Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

الدكتور الليبي الصادق النيهوم في دائرة الضوء

الدكتور الليبي الصادق النيهوم في دائرة الضوء


المولد .. والنشأة  :
ولد الصادق النيهوم في مدينة بنغازي عام 1937م . درس جميع مراحل التعليم بها إلى أن انتقل إلي الجامعة الليبية، وتحديدا بكلية الآداب والتربية - قسم اللغة العربية، وتخرج منها عام 1961م ، وكان ينشر مقالاته في جريدة بنغازي بين عامي 1958-1959 ومن ثم عُين معيداً في كلية الآداب.
أعدَّ أطروحة الدكتوراه في " الأديان المقارنة" بإشراف الدكتورة بنت الشاطيء جامعة القاهرة، وانتقل بعدها إلى ألمانيا، وأتم أطروحته في جامعة ميونيخ بإشراف مجموعة من المستشرقين الألمان، وتابع دراسته في جامعة أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة عامين...درَّس مادة الأديان المقارنة كأستاذ مساعد بقسم الدراسات الشرقية بجامعة هلنسكي بفنلندا من عام 1968م إلى 1972م.( [1] )
يجيد، إلى جانب اللغة العربية، الألمانية والفنلندية والإنجليزية والفرنسية والعبرية والآرامية المنقرضة ..  تزوج عام 1966م من زوجته الأولى الفنلندية  ، ورُزق منها  ( بولده كريم وابنته أمينة )، وكان وقتها مستقراً في هلسنكي عاصمة فنلندا، انتقل إلى الإقامة في جنيف عام 1976م وتزوج للمرة الثانية من السيدة ( أوديت حنا ) الفلسطينية الأصل ؟؟ . توفي في جنيف يوم 15 نوفمبر 1994م ودُفن بمسقط رأسه مدينة بنغازي يوم 20 نوفمبر 1994م.
كتب لصحيفة الحقيقة الليبية حينها، نشر أول مقالاته (هذه تجربتي أنا) مع بداية الصدور اليومي لصحيفة الحقيقة كما نشر بها :
- الكلمة والصورة...- الحديث عن المرأة... - عاشق من أفريقيا  ..
- دراسة لديوان شعر محمد الفيتوري  ... نشر سنة 1967م مجموعة دراسات منها (الذي يأتي والذي لا يأتي) و (الرمز في القرآن)، وأصبح في هذة الفترة يثير اهتمام القراء،  وفي عام 1969م كتب دراسة (العودة المحزنة للبحر)، ونشر عدد من قصص الأطفال، وأهداها إلي طفله كريم، ونشر عام 1970م رواية (من مكة إلي هنا)، وفي 1973م صدر له كتاب (فرسان بلا معركة) و(تحية طيبة وبعد)، وأقام من 1974م إلى 1975م في بيروت، وكتب أسبوعيا بمجلة الأسبوع العربي، وأشرف على إصدار موسوعة (عالمنا -صحراؤنا -أطفالنا - وطننا - عالمنا)، ومن ثم صدرت له  رواية (القرود).؟؟
انتقل إلي الإقامة في جنيف عام 1976م وأسس دار التراث، ثم دار المختار، وأصدر سلسلة من الموسوعات أهمها(موسوعة تاريخنا - موسوعة بهجة المعرفة)، وعمل بجامعة جينيف أستاذاً محاضراً في مقارنة الأديان  حتى وفاته.
صدرت له عام 1986م رواية (الحيوانات)، وفي 1987م صدر له كتاب (صوت الناس)، وعام 1988م بدأ الكتابة في مجلة الناقد منذ صدور الأعداد الأُوَل منها في لندن. استمر بالكتابة بها إلى أن وافته المنية في عام 1994م، صدر له كتاب (محنة ثقافة مزورة) عن دار نجيب الريس في لبنان عام 1991م ،  ساهم في الكتابة في مجلة (لا) الليبية، كما صدر له كتاب (الإسلام في الأسر) عن دار نجيب الريس بلبنان، كذلك وفي نفس الدار صدر له كتاب ( إسلام ضد الإسلام) . وفي عام 2001م صدر عن دار تالة الليبية كتاب (طرق مغطاة بالثلج). توفي الصادق النيهوم بمدينة جينيف السويسرية عام 1994.
مجالات تأليفه :
النقد الادبى ، والمقالة الأدبية ،  والقصة القصيرة  ، والرويات . ولا صلة له بالدراسات الشرعية ؟؟
إصداراته :
* روايات:
o من مكة إلي هنا. دار الحقيقة، 1970م/ بنغازي
o من قصص الأطفال. 1972م/ بنغازي
o الحيوانات. الدار الجماهيرية، 1984م/ طرابلس
o القرود. دار الحقيقة، 1975م/ بنغازي
* كتب:
o الرمز في القرآن دار الريس،
o إسلام ضد الإسلام. دار الريس، 1995م/ لندن
o الإسلام في الأسر. دار الريس، 1991م/ لندن
o فرسان بلا معركة. دار الحقيقة، 1973م/ بنغازي
o صوت الناس. دار الريس 1990م/ لندن
o محنة ثقافة مزورة
o طرق مغطاة بالثلج. دار تالة، 2001 م /طرابلس ( صدر بعد وفاته – جمع وإعداد الأستاذ سالم الكبتي)  
o دراسة (العودة المحزنة للبحر)
o الذي ياتي والذي لا يأتي
o تحية طيبة وبعد. دار الحقيقة 1972م بنغازي
* موسوعات:
o موسوعة تاريخنا ستة اجزاء. دار التراث، جنيف، سويسرا 1977
o موسوعة بهجة المعرفة
o موسوعة عالمنا
o موسوعة صحراؤنا
o موسوعة أطفالنا
o موسوعة وطننا
o موسوعة عالمنا
o أطلس الرحلات (8 أجزاء) عام 1979
o موسوعة الشباب المصورة (8 أجزاء)
o موسوعة السلاح المصورة
* ترجمات:
o بابا هيمنجواى كتاب 1966م
o موت رئيس جمهورية كتاب 1967م
o تعليق على مذكرات خرتشوف كتاب 1971م
o موسوعة اصل الحضارة(ستوري أوف سفيليزيشن) ل:ويل ديورانت؟؟ ثم أخذ يجتر مقولات من سبقه من الحداثيين التي يهاجمون بها التراث الاسلامي ؟!  منها :
1  =  أمية الرسول - صلى الله عليه وسلم – في نظر النيهوم :
طرح  الصادق النيهوم  موضوع أمية الرسول - صلى الله عليه وسلم- ،  وهو يوافق كل الحداثيين  والعلمانيين الذين ينكرون أمية الرسول  - صلى الله عليه وسلم- ثم يحاول إيجاد إجابة تكون أكثر إقناعا بالنسبة له .؟؟  ونقطة البدء عنده أن :" موجز القصة المتداولة في كتب التفسير حول نزول سورة العلق، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- كان يتعبد في غار حراء، عندما تجسد له الملاك وقال له: اقرأ ، فقال الرسول: ما أنا بقارئ، أي لا أعرف القراءة: فضمه الملاك إلى صدره ثلاثا، وهو يقول له اقرأ ،  والرسول يردد حائرا ما أنا بقارئ". ( [2] )   فكلمة اقرأ بالنسبة للنيهوم  : لا تعنى أصلا فعل القراءة، بل هي كلمة ذات أصل كلداني تعني :  أعلن ، وجاهر ونادي وبلغ، ومنها في لغتنا العربية (يقرأ السلام)بمعنى يبلغه وقد وردت في التراتيل الكلدانية بهذا المعنى في قولهم (ق ر ا ب ش م م ر ي ا ) أي ناد باسم الرب، وهو المقصود في قوله تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق : 1)، فالآية لا تطلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ بل تكلفة بإعلان الدعوة ..؟؟ ونقول :    أورد الدكتور (على فهمي خشيم) ( في كتابة الفلسفة والسلطة ومقالات أخرى )  رداً على مقالة الصادق النيهوم ما مفاده : أن الكلدانية كلمة غامضة معناها غير محدد ، فهي تطلق على اللغة السريانية ، وأمها اللغة الآرامية ، كما تطلق على بقايا اللغة البابلية بفرعيها : الآكادية والآشورية ، وقد تخص اللغة السريانية بفرعيها الشرقي في العراق ، والغربي في سوريا ولبنان ، وقد تختص باللغة الدينية القديمة المستعملة في الكنائس الشامية بصفة خاصة .....فالجذر (ق ر ا) الكلداني كما حدده هو أصل (قرأ) في اللغة العربية قول غير دقيق ، ذلك لأن هذا الجذر مشترك في جميع اللغات العربية دون استثناء بمعني: صاح ، صرخ ، صَوَّت، نادى ، وليس خاصاً بالكلدانية أخذته العربية عنها ، ثم يضيف معقباً على مقالة النيهوم : " وددت لو أن الكاتب أنتبه إلى تركيب الآية الكريمة ليزيد قوله وضوحاً فهي تقول  ( اقرأ باسم ربك الذي خلق") (العلق: 1) وكلمة (اقرأ) هنا فعل لازم ، أي لا يحتاج إلى مفعول ، بمعني صِح ،  ارفع صوتك باسم ربك الذي خلق ، فلو كان بمعني قراءة المكتوب أو المحفوظ ، أي تلاوتهما كان التركيب (اقرأ اسم ربك) لأن الفعل هنا يكون متعدياً لا بد له من مفعول ، فنحن نقول في العربية الفصحي اقرأ الكتاب ، أو اقرأ الرسالة عن المكتوب ، كما نقول اقرأ قصيدة ، أو شعراً عن المحفوظ ، ولا نقول اقرأ بالكتاب ، أو بالرسالة أو بالصحيفة ، ولا اقرأ بالقصيدة ، أو بالشعر .... وينتهي من قوله عن معني اقرأ أنها كلمة تعني :  ارفع صوتك ،  وبلغ ، ونادي كناية عن الخالق الذي {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} (العلق :  2) ، وهي تكررت في الآية التالية ( اقْرَأُ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} ) ( العلق  : 3 – 4  ) ، وهو تكرار فيه حث على التبليغ ولكنها ليست مأخوذة عن الكلدانية لأنها ببساطة عروبية مشتركة" ( [3] )   وقوله تعالى  {وَمَا كْنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابِ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِيِنِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطلُونَ} ( العنكبوت :  48) يؤكد أميته  ، فالضمير في (قبله) عائد إلى الكتاب ، وهو القرآن المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -  ، أي وما كنت يا محمد تقرأ قبله ،  ولا تختلف إلى أهل الكتاب ، بل أنزلناه إليك في غاية الأعجاز والتضمين للغيوب،  وغير ذلك ، فلو كنت ممن يقرأ كتاباً ويخط حروفاً (لارتاب المبطلون) أي من أهل الكتاب وكان لهم في ارتيابهم متعلق ،  وقالوا الذي نجده في كتبنا أنه أمي لا يكتب ولا يقرأ وليس به . وجاء في تفسير الزمخشري : " سماهم (مبطلين) ، لأنهم كفروا به وهو أمي بعيد عن الريب ، فكأنه قال : هؤلاء المبطلون في كفره به لو لم يكن أمياً لارتابوا أشد الريب، فحين ليس بقارئ كاتب فلا وجه لارتيابهم. ( [4] ) وشيء أخر: وهو أن سائر الأنبياء عليهم السلام لم يكونوا أميين ووجب الإيمان بهم وبما جاؤوا به لكونهم مصدقين من جهة الحكيم بالمعجزات ، فهب أنه قارئ كاتب فما لهم لم يؤمنوا به من الوجه الذي أمنوا منه بموسى وعيسى -عليهم السلام - ، فإذا هم مبطلون حيث لم يؤمنوا به وهو أمي ، ومبطلون لو لم يؤمنوا به وهو غير أمي..    فإذا قلت : ما فائدة قوله (بيمينك) ؟ قلت ذكر اليمين وهي الجارحة وهي التي يزاول بها الخط زيادة تصوير لما نفى عنه من كونه كاتباً وألا ترى أنك إذا قلت في الإثبات رأيت الأمير يخط هذا الكتاب بيمينه كان أشد لإثباتك أنه تولى كتبته". وبعد أن ينتهي النيهوم من طرح مفهومه لمصطلح (اقرأ) ، ينتقل إلى معنى أخر وهو معنى (الأمي) وذلك بقوله : " والثابت أن القصة المتداولة في كتب التفسير هي مجرد محاولة جاءت في وقت لاحق لتمرير الفكرة القائلة بأن الرسول محمد كان (أمياً) بمعني أنه لم يكن يعرف القراءة ، وهي فكرة ولدت أساساً لتفسير قوله تعالى في سورة الأعراف ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ) لكن هذا التفسير نفسه هو مجرد خطأ ناجم عن سوء التفسير فكلمة (أمي) لا تعني (غير المتعلم) إلا في قاموس رجل جاهل حقاً . إنها مصطلح توراتي مشتق من كلمة ( ا و م ت ي ا) بمعني (أممي) أي غير تابع لأهل الكتاب من اليهود بالذات. وهو المعني الذي يتبناه القرآن حرفياً في آيات منها قوله تعالى في سورة آل عمران ( وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُميِّيِّينَ ) ( آل عمران :  20)
ثم يقول : ( فالأمي في لغة التوراة ليس هو (غير المتعلم) بل هو غير (اليهودي) الذي استبعده الرب من الشعب المختار ، واعتبره نجساً ، لأنه غير مختتن ، وحرم عليه أن يطلع على الناموس ، أو يقرأ الكتاب المقدس ، ورغم أن رسل المسيح رفضوا هذا الموقف اللا ديني وخرجوا للتبشير بالمسيحية بين الأمم فإن الكلمة نفسها ظلت تعني (غير الكتابي) وظلت صفة لازمة للشعوب التي لم تتلق شريعة سماوية لهذا السبب يقول القرآن في سورة الجمعة (  هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأميِّيِّنَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالِ مُّبِينِ )  ( الجمعة  : 2)، فالعرب لم يكونوا في ظلال مبين ، لأنهم كانوا لا يعرفون القراءة بل لأنهم كانوا لا يملكون شريعة "  وينتهي من حديثة عن معنى (الأمي) بقوله : " والملاحظ أن قوله( يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ) ( الجمعة  :  2) ، هو شهادة صريحة بأن الرسول لم يكن يحسن القراءة فحسب ، بل كان معلماً ومحاضراً فالمصدر (ت ل ا) يعني حرفياً (قرأ بصوت عال) ومنه (ت ل ي ت ا) أي صلاة ترتل بصوت مسموع ، وقد اتفق القرشيون على اتهام الرسول بأنه (يؤلف) القرآن ، وهي تهمة كان من شأنها أن تبدو مستحيلة ومضحكة لو أن الرسول كان حقاً لا يحسن القراءة والكتابة. ( [5] ) مما سبق يمكننا أن نستخلص عدة نقاط أساسية:   أولاً: أن لفظ اقرأ الذي ورد ذكره في سورة العلق هو معنى يفيد التبليغ والجهر بالدعوة وليس عدم القدرة على القراءة.   ثانيا : أن الأمي لا تعني عدم الكتابة والقراءة ، بل تعني الأممي ، أي الذي ليس لديه كتاب سماوي كما هو الحال لدى اليهودية والمسيحية. ثالثاً: بناء على ما سبق فإن الرسول الكريم  - صلى الله عليه وسلم  - لم يكن يعرف الكتابة والقراءة فحسب بل كان يتقنهما.   وقد قامت مجلة (الناقد) وتحت زاوية (ناقد ومنقود) بنشر ردود القراء على بعض المقالات ومن ضمنها مقالات الصادق النيهوم ، وكذلك ردود الكاتب على هذه الردود ، فعن ردود القراء حول هذه المقالة بالذات فيبدو أنها كانت تتسم بطابع الرفض وعدم القبول لآراء الصادق النيهوم حول مفهوم (الأمي- اقرأ) وإن كانت تصل في بعض الأحيان إلى نوع من المهاترات والجدال والتعصب لوجهة النظر .   فإذا كان معنى (اقرأ) يفيد التبليغ ومعاني أخرى فلماذا كان إصرار النيهوم على الأصل الكلداني وحده ؟ وأما عن تفسير النيهوم لمعني (أمي) بأنها ذات أصل توراتي تفيد غير اليهودي ففيه وجهة نظر  ، "فتعبير (الأمم) جمع أمة في الترجمة العربية ، وهي في العبرية (أوميم) تعني فعلاً غير اليهود ، أو غير العبرانيين ، كما يعبر (قاموس الكتاب المقدس) ولكنها لا تشمل جميع الأمم بل تعني (العرب وحدهم) ، أما التعبير على سبيل التعميم عن الشعوب الأخرى فهو في العبرية (قوييم) والقاف تنطق معقودة كنطق الليبيين لها أو كنطق المصريين لحرف الجيم .   ولا نريد الخوض في المزيد من الجانب اللغوي الصرف لمعنى اقرأ والأمي ، إذ نظن أنه قد استبان الأمر بما لا يحتاج إلى مزيد الوضوح ..    يقول الشيخ  محمد رشيد رضا  : " إن العاقل المستقل المفكر إذا عرف تاريخ محمد  -  صلى الله عليه وسلم  - وتاريخ أنبياء بني إسرائيل - عليهم السلام -  فإنه يرى أن محمدأ _ صلى الله عليه وسلم - قد نشأ أمياً لم يتعلم القراءة ولا الكتابة ، وأن قومهم الذين نشأ فيهم كانوا أميين وثنيين جاهلين بعقائد الملل وتواريخ الأمم وعلوم التشريع والفلسفة . ( [6] )
وقد تبنى  عباس محمود العقاد مفهوم الأمية كمعجزة ودليل على نبوته  -عليه الصلاة والسلام  -، حيث يرى أن القرآن الذي يتحدث به إلى الناس رجل من قريش لم يتعلم قط كتابة  ، ولا قراءة  ، ولا حساباً ، ولم يجلس قط إلى أحبار اليهود  ، ولا رهبان النصارى  ، ولا أصحاب الفلسفة ، وإنما هو رجل عربي أمي كأكثر العرب لا يعلم من أمر الدنيا إلا مثل ما كان أوساط العرب يعلمون  ، وهو على الرغم من ذلك يجادل اليهود في التوراة والإنجيل ويصفهم بأنهم يكذبون على موسى ،  ويقولون على عيسى الكذب  ، ويحرفون ما عندهم من التوراة والإنجيل (  [7]) .. كما أنه لا يمكننا تجاهل آراء بعض المستشرقين حول هذه القضية ، لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم  -بالنسبة لهم لم يكن أمياً بل قارئاً ومعلماً ، وبالتالي يسهل عليهم القول بأنه قد اقتبس عن الديانات السابقة وتأثره بها ، لأنهم لا يتعاملون مع شخص النبي  - صلى الله عليه وسلم  - كرسول يوحي إليه من ربه ، بل كمفكر أو عبقري ، أو زعيم سياسي ومن ذلك قول المستشرق (جورج سيل) وهو أحد مترجمي القرآن المبكرين ، يقول في مقدمة ترجمته : " إن محمداً كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخترع الرئيس له فأمر لا يقبل الجدل ، وإن كان من المرجح ، مع ذلك أن المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطته هذه لم تكن معاونة يسيرة ، وهذا واضح في أن مواطنيه لم يتركوا الاعتراض عليه بذلك نفسه"  
أما (مونتجمري وات) فيرى "أن من يدعى من علماء الغرب من عدم أمية محمد - صلى الله عليه وسلم -  بأنه تاجر ماهر فلا يعقل ذلك ، إلا أن تأثير الإنجيل على القرآن كما يبدو للعيان يؤكد أن محمداً لم يقرأ مطلقاً الإنجيل ، بل ومن المؤكد أيضاً عدم إطلاعه على أي كتاب أخر ولكن ربما انتقلت إليه تلك المعارف شفاهاً .. إلا أن المستشرق (كارل بروكلمان) صاحب كتاب تاريخ الشعوب الإسلامية ، يرى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم كان متأثراً بأسوأ ما في الديانتين اليهودية والمسيحية ، إذ يقول : " وأغلب الظن أن محمداً قد إنصرف إلى التفكير في المسائل الدينية في فترة مبكرة جداً ، وهو أمر لم يكن مستغرباً عند أصحاب النفوس الصافية من معاصريه الذين قصرت العبادة الوثنية عن إرواء ظمأهم الروحي، وتذهب الروايات إلى أنه اتصل في رحلاته ببعض اليهود والنصارى ، أما في مكة نفسها فلعله اتصل بجماعات من النصارى كانت معرفتهم بالتوراة والإنجيل هزيلة إلى حد بعيد  ؟؟    فإذا كان الرسول  -  صلى الله عليه وسلم - لا يجيد القراءة فحسب بل كان محاضراً ومعلماً كما يرى النيهوم ، ويوسف صديق ، أو أنه تعلم من الديانتين السابقتين اليهودية والمسيحية كما يرى بعض المستشرقين ، وإذا كنا نعلم عنه -0 صلى الله عليه وسلم - أدق تفاصيل حياته من مولده إلى نشأته ثم بعثته ونزول الوحي عليه واكتماله  ،وإذا كنا نعلم أدق التفاصيل عن سيرته من عدد زوجاته إلى عدد أبناءه وغزواته وصحابته..الخ ، وإذا سلمنا بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم  -قد تعلم فلماذا لم تذكر لنا كتب التاريخ شيئاً عن ذلك ، فالعلم لا يتم في خلاء ولابد له من معلم وإلى فترة من الزمن ولكن هذا كله لم يحدث .  ولا ندري هل كان النيهوم متأثراً بآراء بعض المستشرقين حول مفهوم الأمية على الرغم من أنه لم يكن يتبنى هذا المفهوم في كتاباته السابقة ، ويظهر ذلك جلياً في الدراسة التي قام بنشرها بصحيفة الحقيقة ، حول مشكلة الجهل وعلاقتها بالمجتمع ، إذ يقول : " إن القرآن ينعت أهل مكة قبل الإسلام بالجهل ويدعوهم أيضاً باسم الجاهلية رغم أن نسبة التعليم بينهم كانت تزيد عن نسبة التعليم في مجتمع المسلمين ، لأن المقياس لا علاقة له بعدد العارفين ، وغير العارفين ، بل نصيب المعرفة نفسها من الحق والصواب ولأن النبي الأمي كان دليلاً قائماً بذاته على أن المشكلة لا تخص القراءة والكتابة من بعيد أو قريب" .   وفي عدد أخر يقول : " إنه لا يدعوا أهل مكة باسم الجاهلية لأنهم لا يعرفون القراءة ، فالواقع أن النبي نفسه كان لا يعرف القراءة"   ( [8] ) ويبدو أن هذه القضية تضرب بجذورها في تاريخ الفكر الإسلامي فها هو الجاحظ يبين لنا رأيه في جداله حول هذه القضية إذا يقول: " وكان شيخ من البصريين يقول : إن الله إنما جعل نبيه أمياً لا يكتب ولا يحسب ولا ينسب ، ولا يقرض الشعر ، ولا يتكلف الخطابة ، ولا يتعمد البلاغة لينفرد الله بتعليمه الفقه وأحكام الشريعة ، ويقصره على معرفة مصالح الدين دون ما تتباها به العرب من قيافة الأثر والبشر ، ومن العلم بالأنوار وبالخيل والأنساب وبالأخبار، وتكلف قول الأشعار ليكون إذا جاء بالقرآن الحكيم ، وتكلم بالكلام العجيب كان ذلك أدل على أنه من عند الله "  . ويرد الجاحظ معلقاً على هذا الرأي : " وقد أخطأ هذا الشيخ ولم يرد إلا الخير ، وقال بمبلغ علمه ، ومنتهي رأيه ولو زعم أن أداة الحساب والكتابة ، وأداة قرض الشعر ورواية جميع النسيب ، وقد كانت فيه تامة وافرة ، ومجتمعه كاملة ولكنه - صلى الله عليه وسلم -  صرف تلك القوى ، وتلك الاستطاعة إلى ما هو أزكى بالنبوة ، وأشبه بمرتبة الرسالة ، وكان إذا احتاج إلى البلاغة ، كان أبلغ البلغاء وإذا احتاج إلى الخطابة ، كان أخطب الخطباء وانسب من كل ناسب  ، وأقوف من كل قائف  ، ولو كان في ظاهره والمعروف في شأنه أنه كاتب حاسب ،  وشاعر ناسب ومتفرس قائف ثم أعطاه الله برهانات الرسالة ، وعلامات النبوة ، ما كان ذلك بمانع من وجوب تصديقه  ، ولزوم طاعته والانقياد لأمره على سخطهم ورضاهم ومكروههم ومحبوبهم ، ولكنه أراد ألا يكون للشاغب متعلق عما دعا إليه ؟؟ ( [9] )
دلالة الحديث على أمية النبي صلى الله عليه وسلم وإعجاز القرآن
  جواب النبي - صلى الله عليه وسلم  - لجبريل بقوله : ما أنا بقارئ ثلاث مرات, عندما أمره بالقراءة بقوله : اقرأ ثلاث مرات أيضا, والأمي هو الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة.  وهذا المعنى للحديث, لا نكاد نجد فيه خلافا بين العلماء المسلمين سلفا وخلفا. وهو تفسير تعضده آيات وأحاديث أخرى, كلها تتآخى لتأييده وتثبيته. ولا شك أن معارضيه كانوا يعرفون فيه هذه الأمية جيدا, لأنهم عندما أرادوا تعليل المصدر الذي تلقى عنه أساطير العصور القديمة, لم يجرؤوا أن يقولوا ((كتبها)) وانما قالوا : اكتتبها أي كتبها له غيره ؟؟ (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) ( الفرقان : 5)   ومن الأحاديث قوله -  صلى الله عليه وسلم -  كما روى ابن عمر – رضي الله عنهما :- (  إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب , الشهر هكذا وهكذا ) ( [10] ) . يعني مرة تسعة وعشرين , ومرة ثلاثين. فهذا الحديث يقرر النعت بالأمية للعرب وللمبعوث فيهم, معناه الجهل بالقراءة والكتابة.
وحديث علي بن أبي طالب- رضي الله عنه -, قال (  والذي فلق الحبة, وبرأ النّسمة, إنه لعهد النبي الأميّ إليّ : ألا يحبّني إلا مؤمن, ولا يبغضني إلا  منافق )( [11] )  وبهذا يتبين أنّ لكلمة (أمي) معنى واحد, وهو الجهل بالقراءة والكتابة, ووصف القرآن الكريم النبي  - صلى الله عليه وسلم  - بهذه الصفة لا يحتمل إلا هذا المعنى الذي أجمع عليه المفسرون واللغويون والمؤرخون المسلمون.
 فهم العلمانيين لأمية النبي: ونؤوب إلى الحديث الذي طال الوقوف عنده، فنقول: لما كان هذا الحديث فيصلا في أمية النبي - صلى الله عليه وسلم  -  التي تعني أنه لا يعرف القراءة والكتابة، زعم أصحاب الاتجاه العلماني أنه مختلق مصنوع، لأنهم يذهبون مذهبا آخر في معنى هذه الأمية. فالأمي عندهم من ينتسب إلى جماعة ليس لها كتاب منزّل أي لا يعرفون الكتب السماويّة ولا ما فيها، فهو يقابل أهل الكتاب من يهود أو نصارى([12] )  والآيات المذكورة آنفا، فهموها بهذا المعنى، وفسروها هذا التفسير. يقول الصادق النيهوم: ( ....وهي  ( اي الأمية ) فكرة ولدت أساسا لتفسير قوله تعالى : ( اَلَّذِيۡنَ يَتَّبِعُوۡنَ الرَّسُوۡلَ النَّبِىَّ الۡاُمِّىَّ الَّذِىۡ يَجِدُوۡنَهٗ مَكۡتُوۡبًا عِنۡدَهُمۡ فِى التَّوۡرٰٮةِ وَالۡاِنۡجِيۡلِ يَاۡمُرُهُمۡ بِالۡمَعۡرُوۡفِ وَيَنۡهٰٮهُمۡ عَنِ الۡمُنۡكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ الۡخَبٰۤٮِٕثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ اِصۡرَهُمۡ وَالۡاَغۡلٰلَ الَّتِىۡ كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡ‌ ؕ فَالَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا بِهٖ وَعَزَّرُوۡهُ وَنَصَرُوۡهُ وَ اتَّبَـعُوا النُّوۡرَ الَّذِىۡۤ اُنۡزِلَ مَعَهٗ ۤ‌ ۙ اُولٰۤٮِٕكَ هُمُ الۡمُفۡلِحُوۡنَ)  (الأعراف:157)، لكن  هذا التفسير نفسه، هو مجرد خطأ ناجم عن سوء التفسير. فكلمة (أ مي) لا تعني ( غير متعلم ) إلا في قاموس رجل جاهل حقا.؟! إنها مصطلح توراتي مشتق من كلمة (ا و م ت ي ا) بمعنى: أممي أي غير تابع لأهل الكتاب  ) فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّـۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ (  }آل عمران: 20 {. فالأمي في لغة التوراة، ليس هو غير متعلم، بل هو غير اليهودي الذي استبعده الرب من الشعب المختار، واعتبره نجسا.... فالعرب لم يكونوا في ضلال مبين، لأنهم كانوا لا يعرفون القراءة، بل لأنهم كانوا لا يملكون شريعة. والملاحظ أن قوله:  (  رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم )(ُالبقرة: 129 { هو شهادة صريحة بأن الرسول لم يكن يحسن القراءة فحسب، بل كان معلما ومحاضرا..(  [13] ) والصادق النيهوم في هذا الذي ارتآه من معنى الأمي، عالة على المتشرق الأب هنري لا مانس الذي يقول: إن فهم كلمة (أمي) في القرآن، ليس عربيا، بل يهودي حيث إن  مصدرها هو كلمة (أمة) التي كان اليهود يعينون بها شعوب الأرض جميعا...وذلك في مقابل الإسرائيليين، أنباء الله وأحبائه.( [14] ) فليس لنا إلا أن نبارك له أمانته العلمية، التي حملته على امتطاء رأي الأب هنري لا مانس، دون أن ينسبه إليه، بل ادعاه لنفسه بتعال وخيلاء، وقبح المعنى المعروف للأمي قائلا: ( فكلمة أمي لا يعني غير متعلم إلا في قاموس رجل جاهل حقا  ).     وهذا المعنى الذي لا يقوله – بزعمه – إلا رجلٌ جاهلٌ، عليه علماءُ الإسلام من اللغويين والمفسرين والمؤرخين...!!  ألا فليعرف الجاهل نفسه لئلا يطاول الشواهق، فيقال له: استٌ في الماء ورأسٌ في السماء...  ويرى طيب تيزيني أنّ هذا المفهوم للأمية (جهل القراءة والكتابة) ظهر في وقت لاحق بعد محمّد للدلالة على إعجاز القرآن.  يقول : ( نشكك – بترجيح حاسم – في التصور الذي نشأ في سياق بزور الفكر الإسلامي وتبلوره لاحقا بعد محمّد, والذي يرى أنّ الإعجاز يمكن في أحد أوجهه الكبرى, في أن محمّدا لم يكتب ولم يقرأ, أي في أنه كان أميا, وذلك لأنّ هذا التعبير الأخير لا يعني : الذي لا يقرأ ولا يكتب.. )( [15] )  
وهذا الذي جرى به قلم طيب التيزيني, ما هو إلا رأي المستشرق مونتغمري وات عدا عليه طيب تيزيني هو وفئته..يقول وات : ( يكاد يكون من المؤكد أنّ رواه الأحاديث الممتأخرين تحاشوا المعنى الطبيعي لهذه الكلمات لكي يجدوا فيها ما يسند الإعتقاد أنّ محمّدا لم يكن يقرأ, وقد كان ذلك جزءا هاما من البرهان على إعجاز القرآن )( [16] )   ويقول أيضا : ( إنّ الإسلام التقليدي يقول بأنّ محمّدا لم يكن يقرأ ولا يكتب, ولكن هذا الزعم ممّا يرتاب فيه الباحث الغربي الحديث, لأنّه يقال لتأكيد الاعتقاد بأنّ إخراجه للقرآن كان معجزا. وبالعكس لقد كان كثير من المكيين يقرؤون ويكتبون, ولذلك يفترض أنّ تاجرا ناجحا كمحمّد لا بد أن يكون قد عرف شيئا من هذه الفنون ( [17] ) أمّا افتراضه بضرورة عدم أمّية التاجر الناجح, فكان بإمكانه أن يتثبّت من مدى صحته بالسؤال عن حال التجار الناجحين في بعض بلدان العالم في زمننا هذا..وما أكثر الذين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة..
أمّا قوله : إنّ أميّة محمّد -صلى الله عليه وسلم  - ( جزء هام من البرهان على إعجاز القرآن ) فإذا كان يعني به أنّ الأمية من مكونات البرهان بحيث أنّه لو لم يكن محمّدا أميّا, لكان البرهان على إعجاز القرآن ناقصا, فقول غير صحيح. وإن كان يعني به كما قال من بعد – أنه من ادلّة المؤيدة لإعجاز فهو صحيح. وذلك أنّ القرآن يقول ( وَمَا كُنتَ تَـتلُوا مِن قَبلِه مِن كِتٰبٍ وَّلَا تَخُطُّه بِيَمِينِكَ‌ اِذًا لَّارتَابَ المُبطِلُونَ ) {العنكبوت :48}. فالقرآن لا يقول : إذن لثبت أنّ القرآن ليس وحيا, وإنّما قال : إذن لارتاب المبطلون, أي : لوجد الجاهلون في ذلك شبهة يتمسكون بها. فالأمية دليل مؤيد وليس دليلا ضروريا... ( [18] )  
والخلاصة  :   إن أمية الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي تعني  أنه لا يقرأ ولا يكتب ،  ثبتت بالقرآن، وهذا كمال في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعجزة من معجزاته الشريفة، قال الله تعالى ) : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ ((  العنكبوت:48)   فلو كان - صلى الله عليه وسلم- يكتب ويقرأ قبل أن يوحى إليه ،  لشك الناس في أمره،  أو قالوا: إنه تعلم هذه العلوم عن طريق القراءة والكتابة، ولكن هذه العلوم الوافرة والمعارف الزاخرة،  لا يستطيع عالم قارئ كاتب تحصيلها، وأحرى بأمي لا يكتب ولا يقرأ أن لا يعرفها.  فيعلم بذلك أنها وحي من الله تعالى، أوحي به إلى هذا النبي العظيم، وهذا لا شك أبلغ في التحدي والإعجاز، ولهذا قال الله تعالى: ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِه) ( يونس:38)،  وقد ثبت في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -  التي وردت في الكتب السابقة أنه أمي مُعَلَّم من الله تعالى.... فكان أميا ليعرفه أهل الكتاب الذين يعرفون صفاته الواردة في كتبهم؛ كما قال جل وعلا ) : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( ( الأعراف:157) .  وأما قول الله تعالى ) : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( )الجمعة:2  (  ففيه وصف الرسول الأمي بأنه يتلو على الأميين آيات الله أي وحيه، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب أي يلقنهم إياه، كما كانت الرسل تلقن الأمم الكتاب بالكتابة، ويعلمهم الحكمة التي علمتها الرسل السابقون أممهم، في كل هذه الأوصاف تحدٍ بمعجزة الأمية في هذا الرسول -  صلى الله عليه وسلم  - فهو مع كونه أميا قد أتى أمته بجميع الفوائد التي أتى بها الرسل غير الأميين أممهم لا ينقص عنهم شيئا، فتمحضت الأمية لتكون معجزة حصل من صاحبها أفضل مما حصل من الرسل الكاتبين مثل موسى - عليه السلام - ، وفي وصف الأمي بالتلاوة، وتعليم الكتاب والحكمة، وتزكية النفوس، ضرب من محسن الطباق، لأن المتعارف عليه أن هذه مضادة للأميةأفاده العلامة ابن عاشور في تفسيره ( [19] ).
 و قال ابن عاشور أيضا في قوله تعالى(  وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ) (العنكبوت:48) هذا استدلال بصفة الأمية المعروف بها الرسول -  صلى الله عليه وسلم - ، ودلالتها على أنه موحى إليه من الله أعظم دلالة، وقد ورد الاستدلال بها في مواضع كقوله: ( مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ)  ( الشورى:52)  وقوله: ( فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)  (  يونس:16) . ومعنى  (  مَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ..) ( العنكبوت : 48 ) إنك لم تكن تقرأ كتابا حتى يقول أحد هذا القرآن الذي جاء به هو مما كان يتلوه من قبل( ولا تخطه) أي لا تكتب كتابا، ولو كنت لا تتلوه، فالمقصود نفي حالتي التعلم، وهما: التعلم بالقراءة، والتعلم بالكتابة، استقصاء في تحقيق وصف الأميةبَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) ( العنكبوت : 49)  . أي بل القرآن آيات ليست مما كان يتلى قبل نزوله، بل هو آيات في صدر النبي - صلى الله عليه وسلم- . فالمراد من (صدور الذين أوتوا العلم) صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عَبَّر عنه بالجمع تعظيما له، والعلم الذي أوتيه النبي - صلى الله عليه وسلم -  هو النبوة[20] ).   وقد اختلف أهل العلم - رحمهم الله - هل تعلم النبي  - صلى الله عليه وسلم  - القراءة والكتابة بعد نزول الوحي أم لا؟ فمنهم من قال: إنه تعلم ذلك، فذكر القرطبي في تفسيره نقلا عن النقاش في تفسيره عن الشعبي أنه قالما مات النبي- صلى الله  عليه وسلم - حتى كتبوأسند أيضا حديث أبي كبشة السلولي مضمونه أنه  - صلى الله عليه وسلم -  قرأ صحيفة لـعيينه بن حصن وأخبر بمعناها، وضعف ذلك ابن عطية   . واستدلوا أيضا بما في حديث البخاريأن النبي  - صلى الله عليه وسلم  - لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال ،  ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح ،( أي السيوف في أغمادها ) ولا يدعو منهم أحدا، قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك؛ ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقال: أنا والله محمد بن عبد الله  ، وأنا والله رسول الله، قال: وكان لا يكتب. قال: فقال لعلي: امح رسول الله، فقال علي: والله لا أمحاه أبدا، قال: فأرنيه، قال: فأراه إياه فمحاه النبي  - صلى الله عليه وسلم  - بيده، فلما دخل ومضى الأيام أتوا عليا فقالوا: مر صاحبك فليرتحل، فذكر ذلك لرسول الله -  صلى الله عليه وسلم -فقال: نعم ثم ارتحلاهـ   فقال جماعة من العلماء: بجواز ذلك عليه وأنه كتب بيده. منهم السمناني،  والباجي، ورأوا أن ذلك غير قادح في كونه أميا ،  ولا معارضا لقوله تعالى: ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ  المُبْطِلُونَ ) ( العنكبوت:48)   ولا لقوله ) : إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب )  [21] ) بل رأوه زيادة في معجزاته  ، واستظهارا على صدقه وصحة رسالته، وذلك أنه كتب من غير تعلم لكتابة ولا تعاطٍ لأسبابها، وإنما أجرى الله تعالى على يده وقلمه حركات كانت عنها خطوط مفهومها ابن عبد الله لمن قرأها، فكان ذلك خارقا للعادة، كما أنه - عليه السلام  - عَلِمَ عِلْمَ الأولين والآخرين من غير اكتساب ولا تعلم، فكان ذلك أبلغ في معجزاته ،  وأعظم في فضائله ،  ولا يزول عنه اسم الأمي بذلك، ولذلك قال الراوي عنه في هذه الحالة: ( ولا يحسن أن يكتب. فبقي عليه اسم الأمي مع كونه قال: كتب.)
 وقال بعض أهل العلم: إنه -  صلى الله عليه وسلم  - ما كتب ولا حرفا واحدا، وإنما أمر من يكتب، وكذلك ما قرأ ولا تهجى.  قالوا: وكتابته مناقضه لكونه أميا لا يكتب، وبكونه أميا في أمة أمية قامت الحجة  ، وأفحم الجاحدون وانحسمت الشبهة، فكيف يطلق الله تعالى يده فيكتب وتكون آية؟ وإنما الآية ألا يكتب، والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا، وإنما معنى كتب وأخذ القلم: أي أمر من يكتب به من كتابه، وكان من كتبة الوحي بين يديه -  صلى الله عليه وسلم  - ستة وعشرون كاتباورجح هذا القول القرطبي في تفسيره.  
قال ابن حجر في قوله: فأخذ رسول الله  - صلى الله عليه وسلم  - الكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللهوقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي -  صلى الله عليه وسلم  - كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب ،  فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ،  ورموه بالزندقة وأن الذي قاله مخالف القرآن حتى قال قائلهم: برئت ممن شرى دنيا بآخرة  ، وقال إن رسول الله قد كتب، فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير: هذا لا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن  ، لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن  ، فقال:  ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك )، وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته  ، وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى. وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك منهم شيخه أبو ذر الهروي  ، وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها، واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة ،  وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله ،  قال: ما مات رسول الله -  صلى الله عليه وسلم  - حتى كتب وقرأ. قال مجاهد: فذكرته للشعبي فقال: صدق ،  قد سمعت من يذكر ذلك  ، ومن طريق يونس بن ميسرة على أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية أن النبي -  صلى الله عليه وسلم  - أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمس، فأخذ رسول الله  - صلى الله عليه وسلم  - الصحيفة فنظر فيها فقال: قد كتب لك بما أمر لك. قال يونس: فنرى أن رسول الله -  صلى الله عليه وسلم  - كتب بعد ما أنزل عليه. قال عياض: وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه: ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك. وقوله لمعاوية: َألِقِ الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم. وقوله: لا تمد بسم الله. قال: وهذا وان لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة فإنه أوتي علم كل شيء. وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث،  وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي، وقد صرح في حديث المسور بأن عليا هو الذي كتب  ، فيحمل على أن النكتة في قوله: فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب.. لبيان أن قوله أرني إياها أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها ،  إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك فكتب ، فيه حذف تقديره  : فمحاها فأعادها لعلي فكتب. وبهذا جزم ابن التين ،  وأطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة وهو كثير، كقوله: كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى ،  وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم  ، وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة  ، ويخرج عن كونه أميا، فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات  ، ويحسن وضعها بيده وخصوصا الأسماء ولا يخرج بذلك عن كونه أميا  ، ككثير من الملوك، ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد ،  فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا. وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة ،  وتبعه ابن الجوزي وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميا لا يكتب  ، وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد ، وانحسمت الشبهة، فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة وقال المعاند كان يحسن يكتب ،  لكنه كان يكتم ذلك. قال السهيلي: والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا. والحق أن معنى قوله فكتب أي أمر عليا أن يكتب انتهى.  وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظر كبير. والله أعلماهـ وأما القراءة والمدارسة فلا يلزم منها كون الشخص يقرأ مكتوبا؛ إذ تطلق القراءة على التلاوة كما في قول النبي  - صلى الله عليه وسلم ): -  لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب.[22] )  وفي رواية لمسلم ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن (. ( [23] )  وفي حديث أحمد وابن حبان ) :  إذا استقبلت القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت ) ([24]  ) وفي صحيح مسلم عن حذيفة قال: ( صليت مع النبي  - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه [25] )
  ومن المعلوم أن القارئ في الصلاة لا يقرأ من كتاب ،  ولا سيما في ظلام الليل، وأما الدراسة فهي لا تستلزم أن تكون من كتاب ،  بل إن المدارسة التي رغب فيها الشارع في حديث مسلم  ) : وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده(  [26] )  .  إنما يراد بها تلاوة بعضهم على بعض  ، وتحاورهم فيما يستفاد بواسطة التدبر من الآيات المتلوة، قال النووي في شرح مسلم  ) : وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد، (   وأما حب أبي طالب النبي - صلى الله عليه وسلم -واحتمال تعليمه له الكتابة ،  ونجاحه  - صلى الله عليه وسلم  - في التجارة فهو احتمال لا يمكن أن تُردَّ به النصوص الصريحة في الوحيين... .
 
2 -  النيهوم والرمز في القرآن   الكريم   :
قام الصادق النيهوم بنشر  مجموعة حلقات في صحيفة الحقيقة سنة ( 1967م) ،  حول (الرمز في القرآن) ، وقد  تم وقف نشر حلقاته وقت ذاك ،  بسبب أزمة بينه وبين الجامعة الإسلامية حول مفهوم هذه الدراسة.    وهو سيحاول الوقوف على التفسير الرمزي حول قصة أصحاب الكهف ،  والبداية كما يرى النيهوم من سورة الكهف من الآية الكريمة (  وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةِ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً  )  ( الكهف : 25). والسؤال الذي يطرحه النيهوم : هل يروي القرآن هنا حدوث معجزة ظاهرة ،  وهل نام أصحاب الكهف ثلاثة قرون حقاً ؟ ثم يضيف على ذلك : وليس ثمة شك أن المرء يستطيع أن يعتمد الإجابة باعتبار أن المعجزة ظاهرة في معظم الديانات وأن الله على كل شيء قدير .   ثم يقدم لنا افتراضه الرمزي حول هذه الحالة وذلك بقوله : " أنا سأفترض أن القصة بأسرها حادثة رمزية تهدف في الظاهر إلى الحديث عن بضعة من القديسين المطاردين في الجبال  ، فالفكرة الأساسية التي يهدف إليها النيهوم هو التفسير الرمزي لقصة أصحاب الكهف ..  قال تعالى : (  أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أًصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً فَضَربْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا  أَمَداً ) ( الكهف :  8-12). يقول النيهوم في تفسيره لمعنى هذه الآيات الكريمة : " المرء يستطيع أن يلاحظ بيسر أن النص يخلو خلواً معتمداً من التفاصيل ، فليست ثمة إشارة إلى عدد أصحاب الكهف أو عدد السنين التي قضوها هناك أو مكان الكهف نفسه ، وليس ثمة تحديد خاص لمفهوم الكلمات المستعملة فالآية "فضربنا على آذانهم" تعني منعناهم من السمع ، وأحد معاني ضرب: سد وأغلق ، ولكن الآية تعني أيضاً عزلناهم عن العالم من حولهم ، واللغة العربية ما تزال تستعمل جملة "ضرب حوله ستاراً من العزلة" وتعني عزله كليةً عما يحيط به " .   ثم يضيف على ذلك ما ملخصه :" أن كتب التفسير تتبنى فكرة العزلة بطريق النوم وهي فكرة تستند في الأساس على أسطورة مسيحية ، فتجنب كلمة النوم بالذات تبدو بمثابة اقتراح للبحث عن تفسير أخر ، وكلمة الرقيم التي ورد ذكرها تدعونا للتريث في قبولنا للأسطورة المسيحية ، والرقيم بالنسبة له هو رمز للنشاط التجاري الذي تميزت به الأمم المسيحية الحديثة ، كما أن الكهف رمز أخر للنشاط الكهنوتي في الأديرة المتوحدة وتباع النساك في الجبال وبالتالي لابد لهذا الاقتراح أن يدعو في النهاية إلى اعتبار القصة كلها عملاً رمزياً متعمداً فالشواهد تشير بوضوح إلى أن القرآن لا يسرد حادثة معينة داخل أية تفاصيل"( [27] ) وأما الرقيم فقد اختلف فيه المفسرون والرواة  ، فمنهم من قالوا : هو لوح رصاص كتبت فيه أنسابهم وأسماؤهم ودينهم ، وقيل الرقيم اسم القرية التي كانوا فيها ، وقيل غير ذلك ؟؟ ثم يقول  النيهوم  :  ولعلني أستطيع أن أقترح هنا أن ثمة تياراً رمزياً خفياً يجرى تحت سطح الأحداث الظاهرة في الرواية ، وأن القرآن يجمع بين صورة محددة لبضعة رجال في أحد الكهوف النائية ، وبين صورة أخرى شاملة لرمز أوسع أبعاداً وهنا تصبح الآية (  وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودُ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبًهُم بَاسِطُ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) ( الكهف :18) ، رمزاً لحالة الركود المعروفة في تاريخ المسيحية بين ميلاد عيسى وبين عصر الإمبراطور قسطنطين ، وهي فترة تميزت بحالة حادة من الجمود الكلي في جميع مناطق الدين الجديد  وطبقاً لتفسير النيهوم :   -تصبح الآية  (  وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) (  الكهف : 18)، رمزاً لحالة التيه التي عاشها أتباع المسيحية في تلك الفترة متلمسين طريقهم لنشر تعاليم المسيح بين أوروبا وبين إثيوبيا عبر أديرة سيناء وكهوف الرهبان في جبال البحر الأحمر. - وتصبح الآية ( وَكَلْبًهُم بَاسِطُ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ )( الكهف : 18) إشارة أكثر وضوحاً إلى أن الدين الجديد كان يواصل انتشاره في مناطق مأهولة بالشعوب التي تحترف الرعي ، وهي حرفة شعوب أوروبا خلال تلك الفترة بصورة عامة وحرفة سكان سيناء والمناطق العربية المجاورة وإثيوبيا... وتصبح الآية  (  لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) ( الكهف : 18) ، إشارة أخرى إلى تلك الفكرة التي سادت المسيحيين الأوائل –خاصة في أوروبا- والتي ظلت تربط بين التعبد وبين ممارسة الزهد المسيحي المتطرف إلى حد تجاوز النطاق الطبيعي بكثير إن استخدام التفسير الرمزي أدى بالنيهوم إلى جعل قصة أصحاب الكهف مجرد رمز عن تاريخ الديانة المسيحية والتقويم المسيحي ؟؟ ثم يضيف بأن القصة ما تزال تخلو  من المعجزة  ، ولكن المعجزة تأتي من الأساطير المسيحية ؟؟  إن مفهوم النيهوم لقصة أصحاب الكهف ، أنها قصة رمزية تهدف إلى عرض تاريخ المسيحية ، فالنسبة له لا وجود لمجموعة من الفتية ولا للكهف ولا لحدوث المعجزة ، إنما فهم المعجزة قد أتي أو تسرب إلى المفسرين من الأساطير المسيحية،  والقرآن إنما يعرضها مجردة من كل ذلك.؟؟ غير أن صاحب كتاب (الفن القصصي في القرآن الكريم) يرى "أن تاريخ المسألة يدل على أنا لا نحتاج إلى مثل هذا التأويل إذا فهمنا القصة على حقيقتها ، وعرفنا القصد الذي يرمي إليه القرآن ،  وهو أن محمداً - عليه السلام – نبي،  وينزل عليه الوحي ،  وأنه الذي أخبره بالإجابة عن تلك الأسئلة التي وجهت إليه من مشركي مكة ،  وأن هذه الإجابة قد وردت كما أخبر اليهود أهل مكة ( [28] ) " .   ثم يضيف على ما سبق قوله:  (  وإذا كان القرآن يعرض الأمور التاريخية في بعض الأحيان على هذا الوجه الذي وصفناه من مجيئها مطابقة لاعتقاد المخاطب وانه الأمر الذي يخرجنا من الميدان التاريخي عندما لا يكون القصد البحث عن الحقيقة التاريخية ، ويدخلنا في ميدان الأدب والبلاغة ؛ لأن القصد ليس إلا الإيحاء والتأثير واستثارة العاطفة والوجدان . ( [29] )  . ولعلنا نستطيع أن نلتمس أوجه الاتفاق والاختلاف حول مفهوم الرمز القصصي عند الصادق النيهوم ، والفن القصصي عند محمد أحمد خلف الله ( [i] ) ، فبينما حاول النيهوم تفسير قصة أصحاب الكهف تفسيراً رمزياً يشير إلى عرض تاريخ الديانة المسيحية ، يرى محمد أحمد خلف الله أن القصة لا يمكن استيعابها إلا من خلال المنهج الأدبي والابتعاد عن الوقائع التاريخية ، ولكن أوجه الاتفاق تكمن في إسقاطهم لمفهوم المعجزة ؟؟  ونقول :  إن الاعتقاد بأن القصص التي في القرآن قصص رمزية  ، هو كفر في حد ذاته ، وذلك ما زعمه  محمد أحمد خلف الله من  أن القصص التي يذكرها الله إنما هي بسبيل العبرة والعظة ، ولا يلزم أنها حقيقية  !!..وتبعه على هذا غيره من الظلاميين الذين يسمونهم :تنويريين ؟؟  والصحيح أن  القصص التي ذكرها الله تعالى عن الأمم السابقة وقعت حقا ,  وليست رمزية كما يزعم بعض الزنادقة  ، فالقصة الرمزية هي التي تحكى على سبيل الاعتبار  ، ولا يلزم أن تكون وقعت .. كقصص كليلة ودمنة لابن المقفع ، وقصص الصادح والباغم لابن الهبارية ،  وغيرها ، أو أن  يُحكى  لك قصة بين الأسد والثعلب.. لتوصيل معنى مفيد أو حكمة مستفادة ،أما القصة القرآنية فهي حقيقة واقعة ،  قال سبحانه : ( إن هذا لهو القصص الحق ) ( آل عمران : 62) ، وقال تعالى : ( نحن نقصُّ عليك نبأهم بالحق ) ( الكهف/۱۳) ، وقال : (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ  ) ( يوسف : 111)
 فهـو قصـصٌ يجلُّ عن المعاني المخترعةِ التي لا تتصلُ بالواقعِ ، ولا تصـفُ مـا أظلـه الوجود، شأنُ الفنِ القصصي في أدبِ الناسِ...... هذا أولا ....  وثانيا : إن ما ذكره الصادق النيهوم أوهام وخيالات لا تساوي الحبر الذي كتبت به ... وكان مركز نون  للدراسات القرآنية قد توصل في دراسة للباحث الدكتور  بسام جرار قام  بها لموسوعة القدس والمسجد الأقصى المبارك في مطلع الألفية الثالثة, تحت عنوان: “صخرة بيت المقدس  وأصحاب الكهف” , إلى أن هذه المغارة هي الكهف الذي أوى إليه الفتية الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف ،  مقدماً مااعتبره  أدلة وبراهين على صحة رؤيته ، والدراسة منشورة في  “موسوعة القدس والمسجد الأقصى المبارك”-  المجلد الأول ، بل جعل الاستاذ عطية زاهدة(  خربة قمران )هي مسرح أهل الكهف في مقالات منشورة في أحد المواقع الاليكترونية .. ؟ لكن ما توصل اليه الباحث الدكتور بسام جرار، والأستاذ عطية زاهدة  لم يثبت إطلاقاً،  بل غير صحيح ألبتة، إذ أن دراسات تاريخية وأثرية قد ذكرت أن مَن تم ذكرهم في سورة الكهف قد آووا إلى مغارة تقع في قرية  (الرجيب ) الحالية المحرفة عن قرية  ( الرقيم ) على طريق عمّان سحاب ( [30] ) وثمة إشارات في مصادر أخرى إلى وجود أصحاب الكهف في أماكن أخرى  لا دليل عليها  . ونكتفي بما أوردناه من طوامِّه .. فاستقصاؤها بعيد المنال ؟!
 
 
  –  من  هلوسات  النيهوم !!
هلوسات النيهوم وفضائحه كثيرة نذكر منها مايلي :  

  1. يتصدى النيهوم – كعادته- للإسلام ومصدره الأول القرآن العظيم ، ثم  للمصدر الثاني السنة المطهرة ويقول : ( ميزة كل كتاب مقدس ، ان معلوماته تصبح تلقائية غير قابلة للجدل ، وهي ميزة  مفيدة – فقط- إذا كانت النعلومات نفسها حقائق نهائية ؟؟ ... أسطورة تعلن أن المرأة نفسها مجرد مخلوق جانبي صنعه الرب من ضلع آدم ، وهي ترجمة سحرية لحكمة تريد أن  تقول : بان المرأة إلى جانب الرجل ؟ ... وإذا كان الحجاب قدأصبح فريضة إسلامية ، يدعو إليها الوعاظ علنا باسم الإسلام ، فإن هذه الدعوة ليس مصدرها النص القرني ، بل مصدرها أن الواعظ المسلم يتكلم لغة عبرانية ؟! من دون أن يدري ، فمن مطلع القرن الهجري الأول كان الفقه الإسلامي يتلقى علومه بحماسة كبيرة في مدرسة التوراة ؟؟  وكان موضوع الطمث قد أعيد إلى خانة ( النجاسة ) من جديد ،فتحولت المرأة المسلمة خلال فترة الطمث إلى امرأة غير طاهرة مرة أخرى ، وعمد الفقهاء إلى إبطال صلاتها وصيامها طوال أيام المحيض في فتوى لا تستند إلى نص القرآن ، بل تستند إلى قول التوراة : ( كل شيء مقدس لا تمس ، وإلى المقدس لا تجيء ) ...  فحجاب المرأة ليس شريعة من أي نوع ؟؟ بل منهجا تربويا مكتوبا بلغة السحرة ؟ قاعدته النظرية أن المرأة ( مخلوق نجس ) وقاعدته العملية أن يقنع  المرأة  نفسها بقبول هذه الشخصية ، وهي كارثة تحققها فرة الحجاب ؟؟ ... فالمرأة المحجبة لا تخفي نفسها كالطفل داخل عباءة ، لأنها امرأة ورعة ،  بل لأنها اامرأة مسحورة ، تعرضت لحرب نفسية رهيبة ، شنها السحرة ضدها طوال ثلاثة آلاف سنة ؟؟ضمن خطة تربوية مكتوبة بلسان أكبر ساخر في العالم ، وقد نجم عن هذا الضغط الهائل شل غقل المرأة وندنيس جسدها ، وأتاح إدانتها – شرعيا – بأنها ( ناقصة عقل ودين ) ؟؟ وأحالها إلى مخلوق مريض في حاجة ماسة إلى رحمة الله ،إن الحجاب فمرة فظيعة إلى هذا الحد ) ؟( [31] )

  2. رفض النص الحديثي بوصفه ابتداعا لسنة غير سنة الله ؛؟؟  والتشغيب على المؤسسة الأصولية والفقهية باعتبارهما مؤسستين توراتيتين من جهة ،  أو إنجيليتين / بولسيتين( نسبة لبولص ) من جهة أخرى ؟!(  [32])

  3. يُحَمِّل الصادق النيهوم الإمبراطورية الأموية مسؤولية طمس حقائق النص القرآني ، وتوفير شروط ابتداع تشريع جديد ، منافس للتشريع القرآني ومناقض له كليا . لقد سعت الإمبراطورية الأموية إلى تطويق النص القرآني  ، وإلغاء العمل بروحه التشريعية الجماعية ، والإشراف على تشريع فقهي توسل بالأحاديث الموضوعة المستمدة أصلا من الخطاب التوراتي / التلمودي ومن الخطاب الإنجيلي / البولسي . فالمؤسسة الفقهية الإسلامية ، لم تعمل في اعتباره إلا على إلغاء الايطيقا القرآنية ؟؟، والمقاصد الجوهرية للنص المؤسس ، وخدمة الكتاب المقدس بطريقة أخرى . فالتشريع الإسلامي المعروف لا يمتح من النص المؤسس ومن روحيته العقدية والتشريعية ، بل من العقلية التشريعية اليهودية والمسيحية . وبناء على هذا التصور فان النيهوم ، ينفي الشرعية الإسلامية للحديث وأصول الفقه والفقه ، ويبحث لهذه العلوم عن مصادر وثوابت في النصوص التوراتية والإنجيلية .
     لقد فتح الخليفة الأموي لنفسه ، في جدار الإسلام ، ثغرة على مقاسه بمعاول الفقهاء .وخلال وقت قصير ، كان الحديث قد أصبح علما جديدا ، هدفه المعلن أن يحفظ سنة رسول الله ، وهدفه غير المعلن ، أن يخول الفقهاء سلطة التشريع نيابة عن الأغلبية ، وقد عمد الإمام الشافعي إلى تحديد مصادر الشرع ، في أربعة مصادر ، هي القرآن والسنة والإجماع والقياس ، وفسر الإجماع على انه إجماع الصحابة ، وليس إجماع الناس أنفسهم( [33] )  .

لماذا يحقد  المستشرقون وذيولهم من الحداثيين   والعلمانيين على الأمويين ؟؟
لقد اعتاد أعداء الإسلام، وذيولهم من الجاهلين الأقزام، أن يتطاولوا بأسوأ الكلام على بني أمية ، بدءا من اليعقوبي – وهو مؤرخ شيعي مغال- مشهور بتحامله على بني أمية  ، والمؤرّخ النصراني (يوتيخويوس) -ابن البطريق-،( [34] ) والماسوني النصراني جورجي زيدان في كتابه تاريخ التمدن الإسلامي..؟؟
ملكوا أكثر الدنيا،فلم يملك أحد من ملوك الدنيا ما ملكوه من الأرض، إلى أن تغلّب عليهم بنوالعباس بالمشرق، وانقطع بهم ملكهم، فسار منهم عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس، وملكها هو وبنوه، وقامت بها دولة بني أمية نحو الثلاثمائة سنة،فلم يكُ في دول الإسلام أنبل منها، ولا أكثر نصرًا على أهل الشرك، ولا أجمع  لخلال الخير"( [35] ).
كان بنو أمية يفتحون البلاد في أربع جهات العالم على البر، بخلاف فتح جزر البحرالمتوسط، وبلغت دولة الإسلام أقصى اتساع لها -كدولة واحدة- في ظل الأمويين، وكانت ذروة الفتوحات الإسلامية على أيدي هؤلاء القادة: تم فتح المغرب والأندلس على يد القادة الشباب أمثال : عقبة بن نافع ، وحسان بن النعمان  ، وطارق بن زياد  ، وموسى بن نصير، ومن ورائها فرنسا على يد عبد العزيز بن موسى بن نصير والسمح بن مالك الخولاني ، وعبد الرحمن الغافقي، وسارت الفتوح في الشرق في بلاد ما وراء النهر حتى  الصين بقيادة : قتيبة بن مسلم الباهلي، وفي الجنوب الشرقي حتى السند بقيادة  المهلب بن أبي صفرة  ، ومحمد بن القاسم، وفي الشمال وبلاد القوقاز بقيادة مسلمة بن عبد الملك ومروان بن محمد..هؤلاء القادة هم الذين رسخوا الوجود الإسلامي في تلك المناطق وكانت فتوحاتهم تتميمًا وتكميلاً لما سبقها من فتوح في عهد الراشدين، وتأسيسًا لدخول هذه المناطق في الدولة الإسلامية  بشكل نهائي ( [36] )  
وقد جرت في كل تلك الفتوح أعمال من أندر وأروع مايمكن أن يكتب في تاريخ البطولة والأبطال، وقدم الفاتحون نماذج لا مثيل لها  في الجهاد والبذل والتضحية والإخلاص، وكم من مجاهد مات في هذه الأرض البعيدة لا نعرف اسمه،  ولا قبيلته ، ولا شيئًا من  تاريثخ حياته، ترك الدنيا كلها وذهب  ليموت في تلك الأصقاع لا يرجو إلا الله والدار الآخرة، ستأتي هذه البلاد  في ميزان حسناته يوم القيامة!!
وما استطاع أحد بعد بني أمية ، أن يُسَطِّر في الفتوح تاريخًا كتاريخهم، ولا حتى تاريخًا يقاربهم! وأماتوا المستشرقين والحداثيين والكافرين يغيظهم  ؟؟!! وبعد.... إن بني أمية لا يوزنون بالخلفاء الراشدين  ، وليس هذا عارًا عليهم ،  ولا فيه حط  لمنزلتهم ،  فإن إدراك شأو الراشدين واللحوق بهم أمر خارج عن طوق البشر ، وليس  فيه مطمع لأحد ، ولا موضع رجاء لمجتهد ، ولكن التوازن والتكايل بين الأموية  والعباسية ،  وإنما هم ملوك ، فيهم المحسن والمسيء ، والعادل والجائر ، والناسك  والخليع ، والحازم والمغفل ، بل الذي أعدلهم سيرة ، وأمثلهم طريقة ،  وأوفاهم ذممًا ، وأرضاهم طورًا ،  لا يخلو من عثرات لا تقال ،  وهنات لا تذكر.. ومع ذلك فقد استطاع البيت الأموي أن يعيد الوحدة الإسلامية ، ويستأنف الفتوحات ، فيغزو أوروبا ، وبنتزع إسبانيا والبرتغال ، ويزحف إلى أوروبا ، بينما عجزت كل البيوتات  والقوى  العربية  الأخرى عن تجميع كلمة العرب حولها ، أو إقامة دولة حقيقية ، أو أن تشكل مزاحمة جدية على القيادة لبني أمية ، ما بقرب من قرن كامل .. رغم أنه ما من دولة في تاريخ العالم كله شهدت من الثورات والخروج ، والخوارج ، والأعداء  مثل دولة الأمويين ، ولكنها أثبتت كفاءة غير مسبوقة ولا ملحوقة في القدرة على الحكم  ، وكسر قرون الأعداء أسلاف العلمانيين والحداثيين ، وفشل بنو هاشم في جمع كلمة العرب تحت رايتهم ، حتى أسلموا زمامهم لفارسي ، وأمروه أو ادعى أنهم أمروه أن لا يبقي على عربي جاوز الشبر ؟!    ولما سقطت دولة بني أمية في النهاية تحت ضربات الفرس الذين تستروا بالعباسيين ، هرب أموي واحد – كما أسلفنا - ( عبد الرحمن الداخل - صقر قريش ) في مغامرة أسطورية ، حتى نزل بشواطىء أوروبا ، وحيداً....شريداً.. مطارداً .... فأقام مجد العرب في الأندلس .!!  هذا هو البيت  الذي ألقت إليه أمة العرب بمقاليدها.....  لأنه وحده الذي كان قادرا على الحكم . ( [37] )  
 4-   يذهب الصادق النيهوم بعيدا في نقد السنة المحمدية ، والفقه الإسلامي ،والفكر الأصولي ،  ؛  فقد نفى الصفة الإسلامية على كثير من الأحكام المعتبرة إسلامية بلا مراء، واعتبرها استعادة للأحكام التشريعية التوراتية والإنجيلية .
  فالفقه ورَّط المواطن المسلم في شرائع يهودية بالية ، لم تعد موضع نظر ، حتى بالنسبة لليهود أنفسهم،  بينما تكفلت نظم التعليم الإلزامي بترويج هذه الشرائع بين أجيال من أطفال العرب باسم الحفاظ على السنة النبوية ، في عملية من أكبر عمليات غسيل المخ في التاريخ . وقبل أن يكتشف أحد أبعاد هذا التدبير ، كانت الكارثة قد وقعت وانتهت ، وكان الإسلام - الذي يقال إنه دين العقل –  ؟؟ قد تحول إلى طقوس سحرية تتراوح بين ختان الطفل ، وبين تحريم لمس المرأة ، وقطع عنق الخروف، باسم العودة إلى[ أصول الدين ] وهي عودة لا تعني في الواقع سوى قطع جذور الدين من أصولها ، وضرب الإسلام بسيف الإسلام ، تمهيدا لقيام دولة التوراة العربية التي تمتد – هذه المرة - من الفرات إلى المحيط .  ؟؟ ( [38] )
5   - الفقه الإسلامي مقطوع الصلة بالأصول القرآنية ، ومنفصل جوهريا عن مرادات الروحية والمنهجية القرآنيتين .ومن ثم فهولا يدل على العبقرية التشريعية للعقل الإسلامي ، بل على ارتكاسيته واهتيامه بالمتخيل السامي / التوراتي / الإنجيلي . وللتدليل على ارتهان النظر والأحكام الفقهية والأصولية ، للأصول اليهودية / الإنجيلية ، يرجع بعض الأحكام الشرعية إلى أصولها التوراتية :
حد الردة استعادة للإصحاح السابع عشر من سفر التثنية؟
تكريس سلطة المؤسسة الفقهية استعادة للإصحاح السابع عشر من سفر التثنية ؟
الختان الإسلامي استعادة للإصحاح السابع عشر من سفر التكوين ؟
الذبح الشرعي استعادة للإصحاح الثاني عشر من سفر التثنية ؟
- تكريس العذرة استعادة للإصحاح الثاني والعشرين من سفر التثنية ؟
-- تكريس تحريم الصور والتماثيل استعادة للإصحاح العشرين من سفر الخروج ؟
-الخمار الإسلامي( المعروف بالحجاب خطأ ) استعادة للإصحاح الحادي عشر من رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس ؟
-إقصاء المرأة من التشريع والمناصب الدينية استعادة للإصحاح الثاني من رسالة بولس الرسول الأولى إلى ثيموثاوس ؟
-قوامة الرجل على المرأة استعادة الإصحاح الثالث من سفر التكوين ومن الإصحاح الخامس من رسالة بولس إلى أهل أفسس  ؟؟  فهو يعتقد أن المؤسسة الفقهية الإسلامية ، عجزت عن تمثل الحقائق النموذجية للإيمان الإسلامي وعن استيعاب التوجهات الروحية للعقيدة والشريعة الإسلاميتين . ( [39] )
- يقول النيهوم : ( فالواقع ،أن القرآن لا ينقل عن التوراة والإنجيل، بل هو التوراة والإنجيل ، في صياغتهما الإلهية المحررة من عبث رواة الحديث ( [40] . (
  7  -  ويقول – عليه من الله ما يستحق  - (فنحن لا نزال ننظر إلى كتاب الله بعين أعرابي ميت منذ ألف سنة ؟! . ولا نزال نتكلم بلسانه ، ونردد في كتبنا و إذاعاتنا – ونعلم أطفالنا – كل ما دار في رأس ذلك الأعرابي الجاهل من أساطير ؟؟ ، ابتداء من حبس يأجوج ومأجوج وراء سور من الحديد، إلى فلق البحر ، وحوار الشيطان مع آدم ، وخروج يونس من بطن الحوت ، وتسخير عفاريت الجن في خدمة سليمان . وهي قصص رواها القرآن عن التوراة ، وسماها [ قصصا ] . لكن منهجنا في التفسير ، يمضي أبعد مما أراد الله ، مصرا على أنها أحداث تاريخية ، وقعت بالفعل في المكان والزمان المحددين ( [41] ) أيقول هذا الكلام من في قلبه ذرة من إيمان ؟؟  
إن هذا القول يعطينا صورة عن  الحقد الدفين ، والجهل المركب الذي يعيشه الحداثيون والعلمانيون ،وأعداء الإسلام عموما ،  والمغالطات الجلية التي يتخذونها في سبيل مضادة الإسلام والحق والدين،  ومن يطلع على هذا القول لهذا ( النيهوم وأضرابه  ) يحمد الله على العقل والسلامة من داء الجهل ، والعته الفكري ، والضلال المبين .
 


[1] - ناقش الطالب: على موسي سعيد رسالة ماجستير تحت عنوان :  (فكر الصادق النيهوم دراسة فلسفية تحليلية  )( ص 10-11 ) وقال : [[  والمتتبع للسيرة الذاتية للصادق النيهوم يجد بعض التضارب حول دراسته الجامعية فإن كتبه التي اصدرتها دار نجيب الريس للكتب ، تذكر أن النيهوم قد تحصل على علومه الجامعية من جامعة القاهرة ، ولكن عند رجوعنا إلى أرشيف الجامعة الليبية وجامعة قاريونس حالياً ، يتبين لنا أن الصادق النيهوم من ضمن الطلبة الذين تخرجوا من كلية الآداب –قسم اللغة العربية بتقدير عاح0دم "جيد جداً" سنة 60-1961م الدفعة الثالثة والتي كان عددها سبعة وعشرون طالباً.  كما أنه عين معيداً بنفس الجامعة ثم أوفد للدراسة في الخارج وتحديداً "ألمانيا" وكان من ضمن أربعة معيدين ضمن تخصصات مختلفة منهم: محمد عبد الكريم الوافي ، ومنصور محمد الكيخيا ، وشعيب يونس المنصوري ، والصادق النيهوم كما أن الصادق النيهوم لم يستمر كمعيد بالجامعة الليبية ولم يكمل دراسته الأكاديمية وتفرغ للكتابة والنشر، وهو ما يذكره في أحد كتبه إذا يقول: " تخرجت من كلية الآداب بتقدير يؤهلني كمعيد في جامعة ليبيا ، حصلت على منحه إلى ألمانيا ولم أكن أكتب وقتها ، وحصلت على الماجستير ، ورغبت في التقدم للدكتوراه وجاء وزير إعلام جديد قال : كيف يدرس في ألمانيا خريج لغة عربية؟ أرسلوه إلى القاهرة وهناك وجدت الدكتورة (سهير القلماوي) وبدأوا يدرسون أبجدية اللغة الألمانية ، قلت لهم أنا معي ماجستير من ألمانيا ولا يجوز أن أجلس لتعلم هجائية الألف باء ، قلت لهم السلام عليكم ...وذهبت إلى فنلندا وراسلت رشاد الهوني(*) رئيس تحرير الحقيقة عارضاً عليه العمل مقابل مبلغ وبقيت في فنلندا(1)".  كذلك فإنه وبرجوعنا لأرشيف جامعة القاهرة منذ نشأتها حتى سنة 1996م فقد تبين لنا أن الصادق النيهوم لم يكن من ضمن طلبة جامعة القاهرة ولا توجد أية إشارة أو دليل على أن الصادق النيهوم قد تحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة وذلك بخلاف ما تورده المصادر العربية التي تناولت سيرته الذاتية كما أن الأستاذ "سالم الكتبي" والذي قام بنشر أغلب تراث النيهوم المتناثر في الصحف الليبية ، يرى أن النيهوم لم يحصل على درجة الدكتوراه. ونحن نميل إلى هذا الرأي خصوصاً وان الكتب والموسوعات والدراسات التي قام الصادق النيهوم بنشرها ، كانت تخلو دائماً من أي رمز يشير إلى ذلك. ]] 

[2] - قال يوسف صديق  بالحرف: ( لا أتردد ولا أتلعثم في أن عملية الوحي خرافة؟؟  فكيف لنا أن نتصور الآن هذه القضية التي تحكيها السير، والحمد لله أن هذه السير ليس لها أصول (كذا)؟! ومع زعمه  أن جبريل خرافة!! إضافة إلى تساؤله الجهول قائلا :  هل من العباطة لملك الوحي جبريل أن يضم أحدا فيقول له اقرأ، فيقول ما أنا بقارئ، فيعيد ضمه، ويعيد له نفس السؤال، ثم يقول له اقرأ شيئا لا شِفرة فيه ولا تفكيك؟"!  في الح قيقة والواقع لا قراءة جديدة ولا قديمة  وإنما  هو ببغاء يردد ما قاله المعتوه هشام جعيط في كتابه (الوحي والقرآن والنبوة  ص 39-40)   الذي نقلها بدوره عن المستشرق ( مونتغمري  وات )حذو النعل بالنعل ، انظر مناهح المستشرقين في الدراسات العربية الاسلامية ، 1: 215 و 1: 130-131.؟؟وما من قول سيأتي به هؤلاء إلا وقال المبشرون والمستشرقون أضعافه ، وبمنطق أقوى من الناقلين عنهم ؟؟

[3] -  على فهمي خشيم ، الفلسفة والسلطة ومقالات أخرىص 62-73

[4] -  جار الله محمود بن عمر الزمخشري ، تفسير الكشاف ، المجلد الثالث،ص 458

[5] - على فهمي خشيم، الفلسفة والسلطة ومقالات أخرى، مرجع سابق، ص75

[6] -  محمد رشيد رضا ، امتياز نبوة محمد على نبوة من قبله ، مجلة المنار، المجلد الثاني والثلاثين،  ، ص332.

[7] - عباس محمود العقاد ، عقائد المفكرين في القرن العشرين، دار المعارف، القاهرة، ص146-147.

[8] - صادق النيهوم ، وجهة نظر في مشكلة ملحة ، الحقيقة، العدد 1670 ، ص8. والعدد : 1671 ص 8 .  

[9] - أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ  : البيان والتبيين، الجزء الرابع، ، ص32- 33.

[10] - متفق عليه : البخاري في الصوم , قول النبي لا نكتب .. (307), ومسلم في الصيام, وجوب رمضان لرؤية الهلال (441)

[11] -   انظر شرح النووي لصحيح مسلم ( 2/63 ).

[12] -  انظر : نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في الفكر الاستشراقي المعاصر، للدكتور لخضر الشايب (392). 

[13] - اسلام ضد الإسلام (23-24). وهذا الذي زعمه الصادق النيهوم، ادعاء هشام جعيط متكئا فيه على المستشرقين كهنري لامانس ،  ومونتغمري وات. انظر كتابه: الوحي والقرآن (35،42،46). لذلك نضرب صفحا عن كلامه وعرضه والرد عليه ، لأنه لا يفترق عن كلام النيهوم والمستشرقين. وعلى خطى المستشرقين سار أيضا المهندس محمد شحرور حيث زعم أن أمية النبي تعني أنه كان غير يهودي ولا نصراني. انظر كتابه: الكتاب والقرآن (139-143).

[14] - انظر: نبوة محمد في الفكر الإستشراقي المعاصر، للدكتور لخضر الشايب (392).

[15] -  طيب تيزيني : النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة، ص 290

[16] - مناهج المستشرقين ( 1/224 ) بحث الدكتور جعفر شيخ إدريس.

[17] - المصدر السابق ( 1/224-225 ).وهذا الرأي سرقه منه  الدكتور الجابري ؟؟

[18] - انظر : المصدر السابق :  1/225

[19] -  العلامة ابن عاشور:تفسير   التحرير والتنوير(13/209)

[20] - ابن عاشور : التحرير والتنوير(10/12)

[21] - متفق عليه : البخاري في الصوم , قول النبي لا نكتب .. (307), ومسلم في الصيام, وجوب رمضان لرؤية الهلال (441)

[22] - رواه البخاري حديث رقم 735

[23] - النساشي في الصغرى ، حديث رقم 916.

[24] -  مسند ابن  حنبل : رقم 18681 صححه الأرناؤوط.  

[25] -  صحيح مسلم : رقم : 772.

[26] - أخرجه مسلم :  رقم2699

[27] -  صادق النيهوم ، دراسة الرمز في القرآن ، الحقيقة،  ، ص3.

[28] - محمد أحمد خلف الله ، الفن القصصي في القرآن الكريم ، ص178.

[29] -  المرجع سابق، ص178.

[30]- قال الطبري في تفسيره  : وأما الكهف، فإنه كهف الـجبل الذي أوى إلـيه القوم ...وأما الرقـيـم، فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمعنيّ به، فقال بعضهم: هو اسم قرية، أو واد علـى اختلاف بـينهم فـي ذلك.وعن ابن عبـاس، قال: يزعم كعب أن الرقـيـم: القرية.وفي رواية أخرى  قال: الرقـيـم: واد بـين عُسْفـان وأَيـلة دون فلسطين، وهو قريب من أيـلة. وعن عطية، قال: الرقـيـم: واد. والرقـيـم: اسم الوادي.  وقال آخرون: الرقـيـم: الكتاب. وعن عن سعيد بن جبـير، قال: الرقـيـم: لوح من حجارة كتبوا فـيه قصص أصحاب الكهف، ثم وضعوه علـى بـاب الكهف...و قال ابن زيد: الرقـيـم: كتاب، وقال آخرون: بل هو اسم جبل أصحاب الكهف. وأولى هذه الأقوال بـالصواب فـي الرقـيـم أن يكون معنـياً به: لوح، أو حجر، أو شيء كُتب فـيه كتاب. وقال الزمخشري في الكشاف : الغار الواسع في الجبل  { وَٱلرَّقِيمِ } اسم كلبهم. قال أمية ابن أبي الصَّلت:  

 

 

 وَلَيسَ بِها إِلا الرَقيمُ مُجاوراً............وَصيدَهُمُ وَالقومُ في الكَهفَ هُمَّدُ

وقيل: هو لوح من رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف. وقيل: إن الناس رقموا حديثهم نقراً في الجبل. وقيل: هو الوادي الذي فيه الكهف. وقيل: الجبل. وقيل: قريتهم. وبمثل ذلك قال الرازي في تفسيره ، وابن عطية في المحر الوجيز ،  وابن عاشور في التحرير والتنوير ،  وغيرهم في تفاسيرهم .أما الاستاذ عطية زاهدة: فقد جعل فتية أهل الكهف من طائفة الأسينيين ، وهم أصحاب الكهف والرقيم في نظره  ، وأن الكهف موجود جنوب أريحا ، عند الزاوية الشمالية الغربية للبحر الميت حيث كهوف قمران في خربة قمران ، انعزلت بها  طائفة الأسينيين عن بقية المدن اليهودية ؟!! إذ عثر راعيان من بدو التعامرة على مخطوطات في الكهوف  اشتهرت باسم ( لفائف قمران ) .. ولا دليل صحيح على اجتهاده . ( انظر كتابه : أهل الكهف بين العدة والمدة ص5-10)   كما توصل الباحث  الدكتور بسام جرار – كما أسلفنا - : في دراسة قام بها لموسوعة القدس والمسجد الأقصى المبارك في مطلع الألفية الثالثة, تحت عنوان:  ( صخرة بيت المقدس و أصحاب الكهف)  ،  إلى أن هذه المغارة التي تحت  كهف  قبة الصخرة هي التي أوى اليها الفتية الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف ، مقدماً ما اعتبره  أدلة و براهين و منشورة في  “موسوعة القدس والمسجد الأقصى المبارك”- المجلد الأول،  لكن ما توصل اليه الباحث  الدكتور جرار لم يثبت إطلاقاً ، إذ أن دراسات تاريخية وأثرية قد ذكرت أن مَن تم ذكرهم في سورة الكهف قد آووا إلى مغارة تقع في قرية (  الرجيب- الرقيم )طريق عمّان –سحاب ،  وهو ما سنثبته  بتعليقنا اللاحق  ؟؟!
 ومع تقديري لما ذكره علماؤنا الأفاضل ،من مفسرين وغيرهم ،  أرى أنهم – رحم الله تعالى من مات منهم ، وبارك في عمر من بقي – قد جانبوا الصواب .. لسبب بسيط وهو : أن ( الرقيم ) قرية في المملكة الأردنية الهاشمية ، وتقع على بعد تسعة كيلو مترات إلى الجنوب الشرقي من مدينة عمان – عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية - ، والتي كان الناس إلى عهد قريب يطلقون عليها اسم ( الرَّجيب ...) إلى أن صدرت الإرادة الملكية بالموافقة على تصحيح اسم قرية  ( الرجيب ) ، وإعادة اسمها القديم إليها وهو : ( الرقيم ) ، فأصدر مجلس الوزراء الأردني بلاغا رسميا تحت رقم ( 478) بتاريخ ( 6/2/1977م) يتضمن ذلك ...  وقلب الحروف وإبدالها شائع في اللغة العربية  .. فأهل البادية يقولون في أشعارهم :  شَرجِيَّة يا كِليب شِنعِن مَهَبّا
يصفون الرياح الشرقية بأنها شنيعة حين هبوبها .. فالقاف في (شرقية ) أُبدلت ( جيماً )
وكذلك قاف الرقيم أبدلت جيما .... والميم ا أبدلت ( باءً ) .. فصارت الرجيب ...
والميم تبدل  باء ، والباء ميما ..في لغة ( مازن )التي يقول فيها الشاعر الجاهلي :
لوكنت من مازنٍ لم تستبح إبلي ....... بنو اللقيطة من ذهل ابن شيبان . 
وقبيلة ( مازن ) تبدل الباءَ ميماً .. يقولون : بات المَعير ..أي : مات البعير . وَ ( مان المَدْرُ في السماء ) أي : ( بان البدر في السماء ,,) ولعل أهالي قرية ( الرجيب ) يمتون بصلة إلى البادية ، وإلى قبيلة مازن ، فأبدلوا قاف الرقيم جيما ، وميمها باءً.. والإبدال : هو وضع حرف مكان حرف آخر ، وينقسم إلى قسمين : قياسي ... وسماعي ..
والذي يَعنينا هنا هو : الثاني .. ولنذكر للقارىء منه جملة مسائل :
المسألة الأولى : تُبدل الياء الواقعة بعد عين جيماً في لغة قُضاعة .. فيقولون : ( الراعج خرج معج )
أي : الراعي خرج معي .. وعلماء اللغة يسمون ذلك : عجعجة قُضاعة ..
المسألة الثانية : تبدل الياء مطلقا ( جيما ) في لغة ( فُقَيم )  .. أنشد أبو زيد :
يا رب إن كنت قبلت حجتج............فلا يزال ساجح يأتيك بج .
أي : حجتي ، والساجح : السريع من الدواب ، ويأتيك بج : أي : يأتيك بي .
وقال الحماسيّ : خالي عُويف وأبو عَلج ... المُطعمان اللحم بالعشج.
يريد : أبو عليّ ... والعشيّ .. ومن العرب من يعكس هذا الإبدال ، قال الشاعر :
إذا لم يكن فيكنَّ ظل ولا جَنى .... فأبعدكن الله من شيرات .
أي : شجرات .. وهذا موافق لما عليه أهل الكويت من إبدالهم الجيم : ياء .
المسألة الثالثة : تبديل (العين  ) نونا ساكنة إذا جاورت ( الطاء ) ، وذلك في لغة : سعد بن بكر ، وهذيل ، والأزد ، وقيس ، والأنصار وغيرهم ..... يقولون : ( أنطاه درهما ) أي : أعطاه درهما .. وما زالت مستعملة في فلسطين ، والأردن ، والعراق .. وفي حديث عطية السعدي : ( اللهم لا مانع لما أنطيت ، ولا مُنطي لما منعت ، واليد العليا هي المُنطية ، واليد السفلى هي المُنطاة ..) .. وأمر  الرسول – صلى الله عليه وسلم –بكتابة رسالة إلى حِميَر باليمن عن الزكاة يقول فيها :   ( وأنطوا الثَّبجة .. وفي السُّيوب الخمس ... الحديث ) .  ويسمى هذا الإبدال بالاستنطاء ، وهو شائع في لغة الأعراب بصحارى مصر ، والعراق ، والشام ، واليمن ..  كما وردت كلمتا ( الكهف ... والرقيم ) على ألسنة بعض شعراء الجزيرة قبل الاسلام وبعده .. قال ( أمية بن أبي الصلت ) :
وليس بها إلا الرقيم مُجاوراً ....وصيدهم  والقوم في الكهف هُجَّدُ .
ووردت كلمة ( الرقيم ) في شعر ( كثير عزة ) في قصيدته التي بشر بها ( يزيد بن عبد الملك ) بالخلافة بقوله :
يزرن على تنائيه يزيداً....... بأكناف الموقر والرقيم .
تهنئه الوفود إذا أتوه .......بنصر الله والملك العميم .
والموقر قرية بجوار( الرقيم- الرجيب) في منطقة ( سَحاب ) جنوب شرق مدينة عمان التي كانت من حواضر الدولة الرومانية العشر . وتعتبر المنطقة كلها من  مضارب  ( بني أمية ..) ففيها – ما تزال – قصورهم . والموقر كذلك  : قصر أموي ... يشرف على قرى كثيرة منها : زيزياء .. والقسطل .. وسحاب .. والموقر : ( اسم القرية التي يقع بها القصر ..وكانت إلى عهد قريب من استراحات الحجيج الشامي )   والرجيب : التي حُرِّفت عن ( الرقيم ) كما أسلفنا .  ...حتى أن أبا عبد الله البشاري المقدسي .اعتمد على شعر   –كثير عزة– في تحديد مكان – الرقيم - ، إذ بحث عن مكان قريب من ( قصر الموقر ) المعروف ،   إلى أن اهتدى إلى قرية ( الرجيب ..) وقال : إنها محرفة عن ( الرقيم ..) .  وجاء في كتاب ( أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ) : والرقيم : بلد في شرقي الأردن إلى الجنوب الشرقي  من ( عمان ) ، حيث وجدت مغارة ( كهف ) فيها عدد من الجثث غير البالية .. وأيد هذا الرأي من الجغرافيين المسلمين كل من : السائح الهروي .. وياقوت الحموي ..الذي قال في معجم البلدان : عمان : بلد في أطراف الشام ، وكانت قصبة أرض البلقاء ، وبالقرب منها : الكهف والرقيم . علما بأن المنطقة عموما كانت من حواضر الدولة الرومانية التي حدثت ( قصة أهل الكهف ) في زمنها .. ويَعودُ الفضلُ في هذا الاكتشافِ الى عالِم الآثار « رفيق وفا الدجاني » الذي نَشَر نتائجَ تَنقيباتِه سنة 1964م، وأثبَتَ أنّه الكهفُ الذي وَرَد ذِكرُه في القرآنِ الكريم؛ وليس الكهف الذي يَدّعي المؤرخون الأوربيونَ وجودَهُ في مدينةِ أفسوس في تركيا.)وانظر : إنّهم فتية آمنوا ـ قصة أصحاب الكهف والرقيم ـ)   لكمال السيد، الطبعة الثانية، سنة 1421هـ

[31] -مجلة الناقد: العدد 13 تموز 1989م ، ص6-7

[32] الصادق النيهوم – الحديث عن المرأة والديانات – تالة للطباعة والنشر – دار الانتشار العربي – الطبعة الأولى -2002- ص :77  

[33] - لصادق النيهوم – محنة ثقافة مزورة – صوت الناس أم صوت الفقهاء – دار رياض نجيب الريس – الطبعة الثالثة – 2000- ص  93  .  

[34]سعيد بن البطريق هو طبيب ومؤرخ مسيحي، ولد في الفسطاط في 263 هـوأبدع في الطب حتى اشتهر به ، عين بطريركا على الإسكندرية ، له عدد من المصنفات أشهرها كتابه في التاريخ نظم الجوهر المعروف أيضًا بتاريخ ابن البطريق الذي أخذ عنه ابن خلدون كما له كتاب كنّاس في الطبتوفي عام 328 هـ بمصر بالإسكندرية.

[35]- ابن حزم: رسائل ابن حزم  2/146

[36]- د. حسين مؤنس: أطلس تاريخ الإسلام، ص130 وما بعدها.

[37] -  انظر :  محمد جلال كشك ، قراءة في فكر التبعية ، ص 408 . وقارن هذا الكلام الرصين بما كتبه أحد أيتام ابن سبأ وهو : محمد علي حسن تحت عنوان : صحيح مثالب بني أمية وشيعتهم ؟!! وقد أبدى خلفاء بني أمية  اهتماماً خاصاً ببيت المقدس، وتردد عليها للزيارة (معاوية الذي تلقى بيعته في ظلال  الأقصى ؟؟ وبجواره تعرض لمحاولة الاغتيال الفاشلة ) وعبد الملك، وعمر بن عبد العزيز ، والوليد بن عبد الملك ،  وسليمان بن عبد الملك) وكان لها منهم مآثر فيها. وأعظم مآثر الأمويين في بيت المقدس: الأبنية التي شادوها في ساحة الحرم (المسجد الأقصى وقبة الصخرة) وإنفاقهم الأموال على إعمار المدينة المقدسة، وتعبيد الطرق من دمشق إلى القدس لتيسير وصول الزوار إليها .. .

[38] - الصادق النيهوم – الفقه في خدمة التوراة – عن قطع الرقاب والختان وتحريم الرسم والنحت – الناقد –العدد -60- يونيو-1993-ص.15 .

[39] - الصادق النيهوم – الصلاة المسروقة – الناقد ، العدد  15- سبتمبر 1989- ص : 11

[40] -  الصادق النيهوم – خيانة مرفوعة الرأس – الناقد ، العدد : 16/ أكتوبر – 1989- ص 7  

[41] - الصادق النيهوم – المجازر المعصومة  – أخطاء و أخطاء في نصوص مقدسة –الناقد- العدد 74-/ 1994- ص. 25  وانظر  : ابراهيم ازروال: في نقد الخطاب الاصلاحي -  ( نموذج الصادق النيهوم )