Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

نقد الشيعة لبعض كتبهم وعلمائهم ..

نقد الشيعة لبعض كتبهم وعلمائهم ..

الشيخ الكليني وكتابه الكافي

يعتبر ابو جعفر محمد بن يعقوب الكليني ((المتوفى عام 329 ه)) من قدماء علماء الامامية ومن أكابر محدثيهم المشهورين، حيث يقول النجاشي ((الرجالي المعروف لدى الشيعة)) عنه: شيخ اصحابنا في وقته بالري.
ويقول الشيخ ابوجعفر الطوسي في حقه: ثقة عالم بالاخبار.
ويقول ابن طاووس عنه: الشيخ المتفق على ثقته وأمانته محمد بن يعقوب الكليني.
ويقول محمد باقر المجلسي عنه: مقبول طوائف الأنام ممدوح الخاص والعام محمد بن يعقوب الكليني.
والخلاصة أن مؤلف كتاب الكافي معروف لدى الامامية بالوثاقة والأمانة والحفظ. كما أنه قسم كتابه الى ثلاثة أقسام: الأصول، الفروع، الروضة، وعلى سبيل المثال يقول الشيخ المفيد: الكافي وهو من أجل كتب الشيعة واكثرها فائدة.
ويقول الشهيد الأول: كتاب الكافي في الحديث الذي لم يعمل الامامية مثله.
ويقول المحقق الكركي: الكتاب الكبير في الحديث المسمى بالكافي الذي لم يعمل مثله.
ويقول الفيض الكاشاني: الكافي... أشرفها وأوثقها واتمها واجمعها.
ويقول محمد باقر المجلسي: كتاب الكافي... أضبط الأصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها.
ومضافا الى ما ذكر علماء الامامية في مدح كتاب الكافي فان المؤلف نفسه ذكر في مقدمة كتابه هذا مخاطبا لمن كتب اليه هذا الكتاب، فقال:
قلت إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع اليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين – عليهم السلام – والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدي الى فرض الله – عزوجل – وسنة نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم -... وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت.
وبالرغم من ذلك فان كتاب الكافي ورغم وجود الروايات الصحيحة فيه الا أنه مع الأسف يتضمن أخبارا كاذبة وزائفة، ونحن نستعرض هنا بعض هذه الأخبار الموضوعة ونلفت نظر القاريْ الكريم وخاصة المحققين اليها.
وقبل نقد احاديث الكافي نرى من اللازم أن نذكر الأخوة بأن احاديث الكافي، وخلافا لما يتصور بعض السذج من الشيعة، ليست قطعية الصدور لدى اعلام الشيعة الامامية، حتى أن الشيخ محمدباقر المجلسي في كتابه ((مرآة العقول)) قد ضعف كثيرا من رواياته بسبب ضعف السند، ولهذا لا ينبغي أن نتعجب من ورود طائفة من الأحاديث الموضوعة في هذا الكتاب.

نقد أحاديث الشيخ الكليني:
1 – تقدم أن كتاب الكافي مؤلف من ثلاثة اقسام ((الأصول، والفروع والروضة)) وكل هذه الأقسام قد تم طبعها وهي في متناول القرّاء ونرى في اصول الكافي بابا بعنوان ((باب النهي على اشراف قبر النبي)) حيث أورد الشيخ الكليني حديثا في ذلك، وفي الحقيقة أنه اعتمد على هذا الحديث في فتواه وهذا الحديث هو:
عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقي، عن جعفر بن المثنى الخطيب قال:
((كنت بالمدينة وسقف المسجد الذي يشرف على القبر قد سقط والفعلة يصعدون وينزلون ونحن جماعة. فقلت لأصحابنا: من منكم يدخل على أبي عبدالله عليه السلام الليلة ؟ فقال مهران بن ابي بصير: أنا، وقال اسماعيل بن عمار الصيرفي: أنا. فقلنا لهما: سلاه لنا عن الصعود لنشرف على قبر النبي – صلى الله عليه وآله – فلما كان من الغد لقينا هما، فاجتمعنا جميعا فقال اسماعيل: قد سألنا لكم عما ذكرتم. فقال: ما أحب لاحد منهم أن يعلو فوقه ولا آمنه أن يرى شيئا يذهب منه بصره، أو يراه قائما يصلي أو يراه مع بعض أزواجه – صلى الله عليه وآله وسلم
وهذا الحديث ساقط سندا ودلالةً، لأنه:
أولا: إن جعفر بن المثنى المشهور بالخطيب لم يكن معاصرا للامام الرضا ولم يكن معاصرا للامام الصادق (ع) أيضا كما ذكر ذلك المجلسي في كتابه ((مرآة العقول)) وقال:
((فان جعفر بن المثنى من أصحاب الرضا لم يدرك زمان الامام الصادق)).
ثانيا: إن جعفر بن المثنى كان واقفيا ولم يوثقه أي واحد من علماء الرجال الشيعة. وقد كتب المامقاني في كتابه ((تنقيح المقال)): هذا واقفي لم يوثق.
ثالثا: اذا كان المراد من رؤية النبي الأكرم رؤيته الجسدية فان النبي كان تحت التراب ولا يمكن بأي وجه رؤية جسده الشريف، واذا كان المراد رؤية روح النبي الأكرم فان الروح ليست مرئية والا فان جميع العمال الذين كانوا يعملون في تعمير سقف المسجد كانوا يصعدون الى ما فوق القبر الشريف ولابد أنهم رأوا روح النبي الأكرم وزوجته ولذلك يجب أن تعمى عيونهم أيضا.
رابعا: اذا كان كل من اطلع على قبر النبي الأكرم ونظر اليه يخشى عليه العمى فإذن لماذا لم ينه رسول الله عن هذا العمل بل رضي بهذا الضرر والبلاء لأمته؟
2 – وقد أورد الشيخ الكليني رواية عجيبة أخرى في باب مولد النبي ووفاته في كتابه ((اصول الكافي)) وهي:
((محمد بن يحيى، عن سعد بن عبدالله، عن ابراهيم بن محمد الثقفي، عن علي بن المعلى، عن أخيه محمد، عن درست بن أبي منصور، عن علي بن ابي حمزة عن ابي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لما ولد النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – مكث أياما ليس له لبن فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه اياما حتى وقع أبوطالب على حليمة السعدية فدفعه اليها.
وهذه الرواية أيضا مخدوشة سندا ودلالةً ويحتمل أن الراوي لها أراد توثيق رابطة القرابة بين النبي الاكرم والامام علي فاضطرّ الى جعل هذه الاسطورة الخرافية، والا فما هي الضرورة في أن يجعل الله تعالى اللبن في ثدي أبي طالب ليرضع ابن أخيه؟ الم يكن بالامكان أن يرزق الله تعالى فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب هذا اللبن ويضعه في ثديها لترضع النبي ؟ ألم تكن هذه المرأة الطاهرة هي التي تولت تربية النبي وحمايته في بيت أبي طالب وكان النبي كأحد ابنائها.
بعض رواة هذا الحديث غير معروفين لدى علماء الرجال، مثلا ورد في كتب الرجال عن ((علي بن معلا)) أحد رواة هذه الرواية أنه:
((مجهول الحال)). وكذلك ذكر علماء الرجال أنّ ((درست بن ابي منصور)) واقفي المذهب. ومن الواضح أن العاقل لا يمكنه قبول روايات مثل هؤلاء الأشخاص.
3 – وقد أورد الشيخ الكليني في هذا الباب ايضا ((باب مولد النبي)) في اصول الكافي، رواية في معراج الرسول الأكرم، وهي ضعيفة سندا ومتنا، وهذه الرواية هي:
((عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن علي بن أبي حمزة، قال:
سأل أبو بصير أبا عبدالله عليه السلام وأنا حاضر فقال: جعلت فداك كم عرج برسول الله (ص)؟ فقال: مرتين فأوقفه جبرئيل موقفا، فقال له: مكانك يا محمد! فلقد وقفت موقفا ما وقفه ملك قط ولا نبي إن ربك يصلي! فقال: يا جبرئيل وكيف يصلي ؟ ! قال: يقول: سبوح قدوس أنا رب الملائكة والروح، سبقت رحمتي غضبي. فقال: اللهم عفوك عفوك. قال: وكما كان قال الله: قاب قوسين أو أدنى، الحديث. ))
وأحد رواة هذا الخبر كما هو مذكور في المتن ((قاسم بن محمد الجوهري)) حيث يقول عنه العلامة المامقاني في رجاله: الرجل إما واقفي غير موثق أو مجهول الحال وقد رد جمع من الفقهاء روايته منهم المحقق في المعتبر.
أما متن الرواية فترد عليه عدة اشكالات:
الأول: إن ظاهر الرواية يقرر أن الله تعالى له مكان معين في السماء، مع أن الله تعالى محيط بجميع الأماكن وليس له مكان خاص بل كما ورد بنص القرآن الكريم: ((اَلا إنَّهُ بٍكُلِّ شَيءٍ مُحيْطٌ)) سورة فصلت، الآية 54.
الثاني: صلاة الله تعالى غير معقولة وهي أشبه ما تكون بالخرافة.
الثالث: أما قوله كما ورد في الآية ((فكان قاب قوسين أو أدنى)) فهي الفاصلة التي بين النبي وملك الوحي لا الفاصلة بين النبي وبين الله تعالى كما يدل على ذلك سياق الآيات الشريفة:
علّمَهُ شَديدُ القُوى. ذو مرَّةٍ فاسْتَوى. وهُوَ بالأُفُقِِ الأعلى. ثُمَّ دَنى فَتَدلّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أو أَدْنى (النجم، 5 – 9)
أي أن ملك الوحي هو مخلوق ذو قوة شديدة وهو الذي علم النبي الأكرم وكان واقفا بالافق الأعلى ثم اقترب من النبي الى درجة أنه كان قاب قوسين أو أدنى من النبي. وعليه فإن التفسير الوارد في هذه الرواية لا يتفق مع القرآن الكريم وذلك يستوجب ضرب الرواية عرض الجدار.
4 – وقد ذكر في اصول الكافي في ((باب ما عند الائمة من سلاح رسول الله ومتاعه)) قصة الحمار الذي يسمى ((عفير)) وهي:
((روي أن اميرالمؤمنين عليه السلام قال: إن ذلك الحمار كلّم رسول الله – صلى الله عليه وآله – فقال: بأبي أنت وأمي إن أبي حدثني عن أبيه عن جده، عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام اليه نوح فمسح على كتفه ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم فالحمدلله الذي جعلني ذلك الحمار. ))
وكما نلاحظ أن هذه الرواية مرسلة ومقطوعة السند ولا يعلم من جعل مثل هذه الخرافة العجيبة ونسبها الى أمير المؤمنين، ولكن الشيخ الكليني نقلها في اصول الكافي، والعجيب أن الكليني نفسه صدق بهذه الرواية وأوردها في كتابه الذي يقول عنه أنه جمع فيه الآثار الصحيحة!!
ولكن لا أحد يعلم أن هذه الجماعة من الحمير كيف حفظت حديث النبي نوح ونقلته عن واحد بعد الآخر، وكذلك لا يعلم أن هذه الحمير كم بلغ عمر الواحد منها من مئات السنين بحيث أن عدد الأجيال منذ زمان نوح الى زمان النبي الأكرم لا يتجاوز خمسة أجيال؟ وهكذا كلام الحمار الاخير بلسان عربي فصيح، ونقله للحديث كما ورد في الرواية، كل ذلك من العجائب، ولا أظن أن أحدا ذكر للشيخ الكليني هذه الرواية على سبيل المزاح والاستهزاء.
5 – وذكر الشيخ الكليني في كتابه هذا في ((باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني )) حديثاً غريبا آخر هو:
((علي بن ابراهيم. عن أبيه قال: استأذن على أبي جعفر عليه السلام قوم من أهل النواحي من الشيعة فاذن لهم فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عليه السلام وله عشر سنين. ))
وهذه الرواية مقطوعة من حيث السند لأن والد علي بن ابراهيم، وهو ابراهيم ابن هاشم القمي، لا يعلم من أين أخذ هذه الرواية؟ وبخاصّة أن الراوي لم يذكر حضوره في هذا المجلس، واما متن الرواية فخير دليل على كذبها، لأنه كيف يتمكن الانسان أن يجيب على ثلاثين ألف مسآلة في مجلس واحد؟ فحتى لو فرضنا أن الاجابة على هذه المسائل كانت سهلة وميسورة على الامام الجواد ولكن كيف تمكن السائلون من طرح ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد الا أن يستغرق هذا المجلس عدة أيام بلياليها.
فلو فرضنا أن السؤال والجواب عنه يستغرق دقيقة واحدة فقط فإنّ ثلاثين ألف دقيقة تساوي خمسمائة ساعة فمعنى ذلك أن الاجابة على ثلاثين ألف سؤال تستغرق أكثر من عشرين يوماً بلياليها، فكيف وقعت هذه المحاورة في مجلس واحد؟
6 – وذكر الشيخ الكليني في اصول الكافي في باب كتاب ((فضل القرآن)) رواية بهذا النص:
((علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن ابي عبدالله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبرئيل الى محمد سبعة عشر الف أية)).
ونعلم أن آيات القرآن الكريم الذي بين ايدينا لا تتجاوز سبعة آلاف آية فاذا صحت رواية اصول الكافي هذه فلابد أن يكون قد حذف أكثر من نصف القرآن، وهذا القول باطل ولا أساس له لأن الله تعالى قد وعد بحفظه ((إنّا نَحنُ نزّلنا الذٍكْرَ وإنّا لَه لَحافِظونَ)) الحجر الآية 9.
وهناك رواية مشهورة عن الامام علي عليه السلام عن رسول الله أنه قال: ((جميع آيات القرآن ستة آلاف أية ومئتان و ستة وثلاثون آية)).
وأما ما احتمله بعض الشارحين لاصول الكافي من اختلاف المقصود من الآيات في رواية الكافي مع المصحف الموجود، هو احتمال لا وجه له، لأن لازم ذلك أن الامام الصادق (ع) قد عد كل ثلاث آيات آية واحدة. وبطلان هذا المعنى لا يخفى على أحد. مضافاً الى أن هذا الكلام مخالف للحديث النبوي الشريف. وكذلك انقطاع سند الحديث في أصول الكافي لأن علي بن الحكم لم يكن معاصرا للكليني.
وليست هذه المرة الاولى التي ينقل فيها الكليني حديثاً يصرح بتحريف القرآن بل نجده في موارد كثيرة من كتاب الكافي وروضة الكافي ينقل مثل هذه الروايات الباطلة والمخرّبة حتى أخذ عنه القول بتحريف القرآن جملة من علماء الشيعة أمثال ((الفيض الكاشاني)) في كتاب ((تفسير الصافي)) والشيخ نعمة الله الجزائري في ((الانوار النعمانية)) والحر العاملي في ((وسائل الشيعة)) والشيخ أحمد النراقي في كتاب ((مناهج الاحكام)) والسيد عبدالله شبّر في ((مصابيح الانوار)) والسيد هاشم البحراني في مقدمة تفسيره الموسوم ب((البرهان في تفسيرالقرآن)) وغيرهم من علماء الشيعة ومفسّريهم بحيث اصحبت مقولة تحريف القرآن وصمة عارٍ على جبين الشيعة يصعب التخلص منها مهما حاول المتأخرون منهم، كالعلامة الطباطبائي صاحب ((الميزان)) والسيد الخوئي في ((البيان)) والشيخ مكارم شيرازي في ((الأمثل))، التخلص منهما والدفاع عن القرآن والتشيع مقابل اتهامات المغرضين والمخالفين.
وننقل هنا ما ذكره الفيض الكاشاني في تفسير الصافي من القول بتحريف القرآن مستنداً في ادعائه هذا الى جملة مما نقله الكليني وأمثاله من روايات موضوعة وأخبار كاذبة في هذا الباب. قال في المقدمة السادسة من تفسيره بعد أن أورد ما رواه الكليني في الكافي وعلي بن ابراهيم القمي في تفسيره من روايات تقرر تحريف القرآن:
((أقول: المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس كما كما أنزل على محمد (ص) بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغيّر محرّف وإنه قد حذف عنه أشياء كثيرة منها اسم علي (ع) في كثير من المواضع ومنها غير ذلك وأنه ليس أيضا على الترتيب المرضي عند الله وعند رسول الله (ص). ))
وكنموذج مما أورده الكليني أيضا من روايات تصرح بتحريف القرآن ما ذكره في روضة الكافي (الحديث 18) من قصة الحارث بن عمرة الفهري الذي غضب عندما قال رسول الله (ص) لعلي بن أبي الب (ع): ((إن فيك شبها من عيسى بن مريم.. )) فقال الحارث: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء... تقول الرواية أنه جاءته حجارة فرضخت هامته ثم أتى الوحي الى النبي (ص) فقال: سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين (بولاية علي) ليس له دافع من الله ذي المعارج قال الراوي: قلت: جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا. فقال: هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد (ص) وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة.. )).
ورغم أن الرواية لم تذكر اسم الامام الذي كان يخاطبه الراوي (ابو بصير) الا أن لحن الكلام وقول أبي بصير ((جعلت فداك)) وذكر الكليني لها في كتابه كلها تشير الى أنها رواية عن امام المعصوم.
ونموذج آخر ما أورده الكليني في الكافي، باب (الاشارة والنص على أميرالمؤمنين (ع) ) من قول رسول الله (ص) لأبي بكر وعمر يوم غدير خم أن: ((قوما فسلما عليه بامره المؤمنين. فقالا: أمن الله أو من رسوله يا رسول الله ؟ فقال لهما رسول الله (ص): من الله ومن رسوله فأنزل الله عزوجل: ((ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها... الى قوله: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون (أئمة هي أزكى من أئمتكم) )) قال: قلت جعلت فداك أئمة؟ قال: أي والله أئمة. قلت: فانا نقرأ أربى. فقال: ما أربى؟ وأوما بيده فطرحها))
ونلاحظ هنا أن الراوي الكذاب غفل عن أن سورة النحل التي وردت فيها هذه الآية مكية ولا ارتباط لها بواقعة الغدير التي وقعت في السنة الاخيرة من الهجرة في المدينة، أما الآية الشريفة فهي ((... أمّةً هي أربى من أمّة))
هذا والقرآن الكريم محفوظ بحفظ الله تعالى قطعا لقوله تعالى:
إن علينا جمعه وقرآنه
ويقول عزوجل إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
ويقول تعالى أيضا مؤكدا هذا المعنى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
مضافا الى الروايات التي تصل حد التواتر في لزوم التمسك بكتاب الله وأنه المرجع للمسلمين ولزوم عرض روايات النبي وأهل بيته الطاهرين على القرآن لمعرفة الحق من الباطل والصحيح من الموضوع منها، فاذا سرى الخلل والشك في آيات القرآن نفسها كما توحي بذلك هذه الروايات الموضوعة فلايبقى للمسلمين ميزانا للحق والباطل ولا مرجعا يرجعون اليه في عقائدهم وأحكام دينهم بعد تفشي الوضع والاختلاق في الثقل الثاني وهو السنة الشريفة. وهذا هو ما يصبو اليه هؤلاء الغلاة الدجالين.
7 – روى الشيخ الكليني في اصول الكافي في ((باب النوادر)) من كتاب التوحيد:
(( محمد بن أبي عبدالله، عن محمد بن اسماعيل، عن الحسين بن الحسين، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن سعيد، عن الهيثم بن عبدالله، عن مروان بن صباح قال: قال ابو عبدالله عليه السلام: إن الله خلقنا فاحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدل عليه وخزانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبدالله ولولا نحن ما عبدالله.
ونلاحظ على هذه الرواية:
أولا: إن في سند هذه الرواية اشخاصا مجهولين وغير موثقين مثل مروان بن صباح الذي يقول عنه المامقاني: ليس له ذكر في كتب الرجال، و((بكر بن صالح)) الذي يقول عنه العلامة الحلي: ضعيف جدا كثير التفرد بالغرائب.
ثانيا: أما من حيث المتن فبعض بنود الرواية يخالف القرآن الكريم بصراحة، مثلا ورد في هذه الرواية، ((خزّانه في سمائه وأرضه)) مع أن القرآن الكريم يقول: ((قل لا أقول لكم عندي خزائن الله)) الانعام، الآية 50. أو ما ورد في هذه الرواية ((لولا نحن ما عبد الله)) بينما يقول القرآن الكريم ((وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة واتياء الزكاة وكانوا لنا عابدين)) الانبياء، الآية 73.
8 – وأورد الشيخ الكليني في روضة الكافي تحت عنوان ((حديث الموت على أي شيء هو)) يقول:
((محمد عن أحمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبدالله – عليه السلام – قال: سألته عن الأرض على أي شيء هي ؟ قال: على حوت ! قلت: فالحوت على أي شيء هو؟ قال: على الماء. قلت: فالماء على أي شيء هو ؟ قال: على صخرة ! قلت: على أي شيء الصخرة؟ قال: على قرن ثور أملس ! قلت: فعلى أي شيء الثور؟ قال: على الثرى! قلت: فعلى أي شيء الثرى؟ فقال: هيهات، عند ذلك ضل علم العلماء. ))
ولا يحتاج بيان خرافة هذه الرواية الى مزيد توضيح أو نقد.
ويروي الشيخ الكليني في روضة الكافي رواية أخرى ترتبط بالرواية السابقة ويذكر فيها علة وقوع الزلزلة، وهذه الرواية هي:
((علي بن محمد، عن صالح، عن بعض أصحابه، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبدالله – عليه السلام – قال: إن الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه أنه إنما يحمل الأرض بقوته ! فأرسل الله تعالى اليه حوتا اصغر من شبر أكبر من فتر، فدخلت في خيا شيمه، فصعق، فمكث بذلك أربعين يوما ثم إن الله عزوجل رأف به ورحمه وخرج. فاذا أراد الله – جل و عز – بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت الى ذلك الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض.
وبالرغم من أن هذه الرواية لا تحتاج لاثبات بطلانها الى مزيد توضيح كما في الرواية الأولى ولكننا نذكر أنه لا يعلم أن ((صالح)) الوارد في الرواية من هو؟ لأن عبارة (بعض اصحابه) الواردة في سند هذا الحديث تحكي عن مجهولية رجال السند.
9 – ويروي الشيخ الكليني في روضة الكافي أيضا:
((عنه (علي بن محمد) عن صالح، عن الوشاء، عن كرام، عن عبدالله بن طلحة قال: سألت أبا عبدالله – عليه السلام – عن الوزغ فقال: رجس وهو مسخ كله! فاذا قتلته فاغتسل. فقال: إن أبي كان قاعدا في الحجرة ومعه رجل يحدثه فاذا هو بوزغ يولول بلسانه، فقال أبي للرجل: أتدري ما يقول هذا الوزغ ؟ قال: لا علّمني بما يقول: قال: فإنه يقول: والله لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لاشتمن علياً حتى يقوم هيهنا ! قال: وقال أبي: ليس يموت من بني أمية ميت إلا مسخ وزغا... الحديث!
وفي سند هذه الرواية نقرأ اسم ((كرّام)) الذي هو ((عبدالكريم بن عمرو)) الذي يقول عنه النجاشي في كتابه أنه واقفي المذهب ((رغم أن المامقاني يدافع عنه)) والراوي الآخر هو ((عبدالله بن طلحه)) الذي يقول عنه المامقاني: لم نقف فيه على مدح.
واما متن الرواية فيدل على أن الوزغ ناصبي ومعادٍ لاميرالمؤمنين ولكن كيف نال هذا الحيوان هذه الدرجة من الادراك لعقائد الناس بحيث يتدخل في المسائل التاريخية ويجادل في قضية خلافة عثمان بن عفان ويدافع عنه ؟ألا ينبغي أن تكون هذه الرواية مصدر استغراب وتعجب لدى العقلاء؟ ولكن اذا تقرر أن يكون الحمار راويا ومحدثا فلا بأس بأن يكون الوزغ مؤرخا ومتكلما أيضا.
ويا ليت المسأله انتهت عند الوزغ فحسب. فالروايات امتدت في تعميق هذه الخرافة في أوساط الشيعة أن العصفور مثلامن المخالفين ومن أهل السنة والقبّرة من الشيعة، بل ورد في الروايات أن صنفاً واحداً من الحيوانات والطيور قد يكون فيه الشيعي والسني، من قبيل ما ورد أن الامام الصادق (ع) كان يتحدث مع اصحابه إذ نزلت عصافير على مقربة منه فناولها الامام بعض الحب وفتات الخبز، وبعد هنيئة حطت عصافير اخرى في ذلك المكان فما كان من الامام الا أن انتهرها وزجرها فطارت، ولما سئل عن سبب ذلك قال بأن العصافير الاولى كانت موالية لنا والطائفة الثانية كانت موالية لغيرنا!!
ومن هنا سرت الخرافة الى عقول الشيعة حتى أن بعض الفضلاء كان يحدثني في الطريق بين قم وطهران عن أحد العلماء المعاصرين وكان يثني عليه أنه شديد الولاية لأهل البيت (ع)، ومن جملة افكاره الولائية ومعتقداته الشيعية أنه كان يرى أن هذه الصحراء (وأشار بيده الى الصحراء بين قم وطهران) هي سنّية في الاصل ولهذا فهي مجدبة وقاحلة، بينما الجبال الواقعة في شمال ايران شيعية ولذلك أصبحت خضراء يانعة مليئة بالغابات والمناطق الجميلة!!
أقول: اذا كان هذا هو حال العلماء فكيف بالعوام؟!
10 – ويروي الشيخ الكليني في اصول الكافي في باب ((مجالسة أهل المعاصي)) رواية لا اشكال في سندها ظاهرا ولكن متنها لا ينسجم مع آيات القرآن الكريم فلابد من القول ببطلانها وخاصةٍ أن بعض الاعلام استند عليها في مقام الاستدلال، وهذه الرواية هي:
((محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داوود بن سرحان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم واكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس ولايتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة. ))
لا شك أن أهل البدع يستحقون الذم واللوم والتقريع، ولكن لا سبيل الى البهتان والاتهام لأن ذلك حرام شرعا وعقلا، حيث يقول القرآن الكريم: ((ولا يجر منكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا)) المائدة – 8
وثانيا: أن العقل يحكم بأن اتهام اهل البدع وبهتانهم لا يعود بنتيجة حسنة على المؤمنين لأنه من المحتمل أن يأتي يوم ويفتضح امر هذا البهتان أمام الناس ويؤدي الى فضيحة قائله وكذبه وبالتالي انعدام الثقة به بين الناس، وهذا يعود على أهل الحق بالضرر اكثر من أهل البدعة. مضافا الى أن سب المخالفين والمبتدعين يؤدي الى تجرئهم على أهل الحق وشتمهم للمقدسات أيضا حيث يقول القرآن الكريم في ذلك: ((ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدوا بغير علم)) الانعام، 108
والجدير بالذكر أن بعض شراح الكافي فسروا عبارة ((باهتوهم)) الواردة في هذه الرواية بقولهم: أي اجعلوا أهل البدع حيارى بقوة البرهان والدليل ولكن هذا المعنى لا يتناغم مع مفاهيم المفردات العربية، لانه رغم أن الفعل الثلاثي المجرد ((بهت)) بمعنى دهش وسكت متحيرا، ولكن هذا الفعل هو من باب ((مفاعلة)) وقد جاء بصورة ((باهته)) بمعنى حيّرة وأدهشه بما يفترى عليه من الكذب. أجل، فلا يمكن الدفاع عن المقدسات والدين الالهي بأدوات الكذب والدجل والبهتان لأهل البدع وتوقع الثواب من الله تعالى، بل يكون الدفاع بالبرهان والدليل فان ((الغايات لا تبرر الوسائط)).
11 – ويروي الكليني في الكافي ج2، حديثاً عن أميرالمؤمنين (ع) أنه قال:
((والذي بعث محمداً (ص) نبياً بالحق وأكرم أهل بيته ما من شيء تطلبونه من حرز من حرق أو غرق أو سرق أو افلات دابة من صاحبها أو ضالة أو آبق الا وهو في القرآن، فمن أراد ذلك فليسألني عنه، قال: فقام اليه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين أخبرني عما يؤمن من الحرق والغرق؟ فقال: إقرأ هذه الآيات ((ألله الذي أنزل الكتاب وهو يتولى الصالحين)) ((وما قدروا الله حق قدره – الى قوله – سبحانه وتعالى عما يشركون)) فمن قرأها فقد أمن الحرق والغرق – قال: فقرأها رجل واخطر من النار في بيوت جيرانه وبيته وسطها فلم يصبه شيء – ثم قام له رجل آخر فقال: يا أميرالمؤمنين إن دابتي استصعبت عليّ وأنا منها على وجل فقال: إقرأ في اذنها اليمنى ((وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها واليه ترجعون)) فقرأها فذلت له دابته – وقام اليه رجل آخر فقال: يا أميرالمؤمنين إن أرضي مسبعة وإن السباع تغشى منزلي ولا تجوز حتى تأخذ فريستها فقال: إقرأ ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فان تولوا فقل حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)) فقرأها الرجل فاجتنبته السباع. ثم قام اليه آخر فقال: يا أميرالمؤمنين إن في بطني ماء أصفر فهل من شفاء؟ فقال: نعم بلا درهم ولا دينار ولكن اكتب على بطنك آية الكرسي وتغسلها وتشربها وتجعلها ذخيرة في بطنك فتبرأ باذن الله عزوجل ففعل الرجل فبرأ باذن الله – ثم قام اليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الضالة فقال: أقرأ يس في ركعتين وقل: يا هادي الضالة رد عليّ ضالتي – ففعل فردّ الله عزّوجلّ عليه ضالّته – ثمّ قام إليه آخر فقال: يا أميرالمؤمنين أخبرني عن الآبق فقال: اقرأ ((أو كظلمات في بحر لجيّ يغشاه موج من فوقه موج – إلى قوله -: ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور فقالها الرجل فرجع اليه الابق ثم قام اليه آخر فقال: يا أميرالمؤمنين أخبرني عن السرق فإنه لا يزال قد يسرق لي الشيء بعد الشيء ليلا؟ فقال له ؟ اقرأ إذا أويت الى فراشك قل ادعوا الله أو ادعوا الرّحمن أيّاما تدعوا إلى قوله: وكبّره تكبيرا ثم قال أميرالمؤمنين (ع) من بات بأرض قفر فقرأ هذه الآية ((إنّ ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش إلى قوله: تبارك الله رب العالمين حرسته الملائكة وتباعدت عنه الشياطين قال: فمضى الرّجل فاذا هو بقرية خراب فبات فيها ولم يقرأ هذه الآية فتغشاه الشيطان وإذا هو آخذ بخطمه فقال له صاحبه: أنظره واستيقط الرّجل فقرأ الآية فقال الشيطان لصاحبه: أرغم الله أنفك أحرسه الآن حتى يصبح، فلمّا أصبح رجع الى أميرالمؤمنين (ع) فأخبره وقال له: رأيت في كلامك الشفاء والصدق، ومضى بعد طلوع الشمس فاذا هو بأثر شعر الشيطان مجتمعا في الارض ))
هذا الحديث الى درجة من وضوح البطلان والزيف بحيث لا حاجة الى البحث في سنده (وان كان سنده لا يخلو من قوة لدى أصحاب الرجال سوى أن محمد بن يحيى يروي عن الضعاف). وفي اعتقادي أن أحد الاسباب المهمة لتخلف المسلمين هو وجود مثل هذه الروايات الخرافية التي كرّست في المسلمين روح التواكل والكسل والتمسك بالقضايا الغيبية لحل المشاكل الفردية والاجتماعية التي يواجهها الانسان في حركة الحياة والواقع، فبدلا من البحث العلمي لاكتشاف المرض ومعالجته بالطرق العلمية يتمسك المسلم بهذه الرواية لعلاج وجع البطن وما عليه الا أن يقرأ آية معينة حتى يشفى بدون أن ينفق في ذلك درهما أو دينارا كما تقول الرواية، وإن لم تؤثر قراءة الآية في شفائه كما هو المتوقع، فهو من قضاء الله وقدره وبسبب ذنوب الانسان واعماله!! ثم إن مثل هذه الروايات تستبطن إهانة كبيرة للقرآن الكريم وتؤدي الى ابتعاد الناس عنه بعد أن يرون عدم تأثير هذه الآيات في نيل مرادهم والحصول على مقصودهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو أن هذه الرواية تقرر نتيجة العمل بكل ما ورد فيها من تفاصيل وكأن الراوي قد صحب كل واحد من هؤلاء الرجال وبقي عنده أشهر أو سنوات وبان له تأثير قراءة هذه الآيات في دفع الشر والمرض عنهم لا سيما وأن بعض هؤلاء الرجال كان قد قدم على أميرالمؤمنين (ع) من منطقة صحراوية بعيدة كما يظهر من قوله ((يا أميرالمؤمنين إن أرضي أرض مسبعة.. )) ومعرفة تأثير قراءة الآية لا يتحقق بيوم أو يومين لأن الرواية لم تقل أن السبع كان يأتيه في كل يوم والا لنفذ ما عنده من أنعام ودجاج، وهكذا في الرجل الذي لم يحترق بيته حيث يستلزم أن الراوي ذهب الى تلك المنطقة – وبقي هناك مدة طويلة لأن من غير الطبيعي أن يحدث الحريق غداة ذلك اليوم الذي سأل فيه ذلك الرجل أميرالمؤمنين (ع) عن آية تؤمنه من الحرق وكأنه كان يعلم بوقوع الحريق بعد يوم أو أيام قلائل في محلته !! وتتضاعف المهزلة عندما تحدث الراوي عن الرجل الذي ذهب لوحده الى قرية خراب فبات فيها ولم يقرأ هذه الآية فتغشاه الشيطان ثم قرأها فحرسه الشيطان ولكن كيف سمع الرجل أو الراوي صوت الشيطان وهو يتحدث مع صاحبه ؟ وكيف يؤمر الشيطان بحراسة الرجل مع أن أميرالمؤنين (ع) يقول في الرواية (وتباعدت عنه الشياطين) ؟ وكيف يرى أثر شعر الشيطان على الأرض (على فرض أن الشيطان له شعر) والقرآن الكريم يصرح بعدم امكان رؤية الناس له إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونه ولماذا سقط شعر الشيطان على الأرض ؟! فذلك ما لم يذكره لنا الراوي لهذه الرواية..
12 – ونقرأ ما أورده الكليني في كتابه ((الكافي)) من روايات عجيبة وغريبة في علم الأئمة وأنهم يعلمون بما كان وبما يكون الى يوم القيامة وأن عندهم علوم الأنبياء جميعا وأن عندهم الصحيفة والجفر وما الى ذلك، وعلى سبيل المثال ما ذكره في باب ((أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والاوصياء الذين من قبلهم )) الحديث 1: قال: ((.. عن عبدالله بن جندب أنه كتب اليه الرضا (ع): أما بعد فان محمداً (ص) كان أمين الله في خلقه فلمّا قبض (ص) كنا أهل البيت ورثته، فنحن أمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الاسلام وإنا لنعرف الرجل اذا رأيناه بحقيقة الايمان وحقيقة النفاق وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا، ليس على ملّة الاسلام غيرنا وغيرهم، نحن النجباء النجاة ونحن افراط الانبياء ونحن أبناء الاوصياء ونحن المخصوصون في كتاب الله عزوجل ونحن أولى الناس بكتاب الله ونحن أولى الناس برسول الله (ص) ونحن الذين شرع الله لنا دينه فقال في كتابه: ((شرع لكم (يا آل محمد) من الدين ما وصى به نوحا (قد وصّانا بما وصّى به نوحا) والذي أوحينا إليك (يا محمد) وما وصّينا به ابراهيم وموسى وعيسى (فقد علّمنا وبلّغنا علم ما علّمنا واستودعنا علمهم، نحن ورثة اولى العزم من الرّسل) أن أقيموا الدين (يا آل محمد) ولا تتفرّقوا فيه (وكونوا على جماعة) كبر على المشركين (من اشرك بولاية علي) ما تدعوهم اليه (من ولاية علي) إن الله (يا محمد) يهدي إليه من ينيب)) من يجيبك الى ولاية علي (ع).
وفي هذا المجال أيضا يروي الكليني حديثا آخر في باب: فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة (الحديث:1) قال الراوي (أبو بصير): ((دخلت على أبي عبدالله (ع) فقلت له: جعلت فداك إني أسالك عن مسألة ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبوعبدالله (ع9 سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال يا أبا محمد: سل عمّا بدالك، قال: قلت: جعلت فداك ان شيعتك يتحدثون أن رسول الله (ص) علّم عليّا (ع) بابا يفتح له منه ألف باب؟ قال: فقال: يا أبا محمد: علّم رسول الله (ص) عليا (ع) ألف باب يفتح من كل باب ألف باب قال: قلت: هذا والله العلم، قال: فنكت ساعة في الارض ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك قال: ثم قال: يا أبامحمد، وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة ؟ قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة، قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله (ص) وإملائه من فلق فيه وخط عليّ بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس اليه حتى الأرش في الخدش وضرب بيده اليّ وقال: تأذن لي يا أبامحمد؟ قال: قلت: جعلت فداك انما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا، قال: قلت: هذا والله العلم ! قال: إنه لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر؟ قال: قلت: وما الجفر ؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني اسرائيل، قال: قلت: إن هذا هو العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة (ع) وما يدريهم ما مصحف فاطمة (ع) قال: قلت: وما مصحف فاطمة (ع) قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وما هو بذاك، ثم سكت ساعة ثم قال: إن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن الى أن تقوم الساعة، قال: قلت: جعلت فداك هذا والله هو العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك، قال: قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم ؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء الى يوم القيامة))
لا ندخل في مناقشة رجال السند في روايات هذا الباب لاختلاف العلماء في وثاقة أو ضعف الرواة في كل واحدة منها فبينما يرى المجلسي في مرأة العقول صحة هاتين الروايتين، يرى البهبودي عدم صحة جميع روايات هذين البابين، ولكن المشكلة ليست في السند. بل لما تتضمنه هذه الروايات من دجل وافتراء ومعارضة للقرآن الكريم والعقل السليم. بل معارضة للروايات التي أوردها الكليني نفسه بعد عدة صفحات من كتابه المذكور في باب ((لولا أن الأئمة (ع) يزدادون لنفذ ما عندهم)) وعلى سبيل المثال يروي الكليني في هذا الباب عن صفوان بن يحيى قال: ((سمعت أبا الحسن (ع) يقول: كان جعفر بن محمد (ع) يقول: لو لا أنا نزداد لأنفدنا))
ويروي أيضا عن المفضل عن أبي عبدالله (ع) قال: ((ما من ليلة جمعة الأ ولأولياء الله فيها سرور.قلت: كيف ذلك جعلت فداك؟ قال: اذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله (ص) العرض ووافى الأئمة (ع) ووافيت معهم فما أرجع الا بعلم مستفاد ولولا ذلك لنفد ما عندي))
نلاحظ هنا أن الكليني نسي ما ذكره قبل صفحات من علم الأئمة بما كان وما يكون الى يوم القيامة وأنهم ورثة النبيين والأوصياء جميعا ليقرر بعدها أن علم الامام عرض للزوال في كل أسبوع!! ولو لم يسافر الى العرش ويسترفد من العلوم والمعارف الغيبية لنفد ما عنده. فلسائل أن يسأل: اذن أين الجفر ومصحف فاطمة الذي فيه ثلاثة أضعاف القرآن الكريم والذي تدعي رواية الكافي أنه موجود عند الأئمة؟! وما هي حقيقة هذا العلم الذي ينفد في كل أسبوع مرة ونحن نرى أن علماء الاسلام وجميع علماء الارض لا يحتاجون في بقاء علومهم الى الصعود الى العرش للتزود منه ولم نسمع من أحدهم أن علمه قد نفد لمدة اسبوع! هذا أولا...
وثانياً: إن مثل هذه الروايات تخالف صريح القرآن الكريم. مثلا نقرأ في الرواية الاولى أن الرضا (ع) يقول (وفي الحقيقة أن الراوي الكذاب يقول ذلك وينسبه الى الامام الرضا (ع) ): ((عندنا علم البلايا والمنايا)) وهذا المعنى يخالف قوله تعالى: ((وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت))
وتقول الرواية: ((وإنا لنعرف الرجل اذا رأيناه بحقيقة الايمان وحقيقة النفاق)) وهو خلاف قوله تعالى: ((وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم)) فهل يعقل أن الله تعالى قد حجب عن رسوله العلم بمن حوله من المنافقين ورزق هذا العلم لذريته!؟
وتقول الرواية: ((ونحن المخصوصون في كتاب الله)) والله تعالى يقول في موارد عديدة من كتابه الكريم أن هذا القرآن ((بيان للناس)) ((هدى للناس)) ((وما أرسلناك الا كافة للناس)) ولم يقل للأئمة خاصة!!
ثالثاً: إن الرواية المذكرة ولغرض دعم وجهة النظر السابقة في تخصيص القرآن بأهل البيت، استدلت بالآية (13) من سورة الشورى موحية بنوع من التحريف المعنوي، وهي قوله تعالى: ((شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا.. )) على أساس أن قوله ((شرع لكم)) خطاب للأئمة من أهل البيت (ع) كما تنص الرواية المذكورة، فاذا علما أن سورة الشورى مكية وقد نزلت في وقت لم يتزوج فيه الامام علي (ع) من فاطمة الزهراء (ع) ولم يكن هدف القرآن حينذاك تقرير مسألة الامامة والولاية للامام علي (ع) ليكون المراد من المشركين في الآية الشريفة هم المشركون بولاية أهل البيت (ع) بل المشركون في مكة الذين كانوا على خلاف مع رسول الله (ص) في مسألة الوحي لا الامامة. حنيئذ نعلم جيدا زيف هذه الرواية وأن غرض الراوي الكذاب لم يكن سوى إلهاء الناس عن الرجوع الى القرآن وصرفهم عن المصدر الاساس للوحي والدين الى أجواء الروايات التي يكثر فيها الدجل والخرافة وبالتالي يتمكن الغلاة وقوى الانحراف من تأويل آيات القرآن الكريم حسب مشتهياتهم والتلاعب بعقول المسلمين والشيعة خاصة ونسبة هذه الأقاويل والاكاذيب الى الائمة (ع) !!
ثم تستمر الرواية بالقول ((ولا تتفرقوا فيه (وكونوا على جماعة)) كبر على المشركين (من أشرك بولاية علي) ما تدعوهم اليه (من ولاية علي).. )) فاذا علمنا أن الأئمة من أهل البيت كانوا يمارسون الامامة واحدا بعد الآخر فما معنى هذه التوصية لهم بعدم التفرق والكون على جماعة؟ ومتى كان النبي (ص) وهو في مكة يدعو الناس الى ولاية علي بن ابي طالب (ع) وهم لم يؤمنوا بعد برسالته ونبوته؟!
ثم إن الرواية تقرر مبدأ الجبر الباطل بالضرورة لدى جميع العلماء حيث تقول ((وإن شيعتنا لمكتوبون باسمائهم وأسماء آبائهم أخذ الله علينا وعليهم الميثاق.. ليس على ملة الاسلام غيرنا وغيرهم! )) فجميع المسلمين كفار ومرتدين ما عدا الشيعة !! كما تقرره هذه الرواية المزيفة.
رابعا: نصل الى فقرة غريبة اخرى من روايات هذا الباب، وهي أن الأئمة ((ورثة)) النبي أو الوحي، وهنا يحق لنا أن نتساءل عن المراد من ((الارث)) في هذا المورد وهل يعقل أن يرث انسان العلم من غيره؟! لقد وردت هذه المفردة في القرآن الكريم تارة بمعنى إرث الاموال ((الآية 233 من سورة البقرة)) وهو غير مقصود الرواية قطعا، واخرى وردت في مورد أهل الجنة الذين يرثون الفردوس (كالآية 43 من سور الأعراف و105 من سورة الانبياء) وثالثة في مورد زوال قوم من البشر ومجيئ قوم آخرين مكانهم كما في وراثة بني اسرائيل أرض فلسطين (الاعراف: 137) لأن الارض لله يورثها من يشاء من عباده (الاعراف: 128)، ورابعة في مورد الملك (كما في الآية 16 من سورة النمل) حيث تقول الآية ((وورث سليمان داود.. )) وكان السائد في الحكومات الملكية أن منصب الملك ينتقل بعد وفاة الأب الى ابنه. ويحتمل أيضا أن يكون المراد وراثة مقام النبوة حيث إن داود وسليمان من الأنبياء. فاذا علمنا أن جميع هذه الموارد لا تعقل بالنسبة الى ميراث الأئمة من النبي الاكرم (ص) حيث لا نبي بعده، ولم يكن ملكا فيرثه ذريته وليس مقصود الرواية ميراث الأرض أو الجنة، اذن فما معنى كون الائمة هم ورثة النبي (ص) وجميع الأنبياء؟! وما معنى أن النبي (ص) ورث علم الانبياء السابقين ثم أورثه ذريته والحال أن الفاصلة بينه وبين اولئك الانبياء تبلغ مئات السنين ولم يكن نبينا الكريم من ذرية انبياء بني اسرائيل، ولم يكن يعلم شيئا من علومهم قبل سن الاربعين، وبعد أن نزل عليه الوحي استغنى به عن وراثة العلم؟! ثم كيف يرث الامام علي (ع) علوم النبي (ص) وهو ابن عمه وليس من ذريته، بل هو القائل بأن علمه بتعليم النبي (ص) ((علمي رسول الله الف باب من العلم يفتح لي من كل باب الف باب)) وليس عن طريق الميراث؟ نعم اذا كان المراد من ميراث العلم وراثة القابلية الذهنية والاستعداد النفسي أو وراثة الكتب التي فيها العلوم النبوية فهو أمر معقول. الا أنه لا يختص بالائمة فقد يوجد الكثير من الناس ممن يتمتعون بهذه القابلية.
أما الكتب فنعلم أن رسول الله لم يخلف كتابا سوى القرآن، وكذلك يرد الاشكال في كيفية توريث ابن العم (علي بن ابيطالب) هذه القابلية والذكاء. أو في كيفية وراثة الأئمة علوم الانبياء جميعا وبين الطائفتين (الانبياء والأئمة) مئات السنين مع العلم بانهم (الائمة ) ليسوا من ذراري الانبياء؟ فان كان العلم المذكور مجرد الهام الالهي للائمة كما تصرح به بعض روايات الكافي (باب 201 أن الائمة اذا شاؤوا أن يعلموا علموا، وأنهم يزدادون كل ليلة جمعة) فما الحاجة بعد ذلك الى وراثة العلم من الانبياء والاوصياء السابقين؟ وما حاجة النبي (ص) مع وجود الوحي الى علوم الانبياء عن طريق الميراث ولا سيما أن الروايتين (3) و (4) من هذا الباب تصرحان بأن نبينا الكريم (ص) قد ورث سليمان وان سليمان ورث داود (إن سليمان ورث داود وإن محمدا ورث سليمان وإنا ورثنا محمداً)؟
وتستمر روايات الكافي في استغراق مثل هذه الخرافات والاكاذيب حتى أنها تصرح (في الباب 95 ما عند الائمة من آيات الانبياء عليهم السلام) بأنهم ورثوا عصا موسى وأنها تنطق اذا استنطقت وقد أعدت للقائم (ع) يصنع بها ما كان يصنع موسى وكذلك ألواح موسى وخاتم سليمان وحجر موسى الذي كان يضربه فينبع منه الماء وقميص يوسف الذي كان لابراهيم (ع) عندما القي في النار فلم يصبه اذى ببركة هذا القميص الذي أتى به جبرئيل من الجنة.. الى غير ذلك من الخزعبلات التي أوردها رواة الشيعة الكذابون لاخفاء هالة موهومة من عنصر الغيب على الائمة (ع) والحال أن كل عاقل يفهم أن عصا موسى أو قميص يوسف وخاتم سليمان وامثالها لم تكن تحوي عناصر القوة والاعجاز لدى الانبياء بل إن الله أجرى المعجزة للانبياء بواسطتها حيث يقول تعالى: ((قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم)) الانبياء: 69.
وليس لقميص ابراهيم دخل في حمايته من النار. وهكذا الحال في عصا موسى وخاتم سليمان ولكن القصاصين والدجالين أبوا ألا أن ينسجوا حول هذه الادوات والملابس قصصا وأساطير ليوحوا الى أوليائهم أن الائمة يتمتعون بعلوم غريبة وقدرات خارقة لا تتيسر لأحد من البشر!!
خامساً: أما الرواية الثانية وكذلك روايات هذا الباب (الباب 98 وفيه 8 روايات) الذي يتضمن ذكر الجفر والجامعة ومصحف فاطمة (ع) فانها تدل بوضوح تام على عدم انحصار الوحي بالنبي الاكرم (ص) وتتناقض مع خاتمية الرسالة حيث نقرأ فيها أن جبرئيل كان يحدث فاطمة بعد وفاة النبي (ص) وكان الامام علي (ع) يملي احاديث جبرئيل هذه، أو أن الائمة محدثون بواسطة الملائكة في حين أن الامام علي نفسه يقول في نهج البلاغة وهي ينعى رسول الله (( لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والانباء وأخبار السماء)) فان لم يكن مصحف فاطمة يتناول أخبار السماء والغيب بل أحكام الشريعة والدين – كما رجحه بعض الفقهاء والاعلام – فكان الاجدر بفاطمة أن تأخذها من أبيها في حال حياته وحينئذ فلا معنى لنزول جبرئيل عليها بعد وفاء ابيها ليملي عليها كتابا أكبر من القرآن بثلاث مرات...
ثم ما معنى أن لا يكون في هذا المصحف ولا كلمة من كلمات القرآن كما تقول الرواية ؟ الا يوجد فيه ذكر لكلمة: الله. العدل. الظلم، السماء، الماء، الخير، الشر وامثال ذلك من الكلمات الموجودة كلها في القرآن الكريم؟!
والمشكلة الاخرى التي تواجه هذه الرواية هي أنها تقرر أن علوم الائمة مقتبسة من هذه الكتب، بل نقرأ في كتاب المواريث (فروع الكافي، ج 7، ص 3) أن زرارة يسأل الامام الباقر (ع) عن سهم الارث للجد، فيطلب منه الامام أن يمهله الى غد ليقرأ هذا الحكم الشرعي من كتاب له: ((قال (ع): اذا كان غدا فالقني حتى اقرئك في كتاب قلت: أصلحك الله، حدثني فان حديثك أحب اليّ من أن تقرئينه في كتاب فقال لي الثانية: اسمع ما أقول لك، اذا كان غدا فالقني حتى اقرأه في كتاب)).
فهنا نرى أن الامام الباقر (ع) يصر على أن يقرأ الحكم الشرعي في كتاب له، وهذا المعنى يتعارض مع ما ذكره الكليني من روايات عديدة في الكافي من أن الائمة محدثون ملهمون وأن علمهم لدنّي يأخذونه كل ليلة جمعة من العرش أو من الهام الملائكة كما مر علينا في الروايات آنفاً!!
ثم إن الرواية تقول إن الامام مضافا الى ما لديه من الجعفر ومصحف فاطمة وما ورثه من علوم الانبياء والوصيين، أنه يعلم بما كان وما يكون الى يوم القيامة!! وهذا هو علم الغيب الذي استأثر به الله تعالى لنفسه ونفاه أهل البيت (ع) عن انفسهم في روايات عديدة يرويها الكليني نفسه في كتابه الكافي (ج1) في باب (نادر فيه ذكر الغيب) حيث ينتقل في الحديث (3) عن سدير أنه قال: ((كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبدالله (ع) اذا خرج الينا وهو مغضب فلما أخذ مجلسه قال: يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب. ما يعلم الغيب الا الله عزوجل لقد هممت بضرب جاريتي فلانة، فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي؟..))
فكيف يعقل أن يعلم الامام بما كان وما يكون الى يوم القيامة ولا يعلم مكان الجارية في الدار؟ بل إن الراوي للرواية محل البحث يكذب نفسه بنفسه، فعندما يسأل الامام: هل هاهنا أحد يسمع كلامي؟ فيقوم الامام برفع الستار بينه وبين الغرفة المجاورة ليرى هل هناك شخص آخر يسمع كلامهما: ((فرفع أبوعبدالله سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال: سل.. )) وتستمر الرواية هذه لتقول: إن الامام يعلم ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء الى يوم القيامة!! فكيف يحيط الشخص بكل هذا العلم الواسع وهو لا يعلم ماذا وراء الستر الى جانبه؟!.
ثم هل أن وصل علم الأئمة الى مراتب عظيمة بحيث فاق علم رسول الله (ص) الذي يقول عنه القرآن الكريم: ((وما ادري ما يفعل بي ولا بكم)) ((و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير)) ((ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان))
وفي مقطع من الرواية المذكورة أن ((الجامعة)) عبارة عن صحيفة فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج اليه الناس حتى الارض في الخدش وغمز الامام الراوي بيده وقال: حتى إرش هذا !! ويحق لنا أن نتسائل عن دية هذه الغمزة الخفيفة ما مقدارها؟ وأين هي في أحكام الشريعة؟ ولماذا لم يذكر الامام مقدارها؟ فاذا لم يذكر مقدارها إذن فما فائدة وجودها في الصحيفة المذكورة للامّة الاسلامية؟!
سادساً: وجاء في مقطع آخر من الرواية محل البحث أن الامام قال بأن لديه مصحف فاطمة وهو ثلاثة أضعاف القرآن وليس فيه حرف واحد من القرآن، ولكن الكليني نفسه الذي ينقل هذه الخرافات في كتابه الكافي، ينقل رواية أخرى في روضة الكافي عن ((أبي بصير)) من أصحاب الامام الصادق (ع) يقول فيها: ((... ثم أتى الوحي الى النبي (ص) فقال: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع من الله ذي المعارج)). قال: قلت: جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا. فقال (ع): هكذا والله نزل بها جبرئيل علي محمد (ص)، وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة))!! وأنت ترى أن هؤلاء الدجالين والرواة الكذابين يقررون تارة أن مصحف فاطمة ليس فيه شيء من كتاب الله، واخرى يوردون سورة المعارج بعد أن يدسوا فيها سمومهم ويدعون أنها موجودة في مصحفة فاطمة!!
وفي آخر الرواية نقرأ أن الامام يعلم بما كان وما يكون الى يوم القيامة، ثم يقول إن ذلك ليس بعلم، وعندما يسأله الراوي عن العلم أي شيء هو ؟ يقول: ((ما يحدث بالليل والنهار الامر بعد الأمر والشيء بعد الشيء الى يوم القيامة)) ونتساءل: ما الفرق بين هذا العلم وبين العلم بما كان وبما يكون الى يوم القيامة؟ من الواضح أنه لا فرق بينهما البته. ومن البديهي أيضا أن الامام (ع) لم يقل مثل هذا الكلام اطلاقاً، ولكن الراوي فضح نفسه بنفسه عندما أراد أن يثبت علوماً مختلفة وغريبة للامام.
والشيء الآخر عن مصحف فاطمة العجيب أن الامام يقول عنه في الرواية الثانية التي يرويها الكليني في هذا الباب: ((إن الله تعالى لما قبض نبيه (ص) دخل على فاطمة (ع) من وفاته الحزن ما لا يعلمه الا الله عزوجل فأرسل الله اليها ملكا يسلّي غمّها ويحّدثها، فشكت ذلك الى أميرالمؤمنين (ع) فقال: اذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك فجعل أميرالمؤمنين (ع) يكتب كما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا، قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه ما يكون)) وهنا نتساءل: اذا كان الملك يحدث فاطمة بما سيكون بعدها، ومن هذه الاخبار ما سيجري على ذريتها من المصائب والمحن كما تصرح الرواية الخامسة من هذا الباب من أن جبرئيل كان يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي يكتب ذلك. فهذا مصحف فاطمة – فهل يعقل أن يسلّي جبرئيل فاطمة (ع) بأن يذكر لها مصائب الحسين وزينب وما سيجري عليهم في كربلاء من القتل والأسر والسبي كل ذلك للتخفيف عن آلامها بمصاب أبيها (ص)؟!
هل ترتاح فاطمة لخبر مقتل ابنها الحسن (ع) بالسم ورمي جنازته بالسهام؟!
ثم اذا كان جبرئيل يأتيها لتسليها فلماذا تشكوه الى أميرالمؤمنين (ع) كما تقول الرواية ((فشكت ذلك الى أميرالمؤمنين))؟ واذا كان الامام علي (ع) يسمع صوت الملك ويكتب ما يقول فلماذا طلب من فاطمة أن تخبره بوقت مجيئه؟
ثم ألم يرد في المتواتر من الروايات أن جبرئيل ملك الوحي لم ينزل على أحد بعد رسول الله (ص)، فكيف نزل على فاطمة؟ ولماذا لم ينزل على أمير المؤمنين (ع) وهو أفضل من فاطمة وأجدر ان يعلم بما سيجري على الامة من بعد رسول الله (ص) لموقع الامامة؟ واذا كان يعلم بذلك من رسول الله (ص) فلماذا أخذ يكتب ما يقوله جبرئيل لفاطمة ؟ ولماذا طلب منها أن تخبره بوقت مجيئه ليسمع ما يقول الملك لها ؟ وهل يعقل أن يتضمن هذا الكتاب أو المصحف كل ما سيجري على الامة الاسلامية بعد وفاة الرسول (ص) كما تصرح الرواية الثامنة في هذا الباب: ((قال (ع): كنت أنظر في كتاب فاطمة (ع) ليس من ملك يملك (الارض) الا وهو مكتوب فيه باسمه واسم ابيه وما وجدت لولد الحسن فيه شيئا)). أم إنه من وضع دجالين الشيعة الذي كانوا يستخدمون سلاح الروايات في صراعهم مع ابناء الحسن (ع) والزيدية والمعتزلة الذين كانوا يدعون الناس الى اشخاص آخرين غير الأئمة (كمحمد بن عبد الله كما تقول الرواية السابعة من هذا الباب)؟
ومع غض النظر عن كل ذلك تثار هنا علامة استفهام اخرى جديرة بالتأمل وهي أن الأئمة لماذا لم يضعوا هذه الكتب المفيدة التي فيها الحلال والحرام بأيدي أصحابهم ليستنسخوا منها ما يحتاجون اليه وما تحتاج اليه الأمة من احكام الحلال والحرام كما وضع ائمة المذاهب الاسلامية الاخرى كتبا في الفقه والاصول والتفسير وما الى ذلك ؟ ولماذا هذا الاحتكار لأحكام الشرعية أو لعلوم الانبياء الماضين أو لما سيحدث في المستقبل ؟
لقد كنا نسمع أن أطباء اليهود فما يمضى كان أحدهم يحتكر علم الطب وصناعة الادوية ولا يعلّمه أو يطلع عليه أحد الا ابنه ليحتفظ بهذا الامتياز المهم لنفسه وذريته بين الناس وليبقى الناس محتاجون اليهم.. فهل يعقل أن يكون الامام المعصوم الذي يفترض أن يكون معلما للبشرية وحافظا لدين الله ومظهر الرحمة الالهية في عباده، حاله حال أطباء اليهود في كتمان العلم واحتكار المعرفة؟! الا تمثل هذه الروايات المزيفة إهانة لمقام الامام المعصوم (ع) وتكريسا للخرافة والدجل في أذهان العوام باسم مذهب التشيع؟
13 وينقل الكليني أيضا في كتابه ((الكافي)) ج1 في باب مولد الحسن بن علي (ع): رواية عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن أبي عبدالله (ع) (الحديث الخامس من هذا الباب) أنه قال: ((إن الحسن (ع) قال: إن لله مدينتين إحداهما بالمشرق والاخرى بالمغرب، عليهما سور من حديد وعلى كل واحد منهما الف ألف مصراع وفيها سبعون ألف ألف لغة يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبها وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما، وما عليهما حجة غيري وغير الحسين أخي)).
أخي القاريء: هذا هو كتاب الكافي الذي قرأت قبل قليل ثناء علماء الشيعة عليه وعلى مؤلفه بأنه أوثق رجال الشيعة وأعلمهم وأصدقهم وأنه رئيس المحدثين وحافظ الملة. وهذا الحديث الى درجة من وضوح البطلان أن المجلسي الذي فاق الجميع بذكر الخرافات والاكاذيب ينتقد بشدة هذا الحديث في كتابه ((مرآة العقول)) بعد أن أعجزه التأويل والتبرير ويقول عنه: ((هذه الكلمات شبيهة بالخرافات وتصحيح النصوص والآيات لا يحتاج الى ارتكاب هذه التكلفات والله يعلم حقائق الموجودات))
ثم هل يعقل أن يكون لمدينة من المدن بناها البشر سور من حديد فيه مليون باب أو نصف مليون باب (لكل باب مصراعان)؟! وكيف يتكلم هؤلاء بسبعين مليون لغة؟ فعلى فرض أن عدد سكان هذه المدينة سبعون مليون شخص وكل واحد يتكلم لغة لوحده، اذن فكيف يتفاهم مع الآخرين ؟ وما فائدة أن يعلم الامام الحسن (ع) سبعين مليون لغة ويعلم بكل ما في هاتين المدينتين؟ وما فائدة كونه حجة على سكان هاتين المدينتين ولم يأت اليه أحد منهما ليتعلم احكام الدين ولم يبعث الامام احدا من اصحابه لتعليم هؤلاء الملايين من البشر الشيعة أحكام دينهم أو على الاقل جباية الخمس والزكاة منهم؟!
أما سند الرواية ففيه ((يعقوب بن يزيد)) وهو كاتب لأحد أعوان بني العباس يسمى ((أبو دلف)) وقد أكثر من رواية الاحاديث الخرافية، وهو الذي ينقل الرواية المشهورة في ثواب زيارة الحسين (ع) في يوم النصف من شعبان عن الامام الصادق (ع) أنه قال: ((من زار قبر الحسين (ع) في النصف من شعبان غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر))
ويروي عن الامام الصادق (ع) أيضا: ((من زار قبر أبي عبدالله (ع) يوم عاشوراء عارفا بحقه كان كمن زار الله تعالى في عرشه))
فلو قبلنا أن ثواب الزيارة يبلغ درجة من العظم بحيث يغفر الله له جميع ذنوبه المتقدمة، فما بال الذنوب المتأخرة ؟ وكيف يعطي الامام (ع) ضمان لشيعته من العذاب مهما ارتكبوا من الذنوب واجترحوا من السيئات بمجرد زيارتهم لقبر الحسين (ع) يوم النصف من شعبان؟1 وما هو فرق هذه الزيارة مع صكوك الغفران التي ابتدعتها الكنيسة في العصور الوسطى وصارت مضرب المثل في الخرافة والدجل من قبل علماء الاسلام؟
ولا بأس هنا بالاشارة الى هذه الحقيقة المهمة،وهي أن أهل البيت (ع) طالما اشتكوا من هؤلاء الرواة والاصحاب بما لم يشتكوا من حكام الجور وأعوان الظلمة، فالمظلومية التي تعرض لها أهل البيت (ع) من هؤلاء الشيعة الكذابين والمغالين فاقت كل ظلامة واجهها الائمة (ع) حتى أن الامام موسى بن جعفر (ع) كان يقول:
((لو ميّزت شيعتي لم أجد الا واصفة (أي قول بلا عمل) ولو امتحنتهم لما وجدتهم الا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد، ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم الا ما كان لي. إنهم طال ما اتكؤوا على الأرائك فقالوا: نحن شيعة علي. إنما شيعة علي من صدّق قوله فعله))
وهكذا نرى أن أكثر الشيعة إنما نسبوا أنفسهم للتشيع بدوافع شخصية وأهواء نفسية فكانوا يطرحون تصوراتهم وعقائدهم من خلال ما ينسبونه الى أهل البيت (ع) من أحاديث موضوعة وروايات محرفة، ولو ألقينا نظرة على كتب الرجال وطالعنا سيرة الرواة وأصحاب الائمة لرأينا العجب العجاب من كثرة الدجالين والغلاة وأهل البدع وأصحاب المطامع الذين اتخذوا من صحبة الائمة ستارا وقناعا يسترون به مطامعهم ونواياهم وبذلك تمكنوا من توجيه ضربات مدمرة للدين والمذهب هذه الطريقة.
والأنكى من ذلك أن علماء الشيعة، الذين عرفوا هؤلاء الرواة والدجالين من خلال تحقيقات أصحاب الرجال والمؤرخين وطعنوا في رواياتهم وكتبهم، لا يمتنعون من نقل هذه الروايات بأسناد هؤلاء الكذابين والوضاعين في كتبهم بحيث أن القاريء الشيعي عندما يجد هذه الرواية في كتاب الشيخ المفيد أو الشيخ الطوسي يتصور أن هذه الرواية معتبرة ويلتزم بمضمونها في حين أن الشيخ المفيد نفسه أو الطوسي يعترف في مكان آخر بضعف سندها أو عدم اعتبار الكتاب الذي أخذ منه هذه الرواية، ومثال ذلك ما نراه من موقف علماء الشيعة من كتاب ((سليم بن قيس)) أو ((تفسير العسكري)) حيث يعترف المحققون منهم بعدم اعتبار هذين الكتابين وعدم الوثوق بأسنادهما، الا أنك ترى أن كتب هؤلاء المحققين لا تخلو من أحاديث مأخوذة من هذين الكتابين!!
14 وقد عقد الكليني بابا في الكافي تحت عنوان ((باب أن الائمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم)) ونقل فيه ستة أحاديث في هذا المجال مشحونة بالافتراء على أهل البيت (ع) ولا اعتبار لها سندا ولا دلالة، ولا يخفى أن العنوان المذكور ((لا يخفى عليهم الشيء)) لم يرد في روايات هذا الباب بل وضعه الكليني من عنده تشبيهاً للأئمة (ع) بما ورد في القرآن الكريم من وصف الله تعالى ((إن الله لا يخفى عليه شيء)) وعلى أية حال نقرأ في الحديث الأول من هذا الباب:
((عن سيف التمار قال: كنا مع أبي عبدالله (ع) جماعة من الشيعة في الحجر فقال: علينا عين ؟ فالتفتنا يمنة ويسيرة فلم نر أحداً فقلنا: ليس علينا عين. فقال: ورب الكعبة ورب البينة – ثلاث مرات – لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله (ص) وراثة))
ويقول أيضا في الحديث الثاني عن جماعة من أصحابنا أنهم سمعوا أبا عبدالله (ع) يقول:
((إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون، قال: ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه قال: علمت ذلك من كتاب الله عزوجل يقول: فيه تبيان كل شيء))
تقدم بعض الكلام عن علم الامام بما كان وما يكون الى يوم القيامة وأنه عبارة اخرى عن علم الغيب الذي نفاه الائمة (ع) عن أنفسهم لاختصاصه بالذات المقدسة، ولكن في هذا الباب يعود الكليني ليؤكد هذه المقولة الباطلة بعدة روايات اخرى تفوح منها رائحة الكذب وتكاد تزكم الانوف، فهذه الروايات، كما تقدم، مخدوشة سندا ودلالة...
أما السند: ففي رجاله نرى بعض الرواة الضعفاء المعروفين بالكذب والغلو من قبيل ((ابراهيم بن اسحاق الاحمر)) و((محمد بن سنان)) وغيرهما من الرواة، فالاول ((ابراهيم بن اسحاق الاحمر النهاوندي)) يقول عن الشيخ الطوسي في كتاب الفهرست أنه ضعيف ومتهم في دينه. وقال كل من الغضائري والنجاشي والعلامة الحلي إنه ضعيف. ولكن مع الاسف نرى أن رواياته التي يرويها في باب المزار كثيرة ومسطورة في المصادر الحديثية، مثلا يروي حديثا عن الامام الرضا (ع) أنه قال: ((من زارني على بعد داري ومزاري أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى أخلصه من أهوالها: اذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا، وعند الصراط، وعند الميزان )). وقلنا فيما سبق أن أهل البيت (ع) بعد أن رأوا كثرة الكذبة والدجالين من رواة أحاديثهم أمرونا بعرض أخبارهم على القرآن لأنهم لا يقولون شيئا خلاف قول الله عزوجل في كتابه، فما وافق كتاب الله أخذنا به، وما خالفه ضربنا به عرض الجدار. وهذا الحديث يخالف كتاب الله في العديد من آياته الشريفة حيث يقول تعالى عن يوم القيامة: ((يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله)).
ويقول: ((أفمن حق عليه العذاب أقانت تنقذ من في النار)).
ويقول: ((كل نفس بما كسبت رهينة)).
ويقول عن امرأتي نوح ولوط: ((فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا)) وغير ذلك من الآيات القرآنية التي تكشف عن زيف هذا الحديث الموهوم، ولكن ذهنية العوام من الشيعة تتمسك بأمثال هذه الاحاديث الموهموة باعتبارها صادرة من المعصومين (ع) ويتخذونها عقيدة دينية وكأنها من المسلمات، وهكذا يسري الانحراف في العقيدة الى عقول الناس.
الراوي الآخر هو ((محمد بن سنان)) قال عنه النجاشي في رجاله أنه: ضعيف جداً لا يعول عليه ولا يلتفت الى ما تفرد به، وقال النجاشي بأن الفضل بن شاذان قال: لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان.
أما الدلالة: فالحديث الاول يناقض بعضه بعضاً، فكيف يعقل أن يعلم انسان بما كان وما يكون الى يوم القيامة وفي نفس الوقت لا يعلم بما حوله من وجود جاسوس أو عدم وجوده بحيث يسأل من أصحابه: علينا عين ؟ فلما نظر أصحابه يمنة ويسره فلم يروا أحداً صرح بذلك التصريح الخطير؟! هذا أولا..
وثانياً: ليس من المعلوم أن موسى والخضر كانا يعلمان بما كان حتى يقول الامام في هذه الرواية: اعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن، وهناك شواهد من القرآن الكريم على أن موسى لم يدّع هذا الادعاء بل لم يكن يعلم بفتنة السامري لقومه حتى اخبره الله ((فانا قد فتنّا قومك من بعدك وأظلهم السامري))
وبعد أن رجع موسى الى قومه وشاهد انحرافهم غضب كثيرا وأخذ يوبخ اخاه هارون الذي قاله له: ((إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني))
بل إن النبي الاكرم (ص) نفسه لم يكن يعلم بما كان حتى أخبره القرآن والوحي ببعض الحوادث التي جرت على الامم والاقوام السالفة مع انبيائهم (غافر:78)
ثالثا: إن الله تعالى خاطب نبيه الكريم مرارا في القرآن بعبارة ((قل إن أدري)) و ((لا تدري)) و ((ما أدري)) فكيف تدعي الرواية أن رسول الله (ص) كان له علم ما كان وما يكون؟!
رابعاً: إن رسول الله (ص) كثيرا ما يؤخر جواب مسألة حتى ينزل عليه الوحي ويخبره بالجواب فكيف يكون له علم كان وما يكون؟
خامساً: تقدم فيما سبق أنه لا معنى لوراثة العلم الا عند الخرافيين.
سادساً: إن هذا الحديث وأمثاله يوجه إهانة كبيرة للامام المعصوم الذي يتعالى عن الانانيات واشكال الفخر بما أنعم الله عليه، وهل سمعنا أن رسول الله (ص) قد تفاخر يوما بمثل هذه المفاخرة ونسب لنفسه علم ما كان وما يكون الى يوم القيامة مع أنه أحوج ما يكون الى اظهار هذه النعمة ليصدقه الناس ويؤمنوا بنبوته؟ إذن فلماذا يتصدى الامام وبدون سؤال مسبق الى التعريف بنفسه وفضائله رغم صعوبة تصديق الناس له واحتمال حدوث أثر سلبي لذلك حسب ما ورد في الرواية الثانية أن الامام رأى أن هذا الكلام كبر على من سمعه من أصحابه فلجأ الى الاستشهاد بالقرآن الكريم؟!
سابعاً: هل يعقل أن الامام المعصوم يخطيء في قراءة آية من القرآن ولا يعرف تلاوتها مهما كانت قصيرة؟ فنحن نقرأ في الرواية الثانية أن الامام استشهد لكلامه بقول الله عزوجل ((فيه تبيان لكل شيء)) مع أن الآية الصحيحة الواردة في القرآن الكريم هي ((نزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)) ولاتوجد آية في القرآن تقول: ((فيه تبيان لكل شيء))؟!
ثامناً: أين العلم بما كان وما يكون في كتاب الله؟ وهل يوجد في القرآن الكريم مهما توغلنا في باطنه ومعانيه، اسماء جميع أهل الجنة وجميع أهل النار؟ وهل يسع كتاب مهما بلغ حجمه أن يسع في طياته أخبار جميع ما في السموات والارض منذ الازل وحتى آخر الدنيا؟! وأما قول القرآن الكريم من كونه ((تبيانا لكل شيء)) فالقرينة الحالية تقرر أن ((كل شيء)) هنا تتعلق بامور الهداية والتشريع والسير في خط الكمال المعنوي كما نقول عن مائدة أعدت للضيوف أن ((فيها كل شيء)) أي كل شيء يؤكل، فلا يتوقع السامع لهذا الكلام أن يجد في المائدة أدوات النجارة والخياطة وانواع السيارات ووسائل النقل!!                                     
الحوار المتمدن-العدد: 3969 - 2013 / 1 / 11 - 00:26


دوافع جعل الحديث عند الشيعة

إن الدوافع لجعل الأحاديث بين الشيعة تختلف عن الدوافع لجعل الأحاديث بين أهل السنة غالبا، واحيانا تتشابه هذه الدوافع، فأهل السنة ولكونهم لا يواجهون مشكلة من قبل الحكومات بل إنّ أغلب الحكومات الاسلامية كانت من أهل السنة، فان أحد الدوافع لخلق الأحاديث بينهم هو التقرب الى الخلفاء والسلاطين كما ذكر ذلك ((الخطيب البغدادي)) المتوفى عام 463 ه في تاريخ بغداد: أن ((ابو البختري)) وهب بن وهب القرشي دخل على خليفة زمانه هارون الرشيد عندما كان هذا الخليفة مشغولا باللعب بالطيور، فسأل هارون أبا البختري عن وجود حديث في هذا الباب، فقال ابو البختري فوراً:
حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي كان يطير الحمام.
فنظر اليه هارون الرشيد نظرة شديدة وقال له: أخرج من هنا. وبعد أن خرج ابو البختري قال هارون: لو لم يكن هذا الرجل من قريش لأمرت بعزله عن مقام القضاء. ومن الواضح أن هذا القاضي الطمّاع والكذاب قد وضع هذا الحديث لتأييد عمل الخليفة وادخال السرور على قلبه ليتقرب منه أكثر. وأما بين الشيعة فلا نجد مثل هذه الأحاديث للتقرب بها الى البلاط لأن الخلافة خرجت من أيديهم سوى مدة قليلة جدا من خلافة أمير المؤمنين وابنه الحسن، مضافا الى ان الامام علياً واولاده كانوا أعلم وأعلى من أن يأتي الوضاعون ليضعوا الأحاديث في مدحهم عند تصديهم لمقام الخلافة، ورغم ذلك فاننا نرى في عصر الأئمة ظهور بعض الأشخاص المنحرفين والمحبين للجاه والمقام أنهم كانوا يأتون الى الأئمة من أهل البيت ويجلسون في مجالسهم لينقلوا أحاديثهم ورواياتهم ليكتسبوا وجاهة ومنزلة عند الشيعة واتباع أهل البيت، وهذه الطائفة من الرواة عملوا على تحريف اقوال الأئمة بما يحلوا لهم، كما ذكر الكشّي ذلك في كتابه الرجال عن الامام الصادق أنه قال للفيض بن المختار:
((يا فيض ؛ إن الناس أولعوا بالكذب علينا كأن الله افترضه عليهم لا يريد منهم غيره ! وإني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير تأويله وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله وإنما يطلبون به الدنيا وكل يحب أن يدعى رأسا )).ومن أجل أن نعلم كيف فسر هؤلاء المغرضون أحاديث أهل البيت، نكتفي بذكر رواية عن ابي جعفر الكليني ((المتوفى سنة 328 أو 329 ه)) في اصول الكافي، باسناده عن محمد بن مارد أنه قال:
((قلت لأبي عبدالله عليه السلام:حديث روي لنا أنك قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت ! فقال: قد قلت ذلك. قال: قلت: وإن زنوا أو سرقوا او شربوا الخمر؟ فقال لي: إنا لله وانا اليه راجعون، والله ما انصفونا أن نكون اخذنا بالعمل ووضع عنهم، إنما قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره فانه يقبل منك. )) ولو تجاوزنا دوافع حب الرئاسة فان اقبح العلل لوضع الحديث والافتراء على عن الأئمة يتمثل في ((الغلو)) أو ((البغض)) لأهل البيت، كما أورد الشيخ الصدوق في كتابه ((عيون أخبار الرضا)) عن الامام الرضا قوله لابراهيم بن ابي محمود:
((إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام. أحدها الغلو وثانيها التقصير وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فاذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم الى القول بربوبيتنا واذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا واذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عزوجل: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم.))
ومن بين هذه الأنواع الثلاثة للروايات التي وضعها المخالفون لأهل البيت كما يقول الامام الرضا فانه ولحسن الحظ قلما نجد روايات ((التقصير)) في المصادر الحديثية، ولكن مع الأسف فان روايات الغلو واللعن المجعولة والمنسوبة الى أهل البيت موجودة بكثرة في مصادر الحديث ولابد من اتخاذ الحذر في ذكرها وقراءتها على الناس لصيانة الجيل الجديد من التورط في الانحراف في العقيدة. والدافع الآخر لوضع الحديث هو الدافع الديني والاهتمام بتديّن الناس والحرص على ترغيبهم بالدين. ولعل هذا الكلام يستوجب العجب ولكن مع الأسف فان هذا الدافع موجود في صفوف رواة الشيعة والسنة حيث وضعوا أحاديث كثيرة لهذا الغرض. ونقرأ في كتاب أهل السنة، أن رجلا يسمى ((نوح بن مريم المروزي)) المتوفى عام 173ه، سُئل عن حديث رواه عكرمة عن ابن عباس في ثواب السور القرآنية التي ينقلها نوح بن مريم هذا وأنه عمّن سمعها ومن أين جاء بها؟ فقال نوح بن مريم:
إني رأيت الناس قد اعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن اسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة (أي لطلب الثواب).
ويقول الشهيد الثاني ((زين الدين العاملي)): إن الأحاديث التي وردت في تفسير الواحدي الثعلبي والزمخشري في ثواب قراءة السور القرآنية ((جميعها من هذا القبيل والواضع لها قد اعترف بوضعه لهذه الأحاديث)).
واضيف أيضا أنه مع الأسف أن هذه الأحاديث موجودة في تفاسير الشيعة كذلك ومنها ((تفسير التبيان)) للشيخ الطوسي، وتفسير ((مجمع البيان)) للشيخ الطبرسي، وتفسير (روض الجنان وروح الجنان)) للشيخ أبي الفتوح الرازي، حيث يذكر الشهيد الثاني وآخرون أن أحد متصوفة عبادان قد جعل هذه الأحاديث، وتنسب هذه الأحاديث الموضوعة الى الصحابي المشهور ((ابن ابي كعب)) أنه سمعها عن رسول الله.
وقد كان نوح بن مريم وامثاله يضعون هذه الأحاديث في محيط أهل السنة ولكن هناك أحاديث وضعها الكذابون ودسوها في كتب الشيعة لتشويق الناس في احياء السنة كما يتصورون، ومن ذلك ما ورد في حديث في كتاب ((تفسير منهج الصادقين)) للملا فتح الله الكاشاني ((المتوفى عام 977 ه)) عن رسول الله أنه قال:
((من تمتع مرة كان درجته كدرجة الحسين ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن ومن تمتع ثلاث مرات كان درجته كدرجة علي بن ابي طالب ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي! ))
فهل هناك أقبح من تشويق الشيعة للمتعة بوضع حديث عن رسول الله في هذا الباب ورسول الله نفسه قال: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. ))
وقد يعتذر هؤلاء الوضاع لجعلهم الحديث وروايتهم له أن الكثير من العلماء أوردوا هذا الحديث في كتبهم. ولكن الحقيقة كما أوردها الشيعة والسنة عن رسول الهه والامام الصادق أنهما قالا:
((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)).
ومن الدوافع الأخرى لوضع الحديث هو التكسب، حيث كان هناك فئات من الناس يسمون بالمرتزقة، وهؤلاء كانوا يضعون الروايات والأحاديث ويكسبون بها أجرا، وعلى سبيل المثال نذكر هذه الواقعة: دخل يوما الى مسجد الرصافة في الكوفة المحدث المشهور أحمد بن حنبل ومعه يحيى بن معين، فشاهدا في المسجد رجلا يحدث الناس ويقول:
((حدثنا أحمد بن حنبل ويحيي بن معين قالا: حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم: من قال لا إله الا الله خلق الله تعالى من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان...! ))
ثم أن ذلك الرجل استمر في كلامه وأخذ يفصّل الحديث في ثواب ذلك العمل، وبعد أن انتهى من كلامه نظر ابن معين واحمد بن حنبل أحدهما الى الآخر وقال احمد ليحيى بن معين: هل نقلت هذا الحديث الى هذا الرجل ؟ فاجابه يحيى بن معين: اقسم بالله انني لم اسمع هذه الحكاية في حياتي سوى في هذا الوقت.
وفي ذلك الوقت اخذ ذلك الرجل أجره من الناس وبقي ينتظر عطاء الآخرين، فأشار له يحيى بن معين فتصور الرجل أنه يريد ان يعطيه مبلغا من المال فجاء اليه، فقال له يحيى بن معين: أنا يحيى بن معين وهذا الشخص هو أحمد بن حنبل ونحن لم نسمع من رسول الله أنه يقول هذا الحديث ولم ننقله اليك فلو كنت مضطرا للكذب فانسبه الى غيرنا. فقال: لقد سمعت أن يحيى بن معين رجل احمق ولكن لم يثبت ذلك لي الى اليوم.
فقال ابن معين: وكيف؟ فقال الرجل: لأنك تتصور أن ليس في الدنيا رجل يسمى بهذا الاسم غيرك وأن لا يوجد في الدنيا أحمد بن حنبل غير هذا الشخص في حين أنني أروي عن سبعة عشر رجلا باسم احمد بن حنبل ويحيى بن معين غيركما.
ويستفاد من الأحاديث القديمة الشيعية أن المرتزقة كانوا موجودين في صفوف الشيعة واتباع الأئمةولذلك ورد في الأحاديث الشريفة عن أهل البيت في أصول الكافي عن الامام الصادق (ع) أنه قال:
((من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب. ))
وكذلك أورد الشيخ الكليني في اصول الكافي عن الامام الباقر (ع) أنه قال لأبي ربيع الشامي:
((ويحك يا أبا الربيع لا تطلبن الرئاسة ولا تكن ذنبا ولا تأكل بنا الناس فيفقرك الله ولا تقل فينا ما لا نقول في أنفسنا فإنك موقوف ومسؤول... ))
وذكر المحدث المشهور الحسن بن شعبة ((من علماء القرن الرابع الهجري)) في كتابه ((تحف العقول عن آل الرسول)) عن الامام الصادق (ع) قوله:
((فرقة أبحونا وسمعوا كلامنا ولم يقصدوا عن فعلنا ليستأكلوا الناس بنا فيملأ الله بطونهم نارا)).
ويروي الشيخ أبو عمر والكشي في رجاله عن الامام علي بن الحسين أنه قال لقاسم بن عوف: ((إياك أن تستأكل بنا)).
ولا شك أن هؤلاء المرتزقة قد وضعوا أحاديث كثيرة لجلب نظر الناس ونسبوها الى الأئمة، ومع الأسف نجد أن بعض أهل المنبر يوردون الكثير من هذه الأخبار في باب شهادة الامام الحسين عليه السلام لتأمين معاشهم والارتزاق بذكر مصائب أهل البيت، وكما يقول المحدث المشهور الميرزا حسين النوري ((المتوفى عام 1320 ه)) في كتابه ((اللؤلؤ والمرجان)):
((الظاهر أن بعض اصحاب المنبر قد تبعوا الشيخ الصوفي العباداني، ولكن ذلك الشيخ كان يجعل الحديث بسبب ملاحظته عدم رغبة الناس لقراءة القرآن وتوهم أن هذا العمل نافع لترغيب الناس في تلاوة القرآن فهولم يقصد جلب المنفعة ولكن أصحاب المنبر هؤلاء يهدفون الى التكسب وتحصيل المال)).                  

الحوار المتمدن-العدد: 3946 - 2012 / 12 / 19 - 23:22


نقد أحاديث تفسير القرآن

إن تفسير القرآن الكريم يعد بين العلوم الاسلامية في المرتبة الأولى من حيث الأهمية، وقد استخدم علماء الاسلام مناهج متنوعة في تفسيرهم للقرآن الكريم، وأفضل منهج هو تفسير القرآن بالقرآن أي أن المفسر يسعى لرفع اجمال الآية أو ابهام مضمونها بالاستمداد بالآيات الأخرى لاستجلاء المعنى الحقيقي للآية الشريفة. وهذا هو المنهج الذي استخدمه رسول الله كما ورد في كتب التفسير عن معنى كلمة ((ظُلم)) في الآية 83 من سورة الأنعام. الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم... حيث استعان بالآية 13 من سورة لقمان إن الشرك لظلم عظيم حيث فسر الظلم بالشرك.
إن سياق سورة الانعام التي تحكي عن مناظرة ابراهيم الخليل (ع) مع المشركين تؤيد هذا التفسير أيضا. ومن هنا فأن رسول الله وبهذه الطريقة علّم المسلمين كيف يستخرجون مراد الآية الكريمة بالمقارنة مع الآيات الأخرى ويفهموا مقاصدها.
ولكن بعض محدثي الشيعة الذين يميلون الى ((الاخبارية)) سلكوا طريقا آخر لتفسير القرآن الكريم وهو ((تفسير القرآن بالروايات)) أي أن فهم الآيات لا يتسنى للمسلمين الا بالرجوع الى الروايات التفسيرية الواردة عن أئمة أهل البيت والاعتماد عليها مطلقا. وهذا المنهج يواجه اشكالا أساسياً، وهو أن الاحاديث المتواترة الواردة عن الأئمة تقرر عرض الحديث على القرآن الكريم لمعرفة صحته من سقمه لا أن تكون الأحاديث مفسرة بالقرآن الكريم. مضافا الى ذلك أن القرآن الكريم يفهم من خلال التدبر والا فكيف يكون هو المعيار لتشخيص الأحاديث الصحيحة من السقيمة؟ وبعبارة أخرى أن فهمنا للحديث الفلاني وأنه موافق للقرآن أم لا متفرع على فهمنا للقرآن الكريم بنفسه.
وقد وردت في القرآن الكريم تأكيدات كثيرة على مسألة التدبر في فهم الآيات الشريفة كما قال تعالى: كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب (ص/29) أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (محمد/24) أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (النساء/83) أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين (المؤمنون/68)...
ومع ذلك فأن بعض المحدثين من علماء الامامية الاخباريين اشتغلوا بجمع الروايات التفسيرية الصحيح منها والسقيم وكتبوا في تفسير القرآن بواسطة الروايات، ومن جملة هذه التفاسير تفسير علي بن ابراهيم القمي وتفسير محمد بن مسعود العياشي وتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني، وتفسير الوافي للفيض الكاشاني. هنا نذكر بعض النماذج من هذه الروايات التفسيرية المذكورة في الكتب الحديثية ونسعى لنقدها وبيان مخالفتها للقرآن الكريم، ومع الأسف فإنّ المصادر الروائية تتضمن أحاديث كثيرة من هذا القبيل.

نماذج من التفسير الروائي:
1 – جاء في تفسير علي بن ابراهيم القمي في ذيل الآية الشريفة إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها (البقرة/26)
((حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن المعلّى بن خنيس عن أبي عبدالله – عليه السلام – إنّ هذا المثل ضربه الله لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب فالبعوضة أميرالمؤمنين وما فوقها رسول الله والدليل على ذلك قوله: ((فاما الذين أمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم )) يعني أميرالمؤمنين كما أخذ رسول الله الميثاق عليهم ))
ونلاحظ على هذا التفسير العجيب:
أولا: إن معلى بن خنيس الذي يروي هذا الحديث عن الامام الصادق مباشرةً غير موثق لدى علماء الرجال، فالنجاشي يقول في حقه: هو ضعيف جدا لا يعول عليه. ويقول ابن الغضائري كما ينقل العلامة الحلي عنه: الغلاة يضيفون اليه كثيرا ولا أرى اعتمادا على شيء من حديثه. وعلى هذا الأساس فان معلى بن خنيس لو كان نفسه مورد ثقة أيضا فمع ذلك فالأحاديث التي يرويها مشكوك فيها لأنها وقعت في معرض التحريف. أما بالنسبة الى الراوي الثاني ((قاسم بن سليمان)) فحاله ليس أفضل من الراوي الأول، فالمامقاني يقول عنه: ((قد ضعف الرجل غير واحد)) )). فهل يبقى اعتبار لصدر الرواية بمثل هذا السند عن الامام الصادق (ع)؟
ثانيا: إن الآية محل البحث جاءت في مقام التحقير وبيان المورد التافه لا التجليل والتعظيم حيث تقول ان الله لا يستحي من أجل هداية الناس أن يمثل بشيء حقير وتافه كالبعوضة كما نقرأ في سور قرآنية أخرى التمثيل بالعنكبوت، فهنا يعد تمثيل الامام علي بالبعوضة نوعاً من الاهانة الصريحة لمقام هذا الامام العظيم وخاصّة أن المفسرين يرون أن عبارة ((فما فوقها)) المذكورة في الآية الشريفة تشير الى تفاهة البعوضة كما ذكر الشيخ الطبرسي ذلك في تفسير ((مجمع البيان)): قيل فما فوقها في الصغر والقلة لأن المعيار هاهنا الصغر. وهذا التفسير صحيح في نظرنا لأن الله تعالى الذي لا يستحي أن يمثل بموجود حقير كالبعوضة فبطريق أولى لا يستحي أن يمثل بموجودات أكبر منها كالأسد والجمل والفيل وامثال ذلك. فلا يبقى معنى لذكر هذا الموضوع في عبارة ((فما فوقها)) أما لو قلنا مثلا أن شخصا قال بأنني لا أستحي من اعطاء درهم لفقير فلا معنى لأن يقول أنني لا أستحي أيضا من اعطاء مال أكثر من هذا المبلغ، ولكنه يصح أن يقول إنني لا أستحي من اعطاء درهم فما دونه، أي أنني لا أستحي من اعطاء نصف درهم أو أقل.
ومع هذا التوضيح يكون مصداق ((فما فوقها)) هو رسول الله حسب هذا التفسير حيث أن مقام الرسول الأكرم (ص) يكون أقل وأدنى من مقام أميرالمؤمنين (ع)، فهذا المعنى مخالف لضروريات الاسلام وكلام علي بن ابي طالب نفسه.
مضافا الى ذلك فاننا نرى أن متن الرواية يشهد على كذب هذا التفسير ولا يثبت المدعى بأي وجه، فالامام (ع) أسمى من أن يكرر مدعاه حين الاستدلال فيكون مصادرة على المطلوب كما يقال، أما بقية الآية الشريفة فتقول: ((فاما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم)) فما هي علاقة هذا الكلام بمقولة أن المراد من البعوضة هو أميرالمؤمنين؟
2 – ورد في تفسير ((محمد بن مسعود العياشي)) في ذيل الآية الشريفة: يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم (البقرة/47)
عن هارون بن محمد الحلبي قال: سألت أباعبدالله عن قول الله: يا بني اسرائيل، قال: هم نحن خاصّة.
وفي ذيل هذه الرواية يقول: عن محمد بن علي عن ابي عبد الله قال: سألته عن قوله ((يا بني اسرائيل)) قال: هي خاصّة بآل محمد.
ثم يقول: عن أبي داوود عمّن سمع رسول الله يقول: أنا عبدالله اسمي أحمد وأنا عبدالله اسمي اسرائيل.
أما عن هذا التفسير العجيب والغريب فلابد من القول:
أولا: أن محمد بن مسعود العياشي رغم كونه مورد وثوق علماء الامامية ولكن جميع رواته ليسوا من الثقاة. فالنجاشي يقول في حقه: كان يروي عن الضعفاء كثيرا. ويقول العلامة الحلي أيضا في حال العياشي هذا التعبير كذلك. وأما مورد الكلام في سند الروايات المذكورة هنا فأن ((هارون بن محمد)) رجل مجهول في كتب الرجال، وذكر البعض أنه ((الحلبي)) وليس أحد منهم ((هارون بن محمد)) وفي الرواية الثانية أيضا لم يذكر السند كاملا بل حذف بعضه وتم ارساله، وفي الرواية الثالثة نقرأ عبارة ((عمن سمع رسول الله )) ولا يعلن من هو الراوي هذا ؟ وعليه فأن سند رواية العياشي لا يمكن الاعتماد عليه.
ثانيا: إنّ مدلول رواية العياشي تافه جدا، لأنه لو قبلنا أن اسم رسول الله هو اسرائيل وقبلنا أن آل محمد هم بنو اسرائيل المذكورون في القرآن الكريم، فسنواجه مشكلة أكبر، وهذه المشكلة هي أن القرآن الكريم يذكر في سورة البقرة نفسها أنه يذم بني اسرائيل بشدة ويخاطبهم الله تعالى من موقع التقريع والتوبيخ فيقول: وآمنوا بما أنزلت مصدّقا لما معكم ولا تكونوا أوّل كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإيّاي فاتّقون (البقرة/48)
وكذلك يتحدث القرآن عن فساد بني اسرائيل ويقول:
وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا... (الاسراء/3)
فمع وجود هذه الآيات الشريفة كيف يمكن للشخص أن يدعي أن المراد من ((بني اسرائيل)) هم آل محمد؟ ألا يُعد هذا الكلام إهانة لهؤلاء الأولياء العظماء ؟
وأساسا في أي كتاب من كتب التاريخ والسير سمي رسول الله باسرائيل ليكون آل محمد بني اسرائيل ؟ أليس هذا من أوضح الأكاذيب؟
3 – ويذكر محمد بن مسعود العياشي في تفسيره بالنسبة الى الآية الكريمة آمن الرسول بما انزل اليه من ربه (البقره/285) حديثا عن الامام الصادق عليه السلام يذكر فيه:
((إن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كان نائما في ظل الكعبة فأتاه جبرئيل ومعه طاس فيه ماء من الجنة فأيقظه وأمره أن يغتسل به ثم وضعه في محمل، له ألف ألف لون من نور ثم صعد به حتى انتهى الى أبواب السماء فلما رأته الملائكة نفرت عن أبواب السماء وقالت: إلهين، إله في الأرض وإله في السماء ! ))
هذه الرواية المضحكة لا اعتبار لها سندا ولا دلالة لأنه: أولا: إن الراوي لها هو ((عبدالصمد بن بشير)) وهو رجل مجهول الهوية ولا أثر له في كتب الرجال.
ثانيا: إن هذه الرواية تعتبر الملائكة مجموعة من الجهلاء الذين لا يعرفون الله تعالى لأنها تدعي أن الملائكة بمجرد أن رأوا رسول الله ظنوا أنهم أمام إله جديد صعد من الأرض. وهذا الكلام يحكي بذاته عن جهالة الراوي بتعاليم القرآن الكريم الذي يصرح أن جميع الملائكة هم من الموحدين كما تقول الآية في سورة آل عمران:
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم (آل عمران/18) ولكن رواية ابن بشير هذه ترى بأن الملائكة من المشركين، بينما الآية محل البحث وهي 285 من سورة البقرة تقرر أن الايمان بالملائكة واجب بعد الايمان بالله تعالى، والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله (البقره/285) والأنكى من ذلك أن الرواية المذكورة تذكر في ذيلها:
ومر النبي (ص) حتى انتهى الى السماء الرابعة فإذا هو بملك وهو على سرير، تحت يده ثلاثمائة ألف ملك’ تحت كل ملك ثلاثمائة الف ملك. فهمّ النبي (ص) بالسجود وظن أنه ! فنودي أن قم فقام الملك على رجليه، قال: فعلم النبي (ص) إنه عبد مخلوق! فلا يزال قائما إلى يوم القيامة !
وكما ترى فان هذه الرواية الخرافية تقرر أن النبي الأكرم جاهل أيضا بالله تعالى مضافا الى الملائكة، وتقول بأن النبي كان قد عزم على السجود للملك بتصور أنه الله تعالى. فهل ينبغي على المؤمن قبول مثل هذا الحديث الخرافي وقبول نسبته الى الامام الصادق (ع) وهل ينبغي تفسير القرآن الكريم بمثل هذه الأباطيل والخزعبلات ؟ أو يجب الاعتراف بكذب هذه الأحاديث وتطهير كتب المسلمين منها؟
4 – ما ورد في تفسير الآيات الشريفة والذي يكثر ذكره في كتب علماء الشيعة ومفسّريهم، هو حديث ((علم الكتاب)) في قوله تعالى:
قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (الرعد/43)
فقد أورد الكليني في الكافي عن علي بن ابراهيم، عن أبيه ومحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عمن ذكره جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينه، عن بريد بن معاوية قال: ((قلت لأبي جعفر (ع): ((قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب))؟ قال: إيانا عنى وعليّ أولنا وافضلنا وخيرنا بعد النبي))
وهذا الحديث من جملة الاحاديث الخرافية الموضوعة التي نسبها الغلاة الى أهل البيت (ع) فالآية المذكورة آية مكية وقد حذف الراوي الكذاب صدرها، وهو قوله تعالى:
((ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب))
في هذه الآية الشريفة يتحدث القرآن الكريم عن قول الكفار والمشركين في انكارهم لرسالة النبي الاكرم (ص)، فالآية خطاب لكفار مكة وتقرر هذا المعنى، وهو أن شهادة الله ومن عنده علم الكتاب تكفيان للدلالة على انني مرسلا من قبل الله تعالى، ومعلوم أن شهادة الله بنبوة النبي هو اجراء المعجز على يديه، وهو هنا القرآن نفسه. والآخر شهادة أهل الكتاب بنبوة نبينا الكريم (ص) و لما يجدونه عندهم وفي كتبهم السماوية من صفات هذا النبي وعلائم بعثته، فهنا تريد هذه الآية الشريفة أن تقول للكفار والمشركين في مكة إنكم إذا لم تصدقوا قول هذا النبي فاسألوا من أهل الكتاب من اليهود والنصارى حتى يخبروكم بأنه نبي وأنه مكتوب عندهم في التوراة والانجيل، ونعلم أيضا أن الامام علي (ع) كان له من العمر في ذلك الوقت عشر سنوات أو 13 سنة، أي كان صبياً لم يبلغ الحلم، فهل يعقل أن يقول النبي الاكرم (ص) لكفار مكة أنكم اذا لم تصدقوني في رسالتي فاسألوا هذا الصبي فانه يشهد لكم أني مرسل من الله تعالى؟!
فاذا كان من غير المعقول أن يكون المقصود من الذي عنده علم الكتاب هو علي بن ابي طالب، فبطريق اولى لا يكون مقصود الآية ابناءه وذريته كالامام الباقر (ع) مثلاً، في حين أن الرواية المذكورة تصرح بأنه ((إيانا عنى.. )) فكيف يعقل أن يخاطب النبي (ص) كفار مكة ويقول لهم: اذا كنتم في شك من نبوّتي فاسألوا الامام الباقر من ذريتي الذي سيولد بعد سبعين عاماً؟! هذا أولا.
وثانياً: بالنسبة الى علم الكتاب الذي يعلم به الامام علي (ع) حسب ما تقول الرواية، نتساءل: ما المراد بالكتاب هنا؟ هل هو القرآن الكريم، أي الكتاب التدويني، أو اللوح المحفوظ أي الكتاب التكويني؟ فان كان المراد هو الاول، فبديهي أن الامام علي (ع) لم يكن يعلم به سوى ما نزل من سور و آيات معدودة من القرآن الكريم في مكة ولم يكن يعلم به كله، كيف والنبي نفسه لم يكن يعلم بما سيأتي به الوحي في المستقبل:
((تلك من أنباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا.. ))
وإن كان المقصود علم الكتاب التكويني كما يظهر من بعض الروايات فمعلوم أن الامام علي (ع) في ذلك الوقت لم يصل الى مرتبة الامامة ولم يظهر على يديه المعجزات كما ظهر من ((آصف بن برخيا)) من اتيانه بعرش بلقيس من اليمن بلمحة بصر، ولم يرد في التاريخ أن المشركين توجهوا الى علي بن أبي طالب في ذلك الوقت وطلبوا منه الاتيان بمعجزة لتأييد نبوة ابن عمه، كيف والنبي نفسه لم يدع أنه سيأتيهم بمعجزة غير كتاب الله الكريم، ولو كان المشركين يقتنعون من علي بن أبي طالب بشهادته فبطريق اولى سيقتنعون بادعاء النبي محمد (ص) للنبوة واظهار المعجز على يديه لأنه يعلم بالكتاب التكويني بطريق أولى أيضاً!
والخلاصة أن الآية الشريفة في مقام بيان هذه الحقيقة، وهي أن الكتاب السماوية الثلاثة: التوراة، الانجيل، القرآن، تشهد جميعها بنبوة هذا النبي وتخاطب الكفار الذين قالوا ((لست مرسلا)) بالرجوع الى القرآن من جهة (شهادة الله) والرجوع الى أهل الكتاب من جهة أخرى (التوراة والانجيل) ليعلموا واقع الامر.
ويؤيد ذلك أن القرآن الكريم ذكر هذا المفهوم بوضوح في العديد من آياته الكريمة، منها:
والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما اُنزل اليك
الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم
الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل
وغير ذلك من الآيات الكريمة التي تصرح بأن أهل الكتاب كانوا يعلمون بصدق هذا النبي مما يرونه مكتوباً عندهم من علاماته وصفاته، فالتفسير المعقول لهذه الآية مورد البحث هو أنها ترجع المشركين يسألوا أهل الكتاب عن صدق ادعاء نبي الاسلام لا أن يسألوا علي بن أبي طالب أو الامام الباقر (ع)، الذي لم يكن قد ولد بعد، عن ذلك كما تدعي الرواية، ولو كان رسول الله (ص) قد دعاهم للسؤال من علي بن أبي طالب وهو لم يبلغ الحلم، أليس من حق المشركين أن يسخروا ويقولوا له: إننا لا نقبل كلامك وانت عندنا الصادق الامين فكيف نقبل بكلام هذا الغلام أو نقبل بكلام من سيأتي بعد هذا الزمان من ذريته؟!
هل يعقل أن يتحدث الامام الباقر (ع) بمثل هذا الكلام؟!
هذا والرواية على أية حال مقطوعة سنداً حيث لم يذكر الرواة فيها جميعاً بل جاء في السند ((عن محمد بن الحسن، عمّن ذكره جميعاً) دون التصريح باسم الراوي المجهول.
5 – وفي تفسير ((البرهان)) للمحدث البحراني نقرأ في ذيل الآية الشريفة:
وإن من شيعته لابراهيم (الصافات/83)
((شرف الدين النجفي قال: روي عن مولانا الصادق – عليه السلام – أنه قال (في) قوله عزوجل: ((وإن من شيعته لابراهيم)) أي ابراهيم (ع) من شيعة علي (ع) !))
ولكن كل شخص يقرأ سورة الصافات يتبين له خطأ هذا التأويل بوضوح حيث يقول تعالى في هذه السورة:
سلام على نوح في العالمين. انا كذلك ننجي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين. ثم اغرقنا الآخرين. وإن من شيعته لابراهيم (الصافات 79 – 83)
وكما تلاحظ أنه لم يرد ذكر للامام علي في الآيات السابقة ليعود الضمير في كلمة ((شيعته)) عليه. أما اسم نوح فقد ورد بصراحة بالآيات الشريفة ويتضح من ذلك أن ابراهيم كان من شيعة نوح حيث قام بنهضته التوحيدية ضد الشرك وقوى الانحراف. فهل يصح أن نقول أن كل كلمة ((شيعة)) في القرآن الكريم تشير الى شيعة الامام علي بدون نظر الى السياق في الآيات الكريمة؟ وهل يحق لنا أن ننسب كل هذا التفسير الى أئمة أهل البيت(ع)؟ مضافا الى أن هذه الرواية التي نقلها شرف الدين النجفي ليس لها سند متصل ولا تنسجم مع تعاليم القرآن الكريم.
6 – وذكر المحدث البحراني في تفسير ((البرهان)) ذيل الآية 1 الى 5 من سورة الروم:
محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح عن أبي عبيدة، قال: سألت أبا جعفر – عليه السلام – عن قول الله عزوجل: (الم. غلبت الروم في أدنى الأرض) فقال: يا أبا عبيدة إن لهذا تأويلا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من آل محمد (ص) أن رسول الله (ص) لما هاجر الى المدينة واظهر الاسلام كتب الى ملك الروم كتابا وبعث به مع رسول يدعوه الى الاسلام وكتب الى ملك فارس كتابا يدعوه الى الاسلام وبعثه إليه مع رسول، فأما ملك الروم فعظم كتاب رسول الله (ص) وأكرم رسوله، وأما ملك فارس فإنه استخف بكتاب رسول الله (ص) ومزقه واستخف برسوله. وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم وكان المسلمون يهوون أن يغلب ملك الروم ملك فارس وكانوا لناحية ملك الروم أرجى منهم لملك فارس فلما غلب ملك فارس ملك الروم كره المسلمون واغتموا به فانزل الله عزوجل بذلك كتابا قرآنا (الم. غلبت الروم في أدنى الأرض) يعني غلبتها فارس في أدنى الأرض وهي الشامات وما حولها يعني فارس(وهم من بعد غلبهم سيغلبون) يعني يغلبهم المسلمون ( في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) عزوجل. فلما غزا المسلمون فارس وافتتحوها فرح المسلمون بنصر الله عزوجل.
قال(أبوعبيدة): يقول ((في بضع سنين)) وقد مضى للمؤمنين سنون كثيرة مع رسول الله (ص) وفي إمارة أبي بكر وإنما غلب المؤمنون فارس في إمارة عمر! فقال (ع): ألم أقل لكم إن لهذا تأويلا وتفسيرا؟ والقرآن يا أبا عبيدة ناسخ ومنسوخ! أما تسمع يقول عزوجل: (لله الأمر من قبل ومن بعد) يعني إليه المشيّة في القول أن يؤخر ما قدم ويقدم ما أخر في القول يوم يحتم في القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين فذلك قوله عزوجل (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) يوم يحتم القضاء بنصر الله.
وهذا التفسير باطل وسقيم سندا ودلالةً ولا يمكن تصحيحه بأي ملاك ومعيار وقد نقله المحدث البحراني من الشيخ الكليني في روضة الكافي، ولكن سند الشيخ الكليني مخدوش لأن في سلسلة السند نرى ((سهل بن زياد)) والذي يقول عنه النجاشي: كان ضعيفا في الحديث غير معتمد فيه وكان أحمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من مدينة قم، وكذلك يقول عنه ابن الغضائري ((نقلا عن العلامة الحلي)) إنه كان ضعيفا جدا فاسد الرواية والمذهب.
إذن فالحديث الذي يرويه سهل بن زياد لا يمكن الوثوق به، واما متن الحديث فلا ينسجم مع القرآن الكريم ولا مع التاريخ لأنه:
أولا: أن هذه الرواية تدعي أن سورة الروم نزلت بعد هجرة الرسول الأكرم الى المدينة وانتصار الاسلام وارسال الكتب الى ملوك الروم وايران، مع أنه باتفاق المفسرين إن السورة المذكورة من السور المكية وقد نزلت قبل هجرة الرسول. ويؤيد ذلك ما روي عن علي (ع) وابن عباس في ترتيب نزول سور القرآن.
ثانيا: إن الضمائر المنفصلة والمتصلة في مقطع ((وهم بعد غلبهم سيغلبون)) تعود الى الرومان أنفسهم باجماع المفسرين لا الى الفرس الذين لم يرد ذكرهم في الآية اطلاقا.
ثالثا: في هذا الحديث ادعي إن الله تعالى أخر وعده أو قدمه مع أنه ورد التصريح في سورة الروم بأن وعد الله لا يتخلف أبدا وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون (الروم/6)
رابعا: إن المدة التي عينها الله في الآية ((بضع سنين)) لم تنسخ اطلاقا، وأما جملة ((لله الامر من قبل ومن بعد)) فليس فيها أدنى دلالة على نسخ المدة أو الترديد في هذا الخبر الغيبي بل تدل على أن الأمور قبل هذه الواقعة وبعدها من الهزيمة والنصر كلها بيد الله وبقضائه وبقدره كما ذكر الشيخ الطوسي هذا المعنى وقال: ((يعني أن كونهم مغلوبين أولا وغالبين آخرا ليس الا بامر الله وقضائه)) ولو قيل أن هذه الرواية وتأويلها يتعلق بباطن الآيات ولا علاقة له بظاهرها ولهذا فهذه الاشكالات غير واردة. فالجواب على ذلك هو أنه لماذا تم الرجوع الى ظاهر الآية أيضا في قوله ((لله الأمر من قبل ومن بعد)) في نسخ المدة؟ ومن مجموع ما تقدم من الاشكالات على هذه الرواية يتبين زيفها وبطلانها.
وأما أصل الواقعة كما يحدثنا القرآن الكريم وكتب التواريخ عنها فهي أن النبي الأكرم والمسلمين في مكة وقبل الهجرة الى المدينة اطلعوا على خبر أن جيش الروم الشرقية ((أي البيزانس)) قد نال الهزيمة مقابل جيش الفرس وقد دخل جيش خسروبرويز المدينة الدينية ((بيت المقدس)) واحتلها ((هذه الواقعة حدثت عام 614 للميلاد)) وهذا الخبر قد احزن المسلمين من جهات متعددة وخاصّة أن بيت المقدس في ذلك الزمان كان قبلة للمسلمين. وهنا نزلت آيات سورة الروم لتبشر النبي الأكرم (ص) أن الروم سينتصرون في مدة أكثرها تسع سنوات على الفرس، وهكذا وقعت الأحداث، فبعد تسع سنوات من هذه الواقعة أي في سنة 623 للميلاد هزمت جيوش هرقل ((هراكليوس)) جيش الفرس وقتل في هذه الواقعة ((شاهين)) قائد جيش الفرس وتحرر بيت المقدس. وكانت المدة بين هاتين الواقعتين 9 سنوات تماما وصدق الله العلي العظيم.
7 – ورد في تفسير البرهان للمحدث البحراني في ذيل الآية 130 من سورة الصافات الرواية التالية:
((إبن بابويه قال: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن ابراهيم بن اسحاق، عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال: قلت لأبي عبدالله – عليه السلام –: جعلت فداك من الآل؟ قال: ذرية محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: قلت: فمن الأل ؟ قال: الأئمة – عليهم السلام – فقلت قوله عزوجل: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ؟ قال: والله ما عنى إلا ابنته )).
وهذه الرواية ضعيفة سندا ودلالةً لأنه:
أولا: جا في سندها ((محمد بن سليمان الديلمي)) الذي يقول عنه النجاشي: ضعيف جدا لا يعول عليه في شيء.
ويقول عنه العلامة الحلي: ضعيف في حديثه مرتفع في مذهبه.
ثانيا: جاء في هذه الرواية أن آل فرعون تعني ابنته مع أن هذا المعنى مخالف لما ورد في القرآن الكريم من قبيل قوله تعالى:
فانجيناكم واغرقنا آل فرعون وانتم تنظرون (البقرة/50)
وأيضا يقول تعالى: واغرقنا آل فرعون وكلاًً كانوا ظالمين (الانفال/54)
ومن جهة أخرى فان آل فرعون الذين غرقوا في اليم لم يكونوا سوى جيش فرعون كما يتحدث القرآن الكريم عن ذلك ويقول:
فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين (القصص/40)
وأيضا يقول: فاتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم (طه/78)
وعلى هذا الأساس يكون معنى آل فرعون الذين غرقوا في اليم أو سيواجهون أشد انواع العذاب في القيامة فهو غير منحصر ببنت فرعون فقط كما تدعي الرواية، ولا سيما أن كلمة آل فرعون وردت في الآية مورد البحث مع ضمائر الجمع المذكر كما يقول القرآن الكريم:
وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب
8 – وأورد الفيض الكاشاني في كتابه ((الصافي في تفسير القرآن)) في ذيل الآية الأولى من سورة النجم هذه الرواية:
في المجالس عن ابن عباس قال: صلينا العشاء الآخرة ذات ليلة مع رسول الله – صلى الله عليه وآله – فلما سلم أقبل علينا بوجهه ثم قال: إنه سينقض كوكب من السماء مع طلوع الفجر فيسقط في دار أحدكم فمن سقط ذلك الكوكب في داره فهو وصيي وخليفتي والإمام بعدي. فلما كان قرب الفجر جلس كل واحد منا في داره ينتظر سقوط الكوكب في داره وكان أطمع القوم في ذلك أبي العباس بن عبدالمطلب – عليه السلام – فقال رسول الله – صلى الله عليه و آله – لعلي – عليه السلام – يا علي والذي بعثني بالنبوة لقد وجبت لك الوصية والخلافة والامامة بعدي. فقال المنافقون عبدالله بن أبي واصحابه: لقد ضل محمد في محبة ابن عمة وغوى وما ينطق في شأنه إلا بالهوى فأنزل الله تبارك وتعالى: والنجم إذا هوى...
وهذا الحديث الى درجة من وضوح الكذب والزيف بحيث لا يخفى على أي أحد لأن أصغر كوكب في السماء لا تحويه جميع شبه الجزيرة العربية فكيف سقط في بيت علي واستقر هناك؟ مضافا الى أن سورة النجم مكية باتفاق المفسرين ولكن عبدالله بن أبي وأصحابه من أهل المدينة ومن المنافقين المعروفين في مرحلة ما بعد الهجرة. وأيضا فالعباس عم النبي كان في المرحلة المكية من المشركين باجماع المؤرخين ولم يسلم في ذلك الوقت، وقد أسره المسلمون في واقعة بدر وتحرر بعدها واعتنق الاسلام، فمع هذا الحال كيف يطمع وهو في حال الشرك أن يكون خليفةً لرسول الله؟
أما سند الرواية فنرى في تفسير الصافي أنه محذوف ولكن في المجالس للشيخ الصدوق ((الذي يقال عنه الأمالي أيضا)) ورد بهذه الصورة: حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفي، قال: حدثنا فرات بن ابراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدثني محمد بن أحمد بن علي الهمداني، قال: حدثني الحسين بن علي، قال: حدثني عبدالله بن سعيد الهاشمي، قال: حدثني عبدالواحد بن غياث، قال:حدثني عاصم بن سليمان، قال: حدثنا جوير عن الضحاك عن ابن عباس... فنرى في هذا السند اشخاصا ضعفاء ((كفرات بن ابراهيم)) ومجاهيل ((كعبدالواحد بن غياث)) فالرواية غير معتبرة سندا.
9 – جاء في كتاب ((الصافي في تفسير القرآن)) للفيض الكاشاني في ذيل الآية سلام على إل ياسين (الصافات/131)
وفي المعاني عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام في هذه الآية قال: ((ياسين محمد ونحن آل ياسين))
وكما نلاحظ أن الفيض الكاشاني لم يذكر جميع سند هذه الرواية عن الامام الصادق بل بدأ من الامام الصادق ولكن أصل السند ورد في كتاب ((معاني الأخبار)) بهذه الصورة:
حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني – رضي الله عنه – قال: حدثنا أبو أحمد عبدالعزيزي بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي البصري، قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا الخضر بن أبي فاطمة البلخي، قال: حدثنا وهب بن رافع، قال: حدثني كادح (وفي بعض النسخ: قادح) عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عن علي عليهم السلام...
وفي هذا السند نرى أشخاصا مجهولين لدى علماء الرجال، فلم يرد أبدا اسم ((الخضر بن أبي فاطمة البلخي أو كادح أو قادح)) وبالطبع فمثل هذا السند لا يكون موثوقا وقابلا للاعتماد لاسيما أن متن الرواية مخالف للقرآن الكريم لأن الوارد في سورة الصافات هو ((سلام على إل ياسين)) لا سلام على آل ياسين، وإل ياسين هو إلياس النبي حيث تلفظ هذه الكلمة بصورتين مثل كلمة ((طورسيناء)) و ((طور سينين)) حيث ورد بكلا الصورتين في القرآن الكريم في قوله تعالى: وشجرةً تخرج من طور سيناء (المؤمنون/20) و طور سينين (التين/2) وإل ياسين بإضافة الياء والنون هو للتعظيم، أي لتعظيم إسم النبي إلياس وكذلك فصل اللام عن الياء في إلياس حيث جاءت إل ياسين.
والشاهد الجلي على هذا الموضوع هو أن الوارد في سورة الصافات في بداية هذا المقطع الشريف قوله تعالى: وإن إلياس لمن المرسلين ثم نقرأ بعد ذلك: سلام على إل ياسين * إنا كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين. فلو كان المقصود من ((ال ياسين)) هو آل محمد عليهم السلام لكان اللازم أن يعود عليهم ضمير الجمع لا ضمير المفرد فتكون الآية ((إنهم من عبادنا المؤمنين)) وسياق سورة الصافات أيضا ينبغي أن يكون المراد من ((إل ياسين)) هو إلياس النبي لأن السورة المذكورة ابتدأت بذكر رسالة بعض الأنبياء الالهيين ثم دعوتهم التوحيدية وفي الخاتمة تسلم على ذلك النبي، ولا دليل على أن الآيات عندما تصل الى إلياس النبي تغير من سياقها وتسلّم على آل النبي محمد بعد ذكر إلياس النبي.
10 – وذكر الفيض الكاشاني في كتابه ((الصافي في تفسير القرآن)) ذيل الآية الشريفة: والليل اذا يغشى (الليل/1) هذه الرواية:
القمي عن الباقر – عليه السلام – قال: الليل في هذا الموضع الثاني غشي أميرالمؤمنين – عليه السلام – في دولته التي جرت له عليه واميرالمؤمنين – عليه السلام – يصبر في دولتهم حتى تنقضى.
أما سند هذا الحديث فالظاهر أنه لا اشكال فيه لدى علماء الرجال، ولكنه سقيم من حيث الدلالة لأنه ادعى أن الله تعالى قد أقسم بالخليفة الثاني ((عمر بن الخطاب)) فان دولته وحكومته غطت على أميرالمؤمنين واغتصبت حقه في الخلافة، ومعلوم أن القسم لابد أن يكون بالأشياء المقدسة والنعم المهمة لا بغاصب الخلافة. ففي هذه الآية الشريفة ((والليل اذا يغشى)) يقسم الله تعالى بهذه النعمة العظيمة كما ذكرها في سورة يونس ((الآية 67)) وقال: هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه. وأيضا في سورة النمل ((الآية 86)) قال: ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه.
أجل، فان الليل نعمة عظيمة خلقه الله تعالى للانسان والمخلوقات ليستفيدوا وينتفعوا من هدوئه، ومع هذا الحال فما المناسبة لأن ندعي أن المراد من الليل هو القسم بالشخص الذي سلب الراحة والهدوء من المسلمين كما يعتقد الشيعة وغصب حق أميرالمؤمنين وغطاه؟!.
وهنا قد يقال أن مثل هذه الأحاديث ناظرة الى المعنى الباطني للآيات الذي لا ينسجم مع المعنى الظاهري. والجواب هو أن المعنى الباطني مهما كان بعيدا فلابد أن يكون له ارتباط بظاهر الآيات القرآنية، لانه لو تقرر أن لا يكون لهذا المعنى ارتباط اطلاقا بكلام الله ومنفصل عن ظاهر الآيات ففي هذه السورة كيف يمكننا أن ننسب هذا المعنى الى القرآن الكريم ؟ هل أن هذا المعنى يختلف عن المعاني الأخرى التي لا علاقة لها بالقرآن وأجنبية عن مفاهيمه؟ واذا ورد في بعض الروايات أن للقرآن معاني باطنية فان في نفس هذه الروايات يقرر أهل البيت ما لا ينسجم مع ما ذكر للمعنى الباطني: حيث نقرأ في تفسير الصافي نفسه:
((عن أميرالمؤمنين – عليه السلام – قال: ما من آية إلا لها أربعة معان، ظاهر وباطن وحد ومطلع. فالظاهر التلاوة والباطن الفهم والحد هو أحكام الحلال والحرام والمطلع هو مراد الله من العبد بها )).
وكما تلاحظ فإنّ جميع هذه الأمور لها ارتباط معين بظاهر الآيات الكريمة بحيث لا يخفى على ادراك الانسان وفطنته. إن باطن القرآن هو مفهوم الآيات وما يستوحيه الانسان بعقله وادراكه من رموز واسرار عميقة في مضامين الآيات الشريفة لا أنه معنى لا ينسجم مع المفهوم من الآية.
ونقرأ كذلك في تفسير الصافي:
روى العياشي بإسناده عن حمران بن أعين عن أبي جعفر – عليه السلام قال: ((ظهر القرآن الذين نزل فيهم وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم )).
وكذلك نقرأ في هذا التفسير أيضا:
العياشي بإسناده عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية: ما في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما فيه حرف إلا وله حد ومطلع. ما يعني بقوله: لها ظهر وبطن؟ قال: ظهره تنزيله وبطنه تأويله، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد يجري كما يجري الشمس والقمر كلما جاء منه شيء وقع...
فكما تلاحظ أن الامام الباقر يقرر أن باطن القرآن هو ((مصاديق الآيات)) التي اذا ظهرت انطبق عليها المفهوم من الآيات الشريفة، وهذا غير ما ذكر من المعاني المخالفة لظاهر الآية الكريمة.
الخلاصة أن باطن القرآن في رواية أهل البيت ورد بمعنيين، أحدهما: ((المطلع)) أو المعنى الكامل للآية القرآنية، والثاني ((التأويل)) أي مصاديق الآيات. وأما من يريد تغيير المراد من الآيات بذريعة الباطن، كأن يفسر الخمر مثلا بالخليفة الفلاني، فهذا المعنى مخالف لما ورد عن أهل البيت عليهم السلام كما نقرأ في تفسير العياشي:
((عن ابي عبدالله – عليه السلام – أنه قيل له: روي عنكم أن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجال! فقال: ما كان الله ليخاطب خلقه بما لا يعقلون )).
وبديهي أن ما ذكره الامام الصادق في هذه الرواية يعتبر ((قاعدة كلية)) لها اطلاق شمولي لجميع الحالات والمصاديق وبذلك تخرج جميع التأويلات التعسفية والتفاسير الباطلة.
ولو قيل: أن سند علي بن ابراهيم لا اشكال فيه وتأويل آية ((والليل اذا يغشى)) وردت عن اشخاص ثقاة. فالجواب هو أن مضمون الحديث اذا كان مخالفا للقرآن الكريم فلا ينبغي الاعتناء بوثاقة الراوي كما ذكر هذا المعنى العياشي نفسه في تفسيره:
عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبدالله – عليه السلام –: يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به.
إذن فالميزان القطعي والمعيار السليم في قبول الحديث هو موافقته للقرآن الكريم، فاذا لم يكن الحديث موافقا ومنسجما مع آيات الكتاب الحكيم فلا ينبغي الاعتماد عليه وقبوله حتى لو كان الراوي له ثقة ومن أهل الخير والصلاح.
11 – ومن هذا القبيل ما أورد الكليني في الكافي (باب أن الائمة (ع) نور الله عزوجل) الحديث الخامس في تفسير آية النور:
((علي بن محمد ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبدالله بن عبدالرحمن الاصم، عن عبدالله بن القاسم، عن صالح بن سهل الهمداني قال: قال... الكافي ص 151))
ونلاحظ على هذا الحديث كيف أن هؤلاء الرواة الدجالين قد نسبوا الى الامام الصادق (ع) اللعب بالآيات الكريمة وتحريف المراد منها الى ما يوافق أهواء هؤلاء الغلاة والكذابين، لأن من الواضح أنه لو كان ((المصباح)) و((الزجاجة)) هما الحسن والحسين لكان معنى قوله تعالى ((المصباح في الزجاجة)) هو أن الامام الحسن (ع) في الامام الحسين (ع)!! ويكون معنى ((الزجاجة كأنها كوكب دريّ)) أن الامام الحسين كأنه فاطمة الزهراء!! مضافاً الى أن الرواي الكذاب نسي اميرالمؤمنين (ع) في هذه القصة الخرافية أي لم يجد في الآية الشريفة كلمة يمكن تأويلها به... ثم إن ((ظلمات)) جمع ((ظلمة)) والحال أنه لو كان المراد منها أبو بكر وعمر، لكان الأولى أن يأتي بها بصيغة التثنية ((ظلمتان)) وهنا يأتي سؤال يفرض نفسه: وهو: لماذا بايع الامام علي (ع) مع هذه الظلمات؟! والآمر الآخر هو أن الراوي تجرأ على آية اخرى من القرآن الكريم وعبث بمعناها أيضا و وهي الآية (8) من سورة التحريم:
يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيدهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا.
فكما نرى أن قوله ((والذين آمنوا)) معطوف على ((النبي)) فلو كان المراد من ((النور)) هو الامام، لكان المعنى حينئذ: ((أن الامام الذي يعد تابعاً للنبي ومهتدياً بهداه، يقود النبي والمؤمنين الى الجنة!! ويكون معنى قوله في ذيل الآية ((ربنا اتمم لنا نورنا)) أن النبي والمؤمنين يدعون الله تعالى بأن يتمم ويكمل لهم امامهم، أي ((ربنا أتمم لنا امامنا)) فهل يوجد نقص في الامام حتى يدعو هؤلاء لاتمامه؟! وهل أن الراوي أو الكليني نفسه ملتفت الى هذه اللوازم الباطلة والمعاني السخيفة؟!
يقول العلامة السيد هاشم معروف الحسني في معرض نقده لهذا الحديث: ((قد يضطر الباحث الى التأويل أو التفسير احيانا لتوضيح المراد من الرواية على شرط أن لا يكون التأويل بعيدا وأن لا يخرج عن حدود المنطق والعقل كما هو الحال في الروايات السابقة وامثالها، أما هذه الرواية ونظائرها فلا تقبل التأويل ولا يجوز للباحث المجرد أن يتجاهل عيوبها، ذلك لان التفسير الذي نسبة الراوي الى الامام الصادق (ع) يبعد كل البعد عن ظاهر الآية الكريمة، ولا يؤيده الأسلوب القرآني، هذا بالاضافة الى أن الامام الصادق أرفع شأنا وأجل قدرا وأبعد تفكيرا من ان يهاجم الخلفاء الثلاثة بهذا الأسلوب البعيد عن منطقه ومنطق آبائه الكرام، ويفتعل لنفسه ولجدته فاطمة والائمة (ع) العظمة عن طريق هذه التاويلات التي لا يؤيدها النقل، ولا يقرها العقل.
على أن هذه الرواية قد رواها سهل بن زياد عن محمد بن الحسن ابن شمون. ورواها ابن شمون عن عبدالله بن عبدالرحمن الاصم، ورواها عبدالله هذا عن عبدالله بن القاسم ورواها عبدالله بن القاسم عن صالح بن سهل الهمداني، وهؤلاء كلهم من المتهمين بالكذب ودس الاحاديث بين روايات أهل البيت (ع) كما نص على ذلك المؤلفون في الرجال.
فقد جاء في اتقان المقال، عن محمد بن الحسن بن شمون: بصري من الغلاة، وقال عنه النجاشي انه كان واقفيا، ثم غلا في التشيع وهو ضعيف جدا وفاسد المذهب على حد تعبير النجاشي.
وقال عنه التفريشي في كتابه نقد الرجال: انه كان من الغلاة ضعيف متهافت لا يلتفت اليه ولا الى مصنفاته وسائر ما ينسب اليه.
وجاء في الاتقان ان عبدالله بن الرحمن الاصم من الغلاة ضعيف لا يلتفت اليه، وقال فيه التفريشي في نقد الرجال: ان كتابه الزيارات يدل على خبث عظيم، ومذهب متهافت، وكان من كذابة اهل البصرة.
ونص على أن عبدالله بن البطل الحارثي كذاب غال ضعيف متروك الحديث معدول عن ذكره، وكذلك العلامة في كتابه الخلاصة.
واضاف الى ذلك في اتقان المقال، ان عبدالله بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل كذاب من الغلاة، يروي عن الغلاة لا خير فيه ولا يعتبر بروايته.
وجاء في كتب الرجال عن صالح بن سهل الهمداني الذي روى عن أبي عبدالله مباشرة، جاء عنه انه قال: كنت أقول في الصادق بالربوبية، فدخلت عليه فلما نظر اليّ قال: يا صالح. أنا والله عبيد مخلوقون. لنا رب نعبده وان لم نعبده عذبنا.
وقال التفريشي في نقد الرجال، ان صالح بن سهل من المذمومين والغلاة والكذابين وضاع، للحديث لا خير فيه ولا في سائر مروياته.
ويجد الباحث في مرويات الكافي التي من هذا النوع مجالا واسعا لرفضها وعدم الاعتداد بها، لا من حيث اشتمالها على ما يخالف ظاهر الكتاب فحسب بل من حيث أن رواة هذا النوع من الاحاديث لم يثبتوا في وجه الطعون والانحرافات التي وجهها اليهم الذين احصوا تاريخ الرجال واحوالهم، كما تبين ذلك من الأمثلة السابقة وهذا لا يعني أن كل ما يرويه أحد من هؤلاء المتهمين والمشبوهين يتعين طرحه، لجواز أن يروي بعض الضعفاء والمذمومين عن أصل معتبر عند الطبقة الاولى من الرواة، أو يأخذ الرواية ممن يصح الاعتماد عليه والركون اليه، أو تكون الرواية مدعومة بالقرائن والشواهد ونحو ذلك مما يوجب الوثوق بصدورها وان لم يكن الراوي لها من حيث ذاته موثوقا ومعتمدا عند المؤلفين في احوال الرواة. ))
أما عن ((سهل بن زياد)) الكذاب أحد رواة هذا الحديث فحدث ولا حرج، فهو منشأ الفتنة ومنبع الخرافة، وقد كان هذا الرجل معاصراً للامام التاسع والعاشر والحادي عشر، ويقول عنه النجاشي وابن الغضائري والشيخ الطوسي وسائر علماء الرجال كابن الوليد والصدوق وابن نوح انه كان ضعيفاً جداً وفاسد الرواية والدين ومن الغلاة ولا يعتمد على روايته.
ولهذا أخرجه ((أحمد بن محمد الاشعري)) من مدينة قم وأظهر براءته منه ومنع الناس من نقل روايته. والجدير بالذكر أن هذا الشخص يقع في سند 2306 من روايات الشيعة ويروي عنه الكليني في الكافي روايات كثيرة!!
وهذا الراوي هو الذي روى قصة ((رد الشمس)) للامام علي (ع) وقد نقلها الكليني في كتاب الكافي (فروع الكافي، ج 1، ص 319))، وهو صاحب رواية اثبات علم الغيب للائمة (ع)، وفي الكافي أيضا نقرأ له رواية تقول إن الحسين (ع) لما قتل عجّت السماوات والارض ومن عليها والملائكة وطلبوا من الله أن يأذن لهم في هلاك الخلق، فكشف الله لهم عن الامام المهدي (ع) وقال: بهذا انتصر – قالها ثلاث مرات!!
12 – وبهذه المناسبة ننقل خبراً آخر في التفسير الخرافي نقله سهل بن زياد أيضا عن أبي عبدالله (ع) قال: ((سألته عن قول الله عزوجل ((والشمس وضحاها))؟ قال: الشمس رسول الله (ص) به أوضح الله عزوجل للناس دينهم. قال: قلت: ((القمر اذا أتاها)) ؟ قال: ذاك أميرالمؤمنين (ع) تلا رسول الله ونفثه بالعلم نفثاً.. ))
وهكذا تستمر الرواية في التلاعب بالآيات القرآنية فتكون الآية ((والليل اذا يغشاها)) كنابة عن خلفاء الجور، والآية ((والنهار اذا جلاها)) تقصد الامام من ذرية الزهراء (ع) يسأل عن دين الله فيجليّه !! هذا وإن هذه السورة مكية حيث لم يكن حينذاك خلفاء الجور أو الامام الذي يجليها، ثم كيف يقسم الله تعالى بخلفاء الجور والقسم كما هو معروف لابد أن يكون بامور مقدسة أو من المواهب الالهية لعباده؟! حاشا للامام الصادق (ع) أن يفسّر القرآن بهذا التفسير الموهون، بل نرى أن الغلاة ومنهم سهل بن زياد طعنوا في القرآن الكريم وشوّهوا معانيه وحملوا كل ما يحتمل تأويله لصالح مذهبهم الباطل حتى بلغ الأمر أن يتخذها (سيد علي محمد الباب الشيرازي) مؤسس الفرقة البابية ذريعة لتأييد مذهبه عندما استند الى قوله تعالى في سورة القيامة وجمع الشمس والقمر(القيامة:9) على أساس إن أسمه (محمدعلي) وقد جمع فيه الشمس والقمر حيث ورد في هذه الرواية أن الشمس محمد، والقمر علي، وقد وعد الله تعالى أن يجمع الشمس والقمر، فتحقق هذا الوعد بظهوره وتأسيس مذهبه وهو مراد القرآن من القيامة أيضا، أي قيامه هو!!
ونقرأ لسهل بن زياد أيضا في روضة الكافي وبعد ذكر هذه الرواية، رواية أخرى في تفسير سورة الغاشية حيث يروي عن الامام الصادق (ع) في قوله تعالى: ((هل أتاك حديث الغاشية؟ قال: يغشاهم بالسيف، قال: قلت: وجوه يومئذ خاشعة؟ قال: خاضعة لا تطيق الامتناع، قال: قلت: عاملة؟ قال: عملت بغير ما أنزل الله، قال: قلت: ناصبة ؟ قال: نصبت غير ولاة الأمر. قال: قلت: تصلى نارا حامية؟ قال: تصلى نار الحرب في الدنيا على عهد القائم، وفي الآخرة نار جهنم))
بعد هذا الحديث يروي سهل بن زياد أيضا حديثاً آخر في التلاعب بمعاني القرآن الكريم والاستدلال بها على الرجعة، في قوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون، قال: فقال لي (أبو عبدالله (ع): يا أبا بصير ما تقول في هذه الآية؟ قال: قلت: إن المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله (ص) إن الله لا يبعث الموتى. قال: فقال (ع): تباً لمن قال هذا، سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أو باللات والعزّي؟ قال: قلت: جعلت فداك فأوجدنيه. قال: فقال لي: يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله اليه قوما من شيعتنا قباع سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا، فيقولون: بعث فلان وفلان و فلان من قبورهم وهم مع القائم فيبلغ ذلك قوما من عدونا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم، هذه دولتكم و أنتم تقولون فيها الكذب لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون الى يوم القيامة، قال: فحكى الله قولهم فقال: ((وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت))
وهكذا يروي الكليني بعد هذه الرواية أيضا رواية أخرى من روايات التفسير الخرافية عن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى: فلما أحسّوا بأسنا إذاهم منها يركضون، لا تركضوا وارجعوا الى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون
قال: اذا قام القائم وبعث الى بني أمية بالشام هربوا الى الروم، فيقول لهم الروم: لا ندخلنكم حتى تنتصروا فيعلقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم، فاذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان والصلح، فيقول أصحاب القائم: لا نفعل حتى تدفعوا الينا من قبلكم منا، قال: فيدفعونهم اليهم فذلك قوله: لا تركضوا، ارجعوا الى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون)) قال: يسألهم الكنوز وهو أعلم بها، فيقولون: يا ويلنا إنا كنا ظالمين، فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين بالسيف
وخوفاً من الاطالة نترك التعليق على هذه الاخبار المزيفة الى القارئ الكريم ليحكم فيها بعقله ووجدانه، ولكن نلفت النظر الى نكتة واحدة، وهي أن الروايات الواردة عن سهل بن زياد الكذاب المغالي في فروع الكافي فقط بلغت (1034) رواية عدا ما ورد عنه في اصول الكافي والروضة!
إن في ذلك لذكرى لاولي الالباب.                                     

الحوار المتمدن-العدد: 3969 - 2013 / 1 / 11 - 15:41


نقد الشيخ الصدوق وكتبه

هو ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المشهور بالشيخ الصدوق المتوفى عام 381 ه من أعاظم الامامية ومحدثيهم المعروفين وقد مدحه الكثير من العلماء الشيعة ورجالهم حيث يقول عنه النجاشي في رجاله: شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان.
ويقول العلامة الحلي عنه: كان جليلا، حافظا للاحاديث، بصيرا بالرجال، ناقدا للاخبار، لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه.
ويقول محمد باقر المجلسي عنه: من عظماء القدماء التابعين لآثار الأئمة النجباء الذين لا يتبعون الآراء والأهواء.
ويقول عنه المامقاني: شيخ من مشايخ الشيعة وركن من أركان الشريعة رئيس المحدثين والصدوق فيما يرويه عن الأئمة عليهم السلام.
وقد مدحه غير هؤلاء من علماء الامامية في أثارهم وكتبهم، وقد ذكر العلامة الحلي في خلاصة الأقوال أن كتبه وأثاره تجاوزت ثلاثمائة كتاب حيث لم يصلنا بعضها مثل كتاب ((مدينة العلم)). ولكن أهم كتبه الواصلة الينا عبارة عن:
1 – من لا يحضره الفقيه
2 – الخصال
3 – معاني الأخبار
4 – كمال الدين وتمام النعمة.
5 – صفات الشيعة
6 – عقاب الاعمال
7 – عيون اخبار الرضا
وأجمع كتب للصدوق وأشهرها هو كتاب ((من لا يحضره الفقيه)) وتنبع اهمية هذا الكتاب من أن الشيخ الصدوق سعى لأن يذكر الأحاديث الصحيحة في هذا الكتاب ولذلك قال في بداية كتابه هذا: لم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه، بل قصدت الى ايراد ما أفتي به وأحكم بصحته واعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي.
وبالرغم من وجود الكثير من الروايات الصحيحة والموثقة في كتب الشيخ الصدوق ولكن مع الأسف توجد فيها أخبار وروايات سقيمة وباطلة واليك نماذج منها.

نماذج من أحاديث الشيخ الصدوق:
1 – أورد الشيخ الصدوق في كتابه ((من لا يحضره الفقيه)) الذي ضمن فيه صحة جميع الأحاديث الواردة فيه، ضمن ((كتاب الصوم)) أن شهر رمضان لابد أن يكون ثلاثين يوما ولا يمكن أن يكون أقل من ذلك أبدا حيث يقول:
في رواية محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور عن ابي عبدالله (ع) قال: شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا.
وبديهي أن شهر رمضان كثيرا ما يبلغ عدد ايامه تسعة وعشرون يوما لوجود الكثير من الشهود في هلال أول الشهر وآخره، فالرواية المذكورة مخالفة للامر المحسوس والمشهود.
وفي رواية أخرى عن حذيفة بن منصور عن معاذ بن كثير ويقال له معاذ بن مسلم الهراء عن أبي عبدالله – عليه السلام – قال: شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص والله أبداً
وروي عن ياسر الخادم قال: قلت للرضا – عليه السلام – هل يكون شهر رمضان تسعة وعشرون يوما ؟ فقال: إن شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين يوما أبداً
ولا شك في خطأ وبطلان هذه الأحاديث للعالم والعامي ولا حاجة للبحث في سندها وخاصّة أن الشيخ الصدوق لم يذكر أسناد هذه الروايات في كتابه من لا يحضره الفقيه بل اكتفى غالبا بذكر الراوي الأول لها.
2 – روى الشيخ الصدوق في كتابه ((من لا يحضره الفقيه)) في باب ((المعايش والمكاسب)):
قال الصادق عليه السلام لأبي الربيع الشامي: ((لا تخالط الأكراد فإن الأكراد حيّ من الجن كشف الله عزوجل عنهم الغطاء )) !
ولا شك في وضع هذه الرواية وأنها مجعولة لأن القرآن الكريم يقرر أن جميع البشر من أصل واحد ويقول:
((يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى))
ولكن بعض شراح كتاب ((من لا يحضره الفقيه)) قالوا بما أن الأكراد يتعاملون مع الآخرين باخلاق سلبية وسلوكيات خاطئة فلذلك شبههم الامام الصادق بطائفة من الجن الذين ظهروا للناس بصورة بشر. إلا أن الحديث المزبور يخلو من أداة التشبيه وليس هو في سياقه في مقام التشبيه، هذا أولا.
وثانيا: أن القرآن الكريم يصرح بأن الجن فيهم طوائف خيرة وأخرى شريرة (سورة الجن الآية 11 و 14) فتشبيه الأشرار بالجن لا وجه له، واذا كان المقصود هو هذا المعنى فيلزم تشبيههم بالشياطين.
ثالثا: إن تشبيه الأكراد، رغم وجود اشخاص متقين وصالحين فيهم، بالجن ليس من شأن الامام المعصوم القائد الاسلامي الالهي. ومن هنا فان تبرير هذا الحديث الشريف بما ذكر لا وجه له ولا فائدة فيه بل يجب ضربه عرض الجدار.
3 – وأورد الشيخ الصدوق في كتابه ((من لا يحضره الفقيه)) ضمن مسائل تتعلق بصلاة الجمعة برواية عن الامام الصادق تشير الى أن خطبة صلاة الجمعة يجب أن تقام بعد الصلاة، ومن الواضح أن هذه الرواية غير صحيحة لأنها مخالفة لاجماع المسلمين من السنة والشيعة والروايات الكثيرة الواردة في المصادر الحديثية المعتبرة لكلا الفريقين، والرواية هي:
((وقال أبو عبدالله – عليه السلام – أول من قدّم الخطبة على الصلوة يوم الجمعة عثمان لأنه كان اذا صلى لم يقف الناس على خطبته تفرقوا وقالوا ما نصنع بمواعظه وهو لا يتعظ بها وقد احدث ما احدث، فلما رأى ذلك قدم الخطبتين على الصلوة! ))
وقد اتفق شراح ((من لا يحضره الفقيه)) على بطلان هذه الرواية ولكن الصدوق توهم في هذه الرواية وخلط بين خطبة الجمعة وخطبة صلاة العيدين ((التي يجب أن تقرأ بعد الصلاة)) وذكر روايات عديدة عن الامام الباقر والصادق عليهما السلام تخالف هذه الرواية.
4 – ذكر الشيخ الصدوق كما ذكر الكليني أيضا في كتاب من لا يحضره الفقيه ضمن الفصل المتعلق بصلاة الآيات، اسطورة الحوت التي تسبب الزلزلة، وقدحذف الشيخ الصدوق سند هذه الرواية كما هو الحال في موارد كثيرة وأورد هذه الاسطورة بكثير من الاطمئنان والثقة بمضمونها ونسبها الى الامام الصادق وقال:
قال الصادق – عليه السلام – ((إن الله تبارك وتعالى خلق الأرض فأمر الحوت فحملتها، فقالت: حملتها بقوتي! فبعث الله عزوجل اليها حوتا قدرفتر فدخلت في منخرها فاضطربت أربعين صباحا. فاذا أراد الله عزوجل أن يزلزل أرضا تراءت لها تلك الحوتة الصغيرة فزلزلت الأرض فرقا))
وقد قرأنا سابقا نظير هذه الرواية مع تفاوت يسير في كتاب الشيخ الكليني، والظاهر أن سند الصدوق والكليني مشترك، ورأينا أن سند الكليني ضعيف أيضا. وهنا نضيف الى أن بعض شراح كتاب من لا يحضره الفقيه قالوا في صدد الدفاع عن هذا الحديث: إن الامام الصادق أجاب الراوي لهذا الخبر بجواب يتناسب مع فهمه للامور. ولكننا لا نوافق على هذا الادعاء لأننا لا نعتقد بجواز اسناد الامور الباطلة الى الامام (ع). فاذا كان الراوي غير مستعد لتقبل الحقائق ولا يمكنه فهم الأمور بصورتها الحقيقية فيلزم على امام المسلمين أن يوضح لهذا الشخص بأن هذا الأمر فوق طاقتك كما أن رسول الله عندما سئل عن ((الروح)) قال: ((إنها من أمر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا)) الاسراء، الآية 85 لا أن يصطنع اسطورة خرافية ويلوث ثقافة المسلمين وفهمهم للامور بها، وعلى هذا الاساس يحق لنا أن نتعامل مع مثل هذه الروايات من موقع الرفض والانكار لا كما صنعه بعض شراح ((من لا يحضره الفقيه)) من التأويل المزيف.
5 – وأورد الشيخ الصدوق في كتابه ((الخصال)) في ((باب الثلاثة)) رواية خرافية تحت عنوان ثلاث كُنّ في اميرالمؤمنين وقال:
((حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: حدثنا الحسن بن علي العدوي عن عبّاد بن صهيب (بن عبّاد) عن أبيه عن جده عن جعفر بن محمد – عليه السلام – قال: سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: أسألك عن ثلاثة هن فيك: أسألك عن قصر خلقك، وعن كبر بطنك وعن صلع رأسك!. فقال أميرالمؤمنين – عليه السلام – إن الله تبارك وتعالى لم يخلقني طويلا، ولم يخلقني قصيرا، ولكن خلقني معتدلا، أضرب القصير فأقدّه، وأضرب الطويل فأقطه. وأما كبر بطني فإن رسول الله (ص) علمني بابا من العلم ففتح لي من ذلك الباب ألف باب فازدحم العلم في بطني فنفخت عنه عضوي. وأما صلع رأسي فمن إدمان لبس البيض ومجالدة الأقران!))
أولا: إن في سند هذه الرواية ((الحسن بن علي العدوي)) وهو من المجاهيل ولم يعثر له على أثر في كتب الرجال، مضافا الى أن ((عباد بن صهيب)) كما تحدث عنه العلامة الحلي في ((خلاصة الأقوال)) أنه ((بتري المذهب)) ولكن بعض أرباب الرجال ذهبوا الى توثيقة والبعض الآخر الى تضعيفه كما ذكر الفاضل المقداد في ((التنقيح)) الى تضعيفه ولا يعلم من احوال والده وجده شيئا، ولذلك فالخبر المذكور ضعيف بلحاظ السند ولا يمكن الوثوق به.
ثانيا: إن متن الخبر شاهد على أنه يتضمن أعلى درجات الخرافة بل هو نوع من الاهانة واساءة الأدب لأميرالمؤمنين علي عليه السلام، فهل أن مكان الحكمة والعلم في بطن الانسان وأن كل من كان علمه أكثر كانت بطنه أكبر ؟ والعجيب من تبرير أحد شراح الحديث حيث قال: بما أن العلم والحكمة تثيران في الانسان لذة كبيرة فلذلك كبرت بطن الامام علي من لذة العلم رغم أنه كان كثير العبادة والرياضة. ولكن هذا الشارح لم يلتفت الى أنه اذا تقرر أن بطن الانسان تكبر بسبب لذة العلم ففي هذه الصورة يلزم أن تسمن جميع اعضاء بدنه بحيث يكون بدنه متناسب الأعضاء لا أن تكبر بطنه فقط. مضافا الى أن الرواية تقول أن سبب كبر البطن هو ازدحام العلوم لا اللذة الروحانية الحاصلة من العلم. وهنا نتساءل: ما الداعي الى التمسك بهذه الأحاديث الخرافية والعمل على تأويلها بدل طرحها وضربها عرض الجدار؟
6 – وروى الشيخ الصدوق في كتابه ((معاني الاخبار)) ضمن ((باب نوادر المعاني)) هذه الرواية:
حدثنا أبي – رحمه الله – قال حدثنا سعد بن عبدالله عن أحمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن الفضيل، عن العزر مي قال: كنت مع أبي عبدالله – عليه السلام – في الحجر جالسا تحت الميزاب ورجل يخاصم رجلا وأحدهما يقول لصاحبه: والله ما تدري من أين تهب الريح ؟ فلما اكثر عليه قال له أبو عبدالله – عليه السلام – فهل تدري من أين تهب الريح ؟ قال: لا ولكن أسمع الناس يقولون! فقلت أنا لإبي عبدالله – عليه السلام –: من أين تهب الريح جعلت فداك؟ قال: إن الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي فإذا أراد الله عزوجل أن يرسل منها شيئا أخرجه أما جنوب فجنوب وأما شمال فشمال، وأما صبا فصبا، وأما دبور فدبور، ثم قال: وآية ذلك أنك لا تزال ترى هذا الركن متحركا في الشتاء والصيف أبدا الليل مع النهار
أولا: إن سند هذه الرواية مخدوش لأن محمد بن الفضيل مجهول الحال، وقد ذكر المامقاني في حقه: ((لم أقف على حاله)) وكذلك ذكر العلامة الحلي عن حال راوي آخر في هذا السند وهو ((محمد بن فضيل)) أنه ((يرمى بالغلو)) فالحديث الذي يكون في سنده رجل مجهول الحال وآخر مغالٍ كيف نعتمد عليه ونقبله؟
ثانيا: إن الريح لا تأتي من جهة الركن الشامي ولا تصدر منه بحيث أن الله تعالى كلما أراد أن يبعثها يخرج من هذا الركن مقدارا منها كما تقول الرواية، فالرياح تهب بسبب اختلاف درجة حرارة الجو، فالهواء الحار يصعد الى الأعلى ويحل محله الهواء البارد، وهذا التحول والتبدل هو الذي يصنع الريح. وهذا المعنى يدركه الآن أطفال المدارس الابتدائية فهذه الرواية ليست سوى خرافة. وهنا إما أن نقول إن الامام الصادق لم يكن عالما بأمور الطبيعة بل هو العالم بالامور الدينية فقط، واما أن نقول أن رواة هذا الحديث قد كذبوا على الامام الصادق، ونحن نرجح القول الثاني لأن حركة الرياح من الركن الشامي الوارد في هذا الخبر قد نسب الى الله تعالى، ونحن نجل مقام الامام الصادق عن نسبة مثل هذا الكذب الى الله تعالى
7 – وأورد الشيخ الصدوق في كتابه ((كمال الدين وتمام النعمة)) حديثاً طويلا وغريبا عن ((سعد بن عبدالله القمي )) الذي يتضمن كلاما للامام الحسن العسكري عن الخليفتين الأول والثاني (أبي بكر وعمر) قال:
... أسلما طمعا وذلك بأنهما يجلسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصة محمد (ص) ومن عواقب أمره، فلما كانت اليهود تذكر أن محمداً يسلط على العرب كما كان بختنصر سلّط على بني اسرائيل ولابد له من الظفر بالعرب كما ظفر بختنّصر ببني اسرائيل، غير أنه كاذب في دعواه أنه نبي فأتيا محمداً (ص) فساعداه...
ونلاحظ على هذه الرواية:
أولا: إن سند هذه الرواية غير قابل للاعتماد والوثوق، لأن بين رواته ((محمد بن بحر الشيباني)) الذي يقول عنه ابن الغضائري ((إنه ضعيف في مذهبه ارتفاع)) أي غلو بالنسبة الى أهل البيت. وقد توقف العلامة الحلي أيضا في روايته. ومن رجال السند أيضا ((أحمد بن مسرور)) الذي ليس له أثر في كتب الرجال. ومنهم ((احمد بن عيسى البغدادي)) الذي هو أيضا مجهول ومن هنا فأن سند الحديث لا اعتبار له.
ثانيا: إن مضمون الخبر مخالف للقرآن الكريم، لأنه يدعي ان اليهود أخبروا عن ظهور نبي الاسلام وانتصاره ولكنهم قالوا إن ادعاءه النبوة كذب، مع أننا نقرأ في القرآن الكريم أن اليهود وجدوا علائم نبوة محمد في كتابهم التوراة ((الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة)) سورة الأعراف – 157 ومن هنا كان اليهود يخبرون عن انتصار نبي الاسلام على الكفار والمشركين قبل نزول القرآن ولكنهم كفروا بعد نزوله وانكروا نبوته كما يقول تعالى: وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به (البقره – 89)
ومن هنا فهذه الرواية واضحة الوضع والاختلاق وقد جعلت لاثارة الفرقة بين المسلمين.
8 – روى الشيخ الصدوق في كتابه ((صفات الشيعة )) حديثا يقول فيه:
الحديث الرابع عشر. قال أبو حمزة: سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمد – عليه السلام – يقول: رفع القلم عن الشيعة بعصمة الله وولايته.
ونلاحظ على هذا الحديث ما يلي:
أولا: إن سند هذا الحديث منقطع، لأن الصدوق رواه عن شيخه محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد، الذي رواه عن المفضل نقلا عن أبي حمزة،وبين استاذ الشيخ الصدوق وبين أبي حمزة الذي يعد من اصحاب الامام الصادق رواة آخرون لم يذكروا في السند.
ثانيا: إن متن الحديث فيه اشكال، لأنه لو قلنا بأن الشيعة لا يرتكبون الذنب بعصمة من الله تعالى فهذا الادعاء مخالف كما هو مشهود ومحسوس في واقع الشيعة، ولو قلنا أنهم يرتكبون المعاصي والذنوب ولكن القلم رفع عنهم، فهذا القول لا ينسجم مع آيات القرآن الكريم حيث يقول: إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم (ياسين – 12) مضافا الى أن مثل هذه الأحاديث من شأنها خلق الجرأة على الذنوب بين الشيعة وهي مغايرة لحكمة الشارع.
9 – وروى الشيخ الصدوق في كتابه ((عقاب الاعمال)):
حدثني محمد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي قال: في رواية اسحاق بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: من مضت له جمعة لم يقرأ فيها ((قل هو الله أحد)) ثم مات، مات على دين أبي لهب
وهذا الحديث باطل باجماع الأمة من الشيعة والسنة لأن قراءة سورة التوحيد غير واجبة على المسلمين في كل أسبوع مرة واحدة فكيف الحال اذا كان تاركها قرين أبي لهب ويموت على دين أبي لهب؟!.
10 – وأورد الصدوق في كتاب ((عيون أخبار الرضا)):
وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله –: يا علي إن الله تعالى قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ومحبي شيعتك ومحبي محبي شيعتك...
وكما نلاحظ في هذا الحديث مبالغة عجيبة حيث يعلن أن كل محبي الشيعة ومحبي محبيهم ((حتى لو كان كافرا وظالما وفاسقا)) فإن الله تعالى يغفر له.
ولا شك أن مثل هذا الكلام لا يصدر من النبي الاكرم، وهو بديهي البطلان ولا حاجة للبحث في سنده.
11 – يروي الشيخ الصدوق في كتابه ((علل الشرائع)) عن عليّ بن أحمد عن محمد بن أبي عبدالله عن محمد بن أحمد العلوي، عن علي بن الحسين العلوي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: ((إن المسوخ ثلاثة عشر: الفيل، والدبّ، والارنب، والعقرب، والضبّ، والعنكبوت، والدّعموص، والجرّي، والوطواط، والقرد، والخنزير، والزهرة، وسهيل، فسئل: يا ابن رسول الله (ص) ما كان سبب مسخ هؤلاء: فقال: أما الفيل فكان رجلا جبارا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا، وأما الدب فكان رجلا مؤتيا يدعو الرجال الى نفسه، وأما الارنب فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض ولا جنابة ولا غير ذلك، وأما العقرب فكان رجلا همازاً لا يسلم منه أحد، وأما الضبّ فكان رجلا أعرابيا يسرق الحاج بمحجته، وأما العنكوبت فكانت إمرأة سحرت زوجها، وأما الدّعموص فكان رجلا نماما يقطع بين الأحبّة. وأما الجرّي فكان رجلا ديّوثاً يجلب الرجال على حلائله، وأما الوطواط فكان رجلاً سارقاً يسرق الرطب على رؤوس النّخل. وأما القردة فاليهود اعتدوا في السبت. وأما الخنازير فالنصارى حين سألوا المائدة فكانوا بعد نزولها أشدّ ما كانوا تكذيبا. وأما سهيل فكان رجلاً عشارا باليمن. وأما الزهرة فأنها كانت امرأة تسمى ناهيد وهي التي يقول الناس: افتتن بها هاروت وماروت))
ولا ندري ما ننقد من هذا الحديث الخرافي والمخزي ولكننا نترك الحكم الى القاريء الكريم ليحكم بنفسه على عقول أساطين المذهب الذين يوردون مثل هذه الروايات السخيفة وينسبونها الى الأئمة المعصومين (ع)!! فماذا نقول للعالَم والشباب المثقف اذا رأى أو سمع أن إمامه المعصوم يقول بأن هذه الحيوانات كانت رجال ونساء يرتكبون الذنب، أو يسمع بأن كوكب سهيل كان رجلاً يمشي على الارض، أو أن كوكب الزهرة كان امرأة جميلة أفتتن بها هاروت وماروت؟! أو أن الخنازير هم نصارى في الأصل كذبوا بالمائدة التي أنزلها الله على عيسى (ع) والجميع يعلم بأن النصارى وخاصة الحواريين لم يكذبوا هذه المعجزة لحدّ الآن فكيف يستحقون هذا العذاب ولماذا نراهم لحد الآن بشرا متمدنين لم ينقلبوا الى خنازير؟
أقول: اذا سمع الشباب المثقف والشيعي خاصة مثل هذه الخرافات منسوبة الى إمامه المعصوم هل سيبقى على عقيدته بالامام؟ واذا جزم باختلاق هذه الاحاديث كما هو الصحيح – ألا يتساءل عن السبب الذي دعا علماء الشيعة كالصدوق والمجلسي والحر العاملي الى ذكرها في كتبهم؟ هل كانوا الى هذه الدرجة من السذاجة والجهل بحيث لم يدركوا زيف هذه الاحاديث واحتملوا أن امامهم يقول مثل هذا الكلام؟ فاذا كان اساطين المذهب الى هذه الدرجة من التخلف الفكري والسذاجة العقلية، فكيف نأتمنهم على عقائدنا وديننا؟! ولا حول ولا قوة الا بالله.
12 – أورد الصدوق أيضا في ((عيون أخبار الرضا)) حديثا عن جابر بن عبدالله الانصاري في قصة اللوح الذي رآه جابر بن عبدالله عند فاطمة الزهرا (ع): ((عن أبي نضرة قال: لما احتضر ابو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام عند الوفاة، دعا بابنه الصادق عليه السلام ليعهد اليه عهدا، فقال له اخوه زيد بن علي عليه السلام: لو امتثلت في تمثال الحسن والحسين عليهما السلام لرجوت أن لا تكون أتيت منكرا، فقال له: يا ابالحسن ان الامانات ليس بالتمثال ولا العهود بالرسوم، وانما هي أمور سابقة عن حجج الله عزوجل، ثم دعا بجابربن عبدالله فقال له: يا جابر حدثنا بما عاينت من الصحيفة، فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر، دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول الله (ص)، لاهنئها بمولود الحسين عليه السلام، فاذا بيديها صحيفة بيضاء من درة، فقلت لها: يا سيدة النساء ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟ قالت: فيها أسماء الأئمة من ولدي، قلت لها: ناوليني لانظر فيها، قالت: يا جابر لو لا النهي لكنت أفعل، لكنه قد نهى أن يمسها الانبي أو وصي نبي أو أهل بيت نبي، ولكنه مأذون لك أن تنظر الى باطنها من ظاهرها، قال جابر: فاذا أبوالقاسم محمد بن عبدالله المصطفى أمه آمنة، أبوالحسن علي بن أبي طالب المرتضى أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف، أبومحمد الحسن بن علي البر، أبو عبدالله الحسين بن التقي أمهما فاطمة بنت محمد، أبومحمد علي بن الحسين العدل، أمه شهربانو بنت يزدجرد، أبو جعفر محمد بن علي الباقر أمه أم عبدالله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)، أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق وأمه أم فروه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، أبو ابراهيم موسى بن جعفر أمه جارية اسمها حميدة المصفاة، أبوالحسن علي بن موسى الرضا أمه جارية اسمها نجمة، أبو جعفر محمد بن علي الزكي امه جارية اسمها خيزران، أبوالحسن علي بن محمد بن الامين امه جارية اسمها سوسن، أبومحمد الحسن بن علي الرفيق امه جارية اسمها سمانة وتكنى أم الحسن، أبوالقاسم محمد بن الحسن هو حجة الله القائم أمه جارية اسمها نرجس صلوات الله عليهم أجمعين))

ملامح الوضع والاختلاف في الحديث:
لا بأس قبل الوقوف على تفاصيل مدلول الحديث من الاشارة الى رجال السند..
سند الحديث: لم يرد ذكر أحد من رجال هذا الحديث في كتب الرجال من ((سعيد بن محمد بن نصر القطان)) الى ((بي نضرة)) ولا نعلم أين وجد الشيخ الصدوق هؤلاء الرواة المجهولين وأين وجد هذه الرواية ؟! ولكن الصدوق ذكر في هامش كتابه ((كمال الدين)) اسم (أبي بصرة) بعد أن أورد نفس هذا الحديث في هذا الكتاب، واذا كان كذلك فابو بصرة هو ((محمد بن قيس الاسدي)) الذي يقول عنه الشهيد الثاني في كتابه ((الدراية)) بأنه ضعيف وقال عنه ((كلما كان فيه محمد بن قيس عن أبي جعفر فهو مردود)) ولكنه ليس بمحمد بن قيس قطعاً، وعلى أية حال فان هذا الحديث لشدة وضوع الوضع فيه لا حاجة للبحث في رجال السند.
مدلول الحديث: ونلاحظ على مضمون ما ورد في الحديث:
1 – يقول ((ابو نضرة)) الشخص المجهول أنه: ((لما احتضر ابو جعفر محمد بن علي الباقر.. )) ومعلوم أن احتضار ووفاة الامام الباقر (ع) كما ورد في كتب المؤرخين جميعا وقعت بين عام 114 – 118 للهجرة، والفاصلة بين وفاة الامام الباقر (ع) وبين جابر بن عبدالله الانصاري تبلغ أربعين سنة تقريباً، أي أن جابر كان قد توفي قبل ذلك بأربعين سنة تقريبا، أي في حياة أبيه الامام زين العابدين (ع) ولكن هذا الراوي الكذاب لم يلتفت الى هذه الحقيقة وكان همّه اثبات هذه الرواية المختلقة على لسان جابر بن عبدالله الانصاري لضرب جماعة الزيدية على أساس أن زيد بن علي كان حاضراً عندما أوصى الامام الباقر (ع) بالامامة الى ابنه جعفر الصادق (ع)، وقد ورد مثل هذا الحديث المختلق في قصة جابر بن عبدالله الانصاري واجتماعه بالامام الباقر (ع) في الجزء الاول من أصول الكافي، الاّ أن المجلسي ذكر في ((مرآة العقول)) في شرحه لاصول الكافي أن: ((هذا الحديث ينافي ما مر من تاريخي وفاتهما، إذ وفاة علي بن الحسين (ع) كانت في عام خمس أو أربع وتسعين، ووفاة جابر على كل الاقوال كانت قبل الثمانين))
أما وفاة زيد بن علي فقد ذكر الشيخ الطوسي في رجاله (ص 195) أنه ((قتل سنة احدى وعشرين ومائة وله أثنتان وأربعون سنة)) وعلى هذا الاساس فان ولادته ستكون في سنة 79 تا 80 ه، لأنه قتل عام 121 في سن 42. وجاء في تهذيب تاريخ ابن عساكر ( ج 6، ص 118) أن زيد بن علي بن الحسين ولد سنة 78، أي بعد وفاة جابر بأربع سنوات أو سنة واحدة على الأقل، وقد ذكر ((سيد علي خان الشوشتري)) في شرحه للصحيفة السجادية أن ولادته كانت في عام 75، أي بعد وفاة جابر بسنة واحدة، فأين كان جابر عند احتضار الامام الباقر (ع)، عام 114، أو 117 لاقناع زيد بن علي بالتخلي عن الامامة وقد توفي جابر نفسه عام 74 ه؟!
ولكن العجيب مع وضوح بطلان هذا الحديث بما تقدم آنفاً أن علماء الشيعة يستندون في اثبات الامامة والنص على الائمة واحداً بعد الآخر بهذا الحديث الزائف غير مبالين بما يتضمنه هذا الحديث من زيف وخداع!!
2 – إذا كان هذا الحديث صحيحاً، فلماذا ذكر الكليني في كتابه الكافي ج 1، في باب ((الاشارة والنص على أبي الحسن الرضا)) حديثا يتناقض مع الرواية محل البحث؟ والحديث في الكافي يقرر أن الامام موسى الكاظم لم يكن يعلم أي واحد من أبنائة سيكون اماما بعد وقد كان يودّ أن تكون الامامة لابنه القاسم لحبه له ولكنه رأى رسول الله (ص) في المنام وقال له بأن الامر قد خرج منك الى غيرك، فقال له الامام: ((فقلت يا رسول الله: أرنيه أيهم هو ؟ فقال رسول الله (ص): ما رأيت من الأئمة أحدا أجزع على فراق هذا الأمر منك ولو كانت الامامة بالمحبّة لكان اسماعيل أحب الى أبيك منك ولكن ذلك من الله عزوجل ثم قال أبو ابراهيم (ع): ورأيت ولدي جميعاً الاحياء منهم والأموات، فقال لي أميرالمؤمنين (ع): هذا سيدهم، وأشار الى ابني علي، فهو مني وأنا منه والله مع المحسنين)).
وفي هذا الحديث أيضا اشارة الى قضية اسماعيل بن الامام الصادق (ع) الذي قال عنه الامام الصادق (ع) في الحديث المشهور أنه ((ما بدا لله ما بدا له في ابني اسماعيل)) حيث كان الشيعة والامام الصادق نفسه يعتقدون بأن الامام بعده هو اسماعيل الا أنه توفي قبل والده والقصة معروفة. مضافاً الى أن الشيعة وحتى كبار أصحاب الائمة كانوا يختلفون في الامام الذي يلي الامام المتوفي حتى كثرت فرق الشيعة من فطحية وواقفة وزيدية وغيرهم. بل إن زرارة الذي يعتبر أقرب المقربين للامام الصادق (ع) وأخلص أصحابه عندما دنت منه الوفاة وكان قد سمع بوفاة الامام الصادق (ع) ولم يكن يعلم بالامام الذي يليه، بعث شخصا الى المدينة يستجلى له خبر الامام للشيعة بعد الصادق (ع)، فلما أبطاً الرسول عليه وأحس بدنو أجله وضع القرآن على صدره وقال: هذا امامي وأسلم الروح. فلو كان الامام الباقر (ع) دعا بابنه الصادق (ع) عند احتضاره وكان عنده اخوه زيد بن علي وآخرين من ابنائه وأصحابه (ومنهم الراوي المجهول لهذا الحديث ابو نضرة) وأراهم اللوح المذكور لشاع خبره عند أكابر أصحاب الامام على الاقل ولم يكن يحدث كل هذا الختلاف!!
3 – في هذا الحديث أمور عجيبة أخرى ترسم علامات استفهام كبيرة حول صحة ومعقولية هذا الحديث، منها أن جابر يقول فيه أنه ذهب الى بيت فاطمة (ع) لتهنئتها بولادة ابنها الحسين (ع) ولم يعهد في ذلك الزمان أن يتوجه الناس من غير الارحام الى بيت الام لتهنئتها بدل تهنئة الاب بالوليد الجديد، هذا مع أن جابر في ذلك الوقت كان شاباً مراهقاً له من العمر 16 أو 17 سنة ولم يكن متزوجاً بعد لأنه قد تزوج بعد مقتل أبيه ((عبدالله بن حزام)) في معركة أحد في السنة الثالثة للهجرة، أي في السنة التي ولد فيها الامام الحسن (ع). ولا يصح أن يدخل على الزهراء (ع) في هذا الحال وتكون الزهراء (ع) لوحدها في البيت كما يظهر من سياق الحديث أنها سمحت له بقراءة اللوح لوحده وكان قريباً منها جداً بمقتضى قراءته للصحيفة وهي بيد فاطمة (ع) فكيف تسمح فاطمة لشاب أن يقترب منها الى هذه الدرجة وهي لوحدها في البيت وتظهر له من أسرارها ما خفي عن سائر المسلمين والمخلصين امثال سلمان وأبي ذر وعمار وغيرهم(ع).
4 – ورد في هذا الحديث أيضا اسماء امهات الائمة (ع) ولكنها في الغالب لم ترد مطابقة للواقع، فوالدة الامام زين العابدين على المشهور ((جهان شاه)) وهنا ورد اسم ((شهربانو))، ووالدة الامام الرضا (ع) تدعي ((تكتم)) وهنا ((نجمة)) وهكذا الحال في البواقي، مضافا الى أن الزهراء (ع) قالت في هذا الحديث لجابر أن هذه الصحيفة قد ورد النهي عن أن يمسها بشر الا نبي أ ووصي نبي أو أهل بيت نبي، ولكن مع ذلك لا مانع من قراءة ما فيها. فهل أن هذه الصحيفة التي ليس فيه سوى اسماء أهل البيت (ع) أكرم واعظم حرمة من القرآن وهو كلام الله حيث يجوز مسّه لجميع الناس؟1
5 – ورد في الحديث الثاني من نفس هذا الباب في كتاب ((عيون أخبار الرضا) أيضا اسماء جميع الأئمة الاثنى عشر عن الامام الباقر (ع) بواسطة جابر بن عبدالله الانصاري، ولكن في هذه المرة وردت الأسماء في لوح كان بيد فاطمة الزهراء وقد استنسخه جابر بن عبدالله، وأورد الصدوق هذا الحديث أيضا في ((اكمال الدين)) وجا فيه:
((عن أبي عبدالله (ع) قال: قال أبي لجابر بن عبدالله الانصاري: إن لي اليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك، فاسئلك عنها ؟ قال له جابر: في أي الاوقات شئت، فخلا به أبي عليه السلام فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة بنت رسول الله (ص) وما أخبرتك به أمي أن في ذلك اللوح مكتوبا، قال جابر: أشهد بالله، اني دخلت على أمك فاطمة في حيوة رسول الله (ص) لا هنئها بولادة الحسين عليه السلام، فرأيت في يدها لوحا أخضر ظننت أنه زمرد ورأيت فيه كتابا أبيض شبه نور الشمس فقلت لها: بأبي أنت وامي يا بنت رسول الله (ص) ما هذا اللوح ؟ فقالت: هذا اللوح أهداء الله عزوجل الى رسوله (ص) فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني واسماء الاوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي (ع) ليسرني بذلك، قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة، فقرأته وانتسخته، فقال أبي (ع): فهل لك يا جابر أن تعرضه علي، قال: نعم، فمشى معه أبي (ع) حتى انتهى الى منزل جابر، فأخرج أبي (ع) صحيفة من رق قال جابر فأشهدبالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الامين من عند رب العالمين، عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، اني أنا الله لا اله الا أنا، قاصم الجبارين ومذل الظالمين، وديان الدين، اني أنا الله لا اله الا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عذابي عذبته عذابا لا اعذب أحدا من العالمين، فاياي فاعبد وعلي فتوكل، اني لم أبعث نبيا فأكملت أياما وانقضت مدته، الا جعلت له وصيا، واني فضلتك على الانبياء وفضلت، وصيك على الاوصياء، واكرمتك بشبليك بعده، وبسبطيك الحسن والحسين، فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسينا خازن درجة عندي، وجعلت كلمتي التامة معه والحجة البالغة عنده بعترته، أثيب واعاقب، أولهم: علي سيد العابدين، وزين أوليائي الماضين وابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمي، سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد عليّ حق القول مني، لاكرمن مثوى جعفر ولاسرنه في إشياعه وانصاره واوليائه انتجبت بعده موسى وانتحبت بعده فتنة عمياء حندس لان خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى، وان اوليائي لا يشقون، الا ومن جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي، ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي، وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، إن المكذب بالثامن مكذب بكل اوليائي، وعلي وليي وناصري و ومن أضع عليه اعباء النبوة وامنحه بالاضطلاع يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح الى جنب شر خلقي حق القول مني لاقرن عينيه بمحمد ابنه وخليفته من بعده، فهو وارث علمي ومعدن حكمي وموضع سري وحجتي على خلقي جعلت الجنة مثواه وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه على وليي وناصري والشاهد في خلقي واميني على وحيي اخرج منه الداعي الى سبيلي والخازن لعلمي الحسن، ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر ايوب سيذل في زمانه اوليائي وتتهادون رؤسهم كما تتهادى رؤس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الارض بدمائهم ويفشوا الويل والرنين في نسائهم، اولئك اوليائي حقا بهم ادفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم اكشف الزلازل وارفع الاصار والاغلال، اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون، قال عبدالرحمن ابن سالم: قال أبوبصير: لو لم تسمع في دهرك الا هذا الحديث لكفاك، فصنه الا عن أهله))
هذا الحديث في وضوح زيفه وبطلانه كالحديث الاول، فمن حيث السند نرى في رجاله ((بكر بن صالح)) الذي يقول عنه ابن الغضائري بانه جدا ضعيف وكثير التفرد بالغرائب وضعّفه كذلك العلامة الحلي في الخلاصة (ص 207)، وهكذا حال ((عبدالرحمن بن سالم)) الذي يقول عنه صاحب تنقيح المقال أنه ((على كل ضعيف أو مجهول)) ويقول عنه العلامة في الخلاصة ((عبدالرحمن بن سالم بن عبدالرحمن الأشل كوفي مولى روى عن أبي بصير، ضعيف)).
أما ((صالح بن ابي حماد)) فينقل صاحب تنقيح المقال ( ج 2 – ص 91) عن قول النجاشي بأن ((أمره ملتبس يعرف وينكر)) ويقول عنه العلامة في الخلاصة: ((المعتقد عندي التوقف فيه لتردد النجاشي وتضعيف الغضائري)).
أما مضمون الحديث فنقرأ فيه أن الامام الصادق (ع) يحدث بهذا الحديث وكأنه حاضر في ذلك الحدث. فانه يقول: قال أبي لجابر، ولم يقل اني سمعت أبي يقول كذا، ويقول أيضا: فمشى معه أبي الى منزل جابر. ثم إن الامام الصادق (ع) يقسم ((فوالله ما خالف حرف حرفاً)) فهذه شواهد جلية على أنه كان حاضرا في الواقعة لا أنه ينقل حديثاً عن آخر. ومن هنا تتبين أول علامات وضع واختلاق هذا الحديث، فالامام الصادق (ع) ولد عام (83) باتفاق المؤرخين، وكان جابر قد توفي عام (74 أو 77) ولم يدرك الامام الصادق اطلاقاً، وهناك حديث نبوي مشهور يؤيد هذا الكلام وهو أن رسول الله قال لجابر إنك ستدرك الباقر من ولدي، ولم يرد فيه اسم الامام الصادق(ع).
ومن العلائم الاخرى التي تدل على وضع الحديث أن الامام الباقر(ع) يقول لجابر: ((انظر في كتابك لأقرأه عليك فنظر جابر في نسخته... )) ومعلوم أن جابر – كما تشير كتب التاريخ – كان أعمى. وقد جاء في رواية الاربعين في زيارة جابر لقبر الحسين(ع) سنة 61 ه أنه كان أعمى وقد أمر غلامه أن يضع يده على تراب القبر... فكيف ينظر في نسخته وهو أعمى!؟!
ومنها:أن هذا الحديث يتناقض مع ما سبقه في أنه يقرر أن جابر أخذ من فاطمة اللوح واستنسخه بينما يقول الحديث السابق أنه قد نهي عن مسه ألا نبي أو وصي نبي!
ومنها: أن اللوح يتحدث عن ألقاب لرسول الله (ص) من قبيل سفيره وحجابه، لم ترد في شيء من صفات رسول الله (ص) المذكورة في القرآن والاحاديث المعتبرة سوى ما ورد في كلمات المتصوفة. وأساساً لا يعقل كون رسول الله (ص) حجاباً للذات المقدسة وهو النور والدليل الى الله والهادي الى سبيله وليس في كونه (ص) حجاباً لله فضيلة للنبي ليطلق عليه هذا اللقب، وقد ورد عن أميرالمؤمنين (ع) في نهج البلاغة في صفة الله تعالى ((لم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك)) (نهج البلاغة – الكتاب 31)
ومنها: أن تعيين الائمة من قبل الله تعالى لو كان لغرض هداية الخلق فلماذا ورد هذا التعيين في لوح أو صحيفة سرية وخاصة ولم يؤذن لفاطمة أو رسول الله (ص) أو اميرالمؤمنين (ع) الاعلان عنها، ولماذا لم ترد في القرآن الكريم يتعرف جميع المسلمين على حقيقة الحال، ولماذا اختص بهذه الفضيلة جابر بن عبدالله وهو شاب مراهق لا يؤمن أن يذيع هذا السر وحرم منه سلمان وابوذر وعمار وحذيفة وغيرهم من أصحاب النبي وأميرالمؤمنين المخلصين؟!
ومنها: نقرأ في الحديث عبارات غير بلاغية بل ركيكة أيضا مما يدل على جهل الراوي وعدم اطلاعه على اللغة العربية والعقائد الصحيحة، مثلا قوله ((فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذابا لا أعذبه احدا من العالمين)) وهذا المعنى بعيد جدا عن كرم الله ورحمته وعلمه بضعف عباده لا سيما وأن المتصف بهذا الوصف هم أكثر الخلق ولا تتحقق فضيلة الرجاء الخالص لله تعالى الا للقليل من الناس، والتهديد الوارد في هذا الحديث بالعذاب الشديد ينسجم مع كونه لفئة قليلة جدا من الناس كما في التهديد الوارد في شأن الحواريين أنهم لو كذبوا بمعجزة المائدة فان الله سوف يعذبهم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين (سورة المائدة: 115)، والحال أنه ما أكثر الاشخاص حتى من المؤمنين الذين يرجون غير فضل الله ويخافون غير عدله، وفي الواقع إنهم يخافون من غير عدل الاخرين اكثر مما يخافون من غير عدل الله (اي من ظلم الله) بل الخوف من ظلم الناس لا من عدل الله.
وأساساً فان جملة ((خاف غير عدلي)) مبهمة وركيكة والمفروض أن يقول ((خاف عدل غيري)) أو ((خاف عدلي)) لأنه لا معنى لأن يقول ((خاف ظلمي))، لأن الله غير ظالم قطعا، حيث يخاف الانسان من عدله ويرجو رحمته. وبعبارة أخرى إن غير العدل إما أن يكون ظلما أو فضلا، وبما أن الظلم منتف بالنسب للذات المقدسة، فغير العدل يساوق الفضل، والفضل الالهي لا ينسجم مع الخوف منه بل يجب أن يطمع به الانسان لا أن يخافه.
ومنها: ورد في القرآن الكريم أن الانبياء (ع) أيضا يخافون غير عدل الله. فالنبي زكريا يقول: ((وإني خفت الموالي من ورائي... )) (مريم: 5) والنبي موسى يقول ((فأخاف أن يقتلون)) (الشعراء: 14 – القصص: 33)، بل إن الله نفسه يقول مخاطبا أم موسى: ((فاذا خفت عليه فألقيه في اليم)) (القصص: 7). وقال تعالى على لسان موسى وهارون: ((ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا)) (طه: 45). ويعقوب (ع) يقول: ((وأخاف أن يأكله الذئب)) (يوسف: 13)، ويقول تعالى مخاطباً نبيه الكريم: ((وإما تخافنّ من قوم خيانة)) (الانفال: 58).
ومنها: تقول الرواية هذه: ((إني لم أبعث نبياً الا جعلت له وصيا)) في حين أنه يوجد الكثير من الانبياء لم يكن لهم أوصياء ولم يحدثنا القرآن الكريم أو الروايات المعتبرة أنه كان لهم أوصياء كالنبي صالح وشعيب ولوط وهود ويحيى وزكريا وغيرهم. بل ليس من المعقول وجود الوصي مع وجود النبي، فالكثير من أنبياء بني اسرائيل كانوا يتوارثون النبوة كداوود وسليمان، أو زكريا ويحيى فلا معنى لأن يجعل زكريا وصياً واماماً من بعده مع وجود النبي يحيى وظاهر الحديث أن الوصاية بالامامة غير مقام النبوة الذي لا يكون بجعل النبي السابق بل بارسال من الله تعالى للنبي.
ومنها: وردت في هذا الحديث الباهر المشعشع أخبار عن المستقبل في زمن الامام الثاني عشر (ع) كقوله ((ستذل أوليائي في زمانه ويتهادون رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ويقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين تصبغ الارض من دمائهم ويفشوا الويل والرنين في نسائهم)).
ونلاحظ عليه: أن زمن الامام المهدي (ع) يسود فيه العدل ويقام فيه القسط كما ورد في الروايات المتواترة (يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا) وإن كان المقصود في زمن غيبته فلم نعهد في التاريخ أن مر الشيعة بزمن يتهادى الملوك والامراء رؤوس الشيعة، بل قامت لهم دول وممالك كدولة الحمدانيين وآل بويه والفاطميين والصفويين والقاجاريين وآخرها الدولة الاسلامية في ايران. ولم يكن شيعة العراق أو لبنان في زمن من الازمان يعيشون الرعب ولم يواجهوا الحرق ولم تصبغ الارض من دمائهم، واساسا فان مثل هذا التعبير المبالغ فيه (تصبغ الارض من دمائهم) بعيد أن يصدر من الله تعالى. وأما القتل في الحروب ونشوء الويل والرنين في نسائهم من جراء مقتل الرجال في الحروب فهو لا يتقصر على الشيعة بل يمثل حالة سائدة لدى جميع الشعوب والاقوام البشرية، فقد واجه المسلمون القتل والذبح في الحروب الصليبية وحرب الاندلس وقتل منهم مقتلة عظيمة، وكذلك واجهت الشعوب الاوربية مثل هذه الحالة المأساوية في الحرب العالمية الاولى والثانية، وابتلى المسلمون بالقتل الذريع على يد المغول والتتر. فلم تكن هذه الحالة خاصة بالشيعة كما يظهر من سياق الحديث المذكور.
ثم إن الزهراء (ع) تقول في هذا الحديث إن رسول الله (ص) اعطاها هذا اللوح ((ليسرّني بذلك)) فهل يعقل أن يكون غرض رسول الله (ص) من اهداء هذا اللوح الى ابنته العزيزة هو ادخال السرور على قلبها وفيه خبر مقتل أبنائها وذريتها على يد سلاطين الجور وما سوف يلاقي شيعتها من قتل وذبح وحرق ويتهادى امراء الجور والظلم رؤوسهم ويفشو الويل والرنين في نسائهم!؟
وأخيرا، اذا كان الغرض هو كتمان امر اللوح المذكور واختصاص النبي وأهل بيته (ع) به فكيف شاع وانتشر بين الناس جميعا بواسطة جابر ومن روى عنه هذه الرواية؟
وما معنى أن يقول ابو بصير للراوي: ((صنه الا عن أهله)) ثم يكتب هذا الحديث في الكتب وينتشر في كافة الاعصار والامصار؟!!
هذه نماذج من الأحاديث الواردة في كتب الشيخ الصدوق المختلفة مع مناقشتنا لها واستعرضناها للقاريء الكريم ليعلم ما ورد من أباطيل وخرافات في كتب الحديث المهمة حتى لا نقبل كل حديث يروى لنا في هذه الكتب ولا ننبهر بمؤلفيها وشهرتهم وقداستهم، ولو أننا قبلنا بكل ما ورد فيها من روايات بدون قيد وشرط فان مصيبتنا في الدين ستكون عظيمة

الحوار المتمدن-العدد: 3970 - 2013 / 1 / 12 - 00:25


نقد العلامة المحدث محمد باقر المجلسي

وهو من متأخرى المحدثين وابرزهم ((المتوفى عام 1110 ه )) وأشهر علماء الشيعة الامامية في الدولة الصفوية بحيث تأثر فيه جميع من جاء بعده من المحدثين. أما عن شخصية المجلسي وآثاره فقد أورد حاله العلامة في التذكرة وغالباما يطلق عليه أنه من اقطاب مذهب الامامية والمحيي لأحاديثهم أو خادم علوم أهل البيت كما تحدث عنه صاحب كتاب ((لؤلؤة البحرين)) وقال: هذا الشيخ كان امامنا في وقته في علم الحديث وسائر العلوم، شيخ الاسلام بدار السلطنة اصفهان، رئيسا فيها بالرئاستين الدينية والدنيوية، إماما في الجمعة والجماعة، وهو الذي روج الحديث ونشره لا سيما في ديار العجمية وترجم لهم الأحاديث العربية بأنواعها بالفارسية...
وأهم مصنفات المجلسي هو ((بحار الأنوار الجامعة لدرر الأخبار الأئمة الاطهار)) الذي اشتهر شهرة كبيرة بين الشيعة وصار مرجع المحدثين للفرقة الامامية. وقد طبع هذا الكتاب أخيرا في مائة و عشرة اجزاء، وقد استفاد المجلسي في هذا الكتاب من كتب القدماء والمعاصرين له واحيانا ينقل الأحاديث عن الكتب التي لا يعتمد هو عليها، وكمثال على ذلك ما ورد في المجلد السابع والخمسين حيث قال بعد أن أورد حديثا غريباً من كتاب ((جامع الأخبار)):
أوردها صاحب الجامع فأوردتها ولم أعتمد عليها
وايضا روى في هذا المجلد أيضا نفسه خبرا آخر عن الشيخ الصدوق ثم قال بعد ذلك:
أقول: الخبر في غاية الغرابة ولا اعتمد عليه لعدم كونه مأخوذا من أصل معتبر وإن نسب الى الصدوق ره
وعلى هذا الاساس فإنّ المجلسي وخلافا للكليني وابن بابويه لم يجمع في كتابه الأحاديث الصحيحة والمعتمدة لديه بل كان بصدد جمع الأخبار في كتابه هذا، ومن هنا كثرت الأخبار المجعولة والموهومة في هذا الكتاب الى جانب الأخبار الصحيحة والنافعة وقد انتشرت هذه الأخبار بين الناس بدون التصريح بجعلها وكذبها وسببت تلويث ذهنية العوام ومزجها بالخرافات والأساطير والعقائد المغالية. ورغم أن توضيح المجلسي في ذيل بعض الأخبار الغريبة قد يكون مفيدا احيانا إلا أنه لا يكفي في المقام، مضافا أنه سكت عن الكثير من الأخبار التي ورد في مضمونها غلو وأباطيل كثيرة، ولهذا احتاج كتاب ((بحارالأنوار)) الى نقد كثير وواسع ولابد أن يفصل له كتاب مستقل.
وللعلامة محمد باقر المجلسي كتب عديدة أخرى باللغة الفارسية منها: حلية المتقين، عين الحياة، حياة القلوب، حق اليقين، جلاء العين و زاد المعاد.
وهنا نستعرض بعض النماذج للأحاديث الباطلة المذكورة في كتابين للمجلسي أحدهما باللغة العربية والآخر باللغة الفارسية وهما: بحار الانوار وحلية المتقين ليكون القارىء الكريم على علم بتفاصيل هذه الروايات من هذا المختصر.

نماذج من روايات المجلسي
1 – روى المجلسي في كتاب ((بحار الانوار)) رواية طويلة عن الامام الصادق (ع) في ولادة الامام علي (ع) في الكعبة ونقرأ ضمن هذه الرواية أن النبي الأكرم جاء الى بيت أبي طالب بعد ولادة الامام علي وعودة أمه به الى بيتها:
((فلما دخل رسول الله (ص) اهتز له أميرالمؤمنين(ع) وضحك في وجهه وقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. ثم تنحنح بإذن الله تعالى وقال: بسم الله الرحمن الرحيم. قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلوتهم خاشعون... إلى آخر الآيات. فقال رسول الله (ص): قد افلحوا بك وقرأ تمام الآيات إلى قوله: أولئك هم الوارثون. الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون. فقال رسول الله (ص): أنت والله أميرهم))
وعلى أساس مفاد هذه الرواية فإن النبي محمداً وقبل أن يبعث بالنبوة بعشر سنوات وقبل نزول القرآن عليه في غار حراء فان علي بن أبي طالب قد كان على علم بآيات القرآن الكريم من سورة المؤمنون، مع أن القرآن الكريم نفسه يصرح أن النبي الأكرم قبل نزول الوحي لم يكن يعلم بالقرآن لا هو ولا قومه:
تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا... (هود/49)
وأيضا يقول القرآن الكريم
وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان (الشورى52)
وكذلك يقول تعالى
ما كنت ترجو أن يلقى اليك الكتاب الا رحمة من ربك (القصص/86)
فاذا لم يكن رسول الله عالما بنزول الكتاب وما فيه قبل البعثة ((حتى أنه اصيب بالدهشة في غار حراء عند نزول ملك الوحي عليه)) فكيف قرأ علي بن أبي طالب القرآن وهو طفل رضيع؟ هل أنه استلم الوحي قبل رسول الله؟ أليست هذه الأسطورة هي من ابداعات المغالين الذين يهدفون الى رفع مقام الامام علي الى مستوى الالوهية؟
والعجيب ما نقرأ في ذيل هذا الحديث أنه:
فلما كان من غد دخل رسول الله (ص) على فاطمة (بنت أسد) فلما بصر علي (ع) برسول الله (ص) سلّم عليه وضحك في وجهه وأشار اليه أن خذني اليك واسقني بما سقيتني بالأمس قال: فأخذه رسول الله (ص) فقالت فاطمة: عرفه ورب الكعبة: قال: فلكلام فاطمة سمي ذلك اليوم يوم عرفة يعني أن أميرالمؤمنين (ع) عرف رسول الله (ص) (بحار، ج 35، ص 38)
في حين أن من جملة المسلمات لدى أرباب التاريخ أن يوم عرفة كان مشهورا ومعروفا قبل ولادة الامام علي.
2 – ويروي المجلسي في المجلد 41 من كتاب بحار الأنوار هذه الرواية:
ابوالفتح الحفّار بإسناده أن عليّاً – عليه السلام – قال: ما زلت مظلوما مذ كنت! قيل له: عرفنا ظلمك في كبرك، فما ظلمك في صغرك؟ فذكر أن عقيلا كان به رمد، فكان لا يذرّهما حتى يبدأوا بي!
وهنا لابد من القول أن صانع هذا الخبر كان ساذجا جداّ لأن عقيل كان أكبر من الامام علي ب20 سنة، ولا يعقل أن يتصرف شاب في عمر العشرين عام مثل هذا التصرف وأن لا يلقى في عينه الدواء قبل أن يلقى الدواء في عيني طفل رضيع، ولو كانوا يصنعون ذلك فانما يصنعونه مع الاطفال لا مع شاب في عمر العشرين.
إن اختلاف السن بين علي وعقيل ورد في بحار الأنوار نفسه حيث يقول:
إن مولانا أميرالمؤمنين – عليه السلام – كان أصغر ولد أبي طالب. كان أصغر من جعفر بعشر سنين وجعفر أصغر من عقيل بعشر سنين وعقيل أصغر من طالب بعشر سنين
3 – وقد ورد في كتب الشيعة والسنة أن الخليفة الثاني ((عمر بن الخطاب)) طلب يد ام كلثوم بنت الامام علي وتزوجها وأولد منها ولدا سماه ((زيد بن عمر)). وقد ذهب بعض علماء الشيعة كالشيخ المفيد الى تضعيف هذه الرواية وأن سندها غير وارد الا من طريق أهل السنة، ولكن المجلسي يروي في بحار الأنوار هذه الرواية من طرق الشيعة أيضا حيث يوحي بصحتها ويقول بالنسبة الى انكار الشيخ المفيد:
إنكار المفيد – رحمه الله – أصل الواقعة إنما هو لبيان أنه لم يثبت ذلك من طريقهم وإلا فبعد ورود ما مر من الأخبار إنكار ذلك عجيب وقد روى الكليني عن حميد بن زياد عن أبي سماعة عن محمد بن زياد عن عبدالله بن سنان ومعاوية بن عمار عن أبي عبدالله – عليه السلام – قال: إن عليا لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها الى بيته. وروي نحو ذلك عن محمد بن يحيي وغيره عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام.
ولكن الموضوع العجيب هو أن المجلسي في المجلد 42 من بحار الأنوار يروي حديثا عن الامام الصادق يبرز فيه هذا الزواج بصورة عجيبة وغريبة وبشكل غير معقول، وهذه الرواية هي:
الصفار عن أبي بصير، عن جذعان بن نصر، عن محمد بن مسعدة، عن محمد بن حموية بن اسماعيل، عن أبي عبدالله الربيبي عن عمر بن أذينه قال: قيل لأبي عبدالله – عليه السلام – إن الناس يحتجون علينا ويقولون: إنّ أميرالمؤمنين (ع) زوّج فلانا ابنته أم كلثوم. وكان متكئا فجلس وقال: أيقولون ذلك؟ إنّ قوما يزعمون ذلك لا يهتدون الى سواء السبيل. سبحان الله ما كان يقدر أميرالمؤمنين (ع) أن يحول بينه وبينها فينقذها ؟ كذبوا ولم يكن ما قالوا. إن فلانا خطب الى علي – عليه السلام –بنته ام كلثوم فأبى علي – عليه السلام – فقال للعباس: والله لئن لم تزوجني لانتزعن منك السقاية وزمزم! فأتى العباس عليا فكلمه فأبى عليه، فألحّ العباس، فلمّا رأى أمير المؤمنين – عليه السلام – مشقة كلام الرجل على العباس وأنه سيفعل بالسّقاية ما قال أرسل أميرالمؤمنين (ع) إلى جِنيّة من أهل نجران يهوديّة يقال لها سحيفة بنت جريرية فتمثّلت في مثال أم كلثوم وحجبت الأبصار عن أم كلثوم وبعث بها الى الرجل، فلم تزل عنده حتى أنه استراب بها يوما فقال: ما في الأرض أهل بيت أسحر من بني هاشم. ثم أراد أن يظهر ذلك للناس فقتل وحوت الميراث وانصرفت الى نجران وأظهر أميرألمؤمنين (ع) أم كلثوم!
ونلاحظ على هذه الرواية:
أولا: إن في سند هذه الرواية الخرافية أفرادا مجهولين مثل جذعان بن نصر ومحمد بن مسعدة ومحمد بن حموية ومن هنا فهذه الرواية ساقطة عن درجة الاعتبار سنداً.
ثانيا: لابد من التساؤل هنا، هل يتمكن الجِنّ من الزواج مع البشر ويتولد منهم طفل كزيد بن عمر ؟ وهل يجوز لامام المتقين وبسبب مقام السقاية لعمه العباس أن يحتال بهذه الحيلة ويصور جِنيّة بصورة الانسان ليتزوجها الخليفة؟ مضافا الى أن هذه الرواية اذا كانت صحيحة فالجنية قد عادت الى نجران واتضح امر ام كلثوم. اذن فلماذا نقرأ في الروايات الأخرى أن الامام علي بعد قتل عمر ذهب الى بيت الخليفة وأخذ ام كلثوم الى بيته؟
4 – والأنكى من ذلك رواية أخرى ذكرها المجلسي في المجلد الثاني والأربعين وهي:
عليّ بن ابراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم وحمّاد، عن زرارة عن أبي عبدالله – عليه السلام – في تزويج أم كلثوم فقال: إنّ ذلك فرج غُصبناه!
وفي نظري أن الامام علي أغير من أن يسمح بغصب ناموسه وشرفه لأي أحد من الناس، بل إن زواج أم كلثوم من الخليفة تم برضا أم كلثوم كما صرح بذلك بعض المؤرخين. وقد ورد هذا المعنى في بحار الأنوار أيضا: تارة يروى أنه كان عن اختيار وإيثار.
5 – ويروي المجلسي في المجلد 43 من بحار الأنوار هذه الرواية:
روي عن محمد بن سنان قال: دخلت على الصادق – عليه اسلام – فقال لي: من بالباب؟ قلت: رجل من الصين! قال فأدخله، فلما دخل قال له ابوعبدالله(ع): هل تعرفوننا بالصين؟ قال: نعم يا سيدي. قال: بماذا تعرفوننا ؟ قال: يا ابن رسول الله إن عندنا شجرة تحمل كل سنة وردا يتلوّن كل يوم مرتين فإذا كان أول النهار نجد مكتوبا عليه: لا إله الا الله، محمد رسول الله، واذا كان آخر النهار فإنا نجد مكتوبا عليه: لا إله الا الله، علي خليفة رسول الله!
ونلاحظ على ذلك:
أولا: إن سند هذه الرواية ضعيف جدا وفي سلسلة السند انقطاع، فالراوي الأول لها هو ((محمد بن سنان)) الذي لا يعتمد عليه أرباب الرجال وهو مورد اختلاف شديد بينهم مما يسلب الوثوق بهذه الرواية حيث يقول ابن الغضائري والنجاشي في شأنه: إنه ضعيف غال لا يلتفت اليه.
ويقول أبو عمر الكشي في رجاله في شأن محمد بن سنان: فانه قال قبل موته: كلما حدّثتكم به لم يكن لي سماع ولا رواية انما وجدته.

ثانيا: إذا كان هناك نوع من الورد في البلدة تزهر وتنمو بهذه الأوصاف كل عام لاشتهر أمرها بين الناس وذاع صيتها في البلدان ولآمن آلاف الناس في الصين والبلدان النائية بالتشيع بل بالامكان تكثير هذا النوع من الورد وارساله الى مناطق أخرى من العالم الاسلامي في حين أنه لا يوجد لهذا الأمر خبر ولا أثر وأكثر الناس في الصين هم من غير المسلمين، وأكثر المسلمين هناك بل جمعيهم الا ما شذ وندر هم على مذهب أهل السنة والجماعة حيث اعتنقوا الاسلام عن طريق التجار المسلمين من أهل السنة الذين كانوا يذهبون الى هناك وينشرون مذهب التسنن، وعليه فلا يمكن التصديق بهذه الاسطورة الخرافية.
6 – ويروي المجلسي في المجلد 26 من بحار الأنوار:
ومن كتاب القائم للفضل بن شاذان عن صالح بن حمزة، عن الحسن بن عبدالله، عن أبي عبدالله – عليه السلام – قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام على منبر الكوفة: والله إني لديان الناس يوم الدين... وأنا صاحب النشر الأول والنشر الآخر...
ونلاحظ على هذه الرواية ما يلي:
أولا: إن بعض رواة هذا الحديث متهمون بالغلو وبعضهم الآخر من المجاهيل، مثلا يقول العلامة الحلي في خلاصة الأقوال حول ((الحسن بن عبدالله)) أنه يرمى بالغلو.
ثانيا: إن كل باحث ومطلع على فترة حكومة أميرالمؤمنين في الكوفة والأوضاع الاجتماعية السائدة حينذاك يدرك جيدا كذب هذا الحديث لأن الكثير من الناس المتعصبين والخارجين كانوا يجلسون في مجلس أميرالمؤمنين في مسجد الكوفة ولا يتحملون مثل هذا الكلام وأن أميرالمؤمنين يقول: أنا صاحب النشر الأول والنشر الآخر.
وجهالة الراوي له يتبين من أن هذا الراوي لم يقل أن الامام علي قال هذا الكلام في الخفاء وبين أصحابه الخلص مثلا بل يدّعي أن اميرالمؤمنين قال ذلك على منبر الكوفة ونسب له صفات الالوهية أمام الناس. بديهي أن هذا الخبر لا يكون الا من صنع الغلاة والكذابين حيث يقول أميرالمؤمنين في هذا الصدد: هلك في رجلان محب غال ومبغض قال.
وقال أيضا: يهلك في رجلان محب مفرط وباهت مفتر.
7 – ويروي المجلسي في المجلد 26 من بحار الأنوار حديثاً غريبا آخر اقتبسه عن كتاب مجهول وهو:
ذكر والدي – رحمه الله – أنه رأى في كتاب عتيق جمعه بعض محدثي أصحابنا في فضائل أميرالمؤمنين – عليه السلام – هذا الخبر ووجدته أيضا في كتاب عتيق مشتمل على أخبار كثيرة. قال: روي عن محمد بن صدقة أنه قال: سأل أبوذر الغفاري سلمان الفارسي – رضي الله عنهما – يا أبا عبدالله ما معرفة الامام أميرالمؤمنين (ع) بالنورانية ؟ قال يا جندب فامض بنا حتى نسأله عن ذلك، قال: فاتيناه فلم نجده. قال: فانتظرناه حتى جاء فقال – صلوات الله عليه – ما جاء بكما؟ قالا: جئناك يا أميرالمؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانية! قال – صلوات الله عليه – مرحبا بكما من وليين متعاهدين لدينه لستم بمقصرين، لعمري إنّ ذلك لواجب على كل مؤمن ومؤمنة. ثم قال – صلوات الله عليه –: يا سلمان و يا جندب، قالا: لبيك يا أميرالمؤمنين ! قال (ع): إنه لا يستكمل أحد الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدرة للاسلام وصار عارفا مستبصرا ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك و مرتاب! يا سلمان ويا جندب. قالا: لبيك يا أميرالمؤمنين! قال (ع): معرفتي بالنورانية معرفة الله عزوجل ومعرفة الله عزوجل معرفتي بالنورانية... يا سلمان و يا جندب. قالا: لبيك يا أميرالمؤمنين ! قال (ع): أنا الذي حملت نوحا في السفينة بأمر ربي! وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربي! وأنا الذي جاوزت موسى بن عمران البحر بأمر ربيّ وأنا الذي أخرجت ابراهيم من النار بإذن ربي! وأنا الذي أجريت أنهارها وفجرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربي... وأنا الخضر عالم موسى ! وأنا معلم سليمان بن داوود! وأنا ذوالقرنين! وأنا قدرة الله عزوجل...
ونلاحظ على هذا الحديث الغريب:
أولا: إن هذه الرواية بلحاظ السند لا اعتبار لها في بحار المجلسي، وأبوه قد أخذ هذه الرواية من كتاب قديم لا يعلم مؤلفه وكيف وصلت اليه هذه الرواية، مضافا إلى أن في سند الرواية انقطاع، لأن محمد بن صدقة الراوي لهذا الحديث لم يكن معاصرا لأبي ذر وسلمان فكيف روى هذا الحديث منهما؟ مضافا الى وجود شخصين في كتاب الرجال باسم ((محمد بن صدقة)) أحدهما محمد بن صدقة العبدي الذي كان معاصرا للامام الصادق والامام الكاظم والذي يقول عنه الكشي أنه ((بتري المذهب)) والمجلسي نفسه يذهب الى تضعيفه. والثاني محمد بن صدقة العنبري البصري المعاصر للامام الرضا والذي يرى الشيخ الطوسي والعلامة الحلي أنه من الغلاة. وهذان الشخصان مضافا الى الفاصلة الزمانية التي تفصلهما عن أبي ذر و سلمان، ليسا من الثقاة لدى العلماء الامامية ومن هنا فان سند الرواية المذكورة غير معتبر. والعجيب أن المجلسي نفسه لا يعتمد على هذه الرواية ولكن عندما يريد تبرير الخبر يقول: لو صح صدور الخبر عنه عليه السلام لاحتمل أن يكون المراد...
ثانيا: إن دلالة الرواية لا تنسجم مع تعاليم القرآن الكريم، لأن القرآن يصرح في آيات عديدة أن نبي الاسلام لم يكن في عصر الأنبياء السابقين ولم يكن مطلعا على أحوالهم وأخبارهم، فكيف يكون الامام علي عارفا بذلك ؟ هل سبق النبي الى هذه المنزلة؟ يقول القرآن الكريم: وما كنت بجانب الطور اذ نادينا (القصص/46)
وما كنت بجانب الغربي اذ قضينا الى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين (القصص/44)
وما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم أيهم يكفَلُ مريم (آل عمران/44)
مضافا الى ذلك نتساءل ما معنى قوله: أنا قدرة الله عزوجل ؟ أليست القدرة من الصفات الذاتية للحق تعالى؟ فهل يمكن لمخلوق أن يتحد مع ذات الله عزوجل ويكون له شريكا؟ الا يظهر من هذه الكلمات شوائب الشرك والكفر؟ واخيرا ألا يمكننا أن نعتقد بأن مثل هذه الروايات من صناعة الغلاة؟
8 – ويذكر المجلسي في المجلد26من بحار الأنوار رواية عن أبي جعفر الباقر (ع) وهي:
عن أحمد بن الحسين عن الأهوازي عن عمر بن تميم عن عمار بن مروان عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنا لنعرف الرجل اذ رأيناه بحقيقة الأيمان وبحقيقة النفاق.
هذه الرواية مضافا الى أن في سندها ((عمر بن تميم)) المجهول لدى علماء الرجال فانها لا تنسجم مع آيات القرآن الكريم، لأن القرآن الكريم يصرح بأن النبي الأكرم لم يكن يعلم المنافقين فكيف يعلم الامام ذلك بمجرد أن يرى الشخص؟ فنحن نقرأ في سورة التوبة قوله تعالى:
ومن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم (التوبة/101)
وكذلك يقول القرآن الكريم في سورة البقرة:
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام (البقرة/204)
وبديهي أن الرواية التي تتناقض مع القرآن الكريم لا يمكن أن تكون صادرة من الامام الباقر بل هي افتراء عليه.
9 – وأحد الطرق لمعرفة الاحاديث الموضوعة والباطلة هو ما ورد من المثوبات العجيبة والغريبة الاعمال التافهة من قبيل ما ذكره المجلسي في كتابه ((بحار الانوار)) حيث يقول:
((في مناهي النبي قال: من مشى الى ذي قرابة بنفسه وماله، ليصل رحمه، أعطاه الله عزوجل أجر مائة شهيد، وله بكل خطوة أربعون ألف حسنة ويمحى عنه أربعون الف سيئة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وكأنما عبد الله مائة سنة صابراً محتسباً))
وعلى هذا الأساس يلزم من ذلك أن الشهداء قد خسروا خسرانا مبينا لأنهم لو استبدلوا بالذهاب الى جبهات القتال والاستشهاد في سبيل الله بأن يتوجهوا لزيارة أرحامهم حيث ينالون من الثواب أكثر بكثير من ثواب الشهادة في كل مرة.
أليست هذه الرواية موضوعة ومن افتراء الكذابين؟
ومرة أخرى نرى أن المجلسي يذكر المثوبات المسرفة في كتابه هذا حول ثواب زيارة مرقد الامام الرضا (ع) حيث يروي رواية عن الامام الرضا (ع) نفسه أنه قال: ((من زارني في غربتي كتب الله عزوجل له أجر مائة الف شهيد ومائة الف صديق، ومائة الف حاج ومعتمر، ومائة الف مجاهد، وحشر في زمرتنها وجعل في الدرجات العلى من الجنة رفيقنا))
الا يوحي هذا الحديث في نفوس المؤمنين بتفاهة أجر الشهداء والحج والجهاد في سبيل الله حيث إن ثواب زيارة واحدة لمرقد الامام الرضا (ع) تعدل مئات الآلاف من أجر الشهداء والصديقين والحج والعمرة رغم أن كل هذه الامور من الواجبات والزيارة مستحبة، مضافا الى أن الحاج يجب عليه في كل حجة أن يزور مرقد النبي الاكرم (ص) فهل بلغت زيارة قبر ابن رسول الله (ص) من الاهمية أن تفضل زيارة قبر النبي نفسه بمائة ألف مرة؟!! بل وفي رواية أخرى أن ثواب الزيارة هذه تعدل عند الله ألف ألف حجة !! بل غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولو كانت مثل عدد النجوم وقطر الامطار وورق الاشجار !!
ومرة أخرى نقول إنه على فرض معقولية أن يغفر الله ما تقدم من ذنوب الزائر، فكيف يعقل أن يغفر ما تأخر من ذنوبه الى حين أجله؟ أليس ذلك من قبيل صكوك الغفران التي أبدعتها الكنيسة؟ وما ذا تؤثر زيارة واحدة لقبر الامام الرضا (ع) في نفس الانسان وروحه بحيث أنها تعادل تأثير مائة الف حجة الى بيت الله الحرام ومائة الف جهاد وقتل في سبيل الله؟!
إن كل عاقل منصف يجزم بأن مثل هذه الروايات قد وضعها أصحاب المطامع الذين ينتفعون ماديا من كثرة الزوّار الى مدينة مشهد كما ورد في الحديث المعروف عن بصل عكا!.
10 والى جاب ما تقدم من الاسراف في الثواب نرى المجلسي يذكر روايات كثيرة في جانب الاسراف في العقاب أيضا، مثلا نرى موارد كثيرة ورد فيها اللعن الشديد على مرتكب بعض الافعال المباحة أو المكروهة التي لا تستحق كل هذه العقوبة كالضحك أو رفع الصوت أو اكل طعام معين وأمثال ذلك. وحتى بالنسبة الى المحرمات يجب أن تكون العقوبة فيها مساوية للفعل نفسه في الشدة والضعف طبقا لقوله تعالى: ((وجزاء سيئة سيئة مثلها))
وقوله تعالى: ((ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها))
ولكن ما يرويه المجلسي بعيدكل البعد عن هذا المعيار، مثلاً يذكر عقاب الربا ويقول:
((عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (ع) قال: درهم ربا أعظم عند الله من ثلاثين زنية كلها بذات محرم مثل خالته وعمته))
وكذلك يروي عن جميل عن أبي عبدالله (ع) قال: ((درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله، وقال الربا سبعون جزءاً أيسره أن ينكح الرجل أمّه في بيت الله الحرام))
ونترك التعليق للقاريء الكريم مع ذكر ملاحظة واحدة وهي أن حكم الربا مهما تعاظم لا يتعدى التعزير، أي جلد المرابي عدة سياط، والزاني بذات محرم وخاصة في بيت الله يقتل لا محالة!!

الحوار المتمدن-العدد: 3971 - 2013 / 1 / 13 - 00:48


نقد الحر العاملي ومصنفاته

ومن جملة المحدثين المتأخرين المشهورين في علم الحديث الشيخ محمد بن حسن الحر العاملي ((المتوفى عام 1104 ه)) وكتابه المشهور ((وسائل الشيعة)) الذي يعتبر مرجع الفقهاء في الرأي والفتوى، وقد ولد الشيخ الحر العاملي في أحد قرى جبل عامل في جنوب لبنان واشتغل بتحصيل العلوم الدينية والحديث في تلك المناطق ثم سافر الى الحجاز والعراق وايران وأقام أخيرا في مدينة مشهد وتوفي فيها. وكان الشيخ الحر معاصرا للملا محمد باقر المجلسي وأخذ منه اجازة الرواية كما أن المجلسي أخذ منه اجازة نقل الحديث أيضا، واما شرح أحواله وذكر أثاره فمسطورة في كتاب التذكرة، والشيخ نفسه ألف كتابا باسم ((أمل الآمل)) في أحوال علماء جبل عامل واستعرض فيه ما جرى له في حياته. وقد ذكره الشيخ يوسف البحراني بمنتهى الاجلال والتقدير في كتابه ((لؤلؤة البحرين)) حيث يقول: كان عالما فاضلا محدثا اخباريا.
وقد ذاعت شهرة الحر العاملي في ايران واستلم من شاه ايران مقام ((شيخ الاسلام)) و ((قاضي القضاة)) وفوض اليه منطقة خراسان. واما الكتب التي وصلت الينا من مصنفات الشيخ العاملي فنلاحظ عليها المنهج الاخباري ومن هذه الكتب: ((الجواهر السنية في الأحاديث القدسية)) و((الفوائد الطوسية)) و ((الايقاض من الهجعة في موضوع الرجعة)) و((الاثنى عشرية في رد الصوفية)) و... ((الفصول المهمة من أصول الأئمة)) ولكن بلا شك أن أهم كتاب للشيخ العاملي هو ((تفصيل وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة)) حيث سعى الشيخ الحر في هذا الكتاب الى جمع أحاديث الكتب الأربعة للامامية ((الكافي، من لا يحضره الفقيه، التهذيب، الاستبصار)) مع روايات آخرى، ولكن بين أحاديث هذا الكتاب نرى أنه جمع فيه ((فروع مذهب الامامية)) ومن هنا يختلف عن بحار الأنوار للمجلسي الذي لا ينحصر بفروع المذهب، ولهذا كان كتاب الوسائل من المراجع المهمة لفقهاء الامامية في الرأي والفتوى كما تقدم. وقد نرى في منهج الشيخ الحر في كتابه الأخير أنه نهج بذلك منهج الاخباريين الذين يقبلون جميع الأحاديث ولا يهتمون برجال السند بل يسعون الى الاستفادة من مفاد الاحاديث وجمعها وهم متأثرون في هذا العمل بالشيخ أبي جعفر الطوسي كثيرا بحيث أنهم يسندون الى كلماته غالبا. أما نفس هذا المنهج لم يقع مورد القبول حتى من الأخباريين المعتدلين كالشيخ يوسف البحراني، ولهذا نرى أن الشيخ البحراني يقول في ((لؤلؤة البحرين)) عن تصانيف الشيخ العاملي:
لا يخفى أنه وإن كثرت تصانيفه قدس سرّه كما ذكر إلا أنها خالية عن التحقيق والتحبير، وتحتاج الى تهذيب وتحرير كما لا يخفى على من راجعها.
وقد اختبرنا بعد العلامة المجلسي من المحدثين المتأخرين الشيخ الحر العاملي وفي نقد أحاديثه لأننا رأينا أن كتاب ((وسائل الشيعة)) له أثر كبير على العلماء المعاصرين بحيث أن أغلب فتاواهم تعود الى مرجعية هذا الكتاب. ومن هنا اخترنا نماذج متعددة من أحاديث هذا الكتاب وعرضناها على مشرحة النقد واثبتنا أنها غير قابلة للوثوق والاعتماد.

نقد أحاديث وسائل الشيعة
1 – يروي الشيخ الحر العاملي في ((كتاب الطهارة)) من وسائل الشيعة روايةعجيبة وهي:
محمد بن الحسن الطوسي – رضي الله عنه – بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير، عن داوود بن فرقد عن أبي عبدالله – عليه السلام – قال: كان بنو اسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا، فانظروا كيف تكونون[1].
هل يعقل أن يكون هذا العمل مرسوما بين بني اسرائيل بحيث أنهم بمجرد اصابة قطرة من البول لبدنهم فانهم يقرضونه بالمقارض بدل غسله؟ وساعد الله ذلك المسكين بمرض السلس. إذن كيف لا نجد لهذا الحكم القاسي عينا ولا أثر في التوراة؟ وهل أن الله العادل والحكيم يصدر مثل هذا الحكم الشديد لتطهير بدن الانسان من التلوثات الطبيعية ؟ الا يوجد هناك طريق آخر لاثبات سهولة وسير الاحكام الاسلامية غير التوسل بمثل هذه الأكاذيب والافتراءات؟
إن وضع وكذب مثل هذه الاحاديث واضح الى درجة أننا لا نحتاج الى البحث في أسنادها.
2 – وقد أورد الشيخ الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة في ((كتاب الطهارة)) رواية تؤكد نجاسة الحديد وهي:
وبالاسناد عن عمار عن أبي عبدالله – عليه اسلام – في الرجل اذا قص أظفاره بالحديد أو جز شعره أو حلق قفاه فإن عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلي ؟ سُئِلَ: فإن صلّى ولم يمسح من ذلك بالماء؟ قال – عليه السلام -: يعيد الصلوة لأن الحديد نجس وقال: لأن الحديد لباس أهل النار والذهب لباس أهل الجنة[2].
وهذا الحكم بنجاسة الحديد ولزوم اعادة الصلاة مخالف لاجماع علماء الاسلام وقد ورد في القرآن الكريم أيضا أن المسلمين يجب عليهم أن يحملوا معهم اسلحتهم ((الحديدية)) ولم يأمرهم بإلقاء أسلحتهم كما تقول الآية الشريفة: )واذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم((النساء/102)
وعلى هذا الاساس فمن قصّ أضافره بالمقراض ثم صلّى فلا يجب عليه اعادة الصلاة لأن الحديد ليس نجسا أو مبطلا للصلاة.
3 – وذكر الشيخ الحر العاملي في كتاب الصلاة من وسائل الشيعة هذه الرواية:
محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد عن أبن أبي نصر عن ثعلبة بن ميمون عن ميسر عن أبي جعفر – عليه السلام – قال: شيئان يفسد الناس بهما صلوتهم، قول الرجل: تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وإنما قالته الجن بجهالة فحكى الله عنهم. وقول الرجل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين[3].
وجاءت الرواية المذكورة بصورة أخرى في وسائل الشيعة أيضا،حيث قال:
محمد بن علي بن الحسين قال الصادق – عليه السلام –: أفسد ابن مسعود على الناس صلوتهم بشيئين، بقوله: تبارك اسم ربك وتعالى جدك. فهذا شيء قالته الجن بجهالة، فحكى الله عنها. وبقوله: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين في التشهد الاول[4]!
وهاتان الروايتان باطلتان قطعا لأن عبارة ((تعالى جد ربنا)) لم ترد في القرآن الكريم حكاية عن الجن الجهال، بل أن الله تعالى قد ذكر هذه العبارة من موقع التأييد والتقرير على أساس أنها من فرقة الجن المؤمنين والموحدين.
((وانه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبةً ولا ولدا )) (الجن/2)
أما هؤلاء الرواة الجهال فقد تصوروا أن مفردة ((جد)) في هذه الآية الشريفة بمعنى ((والد الأب)) وأن الجن نسبوا هذه النسبة بجهالتهم الى الله تعالى، ومن هنا ذهبوا الى أن اضافة الكلمة المذكورة الى ((ربنا)) لا يجوز ونسبوا الى الامام القول ببطلان الصلاة مع ذكرها، في حين أن أعاظم المفسرين من الشيعة والسنة يرون أن المعنى الصحيح للعبارة المذكورة هو ما ذكرنا كما أن الشيخ الطبرسي في تفسير ((جوامع الجامع)) يقول: ((تعالى جد ربنا أي: تعالى جلال ربنا وعظمته عن اتخاذ الصاحبة والولد. من قولك: جد فلان في عيني اذا عظم. ومما يؤيد هذا المطلب أن دعاء التوحيد المعروف بالجوشن الكبير يذكر هذه العبارة عن رسول الله أيضا حيث يقول: يا من تبارك اسمه، يا من تعالى جده، يا من لا اله غيره.
وعلى هذا الاساس يتبين زيف هاتين الروايتين وجهل رواتها باللغة العربية وبكتاب الله المجيد ودعاء النبي الأكرم (ص).
4 – ومن الروايات الخرافية التي أوردها صاحب الوسائل في كتابه وتلقاها الفقهاء بالقبول وأفتوا على ضوئها !! ما يقرر بصراحة كراهة الصلاة عند طلوع الشمس وذلك بسبب أنها تطلع بين قرني الشيطان:
((قال رجل لأبي عبدالله (ع): إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان. قال: نعم. إن إبليس اتخذ عرشاً بين السماء والارض فاذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال ابليس لشياطينه: إن بني آدم يصلون لي)) [5]
وورد هذا المعنى أيضا في الحديث (7) و (9) من هذا الباب وفيه يقول الرضا (ع): ((لا ينبغي لأحد أن يصلي اذا طلعت الشمس لأنها تطلع بقرني شيطان)) وفي آخر ((بين قرني الشيطان))!
وبطلان هذه الروايات لا يحتاج الى مزيد بيان لدى العقلاء، مضافاً الى عدم وجود رابطة بين طلوع الشمس وعدم الصلاة حتى على فرض أنها تطلع بين قرني الشيطان. فهل يصلي المسلم حينذاك الى الشيطان؟! وما علاقة طلوع الشمس أو غروبها بالشيطان؟ وأين قرن الشيطان (على فرض أن له قرن)؟
ورغم وضوح زيف هذه الروايات الا أن دورها في تخريف عقول العوام وتكريس الجهل والوهم في أذهان المسلمين كبير جداً. ومثل هذه القصص والحكايات الخرافية موجودة في كتب أهل السنة أيضا، ولذلك نجد أن أهل البيت (ع) دعوا شيعتهم الى عدم الاعتناء بهذه الاقوال والروايات، ومن ذلك ما يرويه صاحب الوسائل في الباب نفسه أن الامام (ع) قال في جوابه عن مسائل محمد بن عثمان العمريّ: ((وأما ما سألت عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلإن كان كما يقول الناس إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان، فما أرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة، فصلّها وارغم أنف الشيطان)) [6]
وأضاف صاحب الوسائل في نهاية هذا الحديث ((أقول: قد رجّح الصدوق هذا الحديث على النهي السابق)) وأقول لصاحب الوسائل: مع وجود هذا الحديث يتبين كذب الاحاديث السابقة لأنه لا يصدر حديثان متناقضان الى هذه الدرجة من الائمة المعصومين (ع)، أفما كان الأجدر أن لا تنقل تلك الاحاديث الباطلة والمعلوم كذبها في كتابك وخاصة أنها منسوبة لأهل البيت (ع) وفي ذلك وهن لعقيدة العقلاء بالائمة وتكريس للجهل والخرافة لدى العوام؟!
5 – وأورد الشيخ الحر العاملي في كتاب التجارة من وسائل الشيعة:
محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب جعفر بن محمد بن سنان الدهقان، عن عبيد الله، عن درست (بن أبي منصور)، عن عبدالحميد أبي العلا، عن موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه، قال رسول الله (ص): من انهمك في طلب النحو سلب عنه الخشوع [7].
ولا شك في وضع هذا الحديث لأنه مضافا الى أن درست بن ابي منصور كان واقفي المذهب وغير مقبول الرواية ((كما ذكر ذلك العلامة الحلي والمامقاني)) فان علم النحو أساسا لم يكن معروفا في زمان رسول الله وقد اتفق علماء الشيعة والسنة على أن هذا العلم برز الى الوجود بعد صدر الاسلام فلا يعقل أن يدرك المخاطبون معنى هذا الحديث من رسول الله في ذلك الوقت. وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله أنه قال: إنا معاشر الانبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.
والجدير بالذكر أن محمد بن ادريس الحلي قد ذكر في آخر كتابه ((السرائر)) بعض أخبار الآحاد ولكنه لم يعتمد على أي منها بل أنكر بعضها بصراحة ولا سيما أنه في بداية كتابه يقول بأن أخبار الآحاد غير حجة: ((لا أعرج على أخبار الآحاد فهل هدم الاسلام الاّهي؟)).
إذن فمثل هذا الخبر الواحد الذي لا يعتمد على سنده علماء الرجال ولا ينسجم مضمونه مع تاريخ علم النحو لا ينسجم كذلك مع ذوق محمد بن ادريس.
6 – وأورد الشيخ الحر العاملي في كتاب الطهارة من وسائل الشيعة هذه الرواية:
محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن محمد بن اسماعيل بن بزيع، عن أبي اسماعيل السراج عن هارون بن خارجة، قال: سمعت أبا عبدالله – عليه السلام – يقول من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر ! فقلت له: من بر الناس وفاجرهم ! قال من بر الناس وفاجرهم[8]!
وهذه الرواية أيضا مخالفة لعشرات الآيات القرآنية الكريمة التي تصرح بأن الانسان وعمله مقرونان ولا ينفع الانسان في الآخرة الا عمله. )كل امرءٍ بما كسب رهين( (الطور/21) وأيضا )ليس للانسان إلاّ ما سعى( (النجم/39) اذن فالارض لا يمكنها أن تضمن أمن وسلامة المجرمين والعاصين بل إنّ الأعمال الصالحة والخيرة هي التي بامكانها انقاذ الانسان من النار والعذاب الأخروي كما يصرح القرآن الكريم بذلك:
)من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون. ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون الا ما كنتم تعملون( (النحل/89 و 90) وما أكثر المجرمين من بني اميه والنواصب من اعداء أهل البيت دفنوا في الحرم الشريف فهل يعني ذلك أن دفنهم في هذا المكان يضمن لهم الأمن والأمان من عذاب يوم القيامة؟
فهذه الرواية تقرر أن السعادة والأمان في الآخرة امور اعتبارية وليست لها جذور في الواقع والحقيقة، في حين أن العذاب والثواب الأخرويين ينبعان من واقع النفس الانسانية والاعمال الصالحة والطالحة الذي عملها هذا الانسان في حياته الدنيا ولا علاقة لها بمكان الدفن، وهذا المعنى ورد في موارد مختلفة من القرآن الكريم والسنة الشريفة بحيث لا نجد ضرورة لاستعراض ما ورد في هذا المعنى لوضوحه لطلاب الحقيقة وأهل الفضل. وهكذا الكلام فيما ورد عن الأمن من العذاب لأموات وادي السلام في النجف الاشرف.
7 – وذكر الشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة روايات متناقضة غير قابلة للجمع ولابد أن تكون بعضها باطلة. والملفت للنظر أن الشيخ يرى عادةً في علاج هذه الموارد أن يحمل أحدها على التقية ولكن حتى هذا الطريق للعلاج قد لا ينفع احيانا، ومع ذلك فان الشيخ العاملي الأخباري المسلك غير مستعد لطرحها والاعتراف ببطلانها، واليك نماذج من ذلك من هذه الروايات:
محمد بن الحسن (الطوس) بإسناده عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن علي بن ابراهيم بن محمد عن جده ابراهيم بن محمد، إن محمد بن عبدالرحمن الهمداني كتب الى أبي الحسن الثالث – عليه السلام – يسأله عن الوضوء للصلوة في غسل الجمعة، فكتب: لا وضوء للصلوة في غسل الجمعة ولا غيره[9].
ومع وجود هذه الرواية نرى أن الشيخ الحر العاملي يذكر في ذيلها:
قال الكليني وروى أنه ليس شيء من الغسل فيه وضوء إلا غسل يوم الجمعة فإن قبله وضوء[10]!
وبديهي أن رواية الشيخ الكليني لا تجتمع مع رواية الشيخ الطوسي ولا يمكن حمل أحدهما على التقية لأن أيّاً منهما غير موافق لفتاوى أئمة أهل السنة لأن الفقهاء الأربعة ذهبوا الى أن موارد وجوب الوضوء لا ينفع الغسل سواء كان غسل الجمعة أو غيره.
8 – وأورد الشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة ما يلي:
محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري، عن جميل بن دراج، عن أبي عبدالله – عليه السلام – في زيارة القبور قال: إنهم يأنسون بكم فإذا غبتم عنهم استوحشوا[11].
وفي مكان آخر ذكر الشيخ الحر العاملي رواية آخرى في كتاب الطهارة من وسائل الشيعة وهي:
محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن صفوان بن يحيى، قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر – عليه السلام –: بلغني أن المؤمن إذا أتاه الزائر أنس به فإذا انصرف عنه استوحش ! قال: لا يستوحش[12]!
فنرى أن راوي هذا الحديث نقل مضمون رواية الامام الصادق (ع) الى ولده الامام الكاظم (ع) وقد ردّه الامام الكاظم (ع) وكذّب هذا الحديث، فهل يمكن صدور هاتين الروايتين المتناقضتين عن أهل البيت أو يمكن أن تكون أقوال ألائمة متفاوتة الى هذا الحد ؟
إن الشيخ الحر العاملي، الذي لا يريد أن يغض بصره حتى عن الروايات المتناقضة، فكر في حل هذه المشكلة وذكر في ذيل رواية الكليني:
((أقول: هذا مخصوص ببعض الزائرين دون بعض)).
في حين أن هذا التقسيم لم يرد في الرواية، ولو كان هذا التبرير المذكور صحيحا لزم أن يبين الامام الكاظم هذا المعنى للراوي مع أنه نفى الرواية من أساسها.
والعجيب من العالم الاخباري الذي يتصرف كما يحلو له في معنى الرواية ويضيف اليها ما ليس فيها، فانه بلا شك أن إحدى هاتين الروايتين باطلة قطعا ويمكن أن ندعى أن كلا الروايتين مجعولتان ((أي أن الأموات أساسا لا يأنسون بمن يزورهم من البشر الأحياء)).
9 ونقل صاحب الوسائل في كتابه هذا عدة روايات في فضيلة النعل الاصفر وكراهة النعل الاسود، وقال:
((عن أبي عبدالله (ع) (في حديث) قال: فقلت له: فما ألبس من النّعال؟ قال: عليك بالصفراء فان فيها ثلاث خصال: تجلو البصر، وتشدّ الذكر، وتنفي الهمّ، وهي مع ذلك من لباس النبيين)) [13]
وعن كراهة لبس النعل السوداء يقول:
((عن عبيد بن زرارة قال: رآني أبوعبدالله (ع) وعليّ نعل سوداء فقال: يا عبيد مالك وللنعل السوداء؟ أما علمت أن فيها ثلاث خصال: ترخي الذكر وتضعف البصر وهي أغلى ثمنا من غيرها وأن الرجل يلبسها وما يملك الا أهله وولده فيبعثه الله جباراً)) [14] ومثله في حديث قبله.
أقول: لو لا أن السائد في الحوزات العلمية أن مراجع الدين والمجتهدين يلبسون الحذاء الاصفر لما ظننت أن عاقلا يصدق بهذه الروايات الخرافية والاحاديث الكاذبة. فما علاقة الحذاء بقوة البصر أو زيادة الشهوة الجنسية؟ والأنكى من ذلك أن الله تعالى يبعثه جباراً ويحشره مع المتكبرين في جهنم وبئس المصير لمجرد أنه كان يلبس الحذاء الاسود!!
هذه هي أحاديثنا ورواياتنا في مصادرنا الروائية، فالى متى نظل نبحث عن الروايات الخرافية لدى أهل السنة ونستخدمها كذريعة للتشهير بهم وبكتبهم ونغض النظر عما ورد بأضعاف مضاعفة في كتبنا الروائية من الخرافات والاكاذيب بل نعتقد بصحتها ونلتزم بمضمونها؟!
10 بالنسبة الى حقوق المرأة والتعامل معها. أورد العاملي في ((الوسائل)) روايات مجحفة وظالمة بحقّ المرأة، وقد استند اليها الفقهاء أيضاً في فتاواهم وآرائهم منها:
((عن أبي جعفر (ع) قال: جاءت امرأة الى النبي (ص) فقالت: يا رسول الله (ص) ما حقّ الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدّق من بيته الاّ بإذنه ولا تصوم تطوعا الاّ باذنه وإن خرجت بغير اذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الارض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع الى بيتها. قالت: يا رسول الله من أعظم الناس حقاً على الرجل؟ قال: والده. قالت: فمن أعظم الناس حقاً على المرأة ؟ قال: زوجها. قالت: فما لي عليه من الحق مثل ماله عليّ؟ قال: لا ولا من كل مائة واحدة)) [15]
وفي رواية أخرى عن الامام الصادق (ع) في امرأة جاءت الى رسول الله (ص) وسألته هذا السؤال (ما حق الزوج على المرأة)؟ فقال: ((أن تجيبه الى حاجته وإن كانت على قتب ولا تعطي شيئا الاّ باذنه فان فعلت فعليها الوزر وله الأجر ولا تبيت ليلة وهو علهيا ساخط. قالت: يا رسول الله (ص) وإن كان ظالما؟ قال: نعم... ))
وغير ذلك من الروايات التي تهدر حقوق المرأة ولا ترى لها شأنا أمام الرجل وكأنها جارية أو خادمة، بل إن شأن الخادمة أكبر بكثير من شأن الزوجة حيث بامكان الخادمة التخلص من هذه العبودية والعودة الى بيتها بينما الزوجة تعاني من كل هذا الاذلال والمهانة ولاخلاص لها. ونتساءل: من أين للرجل كل هذه الحقوق على المرأة؟ أليس عقد الزواج مشترك بينهما وحسب الفرض أن المرأة مساوية للرجل في الانسانية كما يقول تعالي )خلقكم من نفس واحدة( [16]
ولماذا تلعنها جميع ملائكة السماوات والأرض اذا خرجت لبعض حاجاتها ولشراء ما يلزم للبيت أو لزيارة والدتها وأرحامها وكان زوجها غائباً لا تستطيع الاستئذان منه؟ هل يعقل أن يبلغ خطؤها في خروجها بغير اذن هذا المبلغ من الاثم؟
ثم إن الرواية صريحة في أن حق الزوج أعظم بكثير من حق المرأة (ولا من كل مائة واحدة) وهو خلاف ما ورد في القرآن الكريم من تقرير أصل المساواة في الحقوق بينهما: )ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف( [17]
بل إن الرواية الثانية تؤيد الرجل وإن كان ظالماً للمرأة، أي حتى لو كان الزوج سيء الخلق وقد ضرب زوجته بدون سبب ونام غاضباً عليها فعلى هذه المرأة المسكينة أن تسترضيه وتذلل نفسها له وتقبّل يده ورجليه حتى يرضى ! فاين هذا من عدالة الاسلام وأن ((المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) [18]؟!
من هنا نقرأ في رواية اخرى في هذا الجزء من الوسائل أن امرأة لما سمعت من رسول الله (ص) بهذه الحقوق المهيمنة قالت: ((فما حقها عليه؟ قال: يكسوها من العري ويطعمها من الجوع واذا اذنبت غفرلها. قالت: فليس لها عليه شيء غير هذا ؟ قال: لا. قالت: لا والله لا تزوجت أبدا ثم ولّت. فقال النبي (ص): ارجعي فرجعت. فقال: إن الله عزوجل يقول: وإن يستعففن خير لهن))[19]
هنا نرى أن حقّ المرأة لا يتجاوز حق الجارية والأمة، أي لابد أن تتحول المرأة الى أمة تخدم الزوج وتسهر على راحته ولذته في مقابل اطعامها وكسوتها!! وهذا الحق الباهر من أبسط حقوق الحيوان أيضا، فان صاحب الحيوان، حتى الكلب والهرّة فضلا عن الانعام والدواب، يجب عليه اطعام حيواناته ويسامحها اذا اخطأت ولولا اللباس الطبيعي لها من الصوف للغنم أو الريش للدجاج لوجب عليه أيضا أن يكسوها، وقد ورد في النبوي المشهور ((أن امرأة (لاحظ امرأة) دخلت النار لهرّة حبستها فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من حشاش الارض))، وعليه فلا ينبغي أن نتعجب اذا رفضت هذه المرأة الزواج (لا والله لا تزوجت أبدا)) ثأرا لكرامتها واعزازا لانسانيتها لا سيما اذا وقعت بيد زوج سيء الخلق كما هو الغالب. وكأن رسول الله (ص) في هذا الحديث أقرها على هذا التصميم وأيدها على هذا القرار حيث قال: ((وإن يستعففن خير لهن
)) وهذا المعنى مخالف لضروريات الدين الاسلامي الذي أكد كثيرا على الزواج وأنه تصف الدين وأنه لا رهبانية في الاسلام وأنه دين الفطرة وامثال ذلك من النصوص المتواترة في هذا الشأن.
ومن الروايات المهينة التي ينقلها صاحب الوسائل في هذا الباب، والتي تتناقض مع ما كان رسول الله (ص) يتمتع به من اخلاق وحبّ ورحمة لا سيما تجاه النساء، ما ورد في باب وجوب طاعة الزوج على المرأة:
((عن أبي جعفر (ع) قال: خرج رسول الله (ص) يوم النحر الى ظهر المدينة على جبل عاري الجسم فمرّ بالنساء فوقف عليهنّ ثم قال: يا معشر النساء تصدّقن وأطعن أزواجكنّ فان اكثر كنّ في النار. فلما سمعن ذلك بكين ثم قامت اليه أمراة منهن فقالت: يا رسول الله (ص) في النار مع الكفار والله ما نحن بكفار؟! فقال لها رسول الله (ص) انكنّ كافرات بحق أزواجكن)) [20]
هل أن هذا الكلام يتفق مع خلق رسول الله (ص) ورحمته وعطفه على الضعفاء لا سيما النساء وهو الذي بعث ليبشر المؤمنين وينذر الكافرين ؟! وهل أن الكفر بحق الزوج يساوق الكفر بحق الله العظيم حتى تكون النتيجة واحدة وهي العذاب اليم في جهنم؟ وماذا لو كان الرجال كفارا بحق زوجاتهم كما هو الغالب؟ ثم إن الحقوق المذكورة للازواج على زوجاتهم من الكثرة والشدة بحيث لا تستطيع أي امرأة من الخروج من عهدتها مهما بذلت من جهد ومذلة في خدمة الزوج، لأن الروايات التي يرويها صاحب الوسائل تقول في تعظيم حق الزوج: ((قال رسول الله (ص): لو أمرت احدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)) [21]
وهكذا نرى أن مثل هذه الروايات المزيفة والمنسوبة الى رسول الله (ص) كذبا وبهتانا تصعد بالزوج، بدون مبرر معقول الى درجة الآلهة التي ينبغي السجود لها، ولا نعلم لماذا كان الرجل الى هذه الدرجة من الشرف والرفعة بحيث تسجد له المرأة؟ ولماذا لم يكن حق الاب والام الى هذه الدرجة وهما أولى بالابناء من كل انسان آخر ؟ هذا ونحن لا نرى في القرآن الكريم مثل هذا الشأن للازواج على الزوجات بل تقرأ الاهتمام بحق الوالدين في موارد كثيرة من الكتاب العزيز دون الازواج بحيث قرنهما الله تعالى بعبادته وتوحيده:
((لا تعبدون الا الله وبالوالدين احسانا)) [22]
((وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا)) [23]
ثم لماذا لم يكن حق النبي (ص) على النساء مثل هذا الحق وهو الذي انقذ الناس من أجواء الضلالة والنار الى أجواء الهداية والجنة؟ وهل يعقل أن يكون الغذاء المادي الذي يأتي به الرجل الى زوجته أعظم من غذاء الروح الذي يأتي به النبي الى أمته؟ فاذا كانت المسألة هي حماية الرجل للمرأة واطعامه لها فقد كانت كذلك في بيت والدها، فلماذا لا يكون له مثل هذا الحق العظيم؟ّ
على أية حال فنحن لا نرى في مثل هذه الروايات سوى تحقير المرأة والحط من شأنها ومنح الرجل الجرأة والكبر على المرأة وتحريك عنصر الفخر والغرور تجاهها، والنتيجة أن مثل هذه الروايات لا تصلح الرجل ولا ترضي المرأة بل من شأنها أن تعطي نتائج عكسية تماما وتعمل على توهين عرى الحب والمودة بين الزوجين.

[1]- وسائل الشيعة، ج 1، ص 77 و ج 1، ص 100
[2]- وسائل الشيعة، ج 1، ص 194
[3]- وسائل الشيعة، ج 1، ص 415
[4]- وسائل الشيعة، ج 1، ص 415
[5]- وسائل الشيعة، ج 3، أبواب المواقيت، الباب 38، ح 4، ص 171
[6]- نفس المصدر: ح 8
[7]- وسائل الشيعة، ج 2، كتاب التجارة، ص 607
[8]- وسائل الشيعة، ج 1، كتاب الطهارة، ص 203
[9]- وسائل الشيعة، ج 1، كتاب الطهارة، ص 146
[10]- وسائل الشيعة، ج 1، كتاب الطهارة، ص 146
[11]- وسائل الشيعة، ج 1، كتاب الطهارة، ص 210
[12]- وسائل الشيعة، ج 1، كتاب الطهارة، ص 210
[13]- وسائل الشيعة، ج 3، ابواب احكام الملابس، ص 387، الباب 40، ح3.
[14]- نفس المصدر، الباب 38، ص 386، ح 1 - 3
[15]- وسائل الشيعة، ج 14، كتاب النكاح، ص 112، ح 1
[16]- النساء: 1
[17]- البقرة: 228
[18]- التوبة: 71
[19] المصدر السابق: باب (84) كراهة ترك المرأة التزوج، ح 3
[20] المصدر نفسه، الباب 91، ح 3، ص 126
[21] المصدر نفسه، الباب 81، ح 1، ص 115
[22] البقرة: 83
[23] الاسراء: 23

الحوار المتمدن-العدد: 3974 - 2013 / 1 / 16 - 14:24


نقد كتب الدعاء والزيارة

إن للدعاء أثر مهم في خلق الطمأنينة والراحة في واقع الانسان ونفسه ويثير فيه عنصر الأمل، مضافا الى ما ورد في النصوص الشريفة من قوله تعالى: ادعوني استجب لكم (غافر/60)، و قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم (الفرقان/77) و اجيب دعوة الداعِ اذا دعان (البقرة/186) حيث تدل هذه النصوص القرآنية على أن الله تعالى يفيض من رحمته وعنايته على الانسان الداعي، وقد أثبتت التجارب الكثيرة جدا معطيات الدعاء الايجابية وآثاره الحسنة على روح الانسان وسلوكه وفكره.

هذا وقد ورد في كتب الأدعية نماذج راقية من المعارف الالهية والقيم الاخلاقية التي تقرب الانسان الى الحق تعالى وتجعله من أهل الخير والصلاح، ولكن مع الأسف فإن طائفة من الجهال والغلاة تدخلت في وضع الأدعية والزيارات في المصادر الحديثية مما أدى الى تلويث هذا المنهل الروحاني بافرازات الفكر الخرافي والشيطاني، ونحن هنا نحاول من خلال نقد الأحاديث والكتب المذكورة أن نصل الى المنبع الأصيل والعين الطاهرة لتلك الأدعية، وبذلك نمنع من انحراف المسلمين بسبب وجود الروايات المحرفة والمجعولة في هذا الباب. وعلى هذا الأساس نختار هنا نماذج متعددة من الأدعية الموضوعة والزيارات المغالية ونضعها على مشرحة النقد. ومن بين كتب الأدعية المتوفرة في المكتبة الاسلامية هو كتاب ((مصباح المتهجد)) للشيخ الطوسي وكتاب ((اقبال الأعمال)) لابن طاووس، و ((عدة الداعي)) لابن فهد الحلي و ((زاد المعاد)) للمجلسي، و(مفاتيح الجنان) و(الباقيات الصالحات) للمحدث القمي.
وقبل أن نتعرض لنقد الأدعية والزيارات نقول: أحياناً تؤدي العادة في قراءة ذكر معين أو دعاء مأثور الى الأنس به والغفلة عن موارد الخطأ والتحريف فيه بل قد يكتسب الدعاء قداسة خاصة في نظر القارئ بحيث لا يجد في نفسه استعداداً لسماع أي نقد حوله، ولكن اذا كان أصل العقيدة والدين محترما ومقدسا لدى الانسان فان ذلك يدعوه للتأمل في روايات المحدّثين وأن تكون العقيدة أكثر قداسة من رواية فلان وفلان، إن الانسان المؤمن يجد في نفسه الرغبة في سماع النقد وممارسة والتدبّر في النصوص ليصل الى المنابع الأصيلة للدين الحنيف والشريعة السماوية وينهل من مائها الطاهر:

نماذج من الأدعية الموضوعة:
1 – الدعاء المعروف بدعاء تعقيبات الصلاة في شهر رجب. وهذا الدعاء ذكره المحدث القمي في ((مفاتيح الجنان)) ولكن أصله مذكور في كتاب ((الاقبال)) لابن طاووس وهو:
علي بن محمد البرسي – رضي الله عنه – قال أخبرنا الحسين بن أحمد بن شيبان، قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن عمر البرقي، عن محمد بن علي الهمداني قال: أخبرني محمد بن سنان، عن محمد السجاد في حديث طويل قال: قلت لأبي عبدالله – عليه السلام –: جعلت فداك هذا رجب علمني دعاء ينفعني الله به قال: فقال لي أبوعبدالله – عليه السلام –: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم وقل في كل يوم من رجب صباحا ومساء وفي أعقاب صلواتك في يومك وليلتك: يا من أرجوه لكل خير وآمن سخطه من كل شر...(إلى آخر الدعاء)
ونلاحظ على هذا الدعاء، أنه هذا الدعاء بلحاظ السند غير موثوق ولا ينبغي الاعتماد عليه وكذلك بالنسبة الى المتن والدلالة لأنه:
أولا: إن من بين رواة هذا الحديث ((محمد بن سنان)) الذي تقدم الكلام فيه حيث يقول عنه ابن الغضائري ((بنقل العلامة الحلي)): إنه ضعيف غال لا يلتفت اليه. ويقول النجاشي في حقه: هو رجل ضعيف جدا لا يعول عليه ولا يلتفت الى ما تفرد به.
إذن فالحديث الذي يتفرد محمد بن سنان في نقله عن محمد السجاد عن الامام الصادق غير موثوق.
ثانيا: إن الجملة الثانية الورادة في الدعاء مخالفة للقرآن الكريم، حيث وردت العبارة في هذا الدعاء في مفاتيح الجنان ((وآمن سخطه عند كل شر)) ولكن في الاقبال يقول: (( وآمن سخطه من كل شر)) وفي مصباح المتهجد ((وآمن سخطه عند كل عثرة)) وعلى آية حال فان هذه العبارات الثلاث تعطي مفهوما واحدا وهو أن الانسان يأمن مكر الله وغضبه عندما يرتكب الخطأ و الشر، وهذا المعنى مخالف لما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى:
فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون (الأعراف/99)
أجل فان المؤمن بمجرد أن يصدر منه الشر ويرتكب الخطيئة يشعر في قرارة نفسه بالخوف من غضب الله تعالى ويدعوه هذا الخوف الى الاستغفار والتوبة لا أنه يعيش بأمن وطمأنينة بعيداً عن سخط الله تعالى عند ارتكاب الخطأ والشر.
والعجيب أن الشيخ الطوسي مع أنه ضعّف ((محمد بن سنان)) وهو نفسه من جملة المفسرين للقرآن الكريم في تفسيره القيم ((التبيان)) ومع ذلك أورد هذا الدعاء المزيف في كتابه ((مصباح المتهجد)) وليس ذلك سوى نتيجة العقلة والتسرع والأخذ بالقاعدة المشهورة((التسامح في أدلّة السنن)) في حين أن السنن المنقولة هي كالفرائض المأثورة يجب أن توافق القرآن الكريم، ولا شك أنها تسقط عند تعارضها مع تعاليم القرآن، بل يثبت بذلك بطلانها وكذبها.
أجل إن تأثير الدعاء المزيف على وجدان الانسان وقلبه يخدعه ويجعله يتصور أنه في مأمن من عذاب الله وسخطه عند ارتكاب المعصية والشر فلا يتحرك في خط التوبة والاستغفار وذلك هو الخسران المبين.
2 – ونقرأ في كتاب ((مصباح المتهجد)) للشيخ أبي جعفر الطوسي في تعقيبات وأدعية يوم الجمعة:
((وعنه (أبي عبدالله الصادق) عليه السلام: من قال بعد صلوة الفجر أو بعد صلوة الظهر ((اللهم اجعل صلوتك وصلوة ملائكتك ورسلك على محمد وآل محمد)) لم يكتب عليه ذنب سنة )).
وهذه الرواية نقلها الشيخ القمي في كتاب ((مفاتيح الجنان نقلا عن الشيخ الطوسي، أما سند الشيخ الطوسي لهذه الرواية فلم يذكره ليتمكن الباحث من التحقيق فيه، ولكن فساد المتن وبطلانه مما لا غبار عليه لأنه يدل على أن الصلاة على محمد وآل محمد تبيح للانسان ارتكاب الخطايا والذنوب لمدة سنة كاملة وبذلك يتجرأ الناس على المعاصي خلافا لمقاصد الشريعة وغايات الدين الالهي في خلق روح التقوى لدى الانسان وحثّه على مجاهدة نفسه وتهذيبها، فكيف الحال اذا صلى الانسان في كل سنة مرة واحدة الى آخر العمر؟ فهذا يعني أنه لا يكتب من ذنوبه شيئ. إذن فالدعاء والصلاة على النبي يعتبر ناسخا للمحرمات، واعتقد أن مقام الامام الصادق (ع) أسمى من أن يقرر فضيلة للصلاة على محمد مثل هذه.
3 – وذكر المجلسي في كتابه ((بحار الأنوار)) بمناسبة فضيلة واستجابة الدعاء في اليوم التاسع من ربيع الأول المصادف قتل الخليفة الثاني، رواية طويلة وعجيبة نقلا عن ((حذيفة بن اليمان)) حيث يقول: ((في مثل هذا (التاسع من ربيع الأول وهو يوم قتل فيه عمر بن الخطاب) رأيت أميرالمؤمنين (ع) وولديه (ع) يأكلون مع رسول الله (ص) وهو يتبسّم في وجوههم ويقول لولديه الحسن والحسين (ع): كلا هنيئا لكما بركة هذا اليوم وسعادته فانه اليوم الذي يهلك الله فيه عدوّه وعدّو جدكما وأنه اليوم الذي يقبل الله أعمال شيعتكما ومحبيكما... إلى أن يقول: إن الله تعالى أوحى الى نبيه الكريم: يا محمد، إن مرافقك ووصيك في منزلتك يمسه البلوى من فرعونه وغاصبه الذي يجتري ويبدل كلامي ويشرك بي ويعدل عن سبيلي وينصب من نفسه عجلا لامتك... وقد أمرت الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق في ذلك اليوم، ولا يكتبون شيئاً من خطاياهم كرامة لك ولوصيك.
يا محمد إني قد جعلت ذلك اليوم يوم عيد لك ولأهل بيتك ولمن يتبعهم من المؤمنين وشيعتهم... ))
إن هذا الحديث المزيف يشير الى أن الله تعالى وبمناسبة يوم قتل الخليفة رفع القلم عن الشيعة فلا يكتب من ذنوبهم شيئا، أي أن الشيعي في هذا اليوم يباح له ارتكاب جميع الخطايا والذنوب. فهل يعقل أن يصدر هذا الكلام من امام المتقين؟ ألا يعتبر هذا الكلام بهتاناً وتهمة الى أميرالمؤمنين ؟ ألا يفضي هذا الحديث الى انجرار الناس العوام نحو الخطايا وارتكاب الذنوب؟
وكاتب هذه السطور بنفسه رأى شخصا ظاهر الصلاح في اليوم التاسع من ربيع الأول يشتغل في الفسق والفجور فلما سئل عن سبب ذلك أجاب: ألم تعلموا أن هذا اليوم هو اليوم التاسع من ربيع الأول وأن القلم رفع عن ذنوب الشيعة !!
إن الراوي الجاهل لهذه الرواية تصور أن احترام النبي والامام وكرامتهما عند الله يقتضي أن يرفع الله تعالى القلم عن الناس ويتركهم كالحيوانات يعملون و يعبثون ما يشاؤون لمدة ثلاثة أيام.
هل هذا هو معنى كرامة النبي والامام علي عند الله تعالى؟
4 – وذكر المحدث القمي في كتاب ((الباقيات الصالحات)) في حاشية مفاتيح الجنان هذا الدعاء لرفع وجع السن حيث يقول:
((وأيضا ورد أنه يضع الشخص عود أو حديدة على السن ويرقيه من جانبه سبع مرّات: بسم الله الرحمن الرحيم العجب كل العجب دودة تكون في الفم تأكل العظم وتنزل الدم أنا الراقي والله الشافي والكافي لا اله الا الله والحمد لله رب العالمين واذا قتلتم نفسا فادارأتم فيها، يقرأ الى: لعلكم تعقلون سبع مرات يفعل ما قدّمناه))
ولعل مخترع هذا الدعاء تصور واقعا ان السن المسوسة مصابة بدودة تأكل السن، وأما سند الرواية فغير معلوم ولا أحد يتجرأ على ذكر هذه الرواية لدى طبيب الاسنان ليعرف صحتها من سقمها.
5 - وأورد صاحب ((مفاتيح الجنان)) في أعمال يوم الجمعة:
((إعلم أن بقراءة آية الكرسي على التنزيل في يوم الجمعة فضيلة عظيمة كما ورد في الروايات)).
فما معنى أية الكرسي على التنزيل ؟ (( أي كما نزلت على النبي الاكرم)) ويجيب المحدث القمي في ((الباقيات الصالحات)) بهذا الجواب:
وروى العلامة المجلسي عن علي بن ابراهيم والكليني أن آية الكرسي على التنزيل هي ((الله لا اله الا هو الحي القوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي الى... هم فيها خالدون)).
وكما ترى فان هذه الرواية تواجه خللا أساسيا غير قابل للاصلاح، وهي أنها تدعي أن آية الكرسي قد حرفت في القرآن الكريم وأن الآية الصحيحة هي ما وردت في هذه الرواية، وهذا الادعاء يزلزل أساس الاسلام ويسقط القرآن الكريم من مرتبة الحجية. والعبارات الواردة في هذه الرواية في ضمن آية الكرسي هي كلمات واردة في مواضع أخرى من القرآن الكريم، مثلا ((له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى)) هي الآية السادسة من سورة طه نفسها. وكذلك ((عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم)) هي قسم من الآية الثانية والعشرين من سورة الحشر.
وقد ثبت في محله أن القرآن الكريم مصون عن أي تحريف وتبديل ولا تمسه أيدي المحرفين والجاعلين والوضاعين، ومثل هذه الروايات غير قابلة للاعتماد اطلاقا كما أن اعاظم الفرقة الامامية كالشريف المرتضى والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي وآخرين ذهبوا جميعا الى عدم تحريف القرآن، ومن جملة أدلتهم على هذا الأمر هو ما ورد في المتواتر عن رسول الله وأهل البيت بعرض الأحاديث والروايات على القرآن الكريم لمعرفة الحق من الباطل فيها، فلو كان القرآن الكريم قد اصابته يد التحريف في هذه السورة وغيرها فلا يمكن اعتباره معيارا للحق والباطل وميزانا لتشخيص الحديث الصحيح من السقيم.والدليل الأقوى قول الله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون أي حافظون له من التحريف والضياع.
* * *

نماذج من الزيارات الموضوعة
الاول: ذكر الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان في كيفية زيارة النبي (ص) من البعد: ((قال العلامة المجلسي في زاد المعاد في اعمال عيد الميلاد، وهو اليوم السابع عشر من ربيع الاول، قال الشيخ المفيد والشهيد والسيد ابن طاووس رحمهم الله: اذا أردت زيارة النبي (ص) في ما عدا المدينة الطيبة في البلاد فاغتسل ومثّل بين يديك شبه القبر واكتب عليه اسمه الشريف ثم قف وتوجه بقلبك اليه وقل: أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له... الخ))
ونرى في هذه الزيارة أنها من صنع لفيف من العلماء كما يقول العلامة المجلسي، فلم ترد عن امام معصوم، بل إن الكثير مما أورده المجلسي في باب الزيارات إنما وجده – حسب قوله في ج 22 من البحار – في كتاب قديم لا يعلم أصله. أو يقول: ((وجدت في نسخة قديمة من مؤلفات أصحابنا هذه الزيارة)) أو ((زيارة أخرى له (ص) املاها عليّ النصير أدام الله عزه)) وفي باب زيارة أئمة البقيع (ع) يقول: ((وجدت في نسخة قديمة من أصحابنا زيارة لهم عليهم السلام)) ولكن بالتدريج وعندما تنقل الى كتاب آخر مثل ((مفاتيح الجنان)) يتم حذف هذه الفقرة من بداية الزيارة فيقرأها الزائر وهو يحسب أنها من امام معصوم ويتعبد بكل ما ورد فيها حتى لو كان مخالفا للقرآن الكريم كما سوف نرى.
هذا وكل من يقرأ ما تقدم من الكيفية المقترحة لزيارة النبي (ص) من بعيد يكاد يدهش لسذاجة عقول هؤلاء الذين أوردوا هذه الزيارة ويدعو الله تعالى أن لا تقع مثل هذه الزيارات بيد المخالفين والمغرضين من أعداء الشيعة لتكون مبررا للتشنيع والتشهير ضدهم، فماذا يعني أن يصنع الانسان شبيه القبر في بيته ويكتب عليه أنه قبر رسول الله (ص) ثم يزوره وهو يعلم أنه ليس بقبر انما هو من صنع يده؟! ألا يتداعى الى الذهن من هذا العمل ما كان المشركون يصنعونه من التماثيل ثم يعبدونها ؟ ولماذا لا يتوجه الزائر جهة القبلة والمدينة المنورة ويزور النبي (ص) من بعيد لتكون زيارة معقولة على الاقل؟ ثم هل صنع مثل ذلك أهل البيت (ع) في زياراتهم للنبي (ص) من بعيد حتى نقتدي بهم ونزور بزيارتهم ؟ ولماذا يقتصر هذا النمط من الزيارة على النبي (ص) وحده ولا يمتد ليشمل زيارة كل امام معصوم من بعيد؟!
اللهم ارزقنا العقل والفهم....
* * *
الثاني: ما ورد في زيارة أميرالمؤمنين (ع): فقد ذكر الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان في فضيلة زيارة أميرالمؤمنين (ع) عن محمد بن مسلم عن الامام الصادق (ع) أنه قال في حديث له: (( من زار أميرالمؤمنين (ع) عارفا بحقه أي وهو يعترف بامامته ووجوب طاعته وأنه الخليفة للنبي (ص) حقا غير متجبر ولا متكبر كتب الله له أجر مائة ألف شهيد وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبعث من الآمنين وهوّن عليه الحساب واستقبله الملائكة فاذا انصرف الى منزله فان مرض عادوه وإن مات تبعوه بالاستغفار الى قبره))
وأنت ترى أن مثل هذه المثوبات، وإن كان كرم الله غير محدود، الا أنها تتنافى مع الثوابت القرآنية والحكمة الالهية في خلق مقولة الثواب والعقاب وأن الجزاء بقدر العمل، فمعلوم أن الشهيد الذي يجاهد في سبيل اعلاء كلمة الدين والدفاع عن المسلمين ويضحي بنفسه في سبيل سعادة الآخرين له من الأجر والثواب بحيث قرنه الله في قرآنه الكريم مع الأنبياء والصديقين الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء...، والامام علي (ع) نفسه كان يتمنى الشهادة وقد حزن على عدم نيله لهذا المقام العظيم في معركة أحد فرأى النبي (ص) ذلك في وجهه فلما سأله عن سبب ذلك أجابه بأن الشهادة فاتتني، فقال: ((ابشر فان الشهادة من ورائك)). فهل يعقل أن يحصل أي انسان شيعي على أعلى من هذا المقام بمائة ألف مرة لمجرد زيارة يقوم بها لمرقد الامام علي (ع) ويعترف له بالامامة غير متجبر ولا متكبر؟ ومعلوم أن جميع الشيعة حتى الفساق منهم يعترفون له بالامامة غير متكبرين ولا متجبرين!! والأعجب من ذلك أن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فعلى فرض أن الله يغفر له ما تقدم من ذنوبه، فكيف يغفر له ما تأخر من الذنوب والمعاصي الى أن يحين أجله وقد يرتكب الكبائر والموبقات والذنوب العظام ؟ أليس في ذلك ما يدعو للجرأة على الذنوب والمعاصي؟! ثم أن الراوي الكذاب يقول في هذا الحديث: وإن مات تبعوه (الملائكة) بالاستغفار الى قبره!! ومعلوم أن الكذاب مصاب بداء النسيان كما يقال، فهذا الراوي يقول قبل قليل إن الله قد غفر للزائر ما تقدم من ذنبه وما تأخر: إذن فعلام تستغفر الملائكة لهذا الميت؟!
اذا قبلنا بمضمون مثل هذه الزيارة – وما اكثرها في كتب الزيارة – فلا يحتاج الانسان بعدها لأن يتعب نفسه بتحمل مشاق الجهاد في سبيل الله ولا الحج والعمرة بل يكفي أن يزور في عمره أميرالمؤمنين (ع) مرة واحدة وليفعل ما يفعل بعدها فقد كتب في أعلى عليين!!
أما مضمون الزيارات: فقد أورد الشيخ عباس القمّي، نقلا عن المجلسي وابن طاووس والمفيد وغيرهم، زيارات (مطلقة وخاصة) تتنافى في اكثر عباراتها مع القرآن الكريم والتوحيد واصول الدين والمذهب، على سبيل المثال يقول:
السلام على... مقلّب الاحوال
ومعلوم أن هذه الصفة من مختصات الذات الالهية المقدسة، فحتى الانبياء لا يملكون ذلك لأنفسهم فضلا عن الآخرين كما تقول الآية الشريفة:قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا و ما ادري ما يفعل بي ولا بكم وهذا يعني أن احوال العباد بيد الله تعالى لا غير، فهو مقلب القلوب والاحوال كما جاء في دعاء تحويل السنة، ويقول تعالى أيضا:
وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بين قلوبهم
فاذا كان النبي (ص) غير قادر على التصرف في أحوال الناس، فكيف بالامام؟!
ومن العبارات الواردة في هذه الزيارة: ((وسامع السرّ والنجوى)).
والقرآن الكريم يصرح بأن هذه الصفة مختصة بالله تعالى: يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون و يعلم ما يسرون وما يعلنون و ألم يعلموا أن الله يعلم سرّهم ونجواهم الى غير ذلك من الآيات الشريف التي تقرر هذه الصفة لله تعالى. وهنا يتبادر الى الذهن هذا السؤال: هل أن الامام علي (ع) هو الله تعالى حتى يعلم أسرار الناس، أو أن هذه الكلمات من وضع الغلاة والمتصوفة القائلين بالاتحاد والحلول وأمثال ذلك من العقائد الباطلة والافكار المزيفة؟!
كيف نصدق بهذه الزيارة والامام علي (ع) نفسه كان يرسل الجواسيس ويضع العيون على ولاته لينقلوا له أعمالهم كما ورد ذلك في نهج البلاغة: ((عيني بالمغرب كتب الي يعلمني.. ))
ويكتب الامام علي (ع) الى ((المنذر بن الجارود)) عامله على جباية الصدقات بعد أن جمع المنذر الصدقات وهرب الى معاوية:
((فإن صلاح أبيك غرّني منك وظننت أنك تتبع هديه))
وهكذا عندما نصب ((مصقلة بن هبيرة)) عاملا له على ((اردشير خوزستان)) ولكنه خان الامام وقسم بيت المال بين اقربائه، وكذلك عندما عزل محمد بن أبي بكر من ولاية مصر بعد أن تبين له عجزه على تدبير الامور وافتقاده للحنكة السياسية اللازمة. أو عندما ولّى عبدالله بن عباس على ولاية البصرة وسرق بيت المال وهرب به الى الحجاز... وغير ذلك من الامور الكثيرة المتواترة التي تدل على عدم علم الامام بأسرار الناس وخفايا باطنهم، ولا يمكن القول بأنه كان يعلم بذلك ومع ذلك عيّنهم في مناصب مهمة فهذا يعني (والعياذ بالله) خيانة للامة والمشاركة في فساد المجتمع.
ومنها: ((أشهد أنك تسمع كلامي وترد سلامي)).
إن محور الانحراف الخطير في الزيارات هو أن الزائر يتصور الحياة وامكانية التصرف في عالم الشهود والدنيا للشخص المزور. وهذا التصور الباطل يتم تغذيته بعبارات مجعولة في مضامين الزيارات الواردة في تراثنا الشيعي، كما في العبارة المذكورة آنفاً. الا ان مضمون مثل هذه العبارات مخالف للقرآن الكريم قطعا، وقد أوصانا أهل البيت (ع) بعرض رواياتهم على القرآن الكريم فما وافق القرآن فخذوا به وما خالفه فاضربوه عرض الجدار، وهذا هو مضمون حديث الثقلين أيضا حيث قال رسول الله (ص): (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي (أو سنتي) وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض)
ومعلوم أن المراد من عدم الافتراق ليس هو الافتراق المادي الفيزيقي حيث يموت الامام ويبقى القرآن بل المراد هو عدم الافتراق بالمنهج والمفاهيم والتعاليم السماوية الواردة في كل من القرآن الكريم والاحاديث الشريفة. فكلماتهم (ع) لا يمكن أن تتقاطع مع تعاليم الوحي ومعارف القرآن. فاذا رأينا ثمة تناقض بينهما علمنا بأن الرواية موضوعة وغير صادرة من المعصوم وينبغي ضربها عرض الجدار. ومنها الزيارة التي نحن بصددها حيث تقول (اشهد انك تسمع كلامي وترى مقامي) فهل يؤيد القرآن الكريم هذا المعنى والمضمون، أو لا؟
الآية الكريمه 259 من سورة البقرة تتحدث عن واقعة موت أحد الانبياء وهو (عزير) حسبما ورد في الروايات وتقول: او كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فاماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم
فهنا نرى أن الآية الشريفة تصرح بأن الله تعالى أمات عزير ثم لما بعثه سأله عن مدة لبثه فتصور أنه لم يلبث أكثر من نهار واحد أو أقل. وهذا يعني أنه لم يكن يعلم بما جرى له في هذه المدة الطويلة. فلو كان نبيا عظيما كعزير الذي يقدسه اليهود اكثر من جميع الانبياء حتى من موسى وهارون وقد رفعوا مكانته الى القول بانه ابن الله كما يدعى النصارى أن المسيح ابن الله: وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم.
لأن عزير هو الذي كتب لهم التوراة من جديد بعد أن تعرضت للتلف أثناء عملية هدم الهكيل وسبي اليهود على يد البابليين. وعلى أيه حال فان عزيز وهو نبي عظيم من انياء بني اسرائيل لم يكن يعلم بشيء مما كان يدور حوله في مدة موته. فكذلك الحال في الائمة وابناء الائمة والشهداء الذين لا ينبغي الشك في أنهم احياء ولكن ((عند ربهم يرزقون)) ومقام العندية هذا لا يعني انهم احياء في الدنيا أو أن أرواحهم جالسة على قبورهم تسمع وترى الزائرين بل انهم عند ربهم في جنات الخلد يرزقون، كما قالت الآية الكريمة على لسان آسية زوجة فرعون:
رب ابن لي عندك بيتا في الجنة
أو قوله تعالى:
في مقعد صدق عند مليك مقتدر
فمقام العندية يعني في الجنة فلا يعقل أن يعيش النبي أو الامام في أعلى درجات النعيم الخالد متلذذا بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم يدرك ما يعرضه عليه الزوار من حاجاته ويلبي لهم طلباتهم التي تثير الحزن والأسى في غالب الاحوال أو يدرك ما يجري على المؤمنين من بلايا ومحن ولا يقدر على رفعها عنهم. وهل يعقل أن يدرك النبي الأكرم أو الامام علي أو الزهراء ما جرى على الحسين وعلى أهله واطفاله من مصائب وقتل وعطش ثم لا يحزنون له ولا يبكون من أجله ؟ فاذا قلنا بانهم يحزنون على هذه المصائب كما نقرأ ونسمع من أهل المنبر مثل هذه المفاهيم الموهومة، فهذا يتعارض مع قوله تعالى بأن هؤلاء الأولياء والشهداء (( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)).
الآية الاخرى قوله تعالى في محادثته مع عيسى بن مريم: ((واذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته...وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيئ شهيد))
وهذا يعني بصريح العبارة أن عيسى وهو من انبياء اولى العزم لم يكن يعلم ما جرى على اتباعه بعد وفاته فليس هو المسؤول عن انحرافات قومه بعد وفاته لعدم علمه بهم والله تعالى هو الرقيب عليهم لا هو. ثم إننا لا نجد ولا آية واحدة تؤيد هذا المعنى الزائف الوارد في بعض الروايات والمترسخ في اذهان العوام وحتى في أذهان الفقهاء التقليديين واصحاب التشيع التقليدي المشغولون دوما بالدفاع عن هذه العقائد المنحرفة وحراسة التصورات المشوهة باسم الدفاع عن دين العوام من شبهات الوهابية ومنزلقات العلمانية.فلو كان لهذه المفردة المهمة من عقائد الشيعة اصلا في الدين والوحي لأيدها القرآن الكريم بأكثر من أية من آياته الكريمة ولحث المسلمين على بناء المقابر والاضرحة والدعاء والتوسل عندها والتبرك بها!!
نعم. أصل الزيارة لا ريب فيه كما أسلفنا، وأنا شخصيا أزور الاضرحة المقدسة والعتبات المقدسة وادعوا الله تعالى وأُصلّي عندها ولكن لا على اساس أن صاحب القبر يراني ويستجيب لي اذا دعوته ويسمعني اذا ناديته بل اعترافا مني بحق أهل البيت (ع) علينا وأننا مدينون لهم بالنعمة وبقاء الدين وتعاليم الوحي، وعندما أدعو الله تعالى في ذلك المكان المقدس فلاعتقادي بأن صاحب هذا القبر له حرمة ومكانة عند الله تعالى والدعاء عند قبره أقرب الى الاستجابة من الاماكن الاخرى. ولكن الدعاء انما يكون صحيحاً في هذا المكان الشريف اذا كان متوجها لله تعالى لا لصاحب القبر الشريف مباشرة كما هو السائد في زيارة عامة الناس ودعائهم وطلبهم من صاحب القبر: يا علي اطلب منك قضاء حاجتي، ويا عباس شافني من مرضي، ويا علي بن موسى الرضا ساعدني في حل مشكلتي في زواجي أو بناء بيتي أو نجاح ابني في الامتحان أو اطلاق سراحه من السجن وأمثال ذلك !!
والطريف المحزن في نفس الوقت أن الله تعالى لو استجاب لهذا الزائر وشافاه من المرض أو رزقه المال لنسب ذلك فورا الى صاحب القبر وأخذ يبشر الناس بأن الامام قد شافاني ولكن اذا حصل العكس كما لو مات ابنه الذي دعا الامام لشفائه فانه ينسب ذلك الى الله ويقول هذا من قضاء الله وقدره، وهنا تتجلى مظلومية الله في هذه العقائد المزيفة أكثر!!
أقول هذا وأعلم أن هذا المطلب عسير الهضم لدى العوام من الناس وخاصة أن بعض رجال الدين وأهل المنبر من أصحاب الدكاكين الذين يرتزقون من دم الحسين وضلع الزهراء والذين نصبوا أنفسهم شرطة على عقائد الناس لا يروق لهم هذا الكلام الذي يعمل على تعرية مواقفهم وفضح نواياهم التي تقف خلف مفاهيم دينية لا تمثل اي بعد عقلاني وشرعي في سلوكياتنا الاخلاقية والدينية وسيقومون حتما بشن حملة هوجاء على المتكلم بهذا الكلام ويتحركون على مستوى تحريض العامة وتثوير عواطفهم هذه ولكن الى متى نداهن هؤلاء الاحبار والكهنة على ديننا ؟ والى متى نسكت عن انحرافاتهم ودكاكينهم؟!
فلابد من قول الحق واماطة اللثام عن جوهر الدين وازاحة ما تراكم عليه من رواسب تاريخية وافكار بشرية حولت العقيدة الصحيحة والدين السماوي العظيم الى قشور سلوكية وأوهام ذهنية لا تسمن ولا تغني من جوع معنوي لدى العوام والخواص، ولهذا نرى أن الشيعة رغم أنهم اكثر الناس زيارة لقبور الأئمة والاولياء واكثر الناس اقامة للماتم على مصائب أهل البيت واكثر الناس سماعا للمواعظ والتعاليم الدينية من اهل المنابر الا أنهم مع الاسف اكثر الناس كذبا ودجلا ونقضا للعهود واكلا للمال بالباطل، وهذه حقيقة يؤسف لها فلا أحد يقيم بين الشيعة عدة أشهر الا ويلمس هذه الحقيقة بيده. فما أكثر الذين جاؤوا الى ايران حبا في الاسلام والجمهورية الاسلامية وبعضهم اشترك في جبهات القتال ضد العدوان البعثي في سنوات الحرب المفروضة وبعد انتهاء الحرب خرجوا من ايران ناقمين من سوء المعاملة وانعدام الاخلاق الاجتماعية وطلبوا اللجوء الى بعض الدول الغربية فوجدوا فيها الكرامة والصدق وحسن المعاملة ما لم يجدوه في بلاد الاسلام!!
وهذا يذكرنا بكلام الشيخ محمد عبده الذي زار الغرب ورجع وهو يقول ((وجدت هناك اسلاما بلا مسلمين وهنا مسلمين بلا اسلام))
ومنها: ((السلام على صاحب الدلالات الذي ذكر الله في محكم الآيات فقال تعالى: إنه في أم الكتاب لعلي حكيم)) فنرى كيف أن هؤلاء الغلاة والوضاعين يتلاعبون بالآيات القرآنية ويحرفوها عن معناها الاصلي: حيث أراد تعالى بهاتين الصفتين ((علي حكيم) وصف القرآن الكريم بذلك فقال: ((إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون. وإنّه في اُمّ الكتاب لعليّ حكيم))، الا أنهم حملوها على أميرالمؤمنين(ع)
ومنها: ((السلام على من ردّت له الشمس فقضى مافاته من الصلاة)) حيث نرى أن هذا الراوي الجاهل يقول ((فقضى)) بدل ((أدّى)) لأن هذه الحادثه أي ردّ الشمس لعلي (ع) بعد أن فاتته صلاة العصر انما قصد بها أن يصلي الامام صلاة العصر اداء لا قضاء، والزيارة تقول ((فقضى ما فاته من الصلاة)) مضافاً الى أن أصل الواقعه مخالفة للعقل والمبادئ الدينية وتتضمن اهانة لمقام النبي الاكرم (ص) حيث نام هو عن الصلاة أيضا، لأنه من غير المعقول أن تفوت الصلاة عن الامام علي دون النبي الا أن يقال بتهاون الامام عن صلاة العصر حتى نهاية وقتها. وعلى فرض وقوع هذه الواقعة فان هذا لا يعني سقوط الصلاة الفائتة غاية الأمر أنه بظهور الشمس من جديد تجب صلاة جديدة غير تلك الصلاة الفائتة.
بل إن نفس كلمة ((ردّ الشمس)) تحكي عن جهل هؤلاء الرواة الوضاعين بامور الطبيعة والكون، لأن الشمس في الحقيقة ليست هي التي تدور حول الأرض حتى يقال برجوعها وردّها، بل إن الارض هي التي تدور حول الشمس مما يعني أن الارض هي التي رجعت عن دورانها.. الى غير ذلك من اللوازم الباطلة.
ومنها: ((السلام على من عنده تأويل المحكم والمتشابه وعنده أم ّ الكتاب))
هنا نلاحظ أيضاً أن الراوي المغالي ينسب تأويل المحكم والمتشابه الى الامام علي (ع) في حين أن الامام علي (ع) نفسه يصرح في نهج البلاغة باختصاص ذلك بالله تعالى وعجز الراسخين في العلم بالاحاطة بذلك، فيقول في معنى قوله تعالى: ((وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا)): ((وأعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمّى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا))
ثم إن الله تعالى يصف نفسه في القرآن الكريم بأنه يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وفي هذه الرواية يقول الراوي الكذاب بأن الامام علي (ع) (عنده ام الكتاب)!! بل ورد في المستفيض من الخبرأن الامام علي (ع) نفسه قال: لو لا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وسيكون الى يوم القيامة، ثم تلا هذه الآية ((يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)) حيث يدل ذلك على أن من عنده أم الكتاب هو الله تعالى لا غير.
ومنها أيضا: ((السلام على النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون)) حيث يوحي الراوي للقارئ بأن المراد من ((النبأ)) في هذه الآية الشريفة هو الامام علي (ع) في حين أن هذه السورة نزلت في مكة المكرمة حيث كان المشركون مختلفين في أمر المعاد ويوم القيامة، ولا يعقل أن يختلف المشركون في امامة أميرالمؤمنين (ع) في ذلك الوقت، ويؤيد ذلك قوله تعالى في سورة (ص): قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون بعد أن ذكر النار وعذاب جهنم في الآيات السابقة لها.
ومنها: ((السلام على صاحب المعجزات القاهرات والمنجي من الهلكات الذي ذكره الله في محكم الآيات))
أما قوله ((صاحب المعجزات)) فقد أجمع علماء الاسلام على أن المعجزة لا تكون الاّ للانبياء، وما عداهم فقد يظهر الله على يدهم بعض الكرامات فحسب، وأما جملة ((والمنجي من الهلكات)) فلم نقف له على معنى معقول وخاصة أن العبارة اعلاه تستشهد لذلك بالقرآن الكريم وتقول ((الذي ذكره الله في محكم الآيات)) ولا نعلم أين ذكره الله في محكم الآيات؟ وأيّ آية في القرآن تؤيد أن أميرالمؤمنين (ع) هو المنجي من الهلكات، بل كل ما ورد في القرآن بهذا المعنى يخص هذه الصفة بالله تعالى لكن هذه الزيارة سرقت مالله وجعلته لأميرالمؤمنين (ع) ولم يكتف الراوي الكذاب حتى استدل لذلك بالقرآن الكريم !1 مع أن صريح القرآن يؤكد على أن الله تعالى هو المنجي:
ولما جاء أمرنا نجينا هوداً والذين آمنوا معهم برحمة منا ونجّيناهم من عذاب غليظ
فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً
وقتلت نفسا فنجيناك من الغم
ونجيناه وأهله من الكرب العظيم
ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا
الى غير ذلك من الآيات الشريفة التي تصرح بأن الله تعالى هو المنجي والمنقذ للانبياء والمؤمنين من الاخطار والهلكات، فأين ورد في محكم الآيات أن الامام علي (ع) هو المنجي كما يدعي هذا الراوي الدجال؟!
ومنها ((في الزيارة 28)) من البحار: ((أشهد أنك مجازي الخلق)) حيث تفوح من هذه العبارة رائحة الشرك بكل جلاء، حيث يقول القرآن الكريم:
ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون
ليجزي الله كل نفس بما كسبت
فكما ترى أن القرآن الكريم ينسب فعل الجزاء الى الله مباشرة، وقد يذكر سبب الجزاء أيضا وهو الاعمال التي يقوم بها الانسان في الدنيا:
من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا
جزاء من ربك عطاء حسابا
فأين ولماذا وكيف صار أميرالمؤمنين (ع) هو المجازي للخلق؟1
ومنها ((في الزيارة 30 من البحار)): ((السلام عليك يا وارث ابراهيم الخليل في نبوته ويا وارث موسى الكليم في رسالته)).
تصرح هذه العبارة بوراثة النبوة والرسالة وتقدم أنه لا معنى لذلك اطلاقا، لأنه اذا كان المراد وراثة النبوة كما هو صريح العبارة، فهذا يعني أن الامام علي (ع) نبي وهو باطل قطعا، وإن كان المراد العلم فقد تقدم فيما سبق أنه من غير المعقول وراثة العلم نفسه لأن الانسان يولد صفحة بيضاء وقد يرث الاستعداد والقابلية والذكاء فحسب وهذا لا يختص بالامام دون غيره، وتقدم ايضا أن علوم الائمة انما كانت بتعليم الرسول (ص) للامام علي (ع) وليس بالوراثة ((علّمني رسول الله (ص) الف باب من العلم يفتح لي من كل باب الف باب)) وكل امام يعلّم الامام الذي يليه أو يقرأ ما ورد في الكتب أو بالهام الملائكة، وعلى كل الاحوال لا معنى لوراثة العلم، أو النبوة الاّ عند طائفة الغلاة.
هذه نماذج قليلة مما ورد في زيارات أميرالمؤمنين (ع) من الكفريات والموهومات التي وضعها الغلاة في كتب الشيعة ونقلها العلماء والمحدثين من دون تدبر في كتبهم وكان لها الدور الكبير في تزييف عقائد العوام من الناس بل نرى أن بعض فضلاء الشيعة وكتّابهم يستشهد على عقائد الشيعة بمثل هذه الزيارات الموضوعة والاراجيف المبتدعة بحيث وصل بنا الحال أن الشيعي يتمسك بالامام أكثر من الله ويطلب منه حاجاته الدنيوية والاخروية أكثر مما يطلب من الله، ويستعين به ولا يستعين بالله، ويعتقد بأن الامام متصف بصفات الله كما تقول صريح الزيارة:
((لا فرق بينك وبينهم سوى أنهم عبادك))!
أما من حيث السند: فان اكثر هذه الزيارات وردت من رجال غلاة لا يعتمد عليهم علماء الرجال ويصفونهم بالكذب والوضع والاختلاق ولا يجيزون الرواية عهم والكثير من هذه الزيارات مقطوعة السند أو مرسلة أو لم ترد عن امام معصوم. ونكتفي هنا بذكر بعض هؤلاء الرواة وبيان ما قاله علماء الرجال في حقهم:
1 بكر بن صالح الرازي: قال عنه النجاشي: بكر بن صالح الرازي مولى بني حنبه ضعيف (رجال النجاشي، ص 84)، ويقول عنه العلامة الحلي في (الخلاصة، ص 208): ضعيف جدا كثير التفرد بالغرائب، ويقول عنه المامقاني في تنقيح المقال: يسقط كل رواية لبكر بن صالح.
2 جعفر بن محمد بن مالك: قال الغضائري في مجمع الرجال (ج 2، ص 42): جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن شابور، كذاب، متروك الحديث جملة، وكان في مذهبه ارتفاع ويروي عن الضعفاء والمجاهيل وكل عيوب الضعفاء مجتمع فيه. وأضاف النجاشي الى ذلك: وسمعت من قال كان أيضا فاسد المذهب والرواية. اما العلامة الحلي فقال عنه: عندي في حديثه توقف ولا أعمل بروايته.
3 حسن بن علي بن أبي حمزة البطائني: قال عنه النجاشي في رجاله (ص28): إنه كان من وجوه الواقفه، لا استحل روايته. وقال في مجمع الرجال للقهبائي: قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، قال: كذاب معلون. وفي نقد الرجال للتفريشي (ص 92): حكى لي أبو الحسن حمدوية ابن نصير عن بعض اشياخه أنه قال: الحسن بن علي بن أبي حمزة أجل سوء.
وهذا الرجل هو الذي روى عنه ابن قولويه في ((كامل الزيارات)) (ص 119) عن أبي بصير عن أبي عبدالله (ع): ((وكّل الله بقبر الحسين (ع) سبعون الف ملك يصلون عليه كل يوم شعفاء غبراء من يوم قتله الى ما شاء الله، يعني بذلك قيام القائم، ويدعون لمن زاره ويقولون يا رب هؤلاء زوار الحسين عليه السلام افعل بهم وافعل بهم))!!
4 خيبري بن علي الطحان: يقول عنه الغضائري في مجمع الرجال (ج 2، ص 275): الخيبري بن علي بن الطحان ضعيف الحديث غالي المذهب كان يصحب يونس بن الظيبان ويكثر الروايات عنه و له كتاب عن أبي عبدالله (ع) لا يلتفت الى حديثه.وهكذا قال عنه النجاشي في رجاله ووصفه بأن في مذهبه غلو وارتفاع، ومن الروايات التي نقلها هذا المغالي الكذاب ما ورد في كتاب كامل الزيارات (ص 147): ((.. عن الخيبري عن الحسين بن محمد القمي عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: من زار قبر أبي عبدالله (ع) بشط الفرات كمن زار الله في عرشه)). ورواه الطوسي بهذا السند في ((تهذيب الاحكام، ج 6، ص 46)).
5 داوود بن كثير الرقي: قال في تنقيح المقال (ج1، ص 414): قال ابن الغضائري: داوود بن كثير الرقي مولى بني أسد يروي عن أبي عبدالله (ع)، أنه كان فاسد المذهب ضعيف الرواية لا يلتفت اليه. وقد وافقه على ذلك النجاشي أيضا ونقل عن أحمد بن عبد الواحد: داوود بن كثير الرقي يكنى أبا خالد وهو يكنى أبا سليمان ضعيف جدا والغلاة تروي عنه وقل ما رأيت منه حديثا سديدا (رجال النجاشي، ص 119)
ويقول عنه ابو عمرو الكشي: ويذكر الغلاة أنه كان من أركانهم ويروى عنه المناكير من الغلو وتنسب اليه أقوالهم، وذكره ابن داوود في رجاله في القسم الثاني (طبقة الضعفاء والمجهولين، ص 452) وقال عنه أنه فاسد المذهب.
6 سهل بن زياد الآدمي: وقد تقدم الكلام عنه فيما سبق.
7 صالح بن عقبة: وقد روى هذا الرجل الكثير من الروايات في موضوع الزيارة ذكرت في التهذيب وكامل الزيارات وكتب اخرى، يقول عنه ابن الغضائري (كما في مجمع الرجال، ج 3، ص 206): صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان ريحه مولى رسول الله روى عن أبي عبدالله (ع)، غال، كذاب، لا يلتفت اليه.
ومن جملة رواياته ما ورد في كامل الزيارات (ص 104): عن صالح بن عقبة عن أبي هارون المكفوف، قال أبو عبدالله (ع): ((يا أبا هارون أنشدني في الحسين (ع) فانشدته: أمرر على حدث الحسين فقل لأعظمة الزكية.... قال فبكى ثم قال: زدني، قال: فانشدته القصدية الاخرى قال فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر و قال: فلما فرغت قال لي: يا أبا هارون من انشد في الحسين (ع) شعرا فبكى وأبكى عشرا كتبت له الجنة، ومن أنشد شعرا فبكى وأبكى خمسة كتبت له الجنة، ومن أنشد شعرا في الحسين (ع) فبكى وأبكى واحدا كتقبت له الجنة، ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذبابة كان ثوابه على الله ولم يرض له بدون الجنة)).
والجدير بالذكر أن أبا هارون هذا يقول عنه العلامة الحلي في الخلاصة (ص 267): روى فيه طعنا عظيما.
نعم، هذا الرجل المغالي الكذاب الكثير المناكير يروي عن أهل البيت (ع) وعن الامام الصادق (ع) خاصة، روايات منكرة تورث الشرك والاستهانة بالواجبات والمحرمات اعتمادا على بعض الشعائر الحسينية حيث يتلقاها العوام بالقبول لأنهم يسمعونها دائما من أصحاب المنبر والخطباء الذين لا هدف لهم سوى تهييج الناس وافراغ جيوبهم باسم الحسين ومظلومية أهل البيت (ع) ولا من رادع وزاجر.
ومما ورد أيضا في كامل الزيارات (ص 169) عن هذا الرجل:
((عن صالح بن عقبة، عن بشير الدهان، قال: قلت لأبي عبدالله (ع): ربما فاتني الحج فأعرف (أي أكون في يوم عرفة) عند قبرالحسين؟ قال: أحسنت يا بشير، من أتى قبر الحسين عارفا بحقه غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجة وعشرين عمرة مبرورات متقبلات وعشرين غزوة مع نبي مرسل وامام عدل، ومن أتاه يوم عيد كتب الله له مائة حجة ومائة عمرة ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل، ومن أتاه يوم عرفة كتب الله له ألف حجة وألف عمرة متقبلات وألف غزوة مع نبي مرسل وإمام عادل. قال: فقلت له: وكيف لي بمثل هذا الموقع ؟ قال: فنظر اليّ شبه المغضب ثم قال: يا بشير إن المؤمن اذا أتى قبر الحسين (ع) يوم عرفة واغتسل في الفرات ثم توجه اليه كتب الله له بكل خطوة حجة بمناسكها، ولا أعلم الاّ قال وعمرة))!!
والأهم من ذلك كلّه أن أحد رواة زيارة عاشوراء أيضا هو صالح بن عقبة حيث ورد في سندها ((محمد بن موسى الهمداني)) الذي هو أيضا من الغلاة والكذابين، يرويها عن ((سيف بن عميرة)) الواقفي الملعون، عن ((صالح بن عقبة)) كما جاء في كتاب ((كامل الزيارات)) وينقل صالح بن عقبة هذا عن مالك الجهمي عن الامام الباقر (ع) أنه قال:
((من زار الحسين (ع) يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكيا لقي الله بثواب ألفي الف حجة وألفي ألف عمرة وألفي ألف غزوة وثواب كل حج وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله ومع الأئمة الراشدين صلوات الله عليهم)).
وأنت ترى كيف يختل ميزان الاعمال والثواب والعقاب (كما يختل عقل المسلم بتبعها) لدى الانسان بموجب هذه الروايات المزيفة حتى أن ثواب مليون غزوة مع رسول الله (ص) مع كل ما لهذه الغزوات منا معطيات ايجابية عظيمة على مستوى الفرد والمجتمع والدين لا يصل الى ثواب زيارة واحدة في يوم عاشوراء للامام الحسين (ع)، ومعلوم أن الجهاد مع الحسين (ع) في كربلاء وأي جهاد آخر ضد الظلم الكفر سيكون له نفس هذا المصير، فلماذا يتعب الانسان نفسه في جهاد الكفار والظالمين اذا كان هناك طريق أقصر وأفضل وأهنا للنفس للوصول الى مرضاة الله تعالى ونيل الزلفى لديه؟! وأساسا كيف يعقل مثل هذا التفضيل مع ما ورد من أن الاعمال بالنيات؟ فقد يكون عمل واحد كضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين، وقد تكون حجة واحدة مع حضور القلب والتوجة الى الله والنية الخالصة أفضل من ألف زيارة أو صلاة أو صيام. فالمسألة هذه لا تقاس بالكمية وبالوزن أو العد حتى يقال بأن هذا العمل أفضل من ذاك. بل بالكيفية وبما يقرب الانسان من الله تعالى ويصعد به في درجات الكمال المعنوي والالهي، وعليه فأي تفضيل في الاعمال يجب أن يلحظ فيه هذا الجانب فقط، وحينئذ لا يعقل أن نطلق الكلام في مسألة التفضيل ما دمنا لا نعرف مقدار المردود الايجابي لذلك العمل على نفس الانسان ومحتواه الداخلي ولا نعرف درجة اخلاصه ومقدار حضوره القلبي في هذا العمل، وعلى فرض تساوي الحالة النفسية في هذين الفعلين (الزيارة من جهة ومليوني حجة وعمرة ومليوني غزوة مع رسول الله من جهة أخرى) وقلنا بأن الشخص متوجه الى الله ومخلص في نيته في كلا الحالتين، فأي عاقل يرى بأن معطيات زيارة واحدة وجدانا، تماثل معطيات مليوني حجة وعمرة وغزوة مع رسول الله (ص) في واقع النفس والمجتمع ومدى تأثيرها على مستوى نشر الدين وهداية الناس الى الله تعالى؟!
8 عبدالرحمن بن كثير: قال عنه النجاشي، في رجاله (ص 189) ضمن شرح حال ((علي بن حسان)) الذي يروي عنه عمّه عبدالرحمن بن كثير: عبدالرحمن بن كثير الهاشمي ضعيف جدا ذكره بعض اصحابنا في الغلاة فاسد الاعتقاد. ويقول عنه العلامة الحلي في رجاله (ص 233) عن المسعودي أنه قال عنه: فهو كذاب وهو واقفي.
9 عبدالله بن عبدالرحمن الأصم: وقد جاء اسم هذا الرجل في كثير من الزيارات الواردة في كتاب ((كامل الزيارات)) ويقول النجاشي في رجاله (ص 161) عنه: عبدالله بن عبدالرحمن الاصم المسمى بصري ضعيف مرتفع القول وله كتاب في الزيارات ما يدل على خبث عظيم ومذهب متهافت وكان من كذابة أهل البصرة.
ويقول عنه العلامة الحلي في القسم الثاني من الخلاصة (ص 238): عبدالله بن عبدالرحمن الأصم البصري ضعيف غال ليس بشيء وله كتاب في الزيارات يدل على خبث عظيم.
هذا الرجل الكذاب ينقل عنه ابن قولوية في كامل الزيارات (ص 81) رواية نسبها هذا الرجل الى الامام الصادق (ع) بأنه قال لزرارة: ((يا زرارة إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحا بالدم وإن الارض بكت أربعين صباحا بالسواد وإن الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف والحمرة وإن الجبال تقطعت وانتشرت وإن البحار تفجرت... الى أن يقول: وما من عين أحب الى الله ولا عبرة من عين دمعت عليه، فانه يحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه والسرور بين على وجهه والخلق في فزع وهم آمنون والخلق يعرضون وهم حدّاث الحسين (ع) تحت العرش في ظل العرش لا يخافون سوء يوم الحساب يقال لهم ادخلوا الجنة فيأبون، ويختارون حديثه ومجلسه وإن الحور العين لترسل اليهم... ))
والله ما ندري ما نقول امام هذه الاكاذيب التي يحوكها هؤلاء الغلاء على لسان الائمة المعصومين (ع) وينقلها محدثوا الشيعة في كتبهم ومصنفاتهم ويتكلم بها أهل المنبر ارضاء للعوام واستدرارا لعواطفهم، لكن الحسين ليس اماما للعوام فقط، وثورة الحسين ليست ثورة الخرافات والاساطير، فماذا لو سمع عقلاء العالم بمثل هذه الاخبار الخرافية من أن السماء (في جميع ارجاء الارض طبعا) قد امطرت دما لمدة أربعين يوما، أو أن الكسوف استمر أربعين يوما (وهو لا يمكن أن يستغرق سوى دقائق) وغير ذلك من الاباطيل التي يقصها علينا كذاب أهل البصرة؟! الا تعدّ مثل هذه الروايات استهزاء بالحسين واستخفافا بثورته المقدسة بعد احاطتها بالاكاذيب والخرافات؟
10 محمد بن سنان: وهو في الغلو وخلق الاكاذيب أشهر من أن يذكر، حيث يقول عنه النجاشي في رجاله (ص 252)، وهو رجل ضعيف جدا لا يعوّل عليه ولا يلتفت الى ما تفرد به. ويقول عنه ابن الغضائري: محمد بن سنان غال لا يلتفت اليه. وينقل الكشي في رجاله (ص 332) عن أيوب بن نوح أنه قال في حقه: لا أستحل عن أروي أحاديث محمد بن سنان.
وكنموذج من روايات وكفريات هذا الكذاب ما نقله صاحب كامل الزيارات في كتابه هذا (ص 67):
((عن محمد بن سنان عن أبي سعيط القماط عن ابن ابي يعفور عن أبي عبدالله (ع) قال: بينما رسول الله (ص) في منزل فاطمة (ع)، والحسين في حجره اذ بكى وخر ساجدا ثم قال: يا فاطمة بنت محمد إن العلي الأعلى تراءى لي في بيتك هذا في ساعتي هذه في أحسن صورة وأهيا هيئة وقال لي: يا محمد أتحب الحسين ؟ فقلت: نعم قرة عيني وريحانتي وجلدة ما بين عيني. فقال لي: يا محمد، ووضع يده على رأس الحسين(ع)، بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله وناصبه وناواه ونازعه، أما إنه سيد الشهداء من الاولين والآخرين في الدنيا والآخرة. ))
ماذا يقول المخالفون للشيعة عندما يقرؤون هذه الرواية المنسوبة للامام الصادق(ع)؟ الا تطعن هذه الرواية في أهل التوحيد وتنزيه الخالق في عقائد الشيعة؟ وهل يصح تعظيم اصل الامامة والولاية بمثل هذا المدح المزيف على حساب أصل التوحيد؟
نكتفي بهذا المقدار من ذكر رجال السند في روايات الزيارة حذرا من الاطالة، ونتساءل: هل يصح بعد هذا أن نبني صرح عقائدنا وديننا من روايات هؤلاء الغلاة، أو لابد من البحث والتنقيب من جديد في جميع ما ورد في كتبنا من روايات و أخبار وعرضها على العقل والقرآن قبل التمسك بها واعتناق ما ورد في مضامينها؟!

ملاحظة مهمة:
الامر الآخر الذي ينبغي الالتفات اليه في روايات زيارة أميرالمؤمنين (ع) كما هي مذكورة في مفاتيح الجنان، التهافت العجيب في طريقة النقل وكيفية العثور على قبر أميرالمؤمنين (ع) حيث ينقل الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان عن الشيخ المفيد قصة هارون الرشيد وخروجه الى الصيد وعثوره على قبر أميرالمؤمنين (ع) من خلال لجوء الظباء الى المكان الشريف وامتناع الصقور والكلاب عن التحرش بها وصيدها، وهذا يعني أن القبر كان مجهولاً حتى عصر هارون الرشيد (أي الى زمن الامام الكاظم(ع))، ولكن الشيخ عباس القمي نفسه يروي أيضا عن الامام الباقر (ع) أنه زار القبر الشريف مع والده الامام زين العابدين (ع) ثم أوصى الشيعة أن يزوروه بتلك الزيارة وقال: ((ما قال هذا الكلام ولا دعا به أحد من شيعتنا عند قبر أميرالمؤمنين (ع)، أو عند قبر أحد الأئمة (ع) الا رفع دعاءه في درج من نور وطبع عليه بخاتم محمد (ص)، وكان محفوظا كذلك حتى يسلّم الى قائم آل محمد عليهم السلام فيلقى صاحبه بالبشرى والتحية والكرامة إن شاء الله تعالى)) (الزيارة الثانية المعروفة بأمين الله)
ومرة ثالثة يروي الشيخ عباس القمي في المفاتيح (الزيارة السادسة) أن ((سيف بن عميرة) قال: ((خرجت مع صفوان الجمال وجماعة من أصحابنا الى الغري فزرنا أمير المؤمنين (ع) فلما فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه الى ناحية أبي عبدالله (ع) وقال: نزور الحسين بن علي (ع) من هذا المكان من عند رأس أميرالمؤمنين (ع) وقال صفوان: وردت ههنا مع سيدي الصادق (ع) ففعل مثل هذا ودعا بهذا الدعاء ثم قال لي: يا صفوان تعاهد هذه الزيارة... ))
فنلاحظ أن الرواية الاولى لو صحت، فهذا يعني بطلان الرواية الثانية والثالثة. لأنهما تدلان على أن قبر أميرالمؤمنين (ع) كان معروفا لدى الشيعة قبل ذلك بمدة طويلة، مضافا الى أن من البعيد جدا أن يكون القبر معروفا في زمان الامام زين العابدين (ع) كما تقول الرواية الثانية لأن الامام زين العابدين (ع) كان معاصرا لحكومة مروان وعبدالملك بن مروان وكان بنو امية يلعنون أميرالمؤمنين (ع) على المنابر ولا يؤمن معها أن يقوموا – في حال عثورهم على القبر – بالاعتداء على القبر ونبشه أو يقوم بذلك الخوارج، وهذا ما يتنافى مع الحكمة من وصية اميرالمؤمنين (ع) بأن يبقى قبره مجهولا. أما الرواية الثالثة فتقرر أن الامام الصادق (ع) زار القبر ومعه صفوان الجمال، ومعلوم أن الامام الصادق كان معاصرا لبداية الحكم العباسي وقد جاء الى بغداد مرة عندما استدعاه المنصور اليه، ولكن لم يذكر مجيء الامام الصادق(ع) لزيارة القبر الشريف في النجف في الكتب المعتبرة، وقد ذكر المجلسي هذه الرواية في ج 22 من البحار بهذه الصورة:
((ذكر الفقيه صفي الدين بن سعدان في مزار فقيهنا محمد بن علي بن فضل... قال: أخذت هذه الزيارة من كتاب عمومتي وكانت بخط عمي الحسين بن فضل قال حدثني.. عن صفوان بن يحيى عن صفوان الجمال.. ثم شرع بذكر قصة مجيء صفوان الجمال مع الامام الصادق (ع) الى الكوفة حيث قال له الامام (ع): يا صفوان انخ راحلتك فهذا قبر جدي أميرالمؤمنين (ع) فانختها ثم نزل فاغتسل وغير ثوبه.. الى آخر ما ورد في الرواية ونقرأ فيها أيضا المثوبات الخيالية للزيارة من قبيل ((فانه يكتب لك بكل خطوة مائة الف حسنة ويمحى عنك مائة الف سيئة وترفع لك مائة الف درجة وتقضى لك مائة الف حاجة !! ويكتب لك ثواب كل صديق وشهيد مات أو قتل.. )) (هذا في الخطوة الواحدة!) ثم قال: ((يا صفوان من زار أميرالمؤمنين (ع) بهذه الزيارة وصلى بهذه الصلاة رجع الى أهله مغفورا ذنبه مشكورا سعيه ويكتب له ثواب كل من زاره من الملائكة، قلت: ثواب كل من يزوره من الملائكة؟! قال: بلى يزوره في كل ليلة سبعون قبيلة، قلت: كم القبيلة؟ قال: مائة الف)).
هذا ونقرأ في ((كامل الزيارات)) عن أبي الخطاب عن الحجال عن صفوان بن مهران ((صفوان الجمال)) أنه قال: سألت الامام الصادق (ع) عن قبر أميرالمؤمنين (ع) فوصف لي ابوعبدالله (ع) موضع القبر عند دكادك الميل، فذهبت الى هناك وصليت ثم عدت في السنة الثانية الى الامام الصادق (ع) فاخبرته بما فعلت فقال لي: حسنا فعلت، وانا (اي صفوان) لي عشرون عاما أصلي عند القبر. وهذا يعني أن صفوان لم يذهب الى موقع القبر مع الامام الصادق (ع) وانما زاره لوحده بعد أن أرشده الامام الى مكانه. وبما أن الامام الصادق (ع) توجه الى بغداد في زمن المنصور وكان المنصور قد استلم الخلافة عام 136 ه فلو فرضنا أن الامام توجه اليه في نفس هذه السنة (وليس كذلك قطعا) ونعلم أن وفاة الامام كانت سنة 148 ه، ففي هذه الصورة تكون الفاصلة بين زيارته ووفاته 12 سنة، ويكون صفوان قد زار القبر بعد وفاة الامام ثمانية مرات واحيانا يكون مع رفاقه كما ورد في ((الزيارة السادسة)) من مفاتيح الجنان: ((خرجت مع صفوان الجمال وجماعة من أصحابنا الى الغري فزرنا أميرالمؤمنين)) وهذا يعني أن القبر كان معلوما لدى الشيعة، في حين أن الروايات تؤكد أن موضع قبر أميرالمؤمنين (ع) كان مورد اختلاف الشيعة الى زمان الامام الرضا (ع)، فمنهم من يقول أنه دفن في مسجد الكوفة، وبعض يقول أنه دفن في بيته، وبعض كان يرى مثل ماورد في رواية صفوان، حتى أنه ورد في ((قرب الاسناد)) عن البزنطي قال: سألت الامام الرضا (ع) عن موضع قبر أميرالمؤمنين (ع) فقال لي: ماذا سمعت من خبره؟ فقلت له: إن صفوان بن مهران يروي عن جدك أنه دفن في النجف وبعض أصحابنا يروون ذلك عن يونس بن ظبيان. فقال (ع) وانا سمعت منه أنه قال أنه دفن في مسجدكم في الكوفة. والظاهر أن الضمير في قوله ((سمعت منه)) يعود الى يونس بن ظبيان، ومن البعيد عوده على الامام الصادق (ع) لان الامام الرضا (ع) ولد في عام وفاة الامام الصادق (148) أو بسنة قبله.
وعلى أية حال فلم يكن موضع القبر معلوما في زمن الامام الصادق (ع) فكيف يعقل أن يزوره ((محمد بن مسلم)) ويروي عن الامام الصادق (ع) بما يوحي بوجود ضريح وصحن وباب وقبه وغير ذلك من المحدثات في العصور المتأخرة؟!
الا يدل كل ذلك على الوضع والاختلاق؟ مثلا نقرأ في ((الزيارة السابعة)) في مفاتيح الجنان عن السيد ابن طاووس في كتاب مصباح الزائر ان الامام الصادق (ع) يقول: اقصد باب السلام أي باب الروضة المقدسة لأمير (ع) حيث يرى الضريح المقدس فقل... ثم انكب على الضريح وقبّله وقل... وفي زيارة يوم الغدير المروية عن الامام علي بن محمد النقي (ع) باسناد معتبرة (كما يقول الشيخ عباس القمي في المفاتيح) – الزيارة الثانية – قال (ع): إذا أردت ذلك فقف على باب القبة المنورة... وامشي حتى تقف على الضريح.. وفي الزيارة الثانية من الزيارات المخصوصة (زيارة يوم الميلاد) ورد: اذا وصلت الى باب السلام، أي باب الحرم الطاهر... ذكر الشيخ عباس القمي في الزيارة الاولى من الزيارات المطلقة التي يرويها الشيخ المفيد وابن طاووس عن الامام الصادق (ع): فاذا بلغت باب حصن النجف (ولم تكن النجف يومذاك سوى صحراء فلا مدينة ولا حصن)، ثم ادخل وقل... ثم قف على باب الصحن وقل... ثم ادخل الصحن وقل... ثم امش حتى تقف على باب الرواق وقل... كل ذلك شاهد على أن هذه الزيارات وضعت في الازمنة المتأخرة ودُست في كتب الروايات والزيارات.
* * *
الثالث: ما ورد في زيارة الجامعة الكبيرة
وذكر الشيخ القمي في كتاب ((مفاتيح الجنان)) زيارة بعنوان ((زيارة الجامعة الكبيرة)) نقلها عن الشيخ الصدوق، ورغم اشتهار هذه الرواية وكذلك قيام بعض الغلاة ((كالشيخ أحمد الأحسائي)) بكتابة شروح على هذه الزيارة، ولكن بعض عباراتها مخالفة بصراحة للقرآن الكريم. ولابد قبل التعرض للمفاهيم الواردة في هذه الزيارة من استعراض رجال السند فيها:
أما السند: فالمجلسي ينقل هذه الزيارة في البحار (ج 22) كتاب المزار عن الدقاق و((السنائي)) و((الوراق)) و((الاسدي)) و((البرمكي)) و((النخعي)) عن الامام علي الهادي (ع).
أما ((الاسدي)) فيقول النجاشي: ((محمد بن جعفر الاسدي كان ثقة صحيح الحديث الا أنه يروى عن الضعفاء وكان يقول بالجبر والتشبيه))، وقد وضعه ابن داوود في رجاله في عداد الضعفاء والمجروحين. ويقول المامقاني في تنقيح المقال (ج2، ص 95) القسم الثاني عن هذا الرجل: ((وقوله بالجبر والتشبيه فانه لو كان على حقيقته لأوجب فسقه بل كفره)).
ويروي الاسدي هذه الزيارة عن البرمكي وهو كما جاء في كتب الرجال: ((محمد بن اسماعيل بن احمد بن بشر البرمكي ابو جعفر المعروف بصاحب الصومعة، ضعيف))، وعدّه ((طه نجف)) في رجاله من الضعفاء.
البرمكي يروي هذه الزيارة عن النخعي، وهو ((موسى بن عمران النخعي)) حيث لم يرد له اسم في كتب الرجال ولا يعلم من هو؟ وكيف كان؟ ولكن المامقاني يقول في ((تنقيح المقال)) في ذيل ترجمته له: ((اهمالهم ذكره في كتب الرجال غير قادح فيه)) وهناك نخعي واحد في الرواة وهو الذي قال له الامام الرضا (ع): ((أخرج عني لعنك الله ولعن من حدّثك)) ولا شك أن هذا الرجل الذي يروي زيارة الجامعة من الغلاة.حيث يتبين ذلك مما يرويه في كتب الاخبار والزيارات كما في الرواية التي يرويها الصدوق في توحيده (ص 154، طبع بومبي) عن هذا الرجل (عن موسى بن عمران النخعي) عن عمه حسين بن يزيد... عن علي بن الحسين عمّن حدثه عن الرحمن بن كثير عن أبي عبدالله (ع) قال: ((قال أميرالمؤمنين (ع): أنا علم الله، أنا قلب الله ولسان الله الناطق وعين الله وجنب الله وأنا يد الله)).
ولا شك في أن الامام علي (ع) لم يتكلم بمثل هذه الكلمات المجسّدة والمشبهة وهو الذي رفع لواء التوحيد وأفضل من استنّ بسنّة النبي الاكرم (ص) فهل سمعنا يوما أن رسول الله كان يدّعي نفسه مثل هذه الادعاءات أو أنه كان يؤكد على عبوديته لله وأنه بشر مثل الناس؟!
هذا من حيث السند، وقد رأينا أن رواة هذه الزيارة أما مجهول أو مغالي. فما يقوله المجلسي من أن هذه الزيارة (وأصحها سندا) كما ترى!!
أما المضمون: فنلاحظ ما يلي:
1 – من البعيد جدا، إن لم يكن ممتنعا، أن يقوم الامام المعصوم الذي يعتبر نموذجا للتواضع ونكران الذات بتلقين الشيعة بهذه العبارات المشحونة بالغلو والمدح بما يقترب من مقام الآلهة، مع العلم أنه لم يؤثر عن جدهم رسول الله (ص) أن قال للمسلمين: زورني بهذه العبارات، وكذلك لم ينقل هذا المعنى عن أميرالمؤمنين أو الحسن أو الحسين عليهم السلام. مضافا الى مخالفة الكثير من عباراتها للقرآن الكريم كما سيأتي.
2 – نحن نعلم أن سلاطين الصفوية ومن أجل حسابات سياسية كانوا يثيرون بين الناس روح الغلو والمبالغة في تمجيد الاعاظم والاكابر منهم، بل إن روح الغلو والافراط في التذلل وتعظيم الشخصيات متجلية لدى الفرس بصورة عامة خلافا للعرب الذين يتمتعون عادة بروح الغرور والفردية وعدم الخضوع للغير. وعلى هذا الاساس نرى أن الحكومات الصفوية سعت لترويج هذا المسلك في نفوس الناس بالنسبة الى السلاطين والامراء، وهذا ما نراه بوضوح في كتاب علماء الشيعة كالمجلسي لسلاطين الوقت وفي مقدمات كتبهم التي يهدونها للسلاطين، ومثل هذه الزيارات الواردة في حق الائمة (ع) تمنح السلاطين مشروعية أن يكون لهم مثل هذه الصفات والالقاب، أي تمهد الطريق في اذهان العوام لتقبل مثل هذه النعوت والاوصاف في شأن السلاطين فلا يعترض بعدها معترض على أن هذه العبارات مخالفة للشرع والدين.
3 – تقول الزيارة: ((موضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي)) في حين أن هذا الوصف مختص برسول الله (ص) فقط حيث ختم به الوحي فلا معنى لأن يسمى الامام ((مهبط الوحي))، فاذا كان المقصود أنه في بيتهم هبط الوحي، فمعلوم أن الائمة لم يكونوا يقيمون في بيت النبي (ص) بل في بيوت اخرى ولم يكن الوحي يهبط في بيت النبي بالضرورة بل في كل مكان مناسب سواء كان في البيت أو المسجد أو ميدان القتال. وإن كان المراد أنهم (ع) من ذرية من هبط عليه الوحي فلا يصح وصفهم بأنهم ((مهبط الوحي)) لمجرد هذا المعنى إلا بتاويلات تعسفية وتمحلات غير متعارفة.
4 – تقول الزيارة: ((إياب الخلق اليكم وحسابهم عليكم)) ومن الواضح أن هذا الوصف مختص بالله تعالى كما وردت الآيات القرآنية في تقرير هذا المعنى، من قبيل قوله تعالى:
ما عليك من حسابهم من شيء
فانما عليك البلاغ وعلينا الحساب
وكفى بنا حاسبين
إن حسابهم الا على ربي لو تشعرون
إن الينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم
بعد هذا كيف تدعي هذه الزيارة بأن إياب الخلق الى أهل البيت (ع) وحساب الناس عليهم؟!
وقد تصدى البعض لرفع هذا التعارض وأجاب بأن الناس يعودون باذن الله الى النبي والأئمة ويكون حسابهم عليهم كما أن قبض النفوس عند الموت نسب في القرآن الكريم الى الله تعالى والى الملائكة أيضا، أي أن الملائكة يقبضون أرواح الناس باذن الله.
والجواب: اذا كان الله قد أذن للنبي الأكرم والأئمة عليهم السلام في حساب الناس فلا معنى لأن يذكر في كتابه الكريم مخاطبا رسول الله: ما عليك من حسابهم من شيء (الانعام/52)
وهكذا في مسألة قبض النفوس فلو أن القرآن الكريم لم يصرح بأن قبض النفوس من شأن الملائكة ففي هذه الصورة لا يحق لنا أن ننسب هذا العمل لهم. وقد أوصانا الائمة أن لا نقبل الروايات المخالفة للقرآن الكريم، ولا نعلم أنه اذن كانت جملة ((حسابهم عليكم)) غير متعارضة مع الآية الشريفة ((ما عليكم من حسابهم من شيء)) اذا فماذا يكون معنى ((الرواية المخالفة للقرآن))؟
إننا اذا سمحنا بأنفسنا تأويل أية عبارة في القرآن الكريم وتأويلها حسب المزاج والذوق ففي هذه الصورة هل يبقى كلام مخالف للقرآن اساسا؟ اذن فماذا تعني توصية الرسول الأكرم وأهل البيت المتقدمة ؟ ولمن تكون؟ وما هو موضوعها؟
1 – وأورد المحدث القمي في ((مفاتيح الجنان)) ضمن أعمال يوم الجمعة هذه الرواية: ((الرابع عشر: أكل الرمّان على الرّيق واكل سبعة اوراق من الهندباء قبل الزوال وعن موسى بن جعفر عليهما السلام قال من اكل رمّانة يوم الجمعة على الرّيق نوّرت قلبه اربعين صباحا فأن اكل رمانتين فثمانين يوما فان اكل ثلاثا فمائة وعشرين يوما وطردت عنه وسوسة الشيطان ومن طردت عنه وسوسة الشيطان لم يعص الله ومن لم يعص الله ادخله الله الجنة))
فترى هذه الرواية تقرر في مضمونها قضية تجريبية لا غيبية وهي أن من يأكل الرمان يوم الجمعة فانه ينوّر قلبه ويطرد عنه وسوسة الشيطان ولم يعص الله، وكل انسان بامكانه تجربة هذا الامر عملا للتأكد من صدقه أو كذبه. وليت الشيخ عباس القمي جرّب واقعية هذه الرواية قبل أن يسردها في كتابه المذكور، ولو كان قد جرّبها فلا أظنه يجرأ على نقلها. ولكن عقلية التبعية والالتزام الحرفي بالنصوص يورث الانسان هذا الجمود الذهني والتحجّر العقلي.
والعجيب أن هذه الرواية تذكر في مضمونها معادلة مركبة من أن كل من أكل رمانة واحدة فانه يسلم من الوسوسة ويكون قلبه نورانيا وبعيدا عن الشيطان وكل من كان كذلك فانه لا يعصي الله وسوف يدخل الجنة، اذا ((فكل من يأكل رمانه فسيدخل الجنة)) فهذه الرواية سهلت للناس دخول الجنة الى هذا الحد، فهل ينسجم ذلك مع تعاليم الاسلام السامية، أو أن هذه الرواية قد وضعها بقال المدينة، الذي يبيع الرمان ليكتسب بهذه المجعولات؟
2 – ويروي الشيخ ابو جعفر الطوسي في كتاب ((مصباح المتهجد)) ضمن أعمال يوم الجمعة هذه الرواية:
روى محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا – عليه السلام – قال: قلت: بلغني أن يوم الجمعة أقصر الأيام. قال: كذلك هو ! قلت: جعلت فداك كيف ذاك؟ قال أبو عبدالله – عليه السلام – إن الله يجمع فيه ارواح المشركين تحت عين الشمس، فاذا ركدت الشمس عذبت أرواح المشركين بركود الشمس فإذا كان يوم الجمعة رفع عنهم العذاب لفضل يوم الجمعة فلا يكون للشمس ركود !
ونترك الحكم على هذه الرواية الى القاريء الكريم والعارف بتعاليم الاسلام نفسه.
3 – ويروي الشيخ الطوسي أيضا في ((مصباح المتهجد)) ضمن أعمال شهر شعبان:
روى محمد بن مارد التميمي قال: قال لنا أبو جعفر – عليه السلام –: من زار قبر الحسين – عليه السلام – في النصف من شعبان غفرت له ذنوبه ولم تكتب عليه سيئة في سنته حتى يحول عليه الحول !
هذه الرواية أيضا من طائفة الروايات المزيّفة السابقة التي تمنح الجرأة للناس على ارتكاب الذنوب والولوغ في المعاصي.ثم كيف إذا قام الناس بزيارة قبر الحسين(ع) في كل سنة في النصف من شعبان؟
4 – ر وى السيد ابن طاووس في كتاب ((اقبال الأعمال)) في فضيلة شهر شعبان:
عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه قال: من صلى أول ليلة من شعبان إثنتى عشرة ركعة يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة اعطاه الله تعالى ثواب اثنى عشر ألف شهيد وكتب له عبادة اثنتى عشرة سنة وخرج من ذنوبه كيوم ولدته امه واعطاه الله بكل آية في القرآن قصرا في الجنة !
ولحسن الحظ أن هذه الرواية فاقدة للسند والا فانّ الشهداء سيكونون في صف الخاسرين المغبونين، لأنه بامكانهم بدل التضحية بالنفس القيام بأداء هذه الصلاة المذكورة ليحصلوا على اثنتي عشرة مرتبة مضاعفة، وليحصل كل واحد منهم على آلاف القصور بعدد آيات القرآن الكريم!!

الحوار المتمدن-العدد: 3999 - 2013 / 2 / 10 - 22:18


محمد جميل حمّود العاملي: رأينا الشرعي في ياسر الحبيب..؟!

الإسم:  *****

النص: السلام عليكم....
ما رأيكم بالشيخ ياسر الحبيب وكتابه الفاحشة ؟

الموضوع الفقهي: رأينا الشرعي في الشيخ ياسر الحبيب..؟!
بسم الله الرَّحمان الرّحيم

السلام عليكم
     لا خير في المؤلِف ياسر الحبيب والمؤَلَف لأجلها الكتاب المعروف ب(الفاحشة الوجه الآخر لعائشة) وهي عائشة راكبة الجمل في البصرة وراكبة البغل في المدينة لمنع دفن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بجانب جده، ولكنْ بالإجمال لا بؤيس به ككتابٍ من نوع المقالات الصحفية التاريخية كأيّ كتابٍ تاريخي...ولكن لا نطمئن لصاحبه في المجالات الأخرى كالعقيدة والفقه والتفسير والأصول بل لا يجوز الأخذ منه العقيدة والفقه مطلقاً، فهو ضال ومضل لغيره من البسطاء،  وآراؤه المعوجة حول الفقه والعقيدة والتاريخ تقشعر منها الابدان،  وفيها ثغرات جمة وشبهات كثيرة سنبيِّن عوارها في المستقبل القريب حينما تحين الظروف الموضوعية في ذلك.
  والحاصل:لا الكتاب يستحق التقدير العلمي ولا كاتبه أيضاً لما عنده من أفكار لا علاقة للعقيدة والفقه الشيعي بهما ولأنه  لا يملك الخبرة الفقهية والعقدية التي تخوله للإفتاء والكلام في العقيدة والتفسير الذي لو عرضنا قسماً منه على المؤمنين لشابت الرؤوس لعظمها وفداحة نتائجها، ونحن لم نكن بصدد الإطلاع على أفكاره في الماضي حتى استفتانا بعض المؤمنين حول تفضيل الشيخ ياسر مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم على مولاتنا الصدّيقة الصغرى عقيلة بني هاشم سيدتنا المطهرة زينب عليها السلام وقد فندنا بالدليل والبرهان مقالته الباطلة.
  هذا مضافاً إلى الرجل المذكور تمادى كثيراً بقدحه بنا وتعييبه علينا مباشرة وتسبيباً عبر بعض الأفراد قديماً وحديثاً مما دعانا لأن نأمر أحد تلامذتنا الأفاضل  بالإطلاع على موقعه ليخرج لنا بعضاً من أفكاره العقدية والفقهية حتى نقوم بتقييمه علمياً ثم إنَّه عرضها هذا الفاضل علينا فوجدناها خارجة عن قواعد الإستدلال المتعارف عليه عند الإمامية وهي أشبه شيء بأقيسة أبي حنيفة..! وما وجدناه كان تأكيداً لما تصوناه عنه فيا سلف من السنين، فكان موضع إستهجانٍ وريبة كبيرة لم نكن نتوقع صدورها من مبتدئ في الحوزة العلمية فضلاً عمن صار ينظر إلى نفسه وكأنه وحيد هذه الأمة وفريد دهرها بعلمه وفقهه وولائه...!! وصار ينظر إليه البسطاء من الشيعة وكأنه ربّان هذه الأمة ومنقذها من الضلال في حين أنه بحاجة إلى من يرشده ويعلِّمه أصول العقيدة والأحكام الفقهية وطرق الإستدلال على المطالب العلمية والفقهية متدرجاً به من الرسالة العملية إلى الشرائع واللمعة ثم إلى المكاسب...!! وكم صدرت منه علينا هناتٌ وهنات(والهنات هي خصلات الشر) ونحن كنا ساكتين عنه لا لضعفٍ عندنا وإنما حسبةً إلى الله تعالى وتقرباً إلى الحجج الطاهرين عليهم السلام ولكننا لما وجدناه يتطاول علينا بغير حقٍّ منذ سنين، ويتطاول على كل من لا يعجبه مسلكه السياسي أو الديني إمَّا عداوة وإمِّا حسداً وحقداً، كان من الواجب شرعاً وعقلاً علينا أن نجيبكم لمّا سألتمونا عنه،حتى لا نغرر البسطاء من الشيعة به فنوقعهم في الضلال والإضلال، وعلى القاعدة النبوية القائلة:( إذا ظهرت البدع في أُمتي فليظهر العالم علمهن فمن لم يفعل فعليه لعنة الله)، ونحن لم نسلم منه ومن غيره ممن يتهكمون علينا وينصبون لنا العداوة والبغضاء.. لا لشيء سوى ولاؤنا للعترة الطاهرة ودفاعنا عنها، ولن نسلم منه ومن غيره ممن نصبوا لنا العداوة والبغضاء لا لمالٍ اغتصبانه ولا لزعامة سعينا لأجلها(والعياذ بالله تعالى) وإنما لنرد المعالم من هذا الدين القيّم...!!نعم لنرد المعالم من هذا الدين الذي تكالبت عليه عمائم السوء التي تحب الزعامة والرياسة التي تخرج بصاحبها من العدالة وتدخله في الفسق والفجور، والله تعالى حسبنا ونعم الوكيل.

حررها العبد الفقير إلى الله تعالى
 الشيخ محمد جميل حمّود العاملي
بيروت بتاريخ 21رجب 1434ه.


انتقاد رأي‌ المحدِّث‌ القمّي‌ّ في‌ عدم‌ ذكر بعض‌ الحقائق‌ التأريخيّة‌

 نقل‌ لي‌ المرحوم‌ صديقي‌ البارّ الكريم‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ السيّد صدرالدين‌ الجزائري‌ّ أعلی‌ الله‌ مقامه‌ أ نّه‌ كان‌ ذات‌ يومٍ في‌ بيت‌ المرحوم‌ آية‌الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌ العاملي‌ّ رحمه‌ الله‌ بالشام‌، واتّفق‌ حضور المرحوم‌ ثقة‌ المحدِّثين‌ الشيخ‌ عبّاس‌ القمّي‌ّ رحمه‌ الله‌ هناك‌. فجري‌ حوار بين‌ المرحومين‌ القمّي‌ّ والامين‌. فقال‌ المرحوم‌ القمّي‌ّ مخاطباً المرحوم‌ الامين‌: لِمَ ذكرتَ في‌ كتاب‌ « أعيان‌ الشيعة‌ » بيعة‌ الإمام‌ زين‌ العابدين‌ علیه‌ السلام‌ ليزيد بن‌ معاوية‌ علیه‌ وعلی‌ أبيه‌ اللعنة‌ والهاوية‌؟!

 فقال‌: إنّ « أعيان‌ الشيعة‌ » كتاب‌ تأريخ‌ وسيرة‌. ولمّا ثبت‌ بالادلّة‌ القاطعة‌ أنّ مسلم‌ بن‌ عقبة‌ حين‌ هاجم‌ المدينة‌ بجيشه‌ الجرّار، وقتل‌ ونهب‌ وأباح‌ الدماء والنفوس‌ والفروج‌ والاموال‌ ثلاثة‌ أيّام‌ بأمر يزيد، وارتكب‌ من‌ الجرائم‌ ما يعجز القلم‌ عن‌ وصفها، فقد بايع‌ الإمام‌ السجّاد علیه‌ السلام‌، من‌ وحي‌ المصالح‌ الضروريّة‌ اللازمة‌، والتقيّة‌ حفظاً لنفسه‌ ونفوس‌ أهل‌ بيته‌ من‌ بني‌ هاشم‌، فكيف‌ لا أكتب‌ ذلك‌ ولا أذكره‌ في‌ التأريخ‌؟! ومثل‌ هذه‌ البيعة‌ كبيعة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ أبا بكر بعد ستّة‌ أشهر من‌ وفاة‌ الرسول‌ الاكرم‌ واستشهاد الصدِّيقة‌ الكبري‌ فاطمة‌ الزهراء سلام‌الله‌ علیهما.

 قال‌ المرحوم‌ القمّي‌ّ: لا يصلح‌ ذكر هذه‌ الاُمور وإن‌ كانت‌ ثابتة‌، لا نّها تؤدّي‌ إلی‌ ضعف‌ عقائد الناس‌. وينبغي‌ دائماً أن‌ تُذكر الوقائع‌ التي‌ لا تتنافي‌ مع‌ عقيدة‌ الناس‌.

 قال‌ المرحوم‌ الامين‌: أنا لا أدري‌ أي‌ّ الوقائع‌ فيها مصلحة‌، وأيّها ليس‌ فيها مصلحة‌. علیك‌ أن‌ تذكّرني‌ بالاُمور التي‌ ليس‌ فيها مصلحة‌، فلا أكتبها!

 ومن‌ الطبيعي‌ّ أنّ رأي‌ المرحوم‌ القمّي‌ّ هذا غير سديد. ذلك‌ أ نّه‌ ظنّ الإمام‌ السجّاد أُسوةً للناس‌ بدون‌ بيعة‌ يزيد، وزعم‌ أنّ الناس‌ لو علموا بأ نّه‌ بايع‌، لرجعوا عن‌ الإيمان‌ والاعتقاد بالتشيّع‌، أو ضعف‌ إيمانهم‌ واعتقادهم‌. وبالنتيجة‌ فإنّ الإمام‌ هو الذي‌ لا ينبغي‌ له‌ أن‌ يبايع‌ يزيد.

 إنّ مفاسد هذا اللون‌ من‌ التفكير بيّنة‌. أوّلاً: لانّ الإمام‌ الحقيقي‌ّ هو الذي‌ يبايع‌، ويدرك‌ مصالح‌ البيعة‌، وعمله‌ صحيح‌، وخلافه‌، أي‌: عدم‌ البيعة‌، غير صحيح‌.

 ثانيا: لو ابتُلينا هذا إلیوم‌ بحاكم‌ جائر كيزيد، وقال‌ لنا: بايعوا وإلاّ... وإذا اعتبرنا البيعة‌ حتّي‌ مع‌ هذا الفرض‌ حراماً وخطأً، فقد أهدرنا دمنا ودماء أهلينا وناس‌ آخرين‌ سديً. وأمّا إذا علمنا أنّ أئمّتنا وقدوتنا قد بايعوا في‌ مثل‌ تلك‌ الظروف‌، فإنّنا سنبايع‌ فوراً بدون‌ أن‌ نفكّر بالنتيجة‌ السقيمة‌ وما تستتبعه‌ البيعة‌ من‌ محذورات‌. أفليست‌ التقيّة‌ من‌ أُصول‌ الشيعة‌ الثابتة‌؟! لِمَ نُظْهِرُ للناس‌ خلاف‌ ذلك‌ فنورّط‌ أُولئك‌ المساكين‌ في‌ عُسرٍ وحرجٍ للحفاظ‌ علی‌ شرفهم‌ وكرامتهم‌ ووجدانهم‌؟ حتّي‌ إذا بايع‌ أحد في‌ مثل‌ هذه‌ الحالة‌، فإنّه‌ يعدّ نفسه‌ آثماً خجولاً، ويري‌ تلك‌ البيعة‌ مخالفة‌ لسُنّة‌ إمامه‌ ونهجه‌. وإذا لم‌ يبايع‌ فإنّه‌ يعرّض‌ نفسه‌ وأتباعه‌ لسيف‌ زنجي‌ّ ثمل‌ جائر سفّاك‌، ويفقد حياته‌ جنوناً وحماقةً.

 بيان‌ الحقيقة‌ هو بيان‌ الحقيقة‌ نفسها، لا بيان‌ حقيقة‌ خيإلیة‌، وإلاّ فإنّ جميع‌ المفاسد تقع‌ علی‌ عاتق‌ من‌ كتم‌ الحقيقة‌.

 كانت‌ في‌ المرحوم‌ المحدِّث‌ القمّي‌ّ مع‌ جميع‌ ما اتّصف‌ به‌ من‌ الجهاد العلمي‌ّ والعناء وحبّ أهل‌ البيت‌ عليهم السلام‌ مثلبة‌ تتمثّل‌ في‌ بتره‌ للاخبار، إذ يذكر مثلاً شيئاً من‌ الخبر كمثال‌، ويتغاضي‌ عن‌ الباقي‌ الذي‌ ربّما تكون‌ فيه‌ قرائن‌ مفيدة‌ لحدود هذا المعني‌ المستفاد.

 وهذا غير صائب‌، إذ لعلّ صدر الخبر قرينة‌ علی‌ ذيله‌، وذيله‌ قرينة‌ علی‌ صدره‌. فما علی‌ المؤلِّف‌ إلاّ أن‌ ينقل‌ الخبر بحذافيره‌، ثمّ يعلّق‌ علیه‌ في‌ الهامش‌ أو الشرح‌ إن‌ أشكل‌ علیه‌ في‌ بعض‌ المواضع‌!

 ونلحظ‌ في‌ كتاب‌ « منتهي‌ الآمال‌ » أنّ المحدِّث‌ القمّي‌ّ ذكر مقتل‌ محمّدبن‌ عبد الله‌ بن‌ الحسن‌ المسمّي‌ بالنفس‌ الزكيّة‌، ومقتل‌ إبراهيم‌بن‌ عبدالله‌بن‌ الحسن‌ المسمّي‌ بقتيل‌ باخمري‌، وتحدَّث‌ عن‌ سيرتهما التي‌ أوردناها في‌ صفحات‌ متقدّمة‌ من‌ هذا الكتاب‌، دون‌ أن‌ يشير إلی‌ مثالبهما، واكتفي‌ بالحميد من‌ ترجمتهما.

 وهكذا فعل‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ في‌ « الغدير » عند ذكر عبد الله‌ المحض‌ وولديه‌: محمّد وإبراهيم‌، فقد تحيّز في‌ كلامه‌ عنهم‌ نوعاً ما، ورغب‌ عن‌ بيان‌ طبيعة‌ الواقعة‌.

 أجل‌، التفاوت‌ واضح‌ بين‌ أدعية‌ الإمام‌ السجّاد عليه السلام‌ بخاصّة‌ أدعية‌ « الصحيفة‌ الكاملة‌ »، وأدعية‌ الإمام‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ النبرة‌ والمضمون‌. فأدعية‌ « الصحيفة‌ » نبعت‌ من‌ قلبٍ متحرّق‌ ذائب‌، وروح‌ عاشقة‌ مجذوبة‌ ومدهوشة‌. وأدعية‌ « الصحيفة‌ العلويّة‌ » التي‌ أعدّها الميرزا عبدالله‌بن‌ صالح‌ السماهيجي‌ّ، و « الصحيفة‌ الثانويّة‌ » التي‌ أعدّها المحدِّث‌ القريب‌ من‌ عصرنا الميرزا حسين‌ النوري‌ّ، تمتاز بمضامين‌ جليلة‌ عظيمة‌ تبعث‌ علی‌ الهيبة‌. وهذا لا يعني‌ أنّ الإمام‌ السجّاد علیه‌ السلام‌ كان‌ عاجزاً عن‌ الإتیان‌ بمثلها، بل‌ إنّ وضعه‌ كان‌ يتطلّب‌ مثل‌ تلك‌ الادعية‌، لامثل‌ هذه‌ الادعية‌ التي‌ تطلّبها وضع‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌.

 ولعلّه‌ صلوات‌ الله‌ علیه‌ قد أنشأ نظير تلك‌ الادعية‌ في‌ المدينة‌ أيّام‌ رسول‌الله‌ وفاطمة‌ الزهراء سلام‌ الله‌ علیهما عندما كان‌ في‌ حائط‌ بني‌ النجّار ( بستان‌ بني‌ النجّار )، ولكن‌ لم‌ ينقلها لنا أحد.

 ولا تنحصر أدعيته‌ العجيبة‌ بدعاء كُميل‌، ودعاء الصباح‌، بل‌ إنّ جميع‌ أدعيته‌ تكشف‌ عن‌ مقام‌ جلال‌ الحقّ تعإلی‌ وعظمته‌ وانتشار رحمته‌ الواسعة‌، وعن‌ إشراق‌ نور التوحيد علی‌ عوالم‌ الإمكان‌ بأسرها.

زواج‌ عمر بأُمّ كلثوم‌ ابنة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌

 إنّ زواج‌ عمر بن‌ الخطّاب‌ بأُمّ كلثوم‌ بنت‌ الصدِّيقة‌ الكبري‌ سلام‌الله‌ علیها من‌ الحوادث‌ التأريخيّة‌ المسلَّم‌ بها. فلماذا يريد بعض‌ الشيعة‌ أن‌ ينكر ذلك‌ في‌ بعض‌ الكتب‌؟! في‌ حين‌ نحن‌ إذا ذكرنا شفاعة‌ هذا الزواج‌ مع‌ مقدّماته‌ التأريخيّة‌ في‌ كتبنا، فإنّ ظلامة‌ أميرالمؤمنين‌ وأهل‌ البيت‌ تستبين‌ لنا أكثر فأكثر. ولو أوردنا هذه‌ القصّة‌ مع‌ مقدّماتها التأريخيّة‌، فإنّ ذلك‌ يمثّل‌ وثيقةً تدين‌ عمر بن‌ الخطّاب‌، إذ غصب‌ تلك‌ المخدَّرة‌ بمكر، وأولدها زيداً ورقيّة‌.

  إنّ زواج‌ سُكينة‌ ابنة‌ الحسين‌ من‌ مصعب‌ بن‌ الزبير من‌ المسلّمات‌ التأريخيّة‌، فلماذا نرفضه‌ بسبب‌ انحراف‌ مصعب‌؟ في‌ حين‌ أنّ وضع‌ مصعب‌ ربّما لم‌ يكن‌ سيّئاً يومئذٍ حسب‌ قرائن‌ تأريخيّة‌، ولعلّ هناك‌ قضايا جانبيّة‌ لانستطيع‌ أن‌ نحلّلها الآن‌ بنحو صائب‌.

 قال‌ أبو الفرج‌ الإصفهاني‌ّ: تزوّجت‌ سكينة‌ ابنة‌ الحسين‌ علیهما السلام‌ غير زوج‌. أوّلهم‌ عبد الله‌ بن‌ الحسن‌ بن‌ عليّ، وهو ابن‌ عمّها وأبو عذرتها. ومصعب‌ بن‌ الزبير، وعبد الله‌ بن‌ عثمان‌ الحزامي‌ّ، وزيدبن‌ عمروبن‌ عثمان‌، والاصبغ‌ بن‌ عبد العزيز بن‌ مروان‌ ولم‌ يدخل‌ بها، وإبراهيم‌بن‌ عبد الرحمن‌ بن‌ عوف‌ ولم‌ يدخل‌ بها.

 قالت‌ الدكتورة‌ بنت‌ الشاطي‌: نقل‌ السيّد توفيق‌ الفكيكي‌ّ عن‌ السيّد عبدالرزّاق‌ الموسوي‌ّ في‌ كتاب‌ له‌ عن‌ السيّدة‌ سُكينة‌ ما نصّه‌:

 وهناك‌ من‌ المؤرّخين‌ من‌ يحكي‌ تزويج‌ السيّدة‌ سكينة‌ من‌ ابن‌ عمّها عبدالله‌ الاكبر ابن‌ الإمام‌ الحسن‌ المقتول‌ في‌ الطفّ مبارزةً. وأمّا غيره‌ من‌ الازواج‌، فعلی‌ ذمّة‌ التأريخ‌.

 وأضاف‌ السيّد توفيق‌: وهناك‌ من‌ الادلّة‌ التأريخيّة‌ المجمع‌ علی‌ صحّتها ما يؤيّد أنّ سكينة‌ تزوّجت‌ بعد ابن‌ عمّها عبد الله‌ بن‌ الحسن‌ بن‌ عليّ بمصعب‌ بن‌ الزبير، زوّجه‌ إيّاها أخوها الإمام‌ عليُ بن الحسين‌ السجّاد. 


فضيحة علمية: الطهراني يفضح عباس القمي
أسم الكتاب  : معرفة الامام وصاحبه..

للعلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني

وإليكم نص خطير ذكره صاحب الكتاب في الجزء رقم 15

يقول الطهراني منتقدا عباس القمي..

=========

انتقاد رأي‌ المحدِّث‌ القمّي‌ّ في‌ عدم‌ ذكر بعض‌ الحقائق‌ التأريخيّة‌ 

نقل‌ لي‌ المرحوم‌ صديقي‌ البارّ الكريم‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ السيّد صدرالدين‌ الجزائري‌ّ أعلی‌ الله‌ مقامه‌ أ نّه‌ كان‌ ذات‌ يومٍ في‌ بيت‌ المرحوم‌ آية‌الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌ العاملي‌ّ رحمه‌ الله‌ بالشام‌، واتّفق‌ حضور المرحوم‌ ثقة‌ المحدِّثين‌ الشيخ‌ عبّاس‌ القمّي‌ّ رحمه‌ الله‌ هناك‌.  فجري‌ حوار بين‌ المرحومين‌ القمّي‌ّ والامين‌.  فقال‌ المرحوم‌ القمّي‌ّ مخاطباً المرحوم‌ الامين‌:  لِمَ ذكرتَ في‌ كتاب‌ « أعيان‌ الشيعة‌ » بيعة‌ الإمام‌ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌ ليزيد بن‌ معاوية‌ عليه‌ وعلی‌ أبيه‌ اللعنة‌ والهاوية‌؟!

فقال‌: إنّ « أعيان‌ الشيعة‌ » كتاب‌ تأريخ‌ وسيرة‌. ولمّا ثبت‌ بالادلّة‌ القاطعة‌ أنّ مسلم‌ بن‌ عقبة‌ حين‌ هاجم‌ المدينة‌ بجيشه‌ الجرّار، وقتل‌ ونهب‌ وأباح‌ الدماء والنفوس‌ والفروج‌ والاموال‌ ثلاثة‌ أيّام‌ بأمر يزيد، وارتكب‌ من‌ الجرائم‌ ما يعجز القلم‌ عن‌ وصفها،  فقد بايع‌ الإمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌، من‌ وحي‌ المصالح‌ الضروريّة‌ اللازمة‌، والتقيّة‌ حفظاً لنفسه‌ ونفوس‌ أهل‌ بيته‌ من‌ بني‌ هاشم‌،  فكيف‌ لا أكتب‌ ذلك‌ ولا أذكره‌ في‌ التأريخ‌؟! 

ومثل‌ هذه‌ البيعة‌ كبيعة‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أبا بكر بعد ستّة‌ أشهر من‌ وفاة‌ الرسول‌ الاكرم‌ واستشهاد الصدِّيقة‌ الكبري‌ فاطمة‌ الزهراء سلام‌الله‌ عليهما.

قال‌ المرحوم‌ القمّي‌ّ: لا يصلح‌ ذكر هذه‌ الاُمور وإن‌ كانت‌ ثابتة‌، لا نّها تؤدّي‌ إلی‌ ضعف‌ عقائد الناس‌.  وينبغي‌ دائماً أن‌ تُذكر الوقائع‌ التي‌ لا تتنافي‌ مع‌ عقيدة‌ الناس.

قال‌ المرحوم‌ الامين‌: أنا لا أدري‌ أي‌ّ الوقائع‌ فيها مصلحة‌، وأيّها ليس‌ فيها مصلحة‌.  عليك‌ أن‌ تذكّرني‌ بالاُمور التي‌ ليس‌ فيها مصلحة‌، فلا أكتبها!

ومن‌ الطبيعي‌ّ أنّ رأي‌ المرحوم‌ القمّي‌ّ هذا غير سديد. ذلك‌ أ نّه‌ ظنّ الإمام‌ السجّاد أُسوةً للناس‌ بدون‌ بيعة‌ يزيد، وزعم‌ أنّ الناس‌ لو علموا بأ نّه‌ بايع‌، لرجعوا عن‌ الإيمان‌ والاعتقاد بالتشيّع‌، أو ضعف‌ إيمانهم‌ واعتقادهم‌. وبالنتيجة‌ فإنّ الإمام‌ هو الذي‌ لا ينبغي‌ له‌ أن‌ يبايع‌ يزيد.

إنّ مفاسد هذا اللون‌ من‌ التفكير بيّنة‌. أوّلاً: لانّ الإمام‌ الحقيقي‌ّ هو الذي‌ يبايع‌، ويدرك‌ مصالح‌ البيعة‌، وعمله‌ صحيح‌، وخلافه‌، أي‌: عدم‌ البيعة‌، غير صحيح‌.

ثانيا: لو ابتُلينا هذا إلیوم‌ بحاكم‌ جائر كيزيد، وقال‌ لنا: بايعوا وإلاّ... وإذا اعتبرنا البيعة‌ حتّي‌ مع‌ هذا الفرض‌ حراماً وخطأً، فقد أهدرنا دمنا ودماء أهلينا وناس‌ آخرين‌ سديً. 

وأمّا إذا علمنا أنّ أئمّتنا وقدوتنا قد بايعوا في‌ مثل‌ تلك‌ الظروف‌، فإنّنا سنبايع‌ فوراً بدون‌ أن‌ نفكّر بالنتيجة‌ السقيمة‌ وما تستتبعه‌ البيعة‌ من‌ محذورات‌. 

أفليست‌ التقيّة‌ من‌ أُصول‌ الشيعة‌ الثابتة‌؟! 

لِمَ نُظْهِرُ للناس‌ خلاف‌ ذلك‌ فنورّط‌ أُولئك‌ المساكين‌ في‌ عُسرٍ وحرجٍ للحفاظ‌ علی‌ شرفهم‌ وكرامتهم‌ ووجدانهم‌؟ 

حتّي‌ إذا بايع‌ أحد في‌ مثل‌ هذه‌ الحالة‌، فإنّه‌ يعدّ نفسه‌ آثماً خجولاً، ويري‌ تلك‌ البيعة‌ مخالفة‌ لسُنّة‌ إمامه‌ ونهجه‌. وإذا لم‌ يبايع‌ فإنّه‌ يعرّض‌ نفسه‌ وأتباعه‌ لسيف‌ زنجي‌ّ ثمل‌ جائر سفّاك‌، ويفقد حياته‌ جنوناً وحماقةً.

بيان‌ الحقيقة‌ هو بيان‌ الحقيقة‌ نفسها، لا بيان‌ حقيقة‌ خيإلیة‌، وإلاّ فإنّ جميع‌ المفاسد تقع‌ علی‌ عاتق‌ من‌ كتم‌ الحقيقة‌.

كانت‌ في‌ المرحوم‌ المحدِّث‌ القمّي‌ّ مع‌ جميع‌ ما اتّصف‌ به‌ من‌ الجهاد العلمي‌ّ والعناء وحبّ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌  مثلبة‌ تتمثّل‌ في‌ بتره‌ للاخبار، إذ يذكر مثلاً شيئاً من‌ الخبر كمثال‌، ويتغاضي‌ عن‌ الباقي‌ الذي‌ ربّما تكون‌ فيه‌ قرائن‌ مفيدة‌ لحدود هذا المعني‌ المستفاد.

وهذا غير صائب‌، إذ لعلّ صدر الخبر قرينة‌ علی‌ ذيله‌، وذيله‌ قرينة‌ علی‌ صدره‌. فما علی‌ المؤلِّف‌ إلاّ أن‌ ينقل‌ الخبر بحذافيره‌، ثمّ يعلّق‌ عليه‌ في‌ الهامش‌ أو الشرح‌ إن‌ أشكل‌ عليه‌ في‌ بعض‌ المواضع‌!

ونلحظ‌ في‌ كتاب‌ « منتهي‌ الآمال‌ » أنّ المحدِّث‌ القمّي‌ّ ذكر مقتل‌ محمّد بن‌ عبد الله‌ بن‌ الحسن‌ المسمّي‌ بالنفس‌ الزكيّة‌، ومقتل‌ إبراهيم‌ بن‌ عبدالله ‌بن‌ الحسن‌ المسمّي‌ بقتيل‌ باخمري‌، وتحدَّث‌ عن‌ سيرتهما التي‌ أوردناها في‌ صفحات‌ متقدّمة‌ من‌ هذا الكتاب‌، دون‌ أن‌ يشير إلی‌ مثالبهما، واكتفي‌ بالحميد من‌ ترجمتهما

وهكذا فعل‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ في‌ « الغدير » عند ذكر عبد الله‌ المحض‌ وولديه‌:  محمّد وإبراهيم‌، فقد تحيّز في‌ كلامه‌ عنهم‌ نوعاً ما، ورغب‌ عن‌ بيان‌ طبيعة‌ الواقعة‌. 

===============

ويقول في موضع آخر عن زواج عمر بن الخطاب بابنة علي رضوان الله عليهم أجمعين

===============

زواج‌ عمر بأُمّ كلثوم‌ ابنة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ 

إنّ زواج‌ عمر بن‌ الخطّاب‌ بأُمّ كلثوم‌ بنت‌ الصدِّيقة‌ الكبري‌ سلام‌الله‌ عليها من‌ الحوادث‌ التأريخيّة‌ المسلَّم‌ بها. 

فلماذا يريد بعض‌ الشيعة‌ أن‌ ينكر ذلك‌ في‌ بعض‌ الكتب‌؟! 

في‌ حين‌ نحن‌ إذا ذكرنا شفاعة‌ هذا الزواج‌ مع‌ مقدّماته‌ التأريخيّة‌ في‌ كتبنا،  فإنّ ظلامة‌ أميرالمؤمنين‌ وأهل‌ البيت‌ تستبين‌ لنا أكثر فأكثر. 

ولو أوردنا هذه‌ القصّة‌ مع‌ مقدّماتها التأريخيّة‌،  فإنّ ذلك‌ يمثّل‌ وثيقةً تدين‌ عمر بن‌ الخطّاب‌،  إذ غصب‌ تلك‌ المخدَّرة‌ بمكر، وأولدها زيداً ورقيّة‌.

إنّ زواج‌ سُكينة‌ ابنة‌ الحسين‌ من‌ مصعب‌ بن‌ الزبير من‌ المسلّمات‌ التأريخيّة‌، 

فلماذا نرفضه‌ بسبب‌ انحراف‌ مصعب‌؟ في‌ حين‌ أنّ وضع‌ مصعب‌ ربّما لم‌ يكن‌ سيّئاً يومئذٍ حسب‌ قرائن‌ تأريخيّة‌، ولعلّ هناك‌ قضايا جانبيّة‌ لانستطيع‌ أن‌ نحلّلها الآن‌ بنحو صائب‌.

قال‌ أبو الفرج‌ الإصفهاني‌ّ: تزوّجت‌ سكينة‌ ابنة‌ الحسين‌ عليهما السلام‌ غير زوج‌. أوّلهم‌ عبد الله‌ بن‌ الحسن‌ بن‌ عليّ، وهو ابن‌ عمّها وأبو عذرتها. ومصعب‌ بن‌ الزبير، وعبد الله‌ بن‌ عثمان‌ الحزامي‌ّ، وزيدبن‌ عمروبن‌ عثمان‌، والاصبغ‌ بن‌ عبد العزيز بن‌ مروان‌ ولم‌ يدخل‌ بها، وإبراهيم‌بن‌ عبد الرحمن‌ بن‌ عوف‌ ولم‌ يدخل‌ بها.

قالت‌ الدكتورة‌ بنت‌ الشاطي‌: نقل‌ السيّد توفيق‌ الفكيكي‌ّ عن‌ السيّد عبدالرزّاق‌ الموسوي‌ّ في‌ كتاب‌ له‌ عن‌ السيّدة‌ سُكينة‌ ما نصّه‌:

وهناك‌ من‌ المؤرّخين‌ من‌ يحكي‌ تزويج‌ السيّدة‌ سكينة‌ من‌ ابن‌ عمّها عبدالله‌ الاكبر ابن‌ الإمام‌ الحسن‌ المقتول‌ في‌ الطفّ مبارزةً. وأمّا غيره‌ من‌ الازواج‌، فعلی‌ ذمّة‌ التأريخ‌. الرمح الذهبي.


القراءة المنسية... مراجعة لنظرية «العلماء الأبرار» القراءة الأولى للمذهب الشيعي عن أصل الإمامة

بقلم: محسن كديور

ترجمة: أحمد القبانجي

تعتبر «الإمامة» أصلاً محورياً في قراءة الشيعة للإسلام، والسؤال هو: هل أنّ الشيعة كانوا ولا زالوا يعتقدون بأنّ هذا الأصل لم يمسّه أي تغيير وتحوير على إمتداد القرون والعصور وخاصة بالنسبة للقرون الخمسة الأولى من التاريخ الشيعي؟
إنّ الفرضية التي تقوم على أساسها هذا الدراسة تقرر حدوث تحوّل كبير في أصل الإمامة منذ القرن الثالث إلى الخامس الهجري، بمعنى أنّ قراءة علماء الشيعة لأصل الإمامة،التي تقرر أنّ الإمام يملك مترتبة فوق بشرية، بدأت من أوائل القرن الثاني، وهذه القراءة، وإن تحرك الأئمّة وأصحابهم على مستوى ردها وانكارها ولكنّها بقيت بشكل قراءة ورؤية مفضولة وهامشية واستمرت هذه الرؤية إلى العصور التالية.
وفي عصر غيبة الأئمّة تحرك المعتقدون بهذه القراءة بشكل فاعل لتثبيت ونشر قراءتهم هذه بحيث إنّ القراءة الأولى «أنّ الإمام بشر» واجهت إشكالية كبيرة، وفي القرن الثالث والرابع اتخذت القراءة الثانية «أنّ الإمام يملك صفات وحالات فوق بشرية» من الكوفة مقرّاً لها، بالرغم من أنّ علماء قم كانوا ينكرون هذه الرؤية بشدّة إلاّ أنّ هذه القراءة تمّ ترميمها في بغداد في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس بضم عناصر عقلية لهذه الاطروحة الشيعية، وأمّا القراءة الأولى «القراءة البشرية» فقد أخذت طريقها إلى زاوية النسيان وتمّ اقصاؤها عن أجواء الفكر الشيعي إلى درجة أنّ القراءة الثانية للإمامة «فوق بشرية» أضحت هي الأصل وتعكس التشيع الأصلي في الذهنية الشيعية.
ولم يصل إلينا من أعمال وآثار علماء الشيعة الذي يعتقدون بالرؤية البشرية للإمامة سوى كلمات متناثرة، فجميع المصادر الشيعية الموجودة حالياً تقرر الرؤية فوق البشرية للأئمّة، ولكنّ آثار النزاع الفكري والعقائدي بين مدرسة الكوفة وقم، وكذلك بعض الآراء التي تؤيد الرؤية الأولى موجودة في طيات كتب مخالفيهم، مضافاً إلى أنّ الكتب الرجالية والكلامية والفقهية في ذلك الوقت نقلت إلينا الكثير من آراء وأقوال كلتا الطائفتين أو القراءتين، أمّا آراء المعتقدين بالرؤية البشرية للإمامة فقد وردت في إطار عدد من الأحاديث المتعددة في الكتب الروائية، وهذه المرويات أحياناً نقلت في الكتب بشكل حيادي ولكنّها في الغالب نقلت من موقع النقد والإشكال.
إنّ مراجعة هذه المرويات والآثار الفكرية للعلماء الأوائل تثبت أولاً: إنّ القراءة الأولى للشيعة عن الإمامة تختلف كثيراً عن قراءة الشيعة بعد ألف عام.
ثانياً: إنّ القراءة الأولى كانت ميهمنة على الذهنية الشيعية إلى القرن الخامس وخاصة في القرن الرابع والخامس، فكانت هي القراءة السائدة في الفكر الشيعي، وعلى أيّة حال فإنّ هذه القراءة المختلفة عن الإمامة لا يمكن إنكارها، أي أنّ الشيعة في ذلك الوقت وخاصة أهم علماء الشيعة في القرن الثالث والرابع كانوا يعتقدون بالرؤية البشرية للإمامة كما سيأتي تفصيله.
إنّ الإشكالية الفكرية والاعتقادية التي كانت محل نزاع بين المتكلّمين والأصوليين من جهة، وبين أهل الحديث والحشوية والأخباريين من جهة أخرى ظهرت في القرون الأولى، وهذه الإشكالية تمثّل بعداً واحداً من أبعاد المسألة مورد البحث، حيث تمّ تهميش الأبعاد والجوانب الأخرى في خضم هذا النزاع والسجال الفكري.
إنّ محور النزاع بين المدرسة قم ومدرسة الكوفة يتمحور حول «كيفية فهم أصل الإمامة»، وفي القرن الثالث كانت أدوات البحث لكلا المدرستين تقتصر على الأحاديث المنقولة عن الأئمّة، فبعضهم كان ينقل الأحاديث التي تقرر فضائل فوق بشرية للأئمّة بينما ينقل البعض الآخر ممن يعتقد بالرؤية البشرية أحاديث أخرى وينكرون صحة ووثاقة تلك الأحاديث التي نقلها أنصار الرؤية فوق البشرية، وقد اطلق المعتقدون بالرؤية فوق بشرية للأئمّة على منكري هذه الرؤية اسم «المقصّرة» أي أنّهم يقصّرون في معرفة حقوق ومكانة الأئمّة وأبعادهم الوجودية، وأمّا أصحاب القراءة الأخرى فيسمون هؤلاء ب «المفوضة»، أي الذين يقولون بتفويض الأمور الربوبية للأئمّة من أهل البيت.
السؤال إذن: ما هو الطريق الوسط الذي يرسم خط الاعتدال في موضوع صفات وحالات الأئمّة؟ كان هذا هو السؤال المطروح بقوة في ذلك العصر، لقد كان للمتكلّمين الشيعة في بغداد دوراً كبيراً وسهماً وافراً في تكوين وصياغة الفكر الشيعي والهوية الشيعية حيث عملوا على إصلاح الأفكار والرؤى للكوفيين المتهمين بالتفويض.
ومن هذا المنطلق تحركت مدرسة بغداد في مواجهة مدرسة قم اعتماداً على السعي العلمي الجاد في ترسيخ وتعميق خط الاعتدال الشيعي رغم وجود تقارب كبير في دائرة الاعتقاد بالإمامة بين مدرسة بغداد ومدرسة الكوفة وخاصة في الصفات والحالات فوق البشرية للأئمّة وبذلك استلم علماء هذه المدرسة زمام الفكر المذهبي لدى الشيعة،.
وعلى هذا الأساس تتبيّن الفرضية الثانية لهذه الدراسة، وهي، أنّ فكرة الغلو والتفويض التي أنكرها الأئمّة في القرنين الأولين بشدّة، بدأت منذ النصف الثاني من القرن الثاني بإجراء بعض الترميم والتعديل لمقولة الغلو والتفويض بعيداً عن أشكال الغلو المفرط والتفويض المجحف «الرؤية الربوبية للأئمّة» وفي إطار الارتفاع بفضائل الأئمّة وحالاتهم الخارقة، وتدريجياً دخل هذا الفكر إلى الذهنية الشيعية إلى حدّ أنّ هذا الفكر المعدل والمُحسن «الغلو والتفويض المعتدلين» بسط سيطرته المطلقة على الفكر الشيعي في القرن الخامس، بمعنى أنّ المفوّضة منذ هذا القرن فلاحقاً لم يكونوا بمثابة تيار مستقل عن التشيع بل إنّ هذه العقيدة والفكرة عن الأئمّة أصبحت هي العقيدة الرسمية للتشيع، والتي تقترن بملامح من الغلو والتفويض غير المفرط. فما كان يعدّ غلواً وتفويضاً في زمان سابق أصبح اليوم جزءً وركناً رئيسياً من أركان المذهب، فإذا اطلقنا على هذا التحوّل كلمة «استحالة» أي استحالة الشواخص والمعالم لمذهب معين في أحد أصوله الاعتقادية المهمّة، فربّما لا نجانب الصواب.
وإذا طالعنا أصل الإمامة في القرون المتأخرة نرى أنّ الخصوصية فوق البشرية للأئمّة أضحت من ذاتيات وضروريات هذا المذهب، ولا يمكن طرح قراءة أخرى لهذا الأصل الاعتقادي، ولكن إذا نظرنا إلى مسيرة التشيع في حركتها التاريخية وتكونها التدريجي وخاصة فيما يتصل بمعارف القرون الخمسة الأولى فإنّه ليس فقط يمكننا القول بوجود قراءة أخرى لمقولة الإمامة في واقع الوسط الشيعي بل غلبة هذه القراءة على القراءة فوق البشرية، وعلى أية حال إنّ هذه القراءة لأصل الإمامة التي كانت في الصدر الأول للفكر الشيعي تمثّل حقيقة تاريخية لا غبار عليها.
وربّما تثار في مواجهة هذه القراءة المنسية للشيعة عن الإمامة العديد من الأسئلة من قبيل: كيف يمكن تصوير الإمامة في هذه القراءة، وما هي معالم الاعتقاد بالإمامة في هذه القراءة؟ وما هي المستندات القرآنية والنبوية والعقلية التي تدعم هذه القراءة؟ وأساساً هل أنّ الأئمّة عرّفوا أنفسهم للناس بهذه القراءة؟ وما هي خصوصيات عقيدة الإمامة في نظر الأئمّة أنفسهم؟ وما هي رؤية أصحاب الأئمّة من الطراز الأول أو الحوارين والأصحاب المخلصين للأئمّة «رؤية بشرية أو فوق بشرية»؟ وأي من علماء الشيعة، سواء المحدّثين أو المفسرين، أوالمتكلّمين، أو الفقهاء ممن يعتقدون بالقراءة البشرية للأئمّة؟
ومع من أنّ الآثار والأعمال الفكرية لعلماء الشيعة من أصحاب النظرية الثانية «فوق البشرية» وصلت إلينا، فلماذا لم تصل إلينا مكتوبات وأعمال المعاصرين لهم من أصحاب القراءة الأولى «القراءة البشرية لصفات الأئمّة»؟ هل أنّ عدم الوصول هذا كان اتفاقياً وطبيعياً، أم لا؟ وما هي العلل والعوامل التي أدت إلى اقصاء القراءة البشرية للأئمّة وتهميشها؟
وأخيراً فأي القراءتين مورد تأييد المنابع الدينية المعتبرة كالقرآن وسنّة النبي والعقل والتعاليم المعتبرة لأئمّة الشيعة، هل هي القراءة فوق البشرية أو القراءة البشرية؟
هذه المقالة لا تتكفل بالاجابة على جميع الأسئلة المهمّة المذكورة أعلاه (وإنّ كنّا عازمين على الاجابة عنها لاحقاً إن شاء الله). لا سيما السؤال الخطير الأخير من هذه الأسئلة، بل ننطلق في هذه الدراسة من موقع تمهيد بعض مقدمات هذا المسار وغرضنا من ذلك متواضع جدّاً وهو: «إثبات أنّ القراءة البشرية للإمامة كانت موجودة في القرون الأولى وعلى الأقل في القرنين الأوليين وكانت تمثّل مظهر الفكر الشيعي حينذاك).
وفي هذه المقالة وضمن تفصيل البحث في المقدمات نسعى للإجابة عن الأسئلة التالية:
1 ما هي الشواهد والقرائن المعتبرة لتأييد القراءة البشرية للأئمّة في الكتب الشيعية المعتبرة؟
2 مَن من علماء الشيعة، المتكلّمين والفقهاء والمتحدّثين والمفسّرين ولا سيما أصحاب الأئمّة، كان يمتلك ويعتقد بمثل هذه القراءة عن الأئمّة؟
3 ما هي ملامح الإمامة في هذه القراءة الشيعية؟
هنا نسعى من خلال تحليل وصفي، لكشف الستار عن تيار مهم في تاريخ الفكر الشيعي وإزالة غبار النسيان عن هذه القراءة من خلال تقديم شواهد معتبرة تؤيد وجود هذه القراءة، ونرجو من القراء الأعزاء أن يساهموا بانتقاداتهم ومقترحاتهم ومداخلاتهم في اثراء هذه الدراسة.

الشواهد والقرائن المؤيدة لوجود قراءة بشرية عن الإمامة:
وفي هذا المجال نكتفي بثلاث شواهد صريحة وشفافة لكبار علماء الشيعة وأكثرهم اعتباراً، أحدهم رجالي والآخر أصولي، والثالث فقيه، حيث كان هؤلاء العلماء يعيشون بالترتيب في القرن الرابع عشر والثاني عشر والعاشر. ولا أحد من هؤلاء العلماء الثلاثة يعتقد بالقراءة البشرية لصفات الأئمّة، ولكنهم تحرّوا في تحقيقاتهم العلمية الانصاف وتناولوا المسألة من موقع البحث العلمي ويعتقدون بقوّة هذه القراءة في الواقع الشيعي في القرون الأولى وأنّ هذه الرؤية كانت تمثّل مظهر الفكر الشيعي في ذلك العصر، وهذه الشواهد لازالت حيّة وغير مهجورة حيث ذكرها العلماء في مسطوراتهم ونقلوها عن العلماء واستندوا إليها في مناقشاتهم وإن لم يلتزموا بلوازم هذه الرؤية على مستوى المعتقد، ونبدأ هنا بذكر هذه الشواهد من العلماء المتأخرين:
الشاهد الأول: ما أورده صاحب كتاب «تنقيح المقال في معرفة علم الرجال» الذي يعتبر أكبر مجموعة رجالية للشيعة وقد ألّفه العلاّمة الشيخ عبدالله المامقاني (م 1351 ه) ويتضمن أحوال جميع الرجال الذين وردوا في أسناد الروايات الشيعية، سواء من أصحاب النبي أو أصحاب الأئمّة أو رواة الأحاديث إلى القرن الرابع (الذريعة، ج4، ص 467) وقد ورد في بداية هذا الكتاب مقدمة مفصلة تتناول القواعد الرجالية، وقد ذكر المؤلف في الفائدة 25 من المقدمة بحثاً مهماً حول اتهام بعض رواة الحديث بالغلو من قبل بعض الأصحاب، ويصل المؤلف إلى هذه النتيجة وهي أنّ هذا اتهام غير صحيح بالنسبة لأكثر المتهمين من الرواة، لأنّه يقول: (إنّ أكثر ما يعدّ اليوم من ضروريات المذهب في أوصاف الأئمّة كان القول به معدوداً في العهد السابق من الغلو) (تنقيح المقال، المقدمة، ج1، ص 211، 212).
ويستند المامقاني ضمن تحقيقه عن المتهمين بالغلو، إلى عشرين مورداً لتأييد القاعدة المذكورة أعلاه، وبذلك يقرر الفارق الأساس في معتقدات الشيعة في الماضي والحاضر وينطلق في تقريره هذا من خلال أنّ بعض الأفراد الذين اتهموا بهذا الاتهام كانوا يرون ذلك من فضائل الأئمّة وحالاتهم الخارقة وهذا الأمر من البديهيات والضروريات في معتقدات الشيعة في العصر الحاضر.
هنا نلفت النظر إلى عدّة نقاط مهمّة في هذه القاعدة التي ذكرها وأكد عليه المحقق المامقاني:
الأولى: إنّ المراد ب (العهد السابق) أو (سالف الزمان)، وبقرينة تاريخ صدور إتهام الغلو ما ينطبق على القرون الأولى إلى منتصف القرن الخامس، (ابن الغضائري المتوفي 450 ه).
الثانية: ومن خلال الوثائق والمستندات التي ذكرها المامقاني فإنّ المراد بالغلو هنا هو نسبة أوصاف وحالات فوق بشرية للأئمّة، وبالطبع لا يشمل ذلك أمر الخلق والتدبير والتصرف الاستقلالي في أمر التكوين والتشريع، بل مجرّد وجود فضائل وحالات خارقة للعادة والتفويض المقرر لهم بإذن الله (أي ما نطلق عليه الغلو والتفويض غير الافراطيين) ومن الواضح أنّ المعتقدين بالغلو والتفويض الافراطيين يعتبرون خارجين عن الإسلام من قِبل جميع المسلمين قاطبة.
الثالثة: وجود اختلاف فكري ونظري شديد وعميق بالنسبة لصفات وحالات الأئمّة في القرون الخمسة الأولى بين أصحاب الأئمّة وعلماء الشيعة إلى درجة أنّ بعض الأصحاب اتهم البعض الآخر بالغلو والتفويض، وبعبارة أخرى أنّ المتهمين (بالفتح) هم من يعتقد بالفضائل فوق البشرية للأئمّة والمتهمين (بالكسر) هم الذين ينكرون وجود مثل هذه الفضائل والصفات.
الرابعة: يتبيّن من عبارة الشيخ المامقاني (وهي أنّ أكثر ما يعدّّ اليوم من ضروريات المذهب في أوساط الشيعة) أنّه يشير إلى غلبة هذا النمط من التفكير في ذهنية الشيعة في القرون المتأخرة، والعبارة المقابلة لها «كان القول به معدوداً في العهد السابق» تشير أيضاً إلى بروز هذا النمط الفكري المنكر للصفات فوق البشرية للأئمّة وغلبته على التيار الآخر الذي يعتقد بالصفات فوق البشرية للأئمّة وذلك في القرون الأولى، وإلى ما بعد الغيبة بقرنين كانت هذه القراءة والرؤية البشرية للإمامة هي الغالبة وتعتبر الأساس والمظهر الذي يتجلى به الفكر الشيعي.
الخامسة: إنّ ضروريات المذهب قد واجهت تحولاً كبيراً وعميقاً على إمتداد المسار التاريخي مدّة 1000 عام، والتغيير الواقع في الفكر الشيعي لايتصل بالأمور الفرعية والعملية الثانوية، بل يمسّ أصلاً عقائدياً ومحورياً للفكر الشيعي، بحيث تعد المسائل المطروحة فيه من «ضروريات المذهب» وليس ضرورة واحدة أو ضرورتين بل «أكثر ضروريات المذهب» كما ورد في كلام المامقاني.
ومن هذه القاعدة الزاخرة بالدورس والعبر نخرج بهذه النتيجة وهي أنّ بعض ضروريات المذهب قد تعرضت للتحوّل والتغيير، فبعض ما يعدّ اليوم من ضروريات المذهب الشيعي لم يكن كذلك في العصور السابقة بل كان محل استنكار واستهجان من علماء الشيعة الأوائل ويعدّ من الغلو، والعكس صحيح. ففي خضم هذا التحول التاريخي للمقولات الدينية فإنّ بعض ما كان من ضروريات المذهب في السابق لا يعدّ كذلك في العصر الحاضر، أي أنّه ليس من ذاتيات المذهب بل من افرازات أذهان علماء الكلام أو الفقهاء في دائرة الفكر الشيعي، وليس بالضرورة أنّه مطابق للواقع ونفس الأمر في خزانة علم الله، وإلاّ فماذا نفسر كل هذا التحول والتغيير في مقولات العقيدة وتفاصيلها؟
ولا يمكن من جهة أخرى الاستناد إلى «مسألة البداء» في تبرير هذا التحوّل والاستحالة لضروريات المذهب وإضفاء الصبغة الإلهية على هذه المعارف البشرية.
وعلى أيّة حال فإنّ ضروريات المذهب هذه تعتبر حالياً معيار بقاء الشخص في دائرة المذهب أو خروجه عنها، والشواهد التاريخية تثبت أنّ الكثير من المفكّرين المخالفين تمّ اخراجهم من المذهب باتهامهم بانكار مثل هذه الضروريات والحال أنّ نفس هذه الضروريات كانت في عصر سابق بعيدة عن واقع الفكر الديني وقابعة في زاوية الاهمال، فاعتبروا يا اولي الأبصار.
السادسة: إنّ المحقق المامقاني نفسه لا يقبل القراءة البشرية لصفات الأئمّة بل يعتقد برؤية الأخرى وأنّ الأئمّة يملكون حالات وصفات فوق بشرية، ولكنّه في كلامه المذكور آنفاً يؤيد وجود تيار قوي في القرون الأولى ومن بين أصحاب الأئمّة وعلماء الشيعة ممن يعتقدون بالقراءة البشرية لأئمّة.
* * *

الشاهد الثاني: ما ذكره باقر بن محمد الأكمل المعروف بالوحيد البهبهاني (م 1205 ه) الذي يعتبر أعظم عالم شيعي في القرن الثاني عشر ومؤسس المدرسة الاصولية في مقابل الأخباريين حيث بذل جهوداً علمية جبّارة في التصدي للمدرسة الأخبارية التي سيطرت على الفكر الشيعي مدّة قرنين من الزمان، وقد ألّف الوحيد البهبهاني كتابين في علم الرجال أحدهما «الفوائدالرجالية» والآخر «التعليقة على منهج المقال» ويشير البهبهاني في هذين الكتابيين الرجاليين إلى نقطة مهمّة تتصل ببحثنا الحاضر، يقول:
«الظاهر أنّ كثيراً من القدماء سيما القميين منهم (والغضائري) كانوا يعتقدون للأئمّة(عليهم السلام) منزلة خاصة من الرفعة والجلالة و مرتبة معينة من العصمة والكمال بحسب اجتهاد رأيهم وما كانوا يجوّزون التعدي عنها، وكانوا يعدّون التعدي ارتفاعاً وغلواً حسب معتقدهم حتى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عليهم غلواً بل ربّما جعلوا التفويض إليهم أو التفويض الذي اختلف فيه كما سنذكر أو المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم أو الاغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص وإظهار كثير قدرة لهم وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض ارتفاعاً أو مورثاً للتهمة به سيما بجهة أنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلسين (بالجملة)، الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية أيضاً فربّما كان شيء عند بعضهم فاسداً أو كفراً، غلواً أو تفويضاً أو جبراً أو تشبيهاً أو غير ذلك وكان عند آخر ممّا يجب اعتقاده، أو لا هذا ولا ذلك»( ).
إنّ كلام البهبهاني المذكور آنفاً والذي استند إليه المتأخرون في الكثير من مبانيهم، يتضمن نقاط مهمّة وقيمة، وهي كالتالي:
الأولى: إنّ القدماء «علماء الشيعة من القرن الأول إلى منتصف القرن الخامس» كانوا يرون الأئمّة برؤى وتصورات مختلفة، والشؤون التي كان هؤلاء يرونها للأئمّة كانت بدرجة أقل بكثير ممّا ينسبه المتأخرون من الصفات للأئمّة بحيث إنّ هؤلاء «القدماء» كانوا يرون في الاعتقاد بوجود حالات وصفات أعلى من صفات البشر للأئمّة أنّه ارتفاع وغلو في المذهب.
الثانية: إنّ رجال وعلماء الشيعة في القرون الأولى، لم يكونوا يبيحون تجاوز حد معين في الاعتقاد بصفات الأئمّة، والكثير من الشؤون والحالات فوق البشرية التي تنسب للأئمّة، كانت تتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها القدماء من علماء الشيعة وأصحاب الأئمّة وكانت هذه الرؤية لهؤلاء القدماء هي الغالبة والمهيمنة في ذلك الفضاء الفكري.
الثالثة: إنّ مشايخ قم، الذين سنأتي على ذكرهم، وأحمد بن الحسين البغدادي المشهور بابن الغضائري (المتوفي 450 ه) كان من جملة المنتقدين والمخالفين لتيار القراءة فوق بشرية لصفات الأئمّة.
الرابعة: إنّ محاور الخلاف في صفات الأئمّة، كما يستوحى من كلام الوحيد البهبهاني، عبارة عن: إمكان صدور السهو، تفويض الأمور للأئمّة، المعجزات، الأمور الخارقة للعادة، شأن ومرتبة الأئمّة، تنزيه الأئمّة من الكثير من النواقص، علم الغيب، قدرة الأئمّة، هذه الأمور تمثّل عناصر مشتركة في جميع المحاور المذكورة في القراءة الثانية لصفات الأئمّة فوق البشرية.
الخامسة: إنّ صفة العصمة، كما وردت في كلام الوحيد، لم تكن من جملة الصفات الخلافية في الاعتقاد بالأئمّة، حيث يرى البهبهاني وجود مرتبة نازلة من القول بالعصمة في عقائد القدماء، فهل أنّ العصمة مقولة تشكيكية وذات مراتب، أو أنّها أمر متواطيء «بالاصطلاح المنطقي» ويدور أمرها بين النفي والإثبات؟ والحاصل هل أنّهم كانوا يرون العصمة للأئمّة أم لا؟ وسيأتي في الشاهد الثالث أنّ ما ورد في كلام البهبهاني غير سديد وأنّ الأصحاب كانوا يختلفون في هذه الصفة أيضاً،
السادسة: إنّ الخلاف بين القدماء في مسائل أصول الاعتقادات لا يقبل الانكار، ومن جملة محاور الخلاف في الأصول العقائدية بحث الغلو والتفويض الذي كان له مؤيدون ومنكرون بشكل جاد، وغني عن البيان أن الوحيد البهبهاني لم يكن يقبل بعقيدة القدماء بل كان يعتقد بالفكر الشيعي المشهور لدى علماء الشيعة المتأخرين بالنسبة لصفات الأئمّة.
الشاهد الثالث: ما ذكره زين الدين بن علي المشهور بالشهيد الثاني (911 965) والذي يعدّ من أكبر علماء الشيعة في القرن العاشر وأحد العشرة من فقهاء الشيعة الكبار في جميع القرون والأعصار، وقد ألّف كتابين: «مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام» و«الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية» الذي يعدّ من أهم كتب الشيعة في الفقه الاستدلالي، و من جملة الكتب الدراسية في الحوزات العلمية. وقد كتب الشهيد الثاني رسالة باسم «حقائق الإيمان» أو «حقيقة الإيمان والكفر» بتاريخ 954 ه وهذه الرسالة من مصادر بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي وكانت محط اهتمام واستناد السيد بحر العلوم (الفوائد الرجالية، ج3، ص 220) وأحد البحوث الشيقة والقيمة في هذه الرسالة هو البحث الثالث من خاتمة الكتاب في بيان صفات وحالات الإيمان، ويقول في نهاية الأصل الثالث، يعني النبوة، في مقام الجواب عن سؤال مطروح:
«وهل يعتبر في تحقق الإيمان التصديق بعصمة النبي وطهارته وختمه للأنبياء بمعنى لا نبي بعده، وغير ذلك من أحكام النبوات وشرائطها؟ يظهر من كلام بعض العلماء ذلك، حيث ذكر أنّ من جهل شيئاً من ذلك خرج عن الإيمان، ويحتمل الاكتفاء بما ذكره من التصديق بها إجمالاً».
ويظهر أنّ الشهيد الثاني في جوابه الأخير كان يميل إلى الاكتفاء بالتصديق الاجمالي في شروط الإيمان وعدم لزوم التصديق التفصيلي، ثم إنّه ذكر في صدد بيان الأصل الرابع بما به يتحقق الإيمان:
«وهذا الأصل اعتبره في تحقق الإيمان الطائفة المحقة الإمامية، حتى أنّه من ضروريات مذهبهم، دون غيرهم من المخالفين، فإنّه عندهم من الفروع.
ثم إنّه لا ريب أنّه يشترط التصديق بكونهم أئمّة يهدون بالحق، وبوجوب الانقياد إليهم في أوامرهم ونواهيهم، إذ الغرض من الحكم بإمامتهم ذلك، فلو لم يتحقق التصديق بذلك لم يتحقق التصديق بكونهم أئمّة.
أمّا التصديق بكونهم معصومين مطهرين عن الرجس، كما دلّت عليه الأدلة العقلية والنقلية. والتصديق بكونهم منصوصاً عليهم من الله تعالى ورسوله، وأنّهم حافظون للشرع، عالمون بما فيه صلاح أهل الشريعة من أمور معاشهم ومعادهم. وأنّ علمهم ليس عن رأي واجتهاد بل عن يقين تلقوه عن من لا ينطق عن الهوى خلفاً عن سلف بأنفس قوية قدسية، أو بعضه لدني من لدن حكيم خبير. وغير ذلك ممّا يفيد اليقين، كما ورد في الحديث أنّهم(عليهم السلام)محدّثون( ) أي: معهم ملك يحدّثهم بجميع ما يحتاجون أو يرجع إليهم فيه، أو أنّهم يحصل لهم نكب في القلب بذلك على أحد التفسيرين للحديث.
وأنّه لا يصح خلو العصر عن إمام منهم، وإلاّ لساخت الأرض بأهلها، وأنّ الدنيا تتم بتمامهم، ولا يصح الزيادة عليهم.
وأنّ خاتمهم المهدي صاحب الزمان(عليه السلام) وأنّه حي إلى أن يأذن الله تعالى له ولغيره، وأدعية الفرقة المحقة الناجية بالفرج بظهوره(عليه السلام)كثيرة.
فهل يعتبر في تحقق الإيمان أم يكفي اعتقاد إمامتهم ووجوب طاعتهم في الجملة؟ فيه الوجهان السابقان في النبوة، ويمكن ترجيح الأول، بأن الذي دلّ على ثبوت إمامتهم دلّ على جميع ما ذكرناه خصوصاً العصمة، لثبوتها بالعقل والنقل.
وليس بعيداً الاكتفاء بالأخير، على ما يظهر من حال رواتهم ومعاصريهم من شيعتهم في أحاديثهم(عليهم السلام)، فإنّ كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون عصمتهم لخفائها عليهم، بل كانوا يعتقدون أنّهم علماء أبرار، يعرف ذلك من تتبع سيرهم وأحاديثهم، وفي كتاب أبي عمرو الكشي( ) رحمه الله جملة مطلعة على ذلك، مع أنّ المعلوم من سيرتهم(عليهم السلام) مع هؤلاء أنّهم كانوا حاكمين بإيمانهم بل عدالتهم»( )
وعلى أساس هذا النص المطول للفقيه الكبير في القرن العاشر الشهيد الثاني فإنّ الإيمان بالأئمّة الاثني عشر يعدّ الأصل الرابع للإيمان، ثم إنّه يطرح سؤالاً مهماً وهو: هل أنّ الإيمان التفصيلي بالعصمة والعلم غير الاكتسابي للأئمّة، والنص الإلهي عليهم، وغيبة الإمام الثاني عشر تعدّ من شروط تحقق هذا الإيمان أو يكفي التصديق الإحمالي بالإمامة والاعتقاد بوجوب اطاعتهم؟
الشهيد الثاني كما هو منهجه لا يجيب بصراحة عن هذا السؤال بل يشير ضمناً إلى جوابين على نحو الاحتمال بالرغم من أنّه لا يخفي ميله للاعتقاد بالوجه الثاني، ويعتقد بأنّ ترجيح الوجه الأول هو من باب تماثل الأدلة على أصل الإمامة وأدلة صفات الإمام وخاصة فيما يتصل بمقولة العصمة.
وحاصل الوجه الأول لزوم الاعتقاد التفصيلي بأربعة أمور: العصمة، النص الإلهي، العلم اللدنّي للأئمّة، غيبة الإمام الثاني عشر (ع) للشيعة.
وفي نظر الشهيد الثاني أنّه لا يبعد الاكتفاء بالاعتقاد الإجمالي، أي أنّ لازم التشيع الاعتقاد بأصل الإمامة ووجوب اطاعة الأئمّة، وأمّا الاعتقاد بالجزئيات وتفاصيل هذه المقولات وخاصة فيما يتصل بالاعتقاد بعصمة الأئمّة فليس ضرورياً، فيمكن أن يكون الإنسان مسلماً شيعياً فيما إذا اعتقد بأنّ الأئمّة علماء أبرار وعلى درجة عالية من التقوى دون العصمة والعلم بالغيب.
وأهم مقطع من كلام الشهيد الثاني هو الدليل الذي أقامه على الوجه الثاني وخلاصته أنّ الكثير من رواة الشيعة لأحاديث الأئمّة والكثير من الشيعة المعاصرين للأئمّة لم يكونوا يعتقدون بعصمة الأئمّة بل كانوا يرون أنّ الأئمّة علماء صالحين ومتقين، أي «علماء أبرار» لا أكثر والأئمّة(عليهم السلام)بدورهم كانوا يرون في هؤلاء الشيعة فضلاً عن كونهم مؤمنين فهم عدول أيضاً، أي أنّ عدم الاعتقاد بعصمة الأئمّة لا يمثّل عنصراً لخروج الإنسان عن دائرة التشيع ولا يؤدي إلى القول بفسقه وخروجه عن حدّ العدالة. ويستشهد في كلامه هذا بما ورد في كتاب رجال الكشي «وهو أحد الكتب المعتبرة الأربعة في علم الرجال لدى الشيعة» من أنّ الكثير من الرواة والمحدّثين المعاصرين للأئمّة كانوا لا يعتقدون بعصمة الأئمّة، وبالرغم من أنّ الشهيد الثاني في نقله لكلام الكشي عن الرواة والشيعة المعاصرين للأئمّة، ويقرر أنّ عدم اعتقادهم بعصمة الأئمّة ناشيء من كون هذا الأمر «أي العصمة» كان خفياً عليهم، وبعبارة أخرى أنّ الشهيد الثاني كان يعتقد بالعصمة بالرغم من أنّه لا يرى في منكر العصمة أنّه خارج عن التشيع.
وفيما يتصل ببحثنا نشير إلى نقاط مهمّة في كلام الشهيد الثاني:
الأولى: أنّ كلام الشهيد الثاني ناظر إلى جزئيات أصل الإمامة، وهي، أولاً: أنّ الإمامة من ضروريات المذهب ومن أصوله لا من فروعه، ثانياً: أنّ الأئمّة يجب طاعتهم، ثالثاً: أنّهم معصومون، رابعاً: أنّهم منصوبون من قبل الله ورسوله لمقام الإمامة، خامساً: أنّهم يملكون العلم اللدنّي وغير الاكتسابي وكانوا يعلمون بكل ما يريدون علمه (علم الغيب)، سادساً: لا يوجد زمان بدون حضور الإمام. سابعاً: إنّ الإمام الأخير، وهو الإمام المهدي، حي وغائب وسيظهر بإذن الله. وهذا الكلام يبيّن بوضوح وصدق عقيدة الشيعة في الألفية الأخيرة بالاتفاق.
الثانية: إنّ الشهيد الثاني كان يرى أنّه إذا اعتقد الشخص بالإمامة واعتقد بلزوم اطاعتهم في أوامرهم ونواهيهم ولكن لم يعتقد ببعض التفاصيل من قبيل العصمة والنص الإلهي، العلم اللدنّي و... فإنّه لا يبعد أن يكون مؤمناً وشيعياً. وعلى هذا الأساس يمكن القول بأنّ الشخص يكون شيعياً فيما إذا اعتقد بالإمامة بمعنى أنّ تدينه يتطابق مع تدين الأئمّة في النظر والعمل، وإن كان لا يعتقد بحالات وصفات فوق بشرية للأئمّة، وعلى هذا الأساس فالاعتقاد بالعصمة والعلم اللدنّي وغير الكسبي والنص الإلهي على الأئمّة لا يكون من ذاتيات التشيع، لأنّ التشيع والإيمان بالمذهب الشيعي لا يدور حول محورية هذه الأمور.
الثالثة: إنّ الشهيد الثاني يقرر في كلامه أنّ الكثير من أصحاب الأئمّة ورواة الحديث الشيعة المعاصرين للأئمّة كانوا يرون أنّ الأئمّة «علماء أبرار» وينكرون الصفات والحالات فوق البشرية للأئمّة وخاصة العصمة، فعدم الاعتقاد بعصمة الأئمّة لا يعني بالضرورة الاعتقاد بصدور المعصية أو الخطأ منهم، بل بمعنى عدم امتلاك خصوصية وملكة أعلى من غيرهم من سائر الناس، وإلاّ فعلى طول التاريخ نرى الكثير من الأشخاص المتدينين الذين لم تصدر منهم معصية لله تعالى، بل كانوا يتحركون في حياتهم في خط الطاعة وطهارة النفس والعبودية لله تعالى، مع أنّهم لم يكونوا معصومين بالمعنى المصطلح عليه.
الرابعة: إنّ جماعة كبيرة من أصحاب الأئمّة ورواة الأحاديث الشيعة المعاصرين للأئمّة كانوا يرون أنّ الأئمّة مجرّد «علماء أبرار» ولم يكونوا يعتقدون بوجود منشأ لعلم الأئمّة يختلف عن الآخرين من العلماء، بل كانوا يعتقدون أنّ الأئمّة حالهم حال سائر العلماء كانوا يتحركون في الكشف عن الحكم الشرعي على أساس النظر والرأي والاجتهاد، أي أنّ علمهم اكتسابي لا أنّهم كانوا يملكون العلم اللدنّي، أو يملكون موهبة خاصة تتيح لهم الاطلاع على عالم الغيب بشكل مطلق أو مقيد، وأنّهم كانوا يحصلون على العلوم الدينية بواسطة الملائكة أو من خلال الإلقاء في قلوبهم وبلا واسطة.
الخامسة: إنّ الكثير من الشيعة الأوائل الذين كانوا يعيشون في عصر الأئمّة وكانوا ينقلون العلوم الدينية عن الأئمّة إلى الأجيال اللاحقة، بل أعلى من ذلك كانوا من أصحاب الأئمّة وقد درسوا مباشرة عند الأئمّة، كانوا يرون الأئمّة علماء أبرار لا أكثر. وببيان آخر أنّهم يرون الإمامة بإطار بشري لا أنّها حالة فوق بشرية.
هؤلاء الشيعة كانوا يعتنقون التشيع من بين المذاهب الإسلامية بسبب أنّ المذهب الشيعي يملك رصيداً في الإسلام النبوي أقوى من غيره في مجال الأدلة النظرية وأرجح من المذاهب الأخرى، مضافاً إلى أنّهم يرون أنّ الأئمّة يمثّلون النموذج العملي للإسلام الواقعي، ومن الواضح أنّ التعامل مع العلماء الأبرار لا يكون من موقع التعبد والتقليد الأعمى بل تعاملاً مبنياً على قاعدة عقلانية متماسكة، وبالإمكان إجراء حوار ونقاش مع هؤلاء العلماء الأبرار بل بالإمكان توجيه النقد إليهم وطرح الأسئلة وعلامات الاستفهام وإذا حصلت لديهم القناعة والقبول فإنّهم يتحركون على مستوى العمل.
مثل هؤلاء الشيعة وإن كانوا يرون أنّ الأئمّة أفضل وأعلم من الآخرين، ويقتدون بهم ويتخذونهم أسوة في حركة الحياة، ولكن ليس ذلك من أجل أنّ الأئمّة يمتلكون صفات فوق بشرية بل لأنّهم بعتقدون بأنّ الأئمّة على حق وأنّهم يمثّلون تجسيداً حياً لتعاليم الإسلام والقرآن.
هذه هي معالم التشيع الأول، والشهيد الثاني يعتمد في بيان هذه الحقيقة على كتاب الكشي المعروف والذي سوف نسلط عليه الضوء بشكل مستقل، إنّ كتاب الكشي الذي لخّصه وهذّبه الشيخ الطوسي، يعتبر أفضل مصدر لمعرفة رؤية الشيعة الأوائل وأصحاب الأئمّة عن أئمة أهل البيت، ألا يمكن اعتبار الكشي نفسه من زمرة القائلين بالقراءة البشرية للأئمّة؟ من الواضح أنّ الشاهد الثالث أقوى من الشاهدين السابقين، سواء من موقع اعتبار القائل، أو من موقع اعتبار المستندات المذكورة، أو من موقع اعتبار بيان التفاصيل.
والآن مع الالتفات إلى مفاد القرائن والشواهد المذكورة يمكننا ترتيب وتقسيم الفكر الشيعي في حقل الإمامة إلى نظريتين أساسيتين:

النظرية الأولى: نظرية العلماء الأبرار
وهذه النظرية كانت هي النظرية السائدة في الفضاء الشيعي إلى أواخر القرن الرابع و هناك مستندات ووثائق تؤكد على وجود أتباع لهذه النظرية من علماء الشيعة إلى منتصف القرن الخامس أيضاً، وفي القرن الثالث والرابع كان هؤلاء العلماء يتصدّرون واجهة الفكر الشيعي في المجتمع الإسلامي، وفي عصر حضور الأئمّة كان الكثير من أصحاب الأئمّة ورواة الشيعة وكذلك الشيعة المعاصرين للأئمّة يتحركون بهذا الاتجاه ويعتقدون بهذه العقيدة ويرون في أئمّة أهل البيت زعماء وقادة دينيين على المستوى العلمي والعملي وأنّ اطاعتهم واجبة وأنّ رواية الأئمّة عن الإسلام النبوي تمثّل الإسلام الواقعي وأنّ هذا الإسلام أقرب ما يكون لإسلام رسول الله، وقد أمر رسول الله المسلمين باتباع هؤلاء القادة والأئمّة.
وأيضاً على أساس هذه النظرية فإنّ الأئمّة لايمكن قياسهم بالنبي الأكرم، لأنّ النبي أولاً: منصوب من قِبل الله، وثانياً: يملك العلم اللدنّي وغير المكتسب (أي الوحي الإلهي)، ثالثاً: إنّ الوحي الإلهي والسنّة النبوية يتميّزان بوجود ملكة العصمة للنبي من قِبل الله تعالى.
إذن على أساس هذه النظرية، أولاً: إنّ كل واحد من الأئمّة منصوب من قِبل الإمام الذي قبله وبالنسبة للإمام الأول «الإمام علي» فقد نصبه النبي للناس.
ثانياً: إنّ الأئمّة لا يملكون العلم اللدنّي أو علم الغيب «علم الغيب من جهة كونه حالة فوق بشرية، والعلم اللدنّي بلحاظ كونه غير اكتسابي».
وبعبارة أخرى إنّ الأئمّة يحصلون على المعارف الدينية بطريقة اكتسابية من الإمام السابق ويتحركون على مستوى استنباط الأحكام الشرعية بعملية الرأي والاجتهاد وهم مثل سائر الناس يحتمل في حقّهم الخطأ وإن كانوا أقلّ الناس خطأً.
ثالثاً: بالرغم من أنّ الأئمّة هم أتقى وأعدل أفراد البشر وأورعهم على مستوى الابتعاد عن المعاصي إلاّ أنّ العصمة منحصرة بشخص النبي فقط، ولذلك لا يمكن القول بأنّ الأئمّة يملكون حالات وصفات تختلف عن سائر الناس بحيث يبتعدون عن المعاصي ويجتنبون الذنوب بقدرة فوق بشرية، بل إنّهم يبتعدون عن الذنوب بشكل بشري ومتعارف، ومن هنا يتصفون بأنّهم أبرار.
وعلى هذا الأساس فهذه النظرية والقراءة تنكر أية صفة فوق بشرية للأئمّة وأنّ الأئمّة يتميزون بكونهم «علماء أبرار»، وبديهي أنّ انكار فضائل وصفات فوق بشرية للأئمّة والاعتقاد بحالات بشرية للأئمّة يقتضي أنّ هؤلاء الشيعة إنّما قبلوا بالتشيع لا من موقع وجود حالات فوق بشرية للأئمّة بل من موقع رجحان هذا الاتجاه الديني في الإسلام بالمقارنة مع الاتجاهات الأخرى في المسائل والمقولات الدينية.
إنّ نظرية «العلماء الأبرار» تحتفظ بالاعتقاد بأصل ختم النبوة، وأنّ الوحي الإلهي قد انتهى لفظاً ومعنىً بالنبي محمد بن عبدالله، ورغم أنّ ارتباط الإنسان بالله تعالى والتقرب إليه مستمر ويرتبط بسعة ظرفية الإنسان العلمية وما يبذله من جهد عملي في هذا السبيل، ولكنّ هذه الرؤية لا تقبل أي حق إلهي خاص وعلاقة خاصة بالله تعالى في غير النبي الأكرم، وأمّا الفارق بين الأئمّة من أهل البيت «أي العلماء الأبرار» وبين غيرهم من علماء الإسلام فيكمن في ميزان العلم ودرجة تهذيب النفس والقرب إلى الله تعالى.
ويعتقد أتباع هذه النظرية أنّ القراءة البشرية للإمامة هي القراءة الوحيدة التي تنسجم وتتناغم مع الضوابط القرآنية والمعايير المعتبرة في السنّة النبوية والروايات الإجماعية الواردة من أئمّة أهل البيت والأصول العقلية والحقائق التاريخية.

النظرية الثانية: نظرية الأئمّة المعصومين
وهذه النظرية كان لها أتباع أيضاً في عصر حضور الأئمّة، وقد إزداد هؤلاء الأتباع في عصر الأئمّة المتأخرين إلى حدّ أنّ هذه النظرية أضحت في عصر الغيبة منافساً قوياً للنظرية الأولى، رغم أنّها لم تكن تمثّل العقيدة السائدة والغالبة في أجواء المجتمع الشيعي إلى أواخر القرن الرابع، ولكن منذ أوائل القرن الخامس ولحدّ الأن تزعمت هذه النظرية الذهنية الشيعية إلى درجة أنّ هذه النظرية وطيلة 1000 عام بعد القرون الأولى أصبحت تمثّل ضرورة من ضرورات المذهب ومن ذاتياته.
وعلى أساس هذه النظرية فإنّ تفاوت الأئمّة مع علماء الدين هو تفاوت ذاتي، فالأئمّة يملكون حالات وصفات أخرى غير ما يملكه سائر الناس من صفات وحالات وأنّهم يملكون فضائل وصفات كما كانت للنبي مع فارق واحد وهو أنّ النبي يوحى إليه أمّا الأئمّة فلا يملكون مثل هذه الموهبة رغم أنّ الأئمّة يتمتعون بملكة الإلهام الإلهي، أي أنّهم ملهمون ومحدّثون (بالفتح) «بمعنى أنّه يملكون ارتباطاً معنوياً خاصاً بالله تعالى» وأساساً لا يمكن أن يأمر النبي المسلمين باتباع أئمّة أهل البيت بدون أن يملك هؤلاء الأئمّة فضائل ذاتية.
أمّا ملامح الإمامة على أساس هذه النظرية:
أولاً: إنّ الأئمّة منصوبون من قِبل الله تعالى للناس كالنبي الأكرم وأنّ النبي بيّن للمسلمين هذا النصب الإلهي في إطار النصوص النبوية، إذن فالأئمّة منصوبون قِبل الله ومنصوص عليهم من قِبل النبي، أمّا المسلمون الذين تجاوزوا هذا الأمر الإلهي والنص النبوي فهم منحرفون عن الصراط المستقيم.
ثانياً: إنّ الأئمّة يتمتعون كالنبي بالعلم اللدنّي وغير الاكتسابي ويعلمون الغيب بإذن الله تعالى، «وبديهي أنّ مساحة هذا العلم أضيق من علم الغيب المطلق لله تعالى» فعلم الأئمّة ليس من طريق الرأي والاجتهاد، وعلمهم في دائرة المعارف الدينية وما يتصل بكونهم أسوة وقدوة للناس لا يقبل الخطأ والاشتباه.
ثالثاً: إنّ الأئمّة كالنبي، معصومون مطلقاً من المعصية «الكبيرة والصغيرة، العمدية والسهوية» وعن الخطأ. والعصمة موهبة إلهية للأشخاص المتنخبين من الناس وهي مرتبة أعلى بكثير من تهذيب النفس وطهارة الروح لدى الأولياء والصالحين من الناس.
وعلى أساس نظرية الأئمّة المعصومين فإنّ فضائل الأئمّة كفضائل الرسول الأكرم من حيث كونها فوق بشرية وأنّها تمثّل مواهب خاصة من قِبل الله تعالى لهؤلاء العباد المقربون إلى الله، والأئمّة المعصومون كالنبي الأكرم في كونهم يمثّلون وسائط الفيض الإلهي، وأنّ انكار هذه الفضائل فوق البشرية من قِبل بعض الشيعة في القرون الأولى ناشيء من قصورهم أو تقصيرهم في فهم عظمة الأئمّة ومكانتهم السامية، فالإمامة استمرار للنبوة ومكملة لها وبدون الإمامة يكون الدين ناقصاً، والأئمّة المعصومون هم شرّاح الوحي الإلهي وهم المفسّرون المعصومون للقرآن.
ورغم أنّ ظاهر النبوة قد ختم برحيل النبي الأكرم إلاّ أنّ باطن النبوة يعني «الولاية» مستمر إلى آخر الزمان ولا يمكن أن يوجد عصر وزمان بدون وجود هذه الولاية والعمل بها من قِبل الإمام الحاضر أو الحجة الغائب، وعلى ضوء ذلك فإنّ عدم الاعتقاد بالأصل الأصيل للأئمّة المعصومين يعتبر عائقاً للإنسان من نيل السعادة والفلاح والنجاة في الآخرة، إنّ خير الدنيا والآخرة يتمثّل في التبعية المحضة لأوامر ونواهي الأئمّة الطاهرين(عليهم السلام).
ويعتقد أتباع هذه النظرية أنّ الإمامة لا معنى لها بدون الاعتقاد بما ذكر آنفاً، وعلى هذا الأساس فالإمامة تمتد بجذورها إلى القرآن وسنّة النبي والعقل، وهناك روايات كثيرة وردت عن الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)تقرر هذه الخصوصيات الثلاث لمقولة الإمامة بحيث لا يبقى معها أي شك أو تردد في صحتها، إلى درجة أنّ مقولة الإمامة أضحت مقترنة مع هذه الخصوصيات الثلاث التي تعتبر حالياً من ضروريات المذهب الشيعي.

العلماء الذين يعتقدون بنظرية «العلماء الأبرار»
والآن جاء دور الإجابة عن السؤال الثاني، وهو: من هم الذين يعتقدون بنظرية «العلماء الأبرار» من علماء الشيعة بالتحديد، سواء من علماء الكلام أو الفقهاء أو المحدّثين أو المفسّرين وبخاصة من أصحاب الأئمّة، وبالرغم من سيطرة نظرية «الأئمّة المعصومين» طيلة ألف عام على الذهنية الشيعية واقصاء نظرية العلماء الأبرار في مطاوي التاريخ الشيعي وعدم الاهتمام الجاد بحفظ ميراث هذه الطائفة من علماء الشيعة، ولكن بالإمكان ذكر أسماء بعض علماء الشيعة الذين يعتقدون بهذه النظرية، وهؤلاء العلماء كانوا في حياتهم يعيشون ذروة الاقتدار المذهبي والمكانة الدينية بين الشيعة، ونبدأ بذكر الشخصيات البارزة من أنصار نظرية العلماء الأبرار:

1 ابن الغضائري
وهو أحمد بن الحسين بن عبيدالله البغدادي، المشهور بابن الغضائري من علماء القرن الخامس، وقد ترك من آثاره وتأليفاته كتاب صغير في «الرجال»، أو «الضعفاء» الذي نقله أحمد بن طاووس (المتوفي 673 ه) في كتابه «حلّ الإشكال» ونقله بشكل كامل العلاّمة الحلي (المتوفي 726 ه) في كتابه «خلاصة الأقوال» ويذكر المحقق الكلباسي في (سماء المقال، ج1، ص 23 و 29) أنّ ابن الغضائري يعدّ من عيون الشيعة ومن أجلاء وعظماء الأصحاب، ويصفه المحقق القهقائي في «مجمع الرجال، ج 1، ص 108) بأنّه عالم عارف جليل كبير في الطائفة.
وتتسم آراء ابن الغضائري الرجالية بخصوصية معينة وهي أنّه ينسب إلى مجموعة كبيرة من رواة الأحاديث صفة الغلو والارتفاع في المذهب أو الارتفاع في حق الأئمّة وبالتالي يصف هؤلاء الرواة بالضعف، ويبدو أنّ هذا التضعيف والجرح للرواة لا يستند إلى الشهادة والسماع بل يستند إلى اجتهاده الخاص، بمعنى أنّه يحقق في النصوص الروائية التي ينقلها هؤلاء الرواة، فإذا كانت تتضمن خروجاً عن الحدّ المجاز في العقيدة على مبانيه وأنّها تتضمن الارتفاع أو الغلو في حق الأئمّة فإنّه يصف الراوي لها بالضعف ويتهمه بالكذب وجعل الحديث.
وقد تقدّم في كلام الوحيد البهبهاني في رؤية مشايخ قم وابن الغضائري بالنسبة للاعتقاد بالأئمّة أنّهم يصفون الرواة الذين يتجاوزون هذا الحدّ في المعتقد بالارتفاع في المذهب والغلو والضعف والكذب، وبالطبع فإنّ الآراء الرجالية لمشايخ قم وابن الغضائري ليست متطابقة بالضرورة، فهناك بعض التضعيفات للقميين تمّ نقضها بواسطة ابن الغضائري، وعلى أية حال فمن حيث علم الرجال فإنّ توثيقات ابن الغضائري تعدّ في غاية الاعتبار، وإن كان كتاب «الممدوحين» وللأسف لم يصل إلينا، ولكنّ العلاّمة الحلي وبسبب اعتماده على تضعيفات ابن الغضائري قد توقف في توثيق الكثير من الرواة، وأمّا الرأي المشهور بعد العلاّمة فلا يكترث بتضعيفات ابن الغضائري، ومنذ عصر العلاّمة المجلسي اتهم ابن الغضائري بالعجلة والتسرع في تضعيف الأكابر من رواة الحديث. ومع الالتفات إلى اعتماد النجاشي الذي كان معاصراً لابن الغضائري على الكثير من آرائه الرجالية، فإنّه لا يمكن اتهامه بالتسرع وعدم الدقّة في تقييم الرواة، بل يعتبر من أكبر النقاد في علم الرجال من حيث الدقّة ولا يقاس به أحد.
الوجه الثاني لعدم اعتناء علماء الشيعة المتأخرين بتضعيفات ابن الغضائري أنّ توثيقاته وتضعيفاته لا تستند إلى الحس والشهود والسماع من المشايخ والثقات بل تستند إلى الحدس والاستنباط وقراءة مضامين الروايات والحكم على الرواي على هذا الأساس «كما ذكر السبحاني في كليات علم الرجال، ص 91 102» وما يتحصل من مطاوي هذه الانتقادات حول ابن الغضائري، وبعيداً عن الموافقين والمخالفين لكتاب ابن الغضائري وقبول أو نقد آرائه الرجالية «والذي لا يرتبط بما نحن فيه» فما يتبيّن من كتابه أنّ عقيدة ابن الغضائري عن الأئمّة كانت مختلفة كثيراً مع الرؤية التي سادت بعد القرن الخامس، فعلى أساس تحقيقات المحقق المامقاني والتي وردت في الشاهد الأول من هذه المقالة يمكن القول إنّ ما كان يراه ابن الغضائري غلواً وارتفاعاً في حق الأئمّة يعدّ من ظروريات مذهب الشيعة في عصرنا الحاضر، وببيان آخر إنّ ابن الغضائري، وعلى حدّ تعبير المحقق الكلباسي «في سماء المقال، ج 1، ص 19» كان شخصاً غيوراً في الدين وحامي المذهب، وأمّا بالنسبة لرعاية شأن الأئمّة فكان يعيش حساسية خاصة في ذلك ويرى أنّ نسبة الحالات و الشؤون فوق البشرية للأئمّة من قبيل علم الغيب، القدرة الخارقة للعادة، المعجزة، تفويض الأمور التشريعية والتكوينية، هي خروج عن الحدّ المجاز للاعتدال في المذهب وتؤدي إلى الارتفاع والغلو في الدين ويرى نفسه مكلّفاً شرعاً بالتصدي لمثل هذه الظواهر السلبية.
وبالرغم من عدم وصول أكثر آثار ابن الغضائري لزماننا هذا فإنّ «الحدّ المجاز للاعتدال المذهبي في صفات الأئمّة» في نظر ابن الغضائري لا يمكن الكلام عنه بدقة، ولكن يمكن القول باطمئنان أنّه كان يمثّل أحد المنتقدين المتشددين للشؤون والصفات فوق البشرية للأئمّة ومن العلماء الغيورين الذين يعتقدون بالقراءة البشرية للإمامة أو نظرية «العلماء الأبرار»، إنّ مطالعة كتابه الباقي إلى عصرنا الحاضر والتأمل في آراء واجتهادات ابن الغضائري التي تقوم على أساس رؤيته وعقيدته الخاصة في الأئمّة «ولحسن الحظ أنّه أشار في هذا الكتاب إلى هذه المباني بشكل مختصر» بإمكانه أن يرفع كل ابهام وغموض في هذا المجال.

2 ابن الجنيد الاسكافي
وهو أبو علي محمد بن أحمد الكاتب المشهور بابن الجنيد الاسكافي، «المتولد قبل عام 300 والمتوفي قبل عام 377 ه» ويعدّ من متكلّمي وفقهاء الشيعة الكبار في القرن الرابع، وقد خلّف العديد من المصنّفات من قبيل «تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة» و«المختصر الأحمدي في الفقه المحمدي» و«النصرة في أحكام العترة» التي كانت موجودة إلى زمان الشهيد الأول، ولكن للأسف فإنّ أيّاً من كتبه لم تصل إلينا. وكان ابن الجنيد فريداً في آرائه وأفكاره، ومنذ ذلك الوقت كانت آراءه محل نقد وردّ من قِبل الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضى، وأمّا المدرسة الفقهية لإبن الجنيد فقد أصبحت في القرن السادس مورد اهتمام علماء الشيعة كابن إدريس الحلي والعلاّمة الحلي والشهيد الأول.
ومن آراء ابن الجنيد التي تختلف عن آراء علماء الشيعة رأيان يمثّلان أصلاً وأساساً لمدرسته الفكرية، أحدهما يتصل بأصول الفقه، والآخر بأصول العقائد، أمّا رأيه المختلف في أصول الفقه، فإنّه كان يعتقد بالقياس في الفقه، وأمّا رأيه الخاص في أصول العقائد فيدور حول علم الأئمّة. والشيخ المفيد في رسالته «المدائن السروية» يقول ضمن الإشارة إلى أحد رسائل ابن الجنيد باسم «المسائل المصرية»:
«إنّ ابن الجنيد في هذه الرسالة صنّف الأخبار (الواردة عن الأئمّة) في أبواب وتصور أنّها مختلفة في المعنى وبذلك ذهب إلى نسبة الرأي إلى الأئمّة» (مجموعة مصنفات الشيخ المفيد، ج7، ص 74 76). ويرى الشيخ المفيد بطلان رأي ابن الجنيد وأنّه يمكن الجمع بين تلك الأخبار بحيث لا يبقى اختلاف في البين، وهو أرحج من نسبة الرأي إلى الأئمّة (القياس).
وقد أشار السيد المرتضى في كتابه «الانتصار» إلى أحد الآراء الفقهية الخاصة بالإمامية وهو جواز حكم الأئمّة وحكّامهم «أي القضاة» على أساس علمهم في جميع الحقوق والحدود، وأشار إلى اختلاف ابن الجنيد في هذا الرأي وقال:
«إنّ ابن الجنيد ضمن تصريحه بمخالفته في هذه المسألة يعتقد أنّ الحاكم لا يجوز له الحكم بعلمه في أي من الحقوق والحدود».
ويرى السيد المرتضى أنّ رأي ابن الجنيد يبتني على اجتهاده في هذه المسألة وأنّه مجانب للصواب، ويقول في ابطال رأي ابن الحنيد وإثبات خطئه في هذه المسألة:
«وقد وجدت في هذه المسألة كلام غير سديد لابن الجنيد، لأنّه في هذا الأمر لا دراية له ولا دلالة، ومع ذلك فإنّه ذهب إلى وجود تفاوت بين علم النبي (صلوات الله عليه) وبين علم خلفائه وحكّامه، وهو قول نادر لأنّ العلم بالمعلومات بين العلماء المختلفين لا يمكن أن يكون مختلفاً.
على هذا الأساس إذا شاهد النبي أو الإمام علي أو الأئمّة الطاهرين وقوع جرم يستدعي الحدّ الشرعي فعلمهم معتبر في الجميع، ثم إنّ السيد المرتضى ينقل استدلال ابن الجنيد في الحكم بالعلم، في غير النبي، بهذه الصورة:
«وجدت الله تعالى قد أوجب للمؤمنين فيما بينهم حقوقاً أبطلها فيما بينهم وبين الكفّار والمرتدين كالمواريث والمناكحة وأكل الذبائح، ووجدنا الله تعالى قد أطلع رسوله(صلى الله عليه وآله) على من كان يبطن الكفر ويظهر الإسلام، فكان يعلمه ولم يبيّن(عليه السلام) أحوالهم لجميع المؤمنين فيمتنعوا من مناكحتهم وأكل ذبائحهم»( ).
(إذن فعلم النبي يختلف بلحاظ المنشأ والنتائج الفقهية عن علم الأئمّة والحكام).
ويتحرك السيد المرتضى في ردّه استدلال ابن الجنيد على تفاوت علم النبي مع علم الآخرين من المؤمنين، ويرى عدم صحته، فمن جهة لا يقبل بأنّ الله تعالى قد اطلع نبيّه على نفاق المنافقين، ومن جهة أخرى فإنّه يرى أنّ ابطال الحقوق من قبيل جواز الزواج، الارث، تناول الذبيحة، مختص بالأشخاص الذين أظهروا الكفر والارتداد لا أنّهم يعيشون الكفر والارتداد في باطنهم، (الانتصار، ص 236، 343).
ويتبيّن من كلمات هذين العالمين والفقيهين الكبيرين للشيعة «الشيخ المفيد والسيد المرتضى» حول معتقد ابن الجنيد وأرائه الكلامية:
أولاً: إنّ ابن الجنيد يعتقد بأنّ قول الأئمّة يمثّل «رأيهم»، والرأي أو النظر أو الاجتهاد والاستنباط أمر اكتسابي وأنّ احتمال الوقوع في الخطأ في الطريقة المتعارفة لتحصيل العلم البشري ممكن، وهذه الرؤية تقع في مقابل رؤية الأشخاص الذين يعتقدون بأنّ كلام الأئمّة نابع من «العلم اللدنّي» وهو موهبة إلهية، وأنّ وقوع الخطأ في ذلك ممتنع حيث يقولون بعصمة الأئمّة(عليهم السلام)فالعلم اللدنّي منحصر بالمعصوم. وعلى أساس ما نقله الشيخ المفيد فإنّ ابن الجنيد يرى أنّ اختلاف الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت ناشئة من قولهم بالرأي، وبعبارة أخرى إنّ هذا الكلام المنسوب لابن الجنيد يشير إلى عدم اعتقاده بعصمة الأئمّة والعلم اللدنّي لهم، ويرى أنّهم «علماء أبرار».
ثانياً: إنّ ابن الجنيد، حسبما نقله السيد المرتضى عنه، يفرّق بين علم النبي وعلم الآخرين من المؤمنين (ومنهم الأئمّة)، فالنبي يعلم ببعض البواطن والغيوب بإذن الله، وأمّا سائر المؤمنين (ومنهم الأئمّة) فلا يملكون مثل هذا العلم، وعلى هذا الأساس فرغم أنّ النبي يمكنه في مقام القضاء أن يستند إلى علمه في إصدار الحكم، ولكنّ غيره من المسلمين «ومنهم الأئمّة» لا يجوز لهم الاستناد إلى علمهم في مقام القضاء بل يجب عليهم الاستناد إلى آليات القضاء المتعارفة «كالشاهد واليمين»، ومن يعتقد بوجود هذا الفرق فإنّه بالملازمة لا يقول بوجود علم لدنّي للأئمّة.
ثالثاً: وعلى أساس الآراء المنقولة عن ابن الجنيد «كما تقدّم موردان منها» فإنّه في ذات الوقت الذي يعدّ من المتكلّمين والفقهاء الكبار للشيعة في القرن الرابع، ولكنّه لم يكن يعتقد بالشؤون والصفات فوق البشرية للأئمّة بل يذهب إلى أنّ حالهم حال سائر الناس في الصفات البشرية، أي على أساس المبنى الكلامي لابن الجنيد فإنّ «أقوال الأئمّة تعبر عن آرائهم» وليست مستوحاة من العلم اللدنّي ولا تقترن بآليات العصمة وأنّ هذه الأمور لم تكن من لوازم الاعتقاد بالإمامة لدى الشيعة في القرن الرابع.
رابعاً: إنّ القراءة البشرية للإمامة على المبنى الكلامي «أنّ أقوال الأئمّة تمثّل آرائهم الشخصية» وما يستلزم ذلك من لوازم اعتقادية أي عدم الاعتقاد بالعصمة والعلم اللدنّي كان هو السائد في القرن الرابع في الفكر الشيعي بحيث إنّ المعتقد بهذه اللوازم ليس فقط لا يتهم بالارتداد عن المذهب بل يعدّ من أكابر علماء التشيع وله شأن ومنزلة دينية وثقافية واجتماعية سامية، رغم أنّ علماء الشيعة الذين جاءوا بعد عدّة عقود من حياة ابن الجنيد وجهوا له انتقادات في هذا الشأن، وفي الواقع إذا كانت العصمة والعلم اللدنّي في القرن الرابع من ضروريات مذهب التشيع أو لا أقل من معالم المذهب فإنّ ابن الجنيد حينئذ يعتبر من المنكرين لهذه الضروريات، فكيف يتعامل معه العلماء من موقع التكريم والإجلال والاحترام؟ ألا يدلّ ذلك على أنّ التشيع في القرن الخامس شهد حركة انتقالية وتحوّلاً في الفكر الديني الشيعي؟
الملاحظة الأخيرة التي ينبغي ذكرها هنا ولم تكن خافية عن العلاّمة بحر العلوم «السيد محمد مهدي الطباطبائي المتوفي 1212» حيث ذكر في كتابه «الفوائد الرجالية، ج3، ص205» في ترجمة حالات ابن الجنيد قال: «من أعيان الطائفة وأعاظم الفرقة وأفاضل قدماء الإمامية وأكثرهم علماً وفقهاً وأدباً وأكثر تصنيفاً وأحسنهم تحريراً وأدقهم نظراً» ثم يروي عنه أنّه يقول بالقياس وأضاف: إلاّ أنّه مع ذلك فإنّ علماءنا لم يمتنعوا من تكريمه وتمجيده واحترامه. ثم يطرح سؤالاً مهماً بهذا المضمون، وهو أنّ المنع من القياس يعدّ من ضروريات مذهب الإمامية وأنّ روايات الأئمّة فيه متواترة، إذن فالمخالف لهذه المسألة يعدّ خارجاً عن المذهب ولا يعتنى بقوله بل لا يعتنى بتوثيقه، ولكنّ الأنكى من مسألة القياس ما نقل عن الشيخ المفيد أنّه ينسب للأئمّة القول بالرأي. ففي نظر بحر العلوم أنّ هذا «الرأي الكلامي» رأي غير مقبول على الاطلاق، فكيف يجتمع هذا الكلام مع القول بعصمة الأئمّة وعدم جواز صدور الخطأ منهم كما هو المعروف من معالم المذهب؟ إنّ هذا القول «الكلامي» بالرغم من اشتهاره عنه ولكنّ قوله بالقياس معروف. ويحتمل السيد بحرالعلوم أنّ مراده من القياس، القياس غير الممنوع «من قبيل القياس منصوص العلة أو بتنقيح المناط القطعي»، ولكنّه يرد هذا الاحتمال ويقول:
«ولا يجري هذا التكلف فيما نسبه إليه الشيخ المفيد في كلام آخر (من عمل الأئمّة بالرأي) والظاهر أنّ هذا ممّا زلّت به قدمه عن الطريقة المستقيمة وتصور أنّ اختلاف الأخبار الواردة عن الأئمّة(عليهم السلام)ناشئة من القول بهذا المبنى بالباطل (أنّ الروايات الأئمّة هي رأيهم)، وجه الجمع بين هذا وبين ما اتفق عليه الأصحاب على إجلاله وإكرامه وعدم قطع العلاقة معه، هو حمل المطلب على وجود شبهة في ذلك الوقت حيث يحتمل أنّ هذه المسألة لم تكن قد بلغت حدّ الضرورة، فالمسائل تختلف في الوضوح والخفاء باختلاف الأزمنة والأوقات، فما أكثر الأمور التي كانت واضحة وجلية لدى القدماء ولكن لفّها الغموض والابهام في هذا الزمان، وكذلك ما أكثر الأمور التي خفيت عليهم ولكنّها واضحة وجلية في عصرنا، وهذا الأمر ناشيء من اجتماع الأدلة في القرون السالفة أو تجدد الإجماع على هذه الأمور في القرون المتأخرة، وربّما كان القياس من هذا القبيل... وأمّا إسناد القول بالرأي إلى الأئمّة(عليهم السلام) فلا يمتنع أن يكون كذلك في العصر المتقدم»( ).
ثم إنّ السيد بحر العلوم يذكر مؤيداً لعبارة الشهيد الثاني في رسالة حقائق الإيمان «والتي ذكرناها بعنوان الشاهد الثالث بالتفصيل» عن جدّه السيد عبدالكريم الطباطبائي البرجرودي في كتاب: الإيمان والكفر «كتاب خطي» الذي يقول إنّ قراءة أكثر الرواة والشيعة المعاصرين للأئمّة كانت تدور حول محور «العلماء الأبرار» بدون الاعتقاد بعصمتهم، ونقل أيضاً أنّ الأئمّة حكموا بإيمان وعدالة مثل هؤلاء الرواة والشيعة، ثم أضاف:
«عن الشهيد الثاني طاب ثراه أنّه احتمل الاكتفاء في الإيمان بالتصديق بإمامة الأئمّة(عليهم السلام) والاعتقاد بفرض طاعتهم، وإن خلا عن التصديق بالعصمة عن الخطأ، وادعى: أنّ ذلك هو الذي يظهر من جلّ رواتهم وشيعتهم، فإنّهم(عليهم السلام) علماء أبرار، افترض الله طاعتهم، مع عدم اعتقادهم العصمة فيهم، وأنّهم(عليهم السلام) مع ذلك كانوا يحكمون بإيمانهم وعدالتهم، وكلامه رحمه الله وإن كان مطلقاً، لكن يجب تنزيله على تلك الأعصار التي يحتمل فيها ذلك دون ما بعدها من الأزمنة، فإنّ الأمر قد بلغ فيها حدّ الضرورة قطعاً»( ).
إنّ رأي العلاّمة بحر العلوم فيما يتصل ببحثنا الحالي يتضمن نقاط مهمّة:
1 إنّ المسائل الدينية ومنها البحوث الاعتقادية من حيث الوضوح والخفاء متفاوتة على إمتداد الزمان، وعليه فإنّ نظرة المؤمنين أيضاً للأمور المذهبية يمكنها أن تكون متفاوتة باختلاف الزمان، وهذا التفاوت والاختلاف لا يختص بالأمور الجزئية بل يمكن أن يمس ضروريات المذهب أيضاً، وهذا شاهد آخر عن إمكانية حدوث التحوّل في المعرفة الدينية أو تعرض العقائد المذهبية للاستحالة.
2 إنّ مسألة الإمامة المهمّة كانت من موارد هذا التحوّل في المعرفة المذهبية، بمعنى أنّ معالم الإمامة ومشخصاتها قد تغيرت قبل وبعد النصف الثاني من القرن الخامس، حيث شهد هذا القرن منعطفاً في الفكر الشيعي تجاه بعض خصوصيات الإمامة من قبيل العصمة والعلم اللدنّي التي لم تكن من لوازم القول بالإمامة، ولكنّها بعد ذلك أصبحت من ضروريات مذهب التشيع ومن معالمه الرئيسية.
3 إنّ بحر العلوم يرى أنّ هذا التحوّل ناشيء من خفاء هذه المسألة في القرون الأولى ووضوحها في القرون المتأخرة، فبروز الشبهة في ذلك الزمان وبلوغ المسألة إلى حدّ الضرورة بعد ذلك من تداعيات هذا الحالة، وهذا البيان والتحليل يقوم على أساس قبلية فكرية وهي أنّ الأئمّة في واقعهم يملكون صفات فوق بشرية، ولكن الطرف المقابل سعى لتوجيه هذه الحالة على مبنى آخر. ويوجد في كلام بحر العلوم توجيه آخر لهذه الظاهرة يقول: «إنّ اجتماع الأدلة في الصدر الأول والإجماع في القرون المتأخرة»، فلو كانت الأدلة المتوفرة في القرون الأولى من عوامل تكريس القراءة البشرية لمسألة الأمامة فإنّ أهم هذه الأدلة حضور الأئمّة بأنفسهم وإمكان إقامة ارتباط مباشر بين الشيعة وهؤلاء الأئمّة وبالتالي فإنّ صعوبة هذا الارتباط في عصر الأئمّة المتأخرين وخاصة في عصر الغيبة يمثّل عاملاً مهمّاً في إشاعة الرؤية فوق البشرية للأئمّة.
4 إنّ ابن الجنيد بالرغم من أنّه كان يعتقد بالرؤية البشرية لمسألة الإمامة أي نظرية «العلماء الأبرار» وكان يعتقد على مبناه الكلامي، بأنّ قول الأئمّة يمثّل رأيهم الشخصي وهذا المعنى يلازم عدم الاعتقاد بالعصمة والعلم اللدنّي للأئمّة، فمع ذلك كان ابن الجنيد يحضى بغاية الاحترام والتكريم بين الشيعة، وهذا يدلّ على أنّ هذه العقيدة كانت متناسبة ومنسجمة مع عقائد الشيعة في ذلك الوقت وفي زمان حضور الأئمّة، بالرغم من أنّ السيد بحر العلوم يعلل هذه الظاهرة بأنّ أوصاف وحالات الأئمّة كانت خفية على الشيعة في تلك المرحلة.
وأمّا الشيخ أسد الله بن إسماعيل المعروف بالمحقق الكاظمي «المتوفي في العقد الرابع من القرن الثالث عشر» وصاحب «المقابس» فإنّه يقول في كتابه «كشف القناع» عن وجوه حجّية الإجماع، ص83، ضمن تعرضه لبيان حالات علماء الشيعة المخالفين، يقول عن ابن الجنيد، إنّه من قدماء فقهاء الإمامية وكبار الأصحاب الذي أدرك الغيبتين «الصغرى والكبرى»، وبعد نقل كلام الشيخ المفيد حول آراء ابن الجنيد الخاصة بالأئمّة «أنّ قولهم يمثّل رأيهم» يقول بأنّ لابن الجنيد كتابين آخرين أيضاً أحدهما «كشف التمويه والالباس على اغمار الشيعة في أمر القياس» والآخر كتاب «اظهار ما سرّه أهل العناد من الرواية عن أئمّة العترة في أمر الاجتهاد» فلو كان الاجتهاد في نظر الأئمّة كما فهمه ابن الجنيد ووصل هذا الأمر إلى زماننا هذا فربّما يكون له تأثير حاسم في تقوية التيار الأول الذي يقول بالقراءة البشرية للأمامة، بالرغم من أنّ عدم وصول كتب هذا العالم الشيعي الكبير إلى العصور اللاحقة يثير كثيراً من علامات الاستفهام والتساؤل!

المتكلّمون الشيعة
في القرن الثالث والرؤية فوق البشرية للأئمّة
هل يمكن القول بأنّ ابن قبة الرازي والنوبختيين من القائلين بالقراءة البشرية لمسألة الإمامة؟
يجيب الدكتور المدرسي الطباطبائي عن السؤال أعلاه بالايجاب، ونخص هذا القسم من البحث بمسألة التحقيق في جوابه وتقييمه، فالاستاد الدكتور حسين المدرسي الطباطبائي من الأخصائيين العالميين في دائرة معارف الشيعة وخاصة في القرون الأولى وقد ألّف في هذا المجال لحدّ الآن ثلاثة كتب باللغة الانكليزية وقد تمّ ترجمتها إلى الفارسية والعربية أيضاً، رغم أنّ أهم هذه الكتب لم يسمح بطبعها في ايران، وهذه الكتب الثلاثة عبارة عن: «مقدمة على فقه الشيعة والكليات والمصنفات، 1989» و «تطور المباني الفكرية للتشيع في القرون الثلاثة الأولى، 1995» و«التراث الشيعي المدوّن في القرون الثلاثة الأولى للهجرة، ج1، 2004م» وكل هذه الكتب الثلاثة تعدّ من الكتب المرجعية لتاريخ الفكر الشيعي وتمثّل نموذجاً علمياً يمتاز بالدقّة والعمق، وكتاب «المذهب الشيعي في مسار التكامل» تمّ تأليفه أساساً للتحقيق في معرفة أحوال وآثار ابن قبة، وتصحيح رسائله التي بقيت لزماننا هذا، وفي الحقيقة فإنّ جميع الكتب المذكورة تعتبر مقدّمة للتعرف على آراء ابن قبة الكلامية، وبالرغم من أنّ ابن قبة في الحوزات العلمية الشيعية معروف برأيه في علم الأصول بالنسبة لمسألة «الامتناع العقلي لجعل حجية أخبار الآحاد» ولكنّه يعتبر في حقل الكلام والعقائد من المتكلّمين البارزين في علماء الشيعة في آواخر القرن الثالث وأواخر القرن الرابع.
ويقول مدرسي الطباطبائي في بداية تحقيقه حول آراء ابن قبة والنوبختيين في مسألة الإمامة:
«إنّ جماعة من الأصحاب (علماء الشيعة) يعتبرون الأئمّة بمثابة مرجعية علمية وأنّهم «علماء أبرار» وينكرون وجود صفات فوق بشرية من قبيل العصمة في الأئمّة، وقد سار في الاتجاه بعض المتكلّمين الشيعة في العصور التالية ومنهم أبوجعفر محمد ابن قبة الرازي الذي يعتبر من الفقهاء والمتكلّمين الأجلاء لدى الشيعة وقد كان في القرن الرابع زعيماً للشيعة في عصره وحضيت آراؤه وعقائده باهتمام بالغ من قِبل علماء الشيعة بعده، فابن قبة يرى أنّ الأئمّة مجرّد علماء وعباد صالحين وعالمين بالقرآن والسنّة بالتالي فهو ينكر علمهم بالغيب، والعجيب أنّه مع وجود هذه الآراء وهذا الاتجاه الكلامي لابن قبة فإنّه كان يحضى بمنزلة كبيرة واحترام في الوسط العلمي للشيعة في ذلك العصر. وبعض المحدّثين في قم كان يرى مثل هذا الرأي بالنسبة للأئمّة وكأنّ النوبختيين كانوا ينحون هذا المنحى «مقدمة على فقه الشيعة، ص33».
وينطلق مدرسي الطباطبائي في بيان وشرح آراء ابن قبة الكلامية ويذكر هذه الحقيقة وهي أنّ الشيعة كانوا يقولون بلزوم النص المتواتر على الإمام من قِبل الإمام الذي سبقه وهكذا يصل الأمر إلى النبي في نصبه للإمام الأول، يقول:
«إنّ الأئمّة الطاهرين، خلافاً لما يتصوره الغلاة، كانوا علماء أتقياء عالمين بالشريعة ولكنّهم لم يكونوا يعلمون الغيب، لأنّه ممّا استأثر به الله لنفسه، وكل من يعتقد أنّ أحداً غير الله يعلم الغيب فهو مشرك» ففي نظر ابن قبة أنّ الشريعة مبنية على النصوص وأنّ جميع الأحكام ينبغي استنباطها من نصوص الأئمّة، وبموجب تحليله لأصل الإمامة فإنّ الأئمّة يقومون بدورهم الأساسي باعتبارهم علماء أبرار ومفسّرين حقيقيين للقرآن والسنّة النبوية في تبيين الشريعة والأحكام الإلهية» (تطور المباني الفكرية للتشيع، ص 192 و 196).
ويقول مدرسي الطباطبائي حول رأي ابن قبة في صفات الأئمّة:
«إنّ ابن قبة لا يرى استحالة أن يظهر الله تعالى على يد الإمام معجزة رغم أنّ ابن قبة يرد بشدّة سائر عقائد المفوضة في الاعتقاد بعلم الغيب للأئمّة أو وجود صفة فوق بشرية فيهم» (المصدر السابق، ص66).
والمستند الأصلي لما ذكره الطباطبائي هو اجابات ابن قبة على شبهات أبي زيد العلوي التي نقلها الشيخ الصدوق في كتابه «إكمال الدين» أنّه قال:
«إنّ اختلاف الإمامية إنّما هو من قبل كذّابين دنّسوا أنفسهم فيه في الوقت بعد الوقت، والزمان بعد الزمان، حتى عظم البلاء، وكان أسلافهم قوم يرجعون إلى ورع واجتهاد وسلامة ناحية، ولم يكونوا أصحاب نظر وتميز فكانوا إذا رأوا رجلاً مستوراً يروي خبراً أحسنوا به الظن وقبلوه، فلمّا كثر هذا وظهر شكوا إلى أئمتهم فأمرهم الأئمّة(عليهم السلام) بأن يأخذوا بما يجمع عليه فلم يفعلوا وجروا على عادتهم، فكانت الخيانة من قبلهم لا من قبل أئمتهم، والإمام أيضاً لم يقف على كل هذه التخاليط التي رويت لأنّه لا يعلم الغيب، وإنّما هو عبد صالح يعلم الكتاب والسنّة، ويعلم من أخبار شيعته ما ينهى إليه»( ).
وقد نقل المحقق الكاظمي الكلام المذكور آنفاً دون أن يرد عليه وهذا مشعر بقبول الشيخ الصدوق هذا الكلام (كشف القناع، ص 200).
ومن العسير جدّاً أن يعتقد الصدوق بأنّ الأئمّة الذين هم: «عيبة علمه وتراجمة وحيه وأنّهم معصومون من الخطأ والزلل» (الاعتقادات، الباب 35، ص 93). ومع ذلك يوافق ابن قبة على نفيه علم الغيب عن الأئمّة والاكتفاء بالقول بأنّ الإمام عبد صالح عالِم بالكتاب والسنّة.
إنّ استعراض مدرسي الطباطبائي لآراء ابن قبة غير كامل ولم يبحث في آراء ابن قبة عن مسألة عصمة الأئمّة، فابن قبة يصرّح في تلك الرسالة بأنّ «الحجّة والإمام من العترة يجب أن يكون جامعاً لعلم الدين ومعصوماً ومأتمناً على الكتاب» «اكمال الدين، ص 95).
مضافاً إلى أنّ ابن قبة في جوابه على شبهات المعتزلة في مسألة شروط الإمامة يقول:
«ولا يسهو و لا يغلط وأن يكون عالماً ليعلّم الناس ما جهلوا، وعادلاً ليحكم بالحق، ومن هذا حكمه فلابدّ من أن ينص عليه علاّم الغيوب على لسان من يؤدّي ذلك عنه إذا كان ليس في ظاهر خلقته من يدلّ على عصمته»( ).
وبالنظر لما تقدّم أعلاه من آراء ابن قبة فإنّه يمكن تلخيص هذه الآراء في المحاور الأصلية لمسألة الإمامة كالتالي:
1 إنّ الإمام، عبد صالح عالِم بالكتاب والسنّة.
2 إنّ الإمام لا يعلم الغيب.
3 إنّ الإمام منصوب من قِبل الله ومنصوص على إمامته من قِبل الإمام الذي سبق أو من النبي.
4 إنّ الإمام معصوم من السهو والخطأ.
إنّ ما رود في تحقيق مدرسي الطباطبائي هو المحور الثاني، نفي العلم بالغيب، وأمّا المحور الأول والثالث فإنّهما لم يتوفرا في كلامه بشكل كامل، أي أنّ ابن قبة لم يكن يرى أنّ الأئمّة مجرّد علماء وعباد صالحين، وبالنظر لما ورد في المحور الثالث «النص عليهم من قِبل الله تعالى» ومسألة العصمة «المحور الرابع» فإنّه كان يرى أنّ الأئمّة أكثر من كونهم عباد صالحين وعلماء أبرار، ولذلك فبالرغم من أنّ الأئمّة في نظر ابن قبة عباد صالحون ولكنّهم لم يكونوا مجرّد عباد صالحين وعلماء بالشريعة، بل هم كذلك بدرجة أعلى من الحدّ المتعارف وهم معصومون ومنصوص عليهم من قِبل الله.
ورغم أنّ الطباطبائي قد أشار في كلامه إلى لزوم النص المتواتر عليهم ولكنّه غفل عن لزوم النص من قِبل الله تعالى، مضافاً إلى أنّه لم يذكر عصمة الأئمّة في آراء ابن قبة. إذن فلا يمكن أن يقال بأنّ ابن قبة كان من جملة القائلين بنظرية «العلماء الأبرار» للأئمّة وأنّه ينكر وجود صفات فوق بشرية للأئمّة من قبيل العصمة كما ذكر الطباطبائي في استنتاجه.
وعلى هذا الأساس يمكن القول أنّ ابن قبة كان يعتقد بالمحورين الأخرين: لزوم النص الإلهي ولزوم العصمة وهما صفتان فوق بشرية للأئمّة، ومن جهة أخرى فإنّ ابن قبة لم يكن يعتقد بعلم الغيب للأئمّة وبالتالي فإنّه ينفي هذه الصفة فوق بشرية لهم، مضافاً إلى أنّ إشارته بأنّ الإمام عبد صالح يمثّل قسماً من الحقيقة لا كلها. وعليه فلا يمكن القول بأنّ ابن قبة كان من أنصار نظرية «العلماء الأبرار» بجميع تفاصيلها، والرسائل التي بقيت من ابن قبة تشير إلى قوة نظرية العلماء الأبرار في القرن الرابع، وهي النظرية التي كانت تقف بقوة في مواجهة نظرية الأئمّة المعصومين التي كانت في طريقها للانتشار والسيطرة على الجو الفكري لعلماء الشيعة.
أمّا بالنسبة إلى «النوبختيين» فالمدرسي الطباطبائي يقول في آخر كلامه وتحليله «وكأنّ النوبختيين كانوا يلتزمون بهذا الرأي» يعني أنّهم ينكرون علم الغيب للأئمّة وينكرون وجود صفات فوق بشرية من قبيل العصمة لهم. ويقول المدرسي الطباطبائي في كتابه الأخير «تطور المباني الفكرية للتشيع، ص 65» أنّ آراء نوبختيين الكلامية في المسألة كالتالي:
«فبعض متكلّمي الشيعة القدامى من (بني نبوخت) يؤيد رأي المفوّضة في هذه المسألة، و كذلك في مسألة شروط الإمامة، هل هي ذاتية أم مكتسبة؟ ولكن نفس هؤلاء المتكلّمين عارضوا آراء المفوّضة في مسائل آخرى، منها قدرة الأئمّة على الإتيان بالمعجزة ونزول الوحي عليهم وسماع صوت الملائكة، وسماع صوت زائري مراقدهم وعلمهم بأحوال الشيعة وعلمهم بالغيب» (ص74).
إنّ مدرسي الطباطبائي ينقل كلا هذين الخبرين عن كتاب «أوائل المقالات» للشيخ المفيد، ولكن على أساس نقل الشيخ المفيد في هذا الكتاب «أوائل المقالات» فإنّه لا يمكن اعتبار النوبختيين في عداد المنكرين للعصمة أو المنكرين لعلم الغيب للأئمّة لأنّه:
أولاً: يقرر الشيخ المفيد أنّ النوبختيين هم كالمفوضة يقولون بوجوب معرفة الأئمّة لجميع الصنائع واللغات عقلاً وقياساً (الباب 40، ص 67) وهذا من لوازم العلم اللدنّي وشعبة من علم الغيب.
وثانياً: يقول في الباب 41 في البحث عن علم الأئمّة بالضمائر والكائنات واطلاق القول بعلم الغيب للأئمّة حيث لم ينقل ما يتصل بهذه الأمور عن النوبختيين.
ثالثاً: يقول في (الباب 39، ص 66) في مسألة كيفية حكم الأئمّة وأنّ أحكامهم هل ناظرة لباطن الأمور أو ظاهرها، يقول إنّه لم يعثر على شيء فيما يخصّ هذا الكلام من النوبختيين.
رابعاً: إنّ النوبختيين (حسب ما ينقله في (الباب 36، ص 65) يرون لزوم النص على أشخاص ولاة الأئمّة كما هو الحال في الأئمّة أنفسهم. ويبدو أنّ المدرسي الطباطبائي قد جانب الصواب في نقله لآراء النوبختيين عن أوائل المقالات للشيخ المفيد، ومن جهة أخرى فهناك، مضافاً لأوائل المقالات للشيخ المفيد منابع أخرى يمكن استخراج آراء النوبختيين منها، ومن ذلك ما بقي من كتاب «التلبيس في الإمامة» لأبي سهل النوبختي المتوفي في 311 ه الذي يعتبر من علماء أسرة بني نوبخت والذي أورده المدرسي في نهاية الضمائم من كتابه المذكور، وينقل أبو سهل في هذا المقطع عبارتين تشيران بصراحة إلى هذا الأمر، منها ما ورد في العبارة الأولى في قالب الاحتجاج مع الخصم، وفي العبارة الثانية في مقام بيان آرائه».
«لابدّ من إمام منصوص عليه عالم بالكتاب والسنّة مأمون عليهما لا ينساهما ولا يغلط فيهما» و«لا يجوز عليهم في شيء من ذلك الخلط والنسيان وتعهد الكذب» (اكمال الدين، ص 89 و 92).
إذا كانت نسبة كتاب «فرق الشيعة» للحسن بن موسى النوبختي صحيحة، فإنّ شرط عصمة الأئمّة والعلم بجميع ما يحتاجه الناس يشمل المنافع والمضار الدينية والدنيوية وجميع العلوم الجليلة والدقيقة وهو عبارة أخرى عن العلم بالغيب أو على الأقل العلم اللدنّي (ص18).
ويرى عباس اقبال الاشتياني أنّ كتاب فرق الشيعة مورد البحث هو بنفسه كتاب المقالات والفرق للنوبختي، لسعد بن عبدالله الأشعري (أسرة بني نوبخت، ص 143 إلى 161) وينقل العلاّمة الحلي في كتاب (أنوار الملكوت في شرح الياقوت، ص 204 و 206) أنّ أبا إسحاق إبراهيم النوبختي صاحب كتاب «الياقوت» يرى لزوم العصمة في الإمام وأنّه لا ينبغي عليه اخفاء أي حكم من أحكام الشريعة.
ونظراً لمجموعة الأسناد المتقدمة أعلاه لا يمكن القول بأنّ النوبختيين ينكرون وجود صفات فوق بشرية للأئمّة منها علم الغيب أو العصمة. والنوبختيون كانوا أقرب إلى متكلّمي بغداد مثل الشيخ المفيد والسيد المرتضى، وبالتالي فمن البعيد أن يعتقدوا بنظرية «العلماء الأبرار» لابن الجنيد والمعاصرين للأئمّة، ومن هنا فإنّ نقل الاستاذ مدرسي الطباطبائي بالنسبة لآراء أبن قبة والنوبختيين في انكار صفات الأئمّة غير تام.

أربعة مشايخ من القميين:
إنّ سابقة التشيع في قم تعود إلى أواخر القرن الأول للهجرة، وأهم أسرة شيعية في قم في ذلك العصر هي أسرة الأشعري، وكانت مدينة قم تعتبر أهم مركز علمي للتشيع في القرن الثالث والرابع وكان لها دور محوري وأساسي في حفظ الميراث العلمي لأئمّة أهل البيت والاستقامة في خط التشيع وتعاليم المذهب الاثني عشري، وإذا كانت الكوفة وبعدها بغداد تعتبر مركزاً لنمو وتشعب الفرق الشيعية وخاصة بالنسبة لفرق الغلاة، فإنّ قم كانت تمتاز بالسلامة المذهبية وعدم وجود مثل هذه الانحرافات في الذهنية الشيعية لدى القميين، وعلى سبيل المثال لا نرى وجود ميول واقفية وفطحية وأمثالها لدئ علماء قم إلاّ نادراً (مادلونك، المذاهب والفرق الإسلامية في القرون الوسطى) وكانت حوزة قم تعتمد على علوم الحديث والعلوم الإسلامية الأخرى التي كانت في طور النمو والنشوء في ذلك الوقت من قبيل الفقه والكلام والتفسير، وكلها كانت تعتمد على «علم الحديث».
وعلى هذا الأساس فإنّ أهم علماء حوزة قم (والذين يعبّر عنهم بمشايخ قم) كانوا رواة أحاديث أئمّة أهل البيت، وتعبير القمي ورد في أكثر من 500 مرّة في رجال النجاشي، وهذا الاتجاه الغالب في مدرسة قم ومشايخها بالنسبة لموازين علم الحديث أدى إلى نشوء اتجاه خاص لمشايخ قم باسم «القميين»، ومن لوازم شيوع علم الحديث في قم الاحتياط والدقة العلمية في نقل الحديث، وقد كان مشايخ قم في هذا المجال يعيشون الحساسية المفرطة في محورين:
أحدهما: إجتنابهم نقل الحديث عن أشخاص مجهولين، وشدّة الفحص في حال الراوي لغرض الاطمئنان بسند الرواية في نسبتها للإمام.
والثاني: التصدي الحاسم لكل الأفكار الانحرافية وخاصة الغلو، فالقميون تعلموا هذين الأمرين من الأئمّة و كانوا يتشددون في رعاية هذين الأمرين، وهذا التشدد العلمي جعل من حوزة قم في القرنين الأولين تمتاز باعتبار علمي كبير في صفوف الشيعة إلى درجة أنّ هذه الحوزة استلمت المرجعية العلمية للتشيع في بداية غيبة الإمام الثاني عشر.
ومن حيث البعد الاعتقادي فإنّ مشايخ قم كانوا ينكرون بشدّة فكرة التفويض ونسبة أي صفات فوق بشرية للأئمّة، وفي نظرهم أنّ الروايات التي تتضمن مثل هذه الصفات والحالات للأئمّة فإنّه ينبغي التشكيك فيها، وأنّها روايات غير معتبرة والرواة لها غير ثقات ولا يصح الاعتماد عليهم.
ومن أبرز مشايخ قم في القرن الثالث، أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وفي القرن الرابع محمد بن حسن بن أحمد بن الوليد (المتوفي 343 ه).
إنّ مواجهة مشايخ قم للمفوضة في القرن الثالث وصلت إلى درجة أنّه في زمان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري تمّ اخراج أربعة أشخاص على الأقل من الرواة لاتهامهم بالغلو أو التفويض أو نقل الرواة عن المجاهيل أو الكذب في الرواية. وهؤلاء الأشخاص هم: سهل بن زياد، أبو سمينة محمد بن علي بن إبراهيم القرشي الصيرفي، الحسين بن عبدالله المحرر، أحمد بن حمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن، والمتحدّث الأخير تمّت إعادته إلى قم بعد رفع سوء التفاهم والاعتذار منه «رجال النجاشي»، إنّ الشواهد الثلاثة الواردة في صدر المقالة، كلها قابلة للانطباق على مشايخ قم إنّ مشايخ قم ينكرون نسبة صفات فوق بشرية إلى الأئمّة وبالتالي يعتقدون بالقراءة البشرية للإمامة، وكانوا يمثّلون طيلة قرنين من الزمان الواجهة الرسمية للطائفة الشيعية. وعلى أساس تحقيق الشيخ المامقاني أنّ ما كان يعتبره مشايخ قم من الغلو في حقّ الأئمّة يعتبر اليوم «ومنذ القرن الخامس تقريباً» من ضروريات مذهب الشيعة في صفات الأئمّة.
ومع الالتفات لما ذكره الوحيد البهبهاني فإنّ مشايخ قم كانوا يرون مقاماً ومنزلة خاصة للأئمّة حسب اجتهادهم وأنّ كل تجاوز لهذا الحدّ يعتبر عندهم من الغلو والارتفاع في المذهب، وفي نظرهم أنّ التفويض، خرق العادة، المعجزة، علم الغيب، والاغراق في صفات الأئمّة يؤدي إلى الغلو.
ويتبيّن من خلال مراجعة كتب علم الرجال من قبيل «رجال النجاشي» أو «رجال الكشي» واخراج الرواة الذين اتهموا من قبل مشايخ قم أو القميين بالضعف وانعدام الثقة، يشير ذلك إلى اختلاف المباني الكلامية والاعتقادية لهؤلاء المشايخ مع العقائد الرسمية للتشيع بعد القرن الخامس. وأحد شواخص التفويض والغلو لدى مشايخ قم هي انكار سهو النبي، حيث ينقل الشيخ الصدوق الذي تخرج من مدرسة قم، عن استاذه ابن الوليد:
«أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي(صلى الله عليه وآله)، ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن ترد جميع الأخبار وفي ردّها إبطال الدين والشريعة»( ).
ويقول الشيخ الصدوق في تحليله لعقيدته في هذا المجال:
«إنّ الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي(صلى الله عليه وآله) ويقولون: لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ لأنّ الصلاة عليه فريضة كما أنّ التبليغ عليه فريضة»( ).
فالشيخ الصدوق لا يقبل بهذه الملازمة ويقول: إنّ النبي يشترك في حالاته مع سائر الناس في هذه الأمور، ولكنّ النبي يختص بالنبوة وتبليغ الوحي، ولذلك فإنّ الحالات العادية التي تعرض على الناس لا تعرض عليه في دائرة النبوة، ثم إنّه يتحرك من موقع بيان الفارق بين سهو النبي وسهو الآخرين ويقولن بأنّ سهو النبي في الحقيقة هو «اسهاء» حيث يكون من قبل الله تعالى ليعلم أنّه بشر مخلوق لا ربّ معبود، وكذلك يتعلم الناس من سهوه حكم السهو، بينما سهو الآخرين يكون من قبل الشيطان (المصدر السابق، ج1، ص 358 و 360).
والعلامة الأخرى للمفوضة في نظر الشيخ الصدوق، إضافة الشهادة الثالثة في الاذان، ففي نظر الصدوق أنّ المفوضة هم الذين أضافوا إلى الاذان عبارة «أشهد أنّ علياً ولي الله» ويضيف الصدوق:
«ولا شك في أنّ عليّاً ولي الله وأنّه أميرالمؤمنين حقّاً وأنّ محمّداً وآله صلوات الله عليهم خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان، وإنّما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض، المدلسون أنفسهم في جملتنا»( ).
وبعد أن يتهم الشيخ الصدوق في رسالته «الاعتقادات» الغلاة والمفوضة بالكفر يشير إلى نقطة مهمّة ويقول: «إنّ علامة المفوّضة والغلاة هو أنّهم ينسبون لمشايخ وعلماء قم التقصير» (الاعتقادات الباب 37، ص 100).
والشيخ الصدوق من جملة الذين يعتقدون بالصفات فوق البشرية للأئمّة منها العصمة، العلم اللدنّي، النص الإلهي، المعجزة. (رسالة الاعتقادات، الباب 35، ص 95). بالرغم من أنّه يختلف في بعض الموارد عن التفكير السائد والرسمي للشيعة في القرن الخامس.
بعض هذه الاختلافات وردت في رسالة تلميذه الشيخ المفيد وفي «رسالة تصحيح الاعتقاد»، والغرض من نقل هذه الأمور، العثور على معيار القول في التفويض في القرن الرابع، وبالتالي التعرف على أفكار مشايخ قم الذين يمثّلون أهم المعارضين للمفوّضة. ومع الالتفات إلى ما نقله الشيخ الصدوق يمكن القول بوجود ثلاث عقائد مقبولة لدى مدرسة القميين في القرن الثالث والرابع:
أولاً: إنّ الشيعة يرون إمكان سهو النبي خارج دائرة التبليغ والنبوة، وبطريق أولى يكون هذا الأمر ممكن بالنسبة للأئمّة أيضاً، وهذا بحدّ ذاته يمثّل اتجاهاً يستمد مقوماته من الرؤية البشرية لمسألة الإمامة.
ثانياً: إنّ مسألة الشهادة الثالثة في الاذان والإقامة ليست فقط غير متداولة بين الشيعة في ذلك العصر بل إنّ القائل بها يعتبر من المفوّضة والغلاة.
ثالثاً: إنّ أفكار مشايخ قم تتقاطع بشكل مباشر مع أفكار المفوّضة، فكل من يتهم مشايخ قم بالتقصير في حق الأئمّة ولا يقبل خط الاعتدال المذهبي لمدرسة قم ويعتقد بصفات وحالات أكثر من المقرر في هذه المدرسة فهو من المفوّضة.
إنّ نزاع المفوّضة مع مشايخ قم ينتهي في الجانب المقابل بنزاع الشيعة مع المقصرة، ويحكي عن وجود نظريتين وقراءتين مختلفتين تماماً عن حالات وأوصاف الأئمّة، فالمفوّضة يعتقدون بوجود صفات فوق بشرية للأئمّة بينما ينكر مشايخ قم وجود مثل هذه الصفات والحالات. والشيخ المفيد من جهته لا يقبل المسار الإخباري لمشايخ قم على أساس مبانيه الكلامية ويتحرك من موقع توجيه النقد لآراء استاذه الشيخ الصدوق ويقرر في رسالة مستقلة أنّ القول بسهو النبي باطل ويبتني على قراءة النواصب وأفكارهم (رسالة عدم سهو النبي، ص 20).
وبالرغم من أنّه يجعل المفوّضة في خانة الغلاة ولكنّه يميّزهم عن سائر الغلاة في أنّ أنّ المفوّضة يرون أنّ الأئمّة مخلوقون وحادثون، ومن جهة أخرى يعتقدون أنّ الله تعالى خلق فيهم ملكات خاصة وفوّض إليهم أمر الخلق والرزق، ومن هنا فإنّ عالم الوجود وكل ما يرتبط به قد فوّض إليهم من قِبل الله تعالى (تصحيح الاعتقاد، ص 133).
وكذلك يرد الشيخ المفيد على رأي استاذه الشيخ الصدوق الذي يقرر بأنّ كل من يتهم مشايخ قم بالتقصير في حق الأئمّة فهو من المفوّضة، ففي نظر الشيخ المفيد أنّ بعض مشايخ وعلماء قم مقصّرون في حق الأئمّة واقعاً والمغالي هو الشخص الذي يتهم أهل الحق بالتقصير، سواء كانوا من أهالي قم أم من غيرها، وعلى رأي الشيخ المفيد أنّ كلام ابن الوليد الذي يقول: «إنّ أول درجة من الغلو نفي السهو عن النبي والإمام» هو من المصاديق البارزة للتقصير، ثم يصرّح الشيخ المفيد بقوله:
«وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قم يقصرون ظاهراً في الدين، ينزلون الأئمّة عليهم السلام عن مراتبهم، ويزعمون أنّهم كانوا لا يعرفون كثيراً من الأحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم، ورأينا من يقول إنّهم كانوا يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون، ويدّعون من ذلك أنّهم من العلماء. وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه»( ).
وعلى أساس ما نقله الشيخ المفيد آنفاً فإنّ مشايخ قم وعلى الأقل بعضهم هم من المقصّرة واقعاً، ويتحرك الشيخ المفيد في بيان الخصوصيات العقائدية للمقصّرة:
الأول: إنّهم ينكرون «العلم اللدنّي» للأئمّة ففي نظرهم أنّ الأئمّة مثل سائر علماء الدين بل كسائر الناس في أنّ علمهم «اكتسابي» ومعرفة الإمام بالمسائل الدينية مثل معرفة سائر علماء الدين، أي أنّهم يتحركون في هذه المعرفة من موقع الاجتهاد والاستنباط وردّالفروع إلى الأصول، إذن فلو كان علماء الدين يتحركون في تحصيل الأحكام الشرعية من طريق الرأي والظنون المعتبرة فالأئمّة أيضاً يسلكون هذا الطريق. وبعبارة أخرى أنّ الأئمّة «علماء أبرار» يجب الاقتداء بهم على أساس النص والوصية من النبي، وإلاّ فإنّهم في ذاتهم وطبيعتهم لا يختلفون عن سائر أفراد البشر.
الثاني: إنّ جماعة أخرى من مشايخ قم ينكرون من جهة أخرى العلم اللدنّي للأئمّة، فالأئمّة قبل إلقاء العلم في قلوبهم لا يعرفون الكثير من العلوم الشرعية، وهذا الإلقاء ربّما يحصل بطريقة الإلهام الإلهي أو بواسطة الملائكة أو بدون واسطتهم، أو من خلال الاكتساب البشري، ولكنّ قلوبهم «أذهانهم» قبل هذا الإلقاء فارغة من المعارف مورد البحث كسائر الناس.
الثالث: إنّ نسبة الغلو لمن ينكر سهو النبي والإمام يشير إلى رؤية بشرية لهذه المسألة. ولا شك أنّ مشايخ قم ينكرون الأوصاف فوق البشرية للأئمّة وفي ذات الوقت لا شك في التزامهم الشرعي والديني بتعاليم الأئمّة. وببيان آخر أنّ هؤلاء المشايخ يعتقدون بأنّ الأئمّة مفترضو الطاعة ويجب اتباعهم بمقتضى وصية النبي، ولكنّ هذه الوصية والتأكيد على اتباعهم لا ينطلق من وجود ملكات أو صفات في الأئمّة تختلف عن سائر الناس. والشيخ المفيد يرى في مسألة عصمة الأئمّة أنّها كعصمة النبي، ويرى أنّ سائر علماء الإمامية يرون هذه الرؤية إلاّ ما ندر من الأشخاص الذين تمسكوا بظاهر بعض الروايات وقالوا برأي مخالف في هذا الباب (أوائل المقالات، الباب 37، ص 64).
إنّ الشيخ المفيد، وخلافاً لمنهجه في المسائل الأولى لأوائل المقالات، لم يدعِ الإجماع في هذه المسألة، مضافاً إلى أنّه يتذكر حتماً آراء استاذه ابن الجنيد، وطبقاً لما ورد في كلام الشهيد الثاني أنّ أكثر الشيعة في القرن الثاني والنصف الأول من القرن الثالث كانوا لا يعتقدون بعصمة الأئمّة، ومن هنا فإنّ منكري العصمة لم يكونوا من الشيعة النادرين، وعلى أية حال فإنّ هؤلاء الأشخاص النادرين بنظر الشيخ المفيد لا يخرجون عن دائرة مشايخ قم.
وبالنسبة لمسألة علم القاضي وهل أنّ الأئمّة يحكمون بالظاهر أم بالباطن، فإنّ الشيخ المفيد يشير إلى ثلاثة أقوال مختلفة في هذه المسألة بدون الإشارة للقائلين بها (المصدر السابق، الباب 39). وبديهي أنّ مشايخ قم يرون أنّ أحكام الأئمّة في الحقيقة تمثّل أحكاماً ظاهرية، والشيخ المفيد وإن كان يعتقد بإمكانية اطلاع الأئمّة على باطن الأشخاص، ولكنّه يحصر علم الغيب المطلق بالله تعالى ويسند القول بعلم الغيب للأئمّة إلى المفوّضة (المصدر السابق، الباب 41، ص67). ولا شك أنّ مشايخ قم لا يعتقدون بعلم الغيب للأئمّة.
والنتيجة، وفقاً لما تقدّم من معالم التشيع التي ذكرها أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري في القرن الثالث والرابع أنّ الفكر السائد للشيعة في ذلك العصر هو انكار الصفات فوق البشرية للأئمّة وأنّ مشايخ قم كانوا يعتقدون بأنّ الأئمّة «علماء أبرار» وأنّ علومهم اكتسابية وبالتالي ينكرون العلم اللدنّي للأئمّة، ولا يعتقدون بأمور أخرى من قبيل علم الغيب والمعجزة للأئمّة، وكذلك يعتقدون بعدم وجود دليل على عصمة الأئمّة.

النتيجة:
في هذه المقالة تمّ التحقيق في الفكر الشيعي حول محور الإمامة في النصف الثاني من القرن الثالث إلى منتصف القرن الخامس، ففي هذين القرنين كان الفكر الحاكم في المجتمع الشيعي «من النصف الثاني من القرن الثالث إلى نهاية القرن الرابع» هو القراءة البشرية لمسألة الإمامة وأنّ الاعتقاد بصفات فوق بشرية للأئمّة من قبيل العلم اللدنّي والعصمة والنصب الإلهي (لا النصب من قِبل الإمام السابق أو النبي) لا تعتبر من الصفات والمقولات اللازمة للاعتقاد بالإمامة، بل إنّ من يقول بهذه المقولات يقع مورد انكار علماء الشيعة ويتهم بالغلو.
وفي ذلك العصر كان الشيعة يرون أنّ الأئمّة وإن ورد النص والوصية من النبي في حقهم، ويجب اطاعتهم والعمل بتعاليمهم، ولكنّ الأئمّة كانوا مجرّد علماء أبرار بدون امتلاك صفات فوق بشرية، وفي هذين القرنين كان علماء الشيعة يرون في الروايات التي تقرر صفات فوق بشرية للأئمّة أنّها من دسائس المفوّضة الذين استلموا بالتدريج مقام الوجاهة وأصبح فكرهم في القرون اللاحقة هو الحاكم على الذهنية الشيعية مع إجراء بعض التعديلات الكلامية.
ويعدّ ابن الغضائري وابن الجنيد ومشايخ قم ومنهم أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري وكذلك ابن قبة «تقريباً» من رموز القائلين بنظرية «العلماء الأبرار» وأمّا القائلين بالنظرية الأخرى «الأئمّة المعصومون» فيتهمون أصحاب النظرية الأولى بأنّ بآراءهم شاذة ونادرة وأنّ مشايخ مدرسة قم يفتقدون للدراية اللازمة.
ولا شك أنّ نظرية «العلماء الأبرار» أضحت في الالفية الأخيرة رأياً شاذاً ونارداً، ولكنّ هذه النظرية كانت في القرون الأربعة الأولى هي النظرية الرسمية للشيعة، إنّ تقييم مشايخ قم في الدراية يعتمد على مسبوقات فكرية لأتباع النظرية الثانية، وعلى أية حال فإنّ نظرية الأئمّة المعصومين طرحت على أساس أنّها تمثّل هوية الشيعة من قِبل مدرسة بغداد، وسيأتي تفاصيل البحث في نظرية العلماء الأبرار وأهم القائلين بها من أصحاب الأئمّة ورواة الحديث في عصر الأئمّة وتحليل آراءهم الكلامية في مسألة الإمامة والاجابة عن السؤال الثالث من معالم الإمامة في «القراءة المنسية» في القسم الثاني من هذه المقالة إن شاء الله.


الكاتب الايراني المعروف امير طاهري الخميني هندي

خميني جديد: الحفيد مثل الجد أمير طاهري

هناك ساكن جديد للقصر الفخم ببغداد الذي كان ذات يوم منزلا لعزت إبراهيم أحد اتباع صدام حسين المقربين. انه حسين موسوي الخميني أحد الملالي متوسطي المكانة، 45عاماً. وقد قدم حسين إلى بغداد قبل أسبوعين فقط. ومنذ ذلك الحين صار الصحافيون الغربيون يصطفون صفوفاً لكي يحصلوا على مقابلة مع القادم الجديد الذي قال انه قدم إلى بغداد ليستجدي الولايات المتحدة كي «تحرر» إيران بالقوة إن لزم الأمر.

بالطبع، هناك في إيران أعداد كبيرة من الملالي، ووفقاً لآخر إحصاء نشر عام 1988 فإن هناك نحو 300 ألف من الملالي في الجمهورية الإسلامية، مما يجعل إيران أكثر مجتمع يعج برجال الدين في التاريخ المعاصر بعد التبت في ظل الدالاي لاما. والملالي الإيرانيون يوجدون بوفرة، بكل شكل وحجم، ويعبرون عن العديد من الآراء المختلفة التي توجد في المجتمع العريض.

إذن لماذا جذب رجل الدين المحدد هذا الانتباه؟

الإجابة هي أن حسين الخميني هو حفيد الراحل آية الله روح الله موسوي خميني الذي بصعوده على موجة الثورة عام 1978 79 برز بوصفه رجل الدين الأول الذي يحكم إيران.

لقد اظهر آية الله الخميني استيلائه على السلطة كحدث يمثل «إحياء الإسلام»، وذلك من بين دعاوى أخرى عديدة، لكن حفيده قال إن إيران اليوم هي بمثابة سجن كبير وأن ثورة جده لم تجلب سوى «المآسي» للشعب الإيراني. 

في مقابلة مع صحيفة (الغارديان) اللندنية دعا حسين خميني الولايات المتحدة لإرسال قواتها لتحرير إيران. وفي مقابلة أخرى قال لصحيفة (جيروسليم بوست) إن الولايات المتحدة كانت «جالبة للحرية في العالم المعاصر» وبوصفها هذا فإن عليها واجباً أخلاقياً ب«حماية الشعب الإيراني الذي يتعرض للمعاناة» بنفس القدر الذي أنقذت به شعوب أفغانستان والعراق.

وقد استقبلت ملاحظات حسين خميني بخليط من الصدمة والفزع في الغرب. لكن، نظر إليها في إيران وفقاً لفلسفة آية الله الخميني.

في الثمانينات قضيت أربع سنوات أعمل على السيرة الذاتية للخميني.

هناك ملمحان أساسيان في شخصية خميني جذبا انتباهي.

الأول: هو رفضه لمفهوم الوطنية. زعمت أسرته أن له دماً عربياً ممتداً.

موسى بن جعفر، الإمام السابع عند الشيعة الاثناعشرية.

جزء من العائلة امضى عشرات السنين في كشمير ومن ثم فإن الاسم العائلي الأصلي للخميني هو «هندي» (غير روح الله الخميني اسمه العائلي عام 1930، لكن شقيقه الأصغر احتفظ به).

عندما وطأت قدما آية الله الخميني مطار مهرباد في طهران، بعد 16 عاما في المنفى في تركيا والعراق وفرنسا، في فبراير 1979 سأله مراسل صحافي فرنسي كان قد صحبه على متن طائرة الخطوط الفرنسية ماذا شعر عند عودته للوطن؟ أجاب روح الله قائلاً «لا شيء».

بالنسبة للخميني فإن إيران ليست سوى قطعة أرض. أما ما يهمه فهو ما إذا كان سيستطيع أن يحكمها أم لا.

منذ أن ذهب روح الله الخميني إلى المنفى عام 1964 ظل يسعى لكسب الدعم الأجنبي لحملته ضد الشاه.

في عام 1965 كتب إلى الدكتاتور المصري جمال عبد الناصر يطلب منه تزويده بالمال والسلاح ل«تحرير إيران». وفيما بعد بعث بابنه الأكبر مصطفى، والد حسين إلى لبنان لإقامة صلة مع الفلسطينيين هناك. وقد أنشأ مصطفى علاقة مع ياسر عرفات زعيم منظمة التحرير الفلسطينية الذي درب وسلح العشرات من رجال حرب العصابات المعادية للشاه.

في عام 1977 أرسل الخميني ابنه الثاني أحمد إلى ليبيا سعيا وراء المال والدعم من الكولونيل معمر القذافي.

وفي نفس العام أقام صلة مع الاستخبارات الفرنسية من خلال عميل تنكر في شخصية صحافي. 

وحينما انتقل روح الله الخميني إلى باريس التقى سراً باثنين من المبعوثين الاميركيين. وفي آخر أطوار الثو

ة لعب روح الله الخميني الورقة الاميركية ببراعة. وقد ضمت الحكومة الأولى التي ترأس مجلس وزرائها مهدي بازرجان خمسة من حاملي الجنسية الاميركية، أما الرجلان اللذان كلفهما بإنشاء الحرس الجمهوري الإسلامي، إبراهيم يازدي ومصطفى تشامران، فكلاهما حاصل على الجنسية الاميركية. في ذلك الوقت (تخلى يازدي عن جنسيته الاميركية).

لم يكن روح الله الخميني يمانع في تدخل أي قوة أو منظمة في إيران ما دامت تناسب طموحاته ولم يتبن روح الله الخميني اللهجة المعادية للاميركيين حتى نهاية عام 1970 عندما وعي أنه سيكتسح من جانب اليسار الراديكالي. 

أما الملمح الثاني من شخصية روح الله الخميني فهو إيمانه بأن الغايات تبرر الوسائل.

ففي عام 1970 أقام تحالفاً مع تيمور بختيار وهو جنرال سابق هارب كان في وقت من الأوقات رئيساً لجهاز السافاك، الشرطة السرية للشاه، ودكتور رادمانيش وهو عميل لجهاز (كي جي بي) كان يقود حزب تودا الشيوعي في المنفى. وقد أظهر «الحلف الثلاثي» الذي تم التفاوض حوله في النجف أن روح الله الخميني كان مستعداً للتحالف مع الشيطان من أجل الوصول إلى أهدافه.

وفيما بعد وسع تحالفه لضم منظمة مجاهدين خلق الإرهابية ومنظمات فدائيي الشعب الماركسية- اللينينية. ومنذ عام 1977 وما تلاه أمر بحرق دور السينما والمكتبات ومدارس الطالبات والمقاهي والمطاعم وغيرها من «أماكن الفحشاء» في إيران لتصعيد الإرهاب.

في إحدى الحوادث في سينما ريكس في آبادان احترق 400 شخص أحياء بعد أن أشعل الخمينيون النار وأغلقوا المنافذ.

وبعد ان تسلم السلطة أمر بالإعدامات الجماعية التي كثيرا ما كانت تتم بعد محاكمات صورية. ومزق روح الله الخميني الشعار الوطني الإيراني مع انه كان يحمل رمز علي بن أبي طالب أول أئمة الشيعة واستبدله بشعار يشبه الحرف أوميقا اليوناني الذي هو من علامات الجمعيات السرية الفيثاغورثية. إن الغاية دائماً تبرر الوسائل، والغاية بالنسبة للخميني كانت هي تأسيس حكمه الطغياني والمحافظة عليه.

ولتمكين قاعدته في إيران استورد روح الله الخميني آلاف المتشددين العرب من لبنان وإيران ومنحهم هويات تجنس إيرانية، وكان هؤلاء الإيرانيون الجدد مستعدين للكذب والخداع والقتل لحماية نظام أعطاهم حياة جديدة ومنافع جديدة.

والآن فلنعد إلى الخميني الأصغر.

إن حسين يتصرف مثل جده. وهو لا يهتم بما إذا كان سيعيش في إيران أو العراق الذي قضى فيه 14 عاماً من طفولته وشبابه المبكر. لقد عاش في إيران في فيلا كانت تتبع لأحد وزراء الشاه السابقين، غلام ريزا كيامبور. وفي بغداد يعيش في قصر كان منزلا لأحد كبار مساعدي صدام. لقد كان روح الله الخميني أيضاً يعيش في أنواع مختلفة من المساكن المصادرة وهو مثال حذا حذوه كل أفراد عشيرته الممتدة.

إن حسين، مثل جده، يدعو القوى الأجنبية خصوصا الولايات المتحدة ل«تحرير إيران»، ومن ثم وضعه في السلطة.

لكن الإيرانيين تعلموا من المأساة على امتداد 25 عاما، إنهم يدركون ان الحلول لمشاكل إيران يجب أن تأتي من داخل إيران. وهم يعلمون إن الغاية لا تبرر الوسيلة لكنها تتحدد بها.

وبعيداً عن حسين الخميني وسكان العواصم الكبرى (الكوزموبوليتيين) أمثاله فليس ثمة إيراني يود أن يرى بلاده يغزوها الاميركيون أو أي جيش آخر حتى لو كان ذلك يعنى التخلص من نظام الطغيان الفاشل. وأهم من ذلك ليس هناك إيراني يرغب في خميني آخر، فكارثة واحدة مثل هذه تكفي لآلاف السنين.


الخوئي أصله أرمني مسيحي، وإحدى قريباته كانت تعمل راقصة، وشقيقه مات على دين النصارى

يا أهل السنة أنظروا ما وجدت.. مقالة من أحد الأشخاص إسمه (فائق الياسري) في منتدى كتابات، يؤكد صحة ما أورده العلامة المغفور له بإذن الله تعالى حسين الموسوي عن أن الخوئي لا يمت لأهل البيت من قريب أو بعيد، ويؤكد الياسري أن شقيق الخوئي مات على دين النصارى، كما يؤكد أن أهل النجف الأشرف رأوا الخوئي عندما أتى من تركيا وهو يلبس عمامة بيضاء، وبعد أن أدرك سر (السوداء) التي تجلب الخز والحرير، والذهب الأصفر، والغلمان والمردان، وهاهو مجيد الخوئي الذي يسكن في لندن يسومهم من عليائه ويبصق على أكبر (شنب) و(لحية) من مراجع الرفض المعفنين:

----------------

مجيد الخوئي يعود إلى أصله

فائق الياسري

يروي أهل النجف الأشرف وتثبت الصور الفوتوغرافية المنشورة مدعاهم، أن الخوئي عندما دخل النجف شابا يافعا لغرض الدراسة في مجامعها العلمية، ارتدى العمة البيضاء بادئ ذي بدء، ثم استبدلها فيما بعد بالعمة السوداء حينما أحرز أن لهذه العمة شأن في أوساط المسلمين وخاصة أتباع مذهب أهل البيت الذي اندس فيه سماحته، على أثر الفرار من الاضطهاد التركي للأرمن، فيما بقى أخوه جودت الذي قطن لبنان على ديانة آبائه النصرانيين حتى أن وافته المنية في مشفى الكرامة بدمشق تاركا خلفه بنين وبنات وحفدة على دين النصرانية ودفن في مقبرة السيدة زينب حيث أثار ذلك امتعاض الكثير من موالي أهل البيت النبوي القاطنين في تلك المنطقة وكان تبرير الحفيد سعيد الخوئي أن عم والده قد أسلم أثناء مرضه وقبيل وفاته بقليل وهو ما دفعه لسداد أجور المشفى مما يرد إليهم من بيت المال، وكذلك سداد أجور الخادم الذي يشرف على رعاية جودت هذا، وقدرها ثلاثة آلاف ليرة سورية شهريا. وقد نفى الخادم إسلام الرجل وقال أنه قد مات على دينه السابق. وقد روي أن إحدى بنات جودت الخوئي تعمل راقصة في أحد الملاهي الليلية ببيروت وقيل أنها هو يدا الهاشم وقد أيد عباس الخوئي ذلك في رسالة له إلى السيد الخامنئي أملاها علي عندما كنت في تركيا وسلمها بدوره إلى المستشار الثقافي الإيراني بأنقرة ولا زلت أحتفظ بنسخة منها كما أنه قد زار نصر الله صفير زعيم الطائفة المارونية بلبنان وذكره أن أصله القريب أرمني وعمه ظل وفيا لديانته.

ومما قاله عباس في مذكرته للخامنئي أن زوج شقيقة عباس المعين قاضيا في إيران قد غرر بابنه عندما كان عمره سبع سنوات بقوله له أنه يجوز العقد بين الذكرين بثواب الإمام الحسين وفعل فعلته مع الولد على اعتبار أن ذلك مشروع وثواب حيث صدقه الطفل وقال إن هذا هو السبب في هروب زوج شقيقته إلى إيران. كما ذكر أن والده كان قد عقد لنفسه على بنت قروية شابة قد وهبها أبوها له عقدا منقطعا وقال أيضا أن والده كانت تعمل له وجبة غذائية خاصة تعيد له حيوية الشباب وكل هذا الصرف من بيت مال المسلمين الذين إإتمن عليه. والشئ بالشئ يذكر فقد زرت الخوئي الأب بصحبة أحد وكلائه وكان جالسا عنده الشيخ محمد حسن آل ياسين وكان الرجل كثير التدخين وكان الموسم في شهر ذي القعدة الحرام وكان أكثر الحاضرين في المجلس من القرويين الذي أتو لدفع الحقوق الشرعية قبل السفر للحج وكان الكثير منهم من المدخنين وقد اصطفوا جلوسا أمام حضرته ولكثرتهم فقد قسمهم بينه وبين آل ياسين وبين صاحبي ولما تعب سحب من تحت إبطه علبة دخان ( روثمان ) وأخرج منها سيجارة واحدة وأعاد العلبة لمكانها دون أن يكلف نفسه تقديم أي سيجارة سواء للجباة الذين كلفهم أو للحفاة الذين جثوا بين يده بغية تقديم الحقوق وإبراء ذمتهم وتعليقها بذمة الخوئي الذي رفض مساعدة عوائل شهداء الدعوة في حين خلفها لمجيد وعباس وسعيد وكأنها إرث شخصي وردهم من أرمينيا.

كما أن المرحوم جمال الخوئي حدثني عام 1980 عندما بعثني الأخ أبو إسراء المالكي إليه أن عائلته كانت لا ترعى لله حرمة في صرفهم من بيت المال وقال بالحرف أنه أحد أيام شهر رمضان المبارك كانت المائدة الممتدة على سفرة طويلة أكبر من مائدة السلطان وقد أبديت اعتراضي على أولادي كما قال إلا أنه ليس هناك من سامع فقد تعودوا على صرف مالا يملكون.

أما عباس فقد زارني في منفاي بتركيا عام 1999وضل عندي قرابة الشهر والنصف حيث اطلع على أحوال عدد من العوائل العراقية حيث وعدهم بتقديم المساعدة لهم حيث اتصل تلفونيا بأحد مقلدي والده من الباكستانيين المقيمين في أبي ظبي وشرح له حالة شيعة عي في تركيا وخاصة العراقيين مما دفع الرجل لمبادرته فورا أن أرسل غلي برقم حساب وسوف أحول لك مبلغا من المال وفعلا ذهبنا سويا على البنك وفتح عباس حسابا وأرسله بالفاكس إلى الرجل الباكستاني وبعد شهرين وصل مبلغ 38000 دولار أمريكي دخلت جيب عباس ولم يخرج من أصل المبلغ شئ ولكنه أعطى من أرباح المال التي استحصلها من البنك 25 دولارا لصديق يعيش الآن في فنلندا و50 دولارا أعطاها لصديق آخر لازال يعيش في تركيا وزاد من الأرباح بعض الشئ. هذا عدا عن أشياء أخرى لا يسع المقام لذكرها.

أما الخوئي الأب فقد رأيته فيما يرى النائم بعيد وفاته بأيام، كأني أسير في شارع جهار مردان بمدينة قم أمام مدخل الحيدرية النجفية، وكان الناس زحاما في ذلك المكان على غير عادتهم، فقلت ما الأمر، قيل أن الأمام الصادق عليه السلام سوف يقوم بجلد أحد الفقهاء، فقلت مستغربا، كيف يكون هناك فقيها مع وجود الأمام الصادق، ما حاجتنا للفقهاء إذا كان الأمام موجودا بيننا، وبينا أنا كذلك فإذا بالخوئي يلبس لباسا أبيضا حاسر الرأس وقد اقتيد من قبل شخصين باتجاه أحد الدكاكين التي كان النجفيون يعملون فيها تكية القاسم عليه السلام في محرم الحرام من كل عام. كان هذا الدكان كما رأيته في الرؤيا قد فرش بالبسط والسجاد وقد توسطه رجل أشبه ما يكون بالسيد محمد باقر الصدر رحمه الله قد نهض باتجاه الخوئي في حين تعالت صيحات الناس مرددين أن الإمام الصادق قد نهض لإقامة الحد على هذا الفقيه. والله أعلم بحاله

من هذا يتبين أن ليس من المستغرب أن ينهب الخوئي الابن وأخوته بيت مال المسلمين الذي اكتنزه والدهم في عدد من البنوك خارج العراق وصرفه من بعده أولاده على ملذاتهم وأهوائهم وليس من المستبعد أن يلهث مجيد خلف نزواته فتلك هي شيم هذه العائلة التي لم تعرف التقوى إلى قلب احدهم سبيلا إلا اللهم السيد موسى الخوئي فلا نعلم عنه إلا خيرا.

منقول من:-

/http://www.kitabat.com

وهذه فضائح أخرى موثقة لنجل (الأرمني الخوئي) المدعو عبد المجيبد:

فضائح مجيد الخوئي

بيان لجنة الحقيقة العراقية

فضائح مجيد الخوئي وتجاوزاته الاخلاقية والمالية كثيرة يصعب حصرها ورصدها، فقد استولى على أموال المرجعية وجعلها أموالاً خاصة له بدون أي مبرر شرعي، وأصر على أن أموال مؤسسة الخوئي هي أمواله الشخصية، وخابت كل الجهود التي بذلتها المرجعية وكبار العلماء بالفشل، واستولى الشاب مجيد الخوئي على مليارات الدولارات وادخلها في حساباته الشخصية في البنوك العالمية.

والمعروف عن مجيد الخوئي أنه شاب نزق متغطرس لا يأبه بأي شخصية ولا يحترم أي جهة أو عرف أو قيم، فهو مستهتر بكل القيم والمثل، ويسخر من الجميع ولا سيما من المجاهدين وأبطال الانتفاضة الشعبانية المباركة وأنصار الشهيد الصدر الثاني ويسميهم بالمعدان، ويطلق عليهم تسميات سوقية نجل عن ذكرها. مع أن أبطال الانتفاضة وانصار الشهيد الصدر الثاني هم كرامة العراق وشرف الشعب العراقي وضميره الحي، وإذا أراد العراقيون أن يفخروا بموقف شجاع وبطولي في عهد الظلم البعثي، فليس هناك أكبر من إنتفاضتهم وصمودهم ونصرهم للدين.

هؤلاء الأبطال الشجعان أبناء الاسلام وابناء الصدر يسميهم مجيد الخوئي بالمعدان والعربنجية والمجاريه. وهو يعلم أن قصوره وتلال الذهب التي يجلس عليها هي من عرق هؤلاء وتعبهم، وأنها هي أموالهم التي سرقها منهم.

وبياننا هذا خاص بفضيحة مالية واخلاقية مع إنسانة مسكينة استطاع ان يخدعها ويحقق مآربه منها، هذه المرأة هي الفنانة العراقية المعروفة جوزفين إيشو. وهي إمرأة آشورية من محافظة الناصرية، هاجرت من العراق وأقامت في بريطانيا، ثم أسلمت على يد على أحد العراقيين وتزوجت منه، وتشيعت وأصبحت شيعية مخلصة همهما خدمة الشيعة وقضية الشيعة. ولأسباب خاصة وخلافات عائلية انفصلت عن زوجها بالطلاق.

وهنا تدخل مجيد الخوئي مستغلا حاجتها المالية لإنتاج فيلم عن النجف الأشرف، ووعدها بتغطية نفقات الفيلم، لكن غرضه كان إقامة علاقة خاصة بها، وخدعها بالزواج المؤقت، واستمر معها حوالي اربع سنوات، وكلما تطالبه بحقوقها في الفيلم، يتهرب، وانكشف لها وجه مجيد الخوئي وتصرفاته الصبيانية وألاعيبه وانحرافاته، وكانت صدمة كبيرة أن ترى كل ذلك من رجل دين يرتدي زي علماء الدين ويدير مؤسسة دينية ضخمة، فتركت الشيعة والاسلام وعادت الى ديانتها المسيحية.

من المسؤول عن تركها الاسلام ومذهب أهل البيت عليهم السلام؟ مجيد الخوئي لا غيره. ومع ذلك يدعي بأنه مهتم بالتشيع وبالتبليغ ويجمع الاموال بهذا الإدعاء ليزيد من ملياراته التي يصرف منها بلا حساب على ملذاته وعلاقاته المشبوهة ويقدم الهدايا للملوك والرؤساء والشخصيات العالمية.

وبالرغم من توسلات الفنانة جوزفين وتوسطها عند بعض الشخصيات العراقية، لكن مجيد الخوئي لم يهتم بالأمر وبدأ يعاملها بغطرسته وتكبره وسطوته، وكأنها غير موجودة بالحياة، فتأزم وضعها النفسي، خاصة وأنها من النوع المسالم ولا تعرف كيف تتعامل مع القضايا المعقدة، ولا تريد أن تخوض في صراعات ونزاعات ومشاكل، وكل من يعرفها يعرف أنها مسكينة طيبة القلب تبتعد عن أي مشكلة ولا تريد أن تقع في اي مشكلة، لكن حظها أوقعها مع هذا المتغطرس الذي استغل طيبتها وبساطتها.

وظلت المسكينة تشكو همهما وتريد من يأخذ بحقها لكنها لم تجد أحدا يقف الى جانبها، لأن مشكلتها مع السلطان المتهور مجيد الخوئي الذي يحتقر الناس ويعاملهم كأنهم حشرات.

وهي الآن تعيش ظرفاً نفسياً سيئاً وماساويا، فهي تخاف من انتقام مجيد الخوئي، وتريد ان تسلم من مكائده والاعيبه. ولا تدري كيف تتصرف وماذا تفعل.

يا أبناء الانتفاضة وأنصار الصدر هل تقبلون أن يكون مثل هذا الشخص متصدياً لقضيتكم؟ هل تقبلون ان يتاجر بدمائكم وجهادكم وتضحياتكم؟ هل تسكتون على هذا المتغطرس الذي يريد أن يشتري بكم ويبيع؟

هل تسكتون على أموالكم التي نهبها ظلما وعدوانا؟

وهذه المرأة أحدى ضحاياه. قولوا قولكم أيها الشرفاء الأبطال. فأنتم صرختم بوجه طاغية العراق ولم تأخذكم في الله لومة لائم، فهل تسكتون على هذا الشاب المتهور؟.