د. نصر حامد أبو زيد
د. نصر حامد أبو زيد
ولد الدكتور نصر حامد أبو زيد في قرية " قُحافة " بتاريخ 10/7/1943م ،التابعة لطنطا – محافظة الغربية ،وكان والده ووالدته يعملان في زراعة أرض لا يملكانِها ، فهجرا الزراعة لتكاثر الأمراض عليهما ، واستأجرا دكانا صغيراً في القرية يبيعان فيها بعض الأغراض التي تلزم سكان القرية ، توفي عنه أبوه وهو في الرابعة عشرة من عمره ، وبعد حصوله على شهادة إتمام الدراسة الإعدادية ، التحق بمدرسة التعليم الصناعي ، وبعد إتمامه لمرحلة التعليم الصناعي التحق بالشرطة ، وعمل عاملاً فنياً في " لاسلكي بوليس النجدة " بالمحلة عام 1961م ، وخلال هذه الفترة استطاع أن يحصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية " نظام الثلاث سنوات " ، ثم التحق بكلية الآداب – جامعة القاهرة ، قسم اللغة العربية عام 1968م ، وتخرج فيها عام 1972م ، وعين سنة 1995 مدرسا بقسم اللغة العربية وآدابها في الكلية نفسها . تلقى في سنة 1975 - 1977 منحة من مؤسسة فورد الأمريكية !! للدراسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ، وفي سنة 1978 - 1979 تلقى منحة من مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية ..!! عمل بالتدريس في كلية الآداب – جامعة القاهرة ونقل منها إلى فرع الخرطوم بسبب مذكرات كتبها قيل إنه أنكر وجود الله فيها .
وفي سنة 1981م انتقل إلى وزارة الشئون الاجتماعية ، تاركا الجامعة والتدريس فيها ، إلى أن حصل على عقد عمل في اليابان لتعليم اللغة العربية في جامعة أوساكا للغات الأجنبية .. .
مَنَحَتهُ مؤسسة ابن رشد للفكر الحر جائزتها _ والتي تتخذ من برلين مقرا لها ـ وذلك عن مجمل أعماله التي وصفتها لجنة التحكيم في المؤسسة بأنها قراءة معاصرة للقرآن تقرب بين الفكر الإسلامي والحداثـة.
و في سنة 1995 عمل أستاذًا زائراً في جامعة ليدن بهولندا ، ,فجأة وبدون مقدمات أو علامات أصيب الدكتور أبو زيد بفيروس نادر الحدوث ؟؟! ، حار الأطباء في الخارج والداخل في التعرف عليه، هذا الفيروس أصاب خلايا مخه، فأتلفها بسرعة كبيرة وعجيبة ، بحيث أنه دخل في مراحل متعاقبة من النسيان ، ثم الهذيان ، ثم التَّوَهان ، ثم فقدان الذاكرة الجزئي ، ثم الكلي، ثم دخل بعد ذلك في غيبوبة تامة حتى هلك في صباح الاثنين 5 يوليو 1911م الموافق : 23 رجب 1431هـ .. ولم يحضر مراسم دفنه سوى بضعة أقراد .([1] )
وقد ترك عدة مؤلفا أثارت الجدل بين القراء والمثقفين ، وله أكثر من ( 30 ) مقالة ، نشرت في دوريات مختلفة ... ([2])
رد عليه كثيرون : منهم : الأستاذ محمد جلال كشك في " قراءة في فكر التبعية " ، وعبد الصبور شاهين في " قصة أبو زيد وانحسار العلمانية في جامعة القاهرة " ، و الدكتور رفعت عبد المطلب في " نقض كتاب نصر أبو زيد ودحض شبهاته " ، والدكتور سيد العفاني في " أعلام وأقزام " ، والدكتور محمد سالم أبو عاصي في رسالته " مقالتان في التأويل - معالم في المنهج ورصد للانحراف " ، و الدكتور عواد العنزي في رسالته " المعاد الأخروي وشبهات العلمانيين " ، والدكتور أحمد محمد الفاضل ، في كتابه : الاتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن – دراسة ونقد ، والأستاذ طارق منينه في رسالته " أقطاب العلمانية في العالم العربي والإسلامي " ،وكثير غيرهم .
مجمل جهالات د. نصر حامد أبو زيد :
الدكتور نصر أبو زيد ، عميل من عملاء الغزو الفكري ، حمَّلوه معولاّ للهدم ، ليدمر تراثنا العربي ، وعقيدتنا الإسلامية ، فأخذ يتقمم من شاذ الفكر ليصل إلى الهدف المرسوم له ، وما من جهالة ذكرها إلا وقال المبشرون والمستشرقون أضعافها ، إضافة إلى ممارسته دور المُزَوِّر حين يقول : )وليست العلمانية في جوهرها سوى التأويل الحقيقي والفهم العلمي للدين ، وليست ما يُرَوِّجُ له المبطلون !!؟؟ من أنها الإلحاد الذي يفصل الدين عن المجتمع ، والحياة (( [3] ) وقد تمثلت جهالات د. نصر حامد أبو زيد في مؤلفاته فيما يلي :
أولاً : طعونه في القرآن المجيد ، والسنة المطهرة ، ومن ذلك :
ادعاؤه أن القرآن المجيد ليس وحيًا من عند الله - سبحانه وتعالى - ، وإنكاره سابقة وجوده في اللوح المحفوظ ، وزعمه أنه ( مُنْتَجٌ ) ثقافي بيئي .أي أنه من إفرازات الثقافة العربية لبيئة الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، ومن إنتاج المجتمع الذي نشأ فيه الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، وصادر عنها ، فلا وَحي، ولا قداسة . يقول د. نصر أبو زيد: : ( إن النص في حقيقته وجوهره منتج ثقافي ، والمقصود بذلك: أنه تَشَكَّلَ في الواقع والثقافة خلال فترة تزيد على عشرين عامًا ، وإذا كانت هذه الحقيقة تبدو بديهية ومتفقًاً عليها !؟ فإن الإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق للنص ، يعود لكي يطمس هذه الحقيقة البديهية ، ويعكر من ثم إمكانية الفهم العلمي للنص)( [4] ) .
وهذا من المؤلف يبين بشكل قاطع أنه يرى أن القرآن ليس وحيًا من عند الله – سبحانه - ، وإنما هو منتج ثقافي ، ومأخوذ عن ثقافة البيئة العربية التي كان فيها محمد – صلى الله عليه وسلم - ، وقد قطع بذلك بوضوح شديد في قوله : ( فإن الإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق للنص يعود لكي يطمس هذه الحقيقة البديهية ، ويُعَكِّر من ثَمَّ إمكانية الفهم العلمي للنص ) .فهو إذن ليس مستمدًا من عند الله تعالى ، ولا وحيًا نزل به جبريل – عليه السلام - !! وإنما وبوضوح شديد : ( مستمد من الثقافة ومعبر عنها ) .
و يقول د. نصر حامد أبو زيد عن القرآن والسنة معًا :(هي نصوص لغوية تشكلت خلال فترة زادت على العشرين عامًا ، وحين نقول : تشكلت ، فإننا نقصد وجودها المتعين في الواقع والثقافة بقطع النظر عن أي وجود سابق لها في العلم الإلهي أو اللوح المحفوظ) ( [5] ) .وبهذا يكشف لنا الرجل عن عقيدته ، حين ينفى عن القرآن أي وجود سابق له في علم الله سبحانه ، وينفى عنه أي وجود له في ( اللوح المحفوظ ) .. أليس ذلك تكذيبًا للقرآن المجيد في قوله تعالى:( بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ . فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)[ البروج:21 – 22 ]
ثانيا - دعوته إلى الخروج على نصوص القرآن والتحرر منها ، ورفض الخضوع لها :
يقول د. نصر حامد أبو زيد في صفحة 110 من كتاب : ( الإمام الشافعي) : ( وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر ، لا من سلطة النصوص وحدها ، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا ، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورًا قبل أن يجرفنا الطوفان ) !!! .هذه هي النتيجة التي يريد المؤلف أن يصل إليها ، إنه يريد التحرر من النص ، ومن القرآن والسنة ، كأنهما قيدان يحولان دون تقدمه .
وهل انتهى الرجل عند التحرر من النص ؟ والجواب : لا .. إنه يريد أن يتحرر ( لا من سلطة مُنَزِّلّ النصوص وحدها .. بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا هذا ) .وهل هناك سلطة فوق سلطة النصوص سوى سلطة منزل النصوص ومحييها - سبحانه وتعالى- ؟
إن الهدف الذي يسعى إليه المؤلف إنما هو التحرر من النصوص ومن مُنَزِّلْ النصوص .. إنه يريد التخلص من سلطان الله – سبحانه - إنه يدعو إلى التمرد على هذه السلطة .. لذا فإن كل من يعظم سلطان الله – تعالى - على الإنسان والوجود هو عدو للمؤلف .. ومن هنا فقد وقف المؤلف موقف العداء من الإمام الشافعي - رضي الله عنه - لأن الإمام الشافعي في اجتهاداته حول القياس والاستحسان ، إنما يردُّ كل قضية لم يرد فيها نص إلى ما يماثلها مما ورد فيه نص ، ويرجع بالأحكام إلى النص من كتاب أو سنة ، وهذا - في رأى المؤلف - يُمَكِّن من سلطان الله على الإنسان ، وهذا ما يبغضه المؤلف ، الذي يصور خضوع العبد لله بأنه خضوع العبد للسيد ، وهذا ما لا يرضاه د. نصر حامد أبو زيد ،الذي يقول :
( إن هذا الموقف - يقصد موقف الشافعي من القياس والاستحسان - يعكس رؤيته للعالم والإنسان ، وهى رؤية تجعل الإنسان مغلولاً دائمًا بمجموعة من الثوابت ، التي إذا فارقها حكم على نفسـه بالخروج من الإنسـانية ، وليست هـذه الرؤية للإنسان والعالم معزولة تمامًا عن مفهوم ( الحاكمية ) في الخطاب الديني السلفي المعاصر، حيث ينظر لعلاقة الله بالإنسان والعالم ، من منظور علاقة السيد بالعبد ، الذي لا يتوقع منه سوى الإذعان ) ( [6] ) ! .
فالمؤلف د. نصر حامد أبو زيد يرفض مرجعية الوحي الأعلى ، ويرفض الإذعان لحكم الله ، ويرفض أن ينظر إليه على أنه ( عبد ) لله ، وأن الله تعالى ( سيد ) له !! كما يرفض بإصرار شديد أن يعيش(مغلولاً ) ( بمجموعة من الثوابت ) أو بمعنى آخر ، يرفض أن يعيش خاضعاً لأوامر الله ونواهيه ، وما استقر في دين الله – تعالى - من فرائض وواجبات ، وحلال وحرام ، مما يسميه د. نصر حامد أبو زيد ( مجموعة من الثوابت ) ثم يدعو إلى التحرر منها ، وعدم الخضوع لها .. !
ولا يسبقن إلى الوهم أن مراد الكاتب من ( النص) التراث الفقهي فحسب ، فإنه قد صرح مراراً وفى مواضع عديدة ، أن مقصوده بالنص هو القرآن والسنة ، وعلى سبيل المثال : يقول في كتابه : ( الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية ) ( [7] ). (إن تثبيت قراءة النص الذي نزل متعددًا في قراءة قريش كان جزءًا من التوجه الآيديولوجي للإسلام لتحقيق السيادة القرشية ) !! ويقول ( إن النص الثانوي هو السنة النبوية ، وإن النص الأساسي هو القرآن )([8] ) ، والأمثلة على ذلك كثيرة ..
ثالثا : ادعاؤه عدم صلاحية الشرع الشريف – كتابًا وسنة – لوضع الحلول لكل القضايا والمشكلات التي تعرض للمسلمين حالاً ومستقبلاً ، ودعوته إلى طرح الكتاب والسنة ، وتجاهلهما حين البحث عن حلول لمشاكلنا :يقول د. نصر حامد أبو زيد : ( ويبدأ الشافعي بتقرير مبدأ على درجة عالية من الخطورة فحواه : أن الكتاب - القرآن الكريم -، يدل بطرق مختلفة على حلول لكل المشكلات والنوازل التي وقعت أو يمكن أن تقع في الحاضر أو في المستقبل على السواء .. وتكمن خطورة هذا المبدأ في أنه المبدأ الذي ساد تاريخنا العقلي والفكري ، وما زال يتردد حتى الآن في الخطاب الديني بكل اتجاهاته وتياراته وفصائله ، وهو المبدأ الذي حول العقل إلى عقل تابع ، يقتصر دوره على تأويل النص ، واشتقاق الدلالة منه) ( [9] ) .
فالمؤلف هنا يجحد قول الله تعالى : ( ......... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [ النحل : 89 ] ،ويكفر بقوله سبحانه : ( ......مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ.... ) [ الأنعام : 38 ] .
والمؤلف فوق كفره بهذه الآيات وغيرها مما يوضح أن القرآن قد تضمن القواعد الكلية التي تحتوي الحلول لكل المشكلات على اختلافها ، فإنه يحمل القرآن والمؤمنين به مسئولية تأخر المسلمين وتخلفهم عن غيرهم .. كأن الاستمساك بالإسلام والتزام القرآن والسنة ، مسئولان عن تخلفنا ، وليس العكس .
رابعا : إنكار د. نصر حامد أبو زيد عالمية الإسلام، وعموميته ، وشموله لكل الخلق من إنس وجن ، وادعاؤه الباطل بأن الإسلام دين للعرب وحدهم .. يقول د. نصر حامد أبو زيد في كتابه : ( مفهوم النص ) : ( فالإسلام دين عربي ، بل هو أهم مكونات العروبة وأساسها الثقافي والحضاري) وهذا إنكار كامل واضح لعمومية الإسلام وعالميته .
ود. نصر حامد أبو زيد ، بعد أن يقطع بأن الإسلام دين عربي ، يزيد الأمر وضوحًا فيبين أن الزعم بأن الإسلام دين عالمي إنما هو خيالات وأوهام ذهنية بعيدة عن الواقع تمامًا .
ثم يقول المؤلف في نفس الصفحة من الكتاب السابق : " إن الفصل بين العروبة والإسلام ينطلق من مجموعة من الافتراضات الذهنية :
أولها : عالمية الإسلام وشموليته ، ودعوى أنه دين للناس وليس للعرب وحدهم ، ورغم أن هذه الدعوى مفهوم مستقر في الثقافة ، فإن إنكار الأصل العربي للإسلام ، وتجاوزه ( للوثب ) إلى العالمية والشمولية مفهوم حديث نسبيًا " ....!!! . ( [10] ) أي : أن الادعاء بعالمية الإسلام ، " وَثْبٌ " إلى العالمية ، كأنه انتهازية ، وسرقة ، وغصب . رغم أن عالمية الإسلام وشموله لكل الأجناس ، بل للخلق جميعًا من إنس وجن ، حقيقة من الحقائق الإيمانية المعلومة من الدين بالضرورة ، ومنكرها كافر خارج عن الملة .ورغم أن إنكارها مؤدٍّ بالضرورة إلى تكذيب للقرآن والسنة الصحيحة ، وتكذيب للقرآن القطعي ، من مثل قولـه تعـالى : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [ الفرقان : 1 ] وقوله سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) [ سبأ : 28 ] ، وقوله جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [ الأنبياء : 107 ] ، وقوله سبحانه : (وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ . لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ) [ يس : 69 - 70 ] وعلماء الأمة سلفًا وخلفًا قد اتفقوا على أن من أنكر ما عُلِمَ من الدين بالضرورة ، فقد كفر بعد إسلامه ، وارتد عن دين الله .
خامسا : الإيهام بأن القراءات هي قرآنات متعددة .. وهذا ينم عن جهل مُطبق . .كما أنكر واعترض على كون ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر.( [11] )
سادسا : يرى أن السنة اجتهادٌ بشري من الرسول– صلى الله عليه وسلم - ، والالتزام بالسنةِ والعمل بها إهدارٌ لبشرية الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، ورفعه إلى درجة الألوهية .وشكَّكَ بالأحاديث المتواترة .
ثامنا : طعونه حول الصحابة - رضي الله عنهم - :
أ- اتهامهم بتأليه محمد– صلى الله عليه وسلم -.
ب- اتهامهم بأنهم ليسوا أطهاراً ولا أخياراً .
ت - اتهامهم بالعصبية القرشية للسيادة والهيمنة على حساب الإسلام والمسلمين بل على حساب القرآن الكريم.
تاسعا : طعونه في أئمة المسلمين والكذب عليهم ، مثل :
1- اتهام ابي حنيفة بأنه لا يعتبر إجماع الصحابة سنةً واجبةَ الاتباع، بل يختار من أقوال الصحابة بِحُريِّةٍ تامةٍ ما يهديه إليه العقلُ والقياس .
2- الحطُّ مِن قدر الإمام الشافعي، والكذب عليه، واتهامه بأنه لم يفهم الإجماع حق الفهم . وهناك أخطاء أخرى كثيرة منها :
1- عَدُّهُ لابن عباس من التابعين حيث قال:"من مفسري التابعين وعلى رأسهم عبد الله بن عباس الذي عاصر النبي"- صلى الله عليه وسلم - !!؟ .
2- جهله بمفاهيم ومصطلحات أصولية كالقياس، والاستحسان ، والاجتهاد...
3 - دعوته المستمرة للتجديد ، والتجديد عند "نصر أبو زيد" ليس له إلا معنى واحد هو إنكار البديهيات ، وإنكار ما علم من الدين بالضرورة، والإلقاء بكل مقدس جانباً ، والهجوم على الغيب والوحي ، وادعاء "أنسنة" النص القرآني ، واحتوائه على الخرافات والأساطير ، ووصف النبي بأنه بشر عادي يصيب ويخطئ ، وليس لكلامه قداسة...هذه بعض الآراء والأفكار والمعتقدات التي تبناها د. نصر حامد أبو زيد ، وهى آراء تخالف القرآن والسنة وإجماع المسلمين سلفًا وخلفًا وإلى قيام الساعة ، وتجحد النصوص القطعية الصريحة من الكتاب والسنة .. وتؤدي بصاحبها إلى الارتداد عن دين الله....
ولست بصدد الردِّ على كل هذه الجهالات ، فقد رد عليه الكثيرون ، ولكن سأكتفي بذكر تقريرين مفصلين حول إنتاج الدكتور نصر حامد أبو زيد .. أولهما : للدكتور عبد الصبور شاهين .. والثاني : للدكتور مصطفى الشكعة .
التقارير العلمية في الجامعة
عن ابحاث وكتب د. نصر حامد ابو زيد
أولا : تقرير الاستاذ الدكتور: عبد الصبور شاهين :
تقدم السيد الدكتور نصر حامد ابو زيد –الاستاذ المساعد بكلية الاداب بجامعة القاهرة بانتاجه العلمي للترقية إلى درجة استاذ بقسم اللغة العربية وجاء إنتاجه في شكلين :
الاول :الكتب ، وقدم منها كتابين :
1-(الامام الشافعي وتأسيس الايدولوجية الوسطية): نشر دار سينا للنشر-القاهرة 1992م.
2-(نقد الخطاب الديني):نشر دار الثقافة الجديدة-1992م.
الثاني :البحوث والمقالات:
3-(الكشف عن أقنعة الارهاب):بحثا عن علمانية جديدة –مجلة(أدب ونقد)-القاهرة-العدد55يونيو1990م.
4-(ثقافة التنمية وتنمية الثقافة):مجلة القاهرة- العدد11-1990.
5-(التراث بين الاستخدام النفعي والقراءة العلمية):مجلة(أدب ونقد)-القاهرة-79مارس1992م.
6-(قراءات التراث في كتابات أحمد صادق سعد):ألقى في مؤتمر وتحت النشر .
7-(إهدار السياق في تأويلات الخطاب الديني):ألقى في مؤتمر وتحت النشر .
8-(المسكوت عنه في خطاب إبن عربي):مجله الهلال مايو 1992م.
9-(مفهوم النص في العلوم الدينية):مجلة إبداع عدد 4،5-1991م.
10-(التأويل في كتاب سيبويه):مجلة ألف للبلاغة المقارنه- الجامعة الأمريكية العدد 8-1988م.
11-(الإنسان الكامل في القرآن ) (الإنجليزية): مجلة جامعة أوساكا للدراسات الأجنبية باليابان – العدد 71 سنة 1988م.
12-(مقدمة ترجمة اليوشيدو- روح اليابان ):دائرة الشئون الثقافية العامة – بغداد 1990م.
13-(مركبة المجاز من يقودها ؟وإلى أين؟): مجلة ألف عدد 12-1992م.
وقد لوحظ أن هذا الإنتاج لم يظهر منه سوق الكتاب سوى الكتاب الأول عن ( الأمام الشافعي) ، وأما الكتاب الثاني فما زال مشروعا ينتظر الظهور في السوق ، وباقي البحوث والمقالات ظهرت في مجالات محدودة الإنتشار ، أو هي تحت النشر في هذا المجلات أيضا ، وهي مجلات غير محكمة غالبا.
ولعل لإختيار هذه المجلات لنشر هذه البحوث حكمة ، هي تفادى رد الفعل عند القراء ، لو ظهرت في مجلات رائجة واسعة الإنتشار ...وبذلك يعتبر الإنتاج إجمالا أشبه بالأعمال السريه التي لم ينشر أكثرها في دوريات علميه محكمه ، ولا يجرؤ الباحث على نشر أفكاره في المجتمع الذي يرفضها ولا شك ... بل قد يحكم عليها حكما قاسيا ، كما يحكم على صاحبهما ، أما الرأى في هذه الأعمال فهو كما يلي :
الإمام الشافعي وتأسيس الأيدولوجية الوسطية( [12] ) :
كتيب من مائة وعشر صفحات من القطع الصغير ، ذو وزن خفيف علميا ، والكتاب يدل على أن الباحث محتفٍ بالشافعي ، ومضمونه تقريعٌ له ، وتنديدٌ بمحاولة الشافعي التلفيقية إيجاد وسيط بين العقل والنقل ، وقد إنتصر الشافعي للنقل على حساب العقل ، وإنتصر للقبلية على حساب الإسلام ، ويعود فيكرر ما قاله عن السقيفة في بحوث أخرى سابقة ، وما جرى فيها من تدشين السيطره القرشية على الإسلام والمسلمين ، فالتاريخ الإسلامي كله مؤامرة حاكها الخلفاء من قريش ، وهو " يتهم " الشافعي بالمغالطة حين قال : ( لم أجد لرسول الله سنة ثابتة من جهة الإتصال خالفها الناس كلهم ، ولكن قد أجد الناس مختلفين فيها : منهم من يقول بها ، ومنهم من يقول بخلافها ، فأما أن يكونوا مجتمعين على القول بخلافها فلم أجدها قط )..، وهي شهادة عظيمة من إمام عظيم هو واضع علم المصطلح ، ولكن الشافعي في مقياس الباحث مُلَفِّق ومُغالِط ، وكان يناضل من أجل القضاء على التعددية الفكريه الفقهية ، ويقرر الباحث أخيرا النتيجة التي تتكرر في بحوثه دائما :( آن أوان المراجعة والإنتقال الى مرحلة التحرر ،لا من سلطة النصوص وحدها ، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا ، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورا قبل أن يجرفنا الطوفان) .
لم يحدد أبو زيد مفهوم هذا التحرر ، ولا حدود هذه النصوص ذات الطابع الأيدولوجي الخاص؟ وماذا يريد للأمة بعد أن تلقى بالقرآن والسنة جانبا ؟!
2- نقد الخطاب الديني :
كتاب مطبوع في مائتين وعشرين صفحة من القطع المتوسط ،مصور،وغير متداول،والناشر دار الثقافة الجديدة ،والكتاب يقع في مقدمة وثلاثة فصول ،ويتضمن كل فصل مجموعة من البحوث ، وفي المقدمة يهجم الباحث على ( الغيب ) بأسلوب غريب ، فيجعل العقل الغيبي غارقا في الخرافة والأسطوره ،مع أن الغيب أساس الإيمان .. وهو أيضا يقع في مغالطة خطيره ، حين يقرر أن ( العَلمانية ) ليست في جوهرها سوى التأويل الحقيقي ، والفهم العلمي للدين ، وليست ما يُرَوِّج له المبطلون من أنها الإلحاد الذي يفصل الدين عن المجتمع والحياة .. يقول : ( إن الخطاب الديني يخلط عن عمد ، وبوعي ماكر خبيث ، بين فصل الدولة عن الكنيسة ، أي : فصل السلطة السياسية عن الدين ، وبين فصل الدين عن المجتمع والحياة )!! ولا أدرى إن كان ذلك عن جهل بمفهوم العلمانية ، أو هو يضاعف من خطورة هذا الإتجاه بتزييف المفاهيم !!
وفي الفصل الأول من الكتاب يتصدى لنقد الخطاب الديني المعاصر بمناقشة قضية النص ، وقضية الحاكمية ، ويشتد نقده للأزهر، وللدولة في مواجهة التطرف ، وهو ينتصر بحماس شديد لرواية سلمان رشدي (آيات شيطانية ) ، مع ما أشتهرت به من فساد وهلوسة ، وهو غالبا لم يقرأها ، ولم يعرف ما حفلت به من نتن لا أدبى ، وعفونة صادرة من أحشاء كافر مرتد ، ومع ذلك يمضى في الخروج على معايير النقد الموضوعي ، ويتجاهل أمانة الكتابة الفكرية ، بل هو يسقطها حين يضع سلمان رشدي في موقع مشابه لموقف الكاتب نجيب محفوظ في ( أولاد حارتنا ) ، والواقع أن النَّغمه الحادة التي يتحدث بها المؤلف تجمع بين عناصر مختلفة تماما .. فالأزهر والتطرف شئ واحد ، والخطاب الديني الرسمي وغير الرسمي سواء ، والعلماء هم ( كهنوت ) يمثل سلطة شاملة ، ومرجعاً أخيراً في شئون الدين والعقيدة .
وهو ينعى على الخطاب الديني أن يرد كل شئ في العالم الى علة أولى هي ( الله ) ، ويرى أن ذلك إحلال لـ ( الّله ) في الواقع ،ونفى ( للإنسان ) ، كما أنه إلغاء للقوانين الطبيعية والإجتماعية ، ويميل إلى مقولة الفكر الغربي بأن الله خلق العالم ثم تركه يدور ، كما أن صانع الساعة تركها تدور وحدها ..!!
وهو يدافع بحراره عن .. الماركسيه - الفكر الغارب - ، ويبرئها من تهمة الإلحاد ، بل يقول بخطأ تأويل الماركسيه بالإلحاد والمادية ، ولعله يتصور أن ماركس كان مؤمناً روحي النزعة . وقد تتبع الباحث فكر سيد قطب ، حتى فيما أثبتته نصوص القرآن ، فهو يستنكر أن يوصف المخالفون للإيمان بالكفر ، وكأنه إعتراض على القرآن ذاته الذي جاء فيه بأول سورة البينة ) لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) [ البينة :1 ] ، كما جاءت آيات كثيرة في وصف المخالفين بالكفر .
وخلاصة القول : إن الباحث وضع نفسه مرصاداً لكل مقولات الخطاب الديني ، حتى ولو كلفه ذلك إنكار البدهيات ، أو إنكار ما عُلِم من الدين بالضرورة ، ولسوف يطول بنا الحديث ولن ينتهي إلى نتيجة ، كما أن الكتاب كله لم يصل إلى أي نتيجة سوى ذلك النغمة النقدية المسرفة .. فهو بحق : جدليه تضرب في جدليه ، لتخرج بجدليه ، تحمل في أحشائها جنينا جدليا ، متجادلا بذاته مع ذاته – إن صح التصور أو التعبير - ، ليست هذه سخرية ، ولكنها النتيجة التي يخرج بها قارئ هذا الكتاب غير المنشور حتى الآن .
3 - الكشف عن أقنعة الإرهاب " بحثا عن علمانية جديدة " :
(مقال ) في مجلة ( أدب ونقد ) ويعلق الباحث بهذا المقال على كتابٍ صَدَرَ لغالي شكري ، وهو يبدو فيه خائضا في أوحال السياسة والحزبية ، فهو ليس بحثاً علمياً ، ولكنه مجاملة لكاتب معروف الهوية ( مسيحي يساري ) .. وبرغم ذلك فقد خلط مره أخرى بتكرار ما سبق أن ذكره ويذكره في كل مقال : " إن إخضاع الفكر والثقافة للسلطة الدينية السياسية ، يمتد أيضا إلى العمق التاريخي لمجتمعاتنا ، لكن ذلك الإخضاع ، يتزامن في الحلقة العربية مع إقرار مبدأ السيادة القرشية ، بعد إعطائه بُعداً دينيا " ثم يقول :
( لقدكان مسموحاً في عصر النبوة بتعدد القراءات للنص الديني ، وهي القراءات التي تتلاءم مع واقع التعدد القبلي واللغوي في الجزيرة العربية ، وقد تم إلغاء ذلك التعدد لصالح القراءة القرشية ، بواسطة عثمان بن عفان ) ويقول : " ومن الضروري تأكيد أن الأساس الذي استند إليه مفهوم القرشيه، سواء في بُعده السلطوي الديني ، أو في بعده الثقافي .. أساس عصبي عرقي ، ولا أساس ثقافي حضاري " . وهذا كلام خطير لا يمكن قبوله إلا في مجال معين من الإنتماء الأيدولوجي ، الذي يعمد إلى تشويه تاريخ القرآن ، نتيجة عدم فهم العلاقة بين القرآن والقراءات .. بل وقصداً الى هذا التشويه ، كأن المسلمين عرفوا في عهد النبوة " قرآنات " ؟!! كثيرة ، فوحدتها خيانة عثمان في قرآن واحد ...؟!( [13] )
والباحث في هذا المقال يكشف أيضا عن خلل في الإعتقاد .. " إذا يرى أن الإلهي إذا تجلى في اللغه يكاد يكون بشرياً ، وأن الإلهي تجلى في القرآن ( التنزيل ) ، كما تجلى في المسيحية في صورة المسيح البشر ، إبن الإنسان ) . وهذا تصور غريب ومرفوض !! ففي رأيه أن هناك جدليه (الإلهي- الإنساني ) وهي صيغة من التلازم بين الطرفين ، لكل منهما أثر في الآخر .. وهل هنالك إهانة للعقيدة أشنع من هذا ؟ وبقية المقال نوع من الدعاية السياسية لا ترقى الى مرتبة العلم ، والبحث العلمي .. وهو يطالب بالتوجه الى البحث عن علمانية جديده " لمقاومة الردة السلفية ، والإرهاب والتطرف ، وفضَّ الإشتباك بين الدين والسلطة ، وتحرير سلطة الدوله من سطوة رجال الدين ، ومن السيطره الثيوقراطية الموغلة في التخلف " .
وكأنه في الواقع يتحدث عن مجتمع تحكمه الكنيسة في قلب العصور الوسطى ، وهو الى جانب ذلك نوع من الدعاية السياسية التى لا تعي هدفاً علمياً بحال من الأحوال .
ثقافة التنمية وتنمية الثقافة : -
مقالة في (مجلة القاهرة )، ركز فيها الباحث في موضوع : ( العقل العربي ) ، وأنه محاصر بين سلطتين : سلطة النص الديني ، وسلطة السياسة الحاكمة ، وأن ذلك لم يبدأ مع ( صِفِّين ) ، التي كانت فيها الخديعة التاريخية للداهية عمرو بن العاص ، بل بدأت في خلاف السقيفة بين المهاجرين من أهل مكه ، والأنصار من أهل المدينة ، فآل الآمر إلى سلطة قريش ، أي : إن أبا بكر كان يحكم بإسم القبيلة ، وكذلك باقي الخلفاء الراشدين من سلطة التآمر . وقد ذهب إلى أن ( عثمان ) كان يعمل لحساب قريش ، حين قضى على تعددية النص التي تمثلت في السماح بقراءته وفقا للهجات العربية المختلفة ، فألغى كل القراءات لحساب القراءة القرشية ..؟؟
وهو كذب وجهل وإفتراء .. أما الكذب والجهل فلأن القراءة لم تكن باللهجة .. بل هي بالرواية ، والقراءة سنة متبعة .. وأما الإفتراء فهو القول بأن ( عثمان ) كان يعمل بنزعة قبلية ، إستثمارا لمؤامرة السقيفة ، وإستمراراً لطغيان قريش . ولا ريب أن الباحث ناقل هنا عن مقالات لبعض المستشرقين من أمثال : [ رجيس بلاشير ] في كتابه ( مدخل الى القرآن ) ، ويوشك من يقول بأقوالهم أن يزيغ كما زاغوا ، بل إنه يقطع في هذه الطريق أشواطا أبعد مما قطع بلاشير . وهو يرى من جانب آخر ، أن كل إستبداد في السلطة الآن إمتداد لتلك المرحلة حين سيطر التفكير الديني .. الغيبي .. التواكلي .. التبريري .. التواطئي .. وكل ذلك وصف للإسلام ، والجانب الغيبي عنده هو خرافة وأسطورة ، ويقول : " والإخلاص من تلك الوضعية إلا بتحرير العقل من سلطة النصوص الدينية ، وإطلاقه حراً يتجادل مع الطبيعة والواقع الإجتماعي الإنساني ، فينتج المعرفة ، التي يصل بها الى مزيد من التحرر ، فيصقل أدواته ، ويطور آلياته " ولسوف نرى أنه يعني بالنصوص ما يشمل القرآن والسنة ، وهي دعوة خطيرة تكررت كثيراً في مواضع أخرى يريد بها نفي العلاقه بين العقل والنص القرآني بخاصة ، مستخدماً المزيد من المغالطات ، وتزييف المفاهيم ، مع أن النصوص الصحيحة لا تتصادم مع العقل بحال، ثم نجده يخوض مرةً أخرى في موقف من الاسلام من القبيلة ، فيردد أن الإسلام لم ينفها ، بل إحتفظ لها بأهم خصائصها الثقافية متمثلة في اللهجة الخاصة ، الى درجة السماح بتعدد قراءات النص الديني – القرآن – وِفْقَاً للسان كل قبيلة ، وذلك ما عرف بالأحرف السبعة ، وهو رأى مردود على صاحبه ، لا يقبل منه إطلاقاً ، ولأنه يمثل إساءة للقرآن ذاته عن جهلٍ فاضحٍ ، لم يكلف نفسه عناء البحث عن الحقيقة في مظانها . ويمضى في تجاوزاته الى درجة أن يتهم القرآن بأنه ( لم ينج من آثار عمليات المحو والإثبات تلك ) ، ويبني ذلك على إدعاء (غلاة ) الشيعة : أن القرآن محيت منه عمداً النصوص الدالة على إمامه علي ، ولا يكلف نفسه مره أخرى عناء البحث عن حقيقة هذا القول الذي لم يقل به إلا الشيعة الغلاة ، فأما الإماميه( الاثني عشرية) فإن موقفهم هو موقف أهل السنة تماما ، تنزيه القرآن عن المحو والإثبات .. فماذا بقى لهذا القائل من آثار المنهج السليم ؟ .
وينتهى الباحث إلى نوع من الإختلاط فيقول : " إن الإسلام لا يعلم عن المسيحيه إلا ما يقوله الوعاظ خطباء المساجد ، ولا يكاد المسيحي بالمثل يعلم أن الإسلام إلا ما تبثه أجهزة الإعلام ، وما يقال في شبه سرية داخل المؤسسات المسيحية ، التي لا تجرؤ على المناقشة الحرة للإسلام ، وبالقدر الذي تناقش به المسيحية في أروقة المساجد وعلى المنابر " أي : إن المسلمين يتجنَّون على المسيحيين ، وكأنه يبذر الحَبَّ لفتنه طائفية ، وهذه في الواقع سمادير لا يقول بها كاتبٌ مُفيق . والمقال ملئ بالإختلاط الذي لا يقبل من باحث يزعم أنه نزيه ومحايد ، وهو يناظر بالموضوعية والعلم .
التراث بين الإستخدام النفعي والقراءة العلمية :
مقال نشرته مجلة (أدب ونقد) – سلطة النص في مواجهة العقل - ، مقال يعتمد على ما قدمه الدكتور زكي نجيب محمود من تأملات ورؤى في كتابه ( حصاد السنين ) ، ولكنه يكرر ما سبق ذكره في كتابه عن الشافعي عن الوحي والسنة ، وكيف لَفَّقَ الشافعي موقفاً ينصر فيه النص على العقل ، وتَعَرَّضَ للعلاقة بين الدين والتراث ، كما تعرض للفكره التي كررها دائماً من تحول الإسلام الى مشروع قبلي نتيجة إجتماع السقيفة ، فصارت الدولة قبيلة ، ولا جديد في هذه المقاله ، فهي ترديد لأفكار متفرقة في سائر المقالات ، والنَّغمة واحدة ، والموضوع واحد وهو التراث وتأويله وتحديده ، وموقف الآخرين منه .
قراءة التراث في كتابات أحمد صادق سعد :
وهو مقال سياسي ألقى في ندوة عن " إشكاليات التكوين الإجتماعي– الفكريات الشعبية في مصر " – تحت النشر .
ولما كان الموضوع حملة على الخطاب الديني، فإنه يتهم الدعوة إلى ( الإقتصاد الإسلامي ) بأنها دعوة الى الخطاب الديني والإرشاد الوعظي ، الذي يستهدف تمرير نظام إقتصادي إستغلالي قاهر يدافع عن الملكية الخاصة ، ويترك الأسعار لآليات السوق وقانون العرض والطلب ... ثم يختم : إنها الرأسمالية المستغلة الغليظة ، والتي اختفت من معاقلها الأصلية لحساب التخطيط والتوجيه والتدخل المباشر أحيانا ، تمرر بإسم الإسلانم إستنادا الى تراثه . وفي البحث قراءة لأفكار أحمد صادق سعد وآرائه في كتاب ( الخراج ) لأبى يوسف ، الفقيه الحنفي ، الذي صار في تقديره فقيه السلطة .. والموضوع على أية حال لا أهمية له، فالمتحدث عنه مجهول، وهو ذو هوية خاصة تلعب دورها في دمشق على أنقاض ( التراث ).
إهدار السياق في تأويلات الخطاب الديني : - تحت النشر –:
وهو بحث يدور في نفس المدار السابق بكل جدلياته ، غير أنه يضيف مناقشة كتاب لمؤلف حديث يتحدث عن قضايا الناسخ والمنسوخ ، والتنجيم ، وإعجاز القرآن ، والتأويل العلمي ، والمحكم والمتشابه ... الخ .. وهو يبدأ مناقشة للكتاب بمقدمة يذكر فيها قوله : ( يتم في تأويلات الخطاب الديني للنصوص الدينية إغفال مستوى أو أكثر من مستويات السياق التي ناقشناها في القسم الأول ، وفي كثير من الأحيان يتم إغفال كل المستويات لحساب الحديث عن نص يفارق النصوص الإنسانية من كل وجه .. إن التصورات الأسطورية المرتبطة بوجود أزلي قديم للنص القرآني في اللوح المحفوظ باللغة العربية ، ما تزال تصورات حية في ثقافتنا ) . وهذا الكلام الغريب ناشئ عن المقولة التي يؤمن بها ، وهي : أن القرآن منذ نزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – أصبح وجوداً بشرياً ، منفصلا عن الوجود الإلهي ....فإعجاز القرآن بهذا المعنى أسطورة ، وكونه كلام الله أسطورة ، وانتماءه إلى المصدر الغيبي أسطورة ، فهو يتحدث بحسم عن أسطورة وجود القرآن في عالم الغيب ، إنكاراً لما لا يقع تحت الحس ، وعالم الغيب لا يصلح ( موضوعاً) للفكر ، بل هو موضوع للاعتقاد فقط ، فضلا عن استخدام كلمة ( أسطورة ) في وصف وجود القرآن ، وهو تعبير لا يليق ، إن لم يكن تجاوزاً قبيحاً
8- محاولة قراءة المسكوت عنه في خطاب ابن عربي :
مقال في مجلة الهلال ، وهو مقال قصير ، يحاول إدراج القرآن في إطار محاولة ابن عربي ، باعتبار القرآن جزءاً مندرجا في كلّ .ومع أنه ذكر في العنوان أنه يتحدث عن المسكوت عنه عند ابن عربي ، فهو لم يقدم شيئا من هذا الوعد ، وانتهى المقال كما بدأ بلا هدف سوى استخدام بعض الكلمات التي صيغت صياغة جديدة مثل : التماهي ، والتناصّ، وهو يرى أن ( إعجاز القرآن ليس إلا في تغلبه على الشعر ، وسجع الكهان ، ولكنه ليس معجزاً في ذاته ،) ... وهو كلام أشبه بالإلحاد ، وهو إلى جانب ذلك يدور حول الأفكار المكررة : قراءة النص ، مضمون الخطاب ، إشكالية القراءة ، ويكفي أن يكون ابن عربي بشطحاته محور الحديث ، ليقع الباحث في نفس الشطح ... يقول : ( من هنا نفهم حرص ابن عربي على تأكيد أن خطابه ليس من إبداعه هو ، بل هو من مصدر إلهي مقدس ، وابن عربي مجرد مبلغ ، وهذا معناه أته مرتد إلى الأصل والمنبع ( الله /اللغة ) ) وهذا تعبير شاطح عن الذات الإلهية ، إلى جانب أنه يوشك أن يجعل ابن عربي نبياً يوحى إليه .
9- مفهوم النصّ : الدلالة اللغوية :
مقال في مجلة ( إبداع ) .. والهدف من هذا المقال : هو الكشف عن بعض خصائص الثقافة العربية الإسلامية في جانبها التراثي التاريخي ، وهو يعالج بعض المسائل عند الإمام الشافعي ، وعند الزمخشري في إطار بحثه عن مفهوم كلمة ( النص ) ، ثم يشفع هذا المقال بآخر عن ( مفهوم النص .. التأويل .. مفهوم الثقافة للنصوص ) وهومكمل لسابقه، وكله كلام مُستَقى من عمل سابق للباحث عن ( مفهوم النص ..) تقدم به في مشروع ترقيته لأستاذ مساعد .
10- التأويل في كتاب سيبويه:
مقال في ( مجلة ألف) – الجامعة الأمريكية ( بالقاهرة ) ، وهو يدرس طريقة سيبويه في التأويل ، وهو منهج أفاده من علم الكلام ، وقد اقتصر على مجموعة قليلة من الأمثلة ..
11- الإنسان الكامل في القرآن :
مقال باللغة الإنجليزية من (22) صفحة ، عن بذور المفهوم الصوفي للإنسان الكامل في القرآن ، وقد أرفق الباحث بصورة المقال ملخصاًمن صفحتين بالعربية ، وهو يستقي صفات الكمال الإتساني من الفهم الصوفي لقصة الخلق .
12 – اليوشيدو روح اليابان :
دائرة الشئون الثقافية العامة – بغداد ، ترجمة مع مقدمة عن اليابان ودخولها في التاريخ الحديث .
13: مركبة المجاز ، من يقودها .. وإلى أين ..؟
مقال بمجلة ( ألف ) بحث يجمع بين اتجاهات عديدة في الفكر الاسلامي ، وهي اتجاهات تتناقض أحيانا ، ولكنه يدرس ( المجاز ) دراسة جادة كما تصوره عبد القاهر في كتابه ( أسرار البلاغة ) . غير أنه – بعد أن يمر بمستويات الدراسة المختلفة ، يختم البحث ختاماُ سياسياً درامياً ، ينتقد فيه أيضا الخطاب الديني الذي يحاول تجاوز الازدواجية في التصور الديني ، الناشئة عن الازدواجية اللغوية ، فإذا هو بذلك يخدم الأوضاع السائدة في العالمين العربي والإسلامي ... يقول في النهاية : ( تتعدد أشكال النظم السياسية في عالمنا ، بين الملكي والجمهوري .. نظام الحزب الواحد ..والتعددية الحزبية ، نظم مدنية .. وأخرى عسكرية لكنها تتفق جميعا في طابعها التسلطي القاهر ، في عالم يتوحد شخص الحاكم بالوطن ، ويستوعبه داخله ، بحيث يضحي نقد الحاكم خيانة للوطن ، ويصبح الخلاف معه مروقا من الدين ، وهرطقة وإلحاد ، هذا على المستوى السياسي ، أما على مستوى الفكر والثقافة ، فالمأساة لا تقل فداحة ، فالخطاب العربي في مجمله يتعامل مع المجاز بوصفه حقيقة ..) وهكذا لم يستطع الباحث أن يتخلص من نبرته النقدية ، حتى ولو انعدمت العلاقة بين طرفي الحديث إلى حد الغربة بينهما .. ولكن البحث ذو مضمون بلاغي ، وهو يتناول قضايا عقدية خلافية قديمة بأسلوب مقبول .
الخلاصة :
وخلاصة القول : أن الباحث يدور في فلك مفهومين لا ثالث لهما .. هما : التراث والتأويل .. وهما في الواقع تخصصه الدقيق ، فإحدى رسالتيه كانت عن : ( الإتجاه العقلي في التفسير – دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة ) والأخرى عن : ( فلسفة التأويل _ دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي ) ، وكل ما كتبه تقريباً يمتاح من من روح هاتين الرسالتين . وطابع الإنتاج قريب من علم الكلام والعقيدة ، مع تحكيم النظرة المادية المنكرة لحقائقها الجاحدة لمعطياتها ، فلم يخرج الباحث عن الإطار الذي وضع داخله ، رسالتيه للماجستير والدكتوراة ، في العناوين أو في الموضوعات ، ولما كان مذهب الباحث مرفوضاً على مستوى القراء ، أو مستوى المتخصصين في الثقافة الإسلامية ، فإنه لم ينشر أعماله إلا في مجلات محدودة الإنتشار ، وغير محكمة أحياناً ، مخافة رد الفعل الذي يتوقعه قطعاً .
والكتاب الذي قدمه مطبوعاً ، قدم إلى اللجنة في شكل تجربة ( بروفة ) حصل بها على رقم إيداع في دار الكتب ، ثم أحجم عن دفعه إلى السوق ، لما يتضمنه من مفاهيم مرفوضة على كل مستوى .
والرأي في أعماله المقدمة :
كتابه عن ( الامام الشافعي ) خفيف الوزن علمياً ، لا يُقَوَّم به الباحث ، مع ما سبق أن سجلناه من آراء منحرفة لا تليق أن تنشر عن الإمام العظيم .
الأعمال من : ( 2- 9 ) تعتبر عملا واحداً لوحدة الاتجاه ، وبصرف النظر عن محتواها ، فأما المحتوى ، فالرأي فيه أنه فكر خليط من فكر وآيديولوجية ، ونقد ، وتطرف ، وجدلية وبذلك تاهت هوية الباحث ، فلم يظهر توجهه في إطار مواد اللغة العربية أو الثقافة الإسلامية .
والعملان ( 10 ، 13 ) بحثان مقبولان ، يحسبان له عملاً واحداً ، نظراً إلى ضآلة حجم كل منهما
والعملان ( 11، 12) نوع من النشاط الثقافي . وبذلك نرى أن الأعمال التي تقدم بها السيد الدكتور : ( نصر حامد أبو زيد ) تحتاج إلى إعادة نظر وتنقية ، كما تحتاج إلى إضافة جديدة ، تتصل اتصالاًكاملا بمواد الدراسة التي تدرس في قسم اللغة العربية بكلية الآداب . فالانتاج المقدم لا يرقى إلى درجة أستاذ بقسم اللغة العربية ، بكلية الآداب ، بجامعة القاهرة . والله ولي التوفيق .
د . عبد الصبور شاهين .
ثانيا : تقرير الدكتور مصطفى الشكعة
تمت موافقة اللجنة المكلفة بالنظر في إنتاج ( د. نصر حامد أبو زيد ) ، على تقرير ( د. عبد الصبور شاهين ) وأرسلته بدورها إلى كلية الآداب فإلى قسم اللغة العربية ، وهنا تفجر الموقف على صفحات الجرائد اليومية المصرية ، فوصل الأمر إلى جامعة الأزهر الشريف ، فانتدبت :
( الدكتور مصطفى الشكعة ) وطالبته بكتابة تقرير عن كتب وأبحاث ( د. نصر حامد أبو زيد ) فكتب التقرير التالي :
[[ أولا : عن كتاب مفهوم النص :
يقع الكتاب في ثلاثمائة وتسع وخمسين صفحة من القطع الكبير ، وهو من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1990م ، ضمن إصدارات ما تسميه الهيئة بـ ( دراسات أدبية ) . يشتمل الكتاب على مقدمة قصيرة ، وتمهيد طويل عنوانه : الخطاب الديني والمنهج العلمي ، وثلاثة أبواب ..
ولقد اشتمل الباب الأول وعنوانه : ( النص في الثقافة ) على خمسة فصول تحمل العناوين الآتية على التوالي : مفهوم الوحي ، اتصال البشر بالجن ، الوحي بالقرآن ، القرآن والكتاب ، الرسالة والبلاغ ...
واشتمل الباب الثاني بدوره – وعنوانه: آليات النص - ، على خمسة فصول ، تحمل العناوين الآتية طبقا لترتيب ذكرها : الإعجاز ، المناسبة بين الآيات والسور ، الغموض والوضوح ، العام والخاص التفسير والتأويل ..
ولقد اشتمل كل فصل من فصول البابين : الأول ، والثاني ، على عدة موضوعات جانبية ، عرض لها الباحث بالإيجاز حينا ، وبالإسهاب حينا آخر .
وأما الباب الثالث والأخير فإن عنوانه هو : تحويل مفهوم النص ووظيفته ، ولم يقسمه الباحث إلى فصول ، بل جعله باباً واحداً، وإن كان قد حمل عديدا من العناوين الجانبية الداخلية ،مثل : علوم القشر والصدف ، علوم اللباب (الطبقة العليا ) ، علوم اللباب ( الطبقة السفلى ) ، مكانة الفقهاء والمتكلمين ، وغيرهامن العناوين التي هي مستمدة من كتاب ( جواهر القرآن ) للإمام الغزالي ، وليس للباحث من جهد في هذا الباب سوى التعليق على النصوص التي اختارها من الكتاب ، وعددها : أربعة وخمسون ، تتراوح بين التوسط والطول ، مع عدة إشارات إللى كتاب : إحياء علوم الدين لنفس المؤلف ، وإشارة أو إشارتين إلى ابن عربي في كتابه : الفتوحات المكية ..
أما ونحن نستعرض منهج الكتاب وموضوعاته ، فقد يكون مناسبا أن نشير إشارة سريعة إلى عدم التفات الباحث إلى المراجع الأساس التي كانت ،– فيما لو استعان بها - ، ستضفي المزيد من القيمة على بحثه ، وتجنبه الكثير من المزالق التي وجد نفسه منساقاً إليها بشدة وإصرارٍ حيناً ، وبهوادة وما يشبهُ العفوية حينا آخر
فعلى سبيل المثال ، وجدنا الباحث في الفصل الأول من الباب الأول – مفهوم الوحي – يعتمد على فكره الخاص في تحليل ما نقله عن كل من الزركشي في البرهان ، والسيوطي في الإتقان ، بغير استشارة أو رجوع إلى المصادر الأساس التي كتبها كبار علماء الأمة في هذا الموضوع ، ولو قد فعل لتحاشى الكثير من السقطات التي تردى فيها مما سوف نعرض لبعضها بعد قليل ، والحكم نفسه ينسحب على بقية فصول الباب من حيث كون الباحث يقتصر على كتابي : البر هان ، والإتقان ، لكل من الزركشي والسيوطي ، أو على كليهما ، ثم يُعمل فكره الخاص في استخلاص ما يريد أن ينتهي إليه من أحكام بدون الاستعانة بقكر علماء الأمة ، الذين أثروا مكتبة القرآن الكريم بمؤلفاتهم النفيسة .
وما ذكره المؤلف هنا من إشارات من حيث تقصير الباحث في الاستعانة بالمراجع المتخصصة حين كتابته فصول التات الأول ، نعود فنكرره حيال الفصول الخمسة التي تضمنها الباب الثاني .
وقبل أن ننطلق في ضرب الأمثلة الخاطئة التي تورط الباحث في الوقوع فيها ، يجمُلُ بنا أن نشير إلى مصطلحات محددة استعملها الباحث من على صفحات كتابه ، وأن نعرف بها طبقا لمفهوم الباحث لها ، والتي منها :
النص : ويعني الباحث به : القرآن الكريم ، فإذا ما ورد لفظ النص في موقع ما من مواقع الكتاب ، فإن ذلك يعني على الفور : القرآن الكريم . اللهم إلا إذا أشار الباحث إلى غير ذلك ، ونبه إليه .
الآيديولوجية :
وقد أوردت لها المراجع ثلاثة تعريفات ، هي :
وضع النظريات بطريقة حالمة أو غير عملية .
مجموعة نظامية من المفاهيم في موضوع الحياة أو الثقافة البشرية .
النظريات والأهداف المتكاملة التي تشكل برنامجا سياسياً اجتماعياً .
وعلى أساس هذه التعريفات ، فإنه يحسن القول بأن أياًّ من هذه التعريفات ، لا ينطبق في كثيرٍ أو قليلٍ على الإسلام ، أي : أنه ليس آيديولوجية ، لأن الآيديولوجيات من وضع البشر ، وأما الإسلام فهو رسالى إلهية وضعها الخالق ، وضمنها برامج وأحكاماً لا يتأتَّى لبشر أن يضعها أو يبتدع مثالاً لها ، وهذه الرامج والأحكام تهيئ للمخلوقين سعادة الدنيا ، وتضمن لهم نعيم الآخرة .
الثقافة : وهي لفظ عربي قديم..يقول صاحب الصحاح : ثَقِفَ الرجل ثقفا وثقافة ، أي : صار حاذقاً خفيفاً .
وقال ابن الأعرابي : خِلٌّ ثقيف، أي : حامض جداً..هذه معان لمادة ثقف ، ولكنها لا تُستعمل في عصرنا ، وهناك في المصطلحات المعاصرة لفظ الثَّقافة ، ومنها الرجل المُثَقَّف ، وتعني سعة المعرفة ، والأخذ بأطراف من الآداب والفنون .... وهذه المادة المعاصرة بدورها ليست المصطلح الذي يقصده الباحث حين يذكر مصطلح : ( ثقافة ) ، وإنما المصطلح الذي يعنيه الباحث بلفظ ثقافة هو طبقا لتعريف العالم الاجتماعي ( ديفيد سيلز ) : هو ذلك العقد الذي يتضمن المعرفة ، والعقيدة ، والفن والأخلاق ، والقانون ، والعادات الاجتماعية ، وكل المقومات الأخرى التي يكسبها الانسان بوصفه عضواً في المجتمع . ومن ثَمّ َفإنه كلما وقع بصرنا على لفظ أو مصطلح ثقافة في هذا البحث الذي بين أيدينا – مفهوم النَّصّ – فإن معناه هو كل ذلك الذي ذكره عالم الاجتماع ( ديفد سيلز ) .
هذا وليس من المبالغة في شيء أن نقرر أن فصلاً واحداً من فصول الكتاب على كثرتها لا يكاد يخلو من خطأ جسيم أو انحراف من محجة الدين ، بل إن الصفحة الواحدة من الكتاب كثيراً ما تحوي عدداً من التجاوزات التي لا تسمى أخطاء من باب التسامح ، وإنما هي في حقيقتها انحراف عن الجادة ، وزيغ عن سلامة العقيدة ، وتمثل هذه الانحرافات في الكلام عن القرآن – النص - ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهي من الكثرة بحيث يصعبُ استقصاؤها ، ومن التجاوزات ما هو متصلٌ بالعقيدة نفسها ، وبالإسلام نفسه ، وللباحث في كتابه هذا تجاوزات في الحديث عن الصحابة ، مع طعنٍ في التابعين ، بل إنه لا يكاد يذكرُ أهل السنة إلآ بسوء ، وذلك في العديد من المواضع .
وأخطاء الباحث كثيرة في التاريخ ، والمعلومات العامة ، وفي مفهومه للوحي ، وفي تفسيره لبعض آيات القرآن الكريم .
وفي عِنادٍ وتشدد ، يعارضُ الباحث تطبيق الشريعة الاسلامية ، ولا يرى من الشريعة إلا تطبيق الحدود .. كما أن الفكر الماركسي يستولي على منهجه بشدةٍ وإِلحاح ، حتى أن آخر تعليقاته في آخر صفحة من صفحات الكتاب كانت ماركسية صريحة ، وإذا كان حصرُ تجاوزات فكر الباحث ، واستقصاء انحرافات قكره من الصعوبة بمكان ، فإن ذكر نماذج منها يغني عن إحصائها .
القرآن نص لغوي:
إن قصارى ما توصل إليه الباحث عن مفهوم القرآن أنه نص لغوي، وهو بسبب ذلك كتاب العربية الأكبر، وأثرها الأدبي الخالد دون النظر إلى الإعتبار ديني هو ما نعتقده_ والضمير يعود على الباحث_ وتعتقده معنا الأمم العربية اصلا... ويجب أن يسبق كل غرض، ويتقدم كل مقصد ، ( ص 12).
هذا هو رأي الباحث في القرآن الكريم وعقيدته فيه، أما كون القرآن الكريم كتاب الله الذي أرسل به رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - هادياً ومبشراً ونذيراً، فذلك أمر لا يدخل في إهتمام الباحث، و إذا حدث شيء من ذلك فللناس من أصحاب المقاصد وذوى الأغراض: بعد الوفاء بهذا الدرس الأدبي أن يعمد الواحد منهم إلى ذلك الكتاب فيأخذ منه ما يشاء، ويقتبس منه ما يريد، ويرجع إليه فيما أحب من تشريع أو إعتقاد أو اخلاق، (ص 13).
ويلح الباحث إلحاحا غير كريم على تجريد الكتاب العزيز من قدسيته، وصرف المسلمين عنه حين يرى أن دراسته من الجانب الأدبي_ دون غيره_ ( هي الكفيلة بتحقيق وعى نتجاوز به موقف التوجيه الآيدولوجي السائد في ثقافتنا وفكرنا...)
أما فساد هذا الكلام بمقياس العقيدة، بل بمقياس الفهم المجرد للقرآن الكريم مما لا يجمل بباحث جامعى أن يقدم عليه وينشره على الناس، لما فيه من تصغير لشأن القرآن، وتفريغه من محتواه الأسمى ككتاب للعقيدة الإسلامية.. حدد جوهرها، وختم محتواها، واشتمل على أحكامها، واحتضن شرحها.
القرآن منتج ثقافي:
يقرر الباحث أن (النص)- أى القرآن الكريم – منتج ثقافي، بفتح التاء فى منتج.. وذلك حين يقول على وجه من التأكيد والتثبيت: ( إن النص في حقيقته وجوهر منتج ثقافي، والمقصود بذلك أنه تشكل في الواقع والثقافة خلال فترة تزيد على عشرين عاما، وإذا كانت هذه الحقيقة تبدو بديهية ومتفقا عليها، فإن الإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق للنص يعود لكي يطمس هذه الحقيقة البديهية، ويعكر- ومن هنا- إمكانية الفهم العلمى للنص، ( ص 27).
ونحن إذا راجعنا تعريف "الثقافة" الذي أوردناه في صدر هذا التقرير، تبين في وضوح أن مصطلح منتج ثقافي يوازي مفهوم "منتج بشرى" وتلك جرأة شديدة وغير محسوبة العواقب، وأن يقلل من خطورة هذا الإتهام للقرآن الكريم بالبشرية المحاولة التبريرية التي قال بها، وهي أنه تشكل من خلال أكثر من عشرين عاما- يقصد بذلك سنوات النزول- والباحث لكي يبدي تبريرا خاطئا حول الدفاع عن المصطلح الخاطئ الذي سحبه على القرآن الكريم بوقع نفسه في خطأ أشد تجريحا للقرآن الكريم، بإنكار سابقة وجوده في اللوح المحفوظ، وهي الحقيقة التي يقررها القرآن الكريم، أو بالأخرى يؤكدها منزل القرآن- سبحانه وتعالى- في قوله سبحانه : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ( القدر 1-3).
ثم يستدرك الباحث ليصف النص بالألوهبة، ولكنه لا يلبث أن ينقض ما ذهب إليه، ويعود لنفيه والعودة إلى القول بأن: " القرآن ينتمى إلى ثقافة البشر.
وإنه لمما يدعو إلى الأسى أن يصر الباحث على بشرية القرآن إصراراً غير محمود، حين يعود للمرة الثالثة يكرر القول ببديهية كون القرآن منتجاً ثقافياً، ومن تحليل هذه الحقائق- ليس ثمة حقائق- يمكن أن نصل إلى فهم علمي لظاهرة النص.. إن القول بأن النص منتج ثقافي يكون في هذه الحالة قضية بديهية لا تحتاج إلى إثبات) ( ص 28) ، وتنظر أيضا (ص 29)، ومن الوضوح بمكان أن تحديد طبيعية النص بأنه ( منتج ثقافي) إبعاد له عن طبيعته الإلهية، وتنحية له عن صفته القدسية، وطعن في صدق منزله، وإستهتار بقيمته.
القرآن تجاوب مع الواقع وإستجابة له:
هذا الكلام يحمل الأراء والمفاهيم مما يجعل المسلم الصادق الإيمان شديد الغضب، بل شديد التميز غضباً، ونحن لم نتصرف في عبارة الباحث بأكثر من أننا وضعنا لفظ القرآن مكان لفظ النص، ومن ثم فإن الجملة التي أوردها الباحث هي: ( لكن النص في تجاوزه مع الواقع وإستجابته له إستجاب له من خلال المتلقى الأول، ( صفحة 74)، ومعنى هذا الكلام بشيء من التبسيط هو أن القرآن الكريم إستجاب للواقع من خلال محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو أمر في غاية الغرابة، بل هي عبارة في منتهى التهور، إذا كيف يستجيب القرآن للواقع من خلال محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والمفروض أن واقع الحياة هو الذي يستجيب للقرآن ، وليس العكس، فإذا حدث العكس بمعنى أن القرآن إستجاب للواقع من خلال محمد - صلى الله عليه وسلم - ، كان محمد - على الرغم من الصيغة الملتفة التي عمد الباحث إلى صياغتها- هو صانع القرآن ومؤلفه، أو صاحب مشاركة في نظمه، وإذا كان مفهومنا لكلام الباحث صحيحا- و ليس ثمة ما يدعو إلى غير ذلك- كان ما يعنيه الباحث هو أن القرآن من عند محمد -صلى الله عليه وسلم - برغم تسميته له بالملتقي الأول.
هذا وإن الذى يستطرد فى قراءة الفقرة التى وضعت هذه العبارات الموحية بكثير من الإنحراف، سوف يقع تصورات أخرى رسمها الباحث لشخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - في مجتمعه.
القرآن هو الذي أطلق على نفسه إسم القرآن:
الأمر المعروف المسلم به ، هو أن الباحث هو الذي أطلق على القرآن الكريم مسمى "النص" بل إنه جعل هذا الإسم في عنوان هذا الكتاب الذي تكتب هذه المفاهيم: " مفهوم النص" : دراسة في علوم القرآن ". إن الباحث في مسيرته البحثية لا يرى أن الله سبحانه تعالى هو الذي سمى القرآن قرآنا ، مع وفرة الآيات وكثرتها : (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ) ( الواقعة : 77). (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ ........)(يوسف: 2).( .....وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ...) (طه: 114 ) (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) ( الإسراء: 106)( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9). إنها آيات كثيرة كانت ولا تزال تحت نظر الباحث ، وهو من غير شك عالم بها، فما هذا الذى دفع به إلى صوغ هذا المعنى على هذا النحو في هذه الكلمات.. فضلا عن محتوياتها الأخرى...
يقول الباحث: " إن النص فى إطلاقه هذا الاسم على نفسه ينتسب إلى الثقافة التى تشكل من خلالها، ولكنه فى نفس الوقت يفرض تميزه عنها بإختيار هذا الاسم غير المألوف تماما من حيث صيغته وبنائه " ( صفحة 60).
إن أي مسلم لا يخطر بباله، ولا يتصور أن القرآن هو الذى اختار لنفسه إسم القرآن، والمتفق عليه عند جمهرة المسلمين، بل البديهية هو أن الله سيحانه هو الذى أنزل القرآن، وأطلق عليه هذه التسمية طبقا لمقاطع الآيات التى أوردناها قبل سطور.. وهنا يتسائل أى قارئ لم ضمنه الباحث كتابه؟ ما الذى حدا به إلى ركوب هذا المركب الصعب ، بتقديم القرآن الكريم- النص- على أنه هوالذي أطلق الاسم على نفسه، ونأى بنفسه عن أن يذكر أن الله سبحانه - منزل القرآن - هو الذى أطلق التسمية على كتابه، وليس الكتاب أو القرآن أو النص هو الذى أطلق هذه التسمية على نفسه.. الحقيقة التى لا شك فيها أن عبارة الباحث فى حديثه عن النص فى هذا المقام بالصيغة التى تناولها به، توحي بكثير من المعاني التى لو تم الإفصاح عنها لكانت في غير صالح الجانب الإعتقادي للباحث.
كذلك يبرز تساؤل آخر نابع من نفس صيغة البحث التى أوردنا ذكرها قبل سطور ، وهو: ماهى الثقافة التى ينتسب إليها النص، وتشكل من خلالها؟ والتساؤل هذا نابع من عبارة الباحث (ص 60): " إن النص فى إطلاقه هذا الأسم على نفسه ينتسب إلى الثقافة التى تشكل منها". ونحن حين نترجم هذا الكلام بوضع لفظ القرآن مكان النص، يكون كلام الباحث على النحو الآتى: " إن القرآن فى إطلاقه هذا الأسم- يعنى القرآن- على نفسه ينتسب إلى الثقافة التى تشكل منها" فأى ثقافة تلك التى تشكل منها القرآن- وقد مر بنا فى صدر البحث تعريف مصطلح الثقافة- ؟؟ إن إجابة هذا السؤال لا تعنى- أراد الباحث أو لم يرد- إلا أن النص من صنع محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقد إستمد مادته من بيئته التى تشكل من خلالها، وهكذا مرة أخرى يهز الباحث قدسية القرآن ، ويجرده من طبيعته السماوية، وينزل به بيئة أرضية، وهو أمر فى طرف من الخطورة والبعد عن الطبيعة الإلهية للكتاب العزيز.
وعلى نفس النسق الفكرى الذى سار عليه الباحث من عزل إرتباط النص أو القرآن عن الخالق الأعظم، ما ذكره عن الشعر، و القرآن ، والرسول.. إن الباحث يقول ما نصه "وإذا حرص القرآن على نفى صفة الشعر عن نفسه، وعلى نفى صفة الشاعرية عن محمد- صلى الله عليه وسلم - قد أدت إلى تحريم الشعر أو كراهيته.. لقد أراد النص أن يدفع عن نفسه صفة الشعر لأسباب ترتبط بتصور العرب لماهية الشعر من حيث المصدر والوظيفة" (صفحة 158)...هكذا تعبير الباحث عن عزل صلة القرآن بمنزل القرآن، وهو يكرر العبارات نفسها فيما تلا من سطور وصفحات.
إن القرآن الكريم لم ينف عن نفسه صفة الشعر، كما أن القرآن الكريم لم بنف عن محمد - صلى الله عليه وسلم- صفة الشاعر، وإنما الذى نفى ذلك عن الرسول- صلى الله عليه وسلم - هو منزل القرآن وليس القرآن ، وذلك فى قوله تعالى:(وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ)( يس:69)، وفى قوله تعالى: ( وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ ) (الحاقة: 41)، ولم يرد فى القرآن الكريم فى شأن نفى الشعر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم – غير آية يس . كما أنه لم يرد في نفي الشعر عن القرآن الكريم غير آيتي يسن والحاقة ، والذي تولى نفي الشعر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الله سبحانه بنون المتكلم: ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ.. ) .
إنه من غير المقبول منطقيا أن ينفي القرآن عن نفسه شيئا، كما أن مثل هذه العبارات يرفضها السلوك الإيماني، وفى مسرى المشاعر الإيمانية بل المعالم الإيمانية.. لا يقول مسلم بأن القرآن نفى الشعر عن محمد - صلى الله عليه وسلم - أو عن نفسه، وإنما الذي يقوله المؤمن هو أن الله قد نفى الشعر عن القرآن وصفة الشاعر عن محمد - صلى الله عليه وسلم- .. لأن الله منزل القرآن.
العرب الجاهليون أقرب فهماً لطبيعة النص:
هذا القول رأى للباحث سجله فى صفحة 159 من كتابه إذ يقول:
" ولقد كان العرب الجاهليون فيما يبدو أقرب فهما لطبيعة النص- يعنى القرآن الكريم- ولوظيفته وغايته من كثير من رجال الدين المعاصرين الذين يجزئون النص ، فقد كانت الحرب التى شنها العرب ضد النص - القرآن - فى حقيقتها حرباً ضد الواقع الجديد الذى خلقه النص فى بنائه اللغوى أولا" ( صفحة 159).
إن المعنى الذى يفهمه أى قارئ لكلام الباحث هو أن كفار قريش ما جمعوا جموعهم، ولاجندوا صناديدهم، ولا عبأوا جيوشهم إلا لخوفهم من بلاغة القرآن ، وأما تعاليم القرآن بعبادة الله وتوحيده، والإيمان برسالة الإسلام، وترك عبادة الأوثان، ونبذ التعامل بالربا، والكف عن وأد البنات، والإغراق فى الإنحلال، واقتراف الآثام، فهي أمور ثانوية طبقا لحرفية رأى الباحث!!!
إن الباحث والأمر كذلك.. لم يفهم حقيقة القرآن وجوهره، أو هو يلوي عنق الحقيقة، ويذهب بها مذاهب بعيدة كل البعد عن مقصد القرآن ووظائفه.
إن الأمر ليس بهذه الصورة الخاطئة، فقد كانت الحرب التى شنها العرب الوثنيون ضد " النص" بسبب الدين الجديد الذى أقضَّت تعاليمه مضاجعهم، والعقيدة السماوية الجديدة الداعية إلى الإيمان بالله، وتوحيد ذاته، وإشاعة العدل بين الناس، وإنكار لعبادة الأصنام، والإيمان بالبعث والنشور ، والحساب والثواب والعقاب.. إن هذه الأهداف القرآنية ، هى الأساس من الرسالة التى يحمل تعاليمها وييلغها عن طريق الصادق المصدوق صاحب الرسالة ونبي الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم - .
هذا ولم يفت الباحث أن يُعَرِّض بعلماء المسلمين المعاصرين الذين يطلق عليهم إسم: "رجال الدين"، وكان ينبغى ألا يفوته أنه ليس فى الإسلام رجال دين.. فذلك من مراسم المسيحية واليهودية والأديان الوضعية.. أما الإسلام فإن القائمين على شئون التعريف به والدعوة إليه هم علماء الدين، الذين ناصبهم الباحث العداء.. فلا تكاد تمر مناسبة لذكرهم إلا خلع عليهم من الأوصاف ما لا يليق أن يصدر عن باحث فى علوم القرآن ، وهو ما سوف نعرض له فيما يستقبل من صفحات هذا "التقويم".
حضارة النص أم حضارة التأويل..؟! النص فى مفهوم الباحث هو القرآن الكريم، وأما التأويل فهو مصطلح يدخل تحت مفهوم التفسير والشرح والإستنتاج، ومن ثم فإن هناك فرقاً كبيراً بين القرآن بقدسيته، وبين التأويل.. لأن التأويل موضع إتهام فى بعض الأحيان، ولكن الباحث تضطرب الموازين فى يديه حين يقرر أنه إذا كانت الحضارة الإسلامية حضارة النص فهى أيضا حضارة التأويل.. وهو كلام مضطرب، ومن ثم فإنه من المستحسن عرض كلامه بنصه إذ يقول: "إذا صح إفتراضنا فى مفتتح هذه الدراسة أن الحضارة العربية الإسلامية هى حضارة النص يصح أيضا أن نقول حضارة التأويل.. وذلك أن التأويل هو الوجه الآخر للنص.. وإذا كان مصطلح (التأويل) فى الفكر الديني الرسمى قد تحول إلى مصطلح (مكروه) لحساب مصطلح التفسير ، فإن وراء مثل هذا التحويل محاولة مصادرة كل إتجاهات الفكر الديني المعارضة ، سواء على مستوى التراث أو على مستوى الجدل الراهن فى الثقافة. (صفحة 237).
الواقع أن مثل هذا الفكر يدخل فى باب الإثارة أكثر منه صلة بالعلم والمنهجية، وهو من قبيل تعكير الجو الفكري الإسلامي... فليس فى الإسلام ثمة فكر ديني معارض.. الفكر الإسلامي نسق ينبع من معين واحد هو الكتاب والسنة، ومن يخرج عن هذا الإطار فقد عزل نفسه عن الإسلام، وإذا كان ثمة إختلاف ففى الفروع.
غير أن الفهم الغريب الذي ساقه الباجث فى فقرته السابقة هو الذى يدين إتجاهه الفكري حيال القرآن الكريم.. إنه لا يقرر أن الحضارة الإسلامية هى حضارة القرآن.. ولكنه يفترض ذلك ويسوق إفتراضه الغريب بشروط معيبة علما ومنطقا وذلك فى قوله: " إذا صح إفتراضنا أن الحضارة العربية الإسلامية هى حضارة النص- يعنى القرآن- فإنه يصح أن يقال: إن حضارة التأويل .." .
وهو تعليل مريض أدانه القرآن الكريم فى قوله تعالى فى سورة آل عمران : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) ( آل عمران: 7) هو قرآن- نص- لا خلاف على أحكامه التى هى جوهر الدين وحدوده.
الإسلام ليس له مفهوم موضوعي محدد!!
هكذا يقرر الباحث أن الإسلام ليس له مفهوم موضوعي محدد ، ومن ثم كان هدفه الثانى من هذه الدراسة هو محاولة تحديد هذا المفهوم.. وتلك هى عباراته بألفاظها :
" إذا كان النص القرآنى هو نص الإسلام ، فإن الهدف الثانى لهذه الدراسة ، يتمثل فى محاولة تحديد مفهوم موضوعي للإسلام.. مفهوم يتجاوز الطروح الأيديولوجية من القوى الإجتماعية والسياسية المختلفة فى الواقع العربي والإسلامي " ] صفحة 22 [ .
إن أشد للناس عداوة للإسلام لم يتجاسروا على النيل من الإسلام ، بقدر مانال منه الباحث فى عباراته تلك.. إن الإسلام لم يتحددله مفهوم موضوعي منذ جاء محمد – صلى الله عليه وسلم - بالرسالة إلى يومنا هذا ، فجاء الباحث الدكتور نصر حامد أبو زيد ليجهد نفسه : في محاولة تحديد مفهوم موضوعي للإسلام !!
إن مثل هذه الأفكار الهازلة لا ينبغي الوقوف أمامها ، لأن الفاحص يقف أمام فكرة مستقيمة أو خاطئة ولكنها قابلة للمناقشة ، ولكن فكرة الباحث في محاولة تحديد مفهوم موضوعي للإسلام ليست من ذلك في شئ..
الإسلام دين عربي !!
هكذا يقرر الباحث في صفحة 26 من كتابه ، ثم ينطلق إلى مدى آخر من آفاق تفكيره الخاص ليقول : بل هو – يعنى الإسلام – أهم مكونات العروبة وأساسها الحضاري والثقافي] الصفحة نفسها [ .
مما لاشك فيه – فيما لو كان الباحث يعنى ما يقول – أن ثقافة الباحث الإسلامية تحتاج إلى تنمية وقراءة طويلة ، لأن الإسلام لا يختص بجنس ولا إنحاز لفريق ، وإنما هو دين كل من أعتنقه.. عربياً كان أو أعجمياً ، أبيض أو أسود ، ذكراً كان أو أنثى.. وليس كون محمد – صلى الله عليه وسلم - عريباً ، وأن القرآن عربي أن يكون الإسلام ديناً عربياً ، والباحث لابد أن يعرف أن أشد الناس عداءً للإسلام هم : العروبيون ، وعليه أن يقرأ مبادئ حزب البعث العربي ، وأن يتابع تطبيقاته ، وأن يفعل الشيء ذاته مع حركة القوميين العرب ، وما هو موقفهم من الإسلام الذى ينكرونه كل الإنكار.. الإسلام ليس دين العرب كما ذهب الباحث ، ولكنه دين الله إلى الناس كافة فى كل زمان وفى كل مكان.
معارضة الباحث تطبيق أحكام الإسلام ، ويصف علوم القرآن بأنها تراث رجعي ، يقول الباحث ما نصه :
وإذا كان ذلك التحدى الحضاري الذى واجه أمتنا منذ سبعة قرون ، هو الذى حدد للعلماء طرائقهم في التأليف والتصنيف ، فيجمعوا كل ما كان له علاقة بالنص – يعنى القرآن – من قريب أو من بعيد تحت عنوان ( علوم القرآن ) ، فإن التحدي الذي يواجهنا اليوم يفرض علينا سلوك طريق آخر ] صفحة 16 [ .ويستطرد الباحث قائلاً : وإذا كان علماء الماضى قد إستجابوا للتحدي الذى كان مطروحاً عليهم إستجابة حققت إلى حدما ( الحفاظ ) على التراث من الضياع ، فإن التراث الذى حفظوه لنا هو التراث الرجعى ] صفحة 16 [ .
وبشئ قليل من تأمل كلام الباحث.. يتبين أن المقصود بالتراث الرجعي الذي حفظوه هو علوم القرآن.. ويمضى الباحث في نفس الصفحة قائلاً : يذهب البعض مثلاً إلى أن خلاصنا الحقيقي يتمثل في العودة إلى الإسلام ، بتطبيق أحكامه ، وتحكيمه في حياتنا كلها، الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ، إنتهاء إلى أصغر التفاصيل في حياة الفرد والجماعة ، وأصحاب هذا الإتجاه وإن كانوا اليوم أعلى صوتاً لا يكادون يقدمون لنا مفاهيم كلية ، أو تصورات للتغيير الإقتصادي والإجتماعي والسياسي ، وإنهم لا يتجاوزون الإستشهاد بما حققه المسلمون من تقدم وحضارة ، ويفسرون هذا التقدم بمجرد إتباع المسلمين للنصوص – يعنى نصوص القرآن والسنة – وتحكيمها في حياتهم . ]صفحة 16 [ .
الأمر العجيب أن الباحث وهو يستنكر مطلق تطبيق أحكام الشريعة ، يورد من خلال إستنكاره الرد على ما أثاره ، ويثبت الإجابة الناجعة وهي : أن المسلمين حين طبقوا الشريعة أصابوا علماً وافراً ، وإقتصاداً ناجحاً ، ومجتمعاً سليماً ، ولا شك في أن الباحث لا يعلم أن أغنياء المسلمين في فترات من حكم عمر ابن عبد العزيز ، وكافور الإخشيدى في مصر لم يجدوا فقراء كى يوزعوا عليهم زكاة أموالهم.. وفي غيبة كاملة للوعي يستطرد الباحث ناعياً على الأحزاب السياسية كلها في مصر ، تبني مطلب تطبيق الشريعة الإسلامية قائلاً : ومن المؤسف أن تتبنى كل أحزابنا السياسية هذا المطلب – يعنى تحقيق تطبيق الشريعة – رغم إفتراض إختلاف المنطلقات النظرية لكل حزب من هذه الأحزاب ] صفحة 18 [ . ويمضى الباحث في حملته الشديدة على الشريعة والتراث فيما يشبه هذيان المحموم قائلاً : وإذا كان الحل السلفي في حقيقته وجوهره يتنكر دون أن يدري لمقاصد الوحي وأهداف الشريعة حين يفصل ( النص ) عن الواقع ، وذلك بالمطالبة بتطبيق ( نص ) مطلق على ( واقع ) مطلق ، فإن بلورة مفهوم النص قد يزيل جوانب بعض هذا التعتيم ، وقد يكشف القناع عن حقيقة الوجه ( الرجعي ) لهذا الفكر ، وإمتداداته في التراث ، وحقيقة عدم إنفصاله عن تيار ثقافة الطبقة الميسطرة ] صفحة 18 [ . وفي مجال حمى حديث الباحث عن الرجعية والرجعيين ، يذكر أن كلاً من طه حسين والعقاد بدأ حياته مجدداً على مستوى الفكر واللغة والأدب ، ثم إنتهى كل منهما محافظاً رجعياً.. ] صفحة 20 [ .
وبذلك يكون مفهوم المحافظة والرجعية مقابلاً للإيمان ، ويكون مفهوم التجديد مقابلاً للإنحراف والزندقة ، ذلك أن سقطات طه حسين وجموح العقاد في شباب كل منهما ، كان هذا الفريق من الناس يعتبرهما مجددين ، قيل إنهما إنتهيا إلى الإيمان والكتابة البناءة في الفكر الإسلامي حسبا رجعيين.
ماركسية الفكر والمنهج :
إن الفكر الماركسي يتجلى في أكثر صفحات الكتاب ، وإن نهج الباحث في عرض أفكاره وفي إصدار أحكامه نابع من فكر ماركسي ، ملك على الباحث كل جوارحه ، وطريقة تناوله لقضاياه.. سواء أكانت خاصة بموضوعات الكتاب ، أو عامة متصلة بالمجتمع العام والحركة فيه ، وهو يكثر من الدعوى إلى تأليب أفراد المجتمع وجماعاته ، ويسرف في ذلك إسرافاً شديداً مردداً الشعارات التي كانت الماركسية ترفعها ، وتحض على تبنيها من مثل ما يعبر عنه : " بتعارض المصالح بين المستغلين وبين الطبقات الكادحة " ] صفحة 271 [ . أو ما يدّعيه من دور الفقية " وتحوله من رعاية مصالح الأمة إلى تبرير سلوك الحكام ورعاية مصالح الطبقات المستغلة المسيطرة وضرورة إعادة النظر في مفهوم الإجماع ، فلا يكون إجماع أهل الحل والعقد هو الإجماع الذى يعمل به " ] صفحة 272 [ . ويتضح الفكر الماركسي في الممارسة الأكاديمية للباحث بشكل صارخ في تخطئته للغزالي حين يعرض له نصاً مقتطفاً من " إحياء علوم الدين " ، وضمنه قوله تعالى : ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ] الزخرف : 32 [ . إن الباحث يعلق على النص والآية حرفياً بقوله :
" إن المفهوم الطبقي واضح هنا في إستخدام لفظ – التسخير- ، فالعمل مسخرون في خدمة الملوك لإقامة ملك الدنيا ، وأهل الدنيا مسخرون لخدمة أهل الآخرة لكى يستقيم لهم سلوك الطريق " .
ويستطرد الباحث قائلاً في نطاق من السخرية : " وفي هذا المفهوم يبدو حرص الغزالي على المحافظة على النسق الإجتماعي القائم مادام هو النسق الوحيد القادر على ضمان الخلاص لأهل الآخرة ، ولذلك أيضاً نفهم حرصه على الجمع بين نظامين من العقائد وبين طريقتين للتأويل"
ولا يكتفي الباحث بهذا القدر من التعريض بالآية القرآنية وبآراء الغزالي المستمدة منها ، بل يعود ليُعَرِّض بالإمام الجليل في هامش الصفحة من أسلفها قائلاً مانصه : " والتشابه واضح بين مفاهيم الغزالي ومفاهيم الخطاب الدينى الرسمى المعاصر " . وفي نطاق تأكيد ماركسية الفكر لدى الباحث ماذكره تعلقياً على فقرة مقتطفة من كتاب جواهر القرآن للغزالي.. يقول الباحث مانصه : " إن مالقيه فكر الغزالي من ذيوع وقابلية في الأجيال التالية له ، حتى صار نسقه الفكري مهيمناً على الخطاب الديني المسيطر هيمنة شبة تامة ، أمر يحتاج إلى التحليل والتفسير ، ويكفينا هنا أن نقول : إن جانباً من هذا الذيوع – لفكر الغزالي بطبيعة الحال – يمكن تفسيره بثنائية النسق الفكري الذى يطرحه الغزالي ، حيث قدم للعامة وسيلة الخلاص بسلوك طريق الآخرة ، وقدم للطبقات المسيطرة من حكام وسلاطين ، آيديولوجية النسق الأشعري بكل ما ينتظم في هذا النسق من تبريرية وتلفيقية.. لم يكن من الممكن لنسق الغزالي أن يهيمن ويسيطر إلا والواقع الإجتماعي والسياسي للعالم الإسلامي يعانى التفسخ الداخلي بين طبقات الأمة - وهو تفسخ لم يحسمه صراع حقيقي إجتماعي ( يعنى حمامات الدم طبقاً للسلوك الماركسى ) أو فكري – لكن هذا التفسخ قد زامنه سيطرة المستعمر ، وتحالفه مع قوى الإستغلال الداخلية في الأوطان الإسلامية ، في ظل هذه الأزمة المركبة ، مازال فكر الغزالي يقدم الغداء والدواء ، يتبرير الواقع ، وتأجيل الحل والخلاص إلى مابعد الموت " ] صفحة 337 ، 338 [ . وقد دلل هؤلاء المفسرون عل ماذهبوا إليه من تفسير الوسواس بالشيطان ، بقوله تعالى في سورة الأعراف : ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ )] الأعراف : 20 [وبقوله تعالى في سورة طه : ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) ] سورة طه : 120 [ .
وإن العارفين بعلوم القرآن ومقاصده ، يعرفون أن الجن لم يرد – ألبته – في القرآن الكريم على أنه الوسواس ، وأنه يوسوس ، وإنما الوسوسة مقصورة على الشيطان ، بإستثناء ماجاء عن وسوسة النفس في الآية الكريمة من سورة ق : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ] سورة ق : 16 [
ومن الأخطاء التي لايليق بالباحث أن يقع فيها ذكره أتباع دين إبراهيم - عليه السلام - بأنهم الأحناف ، وهو خطأ واضح لأن الأحناف هم أتباع مذهب الإمام أبي حنيفة ، وأما أتباع دين إبراهيم – والمسلمون أيضاً – فهم الحنفاء ، أى أتباع الحنيفية وهى دين إبراهيم ، والمفرد حنيف على وزن أمير.. وإذا حاول الباحث أو غيره أن يعزو ذلك إلى خطأ مطبعي ، فإن ذلك يكون خطأ ثانياً لأن اللفظ قد تكرر ذكره على صورته الخاطئة في أكثر من صفحة من صفحات الكتاب ، مثل صفحتي ( 69 ، 74 ) على سبيل المثال .
ومن أخطاء الباحث أيضاً ، أن يصدر أحكاماً من منطلق معلومات خاطئة شائعة ، مثل ذلك ماذكر به كافوراً الإخشيدى من سوء ، وضربه مثلاً للحاكم السيء لقطر إسلامي ] صفحة 20 [ وإن دل مثل هذا الرأى على شيء فإنما يدل على أن الباحث يفتقد عنصر تمحيص الأخبار وتدقيقها.. فلقد كان كافور برغم سواد وجهه ونشأته على الرق – لأنه خطف صغيراً – ، واحداً من أصلح حكام المسلمين ، كان صالحاً في شخصه وسلوكه وعلمه ، وصالحاً في حكمه ، حتى إن أغنياء المصريين في أيامه لم يجدوا طرقاً لمصارف زكاتهم بسبب حُسن الأحوال الإقتصادية لعامة المصريين .
ومن الأخطاء المنهجية التي وقع فيها الباحث ، محاولاته إخضاع أسلوب القرآن الكريم لمعايير نقدية أوربية علمانية معاصرة ، والقرآن الكريم طبقاً لما هو معلوم منزه عن أن يخضع لمعايير نقدية جاءت بها [ بربارا جونسون Barbara Jonson ]، أو [بيترنساروث ، Peter Neslroth] ] صفحة 200 ، 205 [ .. بل إن العلماء المسلمين جعلوا القرآن الكريم معلماً في معايير البلاغه والأسلوب ، مثلما هو معلم لهم في شؤن الدنيا والآخرة . وفيما يلى الرأى الأخير ..
الرأي الأخير : في إستعراض سريع للأخطاء والتي وقع فيها الباحث الدكتور نصر حامد أبو زيد في الكتاب موضوع التقويم ، نجد أنها تجاوزت مسمى الأخطاء إلى شئ أخطر من ذلك ، وهو الإنحراف بالقرآن الكريم عن مقصوده ، وسوء تناول دراسته ، ونسبة أمور فاسدة علماً واعتقاداً إليه.. من أهمها :
أولاً : فساد الفكر الذى قام عليه الكتاب في تناوله لدراسة القرآن الكريم موضوعاً ومنهجاً ، وإسباغ صفة " بشرية " عليه.. مما يوحي بأن محمد – صلى الله عليه وسلم - ، ذو مشاركة في " إنتاجه" وأن القرآن تجاوب مع الواقع ، وإستجاب له ، مما يومئ بإيحاءات خبيثة ، وأن القرآن هو الذى أطلق على نفسه أسم القرآن ، وأنه – أى القرآن – هو الذى نفى عن نفسه صفة الشعر ، كما نفى الصفة نفسها عن محمد – صلى الله عليه وسلم - ، وأن العرب الجاهليين أقرب فهماً لطبيعة النص من " رجال الدين " المعاصرين ، وأن الحضارة العربية الإسلامية حضارة تأويل ، وأن الإسلام ليس لهمفهوم موضوعي محدد ، وأنه في الوقت نفسه دين عربي ، وأن علوم القرآن تراث رجعي ، كما اتضح أن الباحث ماركسى الفكر والمنهج ، وأن في معلوماته العامة كثيراً من النقص والقصور ، مما أدى به إلى الوقوع في أخطاء كثيرة على مسرى صفحات كتابه..
ثانياً : من أشد إنحرافات البحث خطراً ، هو ما قرره الباحث من أن الأحكام التي إنتهى إليها في هذه الدراسة – وهي من التصادم مع بديهيات الإسلام بمقدار كبير – تعد طبقاً لمنطوق كلمات الباحث ، ثمرة لتفاعل خصب مع طلاب قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة.. سواء في الجامعة الأم.. أو في فرع الخرطوم بالسودان.. وقد أتيح لى – والكلام للباحث – من خلال المشاركة في تدريس مادتى القرآن والحديث أن أقوم مع الطلاب بإختيار مجموعة من الفروض تدور كلها حول القرآن من جوانبه المختلفة ، وكأن النهج الذى سرنا عليه هو قراءة ما كتبه القدماء في الموضوع أولاً ، ثم مناقشة آرائهم من خلال منظور معاصر ثانياً ، ] صفحة 50 [ . هكذا يكون الباحث قد أشرك الطلاب – راغمين – على مسايرته في فكرة ، وعلى وجه الترجيح أيضاً في إعتناق آرائه التي بدت تجاوزاتها وإنحرافاتها فيما هو مفصل على صفحات هذا التقرير، ولم يقف الأمر به عند تغرير الطلاب المصريين فى آداب القاهرة وحدهم ، وإنما تعداهم إلى الطلاب السودانيين في فرع الجامعة بالخرطوم. ومن البداهة بمكان أن يلتزم الطلاب بإستيعاب هذه الآراه المنحرفة التى ضمنها الكتاب لأنها عرضة لأن تكون موضوعات للأسئلة التي يتحتم على الطالب أن يجيب عليها في إمتحانات نهاية العام الدراسي ، ومن ثم فإن الطالب الذى لا يلتزم بالإجابة عليها طبقاً لما هو مسطور في صفحات الكتاب ، وطبقاً لفكر الباحث – وهو عضو هيئة التدريس بكلية الآداب بجامعة القاهرة – ، يكون محكوماً عليه الرسوب في تلك المادة ، وبذلك تكون جامعة القاهرة قد أسهمت بدراية كاملة في تخريج طلاب من الجنسين التحقوا بها وعقيدتهم سليمة ، وتخرجوا فيها على عقيد دينية غير سوية !!..
لذلك فإننا نرى :
أولاً : منع تداول هذا الكتاب لما يؤدي إليه من فساد مؤكد في عقيدة القراء بصفة عامة ، وطلاب جامعة القاهرة بصفة خاصة..
ثانياً : الحفاظ على عقيدة الطلاب ، وتجنيبهم نلقي الدروس على هذا الأستاذ ، بالسعى إلى إيعاده عن أي محيط ثقافي شبابي ، وفي مقدمة ذلك الجامعات والمعاهد العلمية.. ( [14] )
والله تعالى ولي التوفيق... دكتور / مصطفى الشكعة
وهذان التقريران يتصفان بالعلم الغزير ، والدِّقة في البحث ، وهما كافيان لإعطاء صورة واضحة عن حقيقة هذا الكاتب ، وعن الدور الذي كُلِّفَ القيام به في الساحة الثقافية .
وبناء على هذين التقريرين رُفِضَت ترقية د. نصر ، ولكنه ترقى في فبراير 1995م ، عندما تقدم ببحث جديد تحت عنوان : ( التفكير في زمن التكفير ) لا صلة له بالتخصص ، إنما هو رد على التقارير السابقة التي رفضت ترقيته ، وبعد أن تغيرت اللِّجان التي نظرت في أبحاثه ،..
ورحم الله محمد جلال كشك الذي قال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة : ( اكتبوا على قبري : أنني مِتُّ بالقلب أو السرطان ، واكتبوا عن ( أبو زيد ..) أنه جاهلٌ ومُزَوِّر ...وهذه الكلمة بالفعل هي القاسم المشترك الأعظم بين كل الحَداثيين والعَلمانيين . وهذا يتفق مع ما قاله د. عبد الرحمن بدوي عن مُلهِميهم حيث يقول : ( إن سبب التردي الذي وقع فيه المستشرقون هو الجهل وضخالة الفهم ، ونقص المعلومات ، وسوء النية ، والتشويه المتعمد ، وسيطرة الحقد عليهم ، وتسببه في عماء بصيرتهم ، ونقلهم الأكاذيب بعضهم عن بعض ، وتأكيدهم لها ، والالتزام التبشيري شديد التعصب ، إلى أن يقول : لكننا في نفس الوقت نؤكد أن القرآن يخرج دائماً منتصراً على منتقديه ) ( [15] )
والعَلمانيون زالحداثيون عموما ، لا يُعبرون عن مطامح الأمة ، ولا عن آمالها ، ولا يشعرون بآلامها ، بل هم مع كل المناوئين لها ، والهادمين لثوابتها ، والحريصين على إذلالها ، والمُصَدِّعين لبنيانها ، ولا يُنظَر إليهم اليوم إلا بعين المَقْت ، و الريبة ، و الحَذر ...
[1] - كتب الإمام الذهبي في ترجمة ) أبو الحسن الرواندي ( يقول عنه : الملحد، عدو الدين ، صاحب التصانيف في الحَطِّ علي المِلَّة، وكان يلازم الرافضة والملاحدة، وكان في أول أمره حسن السيرة، كثير الحياء، منعدم النظير في الذكاء وفهم المَعقول، ثم انسلخ من هذا كله، وصار يؤلف المصنفات في ذم القرآن، وإنكار النبوات ، والقول بقدم العالم، وكان يقول أن القرآن من صنع العرب، وأن كلام ( أكثم ابن صيفي ) أحسن من سورة الكوثر، وكان يأخذ الأموال من اليهود والنصارى لتصنيف المؤلفات في ذم القرآن ، والحط من نبوة سيد البشر،؟!! وقد هلك ابن الرواندي وهو في أواسط الثلاثينيات (سنة 298 هجرية)، وقد ختم الذهبي ترجمة هذا الزنديق بكلمات معبرات عندما قال عن حاله وما انتهى إليه : ( لعن الله الذكاء بلا إيمان، ورضي الله عن البلادة مع التقوى .) انظر " سير أعلام النبلاء : ج 14 ص 59.
[2] _ انظر ، أحمد أمين العطار ، كتاب : ماذا علينا إذا لم يفهم البقر : ص 28
[3] - نقد الخطاب الديني ، ، د. نصر حامد أبو زيد : ص 64.
[4] - مفهوم النص - دراسة في علوم القرآن ، د. نصر حامد أبو زيد: ص27 .
[5] - الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية ، د. نصر حامد أبو زيد.
[6] - انظر : د. نصر أبو زيد : الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية: ص103 .
[7] - انظر : د. نصر أبو زيد : الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية: ص15.
[8] - انظر : د. نصر أبو زيد : الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية : ص 28 .
[9] - المرجع السابق: ص 21
[10] - د. نصر أبو زيد ، مفهوم النص : ص 26 ، وهامش نفس الصفحة .
[11] - يتخذ العلمانيون الذين يثيرون الشبهات حول أهلية المرأة في الاسلام ، من التمايز في الميراث بين الذكر والأنثى سبيلا إلى ذلك ، لأنهم لا يفقهون أن توريث الأنثى على النصف من الرجل ليس موقفاً عاماً ، ولا قاعدةً مطردة في توريث الإسلام لكل الذكور وكل الإناث . فالقرآن لم يقل : ( يوصيكم الله في الوارثين والمواريث للذكر مثل حظ الأنثيين ) ، إنما قال : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ..) ( النساء: 11 ) أي أن هذا التمايز ليس قاعدة مطردوة في كل حالات الميراث ، وإنما هو في حالات خاصة ، بل محدودة من بين حالات الميراث .... و يجب أن لا ننسى أن المرأة في بعض الأحيان ترث بقدر ما يرث الرجل، وأحياناً أخرى ترث أكثر منه ، وكمثال على كل من الحالتين نذكر هاتين القاعدتين الفقهيتين : - إذا ترك الميت أولاداً وأباً وأماً، ورث كل من أبويه سدس التركة، دون تفريق بين ذكورة الأب وأنوثة الأم، وذلك عملاً بقوله تعالى: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما السُّدُسُ) [ النساء: 11] . - وإذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها، فإن ابنتها ترث النصف، ويرث والدها الذي هو زوج المتوفاة، الربع، أي إن الأنثى ترث هنا ضعف ما يرثه الذكر. والحكمة في هذا التفاوت ، في هذه الحالة بالذات - الحالة التي تثار حولها الشبهة -: هي أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هي زوجه ـ مع أولادهما.. بينما الأنثـى الوارثة أخت الذكر ، إعالتها مع أولادها فريضة على الذكر المقترن بها.. فهي- مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة لأخيها ، الذي ورث ضعف ميراثها - أكثر حظًّا وامتيازاً منه في الميراث.. فميراثها- مع إعفائها من الإنفاق الواجب- ، هو ذمة مالية خالصة ومُدَّخَرة ، لجبر الاستضعاف الأنثوي ، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين.. وباستقراء حالات ومسائل الميراث – كما جاءت في علم الفرائض (المواريث ) – يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة في هذا الموضوع ، وبعد الاستقراء نجد : 1- إن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل . 2- هناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما . 3- هناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل . 4- وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال . أي : أن هناك أكثر من حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل ، أو أكثر منه ، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال ، في مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل ) ( انظر : د. صلاح الدين سلطان : ميراث المرأة وقضية المساواة ، ص 10 ، 46. القاهرة ، 1999م) تلك هي ثمرات استقراء حالات ومسائل الميراث في علم الفرائض ( المواريث ) ، حددتها فلسفة الإسلام في التوريث ، والتي لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة كما يحسب الكثيرون من الذين لا يعلمون . [انظر : حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين :ط2، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، ص556-559 ]
[12] - تقدم( د. نصر حامد أبو زيد ) بهذه الدراسة عن الإمام الشافعي في (110)صفحات .. يطلب فيها الترقية لأعلى درجات السلم الأكاديمي ..فقال فيها : ( بأن الإمام الشافعي قبل التعاون مع الدولة الأموية لكي يعينه بنو أمية واليا على نجران ...!!) وعندما تقدم به للترقية إلى مجلس الجامعة .. اعترض مثقف من خارج الاختصاص وقال :- عفواً يا سادة .. إنها ليست قضية فكر ولا رأي.. بل قضية جهل .. لأن الإمام الشافعي وُلِدَ بعد انتهاء الدولة الأموية بـ(18)سنة ...!!؟ وهذا الخطأ –عند العلماء الذين يحترمون أمانة الكلمة- يُخرِجُ البحث نهائيا من دائرة العلم والتاريخ ، والجِدِّيَّة ، بل يخرج كاتبه من دائرة المثقفين فضلا عن الجامعيين …وأثيرت حول المعلم نصر … زوبعة ..لم يسكن غبارها إلا بعد فترة ..وانبرت أقلام جوقة العلمانيين دفاعا عن الكاتب وحرية الرأي – تماما كما انبرت للدفاع عن جهالات الشيخ علي - . وأقول جازما بأن من دافع عنه لم يقرأ كتبه ..ولم يدرك خطأه ، وإلا لما تحمس للدفاع عنه ..اللهم إلا إذا كانت له أهداف غير معلنة ..؟ انظر : محمد جلال كشك ، قراءة في فكر التبعية : ص 198.
[13] - مافعله عثمان هو جمع الناس على حرف ( لهجة ) قريش التي نزل القرآن بها ابتداءً ، لما سببته تعدد الهجات من اختلاف كاد يعصف بالوحدة الاسلامية ، فاللهجات الأخرى كانت رخصة ، والرخصة تقدر بقدرها ، فلما أصبحت لهجة قريش معروفة لكل العرب ، طلب عثمان – رضي الله عنه – مصحف أبي بكر – رضي الله عنه – الموجود لدى حفصة -رضي الله عنها - وطلب من زيد ورفاقه - رضي الله عنهم - نسخ نسخة على حرف قريش .. بموافقة أهل الرأي من المسلمين ، فوقى المسلمين فتنة كادت تعصف بهم .
[14] - انظر كتاب : أحمد أمين العطار ، ماذا علينا إذا لم يفهم ( والأصح : تفهم ) البقر . ص 140-155. فالعبارة بالأصل قالها الفرزدق في منتقديه : [على نحتُ القوافي من مقاطعها ... وما عليَّ إذا لم تفهم البقرُ . ] وقالها (سعد زغلول ) في (طه حسين!)
[15] - انظر : د. عبد الرحمن بدوي ، دفاع عن القرآن ، 15-16