Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

الخطبة الشِّقْشِقِيَّةُ

الخطبة الشِّقْشِقِيَّةُ

      من خطب كتاب نهج البلاغة المنسوب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. وسميت بالشقشقية من قول علي رضي الله عنه لما سأله ابن عباس رضي الله عنهما أن يتمّ كلامه من حيث قطع فقال رضي الله عنه: هيهات يا ابن عباس تلك شقشقة هَدَرت ثمّ قرّت.

والشِّقْشِقِيَّةُ بالكسر شيء يخرجه البعير من فيه إذا هاج. وتسمي الخطبة أيضاً بـ "المقَمصّة" باعتبار الجملة الأولى فيها وهي: والله لقد تقمصها فلان. والتقمص إشارة الى لبس القميص وقد شبّه علي رضي الله عنه حسب زعم واضع هذه الخطبة الخلافة بالقميص الذي لبسه أبو بكر رضي الله عنه.

وتكاد تكون هذه الخطبة من أعظم أسباب تعظيم الشيعة لنهج البلاغة والدفاع عنه في إزاء طعن السنة فيه بسببها.
 والخطبة بتمامها: أما والله لقد تقمصها فلان وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى. ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير. فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا. وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير. ويشيب فيها الصغير. ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى. وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده. ثم تمثل بقول الأعشى "شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر". فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها. ويكثر العثار فيها. والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم. وإن أسلس لها تقحم فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض. فصبرت على طول المدة وشدة المحنة. حتى إذا مضى لسبيله. جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا. فصغى رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه. وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله. وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ينثالون علي من كل جانب. حتى لقد وطئ الحسنان. وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول. ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) بلى والله لقد سمعوها ووعوها. ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. أما والذي فلق الحبة. وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر. وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها. ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ( قالوا ) وقام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتابا فأقبل ينظر فيه. قال له ابن عباس رضي الله عنهما. يا أمير المؤمنين لو أطردت خطبتك من حيث أفضيت. فقال هيهات يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرت. قال ابن عباس فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أراد ( قوله كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم ) يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها وإن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها. يقال أشنق الناقة إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه وشنقها أيضا، ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق. وإنما قال أشنق لها ولم يقل أشنقها لأنه جعله في مقابلة قوله أسلس لها فكأنه عليه السلام قال إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها.

ويظهر من بعض فقرات الخطبة أنها قيلت سنة 38هـ أو بعدها، لورود ذكر ما يتعلق بالناكثين والقاسطين والمارقين وهي المسميات التي تطلق على أصحاب الجمل وصفين والخوارج لحديث أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي رضي الله عنه بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وهو الحديث الذي لا يصح سنداً.

وقتال آخر هذه الفرق وهم الخوارج المارقين كان حوالى سنة 38 هـ. وهذا الأمر يثير التساؤل عن جدوى شكوى علي رضي الله عنه من تولي الصديق ومن جاء بعده رضي الله عنهم الخلافة، بعد مرور أكثر من ربع قرن.

والمتأمل في هذه الخطبة يجد المطاعن الواضحة في الخلفاء الذين سبقوه وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك نفى وجود نص على إمامته، ودخوله في الشورى، وقوله في الخلافة: "أزهد عندي من عفطة عنز". وهو قول لا يستقيم مع القول بالنص الإلهي على الإمامة، وهي أمور تتعارض مع عقيدة الشيعة.

وتتعارض الخطبة مع عشرات النصوص المروية عن علي رضي الله عنه الذي يؤكد فيها شرعية خلافة من سبقوه، فضلاً عن مدحهم وقد ذكرنا الكثير منها في كتابنا "الإمامة والنص" والكتاب الآخر "هداية المُرتاب".
ولكن لا بأس من نقل بعضها وعلى وجهة الخصوص تلك التي وردت في نهج البلاغة وهو الكتاب نفسة الذي وردت فيه الخطبة الشقشقية لبيان تناقضات الكتاب، الأمر الذي يترك علامات استفهام كثيرة حول صحة نسبة هذه الخطب لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه.

من ذلك قوله لعمر رضي الله عنه لما شاوره في الخروج إلى غزو الروم: إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً محرباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن ظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى، كنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمين[1].

وعندما استشاره لقتال الفرس بنفسه قال له: إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده حتى بلغ ما بلغ وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ولا يضمه، فإن انقطع النظام تفرق الخرز وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً. والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام، عزيزون بالاجتماع، فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب، واصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك، إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا قطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك، وطمعهم فيك[2].

وعندما توفي عمر رضي الله عنه قال فيه علي رضي الله عنه: لله بلاء فلان، فلقد قوم الأود، وداوى العمد، وأقام السنة، وخلف الفتنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة، لا يهتدي بها الضال، ولا يستقين المهتدي[3].

وقال فيه: ووليهم وال فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه[4].

وقال في عثمان رضي الله عنه: ووالله ما أدري ما أقول لك؟ ما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه. إنك لتعلم ما نعلم. ما سبقناك إلى شئ فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلغكه. وقد رأيت كما رأينا، وسمعت كما سمعنا، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وآله كما صحبنا. وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب أولى بعمل الحق منك، وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وشيجة رحم منهما. وقد نلت من صهره ما لم ينالا[5].

وقال رضي الله عنه: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى أحدا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا وقد باتوا سجدا وقياما يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم. كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم. إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم. ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء الثواب[6].

وقال رضي الله عنه: أين القوم الذين دعوا إلى الاسلام فقبلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه. وهيجوا إلى القتال فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها. وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا وصفا صفا. بعض هلك وبعض نجا. لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن الموتى. مره العيون من البكاء. خمص البطون من الصيام. ذبل الشفاه من الدعاء. صفر الألوان من السهر. على وجوههم غبرة الخاشعين. أولئك إخواني الذاهبون. فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم[7].

فهذه بعض نصوص الممادح التي وردت في كتاب النهج نفسه الذي جاء فيه الخطبة الشقشيقة وهي كما ترى متناقضة، الأمر الذي جعل علماء الشيعة يتساءلون في حيرة كما قال ميثم البحراني في شرحه لنهج البلاغة: واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالًا، فقالوا: إن هذه الممادح التي ذكرها في حق أحد الرجلين تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه، وإما أن يكون إجماعنا خطأ[8].

أما ما جاء في نهج البلاغة من نصوص في شأن الخلافة والتي تنسف الخطبة الشقشقية من أساسها، قوله رضي الله عنه لمعاوية رضي الله عنهما: إن بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت بالشام؛ لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار؛ فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامًا كان ذلك لله رضًا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرًا[9].

وقوله رضي الله عنه لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه: دعوني والتمسوا غيري؛ فإنا مستقبلون أمرًا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرًا خير لكم مني أميرًا[10].

فهو هنا يرى أن اختياره أو اختيار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين خير من اختيار الله عزوجل كما يزعم الشيعة، وهو القائل: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص: 68].

وقوله رضي الله عنه: والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها[11].

وقوله رضي الله عنه: وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى انقطعت النعل وسقطت الرداء ووطئ الضعيف وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير وهدج إليها الكبير وتحامل نحوها العليل، وحسرت إليها الكعاب[12].

وقوله رضي الله عنه: أيها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه. فإن شغب شاغب استعتب فإن أبى قوتل. ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس فما إلى ذلك سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار[13].

هذا بعض ما يتعلق بالمتن، أما السند، وباعتبار أن كتاب نهج البلاغة غير مسند، فلعل أقدم من ذكر هذه الخطبة بالسند ووصل كتابه إلينا هو شيخ الشيعة ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق (ت: 381 هـ)، والمعاصر للشريف الرضي (ت: 406 هـ) جامع نهج البلاغة.
والصدوق أورد الخطبة بسندين، وهما:

  1. حدثنا محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان ابن تغلب عن عكرمة، عن ابن عباس. . فذكر الخطبة[14].

  2. حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني - رضي الله عنه - قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عمار بن خالد، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا عيسى بن راشد، عن علي بن خزيمة، عن عكرمة، عن ابن عباس[15].

والسندان لا يخلوان من كلام،، سواء ما ابتدءا بهما كمحمد بن علي ماجيلويه المجهول[16]، أو كالطالقاني الذي قال فيه الخوئي: أما وثاقته فهي لم تثبت، وليس في ترضي الصدوق عليه دلالة على الحسن، فضلا عن الوثاقة. [17] أو إنتهائما إلى عكرمة أو ابن عباس رضي الله عنهما، وحالهما معروف في كتب الشيعة وهذه بعضها:
 الحلي: عكرمة، مولى ابن عباس، ليس على طريقنا ولا من أصحابنا[18].
حسن بن زين الدين العاملي: عكرمة، مولى ابن عباس. ورد حديث يشهد بأنه على غير الطريق، وحاله في ذلك ظاهر لا يحتاج إلى اعتبار رواية[19].
علي البروجردي: حاله أظهر من أن تسطر، وقد اتفقت كلمة الرجاليين على ضعف الرجل. [20]
علي الميلاني: عكرمة مولى ابن عبّاس كان يرى رأي الخوارج وكان داعية إليه، وقد أخذ كثيرون من أهل أفريقية رأي الصفرية من عكرمة.
قال الذهبي: قد تكلّم الناس في عكرمة لأنه كان يرى رأي الخوارج. وكان يطعن في الدين ويستهزئ بالأحكام، فقد نقلوا عنه قوله: إنمّا أنزل الله متشابه القرآن ليضل به. وقال في وقت الموسم: وددت أني اليوم بالموسم وبيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالا. ووقف على باب مسجد النبي وقال: ما فيه إلاّ كافر. وكان كذاباً، حتى أوثقه عليّ بن عبد الله بن عباس على باب كنيف الدار، فقيل له: تفعلون هذا بمولاكم؟ ! فقال: إن هذا يكذب على أبي. وأشتهر قول عبد الله ابن عمر لمولاه نافع: اتق الله، لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس. وعن ابن سيرين ويحيى بن معين ومالك وجماعة غيرهم: كذاب. وعكوفه على أبواب الأمراء للدنيا مشهور، حتى قيل له: تركت الحرمين وجئت إلى خراسان؟ ! فقال: أسعى على بناتي. وقال لآخر: قدمت آخذ من دنانير ولاتكم ودراهمهم. ولأجل هذه الأمور وغيرها ترك الناس جنازته، فما حمله أحد، وأكتروا له أربعة رجال من السودان[21].
جعفر السبحاني: الرجل كذاب على مولاه وعلى المسلمين، فواجب على عشاق الكتاب العزيز وطلاب التفسير، تهذيب الكتب عن أقوال وآراء ذلك الدجال ومن يحذو حذوه[22].
وعلى هذا سار بقية الرجاليين الشيعة في عكرمة.

أما عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فذكروا أن علياً رضي الله عنه استعمل على البصرة عبد الله بن عباس، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وترك علياً عليه السلام، فكان مبلغه ألفي ألف درهم، فصعد على المنبر حين بلغه فبكى فقال: هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه، اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول[23].

وعن علي رضي الله عنه في كتاب له لعبد الله بن العباس: أما بعد فإني كنت أشركتك في أمانتي وجعلتك شعاري وبطانتي ولم يكن في أهلي رجل أوثق منك في نفسي لمواساتي وموازرتي وأداء الأمانة إلي فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب والعدو قد حرب وأمانة الناس قد خزيت وهذه الأمة قد فتكت وشغرت قلبت لابن عمك ظهر المجن ففارقته مع المفارقين وخذلته مع الخاذلين وخنته مع الخائنين فلا ابن عمك آسيت ولا الأمانة أديت وكأنك لم تكن الله تريد بجهادك وكأنك لم تكن على بينة من ربك وكأنك إنما كنت تكيد هذه الأمة عن دنياهم وتنوي غرتهم عن فيئهم فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة أسرعت الكرة وعاجلت الوثبة فاختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى الكسيرة فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثم من أخذه كأنك لا أبا لغيرك حدرت على أهلك تراثك من أبيك وأمك. فسبحان الله أما تؤمن بالمعاد؟ أما ما تخاف من نقاش الحساب؟ أيها المعدود كان عندنا من ذوي الألباب كيف تسيغ شرابا وطعاما وأنت تعلم أنك تأكل حراما وتشرب حراما؟ وتبتاع الإماء وتنكح النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال وأحرز بهم هذه البلاد. فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار. ووالله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل فعلك الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة ولا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما وأزيح الباطل عن مظلمتهما. وأقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذته من أموالهم حلال لي أتركه ميراثا لمن بعدي. فضح رويدا فكأنك قد بلغت المدى ودفنت تحت الثرى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة ويتمنى المضيع الرجعة فيه ولات حين مناص.

فرد عليه عبد الله بن عباس: أما بعد فقد أتاني كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة ولعمري إن حقي في بيت المال لأكثر مما أخذت والسلام.

فكتب إليه علي عليه السلام: أما بعد فإن من العجب أن تزين لك نفسك أن لك في بيت مال المسلمين من الحق أكثر مما لرجل من المسلمين فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل وادعاؤك ما لا يكون ينجيك من المأثم ويحل لك المحرم إنك لانت المهتدي السعيد إذا. وقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا تشتري بها مولدات مكة والمدينة والطائف تختارهن على عينك وتعطي فيهن مال غيرك. فارجع هداك الله إلى رشدك وتب إلى الله ربك واخرج إلى المسلمين من أموالهم فعما قليل تفارق من ألفت وتترك ما جمعت وتغيب في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد قد فارقت الأحباب وسكنت التراب وواجهت الحساب غنيا عما خلفت فقيرا إلى ما قدمت والسلام.

فكتب إليه عبد الله بن عباس أما بعد قد فإنك أكثرت علي ووالله لان ألقى الله قد احتويت على كنوز الأرض كلها من ذهبها وعقيانها ولجينها أحب إلي من أن ألقاه بدم امرء مسلم والسلام[24].

وعن علي رضي الله عنه: اللهم العن ابني فلان - يعني عبدالله بن عباس وعبيدالله بن عباس -، وأعمم أبصارهما، كما عميت قلوبهما الأجلين في رقبتي واجعل عمى أبصارهما دليلا على عمى قلوبهما[25].

وعن زين العابدين رحمه الله أنه قال لابن العباس: فأما أنت يا بن عباس ففيمن نزلت هذه الآية (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ( [الحج: 13] في أبي أوفى أبيك، ثم قال: أما والله لولا ما تعلم لأعلمتك عاقبة أمرك ما هو وستعلمه . . . ولو أذن لي في القول لقلت ما لو سمع عامة هذا الخلق لجحدوه وأنكروه[26].

وعنه أيضاً وقد بعث إليه ابن عباس من يسأله عن هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( [آل عمران: 200]. فغضب علي بن الحسين، وقال للسائل: وددت أن الذي أمرك بهذا واجهني به، ثم قال: نزلت في أبي وفينا، ولم يكن الرباط الذي أمرنا به بعد وسيكون ذلك ذرية من نسلنا المرابط، ثم قال: أما إن في صلبه - يعني ابن عباس - وديعة ذرئت لنار جهنم، سيخرجون أقواما من دين الله أفواجا، وستصبغ الأرض بدماء فراخ من فراخ آل محمد عليهم السلام، تنهض تلك الفراخ في غير وقت، وتطلب غير مدرك، ويرابط الذين آمنوا ويصبرون ويصابرون حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين[27].

وعن الباقر رحمه الله وقد قيل له: أن فلانا يعنى عبد الله بن العباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفيم نزلت. قال: فسله فيمن نزلت: (وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً( [الإسراء: 72] وفيم نزلت: وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ( [هود: 34] وفيم نزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( [آل عمران: 200]. فأتاه الرجل وقال: وددت الذي أمرك بهذا واجهني به فأسائله، ولكن سله ما العرش ومتى خلق وكيف هو؟ فانصرف الرجل إلى أبي فقال له ما قال، فقال: وهل أجابك في الآيات؟ قال: لا. قال: ولكني أجيبك فيها بنور وعلم غير المدعى والمنتحل، أما الأوليان فنزلتا في أبيه، وأما الأخيرة فنزلت في أبي وفينا[28].

فهذا حال ابن عباس رضي الله عنهما عند الشيعة، الذي ينتهي اليه سند الخطبة الشقشيقة.

رواية الطوسي(ت: 460 هـ): أخبرنا الحفار، قال: حدثنا أبو القاسم الدعبلي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أخي دعبل، قال: حدثنا محمد بن سلامة الشامي، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، عن ابن عباس، وعن محمد، عن أبيه، عن جده عليه السلام، قال: ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب .. الرواية.[29]
الحفار مجهول[30]، والدعبلي كان كذابا وضاعا للحديث، لا يلتفت إلى ما يروي، وهو ضعيف بابي محمد المحمدي وهلال الحفار، وكان مختلط الامر في الحديث، يعرف منه وينكر.[31]، ومحمد بن سلامة الشامي لم يذكروه.[32]

رواية ابن طاووس الحلي (ت: 664 هـ): ( قال عبد المحمود ) : ولقد وجدت هذه الخطبة أيضا في كتاب بخزانة كتب المدرسة النظامية العتيقة الذي سماه صاحب كتاب الغارات في الجزء الثاني منه في كتاب مقتل علي بن أبي طالب عليه السلام .. وهذه ألفاظ الرواية من كتاب الغارات في مدرسة النظامية : قال : حدثنا محمد قال حدثنا حسن بن علي الزعفراني قال : حدثنا محمد ابن زكريا القلابي قال : حدثنا يعقوب بن جعفر بن سليمان عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال : أبو محمد حدثني به قبل ذهاب بصره وقال أبو بكر محمد بن وثيق حدثنا محمد بن زكريا بهذه الإسناد عن ابن عباس أنه قال : كنت عند أمير المؤمنين عليه السلام في الرحبة إذ تنفس الصعداء ، ثم قال : أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب .. فذكر الرواية.[33]
عبدالمحمود هو ابن طاووس نفسه وكان يستخدم هذا الإسم في كتابه هذا، والزعفراني مجهول[34]، وكذلك حال يعقوب بن جعفر[35].

وللشيخ علاء الدين البصير بحث جميل في الباب، أسماه "أسطورة الخطبة الشقشقية". خلص فيه إلى القول:
1 - ان الاسانيد الواردة لهذه الخطبة ثلاثة فقط، تنتهي الى (ابن عباس)، اثنان منها رواهما (عكرمة) الساقط عند علماء الشيعة عنه.
2 - لم يروها ذريته المقربين اليه - الائمة الاثنى عشر وغيرهم - على الرغم من كثرتهم، وتعلق موضوع الخطبة بهم تعلقاً مباشراً، ولم يستدلوا بها مطلقاً على من خالفهم.
3 - لم يروها اصحاب علي رضي الله عنه الملازمين له والمقربين اليه، على الرغم من كثرتهم، ولم يحتجوا بها على مخالفيهم.
4 - لا اثر لهذه الخطبة جملة وتفصيلاً في الكتب الاربعة المعتمدة عند الشيعة والتي تحوي التراث الروائي للائمة.
5 - الكتب الاربعة المكملة لعقد الثمانية الاصول عند الشيعة لم ترد هذه الخطبة، الا في واحد منها وهو بحار الانوار المتأخر جداً، ناقلاً اياها عن كتب اخرى من غير استقلالية بإيراد، وبأسانيد ضعيفة هالكة.
6 - ان شيوع هذه الخطبة واشتهارها، لم يتحقق الا بعد صدور النهج لا قبله، وكل هذه المصادر المزعومة لم يكن لها تحقق، او ذكر الا بعد ايراد صاحب النهج لها. فلو رجعنا الى الكتب المعتمدة عن الشيعة والقديمة جداً من امثال كتاب (سليم بن قيس الهلالي) والذي يسمى (ابجد الشيعة) فإننا لن نجد فيه ما يدل على انه قد جاء بألفاظ هذه الخطبة او اعتمد عليها، وكذلك غيره من الكتب القديمة، ولن تعثر حتى لو انفنيت عمرك في البحث في هذه الكتب عن أي اشارة تخص هذه الخطبة.
7 - ان متن هذه الخطبة بما يحويه من جمل غير مستساغة، ينفي امكانية نسبتها الى الامام علي رضي الله عنه من جهة:
أ - ان فيها احكاماً لا يمكن اثباتها الا بيقين لأنها تمثل جرحاً وطعناً بالأمة ورموزها يرفع الاصل الثابت لها شرعاً وعقلاً من براءة الذمة، وسلامة الطوية لهذه الامة ورموزها.
ب - لم يرد عن علي رضي الله عنه أنه قد كرر هذا الكلام او اعاده، او ذكر ما يشبهه، او يقترب منه من حيث الدلالة على الحكم.
ج - ان المذكور في هذا المتن يخالف الاصول والثوابت المقررة، والتي يثبت لها حكم القطع من المدح والثناء والفضل لصحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لذا فالمفترض ان تكون هذه الخطبة على درجة عالية من الشهرة قد تصل الى التواتر حتى يصح اثباتها والاحتجاج بها.
د - لم يرد مطلقاً عن واحد من الائمة أنه تلفظ بألفاظ شبيهة بألفاظ هذه الخطبة او قريبة منها على سبيل الاقتباس.
هـ - اورد صاحب النهج خطباً تخالف من حيث الدلالة والمضمون الواردة في الخطبة (الشقشقية) وتعارض ما يستدلون به عليها.


[1] نهج البلاغة، 2/18

[2] نهج البلاغة، 2/30

[3] نهج البلاغة، 2/222

[4] نهج البلاغة، 4/107، قال ابن أبي الحديد في شرحه انهج البلاغة، 20/218: هذا الوالي هو عمر بن الخطاب، وهذا الكلام من خطبة طويلة خطبها في أيام خلافته، يذكر فيها قربه من النبي صلى الله عليه وآله واختصاصه، له، وإفضاءه بأسراره إليه، حتى قال فيها، فاختار المسلمون بعده بآرائهم رجلا منهم، فقارب وسدد حسب استطاعته، على ضعف وحد كانا فيه، ووليهم بعده والٍ فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه

[5] نهج البلاغة، 234

[6] نهج البلاغة، 141

[7] نهج البلاغة، 177

[8] شرح نهج البلاغة، لميثم البحراني، 4/98

[9] نهج البلاغة، 446

[10] نهج البلاغة، 178

[11] نهج البلاغة، 322

[12] نهج البلاغة، 350

[13] نهج البلاغة، 247

[14] علل الشرايع، للصدوق، 1/150

[15] معاني الأخبار، للصدوق، 361

[16] المفيد من معجم رجال الحديث، للجواهري، 559

[17] معجم رجال الحديث، للخوئي، 15/231

[18] خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، للحلي، 383

[19] التحرير الطاووسي، لحسن زين الدين العاملي، 436

[20] طرائف المقال، لعلي البروجردي، 2/100

[21] الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة، لعلي الحسيني الميلاني، 33، انظر أيضاً: آية التطهير، للميلاني، 16، تشييد المراجعات، للميلاني، 1/228، محاضرات في الاعتقادات، للميلاني، 1/59، نفحات الأزهار، للميلاني، 20/89

[22] مفاهيم القرآن (العدل والإمامة)، لجعفر السبحاني، 10/160

([23]) بحار الأنوار، للمجلسي، 42/153، اختيار معرفة الرجال، للطوسي، 1/279، معجم رجال الحديث، للخوئي، 11/252، أعيان الشيعة، لمحسن الأمين، 1/526، 8/56

([24]) بحار الأنوار، للمجلسي، 33/502، 42/185، نهج السعادة، للمحمودي، 5/345، أعيان الشيعة، لمحسن الأمين، 1/527، 8/56

([25]) اختيار معرفة الرجال، للطوسي، 1/270، 330، معجم رجال الحديث، للخوئي، 11/255، 12/81

([26]) اختيار معرفة الرجال، للطوسي، 1/276، معجم رجال الحديث، للخوئي، 11/252

([27]) الغيبة، للنعماني، 206، بحار الأنوار، للمجلسي، 24/219

([28]) وسائل الشيعة، للحر العاملي، 27/193، الاختصاص، للمفيد، 71، بحار الأنوار، للمجلسي، 22/289، 24/374، 378، 42/149، 55/24، 58/24، 26، تفسير العياشي، للعياشي، 2/305، تفسير القمي، للقمي، 2/23، تفسير نور الثقلين، للحويزي، 2/350، 3/196، اختيار معرفة الرجال، للطوسي، 1/273، معجم رجال الحديث، للخوئي، 11/250

[29] الأمالي، للطوسي، ٣٧٢

[30] المفيد من معجم رجال الحديث، للجواهري، 655

[31] الفهرست، للطوسي،  50 ، خلاصة الأقوال، للحلي، 316، نقد الرجال، للتفرشي، 1 /224، المفيد من معجم رجال الحديث، للجواهري، 68

[32] مستدركات علم رجال الحديث، لعلي النمازي، 7/114

[33] الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، لابن طاووس، ٤٢٠

[34] المفيد من معجم رجال الحديث، للجواهري، 150

[35] المفيد من معجم رجال الحديث، للجواهري، 673