الدكتور التونسي المدلس هشام جعيط
الدكتور التونسي المدلس هشام جعيط
هشام جعيط ومشروعه الحداثي
يعد الدكتور هشام جعيط - الكاتب والمؤرخ التونسي الأصل - واحداً من الذين انطلقوا في كتاباتهم ، وخاصة ما دار حول السيرة النبوية الشريفة، بما يتسق مع المنهج الاستشراقي الذي يستهدف بالأساس التأصيل للرؤى العلمانية التي ترى أن مستقبل الأديان يتجه إلى اللادينية؛ لأن ذلك لا يتماشى مع العلم والحداثة، وهي الرؤية التي يتبناها جعيط نفسه إذ يرى أن هذا المستقبل الذي يتسم باللادينية يشمل الإسلام أيضاً.
نشأة هشام جعيط :
ولد هشام جعيط بتونس في السادس من ديسمبر عام 1935 م أي زمن الاحتلال
الفرنسي للبلاد حيث استقلت تونس عام 1956 م وهو ما يعني أن جعيط قضى شبابه الأول في كنف الاحتلال الفرنسي مما سيكون له تداعيات هامة في حياته، حيث كانت طبيعة المناهج التعليمية وسير الحياة الثقافية تسير وفقاً لما يريده الفرنسيون الذين كانت لهم السيطرة على البلاد آنذاك، وتشير بعض المصادر إلى أن عائلة جعيط كانت كبقية الأغلبية من العائلات التونسية آنذاك من حيث الالتزام بالتعاليم الإسلامية في سلوكها وتعاملا تها كأحد أهم ردود الفعل الجمعي للشعب التونسي ضد الخطط الفرنسية التي كانت ترغب في اقتلاع الشعب التونسي من هويته . الدينية والعقائدية
هذا وقد حصل جعيط على شهادته الثانوية من مدرسة الصادقية التونسية، ثم تابع دراسته الجامعية بالعاصمة الفرنسية "باريس"، وفي عام 1962 تحصل على الإجازة في التاريخ ثم حصل سنة 1981 م على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة باريس أيضاً، عمل جعيط أستاذاً شرفياً بجامعة تونس، وأستاذاً زائراً بكل من جامعة ماك غيل (مونتريال- كندا )، وجامعة باركلاي بكاليفورنيا ، وبمعهد فرنسا ( [1] )
أبرز أعمال هشام جعيط الكتابية :
أنتج جعيط العديد من الكتب والأبحاث سواء في تونس موطن نشأته، أو فرنسا مكان دراسته، ومن أهمها:
*الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي عام 1974 م .
*أروربا والإسلام: صدام الثّقافة والحداثة عام 1978 م .
*الكوفة: نشاة المدينة العربية الإسلامية عام 1986 م.
*الفتنة: جدليّة الدّين والسّياسة في الإسلام المبكّر 1989
*في السيرة النبوية - 1- الوحي والقرآن والنّبوّة عام 1999 م .
2- أزمة الثقافة الإسلامية عام 2001 م.
3 - تاريخية الدعوة المحمدية عام 2006 م.
معالم فكر هشام جعيط
تميز هشام جعيط بميله الشديد إلى التجديد في كل المجالات ، وتتمثل أبرز معالم فكره الحداثي في النقاط التالية:: فقدان الثقة في الأمة :
المتتبع لكتابات هشام جعيط يلحظ بوضوح شديد تحبيذه لمنهجية ربما تختلف عن كثير من أنداده ممن يحسبون على العلمانية من أمثال محمد شحرور، وبرهان غليون ، وحسن حنفي، إذ حرص جعيط في أغلب أعماله على تأكيد وجود أزمة داخلية في الثقافة العربية والإسلامية ، ففي كتابه الذي عنونه بـ "أزمة الثقافة الإسلامية" يقرر هشام جعيط بوضوح شديد أن الأمة العربية والإسلامية مجرد "عابر سبيل" وبالتالي فهو يرفض تماماً الحديث عما يمكن أن نسميه "مشروع حضاري عربي"، فمثل هذا الحديث في نظره وهم وكلام فضفاض، كما أن الحديث عن الخصوصية . ليس أكثر من "نفاق كبير وتضليل عظيم" ( [2] )
ويؤكد جعيط في موضع آخر أن الأمة الإسلامية قاحلة فكرياً ، فهي "صحراء ثقافية في كل المجالات ، في التراث، كما في استيعاب الثقافة الغربية، في الكتابة كما في الرسم أو الموسيقى أو المسرح ، في المعرفة كما في الأدب، وبما أن جهاز الدولة قتل المجتمع المدني، وأن هذا المجتمع أعطى رقبته للذبح. والتذّ بموته ، فلا أرى الآن خروجاً من المأزق ( [3] )
إلا أن الخروج الذي يقصده جعيط هنا هو الخروج الذي يرتبط بالداخل الإسلامي، وبالتالي فإنه أعطى لنفسه فرصة أن يطرح خروجاً آخر لكنه هذه المرة يرتبط بالخارج ألا وهو إتباع الحداثة الغربية ، فيقول "لا جدال في أن قيم الحداثة رفيعة، وأن علينا أن نأخذ بها ، أي أن نقوم بتحول ثقافي كبير ، ولا نقيم أي اعتبار لأصلها الجغرافي، بل فقط لوجه الخير فيها"؟؟ ثم يحاول جعيط أن يخفف عن القارئ وقع الصدمة ، فيسعى إلى إطلاق الحديث عن مفهوم الحداثة انطلاقا من المجرد الجغرافي فيقول : ليست هناك حداثة غربية ، وحداثة إسلامية ، وأخرى صينية ، وأخرى هندية ، أو إفريقية ، فهي واحدة في جميع أبعادها ، أن يجري الكلام على الخصوصيات لدحض قيم الحداثة فهذا نفاق كبير ، وتضليل عظيم . ( [4] ) غير أن حقيقة موقف جعيط تتكشف بعد ذلك عندما يوضح أن الحداثة التي يريدها لابد أن تكون منقطعة الصلة مع التراث لأية أمة ، بل مع هويتها الدينية ذاتها ، فيقول : الحداثة الجديدة تتقاطع مع كل دين" ، وبالتالي فشرط الدخول لهذه الحداثة بحسب جعيط هو تخلي المرء عن ثقافته ، وخصوصيته وهويته؟؟..وهذا مطلب كل الحداثيين والعلمانيين بدءا من طه حسين إلى المعتوه يوسف صديق ؟؟ .
2 - العجز الفطري للمسلمين
لا يقتصر فقدان جعيط للثقة بالأمة الإسلامية على مجرد كون الأمة تعيش أزمة ثقافية فحسب، بل إنه ينتقل إلى وصف عناصر الأمة بالعجر عن المشاركة في الفعل الحداثي فيقول : "فنحن عاجزون عن المشاركة في إبداع التكنولوجيا" كما أننا " عاجزون أيضا عن تبني قيم الحداثة والديمقراطية" والسبب كما يرى جعيط هو الشخصية الإسلامية ذانها ، فيقول : نحن أقدر على المجابهة منا على الإبد اع، وعلى البحث عن السعادة والدعة"، ويقول "المسألة في الحقيقة لها عروق فلسفية وثقافية" بما يعني أن المسلم من حيث كونه مسلماً غير قادر على الإبداع أو المشاركة في . إنتاج التكنولوجيا المتقدمة . ( [5] )
3 - النظرة الخاصة للسيرة النبوية :
يحدد هشام جعيط بشكل قاطع هدفه من الكتابة في السيرة النبوية في مقدمة الجزء الأول من كتابيه اللذين خصصهما في هذا الشأن وهو كتابه "الوحي والقرآن والنبوّة" فيقول: "أنه يرغب في إعادة كتابة السيرة النبوية بطريقة علمية مغايرة لكل السّير التي كُتبت قديماً أو حديثاً" ويضيف: "هذا الكتاب وما سيتبعه علمي وليس بالدراسة الفلسفية، و يُعتبر بالتالي كمُعطى ما هو لب الدين الإسلامي؟: الوحي، الإيمان، البعث . ( [6] )
وسواء أكان المؤرّخ المسلم أو غير المسلم مؤمناً أو خارجاً عن الإيمان فمنهجه الصحيح هو هذا؛ أي اعتبار المعطى كمعطى ومحاولة تحليله لا أكثر ،" ويتابع: "وقد حاولنا في هذا الكتاب الاعتماد على المعرفة واستنباط منهج عقلاني تفهّمي لم أجده لا عند المسلمين القدامى من أهل السير والتاريخ والحديث، ولا عند المسلمين المعاصرين، وأكثر من ذلك إن المستشرقين على سعة اطّلاعهم لم يأتوا ببحث يذكر في هذا الميدان، وتبقى دراساتهم هزيلة ، مقارنة بفحول الفكر والتاريخ في الغرب ... وعلى كل فالتعريف بوجه المقارنة بالحضارات والأديان الأخرى إنما أرجو منه خروج العرب والمسلمين من تقوقعهم وضيق أفقهم الفكري" ( [7] )
موقفه من القرآن :
يقول جعيط : ( ومن دون المسيحيّة الشرقيّة السوريّة لم يكن ليظهر محمد،) ( [8] )
ويقول : ( إنّ أهمّ المؤرّخين من مثل فلهاوزن ، وتور أندري ، يقرّرون قوّة التأثير المسيحي، وهم محقّون في ذلك (.( [9] )
ومن بين المستشرقين الذين يعتمد عليهم جعيط كثيرا) تور أندري ) وكتابه )أصول الإسلام والمسيحيّة ( حيث( درس فيه عن كثب الموافقات الكبيرة بين المسيحيةّ السوريةّ وبين القرآن الأوّلي... وكتابه دقيق جدّاً لمعرفة الرجل بهذه المسيحيّة السوريّة، ولمعرفته الجيّدة بالقرآن أيضا )( [10] ) ويضيف قائلاً ) : وكتابه المهم الذي اقتبسنا منه الكثير لتقديمه للجمهور العربي ) ( [11] )
ويقول أيضاً: : ( كمؤرّخين يجب أن نقرّ بتأثير المسيحيّة السوريّة على اسكاتولوجيا القرآن؟؟ ، وعلى قسط وافر من الأفكار والتعابير، وأنّ القرآن كنصّ من القرن السابع الميلادي، ووثيقة من هذه الفترة، قد أخذ من موروثها ببراعة فائقة ) ( [12] ) ومن الطريف ما ينهي به جعيط كلامه حول مبحث )التأثيرات(، حيث يقول : ( لكن القرآن يستعمل هذا التراث من دون أن يخضع له، فهو يتخيّر ويعدّل ويبتعد عنه أحياناً عن عمد ليأتي برؤيته الخاصّة... هو تركيبي ومجدّد) ( [13] ( أو قوله: ( علماً بأنّ القرآن إذ أخذ من هذا المعين تجاوزها ليأتي بتركيب جادّ وجديد ( ( [14] ) الذي يتمسّك به جعيط هو ما ذهب إليه المستشرقون، ويعتمد هنا على المستشرق أندري كثيراً، والملفت للنظر والغريب للأمر، أنّ تور أندري أوّلاً لم يتكلّم عن تأثير وإنّا يتكلّم عن تشابه ومقاربة، ولم يجزم بالتأثير، وهذا ما يعترف به جعيط، ولذا يعترض على أندري، قائلاً: ( ونحن نلحظ أنّ عالماً مثل تور أندري يحلّل عن كثب القرابة القريبة بين إفرائيم مثلاً والقرآن الأوّلي، لكن لا يجسر أن يقرّ بتأثير واضح مباشر من المسيحيّة الشرقيّة على القرآن، بالنسبة للمؤرّخ الموضوعي، لا يمكن الانفلات من إقرار هذا التأثير ) ( [15] )
فهو يسبح على خلاف التيّار ليكون موضوعيّاً بزعمه؟! إنّ أندري الذي مدحه كثيراً لا تسمح له موضوعيّته العلميّة أن يقول بالتأثير المباشر، بل اكتفى بمجرّد التشابه، غير أنّ جعيط يتجاوزه بل يعترض عليه، بل يدلّس ويحرّف منهج كتاب أندري ومحتواه ليجعله لصالحه، وهو عنه بعيد.
والأنكى من ذلك، أنّه يصف بعض المستشرقين بقوله إنّهم ( إذ اكتشفوا
تشابهات كبيرة بين القرآن وبين الأناجيل المنحولة، لا يلحّون على مسألة التأثير بل يمرّون سريعاً عليها لكي لا يجرحوا مشاعر المسلمين [16] ) (.)
فهذه من مخازي مؤرخّنا المسلم حيث تجاوز المستشرقين في الطعن على القرآن، وليته اقتدى بهم فمرّ سريعاً ولم يدنّس صفحته بما سطّرته أنامله، ولم يجرح مشاعر المسلمين.؟!
ويزعم جعيط تعرض القرآن الكريم للتحريف والزيادة، حيث عبر عن ذلك بقوله: "هل وقعت زيادات في صلب النص القرآني بإقحام كلمات وعبارات لم يذكرها الرسول، أو حصل إسقاط لبعض العبارات نسيت، أو لم تسجل؟ ثم قال: رأيي أن هذا محتمل في حالات قليلة مثل عبارة ) "وأمرهم شورى بينهم ) ( الشورى : 38)"، لا تنسجم مع نص الآية التي وضعت فيها، ومعروف أن عثمان نفسه أنتخب بعملية شورى، كما لا نرى ماذا يكون "أمرهم" هذا، أي حكم المسلمين لأنفسهم في زمن النبي، ولا نستبعد كذلك أن آيات قرآنية أعيد ذكر بعضها مرتين، خصوصا وأن في القرآن تكرارا بسبب . صيغته الشفوية الأولى"، والقول بأن محمدا كان يثري النص القرآني بتعميقه له ) ( [17] )
وهذا القول زعم باطل وخرافة كبيرة، لأنه لم يقدم دليلا تاريخيا صحيحا ولا ضعيفا لتأييد زعمه، ولا أيده باستنتاج عقلي صحيح مبني على مقدمات عقلية صحيحة، وإنما افترض احتمالا نظريا بإمكانية أن يكون القرآن قد تعرض للتحريف، _ كما زعم الجابري من قبل - ؟؟ وهذا ليس دليلا، وإنما هو مجرد فرض نظري يقابله احتمال آخر بإمكانية أن يكون القرآن لم يتعرض لأي تحريف، وعليه فإن الاحتمالين يتساويان ولا يصح الأخذ باحتماله دون الآخر إلا إذا قام الدليل الصحيح الذي يثبته، وهذا لم يحدث
تاريخيا صحيحا ولا ضعيفا لتأييد زعمه، ولا أيده باستنتاج عقلي صحيح مبني على مقدمات عقلية صحيحة، وإنما افترض احتمالا نظريا بإمكانية أن يكون القرآن قد تعرض للتحريف، وهذا ليس دليلا، وإنما هو مجرد فرض نظري يقابله احتمال آخر بإمكانية أن يكون القرآن لم يتعرض لأي تحريف، وعليه فإن الاحتمالين يتساويان ولا يصح الأخذ باحتماله دون الآخر إلا إذا قام . الدليل الصحيح الذي يثبته، وهذا لم يحدث . ( [18] )
ويضيف الدكتور علال قائلا: إن سياق آية الشورى، والجدوى منها، ليس كما زعم جعيط المغالط المفتري على القرآن الكريم وعلى الفهم الصحيح والسليم له، وذلك أن سياق الآية يبطل زعمه جملة وتفصيلا، وهو واضح من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)) ( الشورى : 37-39 ) فالآية واضحة من أنها وردت ضمن آيات حددت بعض صفات المؤمنين الصادقين، منها ممارستهم للشورى في كل أمورهم الدينية والدنيوية معا، وهي تنسجم تمام الانسجام مع الآيات التي وردت فيها، فلا خلل فيها ولا اضطراب، لكن هشام جعيط المفتري على القرآن هو الذي اختلق زعمه وبنى عليه . خرافته . ( [19] )
وأما زعمه بأنه لا معنى من ورود آية الشورى زمن النبي لأن زمن تطبيقها لا يكون في عهده وإنما بعد وفاته، عندما يكون المسلمون في حاجة إليها، ومن ثم فإن هذه قد تكون قد أقحمت في القرآن هو زعم باطل لأمرين:
أولا: أن المسلمين كانوا حقا بحاجة إلى آية الشورى ليطبقوها في حياتهم كلها في علاقاتهم فيما بينهم ، وفي علاقاتهم مع الفنبي – صلى الله عليه وسلم - ، فكانت صفة من صفات المؤمنين التي مدحهم الله بها من جهة ، وقد مارسوها عمليا زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – فكان يشاورهم في مختلف شئون المسلمين . وهذا ثابت في السيرة النبوية، من جهة أخرى؛ فالآية خاطبت الجميع وليست خاصة بالحكم والإمامة بعد رسول الله، كما أراد أن يوهمنا به هشام جعيط، وإنما هي تشمل كل أمور المسلمين في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – وبعده.
ثانيا: إنه على فرض أنها تخص الحكم والإمامة بعد رسول الله فهذا ليس دليلا على أنها مقحمة في القرآن الكريم، وإنما هو دليل على أنه تشريع إلهي مسبق للمنهج الذي يجب على الأمة الإسلامية أن تسير عليه بعد نبيها. وهذا من ضروريات اكتمال دين الإسلام . ( [20] )
أما قول جعيط بأنه لا يستبعد أن تكون آيات قرآنية أعيد ذكرها مرتين، خصوصا وأن في القرآن تكرارا بسبب صيغته الشفوية الأولى، فهو زعم باطل مردود على صاحبه، بناه على أوهامه وظنونه، لأن الثابت تاريخيا أن القرآن الكريم له مرحلة واحدة طيلة العهد النبوي كله، جمعت بين الصيغتين المكتوبة والشفوية المحفوظة على ظهر قلب، في وقت واحد، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم –كان مأمورا بتدوين القرآن وحريصا على كتابته عند نزوله مباشرة . ( [21] )
أما زعمه أن محمدا قد أثرى القرآن بتعميقه له، فإن من الآيات ما صُدر بـ ( قل) ولتصدير هذه الآيات بعبارة ) قل ) مغزى لطيف يفهمه العربي بالسليقة وهو توجيه الخطاب للرسول وتعليمه ما ينبغي أن يقول، فهو لا ينطق عن هواه، بل يتبع ما يوحى إليه، ولذا تكررت عبارة ( قل ) أكثر من ثلاث مئة مرة، ليكون القارئ على ذكر من أن محمدا لا دخل له في الوحي، فلا يصوغه ولا يلقيه بكلامه، وإنما يلقى إليه الخطاب إلقاء، فهو مخاطب لا متكلم. حاك ما يسمعه، ولا معبر عن شيء يجول في نفسه . ( [22] )
ومن انحرافاته في التفسير :تفسير قوله تعالى ( النبي الأمي ) فيقول : ( يعني النبي المبعوث من غير بني إسرائيل ) ( [23] ) ثم يقول : ( عبارة النبي الأمي ونبي الأميين موجهة بالأساس إلى يهود تلك الفترة ، أكثر مما هي موجهة للمسيحيين ، وتعني النبي المبعوث إلى العرب وإلى الأمم الأخرى ، والمختار هو ذاته من بين أمة من غير اليهود ) ( [24] ) ثم يقول : ( لا علاقة بين ذلك وبين جهل القراءة والكتابة ) ( [25] ) ويقول : ( ومن الواضح عندي أن شخصا مثل محمد في الزمن والوسط الذي عاش فيه ، كان يخسن القراءة والكتابة ، وأنه كان يتمتع بأوصاف النبوغ والعبقؤية والحافظة والذكاء الوقاد ) ( [26] ) وقد قال بهذا القول كل المؤلفة قلوبهم من قِبَلِ مؤسسة راند الأمريكية اليهودية من الحداثيين والعلمانيين أمثال : أركوتن ، والجابري ، وشحرور ، والزنديق يوسف الصديق ، والصادق النيهوم ، وبينا خطأ كلامهم فيما عند تفنيدي لشبهة الأمية عند الجاري والنيهوم وغيرهما . وقد رددت على تشكيك الجابري في أمية الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو تفنيد لافتراءات جعيط كذلك ؟!
قول جعيط في تسمية محمد – صلى الله عليه وسلم - فقال :
تسمية محمد لم ترد في القرآن إلا في الفترة المدنية من نزول الوحي، وهي عبارة تفخيم ورفعة اتخذها النبي في المدينة بعد أن ارتفع مقامه، لكنه أكسبها معنى دينيا ، وربطها بتراث المسيحية زيادة على معناها الدنيوي، ومحمد لقب وليس اسم، واللقب صفة تلصق بشخص، وهو قليل الوجود في تلك الفترة، ثم إن المصادر قد أخفت الاسم الأصلي للنبي – صلى الله عليه وسلم – ، وبعد استعراض عدد من الشكوك في روايات أهل السيرة لاسم النبي – صلى الله عليه وسلم- يقول : ( وهكذا يكون اسم النبي أصلا هو قثم ) ( [27] ) لأن البلاذري ذكر في أنساب الأشراف ([28] ) أن عبد الله بن عبد المطلب والد النبي كان يُكَنّى بأبي قُثم، ويقال بأبي محمد، فهو يرجح الكنية الأولى، ثم ذكر البلاذري أيضا أن بعض أبناء عبد المطلب كان اسمه قُثم، فمن المعقول أن نستنتج أن النبي تَسمّى على اسم عمه المفقود، وهذا من عادات قريش ( [29] ) ؟؟ وللرد على هذا الرأي نستند إلى ما يلي :
نصوص القرآن الكريم .. فالله سبحانه يذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – في أربعة مواضع ، وهي : قوله تعالى : ( وما محمد إلا رسول قدخلت من قبله الرسل ) ( آل عمران : 144)
وقوله : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) ( الأحزاب : 40 )
وقوله : ( وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم ) ( محمد : 2)
وقوله : ( محمد رسول الله والذين معه ) الفتح : 29) إن ما ادعاه جعيط بتغيير النبي لاسمه هو باطل وتجرُّؤ على شخصه من عدة نواحي، فهو قول يتعارض مع القرآن الكريم الذي يقول جعيط بقدسيته، حيث يذكر القرآن الكريم محمدا باسمه الصريح كما أسلفنا ..نصوص السنة النبوية : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم ، يشتمون مذمما وأنا محمد ) ( [30] ) وقال – صلى الله عليه وسلم – لي خمسة أسماء ولم يذكر من بينها ( قثم ) . ( [31] )
تسمية المعاصرين له : روي أن عبد المطلب ، جد النبي – صلى الله عليه وسلم – سئل بم أسميت ابنك ؟ فقال : بـ ( محمد ) ولما مدح حسان بن ثابت النبي – صلى الله عليه وسلم - قال : فاشتق له من اسمه ليجله .......فذو العرش محمود وهذا محمد .( [32] )
ث - استند جعيط في ادعائه هذا على ما رواه البلاذري، وهو استشهاد لا يصح الاعتماد عليه، لأنه خبر رواه البلاذري دون إسناد ، والخبر الذي هذا حاله لا يصح الاحتجاج به في علم الجرح والتعديل، خاصة وأنه يتعلق بأمر هام جدا يستلزم التأكد من صحته إسنادا ومتنا، والخبر الذي يفتقد الإسناد هو خبر افتقد شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر، علما بأن ذلك الخبر ليس دليلا على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يسمى قثما، وإنما هو يتعلق بأمر آخر، مفاده أن أباه عبد الله كانت له كنيتان، أبو قُثم وأبو محمد....ويبدو أن عبد الله والد النبي كان يكنى بأبي قثم قبل ميلاد ابنه محمد، لأن الثابت والمشهور في السيرة، أن عبد الله توفي وابنه في بطن أمه، الأمر الذي يعني أن محمدا لم يكن يسمى قثما وإنما أبوه هو الذي يكنى بذلك، بل لم يكن له ولد يسمى قثم؟؟ ( [33] ) كما كان أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – يكنى بأبي بكر، وليس له ولد يسمى بــ (بكر)
كما أن زعمه بتغيير اسم النبي من قُثم إلى محمد في العهد المدني باطل، لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم - أعلن للعالم أنه هو النبي الخاتم الموعود منذ العهد المكي، وأعلن صراحة أنه هو النبي الذي بشر به موسى وعيسى –عليهما السلام-، وأنه مذكور في التوراة والإنجيل، لقوله تعالى: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( الأعراف : 157) فالرسول - صلى الله عليه وسلم - منذ نزول الوحي عليه في العهد المكي أعلن أنه الرسول النبي العالمي الذي ينتظره أهل الكتاب والعالم أجمع، وبذلك يسقط زعم هشام جعيط والذي تبين افتراءه على النبي- صلى الله عليه وسلم – . ( [34] ) ج - زعم جعيط كذلك بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – بدل اسمه من قثم إلى محمد ليكون هو النبي الذي بشر به عيسى – عليه السلام – يقتضي أن جعيط كذّب رسول الله في نبوته ودعوته، واتهمه بالتدليس والكذب على الله والمسلمين والناس أجمعين،وهذا اتهام باطل من أساسه، ولا أصل له، لأن صدق النبي – صلى الله عليه وسلم – في دعوته أمر متواتر ثابت شرعا وتاريخا، حتى أن الكفار لم يجرؤوا على أن يتهموه بالكذب، قال تعالى : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) ( الأنعام : 33) .
كما أن جعيط – أخزاه الله - اتهم النبي– صلى الله عليه وسلم –. بالاحتيال ليصل إلى ما يريد.. ثم إن أعداء النبي - صلى الله عليه وسلم – من الكفار المعاصرين له كانوا ينادون النبي– صلى الله عليه وسلم –باسم ( محمد ) ولم يرد عن أحدهم أن ناداه بـ ( قثم ) .( [35] )
_ وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الشبهة من الشبهات التي يحرص على ترديدها الاستشراق المعاصر حيث جاءت في كتابات المستشرق الألماني تويودور نولدكه - "تاريخ القرآن"، وردَّدها أيضاً المستشرق النمساوي لويس سبرنجر - في كتابه عن سيرة النبي ، والمستشرق الفرنسي ( اليهودي هرتويغدرنبرغ ) ، والمستشرق الإيطالي الأمير ليون كايتاني في كتابه الشهير "حوليات الإسلام ".- ومن انحرافاته قوله : (إن القرآن ليس قول الله مباشرة ولكنه منقول على لسان جبريل – عليه السلام - وقال : فالوحي قول من ( رسول كريم )أرسله الله ، وليس بالتالي قول الله مباشرة ؟؟ ) ثم يقول : ( المهم أن الشخص الميتافيزيقي ليس الله ذاته ، وإنما مبعوث منه ، وأن محمدا رآه ، وأن القرآن قوله لكن عن الله ؟؟) ( [36] ) وسبقه بهذا القول المعتزلة ، وقال به بقية العصابة من الزنادقة والحداثيين ،كشحرور ، ويوسف صديق وقد فندت ذلك في كتابي ( أباطيل وأسمارالزنديق يوسف صديق - قراءة عاصرة ) وهو قيد الطبع قلت في ذلك : وقلت :
ورد قوله تعالى: ( إنه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( في موضعين ، فقال نعالى : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ . وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ( ( الحاقة : .4- 42) فالرسول هنا هو محمد – صلى الله عليه وسلم - . وقال سبحانه :( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ . مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) ( التكوير : 19- 23) فالرسول هنا هو جبريل– عليه السلام - . فأضافه إلى الرسول من البشر تارة ، وإلى الرسول من الملائكة تارة أخرى ، ولم يقل : إنه لقول نبي من البشر ، ولا قول مَلَكْ من الملائكة ، بل قال في الحالين : قول رسول ليبين أنه مُبلِّغ عن غيره لا مُنشئاً له من عنده !! إذ لوكان مٌنشئا له لم يكن رسولا فيما أنشأه ، وإنما يكون رسولا فيما بلَّغه وأداه .. ووصف الرسول بأنه : ( أمين ( والأمين: هو المؤتمن الذي لا يزيد على تبليغ ما أرسل به ولا ينقص... والضمير عائد على القرآن في الحالين ، ولو كان الرسول أحدثه وأنشأه لم يكن تنزيلا من رب العالمين ، بل يكون تنزيلا من الرسول – عليه الصلاة والسلام - . وقد قالت الخوارج والمعتزلة ، بهذا القول الذي ردده جعيط وأمثاله ؟؟ واستدلوا بقوله تعالى : ( إنه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( وقالوا: هذا دليل على أن الرسول هو الذي أحدث نظم القرآن، فدل على أن القرآن مخلوق؛ لأنه قول رسول كريم، وهو الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام- ؟؟ وهذا مردود لأن الله تعالى قال : )قول رسول( والرسول هو الذي يبلغ كلام مُرسِلِه، ولا يأتي بشيء من عنده، والله هو الذي أرسله.... لذلك كان التعبير بقوله: )رسول( ولم يقل: ( إنه قول نبي( ،) ولا قول مَلَك) ؛ لأن الرسول يبلغ كلام مُرسله.. ولم ينسب جعيط بقية العصابة هذا القول لمن قال به من الخوارج أو المعتزلة ، إذ تاريخ الخوارج معروف ، ويشهد تاريخهم على عِظَمِ خَطَرِ الانحراف الفكري ، الذي قادهم إلى استحلال الحُرُمات، وَوُقوفهم مع الباطل ، وهم يَحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً.. أما المعتزلة الذين يتغنى العلمانيون والحداثيون بعقلانيتهم ؟؟ فهم أول من أقام محاكم التفتيش في الإسلام ، وأول من ضرب العلماء كالإمام أحمد– رضي الله عته وأرضاه ولعن من أساء إليه وآذاه - لكي يفرضوا نصا من نصوصهم وفشلوا فشلا ذريعا في ذلك ؟!
القول بخلق القرآن عند الخوارج والمعتزلة ؟!
هذه المسألة من المسائل التي أخذت من الوقت والجهد وشدة الجدال بين أرباب المذاهب الكلامية أكثر مما ينبغي لها، فقد سفكت بسببها دماء كثيرة ، وبلايا متتالية على العلماء في زمن المأمون والمعتصم، وغصت السجون بالمخالفين فيها، القائلين بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود .وكان أكبر من تزعم تلك الفتنة : أحمد ابن أبي دؤاد الذي اشتهر بأنه من أكابر من ناضل في سبيل القول بخلق القرآن، فغلب المأمون على أمره ووقع تحت تأثيره، وجرى ما قد كتبه الله في سابق علمه. ولست الآن بصدد التأريخ لما حدث في تلك الفتنة ، وإنما أقصد هنا بيان رأي الخوارج في مسألة القول بخلق القرآن، الذي لم يعد – ولله الحمد – يذكر على لسان أحد إلا في بطون الكتب ، وفي مدارسات العلماء..
الخوارج والقول بخلق القرآن : ذكر علماء الفرق أن الخوارج قد قالوا بخلق القرآن واعتقدوه حقاً لا يمارى فيه بزعمهم، ولهم شبه واهية وتأويلات بعيدة، وفي ذلك يروي الأشعري أن الخوارج كلهم يقولون بأن القرآن مخلوق بإجماع منهم على هذا الحكم ، فيقول: " والخوارج جميعاً يقولون بخلق القرآن" . ويقول ابن جميع الإباضي في مقدمة التوحيد: " وليس منا من قال إن القرآن غير مخلوق" .وقد بيَّن الورجلاني الإباضي أدلتهم على خلق القرآن، وناقش فيه المخالفين لهم بقوله: "والدليل على خلق القرآن أن لأهل الحق عليهم أدلة كثيرة، وأعظمها استدلالهم على خلقه بالأدلة الدالة على خلقهم هم ، فإن أبوا من خلق القرآن أبينا لهم من خلقهم، وقد وصفه الله عز وجل في كتابه وجعله قرآناً عربياً مجعولاً.([37] ) ثم جاء بالأدلة ، وهي الآيات التي ذكر فيها نزول القرآن وهي كثيرة ، مثل قوله تعالى (: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ( (القدر: 1)، وقوله): نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ) )الشعراء: 193(، وغيرها من الآيات. ويقول الحارثي الإباضي في إثبات رأي الخوارج في القول بخلق القرآن أيضاً: " فعند المحققين من الإباضية أنه مخلوق إذ لا تخلو الأشياء إما أن تكون خالقاً أو مخلوقاً، وهذا القرآن الذي بأيدينا نقرؤه ، مخلوق لا خالق؛ لأنه منزل ومتلو ، وهو نفس قول المعتزلة" .( [38] )
المعتزلة والقول بخلق القرآن :
ومما استفاض به الخبر أن المعتزلة يقولون بخلق القرآن , قال القاضي عبد الجبار في المُغني : " [ فصل : في وصف القرآن وسائر كلام الله تعالى بأنه مخلوق وما يتصل بذلك ] : قد بيَّنَّا فيما تقدم أن كلامه تعالى محدث , وإذا ثبت ذلك وجب أن يجري مجرى سائر أفعاله , وإذا كانت توصف بأنها مخلوقة ؛ فكذلك القول في القرآن ,والقرآن بهذه الصفة , فيجب أن يوصف بأنه مخلوق. ([39] ) . وقال الزمخشري في تفسيره لسورة الأعراف : : " { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } الآية [142]: من غير واسطة كما يكلم الملك ، وتكليمه : أن يخلق الكلام منطوقاً به في بعض الأجرام كما خلقه مخطوطاً في اللوح ".( [40] ) وقال الفخر الرازي : " وأما القرآن الكريم , وهو من كلام الله تعالى , فإن المعتزلة يقولون : هو مخلوق ومحدث , وذلك لأنه نزل بعد التوراة وبعد الإنجيل , والمنزل مخلوق ومحدث "( [41] ) أدلة المعتزلة على أن "القرآن مخلوق"...والرد عليها : استدل المعتزلة على ما ذهبوا إليه من القول بخلق القرآن بعدة أدلة , وفيما يلي ذكر أهمها , مع الرد عليها : الدليل الأول :
القرآن شيء ، وقد قال الله تعالى : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) ( الزمر: 62 ) ولفظ (كل) للعموم ، فالقرآن داخل في عموم ما خلق الله من الأشياء. وللرد عليه نقول :
لا نحسب أن فساد هذا القول خافٍ على من قال به ، ولكنهم أرادوا إدخال الريب والشك على من لا يفهم كلامهم ، وذلك أن صيغة (كل) وما يشبهها من صيغ العموم ، عموم كل منها إنما هو بحسبه ، قال تعالى في ريح عاد : ( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ) (الأحقاف:25) فالتدمير إنما كان بأمره تعالى ، وأمره تعالى كلامه ، قال : (فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ) فأبان أن مساكنهم لم تدمر ، ومقتضى ذلك أنها لم تدمر الأرض ولا الجبال ولا غير ذلك من سوى أهلها ، فدل ذلك على أن عموم (كل) إنما كان في حق الكفار المستحقين للوعيد , لا كلّ شيءٍ حتى من سواهم من الجماد وغيره , وهذا معقول ظاهر . ولقد أثبت تعالى أن له نفساً ، قال : ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) (المائدة: من الآية116) ، وقال تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) ( آل عمران : من الآية185) , فهل يُدْخِلُ الجهميُ المعتزلي نفسَ اللهِ تعالى في هذا العموم ؟ إن الأنفس التي تموت إنما هي الأنفس المخلوقة ، أما الخالق تعالى بصفته فهو حي لا يموت .فدلت هذه النصوص على أن عموم (كلّ) إنما هو بِحَسَب الموضع الذي وردت فيه .فكذلك قوله تعالى : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) , فالله تعالى شيء ، وصفته شيء ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ) (الأنعام: من الآية19) , والمخلوق شيء ، والله هو الخالق وليس بمخلوق ، وصفاتهُ تابعةٌ لذاتهِ ، فليست بمخلوقةٍ ، والقرآن كلامه ، وكلامه صفته ، وصفته غير مخلوقة ، فالله شيءٌ غيُر مخلوقٍ ، وصفتهُ شيءٌ غيُر مخلوقٍ ، والمخلوقُ من وقع عليه فعلُ الخلقِ ، وهو كلُّ شيءٍ سوى الِله تعالى وصفتهِ.ولكنَ الجهميةَ المعتزلةَ أوقعهم في ذلك اعتقادُهم أن الله تعالى لا تقوم به الصفاتُ ، فصفاتُهُ عندهم غيرُهُ , وقد سبق أن الصفة إنما تقوم بالموصوف ، والكلام إنما يقوم بالمتكلم ، ولا تعقل ذاتٌ مجردةٌ عن الصفات ، وهذا من الجهمية المعتزلة هو التعطيلُ لصفات الخالق تعالى ، لأن الصفة إذا قامت بمحل كانت صفةً لذلك المَحَلّ ، فباعتقادهم تبطلُ جميعُ الصفاتِ.
الدليل الثاني :
قالوا : القُرْآنُ مَجْعُوٌل ، قال تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) (الزخرف: 3) , والجَعْلُ : هو الخَلْقُ . وللرد عليه نقول :
لفظ (جَعَلَ) يأتي بمعنى (خَلَقَ) . والقاعدة فيه : أنه لا يأتي بمعنى خلق إلا إذا تعدى إلى مفعول واحد ، ومنه قوله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) (الأنعام: 1). وربما تعدى إلى مفعول واحد ولم يكن بمعنى خلق ، كقوله تعالى :( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ ) (الأنعام: 100). أما إذا تعدى إلى مفعولين فلا يكون بمعنى (خلق) بأي حال ، ومن ذلك :قوله تعالى : ( فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ) (البقرة: 66) ,وقوله : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) ( الأنبياء: 73) فكذلك منه قوله تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) (الزخرف: 3) فالمفعول الأول : الضمير ، والثانى : قرآناً ، والمعنى : قلناه قرآناً عربياً ، أو بيناه. فبطل تمويه المعتزلة. وقد أجاب الإمامُ أحمدُ- رحمه الله - المعتزليَّ حين احتج عليه بهذه الآية بقوله : " فقد قال الله تعالى : ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) (الفيل:5) , أفخلقهم !!!( [42] ) وفيما يتعلق بموقف السلف في هذه القضية فإنهم يمتنعون عن وصف القرآن بما لم يوصف به على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى ألسنة الصحابة من أنه مخلوق أو غير مخلوق. قال ابن قدامة : ( ومن كلام الله تعالى القرآن العظيم وهو كتاب الله المبين وحبله المتين، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعو" .( [43] )
وقد كَفَّرَ كثير من علماء السلف من قال بخلق القرآن ، أورد الأشعري عدداً كبيراً منهم . وقال : ( وإن من قال بخلقه فهو كافر ) ( [44] )
4 - ومن انحرافاته قوله : بأنه لم يثبت تاريخيا ولادة النبي- صلى الله عليه وسلم – عام الفيل ؟؟
حيث يقول : لم يولد محمد في رأيي قبل سنة 580 م أو حواليها أو بعدها، وكل ما ذكر عن سنة 570 م لا يصمد أمام الفحص التاريخي لسببين:
- هجمة أبرهة على العرب وقعت في سنة 547 م حسب النقوش؟؟.
- لا يوجد أي سبب لكي يولد محمد على أية حال "عام الفيل" وهذا إنما هو علامة زمنية ليس أكثر ؟؟ ( [45] )
ونقول :
يشكك جعيط في تاريخ مولد النبي- صلى الله عليه وسلم – إعتمادا على نقوشه الموهومة ؟؟ فهو لم يذكر ما هي هذه النقوش ، ولا موقعها ، وبالتالي فهو كلام غير موثق ، وهو مردود عليه ..وهذا الاسلوب استعمله الجابري كثيرا ، فهو عندما يذكر خبرا شاذا يقول : كما ورد في مصادرنا ؟؟ ولم يذكر لنا هذه المصادر ؟؟
_ يقول جعيط بأنه لا يوجد أي سبب لكي يولد محمد على أية حال "عام الفيل"، وكان من الأجدر له أن يضيف أنه يمكن أن يكون محمدا قد ولد عام الفيل حتى يثبت عكس ذلك.
-لا خلاف بين العلماء والمؤرخين في أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم - وُلد عام الفيل، فهناك عدة روايات تثبت ذلك ، ذكرتها كتب السيرة .( [46] ) كما ذكر ) مونتجمري وات ) ما نصه: "وُلد محمد في عام الفيل عام حملة أبرهة غير الناجحة على مكة، وكان ذلك حوالي سنة 570 م تقريبا( [47] )
5 - ومن انحرافاته : قوله بأنّ القرآن ينفي عن النبي- صلى الله عليه وسلم - المعجزة ؟؟
ونقول : هذا كلام خالي الذهن عن المعجزة والإعجاز وضرورتها ودلالاتها .. فالمعجزة إذن: هي أمر خارق للعادة، يُظهره الله على يد مدعي النبوة يقصد بها التحدي تصديقاً له في دعواه، وغالباً ما تكون من جنس ما اشتهر به القوم، ويعجز البشر عن الإتيان بمثلها ...
فعصا موسى –عليه السلام- معجزة ، لأنها من جنس ما اشتهر به قوم فرعون في تلك الأيام، وهو السحر، فعصا موسى ليست بسحر، وإن كانت شبيهةً به، لذا عندما التقى موسى بالسحرة وألقوا حبالهم وعصيهم التي خُيِّلَ إليهم من سحرهم أنها تسعى، وأوجس في نفسه خيفةً موسى ، ولو كان ساحراً لما خاف، لأن الساحر لا يخاف من السحر ، فألقى عصاه فابتلعت كل ما صنعوا من السحر ، ثم عادت كما كانت عندما التقطها موسى -عليه السلام - .. ومعجزة عيسى –عليه السلام – كانت من جنس ما اشتهر به قومه، إذ كان الفريسيون– وهم فريق من اليهود – قد أقنعوا عامة اليهود بقوة السحر على شفاء الأمراض، وطرد الجن من أجساد الناس، وما شابه ذلك، لكنهم لم يستطيعوا إحياء الموتى، أو إبراء الأكمه والأبرص، كما كان يفعل عيسى –عليه السلام- بإذن الله
وقد انتهت المعجزات بموت الرسل وانتهاء الرسالات، ولم يبق لنا إلا معجزة محمد –صلى الله عليه وسلم – ، وهي معجزة عقلية بلاغية فصاحية، وكانت من جنس ما اشتهر به العرب الذين بعث فيهم محمد –صلى الله عليه وسلم – ، وتحداهم أن يأتوا بمثله، ثم بعشر سور من مثله، ثم بمثل أقصر سورة منه .. وقد ثبت عجزهم، ولو استطاعوا لما تخلفوا عن ذلك .. إذ كانوا حريصين على تكذيبه، ولوفروا على أنفسهم دماءهم التي سالت فيما بينهم وبين المسلمين .وقد نشرت الكتب الكثيرة التي تبحث في إعجاز وأسرار القرآن البيانية، والعلمية، والطبية، والفلكية، وغير ذلك، مما يدل على إن القرآن ليس كتاب أمة واحدة، ولا عصر معين، إنما هو كتاب الدهر بأجمعه، وحجة الله القائمة مدى الحياة، ونور العقول الحرة وسراجها مهما ارتقت ، وأدب الطبيعة الإنسانية حيث حلت، وأنى وُجِدَت، ولغة الحياة ، إذا تكلمت خشعت الأصوات لها، فلا تسمع إلا رِكزاً
6- ومن أباطيله : قوله باختلاق حادثة غار حراء ؟؟يرى جعيط بأن قصة غار حراء مجرد افتراء، محض اختلاق كما يقول، وسنده في ذلك عدم إشارة القرآن الكريم إليها، حيث يقول: ( إذا كان صحيحا أن القرآن لا يذكر كل المحطات لسيرة النبي، فهو يشير إلى الكبرى منها حتّى في حياته الخاصة: صفته القرشية، يتمه، فقره ثم غناه، تجلّي الملَك أو الله ذاته له، التكذيب، والمعاناة.....لكنّ القرآن لا يشير البتّة إلى غار حراء وما جرى فيه حسب السّير، وبالتالي يكون ذلك أمرا مثيرا للاستفهام والاستغراب ) ( [48] )
ثم يبيّن رفضه لهذه الحادثة بقوله: "....فقصة الغار ثم رؤية الملَك فيما بعد وإن كانت غير مستحيلة طبعا لتواتر المصادر لدينا،؟؟ فإني شخصيا أرفضها ؟؟ لأنّ لحظة التلاقي والتجلّي والوحي حصلت كما ورد في سورتيَ النجم والتكوير واضحة مفصلة، إن ابن إسحاق يذكر رؤيا حراء ثم يدعمها برؤية ثانية للملَك في الأفق كي لا يتضارب مع القرآن، في حين أن القرآن يذكر رؤيتين فقط لا علاقة لهما بأي غار . وما يرسخ قناعة جعيط على اختلاق قصة الغار قوله: "إن المصدر الوحيد الوثيق للتجلّي والوحي هو إذن القرآن في سورتي التكوير والنجم، وبالتالي، فإن قصة غار حراء وما تبعها اختلاق بحت، لكنها ترمز بشكل مسرحي إلى أمور جدية هامة، وتعكس آراء . وتصورات ظهرت فيما بعد في الضمير الإسلامي ؟؟ ( [49] )
ونقول :
لقد استند جعيط في قوله باختلاق قصة الغار على أّنها لم تذكر في القرآن رغم اعترافه بتواتر الأسانيد والروايات، وهذا قول فيه مغالطة لشيئين اثنين وهما:
-أولا : أن القرآن الكريم ليس كتاب سيرة أو تاريخ حتى يدوّن كل شيء، فنجده يخبر عن أشياء ، ويسكت عن أخرى لحكمة لا يعلمها إلا الله تعالى، فلا نجد ذكرا لوالد الرسول أو أمه ، بينما يذكر قصة ولادة سيدنا عيسى - عليه السلام - بالتفصيل.
كما نجد الإشارة إلى حادثة الغار في قوله تعالى : ( علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى . وهو بالأفق الأهلى ) ( النجم: 5-7 )
حيث يقول القرطبي في تفسيره : وقيل : ( فاستوى ) أي قام في صورته التي خلقه الله تعالى عليها؛ لأنه كان يأتي إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- في صورة الآدميين ، كما كان يأتي إلى الأنبياء ، فسأله النبي – صلى الله عليه وسلم - أن يريه نفسه التي جبله الله عليها فأراه نفسه مرتين: مرة في الأرض ومرة في السماء؛ فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – بحراء ، فطلع له جبريل من المشرق فسد الأرض إلى المغرب، فخر النبي– صلى الله عليه وسلم –مغشيا عليه . ( [50] )
ثانيا : ورد في كتب السيرة النبوية العديد من الروايات الصحيحة التي تثبت صحة حادثة غار حراء .. ( [51] )
7 - ومن انحرافاته :
زعمه بأن حادثة الإسراء والمعراج كانت رؤيا منام ؟؟
ونقول :
والحقيقة عكس ذلك، إذ أنّ الإسراء كان بالجسم، ومما يؤيّد أن اسراء النبي– صلى الله عليه وسلم – كان بالجسم لا بالروح استنكار قريش له؛ إذ الرؤيا المنامية لا يمكن أن يستنكرها عاقل، قال القرطبي ) : "ولو كان مناما لقال: بروح عبده ولم يقل بعبده ، ولما كانت فيه آية ولا معجزة ، ولما قالت له أم هانىء : لا تحدث الناس فيكذبوك ..ولما فضل أبو بكر – رضي الله عنه - بالتصديق ، ولما أمكن قريشًا التشنيع والتكذيب، وقد كذَّبته قريش فيما أخبر به حتى . ارتد أقوام كانوا آمنوا، فلو كان الإسراء بالرؤيا المنامية لم يُستنكره أحد .) ( [52] ) . وقوله بعبده : يشمل الروح والجسد .. روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ، قُمْتُ فِي الحِجْرِ، فَجَلاَ اللهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ" ) ( [53] ) إن رحلة الإسراء والمعراج كانت كما لخَّصها الله تعالى في كلمات معدودات! قال تعالى: ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) (الإسراء: 60) . كان الأمر إذن فتنةً واختبارًا، فمِن الناس مَنْ نجح وسبق، ومنهم مَنْ فشل وانتكس، والـمُوَفَّق مَنْ وَفَّقَه الله تعالى.
8 - ويرى جعيط أن دولته العلمانية المنشودة ينبغي أن توفر الحماية والضمانات لمن يريد الارتداد عن دين الإسلام!، تماما كما يطالب يوسف صديق ؟؟ ويقول : "ستسمح الدولة بحرية الضمير وتضمنها داخل المجموعة الإسلامية ذاتها، وتضمن الخروج من الإسلام بمعنى الردة ؟؟ من حيث المعتقد خروجًا حرًا…" ( [54] )
بل إنه يذهب إلى أبعد من هذا ولا يمانع بسبب تجويزه للردة في دولته العلمانية المنشودة إلى أن "من الممكن أن يصبح الإسلام يوماً ما أقلية في مجتمعه" !! ( [55]) ويستشهد بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ.. الحديث") !!( [56] )
ويقول جعيط بصراحة: "نحن لا نقبل أن يكون الإسلام الأس الوحيد للأخلاق والمجتمع، والمحرك الأساسي الفعلي للحياة الاجتماعية، فارضاً قواعده الدينية وما يرتبط بها من فروض في العادات والقضاء، كما كان الأمر في الدولة الخاضعة للحكم الإلهي…"! ( [57] )
ويقول –داعياً إلى إقصاء الشريعة الإسلامية وإيقاف العمل بها في بلاد المسلمين-: "ينبغي على البلدان المتخلفة اللحاق في ميدان التشريع بالبلدان المتطورة، وأن يتوقف العمل بالتشريع غير الملائم القاسي المعروف بإقامة الحدود، والذي تخلى عنه الأمويون منذ ثلاثة عشر قرناً خلت…، وينبغي أن يُركز الجهد على ميدان قانون الأحوال الشخصية الشاسع، والذي ما زال خاضعاً لصبغة عتيقة وتنصيعات؟؟ قرآنية، فينبغي تخليص ما يُعرف بقوانين الميراث وتشريع الزواج وحتى التشريع الجنسي من عبء الفقه ؟؟ وإخضاعه لمقولات العقل العالمي.. ويجب قبل كل شيء أن ينتهي العمل في كل مكان بطلاق المرأة حسب شهوة الرجل، وأن تُضمن لها المساواة في حقوق الإرث، وأن يقع العدول عن تعدد الزوجات، ويرتبط بهذه الأمور تدخل العقلنة في تشريع المواريث، حيث يجب القضاء على العناصر المتعلقة بالقبلية؛ بصفتها مخلفات للمجتمع العربي القديم"( [58] )
وبعد " يطول بنا الحديث لو أردنا تتبع أباطيل وأسمار هشام جعيط ،والوقوف على مشروعه المبتني على )العلمانيّة المفتوحة(، أي الدخول في العلمانيّة والحداثة من أوسع أبوابها .إن علمانيّته شاملة وتشمل علمنة الفهم القرآني، وعلمنة السيرة النبويّة وعلمنة الأخلاق والدين، وعلمنة السياسة،.. وما ذكرناه كاف لإعطاء صورة عن أباطيله وأسماره المنحرفة ، واستقصاؤها بعيد المنال .[1] - 2011 ، اطلعت عليه /4/ 1 أسامة الهتيمي، مقال بعنوان: سلسلة رموز الفكر العلماني المعاصر 11 - هشام جعيط، بتاريخ: 4
[2] - شامل عبد العزيز، مجتمعاتنا بين التبعية الغربية والشرقية- ما هو الفرق؟، الحوار المتمدن، ع 4730 ،
[3] - أسامة الهتيمي، مقال بعنوان: سلسلة رموز الفكر العلماني المعاصر - هشام جعيط،
[4] - شامل عبد العزيز، مقال بعنوان: مجتمعاتنا بين التبعية الغربية والشرقية- ما هو الفرق؟
[5] - أسامة الهتيمي، مقال بعنوان: سلسلة رموز الفكر العلماني المعاصر 11 - هشام جعيط،
[6] - هشام جعيط، الوحي والقرآن والنبوة،ط 1،دار الطليعة: بيروت، 1999 ،ص 11
[7] - هشام جعيط، الوحي والقرآن والنبوة، المرجع السابق، ص12
[8] - في السيرة النبويّة: 2: 164
[9] - م. ن . 2: 163.
[10] - م. ن: ٢/ ١٦
[11] - م. ن: ٢/ ١٧٣ .
[12] - م. ن : ٢/ ١٧٦ .
[13] - م. ن: ٢/ ١٨٠ .
[14] - م. ن: ٢/ ١٥
[15] - في السيرة النبويّة: ٢/ ١٦٤ .
[16] - في السيرة النبويّة: ٢/ ١٧٥
[17] - . هشام جعيط، تاريخية الدعوة المحمدية في مكة، ص 23، 248 .
[18] - 2خالد كبير علال، أباطيل وخرافات حول القرآن الكريم والنبي محمد –عليه الصلاة والسلام-، المرجع السابق، ص 129
[19] - خالد كبير علال، أباطيل وخرافات حول القرآن الكريم والنبي محمد –عليه الصلاة والسلام-، ص 129 .
[20] - المرجع السابق : ص 130
[21] - خالد كبير علال، أباطيل وخرافات حول القرآن الكريم والنبي محمد –عليه الصلاة والسلام-، المرجع السابق، ص 130.
[22] - أحمد محمد فاضل، الاتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن، ،ص 190
[23] - جعيط : الوحي والقرآن والنبوة ، ص 43.
[24] - المرجع السابق ص 44.
[25] - المرجع السابق ص 44
[26] - المرجع السابق ص 45 ..
[27] - جعيط : تاريخية الدعوة المحمدية في مكة ص 149 .
[28] - البلاذري، انساب الأشراف، د ط، دار الفكرج1ص100
[29] - هشام جعيط، تاريخية الدعوة المحمدية في مكة، ، ص 149.
[30] - أخرجه البخاري رقم ( 3533)
[31] - أخرجه البخاري رقم ( 3532)
[32] - ديوان حسان ابن ثابت 1: 419.
[33] - خالد كبير علال، أباطيل وخرافات حول القرآن الكريم ص 121
[34] - المرجع السابق ص 123.
[35] -- وقد فند الاستاذ الدكتور العلامة د. إبراهيم عوض أقواله في بحث ممتع تحت عنوان : ( المخزاة الجعيطية في كتابة السيرة النبوية ) وكان قد دعا له دعوة مقبولة قائلا : (( ربنا يشفي الكلاب ويضرك ياشيخ ( جعيط )) وقال في خاتمة بحثه : ( وبعد، فإن هشام جعيط هو مثال صارخ من أمثلة كثيرة تحاصرنا من كل ناحية على البكش العلمى الذى تُقْرَع الطبول له وتُنْفَخ المزامير للفت الأنظار إليه وإيهام الناس أنه عبقرى ليس كمثل عبقريته شىء، وما هو فى الواقع سوى كاتب متواضع القيمة، إلا أن آلة الإعلام الجهنمية تعمل بكل وسيلة على نفخه وتضخيمه وتصويره للمشاهدين على أنه عملاق، كى ينشر الهلس الذى ينشره فيظن القراء أنهم بإزاء كاتب نحرير ذى علم غزير ومنهج قدير، مع أنه فى واقع الأمر كائن مسكين طبقا لما رأيناه عليه فى أسلوبه وأفكاره ومنهجه ليس فى جَعْبته إلا كل رأىٍ فطير. والله المستعان!
[36] - جعيط : الوحي والقرآن والنبوة ص 49.
[37] - الدليل لأهل العقول : ص 50 ، 68 ، 72.
[38] -- الحارثي الاباضي : العقود الفضبة ص 287.
[39] - القاضي عبد الجبار : هو ابن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل ، العلامة المتكلم ، شيخ المعتزلة ،أبو الحسن الهمذاني صاحب التصانيف الكثيرة : المغني في أبواب التوحيد والعدل 7 / 208 .
[40] - الزمخشري ، تفسير الكشاف : 2/ 151
[41] - خلق القرآن بين المعتزلة وأهل السنة للإمام الفخر الرازي , تحقيق / أحمد حجازي السقَّا
[42] - رواه صالح في ( المحنة ) عن أبيه ص 53. وانظر الدرر السنية : موسوعة الفرق ، ذكر شبه المعتزلة في القول بخلق القرآن
[43] - ابن قدامة : لمعة الاعتقاد : ص 17 . قال الكاتب المغربي الملحد ( سعيد ناشيد ) (فإن القرآن كلام مخلوق كما يرى المعتزلة. وليس في ذلك ما قد يدل على أن كلام الله صالح لكل زمان ومكان، بل العكس تماما؛ لكل مخلوق عمر محدود، وكون الله هو أصل المخلوقات لا يعني ذلك أن المخلوقات أبدية. فكلام الله إذن وأسوة بكافة المخلوقات محكوم بمبدأ الحياة والموت، وهو المبدأ الذي نصطلح عليه عادة باسم الصيرورة.- انظر مقاله : ( ما هو القرآن : الحوار المتمدن - العدد: 3123 )
[44] - أبو الحسن الأشعري : الابانة : ص 29 . وانظر شرح الطحاوية : ص 106 .
[45] - هشام جعيط، تاريخية الدعوة المحمدية في مكة ص 143
[46] -- ابن كثير، السيرة النبوية، تح: مصطفى عبد الواحد ، ج1: 201. والبيهقي، دلائل النبوة، دار الكتب العلمية، بيروت،ج1: ص 13.
[47] - مونتجمري وات: محمد في مكة، تر: عبد الرحمن الشيخ، حسين عيسى، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ص 93 .
[48] - هشام جعيط، الوحي والقرآن والنبوة، ص 35 .
[49] - هشام جعيط، الوحي والقرآن والنبوة، ص39 .
[50] - القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ، ج17: ص 87.
[51] - عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، تح: طه عبد الرؤوف سعد، ج3: ص 237.
[52] - القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن : ج2: ص 421
[53] - البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب حديث الإسراء، (3673)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، (170)
[54] - الشخصية العربية : ص 118.
[55] - المرجع السابق ص 118 .
[56] - أخرجه مسلم رقم : ( 145) وفسره بعض العلماء تفسيرا مغايرا لما ذهب إليه جعيط : فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:" وقد رأى جماعة – منهم الشيخ محمد رشيد رضا – أن في الحديث بشارة بنصرة الإسلام بعد غربته الثانية آخذين من ذلك من التبشير في قوله - صلى الله عليه وسلم "- وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبا " فكما كان بعد الغربة الأولى عز للمسلمين وانتشار للإسلام، فكذا سيكون له بعد الغربة الثانية نصرة وانتشار، وهذا الرأي أظهر، ويؤيده ما ثبت في أحاديث المهدي ونزول عيسى عليه السلام آخر الزمان من انتشار الإسلام وعزة المسلمين وقوتهم، ودحض الكفر والكفرة، وبالله التوفيق ( " فتاوى اللجنة الدائمة 2/ 170 )
[57] - الشخصية العربية : ص 103.
[58] - جعيط : الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي ص : 115
د. هشام جعيط ..