البنات كالأب وأما في العمريتين زوج وأبوين وزوجة وأبوين فإن الأم تأخذ ثلث الباقي والباقي للآب ولو كان معها جد لأخذت الثلث كله عند جمهور الصحابة والعلماء إلا ابن مسعود لأن الأم أقرب من الجد |
5 | 505 | وإنما الجدة نظير الجد والأم تأخذ مع الأب الثلث والجدة لا تأخذ مع الجد إلا السدس وهذا مما يقوى به الجد ولأن الإخوة مع الجد الأدنى كالأعمام مع الجد الأعلى وقد وقد اتفق المسلمون على أن الجد الأعلى يقدم على الأعمام فكذلك الجد الأدنى يقدم على الإخوة لأن نسبة الإخوة إلى الجد الأدنى كنسبة الأعمام إلى الجد الأعلى ولأن الأخوة لو كانوا لكونهم بني الأب يشاركون الجد لكان بنو الإخوة كذلك كما يقوم بنو البنين مقام آبائهم ولما كان بنو الإخوة لا يشاركون الجد كان آباؤهم الإخوة كذلك وعكسه البنون لما كان الجد يفرض له مع البنين فرض له مع بني البنين وأما الحجة التي تورى عن علي وزيد في أن الإخوة يشاركون الجد حيث شبهوا ذلك بأصل شجرة خرج منها فرع خرج منه غصنان فأخذ الغصنين أقرب إلى الآخر منه إلى الأصل وبنهر خرج منه نهر آخر ومنه جدولان فأحدهما إلى الآخر أقرب من الجدول إلى النهر الأول فمضمون هذه الحجة أن الإخوة أقرب إلى الميت من الجد ومن تدبر أصول الشريعة علم أن حجة أبي بكر وجمهور الصحابة لا تعارضها هذه الحجة فإن هذه لو كانت صحيحة لكان بنو الأخ أولى من الجد ولكان العم أولى من جد الأب فإن نسبة الإخوة من الأب إلى |
5 | 506 | الجد أبي الأب كنسبة الأعمام بني الجد الأعلى إلى الجد الأعلى جد الأب فلما أجمع المسلمون على أن الجد أولى من الأعمام كان الجد الأدنى أولى من الإخوة وهذه حجة مستقلة تقتضي ترجيح الجد على الإخوة وأيضا فالقائلون بمشاركة الإخوة للجد لهم أقوال متعارضة متناقضة لا دليل على شيء منها كما يعرف ذلك من يعرف الفرائض فعلم أن قول أبي بكر في الجد أصح الأقوال كما أن قوله دائما أصح الأقوال فصل قال الرافضي فأي نسبة له بمن قال سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عن طرق السماء فإني أعرف بها من طرق الأرض قال أبو البختري رأيت عليا صعد المنبر بالكوفة وعليه مدرعة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إصبعه خاتم رسول الله صلى |
5 | 507 | الله عليه وسلم فقعد على المنبر وكشف عن بطنه فقال سلوني من قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ما زقني رسول الله صلى الله عليه وسلم زقا من غير وحي إلى فوالله لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الله التوراة والإنجيل فتقول صدق علي قد أفتاكم بما أنزل الله في وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون والجواب أما قول علي سلوني فإنما كان يخاطب بهذا أهل الكوفة ليعلمهم العلم والدين فإن غالبهم كانوا جهالا لم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وأما أبو بكر فكان الذين حول منبره هم أكابر |
5 | 508 | أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين تعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم والدين فكانت رعية أبي بكر أعلم الأمة وأدينها وأما الذين كان علي يخاطبهم فهم من جملة عوام الناس التابعين وكان كثير منهم من شرار التابعين ولهذا كان علي رضي الله عنه يذمهم ويدعو عليهم وكان التابعون بمكة والمدينة والشام والبصرة خيرا منهم وقد جمع الناس الأقضية والفتاوي المنقولة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فوجدوا أصوبها وأدلها على علم صاحبها أمور أبي بكر ثم عمر ولهذا كان ما يوجد من الأمور التي وجد نص يخالفها عن عمر أقل مما وجد عن علي وأما أبو بكر فلا يكاد يوجد نص يخالفه وكان هو الذي يفصل الأمور المشتبهة عليهم ولم يكن يعرف منهم اختلاف على عهده وعامة ما تنازعوا فيه من الأحكام كان بعد أبي بكر والحديث المذكور عن علي كذب ظاهر لا تجوز نسبة مثله إلى علي فإن عليا أعلم بالله وبدين الله من أن يحكم بالتوراة والإنجيل إذ كان المسلمون متفقين على أنه لا يجوز لمسلم أن يحكم بين أحد إلا بما أنزل الله في القرآن وإذا تحاكم اليهود والنصارى إلى المسلمين لم يجز لهم أن يحكموا بينهم إلا بما أنزل الله في القرآن كما قال تعالى يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب |
5 | 509 | سماعون لقوم آخرين لم يأتوك سورة المائدة إلى قوله تعالى فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين سورة المائدة إلى قوله فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا سورة المائدة إلى قوله وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله من أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون سورة المائدة وإذا كان من المعلوم بالكتاب والسنة والإجماع أن الحاكم بين اليهود والنصارى لا يجوز أن يحكم بينهم إلا بما أنزل الله على محمد سواء وافق ما بأيديهم من التوراة والإنجيل أو لم يوافقه كان من نسب عليا إلى أنه يحكم بالتوراة والإنجيل بين اليهود والنصارى أو يفتيهم بذلك ويمدحه بذلك إما أن يكون من أجهل الناس بالدين وبما يمدح به صاحبه وإما أن يكون زنديقا ملحدا أراد القدح في علي بمثل هذا الكلام الذي يستحق صاحبه الذم والعقاب دون المدح والثواب |
5 | 510 | فصل قال الرافضي وروى البيهقي بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب فأثبت له ما تفرق فيهم والجواب أن يقال أولا أين إسناد هذا الحديث والبيهقي يروي في الفضائل أحاديث كثيرة ضعيفة بل موضوعة كما جرت عادة أمثاله من أهل العلم ويقال ثانيا هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله صلى الله |
5 | 511 | عليه وسلم بلا ريب عند أهل العلم بالحديث ولهذا لا يذكره أهل العلم بالحديث وإن كانوا حراصا على جمع فضائل علي كالنسائي فإنه قصد أن يجمع فضائل علي في كتاب سماه الخصائص والترمذي قد ذكر أحاديث متعددة في فضائله وفيها ما هو ضعيف بل موضوع ومع هذا لم يذكروا هذا ونحوه فصل قال الرافضي قال أبو عمر الزاهد قال أبو العباس لا نعلم أحدا قال بعد نبيه سلوني من شيث إلى محمد إلا علي فسأله الأكابر أبو بكر وعمر وأشباههما حتى انقطع |
5 | 512 | السؤال ثم قال بعد هذا يا كميل ابن زياد إن ههنا العلما جما لو أصبت له حملة والجواب أن هذا النقل إن صح عن ثعلب فثعلب لم يذكر له إسنادا حتى يحتج به وليس ثعلب من أئمة الحديث الذين يعرفون صحيحه من سقيمه حتى يقال قد صح عنده كما إذا قال ذلك أحمد أو يحيى ابن معين أو البخاري ونحوهم بل من هو أعلم من ثعلب من الفقهاء يذكرون أحاديث كثيرة لا أصل لها فكيف ثعلب وهو قد سمع هذا من بعض الناس الذين لا يذكرون ما يقولون عن أحد وعلي رضي الله عنه لم يكن يقول هذا بالمدينة لا في خلافة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان وإنما كان يقول هذا في خلافته في الكوفة ليعلم أولئك الذين لم يكونوا يعلمون ما ينبغي لهم علمه وكان هذا لتقصيرهم في طلب العلم وكان علي رضي الله عنه يأمرهم بطلب العلم والسؤال وحديث كميل بن زياد يدل على هذا فإن كميلا من النابغين لم |
5 | 513 | يصحبه إلا بالكوفة فدل على أنه كان يرى تقصيرا من أولئك عن كونهم حملة للعلم ولم يكن يقول هذا في المهاجرين والأنصار بل كان عظيم الثناء عليهم وأما أبو بكر فلم يسأل عليا قط عن شيء وأما عمر فكان يشاور الصحابة عثمان وعليا وعبد الرحمن وابن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم فكان علي من أهل الشورى كعثمان وابن مسعود وغيرهما ولم يكن أبو بكر ولا عمر ولا غيرهما من أكابر الصحابة يخصان عليا بسؤال والمعروف أن عليا أخذ العلم عن أبي بكر كما في السنن عن علي قال كنت إذا سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله به ما شاء أن ينفعني وإذا حدثني غيره حديثا استحلفته فإذا حلف لي صدقته وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له |
5 | 514 | فصل قال الرافضي وأهمل حدود الله فلم يقتص من خالد بن الوليد ولا حده حيث قتل مالك بن نويرة وكان مسلما وتزوج امرأته في ليلة قتله وضاجعها وأشار عليه عمر بقتله فلم يفعل والجواب أن يقال أولا أن كان ترك قتل قاتل المعصوم مما ينكر على الأئمة كان هذا من أعظم حجة شيعة عثمان على علي فإن عثمان خير من ملء الأرض من مثل مالك بن نوبرة وهو خليفة المسلمين وقد قتل مظلوما شهيدا بلا تأويل مسوغ لقتله وعلي لم يقتل قتلته وكان هذا من أعظم ما امتنعت به شيعة عثمان عن مبايعة علي |
5 | 515 | فإن كان علي له عذر شرعي في ترك قتل قتلة عثمان فعذر أبي بكر في ترك قتل قاتل مالك بن نويرة أقوى وإن لم يكن لأبي بكر عذر في ذلك فعلي أولى أن لا يكون له عذر في ترك قتل قتلة عثمان وأما ما تفعله الرافضة من الإنكار على أبي بكر في هذه القضية الصغيرة وترك إنكار ما هو أعظم منها على علي فهذا من فرط جهلهم وتناقضهم وكذلك إنكارهم على عثمان كونه لم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان هو من هذا الباب وإذا قال القائل علي كان معذورا في ترك قتل قتلة عثمان لأن شروط الإستيفاء لم توجد إما لعدم العلم بأعيان القتلة وإما لعجزه عن القوم لكونهم ذوي شوكة ونحو ذلك قيل فشروط الإستيفاء لم توجد في قتل قاتل مالك بن نويرة وقتل قاتل الهرمزان لوجود الشبهة في ذلك والحدود تدرأ بالشبهات |
5 | 516 | وإذا قالوا عمر أشار على أبي بكر بقتل خالد بن الوليد وعلي أشار على عثمان بقتل عبيد الله بن عمر قيل وطلحة والزبير وغيرهما أشاروا على علي بقتل قتلة عثمان مع أن الذين أشاروا على أبي بكر بالقود أقام عليهم حجة سلموا لها إما لظهور الحق معه وإما لكون ذلك مما يسوغ فيه الإجتهاد وعلي لما لم يوافق الذين أشاروا عليه بالقود جرى بينه وبينهم من الحروب ما قد علم وقتل قتلة عثمان أهون مما جرى بالجمل وصفين فإذا كان في هذا اجتهاد سائغ ففي ذلك أولى وإن قالوا عثمان كان مباح الدم قيل لهم فلا يشك أحد في أن إباحة دم مالك بن نويرة أظهر من إباحة دم عثمان بل مالك بن نويرة لا يعرف أنه كان معصوم الدم |
5 | 517 | ولم يثبت ذلك عندنا وأما عثمان فقد ثبت بالتواتر ونصوص الكتاب والسنة أنه كان معصوم الدم وبين عثمان ومالك بن نويرة من الفرق ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى ومن قال إن عثمان كان مباح الدم لم يمكنه أن يجعل عليا معصوم الدم ولا الحسين فإن عصمة دم عثمان أظهر من عصمة دم علي والحسين وعثمان أبعد عن موجبات القتل من علي والحسين وشبهة قتلة عثمان أضعف بكثير من شبهة قتلة علي والحسين فإن عثمان لم يقتل مسلما ولا قاتل أحدا على ولايته ولم يطلب قتال أحد على ولايته أصلا فإن وجب أن يقال من قتل خلقا من السلمين على ولايته إنه معصوم الدم وإنه مجتهد فيما فعله فلأن يقال عثمان معصوم الدم وإنه مجتهد فيما فعله من الأموال والولايات بطريق الأولى والأحرى |
5 | 518 | ثم يقال غاية ما يقال في قصة مالك ابن نويرة إنه كان معصوم الدم وإن خالدا قتله بتأويل وهذا لا يبيح قتل خالد كما أن أسامة ابن زيد لما قتل الرجل الذي قال لا إله إلا الله وقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله فأنكر عليه قتله ولم يوجب عليه قودا ولا دية ولا كفارة وقد روى محمد بن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس وقتادة أن هذه الآية قوله تعالى ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا الآية سورة النساء نزلت في شأن مرداس رجل من غطفان بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشا إلى قومه عليهم غالب الليثي ففر أصحابه ولم يفر قال إني مؤمن فصبحته الخيل فسلم عليهم فقتلوه وأخذوا غنمه فأنزل الله هذه الآية وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برد أمواله إلى أهله وبديته إليهم ونهى المؤمنين عن مثل ذلك وكذلك خالد بن الوليد قد قتل بني جذيمة متأولا ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ومع هذا فلم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان متأولا فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتله مع قتله غير واحد من |
5 | 519 | المسلمين من بني جذيمة للتأويل فلأن لا يقتله أبو بكر لقتله مالك ابن نويرة بطريق الأولى والأحرى وقد تقدم ما ذكره هذا الرافضي من فعل خالد ببني جذيمة وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتله فكيف لم يجعل ذلك حجة لأبي بكر في أن لا يقتله لكن من كان متبعا لهواه أعماه عن اتباع الهدى وقوله إن عمر أشار بقتله فيقال غاية هذا أن تكون مسألة اجتهاد كان رأي أبي بكر فيها أن لا يقتل خالدا وكان رأي عمر فيها قتله وليس عمر بأعلم من أبي بكر لا عند السنة ولا عند الشيعة ولا يجب على أبي بكر ترك رأيه لرأي عمر ولم يظهر بدليل شرعي أن قول عمر هو الراجح فكيف يجوز أن يجعل مثل هذا عيبا لأبي بكر إلا من هو من أقل الناس علما ودينا وليس عندنا أخبار صحيحة ثابتة بأن الأمر جرى على وجه يوجب قتل خالد وأما ما ذكره من تزوجه بامرأته ليلة قتله فهذا مما لم يعرفه ثبوته ولو ثبت لكان هناك تأويل يمنع الرجم والفقهاء مختلفون في عدة الوفاة هل تجب للكافر على قولين وكذلك تنازعوا هل يجب على الذمية عدة وفاة على قولين مشهورين للمسلمين بخلاف عدة الطلاق فإن تلك سببها الوطء فلا بد من براءة الرحم وأما عدة الوفاة فتجب |
5 | 520 | بمجرد العقد فإذا مات قبل الدخول بها فهل تعتد من الكافر أم لا فيه نزاع وكذلك إن كان دخل بها وقد حاضت بعد الدخول حيضة هذا إذا كان الكافر أصليا وأما المرتد إذا قتل أو مات على ردته ففي مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد ليس عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة لأن النكاح بطل بردة الزوج وهذه الفرقة ليست طلاقا عند الشافعي وأحمد وهي طلاق عند مالك وأبي حنيفة ولهذا لم يوجبوا عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة فإن كان لم يدخل بها فلا عدة عليها كما ليس عليها عدة من الطلاق ومعلوم أن خالدا قتل مالك بن نويرة لأنه رآه مرتدا فإذا كان لم يدخل بامرأته فلا عدة عليها عند عامة العلماء وإن كان قد دخل بها فإنه يجب عليها استبراء بحيضة لا بعدة كاملة في أحد قوليهم وفي الآخر بثلاث حيض وإن كان كافرا أصليا فليس على أمرأته عدة وفاة في أحد قوليهم وإذا كان الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت ومن الفقهاء من يجعل بعض الحيضة استبراء فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبراء لدلالته على براءة الرحم وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم وهذا مما حرمه الله ورسوله |
5 | 521 | فصل قال الرافضي وخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم في توريث بنت النبي صلى الله عليه وسلم ومنعها فدكا وتسمى بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يستخلفه والجواب أما الميراث فجميع المسلمين مع أبي بكر في ذلك ما خلا بعض الشيعة وقد تقدم الكلام في ذلك وبينا أن هذا من العلم الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن قول الرافضة باطل قطعا وكذلك ما ذكر من فدك والخلفاء بعد أبي بكر على هذا القول وأبو بكر وعمر لم يتعلقا من فدك ولا غيرها من العقار بشيء ولا أعطيا أهلهما من ذلك شيئا وقد أعطيا بني هاشم أضعاف أضعاف ذلك ثم لو احتج محتج بأن عليا كان يمنع المال ابن عباس وغيره من بني هاشم حتى أخذ ابن عباس بعض مال البصرة وذهب له لم يكن الجواب عن علي إلا بأنه إمام عادل قاصد للحق لا يتهم في ذلك وهذا الجواب هو في حق أبي بكر بطريق الأولى والأحرى وأبو بكر |
5 | 522 | أعظم محبة لفاطمة ومراعاة لها من علي لابن عباس وابن عباس بعلي أشبه من فاطمة بأبي بكر فإن فضل أبي بكر على فاطمة أعظم من فضل علي على ابن عباس وليس تبرئة الإنسان لفاطمة من الظن والهوى بأولى من تبرئة أبي بكر فإن أبا بكر إمام لا يتصرف لنفسه بل للمسلمين والمال لم يأخذه لنفسه بل للمسلمين وفاطمة تطلب لنفسها وبالضرورة نعلم أن بعد الحاكم عن اتباع الهوى أعظم من بعد الخصم الطالب لنفسه فإن علم أبي بكر وغيره بمثل هذه القضية لكثرة مباشرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم أعظم من علم فاطمة وإذا كان أبو بكر أولى بعلم مثل ذلك وأولى بالعدل فمن جعل فاطمة أعلم منه في ذلك وأعدل كان من أجهل الناس لا سيما وجميع المسلمين الذين لا غرض لهم هم مع أبي بكر في هذه المسألة فجميع أئمة الفقهاء عندهم أن الأنبياء لا يورثون مالا وكلهم يحب فاطمة ويعظم قدرها رضي الله عنها لكن لا يترك ما علموه من قول النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس ولم يأمرهم الله ورسوله أن يأخذوا دينهم من غير محمد صلى الله عليه وسلم لا عن أقاربه ولا عن غير أقاربه وإنما أمرهم الله بطاعة الرسول وأتباعه |
5 | 523 | وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال لا أفلح قوم ولوا أمرهم أمرأة فكيف يسوغ للأمة أن تعدل عما علمته من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يحكى عن فاطمة في كونها طلبت الميراث تظن أنها ترث فصل وأما تسميته بخليفة رسول الله فإن المسلمين سموه بذلك فإن كان الخليفة هو المستخلف كما ادعاه هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخلفه كما يقول ذلك من يقول من أهل السنة وإن كان |
5 | 524 | الخليفة هو الذي خلف غيره وإن كان لم يستخلفه ذلك الغير كما يقوله الجمهور لم يحتج في هذا الإسم إلى الإستخلاف والإستعمال الموجود في الكتاب والسنة يدل على أن هذا الإسم يتناول كل من خلف غيره سواء استخلفه أو لم يستخلفه كقوله تعالى ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعلمون سورة يونس وقوله تعالى وهو الذي جعلكم خلائف الأرض الآية سورة الإنعام وقال ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون سورة الزخرف وقوله واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح سورة الأعراف وفي القصة الأخرى خلفاء من بعد عاد سورة الأعراف وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي سورة الأعراف فهذا استخلاف وقال تعالى وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر سورة الفرقان وقال إن في اختلاف الليل والنهار سورة يونس أي هذا يخلف هذا وهذا يخلف هذا فهما يتعاقبان وقال موسى عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف |
5 | 525 | تعملون سورة الأعراف وقال تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم سورة النور وقال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة سورة البقرة وقال يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض سورة ص فغالب هذه المواضع ليكون الثاني خليفة عن الأول وإن كان الأول لم يستخلفه وسمي الخليفة خليفة لأنه يخلف من قبله والله تعالى جعله يخلفه كما جعل الليل يخلف النهار والنهار يخلف الليل ليس المراد أنه خليفة عن الله كما ظنه بعض الناس كما قد بسطناه في موضع آخر والناس يسمون ولاة أمور المسلمين الخلفاء وقال النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ومعلوم أن عثمان لم يستخلف عليا وعمر لم يستخلف واحدا معينا وكان يقول إن أستخلف فإن أبا بكر استخلف وإن لم استخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وكان مع هذا يقول لأبي بكر يا خليفة رسول الله وكذلك خلفاء بني أمية وبني العباس كثير منهم لم يستخلفه من قبله فعلم إن الإسم عام فيمن خلف غيره |
5 | 526 | وفي الحديث إن صح وددت أني رأيت أو قال رحمة الله على خلفائي قالوا ومن خلفاؤك يا رسول الله قال الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس وهذا إن صح من قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة في المسألة وإن لم يكن من قوله فهو يدل على أن الذي وضعه كان من عادتهم استعمال لفظ الخليفة فيمن خلف غيره وإن لم يستخلفه فإذا قام مقامه وسد مسده في بعض الأمور فهو خليفة عنه في ذلك الأمر تم بحمد الله |