Difa e Islam | الدفاع عن الإسلام | دفاع الإسلام |
تغيير اللغة:

بيت الأحزان

بيت الأحزان

     بيت الأحزان هو البيت الذي يزعم الشيعة أن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بناه لفاطمة رضي الله عنها في البقيع؛ فكانت تأوي إليه للبكاء بعد رحيل أبيها صلى الله عليه وآله وسلم. وزعموا أنه تعرّض للهدم مرتين ويعتقد أنّه أعيد بناؤه بعد الهجوم الأول الذي قام به أتباع محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، ولكن اختفت معالمه بعد هجومهم الثاني سنة 1344 هـ.
     يقع بيت الأحزان بزعمهم في البقيع خلف مشهد الأئمة من أهل البيت الذي يقع بدوره في أعلى نقطة في البقيع على يمين الداخل.
     وكان هذا البيت يُزار في العقود والقرون السالفة والآلفة، كما تُزار المشاهد، إلى أن تم هدمه وذلك سنة 1344 هـ.
     قال المجلسي في بحاره : وجدت في بعض الكتب خبرا في وفاتها ( عليها السلام ) فأحببت إيراده وإن لم آخذه من أصل يعول عليه .
     روى ورقة بن عبد الله الأزدي قال : خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام راجيا لثواب الله رب العالمين ، فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء ، ومليحة الوجه عذبة الكلام ، وهي تنادي بفصاحة منطقها ، وهي تقول :
اللهم رب الكعبة الحرام ، والحفظة الكرام ، وزمزم والمقام ، والمشاعر العظام ورب محمد خير الأنام ، ( صلى الله عليه وآله ) البررة الكرام [ أسألك ] أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين ، وأبنائهم الغر المحجلين الميامين .
     ألا فاشهدوا يا جماعة الحجاج والمعتمرين أن موالي خيرة الأخيار ، وصفوة الأبرار ، والذين علا قدرهم على الاقدار ، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار المرتدين بالفخار.
     قال ورقة بن عبد الله : فقلت : يا جارية إني لأظنك من موالي أهل البيت ( عليهم السلام ) فقالت : أجل ، قلت لها : ومن أنت من مواليهم ؟ قالت : أنا فضة أمة فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفى ( صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ) . فقلت لها : مرحبا بك وأهلا وسهلا ، فلقد كنت مشتاقا إلى كلامك ومنطقك فأريد منك الساعة أن تجيبيني من مسألة أسألك ، فإذا أنت فرغت من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى آتيك وأنت مثابة مأجورة ، فافترقنا .
     فلما فرغت من الطواف وأردت الرجوع إلى منزلي جعلت طريقي على سوق الطعام وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس ، فأقبلت عليها واعتزلت بها وأهديت إليها هدية ولم أعتقد أنها صدقة ، ثم قلت لها : يا فضة أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وما الذي رأيت منها عند وفاتها بعد موت أبيها محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
     قال ورقة : فلما سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدموع ثم انتحبت نادبة وقالت : يا ورقة بن عبد الله هيجت علي حزنا ساكنا ، وأشجانا في فؤادي كانت كامنة ، فاسمع الآن ما شاهدت منها ( عليها السلام ) .
     اعلم أنه لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) افتجع له الصغير والكبير ، وكثر عليه البكاء ، وقل العزاء ، وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب والأولياء والأحباب والغرباء والأنساب ، ولم تلق إلا كل باك وباكية ، ونادب ونادبة ، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب ، والأقرباء والأحباب ، أشد حزنا وأعظم بكاء وانتحابا من مولاتي فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وكان حزنها يتجدد ويزيد ، وبكاؤها يشتد . فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين ، ولا يسكن منها الحنين ، كل يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول ، فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن ، فلم تطق صبرا إذ خرجت وصرخت ، فكأنها من فم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تنطق ، فتبادرت النسوان ، وخرجت الولائد والولدان ، وضج الناس بالبكاء والنحيب وجاء الناس من كل مكان ، وأطفئت المصابيح لكيلا تتبين صفحات النساء وخيل إلى النسوان أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد قام من قبره ، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم ، وهي ( عليها السلام ) تنادي وتندب أباه : وا أبتاه ، وا صفياه ، وا محمداه ! وا أبا القاسماه ، وا ربيع الأرامل واليتامى ، من للقبلة والمصلى ، ومن لابنتك الوالهة الثكلى .
     ثم أقبلت تعثر في أذيالها ، وهي لا تبصر شيئا من عبرتها ، ومن تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد ( صلى الله عليه وآله ) فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها ، ودام نحيبها وبكاها ، إلى أن أغمي عليها ، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت ، فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول : رفعت قوتي ، وخانني جلدي ، وشمت بي عدوي ، والكمد قاتلي ، يا أبتاه بقيت والهة وحيدة ، وحيرانة فريدة ، فقد انخمد صوتي ، وانقطع ظهري ، وتنغص عيشي ، وتكدر دهري ، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيسا لوحشتي ، ولا رادا لدمعتي ولا معينا لضعفي ، فقد فني بعدك محكم التنزيل ، ومهبط جبرئيل ، ومحل ميكائيل انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب ، وتغلقت دوني الأبواب ، فأنا للدنيا بعدك قالية وعليك ما ترددت أنفاسي باكية ، لا ينفد شوقي إليك ، ولا حزني عليك .
     ثم نادت : يا أبتاه والباه ، ثم قالت :
إن حزني عليك حزن جديد * وفؤادي والله صب عنيد
كل يوم يزيد فيه شجوني واكتيابي عليك ليس يبيد
جل خطبي فبان عني عزائي فبكائي كل وقت جديد
إن قلبا عليك يألف صبرا * أو عزاء فإنه لجليد
ثم نادت : يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها ، وزوت زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة ، فقد أسود نهارها ، فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها ، يا أبتاه لا زلت آسفة عليك إلى التلاق ، يا أبتاه زال غمضي منذ حق الفراق ، يا أبتاه من للأرامل والمساكين ، ومن للأمة إلى يوم الدين ، يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين يا أبتاه أصبحت الناس عنا معرضين ، ولقد كنا بك معظمين في الناس غير مستضعفين فأي دمعة لفراقك لا تنهمل ، وأي حزن بعدك عليك لا يتصل ، وأي جفن بعدك بالنوم يكتحل ، وأنت ربيع الدين ، ونور النبيين ، فكيف للجبال لا تمور ، وللبحار بعدك لا تغور ، والأرض كيف لم تتزلزل . رميت يا أبتاه بالخطب الجليل ، ولم تكن الرزية بالقليل ، وطرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم ، وبالفادح المهول . بكتك يا أبتاه الاملاك ، ووقفت الأفلاك ، فمنبرك بعدك مستوحش ، ومحرابك خال من مناجاتك ، وقبرك فرح بمواراتك ، والجنة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك . يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك ، فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلا عليك وأثكل أبو الحسن المؤتمن أبو ولديك ، الحسن والحسين ، وأخوك ووليك وحبيبك ومن ربيته صغيرا ، وواخيته كبيرا ، وأحلى أحبابك وأصحابك إليك من كان منهم سابقا ومهاجرا وناصرا ، والثكل شاملنا ، والبكاء قاتلنا ، والأسى لازمنا
ثم زفرت زفرة وأنت أنة كادت روحها أن تخرج ثم قالت :
قل صبري وبان عني عزائي بعد فقدي لخاتم الأنبياء
عين يا عين أسكبي الدمع سحا ويك لا تبخلي بفيض الدماء
يا رسول الاله يا خيرة الله * وكهف الأيتام والضعفاء
قد بكتك الجبال والوحش جمعا والطير والأرض بعد بكي السماء
وبكاك الحجون والركن والمشغر يا سيدي مع البطحاء
وبكاك المحراب والدرس للقرآن في الصبح معلنا والمساء
وبكاك الاسلام إذ صار في الناس غريبا من سائر الغرباء
لو ترى المنبر الذي كنت تعلوه علاه الظلام بعد الضياء
يا إلهي عجل وفاتي سريعا فلقد تنغصت الحياة يا مولائي
قالت : ثم رجعت إلى منزلها وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها ، وهي لا ترقأ دمعتها . ولا تهدأ زفرتها .
     واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) فقالوا له : يا أبا الحسن إن فاطمة ( عليها السلام ) تبكي الليل والنهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا ، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا ، وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلا أو نهارا ، فقال ( عليه السلام ) : حبا وكرامة .
     فأقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حتى دخل على فاطمة ( عليها السلام ) وهي لا تفيق من البكاء ، ولا ينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له ، فقال لها : يا بنت رسول الله - ( صلى الله عليه وآله ) - إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلا وإما نهارا .
     فقالت : يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لا أسكت ليلا ولا نهارا أو ألحق بأبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال لها علي ( عليه السلام ) : افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك .
     ثم إنه بنى لها بيتا في البقيع نازحا عن المدينة يسمى بيت الأحزان ، وكانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين ( عليهما السلام ) أمامها ، وخرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية ، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إليها وساقها بين يديه إلى منزلها .
     ولم تزل على ذلك إلى أن مضى لها بعد موت أبيها سبعة وعشرون يوما ، واعتلت العلة التي توفيت فيها ، فبقيت إلى يوم الأربعين ، وقد صلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) صلاة الظهر وأقبل يرد المنزل إذا استقبلته الجواري باكيات حزينات فقال لهن : ما الخبر ومالي أراكن متغيرات الوجوه والصور ؟ فقلن : يا أمير المؤمنين أدرك ابنة عمك الزهراء ( عليها السلام ) وما نظنك تدركها .
     فأقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مسرعا حتى دخل عليها ، وإذا بها ملقاه على فراشها وهو من قباطي مصر وهي تقبض يمينا وتمد شمالا ، فألقى الرداء عن عاتقه والعمامة عن رأسه ، وحل أزراره ، وأقبل حتى أخذ رأسها وتركه في حجره ، وناداها : يا زهراء ! فلم تكلمه ، فناداها : يا بنت محمد المصطفى ! فلم تكلمه ، فناداها : يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه وبذلها على الفقراء ! فلم تكلمه ، فناداها : يا ابنة من صلى بالملائكة في السماء مثنى مثنى ! فلم تكلمه ، فناداها : يا فاطمة كلميني فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب . قال : ففتحت عينيها في وجهه ونظرت إليه وبكت وبكى وقال : ما الذي تجدينه فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب . فقالت : يا ابن العم إني أجد الموت الذي لا بد منه ولا محيص عنه ، وأنا أعلم أنك بعدي لا تصبر على قلة التزويج فإن أنت تزوجت امرأة اجعل لها يوما وليلة واجعل لأولادي يوما وليلة يا أبا الحسن ولا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين فإنهما بالأمس فقدا جدهما واليوم يفقدان أمهما ، فالويل لامة تقتلهما وتبغضهما ثم أنشأت تقول :
ابكني إن بكيت يا خير هادي * وأسبل الدمع فهو يوم الفراق
يا قرين البتول أوصيك بالنسل * فقد أصبحا حليف اشتياق
ابكني وابك لليتامى ولا تنس * قتيل العدى بطف العراق
فارقوا فأصبحوا يتامى حيارى يحلف الله فهو يوم الفراق
قالت : فقال لها علي ( عليه السلام ) : من أين لك يا بنت رسول الله هذا الخبر ، والوحي قد انقطع عنا ؟ فقالت : يا أبا الحسن رقدت الساعة فرأيت حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في قصر من الدر الأبيض فلما رآني قال : هلمي إلي يا بنية فإني إليك مشتاق فقلت : والله إني لأشد شوقا منك إلى لقائك ، فقال : أنت الليلة عندي وهو الصادق لما وعد والموفي لما عاهد .
     فإذا أنت قرأت يس فاعلم أني قد قضيت نحبي فغسلني ولا تكشف عني فإني طاهرة مطهرة وليصل علي معك من أهلي الأدنى فالأدنى ومن رزق أجري وادفني ليلا في قبري ، بهذا أخبرني حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فقال علي : والله لقد أخذت في أمرها وغسلتها في قميصها ولم أكشفه عنها فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكفنتها وأدرجتها في أكفانها فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت يا أم كلثوم ! يا زينب ! يا سكينة ! يا فضة ! يا حسن ! يا حسين ! هلموا تزودوا من أمكم فهذا الفراق واللقاء في الجنة .
     فأقبل الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وهما يناديان وا حسرتا لا تنطفئ أبدا من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا فاطمة الزهراء يا أم الحسن يا أم الحسين إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فاقرئيه منا السلام وقولي له : إنا قد بقينا بعد يتيمين في دار الدنيا .
     فقال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : إني أشهد الله أنها قد حنت وأنت ومدت يديها وضمتهما إلى صدرها مليا وإذا بهاتف من السماء ينادي يا أبا الحسن ارفعهما عنها فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب ، قال : فرفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء وأنا أنشد بهذه الأبيات :
فراقك أعظم الأشياء عندي وفقدك فاطم أدهى الثكول
سأبكي حسرة وأنوح شجوا على خل مضى أسنى سبيل
ألا يا عين جودي واسعديني فحزني دائم أبكي خليلي
ثم حملها على يده وأقبل بها إلى قبر أبيها ونادى : السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا نور الله ، السلام عليك يا صفوة الله مني السلام عليك والتحية واصلة مني إليك ولديك ، ومن ابنتك النازلة عليك بفنائك وإن الوديعة قد استردت ، والرهينة قد أخذت ، فوا حزناه على الرسول ، ثم من بعده على البتول ، ولقد اسودت علي الغبراء ، وبعدت عني الخضراء ، فوا حزناه ثم وا أسفاه .
     ثم عدل بها على الروضة فصلى عليه في أهله وأصحابه ومواليه وأحبائه وطائفة من المهاجرين والأنصار ، فلما واراها وألحدها في لحدها أنشأ بهذه الأبيات يقول :
أرى علل الدنيا علي كثيرة وصاحبها حتى الممات عليل
لكل اجتماع من خليلين فرقة وإن بقائي عندكم لقليل
وإن افتقادي فاطما بعد أحمد دليل على أن لا يدوم خليل[1].


[1] بحار الأنوار، للمجلسي، 43 /174