Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

مرجعية منتظري بين القبول والرفض

مرجعية منتظري بين القبول والرفض





مذكرات منتظري

نائب الخميني السابق: هاشمي لم يكن وراء تهريب المتفجرات إلى السعودية

كشف آية الله حسين علي منتظري، الخليفة المعين السابق للزعيم الايراني الراحل آية الله الخميني في مذكراته التي تثير الآن جدلاً قوياً وحساسية بالغة في ايران وحصلت «الشرق الأوسط» عليها، انه والخميني كانا من المؤيدين لحركة دينية راديكالية ولدت في مطلع الخمسينات من القرن العشرين وسعت الى توحيد المذاهب الاسلامية، بينما وقف كبار المراجع الشيعية في حوزة مدينة قم ضدها.

ويتحدث منتظري في المذكرات عن واقعة حدثت خلال مراسيم الحج عام 1986، عندما كشفت سلطات الأمن بمطار جدة خمسين كيلوغراماً من مادة سيمتكس الشديدة الانفجار مخبأة في حقائب خمسين حاجاً جاءوا الى السعودية ضمن حملة حج ايرانية جميع زوارها من مدينة أصفهان. وتبين خلال التحقيق مع الزوار المعتقلين انهم ابرياء ولا علاقة لهم بتلك المتفجرات فهم من الفلاحين والعمال والنساء والشيوخ. وقد اعترف رئيس الحملة بأنه سلم الحقائب الى الزوار بعد تسليمها اليه من قبل مسؤولي مديرية الحج في أصفهان، ورغم اكتشاف المتفجرات، فقد سمحت السلطات السعودية بأن يؤدي اعضاء الحملة مناسك الحج وان يعودوا الى ايران بعد عيد الأضحى. وبعد حوالي سنة من الحادث، اتهمت سلطات الأمن الايرانية مهدي هاشمي، شقيق صهر آية الله منتظري والرئيس السابق لمكتب دائرة الحركات التحررية في الحرس الثوري، بأنه كان وراء ارسال الحقائب المليئة بالمتفجرات الى السعودية، واحدى الجرائم التي صدر حكم الاعدام بحق مهدي هاشمي بسبب ارتكابه لها، كانت «السعي لإثارة الفتنة في علاقات ايران مع الدول الاسلامية بتهريب المتفجرات الى السعودية في حقائب الزوار الأصفهانيين».

وبعد 13 عاماً من اعدام مهدي هاشمي، يكشف آية الله منتظري في مذكراته ان شقيق صهره لم يكن وراء تهريب المتفجرات الى السعودية، بل ان جهات في وزارة الاستخبارات أقدمت على ذلك. وقد اعدم هاشمي لأنه كشف عن زيارة مكفارلين مستشار الرئيس الاميركي الأسبق رونالد ريغان لطهران.

منتظري يكشف ظروف فتوى شيخ الأزهر بالاعتراف بالمذهب الشيعي

لماذا كان الود مفقودا بين بروجردي والخميني؟ ولماذا عزى الشاه محسن الحكيم بوفاة بروجردي؟

يشير منتظري في فصل آخر من مذكراته الى الاتصالات التي جرت بين المرجع الأعلى آية الله سيد حسين بروجردي في الخمسينات مع كبار علماء السنة، لا سيما مشايخ الازهر، لازالة سوء التفاهم القائم بين الشيعة والسنة والعمل سويا لتعزيز أسس الوحدة بين المسلمين من جميع المذاهب، ويقول: كان المرجع الراحل بروجردي مهتما بصورة جدية بقضية الوحدة بين المسلمين بحيث كان يأمل في زوال الخلافات وحصول التقارب بين ابناء الامة الواحدة. ولما علم بتشكيل دار للتقريب بين المذاهب الاسلامية في القاهرة من قبل الشيخ محمد تقي القمي (مندوب بروجردي المتجول في العالم الاسلامي) ارتاح كثيرا. ودائما كان سماحته يشير الى مساعي القمي. كما كان يتابع باهتمام بالغ مطالب مجلة «رسالة الاسلام» التي كان القمي يصدرها من القاهرة. وكنت شاهدا في يوم ما حين مجيء القمي الى مكتب بروجردي على كيف أصغى بروجردي الى تقريره وقد علت وجهه مظاهر الاعجاب والتقدير والارتياح.

وقدم سماحته بعد ذلك نصائح وتعليمات الى القمي لبذل مزيد من الاهتمام والسعي لكسب ود أهل السنة. وأتذكر ان حجة الاسلام وكيلي  احد مدرسي الحوزة  نظم اصول الفقه شعرا في كتاب اساء وكيلي في مقدمته الى الخلفاء الراشدين، وخاصة (الخليفة ابو بكر والخليفة عمر)، ولما علم بروجردي بمحتوى الكتاب وقرأ مقدمته قال وهو بالغ الغضب: هذا الكتاب من الكتب الضالة وليس لك (الكاتب) الحق في نشره. عليك حذف المقدمة وكل ما فيه اساءة الى الخلفاء.

كما أتذكر عندما جاء آية الله اميني صاحب كتاب «الغدير» الى اصفهان حيث استقبلناه بحرارة وألقى لعدة ايام خطبا دينية في احد مساجد اصفهان حول مسألة الخلافة وأثار خلالها قضايا حساسة تسببت في ايجاد جو عاطفي ضد السنة. ونتيجة لما يطرحه من فوق المنبر، عاود الناس إحياء بعض التقاليد مثل عيد التاسع من ربيع الاول (يوم اغتيال الخليفة الثاني). وكنت قد عدت الى قم في ذلك الحين، وذهبت الى بيت آية الله بروجردي حيث كان الحاج سيد محمد باقر ابطحي (احد تجار اصفهان) ووالد زوجته يزوران المرجع الاعلى. وفجأة قال آية الله بروجردي بصوت غاضب: ما هذا الوضع في اصفهان؟ اسرائيل تتجهز لغزو مصر، وتنوي احتلال قناة السويس، ان المسلمين في مصر يواجهون العدوان، ونحن هنا بصدد اثارة الفتنة والحرب بين الشيعة والسنة. ما الذي يجري في اصفهان؟.

لقد كان الزعيم الراحل غاضبا للغاية، ومع انه لم يذكر اسم آية الله اميني صراحة، الا انه عبر عن استيائه وذعره حيال خطبه في اصفهان.

وحول دور بروجردي في انشاء دار التقريب بين المذاهب الاسلامية وفتوى الشيخ محمود شلتوت بجواز المذهب الشيعي وشخصية العلامة محمد تقي القمي مندوب بروجردي ومؤسس دار التقريب الذي تعرض لأبشع الاهانات بعد الثورة، مما ادى اى هروبه من ايران والاقامة في باريس، حيث قتل في حادث مرور غامض في بداية التسعينات، يقول آية الله منتظري في مذكراته: حينما جاء الشيخ محمد تقي القمي الى قم بعد فترة من اقامته في مصر، استقبل بحفاوة بالغة من قبل بروجردي والطلبة، وكان القمي يتحدث بطريقة مثيرة لاعجاب الطلبة الشبان. ومما قاله: ان الكفار يتحدون الآن فلماذا نحن المسلمين نبتعد عن بعضنا البعض. ان الحوزة لا بد ان ترفع مستواها وتصبح جاهزة لمواجهة التحديات وايفاد المبلغين الاكفاء الى الخارج لنشر مبادئ المذهب وفقا لمتطلبات العصر. وقد روى القمي لي شخصيا ان الاندونيسيين عندما نالوا الاستقلال من هولندا ارسلوا مبعوثا الى مصر كي يطالب شيخ الازهر بايفاد الف عالم دين ومبلغ الى اندونيسيا لشرح مبادئ الدين الحنيف وتعليم الناس بأصول الشريعة. وقد ذهبت الى شيخ الازهر وقلت له انكم بصدد ايفاد المبلغين الى اندونيسيا وليس مذهب المبلغين (الشيعي او السني) مهما، اذ انه يجب ان يكون المبلغ مسلما مؤمنا وعالما بالقرآن ومبادئ الدين فلهذا ارجوكم اختيار بعض المبلغين والعلماء الشيعة ضمن المبلغين الموفدين الى اندونيسيا. وقد وافق شيخ الازهر على طلبي، لكنه اوضح انه يجب ان تكون بعض الشروط متوافرة لدى المبلغ. وفي مقدمتها معرفته اما باللغة المحلية الاندونيسية او باللغة الانجليزية، كما يجب ان يحظى الشخص المرشح بدعم وثقة آية الله بروجردي او احد كبار العلماء لديكم. واضاف الشيخ القمي، لما تأملت في كلام شيخ الازهر، ادركت بأنه لا يوجد في الحوزة في قم او في النجف اي شخص يجيد اللغات الاجنبية. فلهذا آثرت الامر مع بروجردي ودعوته لالزام الطلبة بتعلم اللغات الاجنبية مثل الانجليزية والفرنسية.

ويتابع منتظري حديثه عن نشاط القمي ودار التقريب ويقول: «ان القمي كان يركز اهتمامه في هذا الوقت على معالجة سوء التفاهمات بين السنة والشيعة وبمساعيه اصدر الشيخ محمود شلتوت شيخ الازهر فتواه الشهيرة باعتبار المذهب الشيعي، مذهبا اسلاميا خامسا. كما ان القمي باصداره مجلة «رسالة الاسلام» ساهم بشكل مؤثر في تقريب المسلمين الشيعة والسنة، كما ان تبادل الزيارات بين العلماء الشيعة والسنة بدأ بمبادرة من جانب القمي وبتشجيع ودعم الزعيم الراحل بروجردي. لقد ذهب القمي الى القاهرة ليدرس في الازهر وانشاء دار التقريب بالقاهرة بدعم المرجعية في قم. ومن الطبيعي انه كان بحاجة الى المساعدات المالية والحماية المعنوية لمواصلة عمله. ان الانتقادات الموجهة الى القمي حول ارتباطه بالحكومة الايرانية والشاه من قبل البعض ليست مبنية على ارضية صحيحة، اذ انه من الطبيعي ان يطالب الشخص الذي يقوم بعمل على مستوى التقريب بين المذهبين بدعم حكومة بلاده ومؤسسات بلاده لهذا العمل.

لقد كان الحاج سيد موسى الصدر زعيم الشيعة بلبنان على اتصال مع الشاه والحكومة الايرانية، ومرة خلال زيارته لايران زارني في بيتي وقال انه مدعو للقاء الشاه. وبعد لقائه زارني ثانية وقال لقد قابلت الشاه وطالبته بالغاء حكم الاعدام بحق حنيف نجاد (من مؤسسي منظمة مجاهدين خلق) كما أثرت امامه موضوع نفيكم (منتظري) من قم. وكان جهاز الامن بصدد طردي من قم الى منفى بعيد داخل البلاد. واشار الصدر الى ان الشاه طالب وزير البلاط اسد الله علم بمتابعة الامر.

اذن، لا يمكن معاقبة الصدر او القمي لانهما قابلا الشاه او كانا على اتصال مع الحكومة، في ذلك الحين لم تكن هناك حكومة باسم الجمهورية الاسلامية، وحكومة الشاه كانت الحكومة الشيعية الوحيدة في العالم.

واتذكر ان آية الله الراحل محسن الحكيم كان يقول ردا على انتقادات البعض لعلاقاته مع الشاه ودعمه للحكومة الايرانية، ان هناك دولة شيعية واحدة وملكها شيعي ونحن مضطرين لدعمه.

وفي الفصل التالي، يتحدث منتظري عن سنوات حكم الدكتور محمد مصدق الزعيم الوطني الايراني الذي قام بتأميم النفط وطرد البريطانيين من ايران، ويشرح اسباب معارضة بروجردي لمصدق وعلاقات الحوزة مع الشاه والحزب الشيوعي.

«كان آية الله بروجردي قلقا جدا حيال نشاط الحزب الشيوعي في عهد مصدق وكان ذلك من اسباب دعمه للشاه والقوى المناهضة لمصدق. ان الحزب الشيوعي في رأي الكثيرين منا، كان حزبا معاديا للدين، انه حزب الكفر ومصادرة الاموال. وفي وقت ما، كنت بمدينة نجف آباد وسمعت بأن اعضاء الحزب الشيوعي اغاروا على المحلات التجارية ووزعوا البضائع على الاهالي ووالدتي يرحمها الله قالت لي لقد شاهدت الهجوم على محل لأحد اقاربنا، هو العم يد الله ايزدي الذي كان يبيع السكر والحلويات. ووالدتي جاءت الى البيت ومعها كمية من السكر من دكان العم يد الله، وقالت لي انها تريد اعادة السكر الى صاحبه، وعندما انتهت المعركة امام دكان العم يد الله اعادت والدتي السكر اليه».

«كان هناك الكثير من الشيوعيين الذين كنا نسميهم «توده  نفتى» اي «الشيوعي البترولي» وذلك بسبب الارتباط السري للشيوعيين البريطانيين، اذ ان الاستخبارات البريطانية قامت بتجنيد هؤلاء ونفذت بعض مشاريعها عن طريقهم. لقد اوهم البعض آية الله بروجردي بأن الدكتور مصدق ليس ملتزما بمبادئ الدين».

ويتحدث منتظري بعد ذلك عن علاقته مع آية الله ابو القاسم كاشاني شريك الدكتور مصدق في معركة تأميم النفط وقد انشق كاشاني عن الحركة الوطنية وانضم الى فريق الشاه في حركته المضادة ضد مصدق بدعم من الاستخبارات الاميركية والبريطانية. ويشير الى علاقات استاذه وصديقه وزعيم الثورة الايرانية آية الله الخميني في ما بعد مع آية الله بروجردي في نهاية عقد الخمسينات.

اصدر آية الله بروجردي امرا شفاهيا الى بعض رجال الحوزة مثل آية الله داماد وآية الله الخميني والسيد صاحب الداري باصلاح الحوزة، غير ان آية الله الخميني كان يصر على ان يتم تحرير الامر كتابة وختمها رسميا.

وبعد فترة وافق آية الله بروجردي على ان يكتب اوامره، غير ان بعض الافراد قاموا باثارة المرجع الاعلى على آية الله الخميني مما ادى الى سحب الاوامر التي ارسلها بروجردي. وهذه كانت بداية القطيعة بين آية الله الخميني والمرحوم بروجردي. ان آية الله الخميني منذ ان جاء بروجردي الى قم وضع نفسه تحت تصرفه، وكان يحضر جميع دروس بروجردي، ويمتدحه امام الآخرين. وكان يقول دائما ان دروس سماحته تدرس بطريق خاص بحيث يصبح الطالب مجتهدا بصورة غير مباشرة، وكان يعتقد ان بروجردي جاء الى قم متأخرا عشرين سنة.

ان قضية الاوامر التي اشرت اليها وثم مسألة «فدائيي الاسلام» الذين كان آية الله الخميني حسبما قيل لآية الله بروجردي يؤيدهم، كانتا من اهم الامور التي وسعت الهوة بين بروجردي والخميني. وقد روى لي المرحوم آية الله صادق لواساني الذي كان من اقرب اصدقاء آية الله الخميني وشبيها له من حيث الظاهر، انه كان وكيلا لآية الله بروجردي في طهران. وفي احدى زياراته لقم ابدى آية الله الخميني، رغبته في مرافقته الى بيت آية الله بروجردي. واضاف لواساني  في حديثه لمنتظري  لقد ذهبت برفقة الخميني الى بيت بروجردي وجلسنا في ديوانه، بينما كان هو في مكتبه الخاص القريب من الديوان. ورغم ان ابنه ومسؤولي مكتبه خرجوا من المكتب وسلموا علينا فانهم لم يدعونا لدخول مكتب بروجردي وقد انتظرنا فترة طويلة الى ان قال لي آية الله الخميني: يجب ان نغادر المكان. وفي الطريق اكد لي آية الله الخميني بأنه لن يزور بروجردي بعد الآن. وفعلا لم يزره حتى وفاته.

ويتحدث آية الله منتظري في مذكراته عن مرحلة ما بعد وفاة بروجردي في شهر شوال عام 1380 الهجري (اي قبل حوالي 41 عاما)، والنزاع الخفي بين مراجع قم والنجف لخلافة بروجردي الذي كان غيابه حسب منتظري فاجعة للعالم الاسلامي والمسلمين الشيعة بوجه خاص بالنظر الى مكانته الرفيعة وسلوكه وآرائه وايمانه الكامل بالوحدة بين المسلمين.

«بعد وفاة آية الله بروجردي، خرجت المجعية عن دائرة المرجع الواحد، وتوزعت بين عدد من الآيات الكبار. وفي قم كان الآيات الثلاثة كلبايكاني ومرعشي النجفي وشريعة مداري اركان المرجعية بعد وفاة بروجردي، بينما كان بعض رجال الحوزة وانا بينهم، ينظرون الى آية الله الخميني باعتباره المرجع المؤهل لقيادة الحوزة.

غير ان رسالة آية الله الخميني الفقهية لم تكن قد طبعت بعد  ولا بد ان يكون للمرجع رسالته العلمية المطبوعة. وما زلت اتذكر انني ذهبت ذات يوم الى بيت آية الله كلبايكاني الذي كان مزدحما للغاية بالزوار الذين حضروا مراسم تأبين آية الله بروجردي المقامة في بيت كلبايكاني. وفي اليوم نفسه ذهبت الى بيت آية الله الخميني ايضا وأديت صلاة المغرب والعشاء وراءه.

وجلست بعد ذلك معه وتبادلنا الحديث، بشأن وفاة بروجردي. وخلال هذه الساعات لم يزر اي شخص بيت الخميني. بعبارة اخرى رغم اهتمامنا بمرجعية آية الله الخميني، كان الجو السائد في قم منحازا الى جانب كلبايكاني وشريعة مداري والى حد ما مرغشي النجفي. ومما يجب ذكره ان المراجع الكبار المقيمين في النجف مثل آية الله محسن الحكيم وآية الله الشاهرودي وآية الله الخوئي وآية الله سيد هادي الشيرازي كان لهم اتباع ومقلدون في ايران حينذاك.

وفي أذربيجان كان شريعة مداري والخوئي الأهم، فيما كان الشيرازي يتبعه ويقلده معظم اهالي نجف آباد واصفهان. وبعد وفاة آية الله بروجردي، جاء بعض الصحافيين الى قم لمعرفة رأي الطلبة والمدرسين بشأن المراجع المؤهلين لخلافة بروجردي. وقد ذكرنا نحن اسم آية الله الخميني ضمن المراجع الكبار. وقد اقام جميع المراجع مجالس الفاتحة والتأبين على روح بروجردي في قم، والخميني كان المرجع الخامس عشر او السادس عشر الذي اقام مجلسا مماثلا. ولا بد ان اقول ان تلامذة الخميني هم الذين اصروا على اقامة المجلس، اذ ان آية الله الخميني نفسه لم يكن مهتما بابراز نفسه، كما ان طباعة رسالته الفقهية تمت ايضا تحت الحاحنا. وما زلت اتذكر ان السيد مولائي  احد تلامذة الخميني  جاء ذات يوم الى بيتي وقال انه من الضروري ان تطبع رسالة السيد الخميني. وبعد وفاة آية الله سيد عبد الهادي الشيرازي، تحققت مرجعية آية الله الخميني في نجف آباد ورفسنجان، غير انه لم يكن له مقلدون كثيرون في باقي المدن.

ومما يجدر ذكره ان الشاه بعث ببرقية تعزية بوفاة آية الله بروجردي الى آية الله الحكيم في النجف، في محاولة لنقل المرجعية من قم الى النجف، نظرا الى ان آية الله بروجردي كان يعارض الاصلاح الزراعي وتوزيع الاراضي على الفلاحين وبعض سياسات الشاه مثل سياسته امام اسرائيل، فلهذا فان الشاه كان يرغب في ان تنتقل المرجعية الى النجف حتى لا يكون صوتا يعارض برامجه من حوزة قم.

عرفات استبشر بالثورة واعتبر أن فلسطين استعيدت

طيلة السنوات العشر الاولى من عمر الجمهورية الايرانية شغل آية الله حسين علي منتظري الموقع الثاني في الزعامة السياسية والدينية في ايران بعد زعيم ثورة 1979 آية الله الخميني الذي اختار بنفسه تلميذه القديم منتظري لنيابته في حياته وخلافته مرشدا للجمهورية الايرانية بعد وفاته، وذلك قبل التطور الدراماتيكي الذي وقع قبل اشهر قليلة من تلك الوفاة، حيث قرر الخميني اعفاء منتظري بناء على تقارير من المساعدين الآخرين للزعيم الايراني في اطار الصراع على السلطة الذي اشتد عشية اقتراب منية الخميني. في احد الاجزاء المهمة من مذكراته المحظورة في ايران يتحدث منتظري المفروضة عليه الاقامة الجبرية في منزله بمدينة قم منذ سنوات بسبب خلافاته مع المرشد الحالي آية الله علي خامنئي عن السنوات الاول للنظام الثوري في ايران واندلاع الحرب العراقية  الايرانية والاوهام التي سيطرت والاخطاء التي ارتكبت آنذاك وعواقبها. وفي ما يلي حلقة جديدة من المذكرات:

* الخميني رفض تطمين الدول المجاورة وصدام استغل أجواء الخوف لشن الحرب

«يقول البعض بوجوب عدم الكشف عن الحقائق بكاملها، غير انني اعتقد بضرورة قول الحقيقة.

ان الانسان اذا لم يذكر الاحداث التاريخية بدقة وامانة فانه لا يخون التاريخ فحسب بل ان خيانته تمتد الى الاجيال القادمة.

بعد انتصار الثورة اصيب الامام الخميني واصبنا نحن ايضا بغرور خاص، وكنا نعتقد اننا حققنا نصرا عظيما والعالم صار في جيبنا. وكنا نقول ان القضية التي يجب ان تستحوذ على تفكيرنا ونشاطنا هي قضية الاسلام، وبالتالي فلا قيمة لكيان الدولة الايرانية أو غيرها من الدول الاسلامية.

الامام الخميني هو قائد المسلمين ونحن حماة الشعوب الاسلامية.. فلهذا فان محور سياستنا الخارجية في تلك المرحلة كان قائما على اساس فكرة تصدير الثورة ومدّ سلطة الدولة الاسلامية. وما من شك في ان شعاراتنا قد اثارت الخوف والذعر في البلدان المجاورة التي اتخذت، بسبب ذلك، موقفا سلبيا حيال الثورة. وعندما جاء ياسر عرفات الى ايران في الايام الاولى لانتصار الثورة ولمس الشعور الثوري والحماس القائم عند الشعب والقيادة الثورية قال: لقد استعيدت فلسطين. اتذكر انه حينما كان موضوع العلاقات مع الدول المجاورة يُطرح مع الامام الخميني في ذلك الحين كان يرد بغضب (على من كانوا يدعون الى تحسين العلاقات مع هذه الدول). وفي اجواء كتلك لم يكن يتصور اي شخص ان العراق سيتجرأ على شن الحرب ضد ايران. كان يقال في طهران: من هو العراق؟

تلك الاجواء زادت من قلق وخوف الدول المجاورة، والنظام العراقي الذي كان يبحث عن ذرائع  للتخلي عن التزاماته في اتفاقية الجزائر  انتهز الفرصة، فقد ظهر صدام حسين على التلفزيون ومزق اتفاقية الجزائر التي سبق ان وقع عليها في عهد الشاه.

وكانت وسائل الاعلام في الدول المجاورة الاخرى هي الاخرى قد بدأت تبث مطالب ودعايات معادية لنا نتيجة للسياسة المتبعة من قبل الاجهزة الثورية في بداية قيام الجمهورية. وذات يوم ذهبت الى الامام الخميني الذي كان يقيم في بيت الشيخ محمد يزدي (رئيس السلطة القضائية السابق وعضو مجلس صيانة الدستور حاليا) وقلت له ان جميع الثورات التي تنتصر في العالم تقوم عادة بايفاد مبعوثين الى الدول المجاورة لايضاح سياسة الثوار وتوجهاتهم واهدافهم، وما الاحظه في المنطقة بعد ان انتشر الخوف والذعر من شعاراتنا واسلوبنا ودعايتنا الثورية ينذر بالخطر ولا بد ان نوفد بعثات الى الدول المجاورة لطمأنتها على اهدافنا والتقليل من قلقها. وقد رد الامام على نصائحي هذه قائلا: لا تهمنا الحكومات، فقلت: لا نستطيع ان نبني جدارا حول ايران، فهذه الحكومات قائمة وموجودة بجوارنا وعلينا التعامل معها خاصة ان الخوف والقلق يسودان اجواء الدول المجاورة. غير ان الامام رفض القبول بطلبي وقال: سنبني جدارا حول بلدنا.

لقد كان الامام الراحل غير مستعد لمناقشة هذه الامور، وكان يقول ان الشعوب جميعها معنا. انني اعتقد لو اننا انتهجنا سياسة قائمة على التفاهم والتعاضد مع الدول المجاورة لما كان العراق سيتجرأ ويشن الحرب علينا. وما من شك في ان الدول الاستعمارية استغلت الوضع وشجعت العراق على الهجوم في وقت لم نكن فيه مستعدين للحرب، فقد عبرت القوات العراقية الحدود دون وجود استعدادات دفاعية للتصدي لهذه القوات. وكان ظهير نجاد (اللواء قاسم علي ظهير نجاد قائد القوات البرية ورئيس اركان الجيش خلال الحرب، وتوفي قبل عامين)  يقول ان الجنود الايرانيين رأوا فجأة الجنود العراقيين يعبرون نهر كارون (شط العرب). لقد انتهك الجيش العراقي كل المبادئ الاخلاقية، فقد اعتدى جنود صدام حسين على 22 فتاة في بلدة فكة ثم قتلوهن وعثرنا على اجسادهن في ما بعد، كما اخذوا كثيرا من الاسرى. واغاروا على البيوت وقاموا باعمال النهب».

كان منتظري اول عضو في القيادة الايرانية يقوم بزيارة الجبهة وهو يتحدث في مذكراته عن تفقده للجنود ورجال الحرس الثوري الباسدران، ويشير الى ان الخلافات الكبيرة بين ضباط الحرس الثوري وضباط الجيش النظامي المستائين من اسلوب رجال الحرس وممارساتهم الخطرة. ويقول منتظري انه سعى لتسوية هذه الخلافات.

كان هناك شعور بان (ابو الحسن) بني صدر رئيس الجمهورية آنذاك الذي كان يشرف على شؤون الحرب باعتباره رئيس مجلس الدفاع الاعلى يريد كسب الوقت والانتظار والتريث. غير ان المشكلة الاساسية كانت الخلافات بين الجيش والحرس، اذ ان ضباط الجيش كانوا منضبطين وحاولوا فرض الانضباط على رجال الحرس الرافضين للنظم والقواعد.

وفي جزء آخر من مذكراته حول سنوات الحرب يتحدث منتظري عن مشاركة والده وابنائه في الحرب وقد فقد ابنه الاصغر سعيد احدى عينيه في الحرب. وقد اعتقل هذا الابن منذ اسبوعين بتهمة تسريب هذه المذكرات الى وسائل الاعلام.

ويروي نائب الخميني المعزول، كيف اوصى بتشكيل وحدات غير منتظمة لشن حرب العصابات داخل العراق ضد مواقع ومنشآت الجيش العراقي، كما يذكر دوافع قيام «المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق» وانشاء «فيلق بدر» بمساعدة الحرس الثوري. وردا على انتقاد حول نشاط الوحدات السرية التي ارسلتها ايران الى العراق للقيام بتصفية عناصر حزب البعث والعسكريين الكبار وما اذا كانت تلك الاعمال منافية لتعاليم الدين الاسلامي، يشير منتظري الى ان تلك الوحدات كانت مكلفة بتوجيه الضربات الى القوات العراقية وتخريب الاجهزة والمنشآت العسكرية، وهو ما تعتبره من ضمن العمليات العسكرية المشروعة ضد القوات المعتدية.

وبالنسبة لفكرة دمج الحرس بالجيش النظامي والتي أثارها بعض قادة الحرس وعلماء الدين، يقول منتظري انه كانت تصل اليه شكاوى عدة حول الخلافات بين الجيش والحرس والتي تركت تأثيرها السلبي على معنويات رجال الجيش والحرس «ولهذا فانني كنت اعتقد بان دمج الحرس في الجيش سيؤدي الى تعزيز الوحدة في صفوف القوات المسلحة».

ويضيف منتظري في مذكراته: «بعد عزل بني صدر، لم يكن خامنئي برغم مسؤوليته كرئيس الجمهورية، يتدخل في شؤون الحرب، بينما هاشمي رفسنجاني رئيس البرلمان كان يتولى ادارة شؤون الحرب بصورة عملية. وعلى سبيل المثال فان محسن رضائي (قائد الحرس السابق وامين مجلس صيانة الدستور حاليا) كان يحادثه هاتفيا من الجبهة ويتلقى منه تعليمات. وفي بعض الاجتماعات رأيت بنفسي كيف كان هاشمي رفسنجاني يرد على مطالب ذات علاقة بالحرب هاتفيا، بينما كان بعض المسؤولين يراجعونني لبحث قضايا مرتبطة بسير الحرب وشؤونها، وكنت اقول دائما بوجوب طرح هذه القضايا مع مسؤولي الحرب.

ومرة ذهبت الى الامام الخميني وطرحت عليه هذه القضايا وقلت ان بعض القادة العسكريين يقولون ان هناك خططا مكلفة جدا بشريا، وضعفا في قيادة الحرب واختراقات في مركز تخطيط العمليات، اذ ان العدو يعلم مسبقا ببرامجنا ومشاريعنا.

شرحت هذه القضايا للامام الخميني، وقلت ان صدام حسين يذهب بنفسه الى الجبهة ويقود قواته بينما نحن نحل المشاكل وندير الحرب بواسطة الهاتف. وفي رسالة ارسلتها الى الامام الخميني في ما بعد طالبت بتعيين قيادة واعية.

ويتحدث منتظري عن ملابسات استمرار الحرب بعد معركة خرمشهر التي انتهت بتحرير الاراضي الايرانية المحتلة وانتصار القوات العسكرية واسر الآلاف من الضباط والجنود العراقيين. ويكشف ان العديد من قادة الجيش والمسؤولين الكبار، وغيرهم من الشخصيات السياسية والاجتماعية كانوا يعارضون نقل الحرب الى داخل الاراضي العراقية، وقد دعا هؤلاء لانهاء الحرب تلبية لنداءات قادة العالم الاسلامي الذين جاء عدد منهم الى ايران.

غير ان اولئك الذين كانوا بصدد بسط سلطتهم واقصاء رجال الثورة الحقيقيين مثل منتظري عن السلطة شجعوا الخميني على مواصلة الحرب ضد العراق. ويشير منتظري في مذكراته الى ان التقارير التي كانت تصل الى الخميني من مسؤولي الحرب كانت غير دقيقة وكاذبة في شرح الوقائع، وعلى سبيل المثال فانه في العمليات الاخيرة في تلك المرحلة اعلن صدام حسين ان قواته قتلت اربعة آلاف من الايرانيين، لكن الخبر الذي اذيع من الاذاعة والتلفزيون الايرانيين قال انه لا يوجد في جبهة تلك العمليات اكثر من اربعة آلاف مقاتل وانهم جميعا احياء، وقد نقلت هذه المعلومات نفسها الخميني، غير انه بعد فترة جاء بعض القادة من ساحة الحرب وكشفوا لمنتظري، كما يقول في مذكراته ان عدد القوات الايرانية في تلك الجبهة يتجاوز السبعين الفا او الثمانين الفا، وانه قتل بالفعل اربعة آلاف منهم «ذهبت الى الامام الخميني وقلت له ان القول بانه ليس لنا في تلك الجبهة اكثر من اربعة آلاف مقاتل غير صحيح، ونقلت اليه ما سمعته من القادة العسكريين، فهز الامام رأسه وقال يبدو انهم اعطوني تقارير خاطئة».

ويستطرد منتظري: وفي عملية الفاو، سحب هؤلاء (رفسنجاني ومحسن رضائي وغيرهما من مسؤولي الحرب) قواتنا من شبه جزيرة الفاو (اقصى جنوب العراق) بغية ارسالها الى مدينة حلبجة (الكردية في شمال العراق)، وكانت نتيجة عملهم مأساوية اذ ان صدام حسين ارسل قواته واستعاد الفاو بسهولة ثم هاجم الشلامجة وقتل الالاف من رجالنا، علما ان احتلال حلبجة من قبل قواتنا لم يكن عملا صحيحا، اذ أسفر عن هجوم صدام حسين بالقنابل الكيماوية حيث قتل في الحال خمسة آلاف من اهالي المدينة. لقد كلفتنا المنشآت والاجهزة التي تم بناؤها ونصبها في الفاو الملايين من التومانات... ان صدام حسين كان يدير الحرب بالتشاور مع جنرالاته والخبراء العسكريين، كما كان نفسه يذهب الى الجبهة ويشرف على العمليات بينما في بلدنا كانوا يديرون الحرب وحل المشاكل عبر الهاتف. ولا بد القول ان خامنئي لم يكن يتدخل في شؤون الحرب كثيرا كما ان مير حسين موسوي رئيس الوزراء لم يكن له ارتباط بقضايا الحرب والجبهات، والقرارات كانت جميعا بيد هاشمي رفسنجاني واحمد الخميني (نجل الخميني).

رسالة من تاجر سلاح وصلتني بالصدفة كشفت الاتصالات السرية بين طهران وواشنطن

مذكرات آية الله حسين منتظري اثارت ضجة واسعة في ايران دفعت بالسلطات الى منع تداولها واعتقال بعض الاشخاص بتهمة محاولة توزيعها في كراسات، لانها احتوت على الكثير من الاسرار والقضايا الخلافية. وفي الفصول المتعلقة بالحرب الايرانية  العراقية، يتحدث آية الله منتظري الذي كان نائبا لآية الله الخميني طيلة فترة الحرب، عن الخلافات العميقة بين الجيش والحرس ومعرفة العراق وبتفاصيل تحركات القوات الايرانية وادارة الحرب من طهران، ويذكر كيف اضاعت القيادة الفرص لانهاء الحرب بصورة مشرفة. ثم يروي لأول مرة تفاصيل قضية ايران غيت التي اعدم شقيق صهره مهدي هاشمي بسبب تسريب اخبارها الى وسائل الاعلام. وفي ما يلي حلقة جديدة من المذكرات التي حصلت عليها «الشرق الاوسط»:

* الخميني وافق على تجرع كأس السم وقبول التسوية مع العراق بعد نصيحة من مستشاريه

* اقترحت القبول بوساطة الدول الإسلامية كمخرج للقبول بالقرار 598 ووقف الحرب لندن: علي نوري زادة «كان هناك رجل ثري باسم منوتشهر قرباني فر عمل في حقل تجارة السلاح، وكانت لديه ارتباطات وثيقة مع جهات في الخارج، في اميركا وغيرها. هذا الرجل جاء الى ايران برفقة مكفارلن ممثل (الرئيس الاميركي آنذاك) رونالد ريغان. وكان الدكتور محمد علي هادي نجف آبادي  سفير ايران السابق في الامارات والسعودية ومساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية والبرلمانية حاليا  قد اجرى مباحثات مع مكفارلن بتكليف من مسؤولين في طهران. ووصلتني تقارير تحتوي على رسالة في مكتبي، باعتباري قائمقام الولي الفقيه. ولما قرأت تلك التقارير والرسالة التي كانت من منوتشهر قرباني بواسطة اوميد نجف ابادي علمت بتفاصيل الاتصالات السرية مع اميركا وزيارة مكفارلن. وبالنظر الى تورط اسرائيل في الامر، فانني اعترضت بشدة، بحيث كنت ارى ان القضية معيبة جدا.

ولما زارني السيد (هاشمي) رفسنجاني اعترضت على الامر وقلت لماذا لم تبلغوني بقضية زيارة مكفارلن؟ وفوجئ رفسنجاني وقال «كنا ننوي ابلاغكم في ما بعد..».

هل كان الخميني على علم بزيارة مكفارلن والاتصالات السرية مع الولايات المتحدة ومجيء مسؤولي الموساد والاستخبارات الاميركية الى ايران؟ يقول منتظري: «لا ادري ما اذا كان الامام الخميني على علم بالموضوع منذ بدايته، المهم انني ذهبت الى بيته بعد مواجهتي مع هاشمي رفسنجاني وشرحت الامر للسيد احمد الخميني (نجل الخميني) الذي فوجئ هو ايضا بمعرفتي الشاملة بالقضية. اذ سأل من اين جاءتك المعلومات. فقلت لا يهمك لعل الجان خابروني! قال، حسنا حينما يطلعونكم الجان بهذه الاخبار حبذا لو ارسلتموها الى الامام الخميني. لقد كان رفسنجاني واحمد الخميني والآخرون مستاءين جدا ازاء معرفتي بالامر..».

وهل سبب تسريب خبر زيارة مكفارلن والكولونيل اوليفر نورث وممثلي الاستخبارات الاميركية والاسرائيلية سرا لطهران، في اعتقال واعدام اوميد نجف آبادي المدعي العام السابق في مدينة اصفهان، ومهدي هاشمي شقيق صهر منتظري واحد مؤسسي الحرس ورئيس مكتب الحركات والتنظيمات التحررية والثورية بقيادة حراس الثورة؟

يرد منتظري على هذا السؤال في مذكراته قائلا: «كل شيء محتمل والاحتمال خفيف المؤونة، اذ ان بعض الاخبار السرية والتلكسات التي وصلت الى جهاز التلكس الخاص في بيتنا تشير الى وجود علاقة بين اعدامهما وقضية ايران غيت وشحن الاسلحة الاسرائيلية الى ايران، ومما يجب ذكره ان السيد قرباني ارسل لي رسالة بعد ذلك، اشار فيها الى انه من المقرر ان يتم عزلي من منصب قائمقام  نائب  الولي الفقيه  ويكشف ذلك، انه  اي قرباني فر  كان على اتصال مع بعض المراكز. وان مشروع عزلي كان قيد الدرس قبل تطورات بداية عام 1368 الشمسي (مارس  آذار 1988) (اي تبادل الرسائل الغاضبة بين منتظري والخميني وصدور قرار عزل منتظري من قبل استاذه)».

انقلاب في جبهة العرب لقد كان واضحا بعد قضية ايران غيت، بان علاقة الخميني مع خليفته منتظري ليست على ما يرام، فهناك سوء تفاهم بين الرجلين بات يتضخم اكثر فأكثر نتيجة لوصول رسائل وتقارير الى الخميني من المتورطين في مشروع عزل منتظري وفي مقدمتهم احمد الخميني ومحمد محمدي ريشهري وزير الاستخبارات وغيرهما ضد منتظري، والمرحلة كانت مرحلة حساسة، بحيث انقلبت الامور في جبهات الحرب مع العراق لصالح القوات العراقية بينما مرض الخميني اشتد في طهران. ولنسمع هنا رواية منتظري عن الاشهر الاخيرة للحرب وملابسات قبول الخميني بقرار مجلس الامن رقم 598 لانهاء الحرب مع العراق والتخلي عن شعارات «فتح القدس عبر كربلاء ومحاكمة صدام حسين واقامة جمهورية اسلامية برئاسة حجة الاسلام باقر الحكيم في العراق».

ويقول منتظري: «حينما احتل صدام حسين جزءا من اراضينا كان رأينا مثل رأي جميع ابناء ايران قائما على مبدأ محاربة المعتدي وتحرير ارضنا المحتلة. وبعد تحرير خرمشهر وهزيمة العراق، كنا نحس بانه ليس لدى جنودنا دافع حقيقي لمواصلة الحرب وجرهم الى داخل العراق. وكان العسكريون يقولون: لقد حاربنا صدام حسين لحد الآن دفاعا عن الوطن ونجحنا في طرد العدو وتحرير اراضينا، ومواصلة الحرب بعد الآن معناها اننا نريد التوسع، وعلى اساس هذا الاحساس وجهت رسالة  الى المسؤولين  بان عليكم انهاء الحرب، وليس من مصلحتنا مواصلتها.

وفي تلك المرحلة كان من الممكن ان نحصل على تعويضات كاملة والجميع كانوا سيساعدوننا في ذلك. غير ان السادة (مسؤولي الحرب والنظام) كانوا يتصورون بانهم يستطيعون احتلال العراق واسقاط صدام حسين. استمرت الحرب، وانا بصفتي قائمقام القائد، ساعدت الجبهات بكل ما كان بوسعي، حتى جاء اليوم الذي استعاد فيه العراق شبه جزيرة الفاو. عندئذ بعثت برسالة الى الامام الخميني قلت فيها لا بد من انهاء الحرب. وكان ذلك قبل بضعة اشهر من قبوله بقرار 598. ولما خسرنا الشلمجة وطُرح موضوع القرار 598 على المستوى الاعلى، جاء آية الله موسوي اردبيلي  رئيس الديوان الاعلى للقضاء حينذاك  لبحث موضوع القرار، وقال لقد ثبتوا (رفسنجاني ومحسن رضائي وآخرون) للامام الخميني باننا لم نعد قادرين على مواصلة الحرب، ومن المتوقع ان يعلن الامام قبوله بقرار مجلس الامن.

قلت  لموسوي اردبيلي  حبذا لو وجه قادة الدول الاسلامية نداء الى الامام الخميني لانهاء الحرب بدلا من التراجع 180 درجة. اذ ان من الافضل ان تتوقف الحرب بوساطة من الدول الاسلامية. وكان العقيد معمر القذافي قد وجه لي رسالة بواسطة سعد مجبر سفيره في ذلك الحين ابدى فيها استعداده للقيام بالتوسط لانهاء الحرب».

ويتحدث منتظري بعد ذلك عن وساطات عدة قامت بها الدول الاسلامية والعربية والبلدان الخليجية، واستعداد بعض الدول الخليجية لدعم مساعدة ايران لاعادة بناء ما دمرته الحرب بعد وقفها.

ويذكر منتظري انه اصر على ان زمن الحرب قد ولى بعد تحرير خرمشهر والاراضي الايرانية المحتلة وحان وقت التفاوض واخذ التعويضات «غير ان الذين كانوا ينوون بسط سلطتهم وتعزيز قدراتهم السياسية قالوا ان منتظري يشتم رائحة الدولار».

في عمليات حربية ضد العراق في منطقة البصرة، قالوا (مسؤولو الحرب) نريد ان نذهب الى البصرة واخذوا من الامام الخميني رسالة لاهالي البصرة مضمونها يا اهل البصرة استقبلوا قواتنا... ذهبت الى الامام الخميني وقلت، ما هي هذه الرسالة انهم يضحكون علينا، واعترف الامام بان الرسالة كانت خطيئة. ان الحرب بعد خرمشهر كانت مكلفة جدا لطرفيها والآلاف من الشباب الشيعة من كربلاء والنجف ممن ارغمهم صدام حسين على الذهاب الى الجبهات قتلوا كما قتل الآلاف من شبابنا بدون ان يُحصل اي تقدم.

دعوات لقبول الوساطة وبعد تحرير خرمشهر جاء ثمانية من قادة الدول الاسلامية الى طهران منهم عرفات وضياء الحق (الرئيس الباكستاني الراحل) واحمد سيكوتوري (الرئيس الغيني الراحل) وادى هؤلاء صلاة الجمعة وراء الامام الخميني، وتوسطوا لانهاء الحرب، غير ان الامام لم يقبل بوساطتهم. ولو كان يقبل اقتراحهم لكنا في موقع اعلى بحيث كنا قادرين على اخذ التعويضات والاقرار باعتداء العراق علينا. بيد ان هناك قولا بان الامام الخميني نفسه كان يرغب في انهاء الحرب غير ان دعاة مواصلة الحرب، فرضوا رأيهم عليه.

وماذا عن وساطة الدول الاسلامية الاخيرة قبل ان يضطر الخميني لتجرع «كأس السم» على حد تعبيره والقبول بالقرار 598؟ يقول منتظري في مذكراته عن نهاية الحرب: «كما ذكرت سابقا، قلت لموسوي اردبيلي، منذ سنة طالب صدام حسين باستمرار القبول بقرار 598، وهو قد وافق عليه، فيما كنا نسخر من نداءاته، والآن نقبل بالقرار نفسه بهذا الشكل؟ هذا تراجع مُهين لنا. انني اقترح، بدلا من ان نقبل بالقرار 598 ونترك امرنا في ايدي الامم المتحدة، ان نتوسل الى الدول الاسلامية، والقذافي قد ارسل رسائل بهذا الشأن، كما ان الرئيس السوري حافظ الاسد مستعد للقيام بدور ما. وهناك دول اخرى مثل الجزائر هي ايضا مستعدة، بحيث يمكن ان يبادر مبعوثو هذه الدول في الامم المتحدة بطرح موضوع اسقاط طائرة الركاب الايرانية من قبل الولايات المتحدة واستشهاد 290 من ركابها، والحملات الصاروخية ضد طهران (من قبل العراق)، ويطالبون بان نقبل بقرار وقف اطلاق النار لحماية حياة المسلمين. ثم تقوم هذه الدول اي سورية والجزائر وليبيا بايفاد مبعوثيها الى ايران لمراقبة تطبيق قرار وقف اطلاق النار. وهكذا نساعد على تعزيز واعتلاء دور الدول الاسلامية. قال موسوي اردبيلي ان هذا الاقتراح جيد وسأثيره مع الامام الخميني. غير انه بعد يومين من هذا اللقاء اعلن القبول بقرار 598. اتصلت بالسيد هاشمي رفسنجاني هاتفيا وقلت: ماذا حصل لاقتراحي؟ قال تجاوزت الامور هذا الحد، اي ان الوضع اسوأ مما يتصوره الانسان، وبعد بضعة ايام وصل وزير الخارجية السوري الى طهران واصر على ان يلتقي بي، وحدثني علي محمد بشارتي نائب وزير الخارجية هاتفيا كي يزورني برفقة فاروق الشرع، فقلت ما الفائدة؟ واتصل ثانية وكرر طلبه، ومن ثم جاءني فاروق الشرع برفقة السيد ولايتي (وزير الخارجية) وشرحت له اقتراحي وتصوراتي حول طريقة انهاء الحرب فأعجبته، وحين عاد الى دمشق، اطلع الرئيس حافظ الاسد على وجهة نظري، وطالبت دمشق بعد ذلك بارسال شريط الجلسة الى الرئيس حافظ الاسد. وقامت وزارة الخارجية فعلا بارسال الشريط».

تجرع كأس السم وتنتهي الحرب بعد ان يعلن قائد الثورة والولي الفقيه بصوت حزين قبوله بقرار 598 ويصف ذلك بانه اسوأ من تجرع كأس السم. ايران تعيش حالة عصبية، والامام الخميني مريض، ورجال حاشيته يعدون الفصل الاخير لمشروع عزل منتظري، ورغم ان صدام حسين كان مرتاحا لخروجه من الحرب بعد هزائم متواصلة وخسائر كبيرة، بصورة شبه منتصرة، غير انه ارتكب خطأ كبيرا حينما سمح بان تشن قوات مسعود رجوي زعيم منظمة مجاهدي خلق هجوما ضد القوات الايرانية في جبهة الوسط اي منطقة مهران وقصر شيرين. ان صدام حسين كان يتصور بان رجال رجوي الذين كان معظمهم غير متدربين يستطيعون بمساعدة لوجيستية من الجيش العراقي التوغل داخل الاراضي الايرانية والسيطرة على المناطق التي سبق ان احتلها الجيش العراقي واضطر للانسحاب منها تحت ضربة الجيش الايراني. ان العمليات التي سماها رجوي «الضياء الخالد»، بينما اطلق عليها اسم «المرصاد» في ايران انتهت بمقتل اكثر من 1800 من المهاجمين واسر المئات منهم وانسحاب الآخرين الى العراق. غير ان اخطر ما حصل بعد هذه العمليات، كان اعدام المئات من اعضاء ومؤيدي منظمة مجاهدي خلق ممن كانوا يقضون فترات سجنهم داخل السجون الايرانية.

ولرجل مثل منتظري الذي كان يعارض بشدة اعدام المعارضين الذين لم يرتكبوا القتل او التخريب، كانت حملة الاعدامات التي بدأت بحكم من الامام الخميني، مفترقا في علاقاته مع استاذه. ويشير منتظري في مذكراته الى رسالة من الخميني الى موسوي اردبيلي رئيس الديوان الاعلى للقضاء ومسؤولي محاكم الثورة. ومما جاء في الرسالة: «نظرا الى ان المنافقين (مجاهدي خلق) الخونة لا يؤمنون بالاسلام قط، وكل ما يقولون هو في سبيل تضليل الناس والنفاق، وبالنظر الى اقرار قادتهم بالارتداد عن الاسلام، ومع الاخذ بعين الاعتبار محاربتهم وتعاونهم مع حزب البعث وتجسسهم لصدام (حسين) ضد شعبنا المسلم وعلاقاتهم مع الاستكبار العالمي، واعمالهم الاجرامية وضرباتهم منذ قيام الجمهورية الاسلامية، كل من يوجد في سجون البلاد منهم ويتمسكون بمواقفهم ويبقون على نفاقهم، فانهم محاربون ومحكومون بالاعدام. وتحديد الامر  ما اذا كان الشخص محاربا ومنافقا  في طهران هو من مسؤولية حجة الاسلام نيري  القاضي الشرعي  والسيد اشراقي  المدعي العام في طهران  ومندوب لوزارة الاستخبارات على ان يتم ذلك بالاجماع. وفي سجون مراكز الولايات، يجب ان يكون رأي الاكثرية (في اللجنة المكلفة بالامر) ملزما.

ان الرأفة تجاه المحاربين هي من السذاجة بمكان. اتمنى ان تجلبوا رضى الله بغضبكم وكراهيتكم حيال اعداء الاسلام. ان السادة المكلفين بهذا الامر، يجب الا يترددوا ويكونوا اشداء على الكفار، ان الترد في القضايا الحقوقية الثورية الاسلامية، يعني تجاهل دماء الشهداء الطاهرة..».

ويشير منتظري الى ان احمد الخميني قد كتب بخط يده على ظهر هذه الرسالة «الاب المكرم حضرة الامام  الخميني  مد ظله العالي، بعد التحية، ان آية الله موسوي اردبيلي لديه تساؤلات بشأن حكمكم الاخير  اي ما جاء في الرسالة  بحيث سألني هاتفيا: 1  هل هذا الحكم يشمل اولئك الذين سبق ان ادينوا وصدر حكم الاعدام بحقهم وهم لا يزالون على موقفهم، ام ان الذين لم تتم محاكمتهم لحد الآن يشملهم الحكم؟

2  هل ان المنافقين الذين يقضون فترة العقوبة  اي ان المحكمة اصدرت حكما بسجنهم لفترة معينة  ولم يتراجعوا عن مواقفهم، سيشملهم الحكم؟

3  وهل دراسة وضع المنافقين الذين ملفاتهم موجودة في المدن التي تحظى باستقلالية القضاء تحتاج الى نقل الملفات الى مراكز الولايات؟

ومكتوب تحت ملاحظات احمد الخميني: باسمه تعالى: في جميع الموارد المذكورة اعلاه وفي اي مرحلة لو كان  الشخص  على نفاقه فان الحكم بحقه هو الاعدام. وبالنسبة لكيفية البت في الملفات فان اختيار اسرع الطرق لتنفيذ الحكم هو مطمح النظر.

التوقيع روح الله الموسوي الخميني

منتظري يكشف المعلومات عن ظروف إبعاده عن خلافة الخميني: اماتوني وأنا حي.. وطردوا ابنتي من سلك التعليم لأنني أبوها

جهاز الاستخبارات تحول إلى دولة داخل الدولة سحبوا مني وصية الخميني وتلاعبوا فيها

على الرغم من ان محاولات تحديد دور نائب الزعيم الايراني الراحل آية الله الخميني وخليفته المعين السابق آية الله حسين علي منتظري ونزع صلاحياته اخذت طابعا رسميا بعد انتهاء الحرب الايرانية  العراقية، فان عزله من منصبه الرفيع الذي عينه فيه الخميني نفسه جاء بمثابة هزة شديدة تجاوزت انعكاساتها الحوزة الدينية ومؤسسات النطام الى الشارع الايراني الذي ظل متعاطفا مع نائب الولي الفقيه بسبب تواضع الرجل وصراحته وابتعاده عن مظاهر البذخ والرفاهية التي تميزت بها حياة بقية المسؤولين الكبار مثل هاشمي رفسنجاني ومحمد ريشهري وموسوي اردبيلي وغيرهم. وتزامن صدور قرار العزل مع انطلاق حملة دعائية مدروسة ضد منتظري بهدف تشويه صورته والنيل من مكانته الدينية والسياسية. وتفاقمت تلك الحملة بعد وفاة الخميني.

ويتذكر منتظري تلك الايام الصعبة في مذكراته التي تواصل «الشرق الأوسط» عرض اهم ما جاء فيها وفي اشارة الى كتابي «رسالة العذاب» بقلم احمد الخميني، نجل زعيم الثورة الايرانية و«المذكرات السياسية» بقلم محمدي ريشهري وزير الاستخبارات السابق اللذين تضمنا اتهامات مثيرة ضد نائب الخميني المعزول واسباب عزله. يقول منتظري: «هل رأيتم في اي مكان في العالم ان يصدر كتابان ضد شخص اعزل من جميع وسائل الدفاع. وينشر محتواهما في جميع وسائل الاعلام؟ وهل يمكن ان نعتبر توجيه الشتائم والاتهامات الموجهة الى الشخص الذي كان حتى يوم امس الشخصية الثانية في قيادة الثورة بدون ان يسمح له بالرد عليها عملا مشرفا؟

«لقد كان عملهم في ذلك الحين افدح انواع الظلم ومؤامرة حيكت خلف الاسوار. انهم يسمون هذا النظام بالجمهورية الاسلامية وحكومة العدل الاسلامي. ولحد الان لن تتوفر لي الفرصة ولا الامكانية كي اثبت زيف مزاعم وكذب اتهاماتهم الباطلة. ان الامام علي يقول في نهج البلاغة عن الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم (لن تقدس امة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوى غير متتعتع). ان الجمهورية الاسلامية اذا استمرت على هذا النمط من السياسة فسيكون مستقبلها غير مبشر بالخير. لقد قرأت اخيرا في احدى الصحف اقوال الشيخ محمد يزدي (الرئيس السابق للسلطة القضائية وعضو مجلس صيانة الدستور) ومنها ان قائد الثورة آية الله الخميني يعاقب الظالم وهو ضد الظلم). هذا كلام جميل، فلماذا تعرض بيتي ومراكزي لهجوم الف شخص بقيادة روح الله حسينيان (رئيس مركز الوثائق) لعدة ساعات فسرقوا كل ما في البيت ودمروا مكتبتي واحرقوا كتبي واشاعوا الرعب في المنطقة؟ لحد الان لن يعيدوا لنا الوسائل والاجهزة والكتب التي سرقوها. وبدل ان يعاقب حسينيان الظالم الشقي قائد عملية الهجوم، تمت ترقيته ليقتدر اكثر فأكثر. ان الشيخ محمد يزدي يدعي دائما: ان الحرية الموجودة في بلدنا فريدة في العالم. بحيث تجري المحاكمات بصورة علنية والمتهمين محامين يدافعون عنهم كما تتوفر في المحاكم هيئة محلفين. ان ما نراه اليوم عكس ما يقول يزدي، اذ تجري اعتقالات ومحاكمات دون مبرر شرعي، والاحكام عادة معدة قبل بدء المحاكمات ضد المتهمين. وكان ابني احمد قد بعث برسالة الى يزدي حول الحملات الموجهة ضدي، ولكنه لم يرد على الرسالة. وما يجدر ذكره انهم كانوا يتهمونني بالسذاجة لأنني كنت دائما انصحهم. ان ذنبي الوحيد هو انني كنت اعرف زيف شعاراتهم وحاولت بكل قوتي وامكانياتي حراسة الثورة وضمان سمعة الامام الخميني.

ان ذكريات الاسابيع المرة التي قامت سلطات الامن خلالها باحتلال المعاهد الدينية التي يشرف عليها منتظري تشكل جزءا مهما من مذكرات الشخصية الثانية في الثورة الايرانية. وهو يتحدث عن ذلك بحزن بالغ: «لقد دمروا مدارسي في الحوزة. وكانت من احسن مدارس الحوزة. وظهر ريشهري على التلفزيون ليقول «ان الامام الخميني مستاء ومنزعج من هذه المدارس . وكتبت رسالة الى الامام الخميني بعد حديث ريشهري. قلت فيها: (حبذا لو اثرتم موضوع المدارس معي بشكل مباشر او على الاقل لو كان قد يسألني السيد احمد  الخميني  عن الامر، ذلك ان مدارسنا كانت قاعدة للدفاع عن الاسلام والثورة وقائدها.. وللاسف نرى ان محكمة علماء الدين واجهزة الاستخبارات وبعض الرؤوس داخل النظام ترغب في ضرب هذه المدارس انتقاما مني.. انه امر مزعج ان نجد اليوم ان الطلبة الذين احتلوا السفارة الاميركية تجري مطاردتهم واعتقالهم، وان اولئك الذين جاهدوا في سبيل انتصار الثورة وسجنوا وتعرضوا للتعذيب في النظام السابق يعودون الى السجون حاليا .. انهم  رجال السلطة  يتهمونني بأنني ضد الاستخبارات، بينما انا كنت اول من طالب بتأسيس جهاز استخبارات على اساس صحيح، وتطرقت في كتاب «ولاية الفقيه» الى هذا الامر في فصل مستقل حيث اشرت الى ضرورة تشكيل جهاز الاستخبارات . وليست اليوم ضد الاستخبارات، فهناك شباب مخلصون ومؤمنون يعملون في وزارة الاستخبارات غير ان معارضتي هي للفئات التي لا تخاف الله وتسيطر على الوزارة. ويجب ان يدير شؤون الاستخبارات رجال متدينون ذوو تجربة كافية ممن يراعون الموازين الشرعية ويخافون في كل صغيرة وكبيرة وليست الفئة التي تلعب بمصائر الناس وباتت حياة المواطنين في ايديهم. هذه الاستخبارات اعارضها.. ان مسؤولية الاستخبارات الاولية هي جمع المعلومات الصحيحة وليس التدخل في شؤون الدولة وايجاد دولة داخل دولة. لقد تحولت الاستخبارات حاليا الى مؤسسة مخيفة ومغلقة على ذاتها، والامام الخميني نفسه لم يكن على علم بما دار في هذه المؤسسة. وفي عهد الامام  كما حاليا  كان اركان الحكم يصرفون عليها  وزارة الاستخبارات  اموالا هائلة من بيت المال».

كما يشير منتظري الى النشاط التجاري غير الشرعي الذي كان يزاوله مسؤولو وزارة الاستخبارات، والجدير بالذكر ان الرئيس محمد خاتمي امر بايقاف جميع اشكال العمل التجاري لوزارة الاستخبارات ومسؤوليتها بعد فضيحة تورط وزير الاستخبارات السابق علي فلاحيان ومساعديه في سلسلة الاغتيالات التي طالت معارضين سياسيين ومثقفين ليبراليين منذ سنتين.

وعن عزله واسبابه وما سبق ذلك وتلاه من تصرفات يتحدث منتظري في مذكراته قائلا: «لقد كنت على يقين كامل بان هناك خطة لعزلي، وحينما ناشدت الامام الخميني العمل على منع اعدام السجناء السياسيين طلب مني تعيين ممثل لكي يقوم بزيارة السجون حتى لا تضيع حقوق السجناء، فطلبت من مهدي كروبي (رئيس البرلمان الحالي) ان يذهب الى السجون نيابة عني، غير انه رفض وتبين لي ان القائمين على الامور لم يكونوا يحبذون اتضاح الامور لنا.

وريشهري وزير الاستخبارات كان رأس الفتنة. ان الله سينتقم منهم في الدنيا والاخرة لما اقترفوه.

كان احد الاتهامات الموجهة الى منتظري ارتباطه بمهدي هاشمي الرجل الثوري الغامض الذي تتلمذ على ايدي منتظري وكان والده من علماء اصفهان، كما ان شقيقه، هادي، تزوج من احدى بنات منتظري.

وكان مهدي هاشمي هذا قد اعتقل قبل سنوات من قيام الثورة عام 1979 بتهمة قتل آية الله سمش آبادي وهو احد كبار علماء الدين في اصفهان وكان من اشد معارضي الخميني ومنتظري وآرائهما السياسية المناهضة للشاه. وجرت محاكمة مهدي هاشمي ورفاقه في المحكمة العليا باصفهان وصدر في حقه حكم بالاعدام، غير ان الشاه اصدر قرارا بتخفيف الحكم الى السجن المؤبد بناء على طلب بعض علماء الدين مثل خارمي وخونساري وشريعة مداري.

وبانتصار الثورة وتحطم اسوار السجون خرج هاشمي والمئات مثله من السجون ليركبوا قطار الثورة، وبسبب سوابقه الثورية وارتباطه بمنتظري والخميني، سرعان ما تسلم مسؤوليات رفيعة في الحرس الثوري، واسس مكتب الحركات الثورية والتحررية الذي كان في مقدمة اهدافه تصدير الثورة ودعم المنظمات والتنظيميات الثورية في المنطقة للاطاحة بحكومات بلدانها.

وظل مهدي هاشمي يحظى بموقع متميز في الحرس واجهزة تصدير الثورة حتى عام 1986 عندما بدأت مأساته عقب زيارة مبعوث الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغان لطهران التي سبق ان اشار اليها منتظري في فصل سابق من مذكراته. وبالنسبة لعلاقته بمهدي هاشمي يقول منتظري في مذكراته: «لقد بعث الامام الخميني برسالة دعاني فيها لاخلاء بيتي من المعارضين ومن افراد سيئي السمعة.. وبعثت ردا ذكرت فيه ان مهدي هاشمي لم يكن يوما من اعضاء مكتبي. وهو كان يزور جميع المكاتب بما فيها مكتب الامام الخميني، وقد اعتقل مهدي هاشمي في عام 1365 الشمسي (1986 الميلادي) واعدم بعد ذلك بسنة.

وما زالوا يثيرون قضية كلما ارادوا الاساءة الي.

ومن الامثلة على الاجراءات التي اتخذت ضده وضد افراد عائلته بعد عزله يقول منتظري: «اسرد لكم بعض ما جرى لابنتي التي كانت خريجة الاداب بعد ان عبرت جميع الحواجز والعوائق الادارية والروتينية، تم توظيفها كمعلمة في احدى مدارس قم. وبعد فترة استدعتها مديرة المدرسة الى مكتبها وابلغتها بان عليها الا تأتي الى المدرسة بسبب طردها من وزارة التعليم. وابنتي، سعيدة كانت تعرف السبب انها ابنتي، وهذا ذنب كبير. وفي احد الايام التقت ابنتي باحدى الطالبات في الشارع، وقدمت الطالبة تعازيها الى ابنتي في والدها (منتظري)، واشارت الى ان مديرة المدرسة بررت للطالبات غياب معلمتهن، بقولها ان والدها قد توفي وانها اضطرت للعودة الى مسقط رأسها فذهبت ابنتي الى المدرسة وبدون علم المديرة دخلت الصف وقدمت نفسها باسمها الحقيقي الى الطالبات وقالت: انا ابنة منتظري ووالدي حي يرزق.) وشرحت ابنتي، سعيدة، ما دار لها وقضية طردها في رسالة الى الشيخ هاشمي رفسنجاني، ولم يصلها ردا لحد الان.. وقبل بضع سنين، تدهور وضعي الصحي بسبب متاعب في القلب والكلى، مما اضطر ابنائي الى نقلي الى مستشفى خاص بطهران، حيث اتفق جميع الاطباء بعد اجراء فحوصات دقيقة، على ان يجب ان ابقى في المستشفى بعض الوقت، غير انهم غيروا موقفهم بعد زيارة عناصر الاستخبارات للمستشفى، فقالوا انه يجب علي ان اعود الى قم. هكذا حرمتني الاستخبارات من تلقي العلاج..».

ان قرار عزل منتظري لم يمر بلا ردود فعل، فاعلان القرار اثار احتجاجات شعبية في مختلف المدن، لا سيما اصفهان ونجف آباد وقم، مما اضطر منتظري لتوجيه نداء الى مؤيديه لانهاء مظاهراتهم. كما انه ارسل مدير مكتبه، دري نجف آبادي، الى نجف آباد ليتلو رسالته في الحشود الجماهيرية الضخمة التي انطلقت بصورة عفوية. وقد جاء في رسالة منتظري: «ايها الاخوة والاخوات في مدينة الشهادة نجف اباد بعد التحية. لقد سمعت بانكم قد قمتم بمظاهرات من اجل الدفاع عني، كما سمعت بان افرادا قاموا بأعمال غير صحيحة. انني ادعوكم كما طلبت منكم سابقا، للانصياع لاوامر الامام الخميني، فانا لا اقبل أن يقول اي شخص بأي عمل او يرفع اي شعار لا يرضي الامام الخميني. ان طاعة القائد واجبة، تنبهوا جيدا الى العناصر المدسوسة في ما بينكم، انهم يريدون الاصطياد في الماء العكر وانا لست راضيا ابدا بذلك. وارجو منكم ايقاف اعمال التخريب».

واضافة الى مظاهرات نجف اباد واصفهان فان عددا من نواب البرلمان اعترضوا على الطريقة التي استخدمتها اجهزة الاعلام ووزارة الاستخبارات، في التعامل مع قضية عزل منتظري.

ومن جانب آخر فان عزل منتظري وحده، لم يكن كافيا لحسم مسألة الخلافة، اذ انه كان مطلوبا تسليم مسؤولياته الى شخصية ذات ثقل بقدر ثقل منتظري او اقل منه بقليل، علما ان تعيين مرشد الثورة كان من ضمن مسؤوليات مجلس الخبراء الذي معظم اعضائه في ذلك الحين كانوا من مقليد منتظري وانصاره.

ويتذكر منتظري ضمن شرح الاحداث عشية وفاة الامام الخميني: في السنتين الاخيرتين لحياة الامام الخميني، لم يكن هو يباشر مشاكل وشؤون الحكم بصورة يومية، وكان هناك نجله احمد الذي تولى ادارة الامور. وكما قال علي فلاحيان (وزير الاستخبارات الاسبق) في ما بعد فانه وزملاءه في الوزارة كانوا يراجعون احمد فقط للتشاور في شؤون الاستخبارات. والامام كان مريضا والاطباء كانوا يحظرون تداول الامور معه. وانا باعتباري نائبا للامام الخميني كنت في قم منشغلا بشؤون الحوزة والدراسة، وما كان لدي وقت كاف لاذهب كل يوم الى طهران لازور الامام واقابله، كما كانت هناك عوائق تحول دون زيارتي للامام الخميني. ان الامام الخميني كان مجتهدا وفقيها ولكن لم يكن معصوما فهو بشر والانسان قابل للخطأ وهو ضعيف ويصاب بشتى الامراض ومنها الامراض المتعلقة بالاعصاب، والانسان يكهل والامام كان مصابا بالسرطان. وفي تلك الفترة تحرك البعض لجعل احمد قائدا بعد رحيل الامام الخميني.

وبدأوا بارسال رسائل الى الامام الخميني دعوا فيه لتعيين احمد خليفة من بعده، غير ان الامام الخميني توفي قبل ان يتقرر مصير الخلافة. وادعى هؤلاء بعد وفاته بانه كان يرغب في ان يسلم القيادة الى علي خامنئي، وشهدنا كيف اجروا تلك التمثيلية  جلسة مجلس الخبراء التي ادعى خلالها هاشمي رفسنجاني بان الخميني قد قال له في آخر ايام حياته لماذا يتحدثون عن شخص لتسليم القيادة اليه طالما بينكم شخصية مثل خامنئي  وحتى لو اقترضنا بان ما قيل في مجلس الخبراء دقيق وصحيح  الا ان الخميني اوصى بتسليم القيادة الى خامنئي  لكن من الجانب الشرعي لسنا ملزمين بأن نقبل بهذا.

فان القول عن شخص انه جيدا او سيئ ليس هذا حكما، وليس لدينا الحق ان نجعل من شخص غير معصوم  مثل الامام الخميني  صنما يْعبد.».

ماذا عن وصية الخميني التي قيل بان ابنه احمد قد تصرف فيها، وقام بحذف او تعديل بنود منها؟ لنقرأ رواية منتظري في مذكراته عن وصية استاذه وصديقه: «لم اكن على معرفة قط بمضمون الوصية التي طبعوها باسم الامام الخميني اخيرا، لقد دعوني يوما لاجتماع خاص بشأن هذا الموضوع وذهبت الى الاجتماع وكان بعض الاشخاص مثل مهدوي كني وهاشمي رفسنجاني وخامنئي والحاج لطيف ابوصافي حاضرين في الاجتماع فضلا عن الامام الخميني الذي قال: هذه هي وصيتي خذوا نسخة الى مجلس الشورى ونسخة الى مشهد لتحفظ في مكتبة الرضا. لقد توجه مهدوي كني الى مشهد بنسخة من الوصية، فيما ذهب الاخرون الى مجلس الشورى لقراءة الوصية ولكنني اعتذرت والامام قبل عذري. ولم اطلع على محتوى الوصية. وجاءني بعد فترة سراج الدين موسوي وسلمني ظرفا مغلقا ومختوما بالشمع الاحمر وقال لي انها رسالة من الامام الخميني الي، وكان مكتوبا على الظرف (افتح هذه الرسالة بعد وفاتي)، وانا لم اكن اعرف ما يوجد في الرسالة، الى ان جاءني يوم 28/12/1367 الشمسي (19 مارس /آذار 1988)  قبل اسبوع واحد من عزل منتظري  محمد علي انصاري من اعضاء مكتب الامام الخميني وقال بان الامام يطالب باسترجاع تلك الرسالة.

وطبعا لم اعرف حتى الان اذا كان انصاري مبعوثا من الامام الخميني ام من شخص اخر والله اعلم.. وقد عرفت لاحقا بانهم (احمد الخميني ورفسنجاني وريشهري وغيرهم) كانوا يقومون بوضع آخر النقاط على رسالة العزل.. لقد سمعت في ما بعد، انهم قالوا عني انني صنت الامانة، بينما الاخرون ممن تسلموا نفس الرسالة فتحوها واطلعوا على مضمونها. ولحد الان لدي رسالة اخرى من الامام الخميني يقول فيها، بأنني وثلاثة آخرين، هم بسنديدة، اخو الامام الراحل، والحاج باقر سلطاني والشيخ مرتضى الحائري فقط مسؤولون عن الاخماس (خمس عائدات الرجل الشيعي التي يدفعها البعض الى مراجع التقليد) بعد وفاته.. ورغم وضوح هذه الرسالة، لم اتسلم اي شيء من الاموال التي تجمعت لدى الامام الخميني حين وفاته، اذ ان مجلس شورى ادارة الحوزة وضع يده على جميع الاموال المتوفرة في حساب الاخماس

منتظري: منعوني من زيارة الخميني بالمستشفى ومن تعزية أرملته

تغيير بنود الدستور كان عملا غير شرعي وغير قانوني

أحدثت وفاة الزعيم الايراني الراحل آية الله الخميني عام 1989 صدمة لتلميذه ونائبه وخليفته السابق آية الله حسين علي منتظري الذي كان مشتاقاً لزيارة استاذه في المستشفى، لكن اتضح له، كما يقول في مذكراته المحظور نشرها في ايران وتواصل «الشرق الأوسط» عرضها يومياً، ان من حاصروا الخميني في اخريات أيامه لن يسمحوا له بأن يزوره وان يلقي النظرة الاخيرة عليه.

لندن: علي نوري زادة يوضح منتظري تلك الظروف قائلاً: «لقد كنت في نجف آباد بسبب وفاة والدي عندما سمعت من الاذاعة بأن الامام (الخميني) نقل الى المستشفى لاجراء عملية جراحية، واقترح بعض الاشخاص علي ان ابعث ببرقية الى الامام في المستشفى، فقلت لهم ان هؤلاء (المحيطين بالخميني) لم يبعثوا لي حتى ببرقية واحدة للتعزية بوفاة والدي. مع ذلك فقد بعثت ببرقية الى الامام في المستشفى. وعندما رجعت الى قم عزمت على الذهاب الى الامام لزيارته لكن الشيخ درّي نجف ابادي قال لي بأنهم (موظفي مكتب الخميني وابنه احمد) لا يحبذون ان اذهب لزيارة الامام. وكنت على يقين بأنهم لن يسمحوا لي بالدخول اذا ذهبت الى المستشفى. وعندما توفي الامام بعثت ببرقية وأرسلت ابني احمد والشيخ نجف ابادي وايزدي الى جمران (مقر اقامة الخميني) للتعزية.

وبعد ذلك بأيام توجهت وولديّ احمد وسعيد الى ضريحه لقراءة الفاتحة، ومن هناك ذهبنا الى جمران. كان ذلك في الصباح الباكر والجو كان ممطراً. وعند البوابة قالوا لنا بأن علينا الانتظار لأن السيد احمد (الخميني) نائم. وبعد ذلك نصحونا بأن نذهب الى مكتب الشيخ توسلي للانتظار. لقد عرفت من ذلك انهم كانوا يريدونني ان ارجع، فعدنا الى قم. وبعدها سمعت بأنهم اخبروا الشيخ هاشمي رفسنجاني بما جرى لنا فأعرب عن اسفه لما فعله اولئك الاشخاص. وبعدها قلت للسيد طاهري خرم آبادي ان يبلغ الشيخ رفسنجاني بأنني احب ان اذهب الى بيت الامام لأعزي ارملته بصفتي تلميذاً للامام ولا دخل للسياسة في هذه الأمور. وقلت ايضا انني لا ريد ان ينشر خبر الزيارة في وسائل الاعلام، واذا أرادوا النشر، فعليهم ان يطلعوني مسبقاً على نص الخبر قبل اذاعته لأنني كنت اعرف انهم سيذيعون الخبر على اساس ان منتظري زار بيت الامام ليتوب ويطلب العفو ويعترف بأنه هو السبب في وفاة الامام. وبعد ذلك اخبرني السيد طاهري خرم آبادي ان الشيخ رفسنجاني قال انه ينظر في الامر. لكنه بعد ذلك ذهب الى موسكو، والسيد احمد (الخميني) قال انه ليس محبذاً مجيء الشيخ (منتظري) الى البيت، فقلت: لقد سقط التكليف عني».

ويتحدث منتظري في هذا الجزء من مذكراته عن موضوع خلافة الخميني التي حُسمت في مجلس الخبراء بعد فشل الاعضاء المؤيدين لفكرة انشاء مجلس قيادة من ثلاثة او خمسة اشخاص في الحصول على اصوات الأغلبية، مما مهد الأرضية لتدخل هاشمي رفسنجاني كي يزعم ان الخميني كان نفسه قد اشار مراراً الى خامنئي باعتباره افضل خليفة له. ومما اورده منتظري في مذكراته: «لقد شعرت انه من مصلحة البلاد والثورة ان ارسل ببرقية تهنئة الى خامنئي لأعبر فيها عن حرصي على وحدة الكلمة في البلاد، ولازالة قلقهم حول أهدافي. غير انهم لم يذيعوا نص البرقية في الاذاعة والتلفزيون، كما ان خامنئي لم يرد عليها، وعندما سئل عن سبب عدم الرد قال انه استخار القرآن الكريم فلم تكن الاستخارة لصالح الرد على برقية منتظري».

وكان منتظري قد ركز في برقيته على نقطتين رئيسيتين: 1  يتعين على خامنئي ان يأخذ المشورة من العلماء والمراجع والشخصيات المخلصة في البلاد.

2  ان خامنئي ليس مؤهلاً لخلافة الخميني، غير ان مصلحة البلاد تأتي فوق جميع المصالح، واذا سعى خامنئي لاعادة الثقة بالنظام الى قلوب المواطنين والعمل بالدستور فانه لن تكون هناك معارضة لقيادته.

وبعث منتظري مرة اخرى ببرقية الى خامنئي بمناسبة وفاة والدته، ولم يرد مرشد الثورة عليها. كما ارسل منتظري رسالة اليه بعد تعرض بيته ومكتبه وحسينيته لهجوم من عناصر «أنصار حزب الله» ورجال الأمن، ولم يأته هذه المرة ايضاً الرد..

ومن المؤاخذات الرئيسية لمنتظري على رفسنجاني وأحمد الخميني، كما توضح مذكراته، وهو اقدامهما على تعديل بعض بنود الدستور. وهو يقول ان التعديلات التي اجريت وأسفرت عن الغاء منصب رئيس الوزراء وتوسيع سلطات وصلاحيات الولي الفقيه (مرشد الثورة)، كانت غير ضرورية.

«لقد جاءني احمد الخميني يوماً وطالبني بأن اوجه رسالة الى الامام الخميني  قبيل وفاته  باعتباري رئيساً لمجلس الخبراء اؤكد فيها ضرورة تعديل بعض بنود الدستور، غير انني رفضت ذلك وقلت له ان الدستور قد صوت عليه الشعب والمراجع الكبار ولا يمكن التلاعب به، اذ اننا بعملنا هذا نعرض قدسية الدستور للخطر. لقد كانت البلاد في حالة غير طبيعية آنذاك بعد قبول الامام بقرار رقم 598 وتوقف الحرب (مع العراق). وقد كتبت رسالة الى الامام الخميني اوضحت فيها مخاطر تغيير مفاد الدستور. وبعد ان يئسوا مني ذهبوا الى الشيخ مشكيني  نائب رئيس مجلس الخبراء آنذاك  وبمساعدته اجروا التعديلات وألغوا منصب رئيس الوزراء وأدخلوا مجمع تشخيص مصلحة النظام في الدستور.

«لقد أدخلوا في الدستور كلمة «المطلقة» بعد ولاية الفقيه، وهذا عمل غير سليم فنحن لا نقول بالولاية المطلقة للفقيه، ولا يجوز للفقيه ان يفعل ما يريد. كما ألغوا شرط المرجعية في القائد من شروط انتخابه.

«وبعد اجراء التعديلات في الدستور عقب وفاة الامام الخميني بعثت برسالة الى اعضاء مجلس الخبراء قلت فيها: «سمعت ان بعض العلماء ممن رفضوا التعديلات الدستورية الاخيرة استندوا في معارضتهم الى بعض الآيات الكريمة والأحاديث النبوية، للتأكيد على ان القائد يجب ان يكون الفقيه الأعلم. وعلمت ان السيد خامنئي قد طالبهم بايجاد مخرج لهذا الأمر، وكانت نتيجة هذا ان قاموا بحذف شرط المرجعية ممن يتولى القيادة. ان الامام الخميني كان يعتقد أن القيادة في البلاد ليست غير القيادة الفقهية ولا يجوز فصلهما، ورداً على سؤال من بعض اللبنانيين حول امكانية الفصل بين المرجعية الدينية والقيادة، كتب الامام الخميني: بسم الله الرحمن الرحيم، لا فصل بين القيادة السياسية والمرجعية، وليست ولاية القيادة السياسية الا للمجتهد الجامع للشرائط».

ويشير منتظري بعد ذلك الى محاولات تشويه علاقته بالخميني التي قام بها اركان الحكم بعد عزله. ويقول: «لم يكن يوماً بعيداً عن الامام والثورة وكنت اعتبر نفسي دائماً جزءاً من الثورة ولم يدر يوماً في رأسي موضوع القيادة، ولم اكن احب ان اجلس يوما مكان الامام بعد وفاته. ولكن اولئك الحاقدين علي كانوا يعتقدون انني اطمع بالقيادة، وحتى الآن هم لديهم هذا التفكير. انا لم ابتعد يوماً عن الامام. وقبل الثورة عندما كان الامام في الخارج وانا في الداخل كنت اقود الامور في الداخل بدل الامام ولم اكن افكر يوماً بأن اقف ضد الامام ولكن الشياطين أبعدوا الامام عني، وكنت استبعد ذلك اليوم الذي يفكر فيه الامام بأنني اقف ضده لأنه كان يعرفني لمدة اربعين عاماً. ولكن الشياطين عرفوا كيف يستفيدون من اختلاف الآراء بيني وبينه في بعض المواضيع ليخربوا العلاقة بيني وبينه، ولم اكن اعتقد ان هؤلاء الشياطين كانوا قادرين على اختراق هيكل الجمهورية الاسلامية التي تعبنا كثيراً لايجادها. وكنت اعتقد ان الناس واعون ويفهمون الامور، ولكن لماذا يستغرب وقد كان في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) ايضاً شياطين عملوا لضرب ثورة الرسول. انني مسرور جداً لأنني لم اتول أية مسؤولية، لأنه في يوم الحساب سيكون ثقلي قليلا فأنا اشاركهم في ذنوبهم وأنا راض جداً من وضعي ومشغول في امور العلم والفقه  طبعاً اذا سمحوا لي بذلك وعندما اقول هذا الكلام فانني اشير الى انهم لم يتورعوا عن تعطيل دروسي واعتقال طلابي. كما انهم هاجموا مرتين مكاتبي والحسينية والبيت وسرقوا ما سرقوا وأتلفوا الكثير من ممتلكاتي الشخصية والعلمية. في الهجوم الاول صادروا جميع الكتب والمستندات والأشرطة التي تحتوي على الدروس والمحاضرات، السمعية منها والبصرية، والأرشيف ورسائل عامة الناس لي، وحطموا المكاتب والأبواب وأرادوا ان اوقف دروسي ولكنني واصلت الدروس وحضرت للدرس في اليوم التالي رغم انهم حاصرونا بالقوات. والهجوم الثاني كان بعد خطابي يوم 13 رجب 1418، حيث استهدفوا البيت والحسينية، وضربوني واعتقلوا بعض العلماء الذين كانوا هناك وصادروا كل شيء واقتحموا الحسينية، والى الآن نحن محاصرون وكل شيء في يديهم، وتحت سيطرتهم.

«ان اولئك الذين أرادوا ضرب الجسور بيني وبين الامام نجحوا في ذلك لأنهم كانوا يدركون تماماً بأن وجودي سيضرب مصالحهم ولذلك جعلوا من الامام متراساً ليدافعوا عن منافعهم الدنيئة الخسيسة، وبقاؤهم في السلطة يستلزم تدميري وإبعادي عن الامام».

منتظري يروي تفاصيل ليلة هجوم الأمن والحرس على منزله

يتحدث آية الله منتظري في مذكراته المحظورة في إيران والتي تنشرها «الشرق الأوسط» عن يوم الهجوم على بيته من قبل رجال الأمن والحرس قبل 8 سنوات. ويقول منتظري بمرارة بالغة: «لقد كان الضغط والخناق محكما علينا وعلى القوى الثورية، بحيث اعتقلت سلطات الأمن عددا كبيرا من الشبان الثوريين بحجج واهية. والجو كان خانقاً لدرجة انه لم يكن لأحد ان يفتح فمه ويعترض على ممارسات اصحاب السلطة ».

ويضيف منتظري «حسبما قيل لي لاحقاً، فان الاستخبارات كانت تمارس تعذيبا قاسيا بحق الشبان المعتقلين والطلبة بهدف انتزاع الاعترافات منهم حول مخطط مزعوم لقلب النظام كنت على رأسه. اي انه كان مطلوبا ان يعترف هؤلاء بأنهم كانوا يخططون لقلب النظام بأوامر مني. لذلك رأيت من الواجب ان اوجه كلمة الى الشعب ادافع من خلالها عن شبابنا الأبرياء. وتحدثت في 21 شهر الدلو عام 1371 الشمسي (فبراير 1984) لمدة ربع ساعة فقط في خطاب لزواري حول حملة الاعتقالات غير الشرعية وممارسات الفئة القابضة على الحكم. وبعد خطابي بيوم واحد جندوا (اصحاب السلطة) أزلامهم ومرتزقتهم لمهاجمة بيتي بالحجارة. وفعلاً وقع الهجوم، حرقوا كتبي ونهبوا محتويات مكتبي وبيتي وفعلوا ما لم يرتكب من قبل بحق المراجع. استمر الهجوم لثلاثة ايام بلياليها. وقد ابلغني بعض الاصدقاء بأن الخطة اكبر بكثير مما نتصور وحياتي مستهدفة، مما اضطرنا لتعطيل الدروس، لسحب الذرائع منهم حتى لا يتمكنوا من تمرير مخططاتهم ضدي.

«حرب الكترونية» في إيران بعد نشر مذكرات منتظري على الإنترنت

من كان المسؤول عن اطالة امد الحرب الايرانية  العراقية التي راح ضحيتها قرابة مليون شخص؟ ومن الذي اصدر اوامر الاعدام الجماعي لنحو 3 آلاف شاب وشابة دون محاكمتهم؟ ومن الذي قرر «تصدير الثورة».

كانت هذه بعض الاسئلة التي شكلت محور حرب الكترونية عبر شبكة الانترنت بين عالمي دين ايرانيين بارزين. ويقف في المعسكر الاول حسين علي منتظري، آية الله العظمى البالغ 79 عاما والذي وقع عليه الاختيار سابقا لخلافة آية الله الخميني. اما في المعسكر المواجه، فيتخندق آية الله علي خامنئي المرشد الاعلى للدولة الايرانية.

وبدأت هذه المبارزة الالكترونية بعد نشر منتظري مذكراته التي غطت 600 صفحة على شبكة الانترنت في الشهر الماضي، (تنشر «الشرق الأوسط» اجزاء منها حاليا). وجاء رد خامنئي مطلع الشهر الحالي عندما ظهر موقع مزيف باسم منتظري على الانترنت، ليتهم آية الله العظمى بالمشاركة في كل القرارات المهمة التي صدرت عن النظام في ما يخص مواصلة الحرب ضد العراق وتنفيذ حملة الاعدام الجماعية؟

وكان خامنئي قبل ذلك قد طلب من السلطات التشويش على موقع منتظري الذي نشر فيه مذكراته، غير ان ذلك كان صعبا من ناحية فنية ومكلفا من ناحية مادية. بعدها تمت الموافقة على فكرة اقامة موقع مناوئ لمنتظري يحمل اسمه بفارق حرف واحد في الكتابة الانجليزية لاسم آية الله العظمى. ويعلق هومايون فراحي الذي يعمل في متابعة المواقع الايرانية على شبكة الانترنت قائلا «ان ما يجري اشبه بعملية واسعة لنشر الغسيل الوسخ... فعدد الاشخاص الذين يزورون موقع منتظري ارتفع بحدة الى اكثر من 80 الف شخص مقارنة ب5 آلاف شخص في الشهر الماضي». واعرب عن ان الانترنت غدت بعد اغلاق كل الصحف المعارضة واوامر البرلمان للصحافة الاخرى بالابتعاد عن المسائل الخلافية، برزت على انها «الملتقى الاهم للتحاور سياسيا في ايران».

وتفيد التقديرات بان استخدام الانترنت بات متاحا لحوالي 2.2 مليون شخص في ايران، وهذا عدد بسيط بالنسبة لتعداد سكان البلاد البالغ 70 مليون نسمة. غير ان ما ينشر على الانترنت غالبا ما يجد طريقه للنسخ والتوزيع الواسع في طهران وعدد من المدن الايرانية المهمة الاخرى. كما ان هناك ما يقدر بنحو 5،3 مليون ايراني يعيشون في المنفى، اغلبيتهم يستخدمون الانترنت.

وكان آية الله الخميني قد استخدم اواخر السبعينات اشرطة الكاسيت لنشر خطبه اللاذعة ضد الشاه في طول ايران وعرضها. اما اليوم فيستخدم منتظري آخر ما توفره الوسائل التكنولوجية ضد النظام.

_____________________________

المصدر: الشرق الأوسط